آلة الإرهاب الصهيوني
وما كانت آلة الإرهاب الصهيوني التي نمت تحت سمع وبصر السلطات البريطانية خلال هذه المرحلة أن تبلغ هذا الشأن إلا بمساعدة بريطانيا نفسها. وعبارة الإرهابي الصهيوني إسحق بن تسفي ذات دلالة، إذ قال: "نعم.. هناك جبهة بريطانية يهودية.. إن لم تكن في السياسة فهي في الخنادق"، بمعنى أنه رغم الاختلافات السياسية إلا أن السلطات البريطانية هي التي أمدت المنظمات العسكرية الصهيونية بالسلاح ومنحت المستوطنين الصهاينة تراخيص حملة (جرى منح 120 رخصة لليهود في مدينة القدس وحدها) وحجبت هذه التراخيص عن المواطنين العرب، وهي أيضاً التي اعترفت بهذه المنظمات، ومن المعروف أن 800 عضو في الهاجاناه التحقوا بصفوف الشرطة البريطانية في فلسطين وتدربوا على البندقية البريطانية عام 1936 في وضح النهار.
ولقد اشتركت المؤسسات الصهيونية على اختلافها في الإعداد للعمل الإرهابي حيث كانت التدريبات تجرى أسبوعياً في المدارس العبرية والدينية والمصانع الصغيرة والحمامات ودور العبادة اليهودية. وهكذا لم يكن النشاط الإرهابي عملاً على هامش الحركة الصهيونية. بل كان عملاً يرتبط بالوجود الصهيوني وبطبيعة الاستيطان الإحلالية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية دخلت المنظمات العسكرية الصهيونية في جدل حول السياسة التي يتعين اتباعها إزاء السلطات البريطانية. فهل تواصل الطريق الذي شرعت فيه بعد صدور الكتاب الأبيض عام 1939 فتوجِّه قسطاً من أعمال العنف تجاه أهداف بريطانية، أم تلتزم بمهادنة بريطانيا ودعمها في الحرب ضد النازية؟ وإذا كانت أعمال الإرهاب الصهيوني في فلسطين لم تتوقف تماماً خلال فترة الحرب العالمية، فإن نشاطها الذي خفَّت حدته كثيراً بين عامي 1940 و1944 يمكن وصفه بالكمون مقارنة بسنوات قبل الحرب وبعدها. وقد لا يعود ذلك إلى محض اختيار المنظمات العسكرية الصهيونية، فالسلطات البريطانية من جانبها شدَّدت قبضتها على البلاد مع نشوب الحرب فاعتقلت على الفور نشطاء وقيادات الحركة الصهيونية إلى جانب الثوار العرب. وتوصلت إلى تسويات مع الهاجاناه وإتسل قبل أن تعيد إطلاق سراح المعتقلين. وهكذا أعلنت قيادة الحركة الصهيونية أثناء فترة الحرب نبذ أعمال الإرهاب وهو الأمر الذي أعلنت كل من الهاجاناه وإتسل قبوله (ورفضته منظمة ليحي).
وقد وجدت المنظمات الصهيونية سنوات الحرب العالمية فرصة لتطوير نفوذها وتقوية هياكلها وتسليحها تمهيداً للانطلاق عند انتهاء الحرب. فزادت عدداً وعدة وأضفت على وجودها قدراً من الشرعية بالتعاون مع بريطانيا والحلفاء. وهكذا أعدت المنظمات نفسها للانطلاق لاحقاً نحو هدفين: الأول إجبار الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين على مغادرة أراضيهم بما فيها تلك التي يشكلون فيها أغلبية ساحقة وهي الأرض التي خصهم بها مشروع التقسيم لاحقاً. والثاني الضغط على البريطانيين لإلغاء القيود المفروضة وبخاصة على الهجرة والعمل من أجل إقامة دولة صهيونية بأسرع الوسائل.
هذا لا ينفي امتداد دائرة العنف الصهيوني لتشمل البريطانيين والأوربيين بل أحياناً اليهود. ففي عام 1944 أعلنت إتسل وقف هدنتها مع البريطانيين بنسف منزل في يافا بحجة أنه مقر للشرطة البريطانية، وكررت نفس الأعمال في حيفا والقدس. وقد بلغ النشاط الإرهابي الصهيوني ضد البريطانيين ذروته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحديداً خلال عام 1946، حيث اتفقت المنظمات على توجيه ضربات للبريطانيين كان أشهرها نسف فندق الملك داود في 22 يوليه عام 1946 والذي كان يضم مكاتب إدارة الانتداب البريطاني، والتي افتخر بيجين بتنفيذها باتفاق مسبق مع الهاجاناه وليحي. وقد أسفر الانفجار عن مقتل 91 شخصاً بينهم 41 عربياً و28 بريطانياً و17 يهودياً وخمسة من جنسيات أخرى بينهم أمريكيون.
إلا أن الطابع الذي غلب على العمليات التي استهدفت سلطات الانتداب البريطاني كان السعي لتدمير البنية الأساسية للبلاد مثل السكك الحديدية والجسور والمطارات والموارد الاقتصادية مثل خط البترول الواصل إلى حيفا. ويبدو أن الهدف من ذلك كان إظهار عجز السلطات البريطانية عن إدارة البلاد وحفظ الأمن. ولقد أصدرت السلطات البريطانية في يوليه عام 1946 كتاباً أبيض يكشف وقائع الإرهاب الصهيوني والتنسيق بين المنظـمات الثلاث، وهو الكـتاب الذي اعترف بيـجين بمصـداقية ما جاء فيه.
