قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
الخطط الإسرائيلية للهجوم وخطة الخداع على الجبهة المصرية
أولاً: الخطة الإسرائيلية للهجوم "ضربة صهيون" يونيه 1967 (أٌنظر خريطة الخطة الإسرائيلية للهجوم)
كأي دولة لها تطلعات كان لإسرائيل خططها الخاصة بالهجوم، والتي دربت عليها قواتها مسبقاً طبقاً لمبادئ نظرية الأمن الإسرائيلية، وطبقاً للخبرات التي حصرتها من متابعتها لتطبيق أساليب القتال الأمريكية في فيتنام – ومن خبرتها ودراستها لمسرح العمليات السينائي، وإستراتيجية الدفاع عنه طبقاً لعقيدة القتال الشرقية التي تتبعها مصر وسورية واستفادتها من خبرات حرب 1956 وتصحيحها لأوجه القصور العديدة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في هذه الحرب .. كل ذلك كان يتم بين أركان إستراتيجية حديثة اتبعتها إسرائيل.
1. إستراتيجية الحرب الحديثة لدى إسرائيل تتلخص هذه الإستراتيجية في الآتي:
أ. الاعتماد على الذات لشن أي حرب جديدة حتى لا يتكرر موقف الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفيتي.
ب. تحقيق المفاجأة، وأخذ المبادأة منذ اللحظة الأولى لبدء الحرب، وحتى إيقاف النيران بعد أحداث نصر كبير، لأن إسرائيل لا تتحمل الهزيمة داخل حدودها.
ج. السيطرة على سماء المعركة، ومنع الجانب الآخر استخدام قواته الجوية، حتى تضمن أكبر نجاح لقواتها البرية، وإحراز نصر سريع في جبهات القتال (وكانت إستراتيجية تنفيذ الضربة الجوية، وتأثيراتها .. درس استفادته إسرائيل من حرب 1956).
د. تطبيق نظرية الاقتراب غير المباشر بأسلوب متطور للوصول إلى أهداف منتخبة رئيسية ـ خالية من العدو بقدر الإمكان ـ واستدراج الجانب الآخر إلى مسرح عمليات غير مجهز، وفي توقيت من اختيار القوات الإسرائيلية، حيث يتم اصطيادها في كمائن مدبرة .. ومن أجل تطبيق هذه النظرية. فإن إسرائيل تستخدم في أنساقها الأولى الدبابات المدعمة بالمشاة الميكانيكيـة وليس العكس، كما يتم الاختراق في أضيق مواجهة بأكبر حشد ممكن (تطبيقاً لنظرية الجنرال "جورديان" خبير المدرعات الألماني والذي أول من طبق هذه النظرية في اختراق خط "ماجينو" الفرنسي في الحرب العالمية الثانية) – ثم الاندفاع بأقصى سرعة مع إطلاق كل النيران المؤثرة في جميع الاتجاهات بالتعاون الوثيق مع القوات الجوية التي تلاحق الخصم بقبضاتها وتمهد الطريق لتقدم القوات البرية إلى أعمق الأهداف داخل النطاق الدفاعي للعدو.
هـ. استخدام المناورات الواسعة في ميدان المعركة بإجراء عمليات التطويق والالتفاف على أجانب ومؤخرة المواقع، وتجنب مهاجمتها بالمواجهة لتقيل الخسائر بقدر الإمكان، وإجبار الجانب الآخر على إدارة معركة ليست من اختياره، وإجباره على تعديل خططه، وبالتالي القضاء عليه في وقت قليل.
و. استخدام أسلوب "مناوشة الدفاعات من بعد لجذب نيرانها، وبالتالي كشف الخطط الدفاعية، والاشتراك مع الطيران في تدمير هذه المواقع.
ز. كل ذلك يتطلب وضع نظام دقيق للسيطرة على القوات، وتواجد القادة في أماكن مشرفة على المعركة، واستخدامهم للطائرات الخفيفـة والمروحية في تنقلاتهم مع استخدام أقصى إمكانيات حديثة لإفقاد سيطرة الجانب الآخر على قواته.
ح. ويتطلب ذلك أيضاً تجهيز القيادات بخرائط دقيقة لمسرح العمليات مع الإلمام الدقيق بطبوغرافية الأرض، واستخدام كافة الوسائل في تحديد طرق الاقتراب بدقة، والتعرف السليم على الأهداف.
2. الهدف السياسي والأهداف الإستراتيجية لجولة يونيه 1967
في أعقاب جولة 1956 حدد مجلس الحرب الإسرائيلي الهدف السياسي للجولة القادمة ضد العرب ليكون تثبيت أركان دولة إسرائيل على الصعيد العالمي والإطار المحلي كخطوة مرحلية في الطريق المرسوم لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى وكان هذا يشكل هدفاً سياسياً مركباً تنبثق منه عدة أهداف سياسية عسكريـة تتبلور في إيقاع هزيمة بكل القوات المسلحة العربية المتاخمة لإسرائيل، كما توفر لإسرائيل مرحلة هدوء نسبي تالية تستغلها في تنمية قدرة الدولة بمعدل عال دون معوقات – كما تتسبب هذه الهزيمة في إجبار العرب على التوصل إلى حل سياسي لمشكلة فلسطين، وتوقيع معاهدات سلام مع إسرائيل.
3. مراحل تطور خطة الهجوم التي نفذت في يونيه 1967
مع التسليم بأن خطط العدوان كانت معدة من قبل إلا أن سير الأحداث جعل هذه الخطة تمر بمراحل ثلاث:
أ. في الفترة من 14 – 23 مايو – وكانت الرغبة الإسرائيلية ملحة في تنفيذ العدوان طبقاً للخطة المعدة من قبل – ولكن تصاعد الموقف، بسرعة جعل القادة السياسيون يتشككون في إحراز نجاح يتناسب مع أهدافهم .. ووصل هذا التشكك إلى درجة القلق على مصير إسرائيل نفسها، بينما كان العسكريون مصممون على الحرب … وقد مرت هذه المرحلة بمرحلتين فرعيتين، استهدفت الأولى منها تأمين الأوضاع على الجبهات الإسرائيلية المختلفة، والثانية استهدفت الرغبة في عمل عسكري محدود مع الالتزام بمهام الدفاع.
ب. بدأت عقب إعلان مصر إغلاق خليج ا لعقبة، وحتى نهاية شهر مايو 1967، وكانت تستهـدف القيام بعملية تعرضية محدودة لتحقيق بعض الأهداف السياسية العسكرية التي تأتي على رأسها مشكلة خليج العقبة (وقد شرح رئيس الأركان في هذا الوقت المخاطر التي قد تنجم عن العملية المحدودة) – مما أجل اتخاذ قرار بشأنها.
ج. استغرقت الأيام القليلة من شهر يونيه، وبعد أن نجح العسكريون في الضغط على رئيس الوزراء لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية – حيث صار التخطيط بكل أبعاده لشن الضربة الشاملة، تحت إشراف الجنرال "موشي ديان" الذي عين وزيراً للدفاع.
