المبحث السادس:
النهي عن موالاة الكفار وبيان مظاهرها
لابد للمسلم من تحقيق البراء من الكافرين والحذر من جميع مظاهر موالاتهم، و خطورة موالاة الكفار تبرز في أن ضررها يتعدى على المسلمين كافة وهذا أعظم من خطر من يكفر في نفسه فقط، ثم إن موالاة الكفار يفعلها من يظن سلامة الاعتقاد وهو كاذب عند الله ورسوله والمؤمنين في ذلك.
ومعلوم أن المفسدة في هذه الموالاة أعظم من المفسدة في مجرد كفره بنفسه، ومسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردة كذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات.
(أفضل مَنْ كتب في مظاهر موالاة الكفار هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأبناؤه وتلاميذه من بعدهم وقد ذكروا كثيرا من هذه الصور. انظر نواقض الإسلام في "مجموعة التوحيد" وانظر رسائل مفيدة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ وغيرها من مؤلفاتهم رحمهم الله وعنهم أخذها كثير من المعاصرين كالشيخ صالح الفوزان في الولاء والبراء والشيخ محمد بن سعيد القحطاني في الولاء والبراء في الإسلام وغيرهم).
ومن أبرز مظاهر موالاة الكفار ما يلي:
1- الرضى بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة.
ويتضح أن هذا الأمر ولاء للكفار:
أن الكفار يسرهم ويسعدهم أن يروا من يوافقهم على كفرهم ويجاريهم على مذاهبهم الإلحادية.
ومن المعلوم في معتقد أهل السنة والجماعة:
أن حب القلب لله يجب أن يكون خالصاً، فالذي يحب الكافر لأجل كفره بالله فهو كافر بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين.
2- التولي العام واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء أو الدخول في دينهم وقد نهى الله عن ذلك فقال: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) [سورة آل عمران: 28].
قال ابن جرير في تفسيرها:
(مَنْ اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين فليس من الله في شيء، أي قد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. (إلا أن تتقوا منهم تقاه) أي إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل). ("تفسير الطبري": (ج 3/ 228)).
وقال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) [سورة المائدة: 51].
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها:
(مَنْ تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم. أي من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه). ("تفسير الطبري": (ج 6 /277)).
وقال ابن حزم:
(صح أن قول الله تعالى: (ومَنْ يتولهم منكم فإنه منهم) إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين). ("المحلى"لابن حزم : (ج 13 /35)).
وقال ابن تيمية:
(أخبر الله في هذه الآية: أن متوليهم هو منهم وقال سبحانه: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) [سورة المائدة: 81].
فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً) (انظر "الإيمان" لابن تيمية: (ص 14)).
وقال ابن القيم:
(إن الله قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه مَنْ تولى اليهود والنصارى، فهو منهم: (ومَنْ يتولهم منكم فإنه منهم) فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم. وهذا عام، خص منهم مَنْ يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام فإنه لا يُقر ولا تُقبل منه الجزية. بل إما الإسلام أو السيف لأنه مرتد بالنص والإجماع، ولا يصح إلحاق من دخل في دينهم من الكفار قبل التزام الإسلام بمَنْ دخل فيه من المسلمين؛ لأن مَنْ دان بدينهم من الكفار بعد نزول القرآن فقد انتقل من دين إلى دين خير منه –وإن كانا جميعاً باطلين-، وأما المسلم فإنه قد انتقل من دين الحق إلى الدين الباطل بعد إقراره بصحة ما كان عليه وبطلان ما انتقل إليه فلا يقر على ذلك) "أحكام أهل الذمة" لابن القيم: (ج1/ 67، 69).
3- الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله.
كما قال تعالى:
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) [سورة النساء: 51].
ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب:
(ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) [سورة البقرة: 101-102].
فأخبر سبحانه أنهم اتبعوا السِّحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام. فمَنْ كان من هذه الأمة موالياً للكفار: من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة كإتيانه أهل الباطل واتباعهم في شيء من فعالهم ومقالهم الباطل: كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك. (انظر "فتاوى ابن تيمية": (ج28 /199- 201)).
