المبحث الرابع:
بيان موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب البدع
قال البغوي رحمه الله:
(وقد اتفق علماء السنة على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم)، والبدعة تنقسم إلى رتب متفاوتة منها ماهو كفر صراح ومنها ماهو دون ذلك.
يقول الشاطبي رحمه الله:
البدعة تنقسم إلى رتب متفاوتة منها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن بقوله: "وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا" [سورة الأنعام: 136].
وقوله تعالى: "وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء" [سورة الأنعام: 139].
وقوله: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [سورة المائدة: 103].
وكذلك بدعة المنافقين حين اتخذوا الدين ذريعة بحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح). (الاعتصام للشاطبي: 2/ 37).
وقضية التحليل والتحريم خصوصية لله عز وجل، فمَنِ ادعى التحليل والتحريم فقد شرع ومَنْ شرع فقد ألَّهَ نفسه. وكما أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق فهو أيضاً صاحب الأمر والسلطان، قال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر} [سورة الأعراف: 54].
وقال سبحانه: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لايفلحون} [سورة النحل: 116].
فهذه البدع الكفرية و ما شابهها لأصحابها منا العداء والبغض، والبراء منهم لا يختلف عن البراءة من الكافر الأصلي. فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ" رواه البخاري في الصلح (ج 5/ 301 ح 2697) ومسلم كتاب الأقضية (3/ 1343 ح 1718) .
وأما مادون ذلك من البدع فبحسب حالها يقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام:
(ومن البدع ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف فيها هل هي كفر أم لا؟ كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة.
ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر، كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع). (الاعتصام للشاطبي: 2/ 37).
فأرباب هذه البدع التي دون الكفر يكون البراء منهم بحسب حالهم في بدعتهم.