4. العوامل المؤثرة على اتخاذ قرار الحرب "من ناحية التوقيت"، وهناك عدة عوامل أهمها:
أ. توالي إجراءات التنسيق العربي للدول المجاورة لإسرائيل بدءا من اتفاقية الدفاع المشترك السورية – المصرية، ثم الأردنية – المصرية يوم 30 مايو ثم التنسيق العراقي – الأردنـي يـوم 31 مـايـو، والتـي قـام بها الفـريق "عبدالمنعم رياض"، والسيد "زكريا محيي الدين"، ومعهم رئيس الأركان الأردني أثناء زيارتهم للعراق في هذا اليوم.
ب. توقع وصول القوات العراقية المدعمة للأردن (4 لواء وصل منهم لواء واحد فقط) يوم 5 يونيه.
ج. بدء تدفق القوات المصرية من اليمن إلى الجبهة مما اعتبرته القيادة الإسرائيلية نوعاً من قلب موازين الحسابات الإستراتيجية.
د. الرغبة في إحباط فاعلية الصفقة المصرية – الروسية المعقودة يوم 26 مايو أثناء زيارة وزير الحربية المصري إلى موسكو ومنعها من تغيير حالة المقارنة العامة السائدة وقتئذ (علماً بأن هذه الصفقة لم يكتب لها التنفيذ قبل الحرب).
5. فكرة العملية الهجومية وتطورها
استهدفت العملية أساساً الجبهة المصرية مع تثبيت الجبهات الأخرى، ولكن مع تطور القتال السريع لصالح القوات الإسرائيلية فقد شملت الخطة الجبهات الثلاث تباعاً وتلخصت في الآتي:
أ. توجيه ضربة جوية تستهدف تدمير الغطاء الجوي لدول المواجهة الثلاث، وتحقق السيادة الجوية للقوات الإسرائيلية.
ب. توجيه ضربة للقوات المصرية، واحتلال سيناء، والوصول إلى قناة السويس.
ج. بظهور بوادر النجاح على الجبهة المصرية توجه ضربة أخرى في اتجاه الجبهة الأردنية، لتحقيق أمل إسرائيل بالاستيلاء على الضفة الغربية لنهر الأردن.
د. وبعد وقفة تعبوية قصيرة، توجه الضربة الثالثة باتجاه الجبهة السورية، بهدف احتلال مرتفعات الجولان.
معنى ذلك أن الهدف الرئيسي للضربات الثلاث هو دفع قوات الدول العربية المحيطة بإسرائيل إلى الجانب البعيد من هيئات طبوغرافية وموانع طبيعية (قناة السويس – نهر الأردن – مرتفعات الجولان). لكي تستند إسرائيل في دفاعاتها القادمة على تلك الموانع وتحقق من خلالها أنسب مناطق أمنية وتحقق الاستيلاء على أراض "توراتية" في نطاق إنشاء دولة "إسرائيل الكبرى" الذي يمثل حلم الأجداد في إسرائيل.
6. الفتح التعبوي وتخصيص القوات للجبهات المختلفة كان التخصيص الأولى للجبهات المختلفة يتحدد في الآتي:
أ. المنطقة الجنوبية "المسرح السينائي" – (ثلاث مجموعات عمليات) (أُنظر خريطة الخطة الإسرائيلية) 1. القائد: "الجنرال يشيعاهو جافيتش"
2. قادة المجموعات العملياتية:
3. المجموعة الشمالية: "العميد إسرائيل طال"
وتتكون المجموعة من لواء مشاة، ولواء مشاة ميكانيكي، ولواءين مدرعين، ولواء مظلات، وفوج استطلاع ميكانيكي. واتجاه عمل المجموعة المحور الشمالي: رفح – العريش ثم غرباً حتى القنطرة شرق.
4. مجموعة المحور الأوسط: العميد إرييل شارون.
تتكون المجموعة من لواءين مشاة، ولواءين مدرعين، ولواء مظلات، وفوج استطلاع وتتحدد اتجاه عمل المجموعة على محور أم قطف – الحسنة – ثم غرباً.
5. مجموعة الكمين (المحور الجنوبي): العميد إبراهام يوفيه:
تتكون المجموعة من لواء مشاة ميكانيكي، ولواء مدرع وفوجين مدرعين. وفوج استطلاع يتحدد عمل المجموعة في تدمير الاحتياطي الإستراتيجي المصري في منطقة بير لحفن .. ثم تنطق غرباً إلى متلا وتستولي على خط المضايق.
6. الاحتياطي العام للجبهة يتكون من لواء مدرع، ولواء مظلات.
ب. المنطقة الوسطى: الجبهة الأردنية: (مجموعة عمليات)
7. القائد العميد: "عوزي ناركيس"
وتتكون من مجموعة عمليات من 3 لواء مشاة، لواء مدرع.
وقد انضمت على هذه الجبهة من بدء العمليات مجموعة عمليات من الجبهة السورية بقيادة العميد "ديفيد اليعازر" – كذلك لواء مظلات من الجبهة المصرية.
ج. المنطقة الشمالية "الجبهة السورية": (مجموعتين عمليات)
8. القائد: العميد "ديفيد اليعازر"
وتتكون من مجموعتين عمليات أحدهما بقيادة العميد "ديفيد اليعازر" (التي دعمت جبهة الأردن .. ثم انتقلت إلى الجبهة السورية).
وكل مجموعة تتكون من أربعة لواءات.
وطبقاً للحسابات .. فإن إسرائيل حشدت للعمل على الجبهة المصرية 13 لواء من جميع الأنواع، علاوة على 6 لواءات بنسبة 45 % من حجم قواتها المعبئة لخوض الحرب. وحشدت في اتجاه الجبهة الأردنيـة 9 لواءات بنسبة 30 % وحشدت في اتجاه الجبهة السورية 8 لواءات بنسبة 25 % من حجم القوات الإسرائيلية.
تطور هدف وفكرة العملية: بنجاح الضربة الجوية، وبدء انسحاب القوات المصرية من سيناء تغير هدف العملية، وكما حدده الجنرال "موشي ديان" في مذكراته فقد تلخص في الأهداف الآتية:
(1) تدمير أكبر حجم ممكن من السلاح السوفيتي في المنطقة (لأن ذلك يرضي الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب تأمين إسرائيل).
(2) تحطيم معنويات الجيش المصري وإذلاله حتى لا يقبل مرة أخرى أن يقاد إلى معركة ضد إسرائيل مهما كانت الظروف.
(3) الوصول بالهزيمة العسكرية إلى حد الإهانة حتى لا تعود مصر مهما كانت دعاويها أي مكان الصدارة في العالم العربي (الآن وإلى المستقبل المنظور).
(4) الجمع بين هذه العوامل كلها معاً بحيث تؤدي إلى إسقاط النظام "وجمال عبدالناصر" على رأسه، بحدوث ردود فعل غاضبة لدى الجماهير المصرية والعربية.
(5) بتحقيق ذلك فإن إسرائيل تستطيع أن تفلت بهدفها الأكبر في العملية كلها، وهو الضفة الغربية للأردن بما فيها القدس – دون أن تتعرض لأي ضغط من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. ذلك لأنها سوف تعطي "جونسون" كل ما أراده، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يحرمها في المقابل من كل ما تريده.