وإن هذه الصورة من صور الموالاة قد وقع فيها معظم المنتسبين إلى الإسلام اليوم، فالإيمان ببعض ما هم عليه أمر واقع في العالم الإسلامي لا ينكره إلا مكابر أو جاهل، فها هي الببغوات من أبناء أمتنا وممن ينطقون بألسنتنا قد آمنت بالشيوعية مذهباً تارة، وبالاشتراكية تارة، وبالرأسمالية تارة أخرى، وآمنت بالعلمانية نظاماً، فأخذت هذه المبادئ الكافرة وطبقتها في بلاد المسلمين ملزمة الناس بعبادتها في الطاعة والانقياد والتنفيذ ونصبت العداء لكل مسلم موحد ينادي في الأمة أن تعود إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإن من الإيمان ببعض ما هم عليه:
مسألة فصل الدين عن الدولة وإنه لا علاقة للإسلام بالسياسة، فهذه أيضاً فرع للقضية السابقة، لم توجد إلا في أوروبا أيام الاضطهاد الكنسي لرجال العلم التجريبي. ولكن أين الإسلام دين العدل والعلم والسياسة من ضلالات رجال الكنيسة حتى يأتي المستغربون فيستوردوا تلك السموم من أوروبا ليلبسوا الإسلام قناعاً مزيفاً فيقولوا: الإسلام علاقة بين العبد وربه، والسياسة لها رجالها ولها قضاياها التي لا تمت إلى الدين بصلة.
4- مودتهم ومحبتهم:
وقد نهى الله عنها بقوله: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) [سورة المجادلة: 22].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادَّين لله ورسوله، فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده، وهو موالاة أعداء الله. فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه؛ كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب). ("الإيمان": لابن تيمية (ص 13)).
قال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) [سورة الممتحنة: 1].
5- الركون إليهم:
قال تعالى:
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) [سورة هود: 113].
قال القرطبي:
الركون حقيقته: الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به وقال قتادة: معنى الآية: لا توادوهم ولا تطيعوهم. وقال ابن جريج: لا تميلوا إليهم.
وهذه الآية دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر أو معصية.
إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة كما قيل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قــــــــــــرين بالمقارن يقتدي
(انظر تفسير القرطبي": (ج 9 / 108)).
قال تعالى:
(ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً * إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً) [سورة الإسراء: 74-75].
وإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق صلاة الله وسلامه عليه فكيف بغيره؟. "مجموعة التوحيد": (ص 117).
6- مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين: قال تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون) [سورة القلم: 9].
والمداهنة والمجاملة والمداراة على حساب الدين أمر وقع فيه كثير من المسلمين اليوم، وهذه نتيجة طبيعية للانهزام الداخلي في نفوسهم. حيث رأوا أن أعداء الله تفوقوا في القوة المادية فانبهروا بهم، ولأمر ما رسخ وترسب في أذهان المخدوعين أن هؤلاء الأعداء هم رمز القوة ورمز القدوة – فأخذوا ينسلخون من تعاليم دينهم مجاملة للكفار ولئلا يصمهم أولئك الكفرة بأنهم متعصبون!
وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ يقول في مثل هؤلاء:
"لتتبعنَّ سَنَن مَنْ كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضبَّ تبعتموهم". قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"؟. (صحيح البخاري": (ج 13/ 300 ح7320) كتاب الاعتصام، و"صحيح مسلم": (ج 4/ 2054 ح 2669). واللفظ للبخاري).
إن المداهنة والمجاملة قد تبدأ بأمر صغير ثم تكبر وتنمو حتى تؤدي –والعياذ بالله- إلى الخروج من الملة. وهذه إحدى مزالق الشيطان فليحذر المسلم منها على نفسه، وليعلم أنه هو الأعز وهو الأقوى إذا امتثل منهج الله وتقيد بشرعه ومقتضيات عقيدته.