ويلفت النظر أن فترة ما بعد إعلان الحرب العالمية الثانية قد شهدت ما يمكن تسميته إعادة تصدير بؤر النشاط الإرهابي الصهيوني إلى المنطقة العربية وأوربا. ولا يقف الأمر عند حدود قيام إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري من عصابة ليحي بقتل الوزير البريطاني اللورد موين في القاهرة في 6 نوفمبر عام 1944. (اعترف بن جوريون لاحقاً أنه ساهم في التستر على القتلة رغم تظاهره بإدانة الحادث). فقد نفَّذت العصابات الصهيونية العديد من الأعمال الإرهابية التي راح ضحيتها أبرياء في أوربا، فدبرت ليحي انفجاراً في فندق بفيينا ينزل به ضباط بريطانيون أسفر عن مصرع سيدة نمساوية. وقد بلغ إجرام العصابات الصهيونية حد التخطيط في مطلع عام 1948 لتسميم مصادر المياه في العاصمة البريطانية بجراثيم الكوليرا. وقد تولَّى إلياب، أحد قادة ليحي بنفسه، تدبير زجاجات الجراثيم عبر بعض الأطباء اليهود في معهد باستير في باريس. إلا أن صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين والإعلان عن إنهاء الانتداب البريطاني عليها جعل المنظمة تصرف النـظر عن تنفيذ العمـلية التي كانت قد بـلغت نهاية مرحـلة الإعداد. وذلك كما ورد في مذكرات يعقوب إلياب نفسه. (من المعروف أن وباء الكوليرا انتشر في مصر بعد عام 1948، وقد انتشرت شائعات في ذلك الحين عن أن الأمر قد يكون له علاقة بالدولة الصهيونية).
ويُلاحَظ أن مثل هذا النشاط الذي جرى خارج فلسطين لم يقف وراءه فقـط مبعوثو منـظمات الإرهاب الصهيوني المتجولون في أنحاء العالم، بل إن العديد من الخلايا الإرهابية تم زرعها لتستقر في مدن وعواصم العالم والشرق الأوسط وبخاصة بغداد. والجدير بالذكر أن عزرا وايزمان كان عضواً في خلية إرهابية زرعتها إتسل في بريطانيا. ولقد أدخل الإرهاب الصهيوني إلي المنظمات أساليب الطرود الملغومة والاختطاف واغتيال الشخصيات البارزة (مثل الوزير) البريطاني اللورد موين في معاهدة 1946) على نطاق واسع منذ الأربعينيات.
كما تواصل قبل قيام الدولة عام 1948 قيام منـظمات الإرهاب الصهيونية بالأعمال التي تضم عصابات السرقة والإجرام العادية. إلا أن الأكثر مدعاة للتأمل هو تفاخر قادة المنظمات الصهيونية العسكرية (وقادة الدولة الإسرائيلية فيما بعد) بقيامهم بتخطيط وتنفيذ السطو على البنوك والممتلكات. ومن بين هذه الأعمال سرقة البنك العثماني في 13 سبتمبر 1946 وبنك باركليز في أغسطس عام 1947 لحساب ليحي. وقد أُلقي القبض على بعض أعضاء الجماعات الإرهابية الصهيونية وحُكم على بعضهم بالسجن بسبب تلك الأعمال المشينة ومن بين هؤلاء يهوشاع زلتر الذي حُكم عليه بـ 15 عاماً بسبب سطوه على أحد البنوك في تل أبيب. والملاحظ أن العديد من تلك الأعمال مثل سرقة 27 ألف ليرة من بنك ديسكونت في 24 مارس 1947 لحساب ليحي قد حظيت باهتمام مذكرات قيادات الإرهاب الصهيوني والتي أبرزت وقائعها المشينة في وصف ملئ بالفروسية والإثارة والتفاخر. إلا أن التعبير الأساسي والمتبلور عن الإرهاب الصهيوني في هذه الفترة هو سلسلة المذابح التي ارتكبت ضد العرب بهدف إبادة الأقلية وإرهاب الأٌلبية حتى يترك الفلسطينيون أرضهم لتصبح أرضاً بلا شعب.
ولم ترحم آلة الإرهاب الصهيونية المهاجرين اليهود أنفسهم، حيث تصدت المنظمات العسكرية الصهيونية في الثلاثينيات لجماعات البوند وحزب بوعليه صهيون (عمال صهيون) الذين جاءوا من بولندا مطالبين بإلغاء سيطرة اللغة العبرية على المُستوطَن الصهيوني والاعتراف الرسمي باليديشية. فأشبعوهم ضرباً وتهديداً ورجماً بالحجارة وتهشيماً لواجهات حوانيتهم التي تحمل لافتات كتبت باليديشية. كما قام عضوان من الحركة التصحيحية في عام 1933 بقتل حاييم أرلوزوروف رئيس القسم السياسي في الوكالة اليهودية وأحد قادة الماباي. كما قامت إحدى المنظمات الصهيونية باغتيال يعقوب دهان المفكر الديني اليهودي الذي كان معروفاً بعدائه للصهيونية. وقد اعترف قتلته بارتكاب الحادث في الثمانينيات بعد ما يزيد عن نصف قرن من الإنكار، وبعد التلميح لعدة سنوات بأن يعقوب دهان كانت تربطه علاقة شاذة مع أحد الشبان العرب، وأن هذا هو الذي تسبب في مصرعه.