هل كانت إسرائيل لها أهداف في الضفة الغربية لنهر الأردن خلال جولة 1967 .. أم كان هدفها فقط جبهة سيناء "والتخلص من ناصر".
ينظر الغرب عموماً وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية لوضع الأردن على أنها أقرب الأنظمة العربية ارتباطاً بالغرب .. كما أن وضعها الإستراتيجي يجعلها منطقة عازلة بين الدول الغنية بالبترول والتي تمثل مصالح الغرب الإستراتيجية في "الشرق الأوسط" – وبين إسرائيل التي تمثل من "وجهة نظر دول البترول" المصدر الرئيسي للتهديد في المنطقة.
وقد كان واضحاً اهتمام بريطانيا في التأكيد على إسرائيل – أثناء الاتفاق على شن العدوان الثلاثي ـ أن لا تقوم بالهجوم على الأردن ـ كذلك كان تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل عام 67 بتجنيب الاعتداء على الأردن، والتركيز في اتجاه سيناء – ولكن إسرائيل كان لها هدف آخر، حاولت تجنب مناقشته مع الولايات المتحدة الأمريكية بقدر الإمكان .. وأرادت أن تنفذه عندما يصل حجم انتصارها إلى الدرجة المبهرة التي لا تضعها موضع المساءلة في هجومها على الأردن أو يتكرر ما حدث لها في عام 1956 ويذكر الأستاذ هيكل في كتاب "الانفجار" عدة شواهد لنية إسرائيل تجاه الضفة الغربية للأردن نوجزها في الآتي:
(1) إصرار إسرائيل على شن الحرب التي تبدأ بمصر بذريعة إغلاق خليج العقبة – والذي لم يكن بحجم التأثر الذي يخنق إسرائيل كما كانت تذكر .. ولكنها عندما تبدأ كان يجب أن تكون الجبهة المصرية هي الأولى حتى يقتنع الغرب بالهدف الإسرائيلي.
(2) أن تولى "القيادات التاريخية" لمنصب إدارة الحرب في إدارة "وزارة الوحدة الوطنية" كان يدل دلالة قاطعة على الاتجاه لتحقيق أحد الأحلام القديمة لإسرائيل للاستيلاء على الأراضي "التوراتية" والتي تمثل الضفة الغربية أهم أجزائها.
(3) أن قادة الجبهة الوسطى: الأردنية – الإسرائيلية "كانوا على عجلة من أمرهم في الاستيلاء على الضفة الغربية والقدس ووصفوها بأنها "الحل الوحيد لفتح المضايق" – إلا أن الجنرال رابين "كما سنرى في إدارة الحرب" لم يصدر الأمر بالهجوم إلا عندما وجد أن حجم النصر على الجبهة المصرية سوف يقضي على أية معارضة في استكمال إسرائيل لتحقيق أهدافها.
(4) أن "ليفي أشكول" كان "يحلم" أثناء نومه بالاستيلاء على القدس وفي شهادة زوجته "مريام أشكول" عندما سألته عن مصدر الأرق الذي ينتابه أثناء النوم قال لها "أنني قلق لأننا قريباً جداً سوف نجد أنفسنا أمام أرامل وأيتام نتحمل مسؤوليتهم .. ثم قال ولكن عزائي الوحيد أننا سوف نستعيدها" .. ولما سألته عما هي قال "القدس .. سوف نأخذها .. كاملة".
ويقول الجنرال إسحاق رابين رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت:
كانت الخطة الأصلية تقضي بتوجيه ضربة حاسمة للقوات المصرية وقواتها المدرعة، واحتلال قطاع غزة والتقدم، نحو العريش دون تحديد عمق العمليات في سيناء.
إلا أن الخطة تعدلت في يوم 25 مايو لتشمل الاستعداد للتقدم نحو قناة السويس وبعد تعيين "ديـان" وزيراً للدفاع أصدر تعليماته بعدم احتلال قطاع غزة خلال المرحلة الأولى للحرب تفادياً للقتال منذ البداية في المناطق الآهلة بالسكان، وأنه يجب احتلال شرم الشيخ في وقت مبكر عما هو محدد بالخطة .. ويضيف في حديثه .. إن عمق الهجوم كان يتوقف على نجاح الضربة الجوية ضد مطارات العدو (مصر). فإذا أمكن الحصول على السيطرة الجوية الكاملة، ونجحنا في المرحلة الأولى من الخطة، يمكننا توسيع نطاق العمليات بتدمير قوات الجيش المصري في كل سيناء، وليس المحور الشمالي فقط (رفح – العريش).
وكنت أتوقع أنه في حالة اشتراك سورية والأردن في الحرب فإني أشك في قدرتنا على احتلال كل سيناء، ولكنني كنت مقتنعاً بقدرتنا على توجيه ضربة حاسمة للجيش المصري. وقبل تحركات الدبابات للهجـوم .. وضعنا مصيرنا في أيدي السلاح الجوي الذي كان عليه تدمير الطائرات المصرية على الأرض حتى يصبح لنا السيطرة الجوية … وقبل الهجوم – وبعد الحرب – كنت أسأل نفسي كثيراً: ماذا كان يحدث لو كانت الضربة الجوية ضد مصر استغرقت وقتاً أطول من ثلاث ساعات. وقام الطيران السوري والأردني بمهاجمة إسرائيل، بينما كل مقاتلاتنا فوق مصر ؟؟!!! لقد كان الاعتماد الكلي على المبادأة التي توفر مزايا للجانب المهاجم الذي يحتفظ بها خصوصاً بالنسبة للحصول على السيطرة الجوية، والمحافظة عليها، لأن ذلك يعني تسهيل عمل القوات البرية والبحرية".
ثانياً: خطة الخداع الإسرائيلية
تركزت خطة الخداع الإسرائيلي في اتجاهين رئيسيين، وهما تضليل القيادة المصرية عن اتجاه الضربة الرئيسية – وإخفاء توقيت الهجوم.
وعن التضليل في تحديد اتجاه الضربة الرئيسية: فإن إسرائيل أوحت للقيادة المصرية بأن الضربة ستوجه من اتجاه المحور الجنوبي في اتجاه شرم الشيخ، وسربت معلومات عديدة عن حشود وتحركات وخلافه .. وكانت القيادة المصرية مستعدة لتقبل هذه المعلومات نظراً لتطور إجراءات إغلاق خليج العقبة، وما صاحبه من إجراءات دولية (مثل تكوين قوة بحرية دولية لفتح الملاحة في الخليج بالقوة) أو منع السفن الإسرائيلية أو التي تحمل مواد إستراتيجية لإسرائيل من المرور، وخلافه وقد بدأ تقدير القيادة المصرية للحشد الإسرائيلي في اتجاه الجنـوب اعتباراً من يوم 26/5/1967 بناء على معلومات مخابرات، واستمرت هذه المعلومات في التدفق – لدرجة أن الرئيس "عبدالناصر"، وجه سؤالاً إلى قائد الجيش الأردني المصاحب للملك حسين يوم 30/5 عن معلوماته عن الحشود الإسرائيلية في الجنوب.
