وثمة رأي يذهب إلى أن العبرانيين كانوا غرباء في مصر مدة طويلة، وبالتالي ارتبط الاسم بهم، وتَحوَّل من صفة لوضع اجتماعي إلى وصف لجماعة إثنية. ولذا، فإن ثمة إشارات إلى يوسف على أنه غلام عبراني (تكوين 41/12)، أو رجل عبراني (تكوين 39/14). كما أن ثمة إشارة أيضاً إلى النساء العبرانيات (خروج 1/19). ورغم أن الإشارة ذات طابع إثني واضح، فإنها لم تفقد بعدها الاجتماعي تماماً. وفي سفر التكوين نجد إشارة إلى يوسف كعبد عبراني (39/18) وهي إشارة ذات دلالة تخلط العنصرين الإثني والطبقي.
وترد كلمة «عبري» أحياناً مرادفة لكلمة «يهودي» على نحو ما جاء في سفر إرميا (34/9): « أن يُطلَق كل واحد عبده وكل واحد أَمته، العبراني والعبرانية، حُريَّن حتى لا يستعبدهما، أي أخويه اليهوديين، أحـد ». كما كانت الكلمة مـرادفة لكلمة «يسـرائيلي» (خـروج 9/1 ـ 4): « هكذا يقول الرب إله العبرانيين... ويميِّز الرب بين مواشي يسرائيل ومواشي المصريين ». وفي صمويل الأول (4/9)، يقول أحد الفلستيين: « تشددوا... وكونوا رجالاً لئلا تُستعبَدوا للعبرانيين » وهو يتحدث عن جماعة يسرائيل.
ويُفضل بعض الصهاينة العلمانيين أن يستخدموا كلمة «عبري» أو «عبراني» على استخدام كلمة «يسرائيلي» أو «يهودي» باعتبار أن الكلمة تشير إلى العبرانيين قبل اعتناقهم اليهودية، أي أن مصطلح «عبري» يؤكد الجانب العرْقي على حساب الجانب الديني فيما يُسمَّى «القومية اليهودية». بل إن بعض أصحاب الاتجاهات الإصلاحية والاندماجية، في مرحلة من المراحل، كانوا يفضلون كلمة «عبري» على كلمة «يهودي» بسبب الإيحاءات القدحية للكلمة الأخيرة. وقد ظهرت في هذه الآونة كلية الاتحاد العبري Hebrew Union Collegeوجماعة هياس (وهي اختصار Hebrew Immigration Aid Society، أي الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين).
كما أنهم في إسرائيل، يشيرون عادةً إلى اللغة العبرية والأدب العبري والصحافة العبرية، ولكننا نفضل استخدام «عبراني» للإشارة إلى اليهود القدامى من حيث هم تَجمُّع بشري حضاري ذو خصائص متميِّزة. أما لفظ «عبري»، فنقصر استخدامه على الناحية اللغوية والأدبية، كما نستخدم كلمة «جماعة يسرائيل» (أو «يسرائيلي») للإشارة إلى العبرانيين القدامى من حيث هم تَجمُّع ديني، تمييزاً لهم عن الصهاينة المستوطنين في فلسطين، وعن أبنائهم الذين يمكن أن نطلق عليهم مصطلح «إسرائيليين»، على أن تظل كلمة «يهودي» مصطلحاً يشير إلى المؤمنين باليهودية، بغض النظر عن انتمائهم العرْقي أو الإثني أو الحضاري، ويشير إلى كل من يطلق على نفسه هذه الصفة.
ونحن في هذا لا نختلف كثيراً عن الاستعمال الشائع للكلمة. ويقول الدكتور ظاظا: « بعد العودة من بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، اقتصر استخدام مصطلح «عبرانيين» على الإشارة إلى الرعيل الأول من اليهود حتى عصر التهجير البابلي، واستُخدمت كلمة «يهود» أو «يسرائيلي» للإشارة إلى الأجيال التي أتت بعد ذلك، والتي لم تَعُد تستخدم اللغة العبرية وإنما تتحدث الآرامية وتكتب بها ».