ولعل أشهر الحوادث التي تعرَّض لها اليهود في المنطقة خلال عام 1940 كان على أيدي العصابات الصهيونية نفسها حين فجَّر إرهابيو الهاجاناه السفينة باتريا في ميناء حيفا وسقط ضحية العمل 250 يهودياً ثمناً للضغط على السلطات البريطانية كي تستجيب لطوفان الهجرة غير الشرعية بعد تحميلها وزر هؤلاء الضحايا. أما الأطفال اليهود في اليمن والعراق فقد اختطفهم الإرهاب الصهيوني عنوة بالعشرات من أُسرهم إلى فلسطين. إلا أن خط الحركة الصهيونية وتنظيماتها العسكرية لم يكن مستقيماً بأية حال إزاء الأطراف المتحاربة.
فرغم الضجة العنصرية التي أحاطـت بها الصـهيونية ما تعـرَّض له يهود أوربيين على أيدي النازية، فإن المذكرات والكتابات التاريخية للصهاينة أنفسهم قد كشفت في وقت لاحق الروابط التي تم نسجها بين الحركتين الصهيونية والنازية وتحديداً في مجال النشاط الإرهابي. وبين ذلك التعاون السياسي والاستخباري بين الهاجاناه وجهاز الأمن الألماني منذ وصول النازيين إلى السلطة. وقد قام أيخمان نفسه بالفعل بزيارة يافا عام 1973 وأسفرت الزيارة عن إنشاء مكتب لتنظيم الهجرة تابع لجهاز الهاجاناه. أما أيخمان نفسه (الذي اختطفته السلطات الإسرائيلية فيما بعد وقامت بإعدامه) فكان مسئولاً عن الهجرة اليهودية لدى السلطات الألمانية النازية.
كما كان للجانبين الصهيوني والألماني النازي عميل مشترك يُدعَى "بوليكي" وهو صهيوني كان يمد النازيين بمعلومات استخبارية عن الحلفاء والحركتين القومية العربية والشيوعية. وكان يتم إعداد وتدريب وتسليح الإرهابيين الصهاينة في بولندا حتى عام 1940 بالاتفاق مع من أسمتهم المصادر الصهيونية بالمعادين لليهود. وذلك في إطار خطة جابوتنسكي وإتسل الرامية إلى إعداد جيش من 40 ألف صهيوني يقوم بغزو فلسطين. وقد اعترف الإرهابي الصهيوني إلياب أن العديد من كوادر إتسل وليحي قد طورت قدراتها الإرهابية تدريباً وتسليحاً في إطار هذه الخطة. كما فضح استمرار التعاون مع النازية والفاشية حين ذكر أن ليحي حصلت على أسلحة أثناء الحرب العالمية من الأراضي اللبنانية التي كانت تحت سيطرة حكومة فيشي وعن طريق الألمان والإيطاليين ولأغراض سياسية مشتركة.
المذابـح الصهيونيــة بين عامـي 1947 و1948
Zionist Massacres between 1947 and 1948
مذبحة دير ياسين:
وهي من أهم المذابح الصهيونية وأكثرها منهجية ومع هذا لم تكن دير ياسين سوى جزء من نمط أعم هو القيام بمذابح ذات طابع إبادي محدود، يتم الإعلان عنها بطريقة درامية لتبث الذعر في نفوس العرب الفلسطينيين فيهربون. وبذا تتم عملية التطهير العرْقي وتصبح فلسطين أرضاً بلا شعب. كما كانت فرق الإرهاب الصهيونية تنفِّذ بعض المذابح للانتقام ولتلقين العرب الفلسطينيين درساً في عدم جدوى المقاومة.
ومن أهم المذابح الصهيونية قبل عام 1948 ما يلي:
مذبحة قريتي الشيخ وحواسة (31 ديسمبر عام 1947):
انفجرت قنبلة خارج بناء شركة مصفاة بترول حيفا وقتلت وجرحت عدداً من العمال العرب القادمين إلى المصفاة. وإثر ذلك ثار العمال العرب بالشركة وهاجموا الصهاينة العاملين بالمصفاة بالمعاول والفؤوس وقضبان الحديد وقتلوا وجرحوا منهم نحو ستين صهيونياً. وكان قسم كبير من العمال العرب في هذه المصفاة يقطنون قريتي الشيخ وحواسة الواقعتين جنوب شرق حيفا، ولذا خطط الصهاينة للانتقام بمهاجمة البلدتين.
