الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية
الكوميديــــا وأعضــــاء الجماعـــات اليهوديـــة
Comedy and Members of Jewish Communities
الكوميديا هي إحدى الصفات التي يحاول بعض الباحثين استخدامها لإثبات أن ثمة شعباً يهودياً له استمرارية تاريخية وله صفاته العرْقية والنفسية المميَّزة. ولذا، نجد أن الكثيرين يتحدثون عن «الكوميديا اليهودية منذ أقدم العصور» وعن «أن روح الكوميديا الموجودة في التوراة والتلمود وغيرها من الكتب الدينية اليهودية». ويأتي اللَبْس هنا من استخدام اللفظ «كوميديا» للدلالة على أكثر من مدلول مختلف، فلا إنكار لوجود كوميديا في التوراة والتلمود، ولكن من الصعب العثور على صلة بين هذه الكوميديا ونمط الكوميديا التي يستخدمها اليوم أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة، أو تلك التي كانت سائدة بين يهود اليديشية في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. فالتوراة والتلمود وغيرها من الكتب الدينية اليهودية تتميز بأنها كُتب جادة تدعو إلى الجهامة وتحض على الحزن وتسم الضحك بأنه صفة الضعفاء وغير القادرين. ومع هذا نجد في هذه الكتب شخصية مضحكة مخادعة أو شخصية «الفهلوي». وربما كان التجسيد الأمثل لهذه الشخصية في التوراة هو يعقوب أو يسرائيل، فهو الذي خدع أخاه عيسو في ميراثه وهو الذي خدع أباه إسحق وأخذ البركة التي كان يود أن يمنحها لأخيه. وشخصية الفهلوي القادر على الخداع نجدها عند الرومان في شخصية ديونيزيوس أو باخوس إله الخمر واللهو وهيرمس صاحب الألف وجه، ونجدها عند أهل الشمال في شكل الإله لوكي (إله متعدد الخصال وهو أخبث الآلهة). وترتبط بهذه الشخصية التي تخفِّف من قتامة الدين الحلولي وجهامته احتفالات شعبية صاخبة وماجنة يتم فيها انتخاب إنسان يجسِّد هذه الشخصية ويلعب دور ملك الاحتفال.
وكانت هذه الاحتفالات عند بعض أعضاء الجماعات اليهودية هي احتفالات عيد النصيب (البوريم) التي وُصفت بأنها « احتفالات التحلُّل من الارتباطات وإطلاق العنان للهو والمرح ». وكان يتم انتخاب المهرج الأكبر والماجن الأعظم ملكاً للبوريم. وفي هذا الإطار، إذن، يمكننا رؤية الجانب الكوميدي في الكتابات الدينية اليهودية بوصفه امتداداً لأفكار الديانات الوثنية الطبيعية الحلولية. أما بالنسبة للجماعات اليهودية التي نشأت في شرق أوربا والتي تتحدث اليديشية، فظهرت بينها أشكال وأنماط من الكوميديا تميَّزت بالسخرية من الدين ومن الذات اليهودية، واستمدت ملامحها من وضع اليهود في هذه المجتمعات كجماعات وظيفية تعيش على هامش المجتمع وفي عزلة عنه ولكنها تسعى في الوقت نفسه إلى الاندماج فيه.
وتزخر الكوميديا اليديشية بالسخرية من الأسلوب التوراتي والكتابات الدينية وطريقة الحاخامات في التعبير. والدين هنا هو موضع السخرية لأنه مصدر الإزعاج الأول والعقبة الرئيسية في طريق الاندماج، وبالتالي تكون الكوميديا السـاخرة وسـيلة اليهود في التخلـص من يهوديتهم. ونحن نرى هذا بكثرة في كتابات الكاتب اليديشي الساخر شالوم عليخيم، خصوصاً في كتابه مغامرات مناحم مندل. بل إن احتفالات عيد النصيب (بوريم) في هذه المرحلة تحوَّلت إلى احتفالات تسخر من الدين والحاخامات. وكانت الفقرة الرئيسية في الاحتفال هي «توراة البوريم» أو المحاكاة الساخرة للتوراة حيث صار ملك البوريم تجسيداً للحاخام الأعظم وسخرية منه. هنا صارت الكوميديا وسيلة من وسائل الاندماج في المجتمع وأيضاً طريقة لإنكار الذات من أجل إتاحة الفرصة للدخول في منظومة الآخر.
كما أخذت الكوميديا شكل السخرية من ازدواجية المرغوب/المرفوض التي جسَّدها أعضاء الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية تقوم بدور مهم ومطلوب في المجتمع الذي تعيش فيه، ولكنها تحيا في الوقت نفسه منبوذة منه وعلى هامشه، وكثير من الكتابات الكوميدية في جميع أنحاء العالم تزخر بالسخرية من الجماعات الوظيفية، فنجد معروف الإسكافي كشخصية ساخرة، والأحدب مهرج الملك، وحلاق بغداد، وحلاق إشبيلية)، ومن هنا تبلورت في الأدب اليديشي الساخر سمات اليهودي المهاجر البخيل القذر. وقد قَبل هذا الأدب الساخر صورة اليهودي التي تقدمها كتابات الآخرين أو الأغيار ولكنه خفَّفها، فمن يهودي مالطة وشيلوك تاجر البندقية ذات المحتوى التراجيدي تحوَّلت شخصية اليهودي إلى ذلك اليهودي البخيل الذي يقع في شر أعماله والذي يرى كل شيء من خلال المال.