"والتي وصلت إلى 500 دبابة" فصدق قائد الجيش على هذه المعلومة. وقد أدت تلك المعلومات إلى اتخاذ قرار مصري بتركيز الجهود الرئيسية على المحور الجنوبي .. مما ساعد على سرعة اختراق القوات الإسرائيلية التي كانت تحتشد للهجوم فعلاً من الاتجاه الشمالي والأوسط.
1. أما عن التوقيت ونية الحرب
أ. فقد صرح "موشي ديـان" "الذي تعين وزيراً للدفاع منذ ثلاثة أيام فقط" في مؤتمر صحفي يوم 3 يونيه، "أن الوقت تأخر كثيراً للقيام برد فعل عسكري تلقائي ضد الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران، وأن الوقت لا يزال مبكراً للغاية لاستخلاص أية آراء من النتيجة المحتملة للعمل الدبلوماسي – وأن الحكومة قبل أن نصبح عضواً فيها كانت تسير في طريق العمل الدبلوماسي، ولا بد من أن نتيح لها الفرصة ..".
ب. وفي مساء الجمعة الثاني من يونيه، زار المراسل الصحفي لجريدة "إيفننج نيوز أوف ذي ورلد" الجنرال موشي ديان في بيته في "زجالا" على مشارف تل أبيب، وسأله أليس صحيحاً أن إسرائيل قد فاتتها الفرصة، ولم يعد باستطاعتها أن تتصرف.
وأن النتيجـة سوف تحدد في الجو، حيث تغير التوازن الإستراتيجي قليلاً .. فأجاب وزير الدفاع "إن النظر إلى الأمور قلما تكون بين طريقين لا ثالث بينهما، بل يغلب عليها الرأي الوسـط – وليس من المرجح أن يحقق أي طرف من الطرفين تفوقاً جوياً شاملاً".
ج. قامت الحكومة الإسرائيلية بدور في الخداع – لتخفيف حدة التوتر بطريقة محسوبة – حيث صدر عقب اجتماعات مجلس الوزراء الذي اتخذ فيه قرار المبادرة بالحرب .. بياناً لنشره في الصحف التي تصدر صباح يوم 5 يونيه، ولم يتضمن البيان سوى جدول أعمال عادي يضم مسائل، مثل إجراءات سندات جديدة، والتصديق على اتفاقية ثقافية مع بلجيكا.
د. وفي اليوم السابق للحرب – 4 يونيه – تلقت مكاتب الصحف في أنحاء العالم صوراً فوتوغرافية للقوات الإسرائيلية، وهم يقضون عطلتهم – استرخاءاً على الشواطئ – وقد سمح لعدة آلاف من الجنود الإسرائيليين بالحصول على إجازات في نهاية الأسبوع.
2. هل خدعت القيادة المصرية من هذه الإجراءات؟
لا شك أن الإجراءات الإسرائيلية، منذ بداية الأزمة خدعت القيادة المصرية ليس بالإجراءات فقط، ولكن لأن المخابرات المصرية كانت تعتمد على مصادر محدودة المستوى "الاستخباراتي" ـ وليست صادقة ـ بل ربما يكون بعضها عميل مزدوج يتلقى تعليمات محددة من إسرائيل .. ويدل على ذلك:
أ. أن تقرير الاستخبارات يوم 17/5/1967 ورد فيه: "أن الروح المعنوية للشعب الإسرائيلي منخفضة، وهناك حالة منتشرة من الخوف والتساؤل" (وهذا تقرير غير صحيح ويدلل على حالة خاطئة بالنسبة للشعب الإسرائيلي .. تعكس انطباعات غير سليمة على قواتنا المسلحة).
ب. تقرير ا لمخابرات يوم 19/5/1967 .. ورد فيه: "الأحداث التي جرت في المنطقة قللت فرص إسرائيل في تحقيق المبادأة ودفعها إلى اتخاذ موقف التريث والحذر" … وهذا غير صحيح ويؤدي إلى الاستهانة بقوة العدو.
ج. تقرير الاستخبارات يوم 21/5/1956 – ورد فيه "ظهر نشاط نقل جوي إلى الجنوب – جنوب النقب ـ والظروف الراهنة ليست ملائمة من وجهة نظر إسرائيل لشن عمليات شاملة نظراً لفقدها عامل المبادأة والمفاجأة ـ علاوة على حاجتها الماسة إلى الدعم العسكري الخارجي … "وبدأ هذا التقرير يجذب نظر القيادة المصرية إلى المحور الجنوبي .. علاوة على أنها تحوي معلومات غير صحيحة عن إسرائيل …". د. شمل تقرير الاستخبارات يوم 24/5/1967 عن مقارنة لقواتنا وقوات العدو على الجبهة. وذكرها التقرير الآتي:
السلاح القوات المصرية القوات الإسرائيلية المشاة 3 1 المدرعات 3 1 المدفعية "بالقطعة" 1000 عدد غير معروف وبينما كانت النسب الحقيقية التي عرفت فيما بعد هي: السلاح القوات المصرية القوات الإسرائيلية المشاة 0.59 1 المدرعات 0.6 1 المدفعية 2 1 طائرات 0.4 1 طيارون 0.37 1 مركبات جنزير صفر 1 مركبات نصف جنزير صفر 1
هـ. تقرير الاستخبارات يوم 26/5/1967 (وكان هذا التقرير هو أخطر التقارير التي جذبت تقديرات القيادة المصرية في اتجاه المحور الجنوبي، وأثر تماماً على القرار المصري) .. وقد ورد بالتقرير: اهتمام إسرائيل بمنطقة إيلات، وجمع قوات إضافية بها، وأن حجم القوات الإسرائيلية فيها وصل إلى (3 ألوية مدرعة – 3 لواءات مشاة – لواء ميكانيكي – لواء مشاة احتياط – 2 كتيبة مدرعة) (وللأسف كانت الحقيقة هي وجود لواء ميكانيكي واحد فقط) واستمرت التقارير بعد ذلك تضيف عناصر جديدة في الاتجاه الجنوبي.
و. تقرير الاستخبارات يوم 1/6/1967 – ورد فيه: "عزم العدو الوشيك على القيام بعملية تعرضية هجومية ضد الاتجاه الجنوبي – واحتمال إسقاط جوي معادي جنوب الكونتلا" .. وقد أدى هذا التقرير إلى صدور التعليمات إلى القوات في الجبهة للاستعداد لصد الهجوم، وأجريت العديد من التغييرات في الخطة الدفاعية.
ز. تقرير الاستخبارات يوم 2/6/1967 .. اتجه إلى عكس التقرير السابق تماماً. حيث ورد فيه: "أن إسرائيل لن تقدم على عمل عسكري تعرضي "هجومي وأن الصلابة العربية الراهنة ستجبر العدو بلا شك على أن يقدر العـواقب المختلفة المترتبة على اندلاع شرارة الحرب في المنطقة".
ح. تقرير الاستخبارات يوم 3/6/1967 "وكان أول تقرير حقيقي بعد طلعة استطلاع جوي ناجحة حيث حدد أن المحور الجنوبي يتمركز فيه لواء ميكانيكي وكتيبة دبابات وكتيبة "ناحال" فقط.