وفي ليلة رأس السنة الميلادية 1948 بدأ الصهاينة هجومهم بُعيد منتصف الليل وكان عدد المهاجمين بين 150، 200 صهيوني ركزوا هجومهم على أطراف البلدتين، ولم يكن لدى العرب سلاح كاف، ولم يتعد الأمر وجود حراسات محلية بسيطة في الشوارع. هاجم الصهاينة البيوت النائية في أطراف هاتين القريتين وقذفوها بالقنابل اليدوية ودخلوا على السكان النائمين وهم يطلقون نيران رشاشاتهم. وقد استمر الهجوم ساعة انسحب إثرها الصهاينة في الساعة الثانية صباحاً بعد أن هاجموا حوالي عشرة بيوت وراح ضحية ذلك الهجوم نحو 30 فرداً بين قتيل وجريح معظمهم من النساء والأطفال وتركوا شواهد من الدماء والأسلحة تدل على عنف المقاومة التي لقوها.
مذبحة قرية سعسع (14 ـ 15 فبراير 1948):
شنت كتيبة البالماخ الثالثة هجوماً على قرية سعسع، فدمرت 20 منزلاً فوق رؤوس سكانها، وأسفر ذلك عن مقتل 60 عربياً معظمهم من النساء والأطفال. وقد وُصفت هذه العملية بأنها "مثالية".
مذبحة رحوفوت (27 فبراير 1948):
حدثت في مدينة حيفا قرب رحوفوت حيث تم نسف قطار القنطرة الأمر الذي أسـفر عن اسـتشهاد سـبعة وعشرين عربياً وجرح ستة وثلاثين آخرين.
مذبحة كفر حسينية (13 مارس 1948):
قامت الهاجاناه بالهجوم على القرية وقامت بتدميرها وأسـفرت المذبحـة عن اسـتشهاد ثلاثين عربياً.
مذبحة بنياميناه (27 مارس 1948): حدثت مذبحتان في هذا الموضع حيث تم نسف قطارين، أولهما نُسف في 27 مارس وأسفر عن استشهاد 24 فلسطينياً عربياً وجرح أكثر من 61 آخرين، وتمت عملية النسف الثانية في 31 من نفس الشهر حيث استُشهد أكثر من 40 عربياً وجُرح 60 آخرون.
مذبحة دير ياسـين (9 أبريل 1948):
(انظر: «مذبحـة دير ياسين»).
مذبحة ناصر الدين (14 أبريل 1948):
اشتدت حدة القتال في مدينة طبربة بين العرب والصهاينة، وكان التفوق في الرجال والمعدات في جانب الصهاينة منذ البداية. وجرت محاولات لنجدة مجاهدي طبرية من مدينة الناصرة وما جاورها. وجاءت أنباء إلى أبناء البلدة عن هذه النجدة وطُلب منهم التنبه وعدم فتح النيران عليها. ولكن هذه الأنباء تسربت إلى العدو الصهيوني الذي سيطر على مداخل مدينة طبرية فأرسلت منظمتا ليحي والإرجون في الليلة المذكورة قوة إلى قرية ناصر الدين يرتدي أفرادها الملابس العربية، فاعتقد الأهالي أنهم أفراد النجدة القادمة إلى طبرية فاستقبلوهم بالترحاب، وعندما دخل الصهاينة القرية فتحوا نيران أسلحتهم على مستقبليهم، ولم ينج من المذبحة سوى أربعين عربياً استطاعوا الفرار إلى قرية مجاورة. وقد دمر الصهاينة بعد هذه المذبحة جميع منازل ناصر الدين.
مذبحة تل لتفنسكي (16 أبريل 1948):
قامت عصابة يهودية بمهاجمة معسكر سابق للجيش البريطاني يعيش فيه العرب وأسفر الهجوم عن استشهاد 90 عربياً.
مذبحة حيفا (22 أبريل 1948):
هاجم المسـتوطنون الصـهاينة مدينة حيفـا في منتصف الليل واحتلوها وقتلوا عدداً كبيراً من أهلها، فهرع العرب الفلسطينيون العُزل الباقون للهرب عن طريق مرفأ المدينة فتبعهم اليهود وأطلقوا عليهم النيران، وكانت حصيلة هذه المذبحة أكثر من 150 قتيلاً و40 جريحاً.
مذبحة بيت داراس (21 مايو 1948):
حاصر الإرهابيون الصهاينة قرية بيت داراس التي تقع شمال شرق مدينة غزة، ودعوا المواطنين الفلسطينيين إلى مغادرة القرية بسلام من الجانب الجنوبي، وسرعان ما حصدت نيران الإرهابيين سكان القرية العُزل وبينهم نساء وأطفال وشيوخ بينما كانوا يغادرون القرية وفق تعليمات قوة الحصار. وكانت نفس القرية قد تعرضت لأكثر من هجوم صهيوني خلال شهري مارس وأبريل عام 1948. وبعد أن نسف الإرهابيون الصهاينة منازل القرية وأحرقوا حقولها أقاموا مكانها مستعمرتين.
مذبحة اللد (أوائل يوليه 1948):
أي بعد إعلان الدولة الصهيونية (انظر: «مذبحة اللد»).
مذبحة دير ياسـين (9 أبريل 1948) Deir Yassin Massacre
مذبحة ارتكبتها منظمتان عسكريتان صهيونيتان هما الإرجون (التي كان يتزعمها مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد) وشتيرن ليحي (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة). وتم الهجوم باتفاق مسبق مع الهاجاناه، وراح ضحيتها زهاء 260 فلسطينياً من أهالي القرية العزل. وكانت هذه المذبحة، وغيرها من أعمال الإرهاب والتنكيل، إحدى الوسائل التي انتهجتها المنظمات الصهيونية المسلحة من أجل السيطرة على الأوضاع في فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة الصهيونية.