ولعل الدقة الكاملة كانت تتطلب أن نستخدم اصطلاح «عبراني يهودي» للإشارة للعبرانيين في الفترة ما بعد العودة إلى بابل (538 ق.م) حتى سقوط الهيكل (70م)، فإبان هذه الفترة بدأت ملامح النسق الديني اليهودي كما نعرفه في التحدد مع بداية الفترة واكتملت مع نهايتها. ومع هذا، كانت العبادة القربانية المركزية لا تزال الإطار الديني المرجعي الأساسي للعبرانيين اليهود. ولكننا، مع هذا، نستخدم كلمة «يهودي» وحدها للإشارة إلى العبرانيين اليهود من قبيل التبسيط، وحتى لا يصبح هيكل المصطلحات مركباً لدرجة يصعب معها استخدامه. ويستطيع القارئ أن يعود إلى مدخل «الهويات اليهودية (تاريخ)».
يســـــــرائيــل
Israel; Yisrael
«يسرائيل» كلمة عبرية قديمة غامضة المعنى، يمكن تقسيمها إلى «يسرا»، أي الذي يحترب أو يصارع، و« إيل» وهو الأصل السامي لكلمة «إلـه». والكلمة تعني حرفياً «الذي يصارع الإلـه» أو «جندي الإلـه إيل»، وفي كل التفسيرات معنيان أساسيان هما معنى الصراع والحرب ومعنى القداسة.
ومما يجدر ذكره أن كلمة «يسرائيل» وردت في الكتابات المصرية في عهد مرنبتاح في عام 1230 ق.م بوصفها اسماً لإحدى المدن، أو ربما لبطن من بطون القبائل في جنوبي كنعان. ولعل هذا يدل على أن الكلمة كنعانية الأصل، وأنها كانت ذات ارتباطات مقدَّسة بين سكان المنطقة آنئذ. وهناك نظرية تذهب إلى أنها كانت اسم بطن من بطون القبائل العبرانية.
وقد اكتسب يعقوب هذا الاسم بعد أن صارع الإله في حادثة غامضة لا يُفهَم مكنونها أو دلالتها « فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال لا أطلقك إن لم تباركني. فقال ما اسمك، فقال يعقوب. فقال لا يُدعَى اسمك فيما بعد يعقوب بل يسرائيل، لأنك جاهدت مع الإله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال أخبرني باسمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي، وباركه هناك » (تكوين 32/25 ـ 29).
والقصة متأثرة بعناصر الملحمة الأكادية، حيث يكتسب البطل بصراعه المادي مع الإله صفات تجعله فوق البشر أو نصف إله، وتكسبه بانتصاره على الإله حق نصرة الإله له دائماً في علاقاته مع الآخرين. وهذا الصراع مع الإله يشبه وقائع مماثلة في الأساطير اليونانية. وكلمة «يسرائيل» تشير أيضاً إلى نسل يعقوب، ثم أصبحت تشير إلى المملكة الشمالية «يسرائيل» قبل التهجير الآشوري. ثم استُخدمت الكلمة للإشارة إلى سكان المملكة الجنوبية «يهودا» بعد سقوط مملكة يسرائيل إلى أن حلت كلمة «يهودي» محلها.
وللكلمة في دلالتها الاصطلاحية معنيان أساسيان: فهي تعني اليهود بوصفهم شعباً مقدَّساً، وتعني فلسطين بوصفها أرضاً مقدَّسة. وهي ترد مضافة إلى كلمات أخرى، مثل: «عام يسرائيل» أي «شعب إسرائيل» و«بنو يسرائيل» أي «بنو إسرائيل»، و«بيت يسرائيل» أي «بيت إسرائيل». و«كنيست يسرائيل» أي «مجمع إسرائيل» أو «جماعة يسرائيل». وقد بُعثت كلمة «يسرائيلي» مرة أخرى، في عصر الانعتاق، في القرن التاسع عشر الميلادي، كما بعثت أيضاً كلمة «عبراني» لأن كلمة «يهودي» كانت تحمل إيحاءات سلبية.
وفي العصر الحديث، تُستخدَم عبارة «مدينة إسرائيل» العبرية للإشارة إلى الدولة الصهيونية وكلمة «إسرائيليين» للإشارة إلى أعضاء التجمـع الاســتيطاني الصهيوني في فلسـطين. ولكننـا، إذا أردنا التفرقة، فمن المستحسن أن نطلق كلمة «إسرائيليين» على سكان التجمع الاسـتيطاني الصهيوني في فلسـطين وحدهم، وأن نسـمِّي اليهود القدامى، من حيث هم تَجمُّع بشري له خصائص إثنية مُتميِّزة، «عبرانيين» (ومفردها عبراني) وأن نسميهم «جماعة يسرائيل» (وأحياناً «اليسرائيليين») لنصفهم من حيث هم جماعة دينية، على أن تظل كلمة «يهودي» مصطلحاً يشير إلى كل من يعتنق اليهودية وهي العقيدة التي اكتسبت ملامحها الرئيسية في القرن الأول قبل الميلاد. مصطلح «عبري» فيَصلُح في الناحيتين اللغوية والأدبية وحسب.