نستطيع أيضاً أن نحدد ملامح كوميدية خاصة بيهود الولايات المتحدة منذ بداية هذا القرن حيث كانت الولايات المتحدة محطة لجوء لكثير من يهود اليديشية. وكان دخولهم عالم الإمتاع والفن أمراً طبيعياً حيث إنه مجال المرفوض/المرغوب الذي يميِّز مجالات عمل الجماعات الوظيفية. ولذا، نجد أنهم دخلوا مجالات مسرح الفودفيل والمسرحيات الموسيقية، ولا ننسى بالطبع السينما الصامتة. وكان الانتقال بين المجالات الثلاثة يتم في حرية تامة. ونذكر في هذا المجال آل جولسون نجم المسرحيات الموسيقية الكوميدية والإخوة ماركس (من الفودفيل إلى السينما) وماكس ليندر (من المسرح إلى السينما) وغيرهم.
واشتغال عضو الجماعة اليهودية المهاجر بالكوميديا يحقِّق له نوعاً من القبول الاجتماعي، إذ أن الآخر سيقبله باعتباره مسخرة المجموعة والتي لا غنى عنها. وهو بسخريته من الذات اليهودية، يمارس إحساساً يمارسه أعضاء الأغلبية، ومن ثم فهو يحقِّق نوعاً من الاندماج فيهم بسخريته هذه. كما أن القيام بهذا الدور يحقِّق للمؤدي الإحساس بالابتعاد عن الذات التي يتعمد السخرية منها وإنكارها. ولنا أن نلاحظ أن عضو الجماعة اليهودية في أدائه الكوميدي كان يسخر من الصفات التي يخلعها المجتمع المضيف على اليهود مثل البخل والدناءة والقذارة، وهي ليست بالصفات الخطيرة التي تؤدي إلى لفظهم أو رفضهم تماماً، وإنما هي صفات هزلية تسمح لهم بدخول المجتمع باعتبارهم المرغوب/المرفوض.
كانت المسرحيات الموسيقية التي شارك فيها اليهود، كبرلين وجرشويين وآخرين، تتكلم (في الأساس) عن الزنوج كما في «بورجي وبس» و«سفينة الاستعراض» وغيرهما. والزنوج هم الجماعة الوظيفية التي تتعرض لأكثر أنواع الاضطهاد والتمييز لأنها أكثر الجماعات الوظيفية تميُّزاً، فاللون والمظهر الجسماني هو ما يميِّزها. وبالتالي، تتيح تلك المسرحيات لليهود ميزة الإحساس بالتميُّز والاندماج والانتماء للجماعة النخبوية في إطار المجتمع الهرمي، كما تتيح لهم (وهو الأهم) استخدام آلية الإزاحة أو نقل المشاكل التي تعاني منها الأنا وإسقاطها على الآخر، وبالتالي تيسير عملية قبول الأنا داخل مجتمع «الآخرين».
أما فيما يتعلق بمجال التمثيل، فقد اتجه معظم أعضاء الجماعة اليهودية من الجيل الأول إلى الكوميديا كتطوير لعملهم في الفودفيل والمسرحيات الموسيقية (بالإنجليزية: مويوزيكالز musicals)، وأهم من قدَّمهم تاريخ السينما: ماكس ليندر وماك سينيلت والإخوة ماركس وآل جولسون. ومع تنظيم صناعة السينما في الثلاثينيات، لم يحدث تغيير كبير في طبيعة عمل الممثلين اليهود، فالتغيير في النطاق الإداري المالي كان أسرع وأهم منه في النطاق الفني. ولذا، ظلت الكوميديا المجال الأول للممثلين اليهود أمثال جيري لويس وبوليت جودار وآدي كانتور وملفين دوجلاس وغيرهم.
وإذا كان من غير الممكن الحديث عن كوميديا يهودية، فلا يمكن أيضاً الحديث عن كوميديا أمريكية يهودية واحدة، إذ أن هذه تتطوَّر وتتنوَّع بتطوُّر المجتمع وبتعدُّد الأجيال من المهاجرين إلى أبناء المهاجرين إلى أبناء الجيل الثالث، فيُلاحَظ مثلاً أنه، مع استقرار أوضاع الجماعات اليهودية المهاجرة في الولايات المتحدة وصعودها درجات متوالية في السلم الاجتماعي، ومع ازدياد وضوح الطابع المادي الدنيوي للمجتمع، أخذت الكوميديا التي ينتجها اليهود الأمريكيون أكثر من شكل يُعبِّر كلٌ منها عن محتوى مختلف. فهناك كوميديا الطبقة المتوسطة وأبرز ممثليها المؤلف المسرحي نيل سايمون وهي كوميديا تعبِّر عن مشاكل الطبقة المتوسطة الأمريكية، ومن أمثلتها «جناح كاليفورنيا» و«نفس الموعد العام القادم» و«فتاة الوداع» وغيرها، وكلها تتكلم عن صعوبة التواصل وانعدام الأمان وتآكُل المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والكنيسة أو المعبد... إلخ.