تقع قرية دير ياسين على بُعد بضعة كيلو مترات من القدس على تل يربط بينها وبين تل أبيب. وكانت القدس آنذاك تتعرض لضربات متلاحقة، وكان العرب، بزعامة البطل الفلسطيني عبد القادر الحسيني، يحرزون الانتصارات في مواقعهم. لذلك كان اليهود في حاجة إلى انتصار حسب قول أحد ضباطها "من أجل كسر الروح المعنوية لدى العرب، ورفع الروح المعنوية لدى اليهود"، فكانت دير ياسين فريسة سهلة لقوات الإرجون. كما أن المنظمات العسكرية الصهيونية كانت في حاجة إلى مطار يخدم سكان القدس. كما أن الهجوم وعمليات الذبح والإعلان عن المذبحة هي جزء من نمط صهيوني عام يهدف إلى تفريغ فلسطين من سكانها عن طريق الإبادة والطرد. كان يقطن القرية العربية الصغيرة 400 شخص، يتعاملون تجارياً مع المستوطنات المجاورة، ولا يملكون إلا أسلحة قديمة يرجع تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى.
في فجر 9 أبريل عام 1948 دخلت قوات الإرجون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة. وكما يقول الكاتب الفرنسي باتريك ميرسييون: "إن المهاجمين لم يخوضوا مثل تلك المعارك من قبل، فقد كان من الأيسر لهم إلقاء القنابل في وسط الأسواق المزدحمة عن مهاجمة قرية تدافع عن نفسها.. لذلك لم يستطيعوا التقدم أمام هذا القتال العنيف".
ولمواجهة صمود أهل القرية، استعان المهاجمون بدعم من قوات البالماخ في أحد المعسكرات بالقرب من القدس حيث قامت من جانبها بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين. ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خالية تماماً من أية مقاومة، فقررت قوات الإرجون وشتيرن (والحديث لميرسييون) "استخدام الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيداً، وهو الديناميت. وهكذا استولوا على القرية عن طريق تفجيرها بيتاً بيتاً. وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا "بتنظيف" المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ". وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم. واستمرت أعمال القتل على مدى يومين. وقامت القوات الصهيونية بعمليات تشويه سادية (تعذيب ـ اعتداء ـ بتر أعضاء ـ ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة)، وأُلقي بـ 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رمياً بالرصاص. وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة.
وكما يقول ميرسييون: "وخلال دقائق، وفي مواجهة مقاومة غير مسبوقة، تحوَّل رجال وفتيات الإرجون وشتيرن، الذين كانوا شباباً ذوي مُثُل عليا، إلى "جزارين"، يقتلون بقسوة وبرودة ونظام مثلما كان جنود قوات النازية يفعلون". ومنعت المنظمات العسكرية الصهيونية مبعوث الصليب الأحمر جاك دي رينييه من دخول القرية لأكثر من يوم. بينما قام أفراد الهاجاناه الذين احتلوا القرية بجمع جثث أخرى في عناية وفجروها لتضليل مندوبي الهيئات الدولية وللإيحاء بأن الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة (عثر مبعوث الصليب الأحمر على الجثث التي أُلقيت في البئر فيما بعد).
وقد تباينت ردود أفعال المنظمات الصهيونية المختلفة بعد المذبحة، فقد أرسل مناحم بيجين برقية تهنئة إلى رعنان قائد الإرجون المحلي قال فيها: "تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل". وفي كتابه المعنون الثورة كتب بيجين يقول: "إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي". وأضاف قائلاً: "لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل". وقد حاولت بعض القيادات الصهيونية التنصل من مسئوليتها عن وقوع المذبحة. فوصفها ديفيد شالتيل، قائد قوات الهاجاناه في القدس آنذاك، بأنها "إهانة للسلام العبري". وهاجمها حاييم وايزمان ووصفها بأنها عمل إرهابي لا يليق بالصهاينة. كما ندَّدت الوكالة اليهودية بالمذبحة. وقد قامت الدعاية الصهيونية على أساس أن مذبحة دير ياسين مجرد استثناء، وليست القاعدة، وأن هذه المذبحة تمت دون أي تدخُّل من جانب القيادات الصهيونية بل ضد رغبتها.
إلا أن السنوات التالية كشفت النقاب عن أدلة دامغة تثبت أن جميع التنظيمات الصهيونية كانت ضالعة في ارتكاب تلك المذبحة وغيرها، سواء بالاشتراك الفعلي في التنفيذ أو بالتواطؤ أو بتقديم الدعم السياسي والمعنوي.
1 ـ ذكر مناحم بيجين في كتابه الثورة أن الاستيلاء على دير ياسين كان جزءاً من خطة أكبر وأن العملية تمت بكامل علْم الهاجاناه "وبموافقة قائدها"، وأن الاستيلاء على دير ياسين والتمسك بها يُعَد إحدى مراحل المخطط العام رغم الغضب العلني الذي عبَّر عنه المسئولون في الوكالة اليهودية والمتحدثون الصهاينة.