بنـو إسرائيل
Banu Israel
«بنو إسرائيل» عبارة ترد في القرآن الكريم (وفي كثير من الكتب الفقهية الإسلامية) للإشارة إلى اليهود. كما تُوجَد كلمات أخرى، مثل: «أهل الكتاب» و«الكتابيون» و«أهل الذمة» و«الذميون» لتشير إلى كل من اليهود والمسيحيين. وقد عُرِّف النطاق الدلالي لكلمة «بني إسرائيل» إسلامياً بشكل واضح ومحدد، فهي تشير إلى جماعة محددة الأوصاف يؤمن أصحابها بالإله والتوراة. ومن ثم، فإن هذا المصطلح لا ينطبق على غالبية يهود العالم في الوقت الحالي. لكن هؤلاء هم موضع الدراسة في هذه الموسوعة، ومن ثم فإننا لا نستخدم هذه العبارة. وترد عبارة «بني إسرائيل» للإشارة إلى الجماعة اليهودية التي تُوجَد في الهند وتحمل هذا الاسم.
شــــعب يســــرائيل
The People of Yisrael
«شعب يسرائيل» هو أحد الأسماء التي تُطلَق على العبرانيين من حيث هم جماعة دينية قديمة تسبق تَبلوُّر اليهودية، وهو مرادف للكلمات «بني يسرائيل» و«اليسرائيليين»، وكذلك «كنيست يسرائيل» أي «جماعة يسرائيل».
جماعة يسرائيل
Israel; Yisrael
»جماعة يسرائيل« مصطلح قمنا باشتقاقه من كلمة «يسرائيل»، وهي كلمة من المعجم الديني اليهودي وتعني »الذي يصارع الإله». ونحن نستخدم الكلمة لنشير إلى العبرانيين القدامى من حيث هم جماعة دينية مقابل العبرانيين القدامى كجماعة عرْقية أو إثنية. ومن ثم نشير إلى عقيدتهم باعتبارها «عبادة يسرائيل القربانية المركزية» لتمييزها عن اليهودية التي هي ثمرة تطورات مختلفة دخلت على هذه العبادة في بابل وبعد العودة منها وخلَّصتها من جوانبها الوثنية. كما نستخدم كلمة «يسرائيل» للإشارة إلى مملكة يسرائيل الشمالية العبرانية (مقابل مملكة يهودا الجنوبية) لتمييزها عن دولة إسرائيل الحديثة. أما المستوطنون اليهود من مواطني الدولة الصهيونية، فنحن نشير إليهم على أنهم إسرائيليون.
ونحن نفعل ذلك حتى لا نخلط بين النسق الديني اليهودي والواقع الاستيطاني في فلسطين المحتلة، ولا نخلط بين العبرانيين القدامى والمستوطنين الصهاينة، وهو خلط تحرص كلٌّ من الإمبريالية الغربية والمؤسسة الصهيونية عليه باستخدام دال واحد يشير إلى مدلولين مختلفين للإيهام بوجود استمرار وتَرادُف بين النسق الديني والواقع الاستيطاني، وبالتالي إكساب عملية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين شرعية بل وقداسة، وكذلك تصوير الهجوم على المستوطنين الصهاينة على أنه معاداة لليهود ونوع من التعصب الديني! ونستخدم كلمة «يهودي» للإشارة إلى أعضاء الجماعات اليهودية بعد صدور مرسوم قورش بعودة المهجَّرين إلى بابل. أما كلمة«صهيوني» فهي تشير إلى كل من يؤمن بالعقيدة الصهيونية بغض النظر عن انتمائه الديني.