ويحاول سايمون أن يصبغ أعماله، سواء المسرحية أو السينمائية، بصبغة الدعابة اللفظية واللعب بالكلمات والتي يعتبرها البعض من السمات اليهودية عند سـايمون ويُرجعونها إلى الألاعيب اللفظية في التـوراة. وهي، كما نرى، حجة واهية وإلا أمكننا أن نرجع أية ألاعيب لفظية إلى أصل توراتي. ويعود محتوى الألاعيب اللفظية عند نيل سايمون أساساً إلى فكرة انعدام التواصل أو تعدُّد مستويات الحديث،الأمر الذي يعني أساساً الإحساس بعدم الأمان.
ويُلاحَظ التطور نفسه في مجال التمثيل السينمائي، فكثير من الممثلين اليهود الذين بدأوا حياتهم في مجال الكوميديا، أمثال توني كيرتس وبيتر سيلرز وكيرك دوجلاس، واتجهوا فيما بعد إلى الأدوار التراجيدية الجادة. بل نجد أن الممثلين من جيل الستينيات، كداستين هوفمان، قلما يؤدون الأدوار الكوميدية. وذلك دليل على تغيُّر وضعية أعضاء الجماعة اليهودية في المجتمع، فلم يعودوا الهامشيين والمنبوذين القادمين من الخارج الذين يتعيَّن عليهم إضحاك الآخرين والسخرية من أنفسهم حتى يجدوا مجالاً للقبول والاندماج، بل حققوا حراكاً اجتماعياً وأصبحوا جزءاً من الطبقة الوسطى التي يسعى كثير من أبنائها لدخول عالم السينما، الذي أصبح بحق مصنع الخيال والأحلام الضخم والعامل الأول في تشكيل وجدان وتفكير الأمة.
ظهرت مجموعة من الكوميديانات اليهود المتفردين والمتميزين في أسلوبهم مثل: وودي آلين ومل بروكس وجين وايلدر ومارتن فيلدمان. وعاد هؤلاء للسخرية من اليهود ولكن بشكل آخر، فلقد تعمدوا السخرية من الصورة الأخرى التي خلعها عليهم أيضاً المجتمع المضيف، والتي لم يمسها الأوائل وتجنبوها، وهي صورة اليهودي كقاتل للمسيح حليف للشيطان، فيقول وودي آلين في فيلمه «الحب والموت» عن الفرق بين اليهودي الألماني واليهودي الروسي أن الأول له قرنان والأخير له ذيل، أي أنهما كليهما حليف للشيطان ولا يوجد اختلاف بينهما إلا في التفاصيل. ويقول مل بروكس في فيلمه «نكون أو لا نكون»: « كيف نقدم مسرحاً ساخراً دون يهود أو غجر أو شواذ ». فلم تَعُد تلك مناطق محرمة بل صارت مجالات للبحث عن الذات وعن الهوية الفردية في مواجهة مجتمع مادي يقهر خصوصية وإنسانية الفرد. فهؤلاء اليهود الجدد يستخدمون الكوميديا استخداماً معاكساً لاستخدام الأوائل، فهم يرفضون القبول الاجتماعي الذي حققه آباؤهم ودفعوا ثمنه من هويتهم الفردية بل وإنسانيتهم ذاتها، ويبحثون عن ذات خاصة بهم. ولذا، فإننا نجد وودي آلين في أفلامه الأخيرة لا يتحرج إطلاقاً من إعلان يهوديته بل لا يتحرج من البحث عن عناصر مهمة وأساسية في هذه الهوية، كما هو الحال في فيلمه «برودواي داني روز» الذي يُعيد للأذهان صورة وكيل الفنانين اليهودي ولكن المحب للبشر الباحث عن العفو والحب والقبول.
ظهرت أيضاً الكوميديا الداعرة أو الفاحشة وأبرز ممثليها هو ليني بروس الذي اتخذ من النوادي الليلية مجالاً أساسياً. وهي تعبِّر أساساً عن رفض عدمي لكل المؤسسات مع عدم وجود بديل لها، فهي تدمير عنيف لكل شيء ورفض لأخلاقيات المداهنة والرياء التي تميِّز المجتمع الدنيوي، وتنتهي إلى عبثية كل شيء وعدمية الوجود الإنساني في ذاته. وانتهج هذا النهج وسار عليه وودي آلان في أفلامه الأولى، وها هو يقول في فيلم «النائم» الحقيقة الوحيدة في هذا العالم هي الجنس والموت. ويرى مل بروكس أن « الضحك هو الحقيقة الأساسية في هذا الوجود ولا معنى لأي شيء آخر ».