2 ـ ذكرت موسوعة الصهيونية وإسرائيل (التي حررها العالم الإسرائيلي روفائيل باتاي) أن لجنة العمل الصهيونية (اللجنة التنفيذية الصهيونية) وافقت في مارس من عام 1948 على "ترتيبات مؤقتة، يتأكد بمقتضاها الوجود المستقل للإرجون، ولكنها جعلت كل خطط الإرجون خاضعة للموافقة المسبقة من جانب قيادة الهاجاناه".
3 ـ كانت الهاجاناه وقائدها في القدس ديفيد شالتيل يعمل على فرض سيطرته على كل من الإرجون وشتيرن، فلما أدركتا خطة شالتيل قررتا التعاون معاً في الهجوم على دير ياسين. فأرسل شالتيل رسالة إليهما تؤكد لهما الدعم السياسي والمعنوي في 7 أبريل، أي قبل وقوع المذبحة بيومين، جاء فيها: "بلغني أنكم تخططون لهجوم على دير ياسين. أود أن ألفت انتباهكم إلى أن دير ياسين ليست إلا خطوة في خططنا الشاملة. ليس لدي أي اعتراض على قيامكم بهذه المهمة، بشرط أن تجهِّزوا قوة كافية للبقاء في القرية بعد احتلالها، لئلا تحتلها قوى معادية وتهدِّد خططنا".
4 ـ جاء في إحدى النشرات الإعلامية التي أصدرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية أن ما وصف بأنه "المعركة من أجل دير ياسين" كان جزءاً لا يتجزأ من "المعركة من أجل القدس".
5 ـ أقر الصهيوني العمالي مائير بعيل في السبعينيات بأن مذبحة دير ياسين كانت جزءاً من مخطط عام، اتفقت عليه جميع التنظيمات الصهيونية في مارس 1948، وعُرف باسم «خطة د»، وكان يهدف إلى طَرْد الفلسطينيين من المدن والقرى العربية قبيل انسحاب القوات البريطانية، عن طريق التدمير والقتل وإشاعة جو من الرعب والهلع بين السكان الفلسطينين وهو ما يدفعهم إلى الفرار من ديارهم.
6 ـ بعد ثلاثة أيام من المذبحة، تم تسليم قرية دير ياسين للهاجاناه لاستخدامها مطاراً.
7 ـ أرسل عدد من الأساتذة اليهود برسائل إلى بن جوريون يدعونه فيها إلى ترك منطقة دير ياسين خالية من المستوطنات، ولكن بن جوريون لم يرد على رسائلهم وخلال شهور استقبلت دير ياسين المهاجرين من يهود شرق أوربا.
8 ـ خلال عام من المذبحة صدحت الموسيقى على أرض القرية العربية وأقيمت الاحتفالات التي حضرها مئات الضيوف من صحفيين وأعضاء الحكومة الإسرائيلية وعمدة القدس وحاخامات اليهود. وبعث الرئيس الإسرائيلي حاييم وايزمان برقية تهنئة لافتتاح مستوطنة جيفات شاؤول في قرية دير ياسين (مع مرور الزمن توسعت القدس إلى أن ضمت أرض دير ياسين إليها لتصبح ضاحية من ضواحي القدس).
وأياً ما كان الأمر، فالثابت أن مذبحة دير ياسين والمذابح الأخرى المماثلة لم تكن مجرد حوادث فردية أو استثنائية طائشة، بل كانت جزءاً أصيلاً من نمط ثابت ومتواتر ومتصل، يعكس الرؤية الصهيونية للواقع والتاريخ والآخر، حيث يصبح العنف بأشكاله المختلفة وسيلة لإعادة صياغة الشخصية اليهودية وتنقيتها من السمات الطفيلية والهامشية التي ترسخت لديها نتيجة القيام بدور الجماعة الوظيفية. كما أنه أداة تفريغ فلسطين من سكانها وإحلال المستوطنين الصهاينة محلهم وتثبيت دعائم الدولة الصهيونية وفَرْض واقع جديد في فلسطين يستبعد العناصر الأخرى غير اليهودية المكوِّنة لهويتها وتاريخها. وقد عبَّرت الدولة الصهيونية عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عاماً من وقوعها، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية: الإرجون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.
مذبحة اللد (أوائل يوليه 1948) Lod Massacre
تُعَد عملية اللد أشهر مذبحة قامت بها قوات البالماخ. وقد تمت العملية، المعروفة بحملة داني، لإخماد ثورة عربية قامت في يوليه عام 1948 ضد الاحتلال الإسرائيلي. فقد صدرت تعليمات بإطلاق الرصاص على أي شخص يُشاهَد في الشارع، وفتح جنود البالماخ نيران مدافعهم الثقيلة على جميع المشاة، وأخمدوا بوحشية هذا العصيان خلال ساعات قليلة، وأخذوا يتنقلون من منزل إلى آخر، يطلقون النار على أي هدف متحرك. ولقي 250 عربياً مصرعهم نتيجة ذلك (وفقاً لتقرير قائد اللواء). وذكر كينيث بيلبي، مراسل جريدة الهيرالد تريبيون، الذي دخل اللد يوم 12 يوليه، أن موشي دايان قاد طابوراً من سيارات الجيب في المدينة كان يُقل عدداً من الجنود المسلحين بالبنادق والرشاشات من طراز ستين والمدافع الرشاشة التي تتوهج نيرانها. وسار طابور العربات الجيب في الشوارع الرئيسـية، يطلق النيران على كل شيء يتـحرك، ولقد تناثرت جثث العرب، رجالاً ونساء، بل جثث الأطفال في الشوارع في أعقاب هذا الهجوم. وعندما تم الاستيلاء على رام الله أُلقى القبض، في اليوم التالي، على جميع من بلغوا سن التجنيد من العرب، وأُودعوا في معتقـلات خاصـة. ومرة أخرى تجوَّلت العربات في المدينتين، وأخذت تعلن، من خلال مكبرات الصوت، التحذيرات المعتادة. وفي يوم 13 يوليه أصدرت مكبرات الصوت أوامر نهائية، حدَّدت فيها أسماء جسور معيَّنة طريقاً للخروج".