عـَم هآرتـس
Am Haaretz
«عَم هآرتس» عبارة عبرية تعني حرفياً «شعب الأرض»، أي «أبناء الأرض». وقد وردت هذه العبارة في العهد القديم بمعنيين، الأول للإشارة إلى سكان فلسطين الأصليين مثل الحيثيين الذين اشترى منهم إبراهيم مغارة مكفيلة (تكوين 23) مقابل العبرانيين. أما المعنى الثاني، فيشير إلى السامريين والأقوام الأخرى التي كانت تسكن فلسطين وعارضت استيطان العبرانيين العائدين من بابل (عزرا 4). وكانت العبارة تُستخدَم كذلك للإشارة إلى عامة العبرانيين مقابل الأسرة المالكة والنبلاء والطبقة العسكرية والكهنة والأنبياء، وذلك قبل التهجير البابلي. ولكن بعد العودة من بابل، حيث صارت النخبة الحاكمة هي الكهنة أساساً، أصبحت العبارة تشير إلى الشعب مقابل الكهنة الأثرياء. وقد أخذت الحواجز بين الفريقين في التحدّد والتبلوّر، فكانت طبقة الكهنة تقيم جميع شعائر الطهارة الخاصة بالعبادة القربانية، كما كانت تتلقى العشور من المصلين ولا تأكل طعاماً إلا إذا دُفعت ضريبة العشـور عـنه. وقد قـام الفريسـيون والفرق اليهودية الأخرى، مثل الأسينيين، بإقامة شعائر الطهارة رغم أنهم لم يكونوا من طبقة الكهنة، وكانوا أيضاً لا يأكلون من محاصيل لم تُدفَع عنها العشور. وحتى يضمنوا أن يظلوا ضمن النخبة الحاكمة الطاهرة، كانوا حريصين على الإبقاء على الحواجز الفاصلة بينهم وبين العامة. ولكن رغم توسـيع نطاق النخبة ليضم الفريسيين وغيرهم، ظلت أعداد كبيرة من اليهود غير قادرة على إقامة شعائر الطهارة بسبب تزمتها وصرامتها، خصوصاً في المناطق التي ضمها الحشمونيون وهوَّدوا أهلها عنوة (الإيطوريون والأدوميون الذين أصبحوا يهوداً ولكنهم باتوا ينوءون تحت نير هذه الشعائر). وقد توجهت المسيحية إلى هؤلاء فانضموا إلى صفوفها، إذ أن الدين الجديد لم يثقل المؤمن بقيود شعائر الطهارة والعبادة القربانية.
ومع هدم الهيكل، فقدت العبارة معناها القديم حيث اختفت قوانين الطهارة والعبادة القربانية مع اختفاء الهيكل. ومع ظهور المعبد كمركز للعبادة اليهودية، أصبحت العبارة تفيد معنى قدحياً وتشير إلى اليهودي الذي لا يرتدي تمائم الصلاة (تيفلين)، ولا الشال (طاليت)، ولا يضع تمائم الباب (مزوزاه) على منزله، ولا يعلِّم أولاده التوراة. بل وتشير العبارة إلى العامة الذين لا يتفرغون لدراسة التوراة مقابل النخبة الحاخامية التي تفرغت لها. ويبدو أن الهوة قد اتسعت بين الفريقين حتى أن الحاخام عقيبا، الذي بدأ دراسته في سن متأخرة، قال إنه حين كان ضمن عم هآرتس (أي العامة) كان من الممكن أن ينهش لحم أي حاخام يقابله في طريقه. وقد جاء في التلمود أن العالم يجب ألا يتزوج من ابنة أحد من العم هآرتس فهم كريهون وزوجاتهم مثل الديدان وينطبق على بناتهم ما جاء في التوراة " ملعون من يضطجع مع بهيمة " (تثنية 27/21). فعبارة عم هآرتس تعني ببساطة «الإنسان الجاهل» ولو أنها، عند الحسيديين، كانت تعني «الساذج وطيب القلب». وقد استمر التمييز الحاد بين النخبة والعامة من يهود اليديشية، فهم يميِّزون بين «شيد يدين»، وهي عبارة يديشية تعني «الرجال الذين يتحلون بالجمال»، وبين «بروست يدين»، أي الرجال العاديون، وهي تكاد تكون مرادفاً يديشياً لعبارة «عم هآرتس». وفي العصر الحديث، تُطلَق كلمة «عم هآرتس» أحياناً على اليهود السـفارد والشرقيين والفلاشاه.