ومن الأمور الواضحة في تاريخ المسلمين:
أن أكبر العوامل في انتصارهم الإيمان بالله ورسوله والاعتزاز بالإسلام. يصدّق ذلك ويؤيده قول الفاروق –رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله". (أخرجه الحاكم في "المستدرك": (ج 1/ 62) كتاب الإيمان. وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه).
وقال تعالى:
{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
7- اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين:
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) [سورة آل عمران: 118].
نزلت هذه الآية في أناس من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين، ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والجوار فأنزل الله هذه الآية تنهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم. ("أسباب النـزول" للواحدي: (ص 68)).
وبطانة الرجل:
خاصته، تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي بطنه لأنهم يستبطنون أمره ويطلعون منه على ما لا يطلع عليه غيرهم. وقد بيّن الله العلة في النهي عن مباطنتهم فقال: (لا يألونكم خبالاً) أي لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد، ثم إنهم يودون ما يشق عليكم من الضر والهلاك.
والعداوة التي ظهرت منهم:
شتم المسلمين والوقيعة فيهم، وقيل: بإطلاع المشركين على أسرار المسلمين. (انظر "تفسير البغوي": (1/ 409)، و"تفسير ابن كثير": (2 /89)).
وفي سنن أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم:
"الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم مَنْ يخالل". ("سنن أبي داود": (ج 5 / 168، ح 4833) كتاب الأدب، وفي "المسند" : (ج 16 /178، ح 8398)، طبعة شاكر، والترمذي: (ج 7/ 111، ح 2379) في "الزهد"، وقال هذا: حديث حسن غريب).
8- طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به من الشر.
قال تعالى ناهياً عن ذلك:
(ولا تطع مَنْ أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً) [سورة الكهف: 28]. وقال: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) [سورة آل عمران: 149] وقال تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) [سورة الأنعام: 121].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:
(وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك، كما قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) [سورة التوبة: 31]). ("تفسير ابن كثير" : (ج 3/ 322)).
9- مجالستهم، والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله:
قال تعالى في النهي عن ذلك:
(وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً) [سورة النساء: 140].
قال ابن جرير:
(قوله (إنكم إذاً مثلهم) أي إنكم إذاً جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثلهم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها.
وفي الآية دلالة واضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من الكفرة والمبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم) . ("تفسير الطبري": (ج 5 /330)).
وفي الحديث:
"لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم". (صحيح البخاري": (ج 8/ 125، ح 4419) كتاب المغازي، و"صحيح مسلم": (ج 4/ 2185، ح 2980) كتاب الزهد).
10- توليتهم أمراً من أمور المسلمين العامة: كالإمارة ونحوها...
والتولي قرين الولاية، لذلك فتوليتهم نوع من توليهم، وقد حكم الله أن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً.
والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً، والولاية صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبداً، ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتّاب -مثلاً- ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان؛ لثناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال.
فهذا الملك ‘‘الصالح‘‘ كان في دولته نصراني يسمى: محاضر الدولة أبا الفضل بن دخان ولم يكن في المباشرين أمكن منه، وكان قذى في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين، بلغ من أمره أنه وقع لرجل نصراني أسلم برده إلى دين النصرانية وخروجه من الملة الإسلامية، ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين، وأعمالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها.
وكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحمل لهم الإدرار والضيافات، وأكابر المسلمين محجوبون عن الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم ينصفوا في التحية ولا في الكلام.
وحدث أن اجتمع في مجلس ‘‘الصالح‘‘ أكابر الناس من الكتّاب والقضاة والعلماء فتحدث عنده أحد العلماء فذكر مخازي النصارى وبسط لسانه في ذلك وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق، وقال من جملة كلامه: إن النصارى لا يعرفون الحساب، ولا يدرونه على الحقيقة لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً، والله تعالى يقول: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) [سورة المائدة: 73]، وأول أمانتهم وعقد دينهم: ‘‘بسم الأب والابن وروح القدس إله واحد‘‘.
فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء وقال في قصيدة له:
كيف يدري الحساب مَنْ جعل الوا
حـــد رب الــورى تعــالى ثـلاثــة
ثم قال هذا العالم:
كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده، ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانة؟ وكلما استخرج ثلاثة دنانير دفع إلى السلطان ديناراً وأخذ لنفسه اثنين ولاسيما وهو يعتقد ذلك قربة وديانة؟.
وانصرف القوم واتفق أن كُبِتَ النصراني، وظهرت خيانته فأريق دمه وكفي المسلمون شره. (انظر أحكام أهل الذمة" لابن القيم: (ج 1 /242 -244) بتصرف).
11- الرضى بأعمالهم والتشبه بهم، والتزيي بزيهم.
ففي الحديث:
"مَنْ تشبه بقوم فهو منهم" (أخرجه أبو داود وصححه حديث رقم4031 وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 6149).
والمشابهة في الظاهر تدل على المشابهة في الباطن؛ فإذا تشبه المسلم بالكافر فهذا دليل ظاهر على تعلق قلبه بالكفار، وهذا من الأمور الشائعة في زمننا هذا والعياذ بالله، وفي فتوى لشيخنا محمد العثيمين رحمه الله حول مقياس التشبه بالكفار:
سئل شيخنا محمد العثيمين رحمه الله:
عن مقياس التشبه بالكفار؟
فأجاب بقوله:
مقياس التشبه أن يفعل المتشبِه ما يختص به المتشبَه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى. وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة.
وقد صرح بمثله صاحب الفتح حيث قال ص 272 ج 10:
"وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به. قيل: فإنه من لبوس النصارى، قال: كان يلبس هاهنا". أ.هـ.
قلت:
لو استدل مالك بقول النبي، صلى الله عليه وسلم، حين سُئل ما يلبس المُحرم، فقال: "لا يلبس القمص، ولا السراويل، ولا البرانس" الحديث لكان أولى.
وفي الفتح أيضاً ص 307 جـ1:
وإن قلنا: النهي عنها (أي عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعجام فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة. والله أعلم. أ.هـ (فتوى رقم 406 مجموع فتاوى ابن عثيمين)
12- معاونتهم على ظلمهم ونصرتهم:
ويضرب القرآن لذلك مثالين هما:
امرأة لوط التي كانت ردأً لقومها، حيث كانت على طريقتهم، راضية بأفعالهم القبيحة، تدل قومها على ضيوف لوط. وكذلك فعلت امرأة نوح. ("تفسير ابن كثير": (ج 6/ 210)).
13- الثناء عليهم ونشر فضائلهم.
وهذه الصورة ظهرت واضحة في العصور الأخيرة فقد رأينا ‘‘أفراخ المستشرقين‘‘ –مثلاً- ينشرون فضائلهم وأنهم أصحاب المنهج العلمي السديد و..و.. إلخ، كذلك جاء مَنْ ينشر ‘‘فضائل‘‘ الغرب أو الشرق مضفياً عليها ألقاب التقدم والحضارة والرقي، وواصماً الإسلام والمنتسبين إليه بالرجعية والجمود والتأخر عن مسايرة الركب الحضاري والأمم المتقدمة.
14- تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم:
مثل قول: السادة الأجلاء أوالحكماء الفضلاء ونحو ذلك، فإن التعظيم واللقب الرفيع رمز للعزة والتقدير وهما مقصورتان على المؤمن. أما الكافر فله الإهانة والذلة.
15 - من ترك دار الإسلام إلى دار الحرب حباً للكافرين، وسكن معهم في ديارهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله". (أخرجه أبو داود: (ج 3/ 224، ح 2787)) كتاب الجهاد، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن، انظر "صحيح الجامع الصغير": (ج 6/ 279، ح 6062)).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لاتساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمَنْ ساكنهم أو جامعهم فليس منا". (أخرجه الحاكم في "المستدرك": (ج 2/ 141)، وقال صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
يتبع إن شاء الله...