ليــني بـروس (1926-1966)
Lenny Bruce
اسمه الأصلي ليونارد ألفريد شنايدر. واحد من أهم الكوميديين الأمريكيين اليهود في الخمسينيات والستينيات. بدأ حياته في سلسلة البورش الشهيرة. وكان النادي الليلي يُعتبَر آخر الجهات الحرة للإمتاع بغير رقابة ولا معوقات.
امتلأت أعماله الساخرة بروح التمرد الشديد على المؤسسات كافة، سواء مؤسسات الدولة أو المجتمع أو الدين، واتسمت بمحتوى شديد الفُحْش حتى أن البعض اعتبره أهم ممثلي الاتجاه الداعر الفاحش في الكوميديا الأمريكية. كتب عام 1965 سيرة حياته في مؤلف أسماه كيف تتكلم بطريقة فاحشة وتؤثر في الناس؟.
وانغمس ليني بروس في كل أنواع التمرد على المؤسسات، فكان مفرطاً في تناول المخدرات وخصوصاً الكيميائية منها. وسُجن عام 1964 بتهمة البذاءة واستخدام ألفاظ تخدش الحياء. وتُوفي بروس عام 1966 بسبب جرعة مفرطة من المخدرات.
وتتلمذ عليه معظم جيل السبعينيات من صناع الكوميديا الأمريكية، مثل وودي آلان وميل بروكس وجين وايلدر، وتحوَّل إلى رمز للتمرد على المؤسسات في أمريكا، ذلك التمرد العدمي الذي يسم كل محاولات تغيير النسق من الداخل التي انتشرت في ستينيات هذا القرن، ومن ثم، يَسهُل على المؤسسة العلمانية المادية استيعابه. وهو ما حدث بالفعل فيما بعد عندما انتجت السينما الهوليودية فيلماً عنه عام 1976 قام ببطولته داستين هوفمان وأخرجه بوب فوسي محوِّلة إياه إلى أيقونة جديدة للعدمية والانحلال.
وتتسم الكوميديا في أعمال ليني بروس بروح الرفض المطلق التي لا تستطيع إيجاد بديل، فهي روح عدمية تسعى إلى تدمير الموضوع في محاولة لخلاص الذات، فلا تستطيع في النهاية إلا تدمير الذات ومآلها إلى الذوبان في الموضوع. وهو نفسه ما حدث لكل الحركات الرافضة في الستينيات مثل حركة الهيبيز والفهود السود.
السينمـــــا وأعضــــاء الجماعــــــات اليهوديـــــة
The Movie Industry and Members of Jewish Communities
يحلو للبعض أن ينظر إلى الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات اليهودية في عالم السينما باعتباره مؤامرة يهودية تضاف إلى سلسلة المؤامرات التي يحيكونها ضد العالم منذ بدء الخليقة، والتي تهدف إلى تدمير الأخلاق وتقويض المجتمع. ولتفـسير عـلاقة اليهود بصناعة السينما، لابد أن نجرد بعض السمات الأساسية لهذه الصناعة. ويمكن القول بأن السينما عند بداية ظهورها كانت مهنة لا يرتادها سوى المنبوذين ولا يمتهنها سوى الهامشيين والباحثين عن المغامرات، مهنة مشينة لا يليق بالمحترمين امتهانها. ولكنها كانت في الوقت نفسه مصنع الوهم ومخزن الحلم، فكانت السينما تمثل ازدواجية المرغوب/المرفوض، وبالتالي أصبحت السينما تمثل مهنة المُحتَقر على مستوى الواقع والمرغوب فيه على مستوى الحلم، وأصبحت المجال الذي يتحوَّل فيه المنبوذ إلى بطل ورجل أعمال ناجح. ولذا، فليس من الغريب أن يتجه عدد كبير من المنبوذين والهامشيين إلى السينما، وفي مقدمتهم المهاجرون (اليهود وغير اليهود) الذين لا يتقنون الإنجليزية، ولكنهم يجيدون المحاكاة لهذا السبب ذاته. ولذا، كانوا عنصراً مناسباً تماماً للسينما الصامتة.
كما أن المهاجرين لا يجيدون أياً من المهن الأساسية. وحتى إن أجادوها، فهي مغلقة دونهم لأن أعضاء المجتمع المضيف يقومون بشغلها. والمهاجر لا يحمل عادةً رأس مال ولا آلات، وصناعة السينما في بداياتها كانت لا تتطلب آلات ثقيلة ولا رأس مال ضخماً، أي أن ثمة تكاملاً بين هذه الصناعة والمهاجرين، فتحولوا إلى جماعة وظيفية، توفر لنفسها وظيفة من خلال ارتياد عالم جديد يُحجم أعضاء المجتمع المضيف عن ارتياده، وتحقِّق حراكاً اجتماعياً لا يمكنها تحقيقه إلا بهذه الطريقة، وتفي في الوقت نفسه بحاجة المجتمع إلى التسلية والترويح (وهي حاجة آخذة في التزايد مع تزايد أوقات الفراغ في المجتمع الحديث وتزايُد علمنته)، وهو ما يؤدي إلى تضخُّم ما نسميه «قطاع اللذة». كما أن الاشتغال بالسينما يفي أيضاً بحاجة نفسية واقتصادية لدى المهاجر المشتغل بها.