التنظيـمات الصهيونية العسـكرية قـبل مايـو 1948
Zionist Military Organizations before May 1948
يمكن تقسيم التنظيمات الصهيونية العسكرية قبل عام 1948 من منظور الوظيفة التي تضطلع بها إلى قسمين أساسيين. فكانت بعض التنظيمات توجه عملياتها العسكرية ضد السكان العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد، وكان البعض الآخر يُوظِّف نفسه في خدمة الدولة الإمبريالية الراعية وصراعاتها الممتدة إلى خارج المنطقة. وهذا الازدواج في الوظائف نتيجة طبيعية لوضع المستوطنين الصهاينة كجماعة وظيفية (ثم دولة وظيفية) في وسط معاد، وهي في حربها ضده تحتاج إلى دعم إمبريالي من الخارج، وعليها أن تدفع الثمن، وهو أن تضع نفسها تحت تصرف الراعي الإمبريالي.
ومن المنظمات التي أسِّست لخدمة الأغراض الداخلية (أي الهجوم على العرب) نجد منظمة بارجيورا، ثم منظمة الحارس (الهاشومير) التي أسِّست عام 1909، ثم النوطريم التي أسستها سلطات الانتداب البريطاني بالتعاون مع الهاجاناه للمساعدة في قمع الانتفاضات الفلسطينية العربية التي قامت في فلسطين في الفترة من 1936 وحتى 1939. ومنها أيضاً منظمة إتسل التي قامت في فلسطين عام 1931 انطلاقاً من أفكار فلاديمير جابوتنسكي.
وأما المنظمات التي تم تأسيسها للمشاركة في تدفُّق المجهود الحربي الاستعماري فنجد منها منظمة الحارس نفسها، ثم فرقة البغالة الصهيونية والكتائب 38 و39 و40 التي شكلت الفيلق اليهودي في الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى الهاجاناه والبالماخ واللواء اليهودي الذي تم تشكيله بقرار من الحكومة البريطانية عام 1944. هذا بالإضافة إلى منظمة ليحي (شتيرن) التي طرحت فكرة الوقوف إلى جانب ألمانيا النازية للتخلص من الاحتلال البريطاني لفلسطين، ومن ثم إقامة الدولة اليهودية.
وفي عام 1948 كان التجمُّع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين يضم ثلاثة تنظيمات عسكرية هي: الهاجاناه وهي كبرى التنظيمات الثلاثة وكانت خاضعة للوكالة اليهودية، ومنظمة إتسل المنبثقة عن أفكار جابوتنسكي التنقيحية وكانت آنذاك بزعامة مناحم بيجين، ومنظمة ليحي وهي أصغر المنظمات وكانت قد اشتهرت باسم قائدها أبراهام شتيرن. وقد تم بناء الجيش الإسرائيلي على هذه المنظمات الثلاث. ففي السادس والعشرين من مايو عام 1948، وفي غمرة معارك الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى، تم إعلان قيام جيش الدفاع الإسـرائيلي، وذلك بتحـويل منظمة الهاجاناه إلى نواة لهذا الجيـش، ودخـول التنظيمين الأخيرين، إتسل وليحي، في دائرة هذه النواة.
بارجيورا (منظمة) Bar Giora
منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها في فلسطين عام 1907 كل من: يتسحاق بن تسفي، وإسرائيل شوحط، وغيرهما من المسـتوطنين الصـهاينة الأوائل، وكان شـعارها "بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا"، وقد استلهمت اسمها من اسم شيمون بارجيورا ـ قائد التمرد اليهودي الأول ضد الرومان في فلسطين ما بين عام 66 وعام 70. تولت المنظمة أعمال حراسة المستوطنات الصهيونية في الجليل، كما عملت على خلق قوة مسلحة يهودية في فلسطين. واستمرت تعمل حتى 1909 حيث أتاح تطورها فرصة تأسيس منظمة أكثر اتساعاً واستقراراً وهي منظمة الحارس.