(وبرغم ذلك لم تحاول القيادة تعديل قرارها أو إستراتيجية الدفاع عن سيناء بناءا على هذا التقرير – وظل الوضع على ما هو عليه).
ثالثاً: خطط العمليات الحربية على الجبهة المصرية
1. الخطة الدفاعية الخطة "قاهر: (أُنظر شكل خطة الدفاع الرئيسية لسيناء)
كان مفهوم الدولة الإستراتيجي العسكري في سنوات ما قبل عام 1967، مقتصراً على تطبيق تجهيز وتدريب القوات المسلحة المصرية على أسس ومفهوم الخطة "قاهر" الدفاعية عن سيناء، والحدود الشرقية لمصر، كما تحدد لهذا الاتجاه الإستراتيجي بحيث يكون هو الأساس بالنسبة لمجهود القوات المسلحة المصرية، طوال السنوات التي تلت الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956، أي أن الفهم الإستراتيجي العسكـري كان دفاعياً تجاوباً مع الاتجاه العسكري في منع إسرائيل من التوسع في الأراضي العربية.
وضعت أسس الخطة قاهر بمعرفة قيادة المنطقة العسكرية الشرقية، في بداية عام 1966، وأضـافـت هيئـة عمليات القوات المسلحة بعض التعديلات عليها، وعرضت على المشير "عبدالحكيم عامر" وصادق عليها في 1/12/1966 وقامت القوات الجوية بوضع خطة جوية اشتقت من الخطة "قاهر"، أطلق عليها اسم كودي "فهد" وهي للمعاونة المباشرة والاستطلاع، كما وضعت القوات البحرية خطة مساعدة وإسناد للقوات البرية لحماية أجناب القوات البرية في الدفاع عن سيناء، ونظمت الفتح التعبوي لقواتها في البحر الأبيض والأحمر مسبقاً.
وأصدرت هيئة عمليات القوات المسلحة تعليمات مشتقة من الخطة "قاهر" لكل المناطق العسكرية، وأفرع القوات المسلحة الرئيسية، والتشكيلات الميدانية، كانت هي واجبات العمليات الحربية للقـوات المسلحة، كي تتدرب عليها وتقوم بتجهيز مسرح عملياتها وإعداد القوات، واستكمال المطالب الفنية والإدارية والمواصلات، وبناء هيكل الدفاع على أساس هذه الخطة.
بنيت فكرة الدفاع في الخطة "قاهر": على أساس منع العدو من الاختراق والوصول إلى قناة السويس، وتدمير قوات العدو التي تنجح في الاختراق، توطئة للقيام بالهجوم المضاد العام، بالتعاون مع الاحتياطي الإستراتيجي للقضاء على العدو.
وكانت فكرة الدفاع في هذه الخطة، ترمي في جوهرها إلى السماح للعدو بالتورط في هجمات قوية، حيث يمكن للقوات المدافعة أن توقع به خسائر كبيرة، من هنا كان فرض قبول الضربة الجوية الأولى على مصر، وتقبل المبادأة من العدو في المرحلة الافتتاحية من العملية البرية، عاملاً مؤثراً على فكرة قرار قائد المنطقة العسكرية الشرقية، وكانت تقديرات القيادة بالنسبة لحجم قوات العدو التي ستقوم بالهجوم أقرب لما حدث فعلاً.
وقد بنى هيكل الدفاع إجمالاً كما يلي: نطاق أمن: يتمثل في منطقة الحدود الشرقية. وخصصت له الوحدات المناسبة من كتائب الاستطلاع المدرع، وأفواج الحدود، وكتائب الصاعقة.
2. العمق الدفاعي التكتيكي ويتكون من نطاقين دفاعيين هما:
أ. النطاق الدفاعي الأول: التمد – القسيمة – أم قطف – منطقة العريش، ويحتله ويجهزه ويدافع عنه فرقة مشاة، 2 لواء مشاة مدعمان، وفوج مدرع.
ب. أما النطاق الدفاعي الثاني فهو منطقة جبل الحلال، ويدافع عنه فرقة مشاة. احتياطي المنطقة: ويتكون من الاحتياطي رقم (1)، فوج مدرع شمال نخل.
احتياطي رقم (2) ويتكون من: 2 لواء مشاة وقيادة فرقة في منطقة الحسنة. احتياطي رقم (3) ويتكون من لواء مدرع في الكيلو (161) بالطريق الأوسط. احتياطي عام القيادة العليا: ويتكون من فرقة مدرعة، ولواء مظلات.
أما المهام فهي:
(1) النطاق الدفاعي التعبوي الأول، تقوم قواته باحتلاله، والدفاع عن الحد الأمامي للمضايق. (2) النطاق الدفاعي التعبوي الثاني، تقوم قواته باحتلاله، والدفاع عن الحد الخلفي للمضايق. (3) محور دفاعي منفصل، في شرم الشيخ مكون من لواء مشاة، تسانده قوات بحرية محدودة.
كانت فكرة هيكل الدفاع هذه عن سيناء سليمة، ونلاحظ أنها قد حققت عدة اعتبارات. فقد أصبح قطاع غزة منفصلا، ووضعت له أسلحة دعم ثقيلة في العريش مكونة من 10 دبابات شيرمان، وقطـع مدفعية ميدان 25 رطل، وقطع مدفعية مضادة للدبابات، وبعض هاونات متوسطة.
كما تحقق هذه الخطة دفاعات قوية معتمدة على قوات متماسكة، وعلى نقطة ارتكاز قوية، أساسها محاور سيناء الرئيسية وخطوط الدفاع المثالية في العمق. وتجدر الإشارة إلى أن عمق الدفاع، كان مكونا مـن نطاقين تكتيكين، نطاقين تعبويين. كما نلاحظ تواجد احتياطي المنطقة "الجيش" ومرونته، في تقسيمه إلى ثلاث احتياطات فرعية، بالإضافة إلى احتياطي عام القيادة العليا، المكون من أكبر تشكيل مدرع لدى القوات المسلحة، ولواء مظلات.
تجدر الإشارة أيضا إلى وجود النطاقين الدفاعيين التعبويين شرق وغرب المضايق، وهى المنطقة الحساسة، والتي تعتبر حد المناورة الخلفي لقوات الجيش في سيناء من وجهة النظر العسكرية البحتة. كما نسميه خط الدفاع القومي عن وادي النيل، منذ عمليات الإنجليز والأتراك في الحرب العالمية الأولى 1915 - 1917. ومن الغريب أن القوات البرية التي كانت مخصصة لشغل هذا الهيكل الدفاعي، في الخطة "قاهر" تزيد قليلا عن نصف عدد القوات التي حشدت بدون فكرة أو هدف أو حتى وعى في مايو ويونيه 1967.