وإذا كانت الجماعة الوظيفية تعيش عادةً في الجيتو، وتستمد هويتها من الحلم بصهيون والعودة إليها، فإن أعضاء الجماعة اليهودية الذين يعملون بالسينما يجعلون السينما أرض الميعاد التي يعيشون فيها بأحلامهم. ومن هنا تواتُر المرجعية السينمائية كموضوع أساسي في أفلام أعضاء الجماعة اليهودية، فالسينما هي عالمهم، وإليه يرجعون دائماً، وهم يُنتجون أفلاماً عن أفلام، ولعل أهم أفلام المرجعية السينمائية فيلم وودي ألين «وردة القاهرة القرمزية». ولكن يجب أن نضيف أن موضوع المرجعية السينمائية أمر شائع في كثير من الأفلام التي أخرجها يهود أو غير يهود، كما أن الفن الحديث (وما بعد الحديث) يحول نفسه إلى مرجعية ذاته، وهذا مرتبط بتصاعُد معدلات العلمنة وتآكل اليقين الفلسفي إلى درجة أن الواقع الموضوعي لا يزوِّد الإنسان بأية دلالة وبالتالي لا يمكنه أن يشكل مرجعية للإنسان، الأمر الذي يضطره إلى البحث عن دوال مكتفية بذاتها، ملتفة حول نفسها، ومن هنا تأتي المرجعية الذاتية أو السينمائية أو المرجعية الانعكاسية.
لكل ما تقدم، نجد أن أعضاء الجماعة اليهودية لعبوا منذ الأعوام الأولى للسينما، دوراً أساسياً في تطور هذه الصناعة وكانوا بارزين في كل فروعها. وكان المهاجرون من اليهود في الولايات المتحدة من أوائل من قاموا بتأسيس واحتلال دور العرض الرخيصة أو «النيكلوديون» (نسبة إلى النيكل أو النكلة). وساعدهم ميراثهم كجماعات وظيفية ذات خبرات مالية وتجارية في ارتياد هذه الصناعة البكر حيث كانت لا تزال صناعة هامشية تفتقد إلى تقاليد ومعايير الصناعات الأخرى.
ومن أشهر أعضاء الجماعة اليهودية في مجال صناعة السينما في تلك الفترة وليام فوخس الذي تحول اسمه بعد ذلك إلى «فوكس» وهو مؤسِّس شركة فوكس للقرن العشرين. وُلد (فوكس) في المجر عام 1879 وهاجر مع أسرته إلى أمريكا حيث عمل في محل للملابس ثم اشترى أول دار نيكلوديون عام 1904، ونجح فوكس بعد ذلك في توسيع أعماله فاشترى سلسلة من دور العرض، ثم اتجه للتوزيع والإنتاج وأسس شركته الشهيرة «فوكس للقرن العشرين» عام 1915.
وكما حدث مع فوكس، تكرر الأمر مع العديد من أمثاله: هاري كون رئيس شركة كولومبيا، وصمويل جولدوين الذي وُلد في وارسو وعمل في صناعة القفازات ثم دخل عالم السينما عام 1913 كشريك لزوج أخته جيسي لاسكي. وقد بدأ هذا الأخير كباحث عن الذهب ووكيل للفنانين وعمل مع بعض شركات الإنتاج السينمائي مثل يونيفرسال وآر. كى. أو.(R.K.O) ثم أسس مع جولدوين شركة مترو. أما لويس ماير المولود في روسيا، فقد بدأ كصاحب مسرح ثم تحوَّل إلى دار نيكلوديون، ثم شرع مع صمويل جولدوين في تأسيس شركة مترو.
وهناك كذلك كارل ليمل مؤسس يونيفرسال الذي وُلد في ألمانيا وبدأ عام 1906 في شيكاغو بمسرح صغير، كما أسَّس سلسلة مسارح ثم شركة توزيع وإنتاج. وتم تأسيس بارامونت عام 1917 بفضل أدولف زوكور الذي وُلد في المجر وبدأ كتاجر فراء في نيويورك ثم انتقل إلى العمل في السينما بامتلاك دار نيكلوديون. أما إرني بالابان (1887 ـ1971)، فعمـل رئيسـاً لبارامونت منذ 1936. ومن أهم العائلات اليهودية الرائدة في صناعة السينما عائلة وارنر المكونة من أربعة أشقاء بولنديي الأصل.
