المبحث الثالث:
مظاهر موالاة المؤمنين
المسلم أخو المسلم يحبه في الله ويواليه، وعلى هذه المحبة والموالاة تنبني حقوق المسلم على المسلم، من النصرة، والمواساة والزيارة، والإكرام، والسلام، وحماية العرض، وغير ذلك كثير مما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة، ولابد من معرفة أبرز صور موالاة المؤمنين ومظاهرها حتى يكون المؤمن حريصا على إظهارها لإخوانه المؤمنين.
ومن هذه المظاهر:
1- الهجرة إلى بلاد المسلمين وهجر بلاد الكافرين.
والهجرة هي الانتقال من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين والهجرة بهذا المعنى ولأجل هذا الغرض واجبة وباقية إلى طلوع الشمس من مغربها عند قيام الساعة، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، فتحرم على المسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا إذا كان لا يستطيع الهجرة منها. أو كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً، فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}.
2- مناصرة المسلمين والجهاد معهم ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم.
قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض}.
وقال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}.
3- السرور لسرورهم التألم لألمهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". (أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم: 6011).
وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبَّك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم". (أخرجه البخاري حديث رقم: 481 وأخرجه مسلم حديث رقم: 2585).
4- النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخديعتهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (أخرجه البخاري حديث رقم: 13).
وقال: "المُسلم أخو المُسلم لا يظلمه ولايُسلمه، ومَنْ كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" (أخرجه البخاري حديث رقم: 2442و 6951).
5- احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.
6- أن يكون معهم في حال العسر واليُسر والشدَّة والرخاء.
بخلاف أهل النفاق الذين يكونون مع المؤمنين في حالة اليسر والرخاء ويتخلون عنهم في حال الشدة.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
7- زيارتهم ومحبة الالتقاء بهم والاجتماع معهم.
وفي الحديث القدسي: (وجبت محبتي للمتحابين في، وللمتجالسين في، وللمتزاورين فيَّ، وللمتباذلين في). (أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء: 5/ 146 وصححه الألباني في صحيح الترغيب حديث: 2581 و3018).
وفي حديث آخر: أن رجلاً زار أخًا له في الله فأرصد الله على مدرجته ملكًا – فسأله أين تريد؟ قال أزور أخًا لي في الله، قل: هل لك من نعمة تربها عليه، قال لا: غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. (أخرجه مسلم حديث رقم: 2567).
8- احترام حقوقهم.
فلا يبيع على بيعهم ونحو ذلك مما سبقوا إليه من المباحات.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه". (أخرجه البخاري حديث رقم: 2139).
9- الرفق بضعفائهم.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم". (أخرجه البخاري حديث رقم 2896).
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
10- الدعاء لهم والاستغفار لهم.
قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
وقال سبحانه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَان}.