2. الخطط التعرضية
في أعقاب تطور الأحداث بعد 14 مايو 1967، كان لابد للقيادة المصرية إعادة النظر في الخطط على الجبهة بما يتناسب مع تطورات الموقف … وكان المخطط فعلا هو الخطة الدفاعية "قاهر"، والتي بدأ في تنفيذها مع بدء الحشد وتعرضت للعديد من التعديلات .. وكانت هذه الخطة لا تتناسب مع هدف الحشد ذاته الذي تحدد في الرد بقوة على أي عدوان إسرائيلي ضد الجبهة السورية". كما أن تطور الموقف تطلب خططا لتنشيط الدفاع. وإحباط أي نوايا إسرائيلية للاستيلاء على شرم الشيخ" وهو أحد التقديرات الرئيسية التي توصلت إليها القيادة المصرية".
وقد بدأ التفكير في وضع الخطط اعتبارا من 18/5/1967 - وصدرت تعليماتها يوم 23/5/1967، وتحدد وقت (الاستعداد لتنفيذها اعتبارا من سعت 2000 يوم 28/5/1967)
وللأسف أن هذه الخطط برغم الجـهد في تخطيطها، وحشد القوات لتنفيذها، إلا أنه سيطر عليها الطابع السائد في هذا الوقت، وهو الارتباك، وعدم الجدية علاوة على أن تخطيطها أصلا لم يكن يتوافق مع حجم وأوضاع العدو "الحقيقية" في المنطقة، بل أنها خططت بناءا على معلومات "مشكوك في صحتها" .. وكان الهدف من هذه الخطـط هو: إزعاج وتعطيل احتياطات العدو على طرق التقدم، وعزل النقب الجنوبي، وإحباط أي نوايا إسرائيلية في العمل ضد شرم الشيخ – وفى نفس الوقت إحباط أي نوايا للعدو للعمل في اتجاه غزة، وتتم جميع العمليات بالتعاون بين التشكيلات البرية والجوية والبحرية.
وقد اشتملت الخطط التعرضية على ثلاث خطط رئيسية هي:
أ. العملية "فجر"
وهى العملية التي توجهت الجهود الرئيسية لإنجاحها وتهدف إلى عزل النقب الجنوبي بالكامل، والاستيلاء على إيلات .. ويحشد لها من القوات البرية،مجموعة قتال أكبر من فرقة مشاه تعاونها مجموعة صاعقة، وحشد ضخم من المدفعية والأسلحة المضادة للدبابات.
كما يحشد لها من القوات الجوية جهود عدة أسراب من الطائرات لتنفذ عدة ضربات جوية تحت اسم الخطة "أسد" لحرمان العدو من استخدام مطارات القطاعين الجنوبي والأوسط، علاوة على ضـرب الأهداف الحيوية في إيلات ومعاونة القوات البرية في تنفيذ مهامها، وتدمير الاحتياطيات المقتربة في اتجاه إيلات. أما القوات البحرية فتتحدد مهامها في حصار إيلات من اتجاه البحر، وتدمير الأهداف الحيوية فيها، ومعاونة القوات البرية المهاجمة على الساحل.
وكان مقدرا استغلال نجاح العملية في استمرار الضغط على العدو .. كما كانت تقديرات القيادة المصرية في احتمال قيام العدو بعزل هذه القوات داخل إسرائيل، واختراق الحدود المصرية الجنوبية في اتجاه شرم الشيخ للاستيلاء عيها.. وتم تعديل الخطة الدفاعية الرئيسية "قاهر" لإعادة تمركز قوات مدرعة في الاتجاه الجنوبي، مما أدى إلى تفتيت الاحتياطي الإستراتيجي المصري في سيناء.
ب. العملية "غسق"
في اتجاه المحور الأوسط " بيرين - العوجة - بير الملاقى" وهى عملية مكملة للعملية فجر، وتهـدف إلى تشتيت جهود العدو لمعرفة الاتجاه الرئيسي وجذب جزء من احتياطاته في اتجاه المحـور الأوسط، وتنفذ بمجموعات قتال تصل حجمها إلى مجموعة لواء مشاه مدعم، وتسيطر عليها قيادة الفرقة المدافعة عن هذا الاتجاه… وتوقيت العملية محدد بتوقيت زمني طبقا لقرار قائد الفرقة.
ج. العملية "سهم" والتي تعدلت فيما بعد تحت اسم " سليمان"
تنفذ في اتجاه المحور الشمالي بمهمة إحباط نوايا العدو وتدمير حشوده المحتمل أن تقوم بأعمال عدوانية على قطاع غزة.. وقد خصص لتنفيذ العملية مجموعة قتال قوية تشترك فيها قوات مصريـة " مجموعة فرقة مشاه مدعمة " ومجموعات قتال فلسطينية وفدائيين فلسطينيين، كذلك كتيبة "مغاوير كويتية" - " التي تؤمن قاعدة الهجوم على الحدود المصرية، ويكون اشتراكها معنوي/قومي".
وقد خطط لانسحاب قوات العملية" سهم" بمجرد تنفيذ عملياتها إلى داخل الحدود المصرية ووضعت خطط تأمين الانسحاب.
د. الأعمال التعرضية للقوات الخاصة
بعد توقيع معاهدة الدفاع المشترك المصرية /الأردنية، تم إخلاء مهام عمليات المجموعة 129 صاعقة من الجبهة المصرية (كانت مخصصة ضمن قوات العملية فجر حيث نقلت مباشرة بالطائرات إلى الأردن لتوضع تحت القيادة المباشرة للفريق/ عبدالمنعم رياض الذي تعين قائدا للجبهة الأردنية: طبقا لطلب الملك حسين.. وقد خططت المجموعة القيام بإغارات قوية لتدمير الأهـداف الحيوية في مطارات إسرائيل الشـمالية: هيرسيليا - كفار سيركن- عين شيمر"، ومطارات القطاع الجنوبي" اللد، والرملة، وعكير".
هـ. تطور فكر المشير وتعديل الخطط
حتى يوم 26/5/1967 كانت الخطط الحربيـة الصادرة عن توجيهات عمليات المشير، متجهة جميعها إلى فكرة الدفاع الوقائي، مع تحضير خطط عمليات برية وجوية وبحرية تعرضية (هجومية) محدودة، علما بأن خطط الدفاع عن سيناء نفسها، خرجت عن أي أسس علمية للدفاع عن مسرح عمليات متكامل بسبب اقتناع المشير بضرورة التمسك والدفاع عن الكونتيلا، وقطاع غزة، الأمر الذي جعل الدفاع عن سيناء نفسها غير متوازن، وغير متماسك وليس له عمق أو احتياطي إستراتيجيي مرن. يضاف إلى ذلك أن المواقع الدفاعية التي احتلتها القوات، ليست مجهزة من قبل فيما عدا منطقة، أم قطف والقسيمة.
بذلك تمركزت القوات التي تحركت من المنطقة المركزية (القاهرة)، ومن منطقة القنال، للحشد في مناطق تجمع، وليس في مناطق دفاعية.
وظهر جليا أن تخطيط المشير للعمليات الحربية، منذ البداية، كان أبعد ما يكون عن تنفيذ وتطبيق الخطة "قاهر:الدفاعية المجهزة من قبل.
ثم جـاء التحول الكبير المفاجئ أيضا للقوات في الخطط العسكرية، وبالتالي في توجيهات المشير للعمليات، للقوات التي فتحت تعبويا في سيناء.