وحققت السينما الأمريكية على يد الرواد الأوائل نجاحاً كبيراً وأثبتت القدرة على تحقيق الربح وعلى الاستمرار، كما فتحت أبواب النجاح المادي والحراك الاجتماعي والقبول في المجتمع الأمريكي للمهاجرين من أعضاء الجماعة اليهودية. وشهد العقد الثالث من هذا القرن تحوُّلين حاسمين في مجال السينما، الأول هو دخول الصوت عام 1927 والثاني هو تنظيم صناعة السينما اقتصادياً وإدارياً والذي أذن بتحوُّلها من صناعة وليدة تفتقر إلى النظام والتقاليد إلى صناعة ضخمة مستقرة شديدة التنظيم والدقة. وشهدت هذه الفترة، خصوصاً إبان الأزمة الاقتصادية الكبرى، تساقُط الرواد الكبار الأوائل، فتقاعد ماير عام 1936 وليمل عام 1935 وفوكس في بداية الثلاثينيات، وتحول آخرون كبالابان ولاسكي إلى وظيفة المنتج المنفِّذ. ووظيفة المنتج المنفِّذ كانت تعني بالنسبة إلى المهاجرين من أعضاء الجماعة اليهودية دخول مجال الطبقة الوسطى العليا ذات الدخل الثابت، كما أنها كانت تعني تحقيقهم قدراً من الحراك الاجتماعي وقدراً من القبول داخل المجتمع الأمريكي بعد أن اكتسبت صناعة السينما وضعية جديدة في المجتمع الأمريكي، ولم تَعُد مهنة المنبوذين والباحثين عن المغامرة التي قد تنتهي بالثراء أو بالإفلاس. وكان أهم نجوم هذه الوظيفة إرفين ثالبرج ودور شاري والإخوة سلزينك أبناء لويس سلزنيك. واشتهر أصغرهم (ديفيد) بأنه من أعظم المنتجين المنفذين في تاريخ السينما الأمريكية، ويكفي أنه منتج «ذهب مع الريح» أنجح فيلم في تاريخ السينما الأمريكية. وقد فقدت هذه العائلة ثروتها أثناء الأزمة الاقتصادية الكبرى. أما عائلة وارنر، فنجحت في الاستمرار حيث أسَّس أفرادها بنكهم الخاص القادر على تمويلهم ونجحوا في تحويل مؤسستهم من مؤسسة فرد أو عائلة إلى مؤسسة نظامية ابتلعت غيرها من الشركات المنهارة وتحولت إلى شركة متعددة الجنسيات عابرة للقارات هي وارنر للاتصالات.
السينما اليهودية والصهيونـية واليديشية
Jewish, Zionist and Yiddish Cinema
عبارة «السينما اليهودية» يُقصَد بها الأفلام التي صُنعت أو تُصنَع بواسطة أعضاء الجماعات اليهودية في أي مكان أو أي زمان. وتروِّج الصهيونية لهذه العبارة بدلاً من عبارة «السينما الصهيونية» على أساس أن اليهودية قومية وليست ديانة فقط، وأن هناك بالتالي ما يجمع بين كل فيلم صنعه أو يصنعه كل يهودي. وغني عن القول أن مثل هذه النظرة ليس لها ما يساندها في الواقع، فالفيلم الذي ينتجه يهودي في الاتحاد السوفيتي (سابقاً) يختلف بشكل جوهري عن الفيلم الذي يخرجه يهودي في الهـند أو في الولايات المتحـدة. وبالتالي فإن عبارة «السينما اليهودية»، شأنها شأن عبارات مثل «التجارة اليهودية» أو «العبقرية اليهودية» أو «التاريخ اليهودي» هي عبارة ليست لها قيمة تفسيرية أو تصنيفية كبيرة.
ويرى البعض أن اليهود سيطروا على صناعة السينما في الولايات المتحدة الأمريكية لكي يروجوا لما يُسمَّى «الدعاية الصهيونية». لكن كثرة عدد أعضاء الجماعات اليهودية في السينما والمسرح في الولايات المتحدة، ليس ضمن أي مُخطَّط يهودي أو صهيوني، وإنما يرجع إلى هجرة يهود اليديشية إلى الولايات المتحدة بعد عام 1881. كما يجب أن نشير إلى شيء أساسي في يهود العالم الغربي وهو اضطلاعهم بدور الجماعة الوظيفية الهامشية المالية، وقد ترك هذا أثره فيهم إذ نجدهم يتركزون في الصناعات الخفيفة القريبة من المستهلك البعيدة عن قاعدة الهرم الإنتاجي (الصناعات الأولية) كما أنهم يتركزون في قطاع الإعلام. وصناعة السينما تنطبق عليها كل هذه المواصفات. كما أن المهاجرين اليهود إلى الولايات المتحـدة ينجـذبون عادةً، شأنهم شأن المهاجرين كافة، إلى قطاعات اقتصادية مثل السينما وعالم الفنون الاستعراضية، وهي قطاعات لا يحتاج المرء لكي يعمل فيها أن ينتمي إلى طبقة معيَّنة أو يحصل على درجة معينة من التعليم أو حتى رأس المال. والدارس لتاريخ صناعة السينما في مصر يعرف أنها بدأت على يد عناصر غير مصرية (من بينها يهود) عندها من الخبرة والحركية ما يمكِّنها من ريادة هذه الصناعة الجديدة القريبة من المستهلك التي تحقق عائداً سريعاً دون استثمار كبير.