اليشوف
Yishuv
«يشوف» كلمة عبرية تعني «التَوطُّن» أو «السَكَن»، وهي تشير إلى الجماعات اليهودية التي تستوطن فلسطين لأغراض دينية. ويُستخدَم اصطلاح «اليشوف القديم» للإشارة إلى الجماعات اليهودية التي كانت تعيش على الصدقات التي ترسلها لهم الجماعات اليهودية فيما يُعرَف باسم «حالوقة». وكان اليشوف القديم يتكون من جماعتين منفصلتين تمام الانفصال: الأولى إشكنازية والأخرى سفاردية، وكانت كل جماعة تنقسم بدورها إلى أقسام فرعية مختلفة حسب مصدر الصدقة التي تأتي لها (وهذا يذكرنا بعض الشيء بالنظام الحزبي في إسرائيل ونظام تمويله عن طريق مساعدات يهود الدياسبورا، فحزب حيروت مثلاً يحصل على أكبر قسط من المعونة من اليهود اليمينيين وبالذات في جنوب أفريقيا، أما حزب الماباي فيموله اليهود الليبراليون في الغرب).
ولم يكن عند أعضاء اليشوف القديم أية مطامع سياسية لأن الغرض من وجودهم كان دينياً محضاً، ولذلك كانت علاقاتهم بالعرب طبيعية وطيبة للغاية. وعلى العكس من هذا كان أعضاء اليشوف الجديد (وهو الاصطلاح الذي يطلقه الصهاينة على التجمع الاستيطاني الصهيوني ابتداءً من عام 1882)، إذ كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم جماعة «قومية» ذات برنامج سياسي محدَّد يتلخص في إنشاء الوطن اليهودي. ولذلك، ركزوا جهدهم في تأسيس أبنية اقتصادية سياسية حضارية منعزلة تمام الانعزال عن العرب (بل وعن أعضاء اليشوف القديم)، كما كانوا يدورون في إطار مفاهيم انعزالية مثل اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج. وقد تَسبَّب هذا في حدوث توتر ثم صراع حاد أدَّى إلى نشوب القتال بينهم وبين العرب، وهذا الصراع هو الذي يُعرَف الآن باسم الصراع العربي الإسرائيلي.
والملاحَظ أن الكتابات الصهيونية تستخدم كلمة «يشوف» لتوحي بأن ثمة استمراراً يهودياً عبر التاريخ، وأن الوجود اليهودي في فلسطين كان مستمراً ومتصلاً، وفي الوقت نفسه مستقلاً ومنفصلاً عن تاريخ المنطقة العربية.
يهـودي
Jew
كلمة «يهودي» كانت تشير إلى الشخص الذي يعتنق اليهودية، وقد ظهرت بعد الكلمتين الأخريين «عبراني» و«يسرائيلي» أو عضو «جماعة يسرائيل». و«يهودي» كلمة عبرية مشتقة من «يهودا» وهو اسم أحد أبناء يعقوب والذي سُمِّيت به إحدى قبائل العبرانيين الاثنتي عشرة. والاسم مُشتَق من الأصل السامي القديم «ودي» التي تفيد الاعتراف والإقرار والجزاء مثل كلمة «دية» عند العرب. وقد اكتسبت هذه المادة معنى الإقرار والاعتراف بالجميل. وقد استوحت ليئة زوجة يعقوب اسم ابنها الرابع من هذا المعنى: " هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهودا " (تكوين 29/35). فكلمة «يهوه» تعني الرب و«دي» تعني الشكر ومنهما «يهودي». وكانت الكلمة ذات دلالة جغرافية تاريخية في بادئ الأمر، إذ كانت تشير إلى سكان المملكة الجنوبية (يهودا) وحسب، ولكن دلالتها اتسعت لتشمل اليهود كافة، خصوصاً بعد انصهار سكان المملكة الشمالية (يسرائيل) بعد التهجير الآشوري، واختفائهم من مسرح التاريخ، واستمرار مملكة يهودا قرنين من الزمان.