وبدء التساؤل لماذا التحول المفاجئ؟. بل لماذا هذا التراجـع؟ وظلت القوات معلقة لا تعلم الهدف من هذه التحولات، والتغيرات في خطط المشير للدرجة التي اضطر فيها قائد الجيش الميداني يوم28 مايو1967 لإيفاد رئيس عملياته إلى هيئة عمليات القوات المسلحة للحصول على إجابة بعض أسئلة خاصة بالخطة هي : ما هي مهمة الجيش الميداني بالتحـديد - وما هو تخطيط القيادة العليا لاستخدام الجيش؟ ما هي خطط العمليات التعرضية ومدتها؟ ما هي أوضاع وتجميع قوات العدو ونواياه؟.
وأخيرا صدرت توجيهات المشير رقم 18/67 في 29/5/1967 تحدد الهدف العام للعمليات، وهو صد هجوم العدو المفاجئ وهزيمة قواته وتدميرها؟ والاستعداد للانتقال إلى العمليات التعرضية في اتجاه سيناء/فلسطين في أقل وقت ممكن طبقا للخطة "قاهر".
وهذه أول مرة يذكر فيها اسم الخطة "قاهر" لكـن للأسف جمد التنفيذ بسبب القيد الذي شغل قوات كبيرة نسبيا في الاستعداد لتنفيذ الخطط التعرضية.
صدرت توجيهات عمليات المشير رقم20/67 في 30/5/1967 " باحتمال قيام العدو بضربة مفاجئة بأكبر حشد ممكن من مدرعاته في وادي لصان والمعين وجنوبها، في اتجاه بئر مالح، المطلة. وهو المحور الجنوبي لسيناء". وأصـبح من مهام المنطقة العسكرية الشرقية عمل ستارة مضـادة للدبابات على الخط العام (جبل واسطة البحيري - جبل خرم - المطلة) ولا يسمح باختراقها، وخلق أنسب الظروف لاقتحام الفرقة الرابعة المدرعة وهى الاحتياطي الإستراتيجي العام للاشتباك.
وهنا نلاحظ التراجع في نية المشير وإلغاء جميع الخطط التعرضية (الهجومية) ثم الالتجاء، لا إلى الدفاع الوقائي بل إلى دفاع تقليدي. يضاف إلى هذا أشغال القوات بعمل ستارة مضادة للدبابات(هي قوات ثابتة أي تنتظر قدوم العـدو لتشتبك معه من موقع الثبات). كما أن فقد الاحتياطي الإستراتيجي بدفعه للاشتباك جعل له مهمة أخرى خلاف مهمته كاحتياطي إستراتيجيي عام.
وصدرت توجيهات عمليات المشير رقم 21/67 في 31/5/1967 خاصة بالقوة الخفيفة رقم"1"، والتي تحركت باتجاه الجنوب، من المحور الشمالي إلى المحور الجنوبي (ظلت في المحور الشمالي 6 أيام فقط من 22 - 28/5/1967) لمهمة تأمين وادي لصان والمعين، والعمل على جنب العدو ومؤخرته، وقفل الثغرة بين جبل أم حصيرة وجبل خرم.
هذه التحركات العرضية الطويلة للقوات، وأخرى من الخلف للأمام على كل المحاور بطريقة جنونية أرهقت القوات وضاع المفهوم في الفكر العسكري ليكون دفاعا تقليديا مصحوبا بخوف من العدو.
وصدرت توجيهات عمليات المشير رقم 24/67. في 2/6/1967 تقضى بأن تكون مهمة المنطقة الشرقية هي الدفاع عن منطقة الكونتلا، القسيمة، أم قطف، رفح، العريش بغرض هزيمة العدو، وتدمير قواته ومنعها من الوصول إلى قناة السويس، ويركز المجهود الرئيسي للدفاع عن الكونتلا والقسيمة، أم قطف، الحسنة، المطلة.
وصدرت توجيهات عمليات المشير رقم27/67 في 3/6/1967 إلى قائد الفرقة الرابعة المدرعة، بالتعاون مع احتياطي المنطقة العسكرية الشرقية قائلا - بالنص "عليكم تدمير قوات العدو التي تحاول اختراق النطاق الدفاعي الثاني في اتجاه بئر المالح، المطلة. تستعد للعمل في الاتجاهات المقررة في الخطة "قاهر". تدمير قوات مظلات العدو التي يحتمل نزولها في نخل، بئر الحمة، الميول الشرقية لمضايق الخاتمية، الجدى، صدر الحيطان".
وصدرت توجيهات عمليات المشير رقم 28/67 في 4/6/1967 عن احتمال قيام العدو أثناء تقدمه باحتلال مجموعة المضايق ليبقى بها، ويركز عليها بغرض تهديد القناة.
خصص المشير القوات وأعطى الفرقة السادسة مشاة رابع واجـب زمني منذ بدء حشدها في سيناء يوم 15/5/1967 بالإضافة إلى اللواء الاحتياطي 124،125 واللواء المدرع، للتمركز في المضايق، وكانت هذه آخر توجيهات تعطى للقوات البرية في سيناء "استعدادا للمعركـة".
إلا أن هذه التوجيهات لم تصل إلى القوات في سيناء !!!.
و. أربع خطط عسكرية في 20 يوماً
وهذه هي خلاصة التحليل لما حدث في سيناء منذ إعلان حالة الطوارئ إلى لحظة بدء الهجوم الإسرائيلي يوم 5/6/1967 وهذا يشكل حجم غير مسبوق من تنفيذ الخطط الدفاعية.
فقد بدأ حشد القوات المسلحة في الاتجاه الإستراتيجي سيناء: يوم 14/5/1967 واتخذت أوضاعها الدفاعية طبقا للتخطيط العسكري السابق تجهيزه وإعـداد وثائقه في الخطة الدفاعية "قاهر"، كما صدرت أولى توجيهات عمليات نائب القائد الأعلى في نفس اليوم وأشارت باعتماد قطاع غزة في الدفاع، على موارده الذاتية ودعم بسيط من أسلحة معاونة كانت مخصصة له من قبل في العريش، ويصبح بهذا الشكل منطقة دفاعية منفصلة.
كما حشد اللواء 4 مشاه مع القوات في سيناء، وكان مخصصا في الخطة "قاهر" للتمركز في منطقة شرم الشيخ.
برفض السكرتير العام للأمم المتحدة بقاء قوات الطوارئ الدولية في منطقتي غزة وشرم الشيخ حدث فراغ عسكري في هاتين المنطقتين لم يكن في حساب المشير من قبل وهنا جاء التطور الأول في تغيير أوضاع القوات كما جاء في الخطة "قاهر".
واضطر المشير إلى دفع الفرقة 7 مشاة وهى إحدى الفرق الأربع التي تشكل هيكل الدفاع المتزن عن سيناء، إلى منطقـة رفح لتأمين قطاع غزة ضد أي تهديد من العدو.