وشهدت هوليود، في عصر السينما الصامتة، إنتاج العديد من الأفلام عن قصص العهد القديم، ومنها «يهوديت من بتوليا» إخراج دافيد وارك جريفث عام 1913، و«الوصايا العشر» إخراج سيسل دي ميل عام 1923، و«التائه» إخراج راؤول والش عام 1926، و«بن هور» إخراج فردنبلو عام 1926، و«سفينة نوح» إخراج مايكل كورتيز عام 1928. وأغلب هؤلاء المخرجين من اليهود، وأفلامهم هذه من إنتاج شركات أسسها ويملكها يهود. ولكن الهدف منها لم يكن دينياً ولا حتى دعائياً، وإنما كان تجارياً بالدرجة الأولى وبصفة أساسية، فهي أفلام تهدف إلى إبهار المتفرج بالملابس والديكورات التاريخية وجموع الممثلين الهائلة والمعارك العنيفة، ومن ثم يَسهُل تحقيق الربحية العالية. وظلت الدوافع التجارية لأفلام هوليود عن قصص العهد القديم قائمة بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، ولكن لا شك في أنها لم تصبح الدوافع الوحيدة، خصوصاً أن هذه الأفلام تدفقت من هوليود في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات بمعدل فيلم كل عام تقريباً، وهي الفترة التي شهدت نمو الصراع العربي الإسرائيلي في الفترة ما بين حرب السويس عام 1956 وحرب يونيه عام 1967.
وثمة أفلام تتناول حياة أعضاء الجماعات اليهودية كأقلية إثنية لا تختلف كثيراً عن الأقليات الأخرى، وهي أفلام يمكن أن ينتجها يهودي أو غير يهودي، تماماً مثلما ينتج مخرج أمريكي مسيحي فيلماً عن السـاموراي في اليابان، فهذا ليـس فيلماً يابانياً وإنما يظل فيلماً أمريكياً. والأفلام ذات المضمون اليهودي التي ينتجها يهودي، ليست بالضرورة يهودية، وإنما هي أفلام أمريكية يهودية مثل أفلام وودي ألين، فالشخصيات اليهودية في هذه الأفلام هي شخصيات أمريكية يهودية. كما أن الرؤية هي رؤية وودي ألين، لا باعتباره يهودياً خالصاً له أحزانه الفريدة التي تختلف عن أحزان الأغيار من غير اليهود، وإنما باعتباره إنساناً يعاني من أزمات المجتمع العلماني الغربي، فيهوديته ليست مسألة جوهرية وإنما عرضية. ولذا، فنحن نتعاطف معه في مأساته باعتباره إنساناً حديثاً، ولا نستبعده باعتباره يهودياً.
ولكن هناك أفلاماً تروج الأفكار الصهيونية، سواء صُنعت بواسطة يهود أو غير يهود، قبل أو بعد إنشاء إسرائيل، وسواء أكانت تتناول حياة اليهود أم كانت تتناول حياة أية جماعة دينية أخرى، وهذا هو ما ينطبق عليه اصطلاح «السينما الصهيونية»، وهي تنقسم في مرحلة ما قبل عام 1948 إلى قسمين: القسم الأول يضم الأفلام التي تم إنتاجها على أرض فلسطين، ويضم الثاني الأفلام التي تم إنتاجها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا. ويُعتبَر جاكوب بن دوف، وهو يهودي روسي هاجر من روسيا بعد ثورة 1905، أباً للسينما الصهيونية، فقد أخرج فيلم «حياة اليهود في أرض الميعاد» عام 1912 عن يهود فلسطين، ثم أخرج عام 1923 فيلم «الفيلق اليهودي»، وهما من الأفلام الصهيونية الأولى التي صُوِّرت على أرض فلسطين. وفي الثلاثينيات، أخرج ناثان إكسلرود فيلم «أودد» عام 1932 الذي تدور أحداثه في مزارع اليهود الجماعية. وأخرج باروخ أجراتي فيلم «هذه أرضك» عام 1932 أيضاً، وكان أول فيلم ينطق باللغة العبرية في تاريخ السينما، كما أخرج البولندي ألكسندر فورد فيلم «صابرا» عام 1932 عن هجرة يهود أوربا إلى فلسطين وحقهم في العودة (وقد هاجر فورد إلى إسرائيل بعد حرب يونيو عام 1967).