الحارس (منظمة) Ha-Shomer
منظمة عسكرية صهيونية، تُسمَّى بالعبرية «هاشومير»، أسسها عام 1909 في فلسطين يتسحاق تسفي وإسرائيل جلعادي وألكسندر زيد وإسرائيل شوحط الذي كان بمنزلة العقل السياسي المحرك والقيادة الفعلية للمنظمة. أما الأعضاء فجاء معظمهم من صفوف حزب عمال صهيون، ومن بين مهاجري روسيا الأوائل. ورغم ذلك رفضت المنظمة أن تكون تابعة لسلطة الحزب بشكل مباشر. كما رفضت الخضوع لإشراف المكتب الفلسطيني للمنظمة الصهيونية العالمية. وتُعَدُّ منظمة الحارس استمراراً متطوراً لمنظمة بار جيورا السرية، وهي بذلك من المحاولات الأولى لتأسيس قوة مسلحة يهودية في فلسطين تعمل على فرض الاستيطان الصهيوني وتدعيمه. وقد بدأت الحارس كمنظمة سرية ولم يزد عدد أعضائها عند التأسيس عن ثلاثين عضواً، وتولت حراسة المستوطنات الصهيونية في الجليل نظير مقابل مالي. ثم توسعت فيما بعد لتعمل في مناطق أخرى، رغم اعتراض قيادات اليشوف القديم على هذه الأنشطة لما تثيره من استفزاز للسكان الفلسطينيين. وكان نموذج الحارس هو اليهودي حامل السلاح الذي يجيد اللغة العربية ويرتدي الزي العربي أو الشركسي. وكان العضو ينضم إلى المنظمة بعد المرور بسنة اختبار، وبعد الحصول على موافقة ثلثي الحاضرين في المؤتمر السنوي العام للمنظمة. ولم يقتصر نشاط المنظمة على الحراسة، بل قامت بدور أساسي في إقامة المستعمرات الصهيونية في فلسطين، حيث أسست أول مستعمرة لها في تل عداشيم (1913) ثم ألحقتها بمستعمرة أخرى في كفر جلعادي (1916) ثم مستعمرة تل هاي (1918). كما كانت المنظمة أحد الأطر الرئيسية لتدريب العناصر العسكرية التي شكلت فيما بعد قوام منظمة الهاجاناه.
وأثناء الحرب العالمية الأولى، والحملة البريطانية على فلسطين، انضم قسم من أعضاء منظمة الحارس إلى الفيلق اليهودي وقاتل في صفوف الجيش البريطاني، بينما انضم قسم آخر إلى جانب الأتراك. وكانت تلك بداية الصراعات الداخلية التي تطورت لتصل إلى ذروتها خلال المؤتمر العام للمنظمة في مايو 1920، حيث تباينت الآراء بين الحفاظ على استقلال المنظمة، وبين تحويلها إلى منظمة موسعة للدفاع تخضع لإشـراف المؤسـسات السـياسية العامة لليشوف الاستيطاني. وقد تقرَّر في النهاية حل المنظمة والانضمام للهاجاناه، إلا أن عدداً محدوداً من الأعضاء ظل متمسكاً بفكرة استمرار المنظمة، وحقها في تولِّي الأعمال العسكرية بلا منافس. وقد احتفظ هؤلاء بمخزن خاص للسلاح، ولم يسلموه إلى الهاجاناه إلا عام 1929 مع اندلاع انتفاضة العرب الفلسطينيين.
البيتار (منظمة) Betar
»البيتار« اختصار للعبارة العبرية «بريت يوسف ترومبلدور»، أي «عهد ترومبلدور» أو «حلف ترومبلدور». وهو تنظيم شبابي صهيوني تصحيحي أسسه في بولندا عام 1923 يوسف ترومبلدور، وكان هدفه إعداد أعضائه للحياة في فلسطين بتدريبهم على العمل الزراعي وتعليمهم مع التركيز على العبرية بالإضافة إلى التدريب العسكري. وكان أعضاؤها يتلقون أيديولوجيا واضحة التأثر بالأيديولوجيات الفاشية التي سـادت أوربا آنذاك، فكانوا يتعلمون مثلاً أن أمام الإنسـان اختيارين لا ثالث لهما: "الغزو، أو الموت"، وأن كل الدول التي لها رسالة قامت على السيف وعليه وحده. وبشكل عام، يمثل التنظيم أفكار جابوتنسكي زعيم الصهيونية التنقيحية.
ولم يقتصر نشاط بيتار على بولندا بل امتد إلى العديد من الدول، فأسست عام 1934 قاعدة للتدريب البحري في إيطاليا وأخرى للتدريب على الطيران في باريس، كما أسست فروعاً في اللد (1938) وجنوب أفريقيا (1939) ونيويورك (1941). وقد ظلت القاعدة الأساسية للتنظيم وهيئته العليا حتى الحرب العالمية الثانية خارج فلسطين، ثم انتقلت بعد ذلك إليها، حيث كان بعض أتباع بيتار قد أسسوا عدة مستوطنات زراعية. وقد انشق تنظيم بيتار عن المنظمة الصهيونية إثر النزاعات بين جابوتنسكي وزعمائها، وهي النزاعات التي انتهت بانفصاله، وتشكيل المنظمة الصهيونية الجديدة في 1934 نتيجة معارضة سياسة الهستدروت. وداخل بيتار، تشكلت الكوادر الأساسية لمنظمة الإرجون الإرهابية ولحركة حيروت. وكان مائير كاهانا مؤسس جماعة كاخ عضواً في تنظيم بيتار.
يتبع إن شاء الله...