وهكذا أصبحت كلمة «يهودي» عَلَماً على كل من يعتنق اليهودية في أي زمان ومكـان بغـض النـظر عن انتمائه العرْقي أو الجغـرافي. ومن هنا، فإن فيلون السكندري يهودي، وموسى بن ميمون العربي يهودي. ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، فكلمة «يهودي» متسعة الدلالة تختلف دلالتها باختلاف الزمان والمكان. ومع أن الشرع اليهودي قد عَرَّف اليهودي بأنه من وُلد لأم يهودية أو تَهوَّد، فإن الشرع الإسلامي لم يقبل، في جميع مراحله التاريخية، بهذا التعريف العرْقي، فكان يُعرِّف اليهودي تعريفاً دينياً وحسب، أي أنه عرَّفه بأنه من يعتنق اليهودية سواء كان من الحاخاميين أو القرّائين أو السامريين. وثمة اختلاف جوهري بين التعريفين، فأحدهما عقائدي محض والآخر ديني عرْقي، وبالتالي تنشأ مشكلة من هو اليهودي، وهل اليهودي هو الذي يعتقد أنه كذلك من منظور يهودي أم أنه اليهودي الذي نسميه نحن كذلك انطلاقاً من عقيدتنا؟
أما في العالم الغربي، فقد مرت الكلمة بعدة تطورات دلالية. ففي العالم الهيليني والدولة الرومانية، كانت كلمة «يهودي» تشير إلى الفرد في الإثنوس أي القوم اليهودي، وكانت مسألة العقيدة ثانوية. وفي العصور الوسطى الكارولينجية في الغرب، حتى القرن الحادي عشر الميلادي، أصبحت كلمة «يهودي» تعني الانتماء إلى الجماعة اليهودية، كما كانت مرادفة لكلمة «تاجر». وبعد القرن الحادي عشر الميلادي، أصبحت كلمة «يهودي» مرادفة لكلمة «مرابي». ولم تتخلص اللغات الأوربية تماماً من تلك التضمينات التي كانت تُحمِّل كلمة «يهودي» معنى قدحياً، مثل «بخيل» أو «غير شريف» أو «عبد للمال» وغير ذلك من المعاني التي ارتبطت بأعضاء الجماعات اليهودية، نظراً لاضطلاعهم بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة التي هي محط كراهية أعضاء المجتمع المضيف. وهذا ما كان يعنيه ماركس حينما تَحدَّث عن انتشار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في المجتمع بوصفه « تهويد المجتمع ». ويساوي الفكر الاشتراكي الغربي، خصوصاً كتابات فورييه، بين اليهودي والمرابي. وفي اللغة الإنجليزية، ارتبطت الكلمة باسم يهوذا Judas الإسقريوطي الذي باع المسيح بحفنة قطع من الفضة.
ولذا، أسقط بعض اليهود، في القرن التاسع عشر الميلادي، مصطلح «يهودي» واستخدموا مصطلحات مثل «عبراني» و«إسرائيلي» و«موسوي» حتى أصبحت كلها مترادفة. ولكن حدث تَراجُع عن ذلك بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح مصطلح «يهودي» أكثر شيوعاً. وكثير من المعاجم الأوربية لا تورد الآن المعاني القدحية لكلمة «يهودي» بل وتوصي بعدم استخدامها. ويُلاحَظ أن كلمة «يهودي» بدأت، منذ القرن التاسع عشر الميلادي، تحمل إيحاءات بالقداسة مع بَعْث أسطورة اليهودي التائه وإعطائها مضموناً إيجابياً.
ومع ظهور حركة التنوير وضعف اليهودية الحاخامية، ترك كثير من اليهود عقيدتهم الدينية واستمروا في تسمية أنفسهم «يهوداً»، وهذا ما يُطلَق عليه «اليهودي غير اليهودي». وبين هؤلاء نجد «اليهودي الملحد» و«اليهودي العلماني» و«اليهودي الإثني» ممن نطلق عليهم نحن «اليهود الجدد». وغني عن القول أنه حينما كان مصطلح «يهودي» يُستخدَم للإشارة إلى هؤلاء، فإن محيطه الدلالي كان يختلف تماماً عن محيطه الدلالي حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، حيث كان الانتماء اليهودي يعني الإيمان بالعقيدة اليهودية. أما هؤلاء، فإنهم لا يتبعون تعاليم دينهم بل ويرفضها بعضهم تماماً ويُسمي نفسه يهودياً استناداً إلى ما يتصور أنه موروثه الثقافي.ويوجد الآن تعريفان لليهودي: أحدهما ديني يعتمد الشريعة ويأخذ به نحو 18% من يهود العالم، والآخر علماني ويأخذ به نحو 61%. والباقون مترددون متضاربون في الرأي. فإن شـعر أحدهم في قرارة نفسـه بأنه يهـودي، فإنه يمكن اعتباره يهـودياً.