وفي عام 1947، تم تصوير ثلاثة أفلام صهيونية على أرض فلسطين، هي: «الأرض» إخراج هملر أداماه، عن شاب يهودي أُنقذ من معسكرات الاعتقال النازية ولا يتمكن من استعادة توازنه إلا في فلسطين، و«بيت أبي» إخراج هربرت كلين عن صبي أُنقذ من معسكرات الاعتقال النازية، ويبحث عن أبيه في فلسطين، ثم «الوعد الكبير» إخراج جوزيف لبيتز. ولعل أهم فيلم صهيوني أُنتج في الولايات المتحدة في الثلاثينيات هو فيلم «آل روتشيلد» من إخراج ألفريد وركر (عام 1934) عن تاريخ تلك العائلة اليهودية الشهيرة ودورها في تنمية الوجود اليهودي (أي الصهيوني) في فلسطين وفي دعم الحركة الصهيونية والدعوة إليها في أوساط اليهود في كل مكان.
ويذهب البعض إلى اعتبار كل فيلم معاد للنازية فيلماً صهيونياً أو فيلماً يخدم الصهيونية، وهـو خـطـأٌ فادح يخدم الصهيونية في واقع الأمر. وتبدو هذه الحركة كأنها حركة معادية للنازية، بينما هي في واقع الأمر حركة لا تختلف في جوهرها عن النازية، ولذا تعاونت معها. وقد تعاظم دور السينما الصهيونية بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، خصوصاً في الولايات المتحدة. ومن أهم الأفلام الصهيونية الأمريكية: فيلم «الحاوي» إخراج إدوارد ديمتريك عام 1953، و«الخروج» إخراج أوتو بريمنجر عام 1960، و«يهوديت» إخراج دانييل مان عام 1964، و«الظل العملاق» إخراج ملفيل شافلسون عام 1966، و«راشيل... راشيل» إخراج بول نيومان عام 1967.
ومن الأفلام الأوربية الصهيونية: الفيلم الإيطالي «معركة سيناء» إخراج مورتيز ولوتشيدي عام 1968، والفيلم البريطاني «إنها أرضه» إخراج جيمس كوللر عام 1969، والفيلم الفرنسي «حائط القدس» إخراج فرانسوا رايشنباخ عام 1969، وأيضاً الفيلم السويسري «المواجهة» إخراج رولف ليوسي عام 1975.
والسينما التي نستطيع أن نُطلق عليها، أكثر من غيرها، تعبير «السينما اليهودية»، إن كان ثمة سينما يهودية، هي تلك السينما الناطقة باليديشية، فهي سينما لا تعبِّر عن ثقافة اليهود بشكل عام وإنما تعبِّر عن ثقافة يهود شرق أوربا وعما يمكن تسميته «القومية اليديشية».
وقد بدأت السينما اليديشية، في الولايات المتحدة، في أواخر عصر السينما الصامتة حيث كان الحوار يُطبَع على الأفلام في كادرات منفصلة، وأهم أفلام هذه الفترة هي: «مازل طوف» عام 1924، و«القلوب المحطمة» عام 1925، و«الجانب الشرقي لساري» عام 1929، وكلها من إخراج سيدني جولدوين. ومع بداية ظهور الأفلام الناطقة في عام 1927، بدأ عصر ازدهار السينما اليديشية الذي وصل إلى ذروته في النصف الثاني من الثلاثينيات، حيث بلغ عدد الأفلام الناطقة باليديشية حوالي مائة فيلم أغلبها أمريكي، وبعضها بولندي أو من بلاد أوربية أخرى، إلى جانب 35 فيلماً تسجيلياً قصيراً.
ومن أهم الأفلام الأمريكية اليديشية: «الأب أبراهام صوت إسرائيل» إخراج جوزيف سيدني عام 1931، و«قوة الحياة» إخراج هنري لين عام 1938، و«يوسف في مصر» عام 1932، و«اليهودي التائه» عام 1932 إخراج جوزيف رولاند، و«أضواء القمة» إخراج إدجار أولمير عام 1939. أما في بولندا، فكان جوزيف جرين أهم مخرجي الأفلام اليديشية، ومن أفلامه: «مهرج عيد النصيب» عام 1937، و«خطاب إلى أم» عام1938.
وانخفض عدد الأفلام اليديشية في الأربعينيات مع تآكُل الثقافة واللغة اليديشيتين، ثم كاد الإنتاج السينمائي أن يندثر بعد ذلك حيث لا يُعرف منه إلا فيلمان طـوال الخمسـينيات، وهما: «الإله والإنسـان والشيطان»، و«مونتشيللو هنا جئنا» إخراج جوزيف سيدني عام 1950، وفيلم واحد طويل في الستينيات، وهو «الشقيقات الثلاث» إخراج جوزيف سيدني أيضاً عام 1961. وترجع جذور السينما اليديشية إلى المسرح اليديشي. وهي، شأنها شأن المسرح اليديشي، يرجع معظمها إلى تراث يهود اليديشية في شرق أوربا. ورغم أن الحركة الصهيونية سعت إلى إحياء اللغة العبرية، وقاومت اليديشية، إلا أن أغلب الأفلام اليديشية هي أفلام صهيونية.
يتبع إن شاء الله...