آدَابُ المُتَعَلِّمْ مَعَ المُعَلِّمْ
1 »» التواضع للمعلم ولو كان أصغر سنًا، إذا ليس من الذل المكروه أن يتذلل طالب العلم لمعلمه.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:
ذللت طالبًا، فعززت مطلوبًا.
وقال شعبة:
كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ما حييت.
2 »» احترام العالم وتقديره وإكرامه، والنظر اليه بعين الإكبار والإجلال والتعظيم.
قال الشافعي:
كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحًا رقيقًا هيبة لئلا يسمع وقعها.
وقال الربيع:
والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله علي وسلم-:" ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" رواه أبو داود والترمذي.
وعن عائشة -رضي الله عنه- قالت:
أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم. رواه مسلم.
3 »» القيام للعالم عند دخوله، وتقبيل يده احترامًا ومحبة وتبركًا وتقديرًا.
قال الله تعالى: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)" الحج .
وعن الوازع بن عامر -رضي الله عنه- قال:
قدمنا، فقيل: ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأخذنا بيده ورجليه نقبلهما. رواه البخاري.
وعن جابر -رضي الله عنه-
أن عمر -رضي الله عنه- قبّل يد النبي -صلى الله عليه وسلم-. رواه ابن المقري.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قصة قال فيها:
فدنونا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبلنا يده. رواه أبو داود.
وعن ابن جدعان قال ثابت لأنس -رضي الله عنهم-:
أمسست النبي بيدك؟ قال نعم. فقبّلها. رواه البخاري.
وعن صهيب -رضي الله عنه- قال:
رأيت عليّا -رضي الله عنه- يقبّل يد العباس -رضي الله عنه- ورجليه. رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
ما رأيت أحد أشبه سمتًا ودلا وهديًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فاطمة كرّم الله وجهها فكانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته مجلسها. رواه أصحاب السنن.
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه-
أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء، فقال: "قوموا الى سيدكم" وذكر الحديث. رواه الشيخان وأبو داود.
4 »» التأدب في مجلس العالم بجلسته وكلامه، وحسن استماعه وسؤاله.
قال الحسن -رضي الله عنه- لابنه:
يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول.
5 »» تجنب الانصراف، ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المُعلم، فإذا أذن له فليستغفر الله لأن الأولى أن لا يغادر مجلس العلم قبل انتهائه.
قال تعالى:
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62)" النور.
6 »» الاستئذان في الصحبة، وطلب العلم من المُعلم. وطاعته في كل ما يأمره به.
قال الله تعالى:
"قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) الكهف.
7 »» القيام بحقوق المُعلم على أكمل وجه، وقد جمعها الكثير من السلف الصالح نختار منها ما يلي:
قال الإمام علي -رضي الله عنه-:
من حق العالم عليك أن تُسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيديك، ولا تغمز بعينك غيره، ولا تقولن قال فلان خلاف قوله، ولا تغتابن عنده أحدً، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره لله تعالى وإن كانت له حاجة سبقت القوم الى خدمته، ولا تسارر أحدًا في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا ملّ، ولا تشبع من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء.
وقال علي بن الحسن -رضي الله عنهما:
حق أستاذك عليك، التعظيم له، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكره أحد عندك بسوء وأن تظهر مناقبه، ولا تجالس عدوه، ولا تعادي وليه، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله عز وجل لا للناس.
وقال الإمام الغزالي:
آداب المتعلم مع العالم أن يبدأه بالتحية والسلام، وأن يقل بين يديه الكلام، ويقوم له إذا قام، ولا يتكلم ما لم يسأل، ولا يسأل أولا ما لم يستأذن، ولا يعارض كلامه، ولا يشير عليه بخلاف رأيه، ولا يشاور جليسه في مجلسه، ولا يضحك عند مخاطبته، ولا يكثر الالتفات بحضرته، بل يجلس مطرقا ساكنا كأنه في الصلاة، ولا يستفهمه عن مسألة في طريقه، ولا يتبعه بكلامه وسؤاله، ولا يسيء الظن في أفعال ظاهرها منكرة له فهو أعلم بأسراره، وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر عليهما السلام: (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا) وكونه مخطئًا في إنكاره واعتراضه اعتمادًا على ظاهره.
وقال بعض العلماء:
من حق أستاذك عليك أن تتواضع له وتحبه حب الفناء، ولا تخرج عن رأيه وتوجيهه، وأن تشاوره فيما تقصده، وتتحرى رضاه فيما يعتمده، وتنظر اليه بعين الإجلال، وتعتقد فيه درجة الكمال، وأن تعرف حقه، ولا تنسى له فضله، وتحضر الى درسه قبل أن يأتي، ولا تتنقل أثناء درسه، ولا تتقدم في السير عليه، وأن تدعو له مدة حياته، وأن تصبر على صحبته، وتجلس بين يديه بسكون وتواضع واحترام، وأن تصغي إليه، وتنظر اليه مقبلا بكليتك عليه، غير ملتفت عنه، وأن لا تعبث بيديك أو رجليك أو أنفك أو دفترك أثناء كلامه، وأن تدفع الضحك والقهقهة والتثاؤب في حضرته، وأن تستأذن للدخول عليه وللانصراف من عنده، وأن تدخل عليه كامل الهيئة، متطهر البدن، نظيف الثياب، فارغا من الشواغل، حاضر القلب بذكر الله عز وجل وإرادة وجهه.
وقال الامام الشافعي:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ***** ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وقال شوقي:
قــــــــــم للمعلم وفه التبجيلا ***** كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو أجلّ من الذي ***** يبني وينشئ أنفسا وعقولا
وقال غيره:
أرى فضل أستاذي على فضل والدي وإن ***** نالني مـــــــــــن والدي العزّ والتحف
فهذا مربي العقـــــــل والعقــــــــل جوهر ***** وهذا مربي الجسم والجسم من صدف