وقد حاول جان بول سارتر تعريف «اليهودي» فأخذ بهذا التعريف الذاتي، وقال إن اليهودي يكون يهودياً أصيلاً حينما يصبح واعياً بحالته كيهودي ويشعر بالتضامن مع سائر اليهود. ولكن سارتر نفسه كان قد عرَّف اليهودي من قبل بأنه من يراه الأغيار كذلك. وفي كلتا الحالتين، لا يُوجَد معيار موضوعي للتعريف. وقد انتهى الأمر به إلى القول بأن اليهودي هو رجل يبحث عن هويته. وهذا ليس بتعريف أيضاً، وإنما إشارة إلى حالة عقلية. وقد علق أحد المثقفين الفرنسيين على الوضع قائلاً: « إنني مثل جميع اليهود الفرنسيين، فأنا يهودي من الناحية الخيالية ولكني فرنسي من الناحية الفعلية ».
ويمكن القول بأن كلمة «يهودي» في الوقت الحالي لها معنيان:
1 ـ يهودي بالمعني الديني الإثني.
2 ـ يهودي بالمعنى الإثني المحض.
فهي تشير إذن إلى الكتل اليهودية الثلاث الأساسية، وهي الإشكناز والسفارد ويهود العالم الإسلامي، وإلى الجماعات اليهودية الأخرى التي انفصلت عن الكـتل الثـلاث الكبرى مثل الفلاشـاه ويهود الهند. وهي تشير أيضاً إلى اليهود من شتى الفرق التي نشأت في العالم الغربي: الإصلاحيين والمحافظين والأرثوذكسيين والتجديديين حتى ولو كفَّر أعضاء هذه الفرق بعضهم بعضاً. ويُستخدَم المصطلح للإشارة إلى المستوطنين الصهاينة مع أن مسألة من هو اليهودي لا تزال دون إجابة داخل الدولة الصهيونية، أي أنها كلمة ذات مجال دلالي مُختلَط وغير محدَّد.
ونحن نستخدم كلمة «عبراني» للإشارة إلى اليهود القدامى كتَجمُّع إثني ذي خصائص متميِّزة. وكلمة «جماعة يسرائيل» تشير إلى المجموعة البشرية نفسها كتَجمُّع ديني. وتُستخدَم كلمة «إسرائيل» للإشارة إلى المُستوطَن الصهيوني أما السكان، فهم «إسرائيليون». كما أننا نستخدم عبارة «أعضاء الجماعات اليهودية» للإشارة إلى يهود العالم بعد المرحلة البابلية، ولا نستخدم كلمة «يهود» أو «يهودي» إلا إذا تَطلَّب السياق ذلك، كأن ننقل وجهة نظر أحد الباحثين أو إن كان الحديث عن اليهود كجماعة دينية. وبسبب اختلاط المجال الدلالي للكلمة، فإننا نضطر إلى استخدام كلمة «يهود» للإشارة إلى اليهود ممن لا يؤمنون بالتوراة أو الإله والذين يصنفون أنفسهم يهوداً.
وغني عن البيان أن مصطلح «صهيوني» لا علاقة له بمصطلح «يهودي»، فليس كل اليهود صهاينة وليس كل الصهاينة يهوداً، وهناك صهاينة مسلمون وصهاينة مسيحيون وصهاينة بوذيون وصهاينة لا دين لهم ولا ملة.
صهيوني Zionist
«الصهيوني» هو من يؤمن بالعقيدة الصهيونية (إما في شكلها الاستيطاني أو في صورتها التوطينية). ولذا، فإن هناك اختلافاً عميقاً بين الصهيوني واليهودي، وبينهما من جهة وبين الإسرائيلي من جهة أخرى. ويستطيع القارئ أن يعود للمجلد السادس من هذه الموسوعة والذي يتناول موضوع الصهيونية.
إسرائيلي Israeli
«الإسرائيلي» هو مواطن الدولة الصهيونية. وهو يختلف عن «اليسرائيلي» أو عضو «جماعة يسرائيل» وهم العبرانيون كجماعة دينية. وليس كل الإسرائيليين صهاينة، تماماً كما أن كل الصهاينة ليسوا بالضرورة إسرائيليين. ولا يوجد أي تَرادُف بين «إسرائيلي» و« يهودي»، بل إن هناك إسرائيليين كثيرين يرفضون العقيدة اليهودية. ويستطيع القارئ أن يعود إلى المداخل المختلفة عن إسرائيل.