ومنطقة رفح تكون بروزاً جغرافيا، ليس له عمق دفاعي، فاضطر المشير كي يوازن الدفاع في تمركز قوات الفرقة 7 مشاة في بروز رفح، أن يصدر توجيهاته لتمركز الفرقة 6 مشاة في منطقة الكونتلا على الجانب الآخر عن مواجهة الدفاع عن سيناء، وترتب على ذلك تغيير أوضاع بقية القوات في سيناء بدفعها للأمام، لاستكمال اتزان الدفاع، واستمر تعديل أوضاع القوات حتى يوم 23/5/1967.
وجاء التطور الثاني بعد عملية فرض الحصار البحري ضد الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة، وخوف المشير من قيام العدو والدول البحرية التي تؤيده بتهديد الخليج، فكان هذا الاحتمال هو باكورة الفكر التعرضي في التخطيط العسكري للمشير، وأصدر توجيهاته بإعداد خطط تعرضية محدودة ضد إسرائيل، وفى الساعة العاشرة صباح يوم 26/5/1967 صادق المشير على الخطة التعرضية: فجر ضد النقب الجنوبي، والخطة التعرضية "غسق" ضد النقب الشمالي، كما أصدر توجيهاته إلى القوات الجوية لإعداد الخطة "أسد" لمعاونة الخطة "فجر" ضد النقب الجنوبي وإيلات/ وأمر اللواء 14 المدرع بالاستعداد للقيام بعمل تعرضي في اتجاه الخالصة (النقب الشمالي)، كما بدأ اهتمام المشير بفتح محور فرعى جديد (الشط - الطور - شرم الشيخ)، واستعداد القوات البحرية للقيام بعملية بحرية داخل خليج العقبة ضد إيلات.
وجاء التطور الثالث في تخطيط المشير نتيجة لخداع إسرائيلي استجابت له الاستخبارات الحربية، عن وجود حشود إسرائيلية كبيرة في النقب الجنوبي مما جعل المشير يصدر توجيهاته بنقل ثقل القوات في سيناء إلى المحور الجنوبي (الكونتلا - التمد - نخل) وإنشاء الستارة المضادة للدبابات التي ضمت وحدات فرعية كثيرة وانتقال القوة الخفيفة الحركة رقم (1) من الشيخ زويد في الشمال، كي تعاون الستارة المضادة للدبابات، وإشراك الاحتياطي الإستراتيجي (الفرقة 4) المدرعة في عمليات الجيش، بدعوى إمكانية تدمير القوات المدرعة الإسرائيلية إذا حاولت الاختراق في هذا المحور ونتج عن ذلك تجميع أغلب القوات البرية في سيناء في هذا المحور.
وفى هذه المرحلة ظلت الخطط التعرضية البرية السابق ذكرها قائمة.
وجاء التطور الرابع في تخطيط المشير بعد اقتناعه بموقف الدول الكبرى في هذا الصراع مع إسرائيل، ومعرفته المتأخرة بعدم وجود الحشود المدرعة الإسرائيلية، نتيجة لأول استطلاع جوى ناجح من قواتنا الجوية، ثم اقتناعه المتأخر أيضا بعدم قدرة قواتنا البرية على القيام بالأعمال التعرضية، وقبوله مبدأ قيام إسرائيل بالضربة الجوية الأولى، فاصدر توجيهاته الأخيرة بالتزام القوات المسلحة بالدفاع التقليدي عن سيناء والعودة إلى أسس الخطة الدفاعية "قاهر" ولكن المشير ترك القوات في سيناء في أوضاعها وظل يؤكد لآخر لحظة على تدمير القوات الإسرائيلية، بعد اختراقها حدودنا بواسطة قوات الستارة المضادة للدبابات، وجاء يوم 5/6/1967 والقوات البرية في سيناء في أوضاع غير متزنة، والدفاع عموما غير متماسك، وبدأ هجوم العدو من المحور الشمالي ولم يتعرض إطلاقا للقوات الضخمة التي تشكلت منها الستارة والقوات المعاونة لها، بما فيها الاحتياطي الإستراتيجي في المحور الجنوبي.
وقد انتهت هذه التطورات في التخطيط العسكري الذي تغير أربع مرات في 20 يوما، إلى إنهـاك الفكر والأجهزة التخطيطية في القيادة العامة، وفى قيادات القوات الميدانية، كما أنهكت القوات نفسها من كثرة التغير وما تبعه من تحركات للأفراد والمعدات بالإضافة إلى حدوث البلبلة في الفكر وفى التنفيذ نتيجة لكثرة التبديل في المواقع والمهام، وفقدان الثقة بين الجنود وبين القيادة الذي انتهى بعدم وضوح الرؤية عند الجميع.
كما أظهرت هذه التطورات عدم وجود إستراتيجية عسكرية ثابتة وواضحة، حيث إن التخطيط لم يكن يتعدى ردود الفعل لأعمال ومبادرات ومعلومات خداعية، يقوم بها العدو ومن يسانده. وأظهـرت الفرق الشاسع بين الأهداف السياسية، وبين استعداد القوات المسلحة لتحقيق هذه الأهداف، وإن الانفصال بين نظريات وأسس الخطة، وبين واقع الأوضاع في الميدان في الفترة الحرجة، قد ضيع جهودا مضنية ذهبت هباء، وبدد أمالاً عريضة.
رغم ذلك ظلت نيات المشير قائمة بالنسبة للعمليات التعرضية "فجر وغسق"، مع تحول كبير في اتجاه المجهود الرئيسي للقـوات في الدفاع عن سيناء.
هذا المجهود انتقل بثقل كبير، من المحور الشمالي إلى المحور الجنوبي، حيث أصبح مؤكدا ـ من وجهة نظره ـ وطبقا لتقارير الاستخبارات الحربية الخاطئة - أن إسرائيل سوف تقوم بالهجوم بثقل مدرعاتها في اتجاه المحور الجنوبي.
وعلى هذا تم نقل القوات إلى الجنوب بينما ترك المحور الشمالي.
وفى يوم 28/5/1967 صدر إنذار من المشير نفسه إلى جميع القوات وتم تعميم نشره في القوات المسلحة، "يقضى بأن الموقف بلغ أقصى درجات التوتر وعلى الجميع أن يتوقعوا الصدام المسلح ابتداء من 29/5/1967".
وفى يوم 28/5/1967 أيضا تم أسر عربة استطلاع تحمل اثنين من قادة كتائب مدفعية الميدان والمضادة للطائرات، ورئيس عمليات مشاة، أثناء استطلاع منطقة العوجة في نطاق الأمن الأمامي، نتيجة الإهمال وعدم المبالاة وحصل العدو على وثائق وخرائط عسكرية، كما حصلت إسرائيل على معلومات عن قواتنا، ورغم هذا ظلت نية المشير قائمة بالنسبة للعمليات التعرضية وتحويل أغلب القوات إلى المحور الجنوبي.
كما صدر الأمر في الساعة 9 مساء يوم 28/5/1967 بتحرك مركز القيادة المتقدم للمشير من الإسماعيلية إلى الميثان على الطريق الأوسط كي يفتحه قبل الساعة 2 صباحا يوم 29/5/1967.
وقد تبين فيما بعد أن المشير كان ينوي التواجد في هذا المقر قبل بدء العمليات يوم 29/5/1967 حسب تقديره.