بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مدرسة الحياة
( حقيقة العلم النافع )
الشيخ أبي إسحاق الحويني
الدرس الثاني
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعــــــد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
تكلمنا في الدرس الأول من هذه الخاطرة التي عنونتها بعنوان: (حقيقة العلم النافع) تكلمنا عن مشكلة اختلاط العالم مع شبيه العالم في نظر العوام ، وذكرنا في حديث أبي سعيد في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ، ونواصل الكلام عن هذا الموضوع بأن نذكر أن عصب خاطرة ابن الجوزي هذه إنما تنبني على هذا الذي ذكرته في الخاطرة الأولى ، أي هو يقول في أول الخاطرة: (رأيت جماعة من العلماء يتفسحون ويظنون أن العلم يدفع عنهم )، يتفسحون: أي يوسعون على أنفسهم في استخدام الرخص ويظنون أن في العلم منجى لهم من هذا التفسح ، وهذه أول خطأ كبير يخطئه هذا الذي نقول عنه: أنه شبيه العالم ، لابد أن نفرق بين الرخصة والزلة .
قال الإمام الأوزاعي وقالها الإمام أحمد بن حنبل وقالها آخرون ، لكن أول من أعلمه قال هذه الكلمة هو سليمان بن طِرخان التيمي كما رواه ابن عبد البر في كتاب جامع العلم وفضله ، قال كلمة ،جديرة بأن تكتب بماء الذهب بل بماء العيون وهو أغلى من ماء الذهب ، قال: (إذا أخذت برخصة كل عالمٍ اجتمع فيك الشر كله) ، الرخصة هنا معناها الزلة ، أنا أريد أن أفرق بين الرخصة الشرعية التي تقابل العزيمة مثل قصر الصلاة في السفر ، اسمها : رخصة ، فلما واحد يسمع كلام سليمان التيمي: إذا أخذت برخصة كل عالم ، فلا يعتقد إن الرخصة بكلام سليمان هى الرخصة في كلام الشرع ، لأنه قال: برخصة كل عالم ، لم يقل: إذا أخذت برخصة الشريعة ، لأن العالم غير معصوم العالم يصيب ويخطئ حتى لو كان أعلم العلماء في فنه ممكن يخطئ .
سيبويه نفسه في اللغة أخرجوا عليه أخطاء وناس كتبوا على كتابه ملاحيظ ، الجاحظ هذا كان رجل إمام المعتزلة في زمانه لكن كان له باع في اللغة والفهم وغير ذلك أخطئ في تأويل بيت شعر في بنت جارية تقول:
منطق عذب وتلحن أحيانًا وخير الكلام ما كان لحنا
اللحن في الكلام معناه: الغلط ، يقول لك: لدينا في القرآن لحن جلي ولحن خفي ، اللحن الجلي يقول: الصلاة تبطل به ، اللحن: أنك تبدل الحركات حركات الإعراب تقول: رأيت رجلًُ ، مثلًا هذا خطأ المفروض رأيت رجلًا مفعول به مثلًا ، لكن رأيت رجلًُ ذا لا يصح يقول لك: لحن أي أخطأ ، الجاحظ عندما سمع البيت
منطق عذب وتلحن أحيانًا وخير الكلام ما كان لحنا
لم يفهمه على الكلام الذي نذكره الآن ، إنما أخذه على المحمل الآخر في معنى اللحن ، يقول لك: يستعذب اللحن من الجواري مع إن اللحن قبيح إن واحد يلحن ، مثل بيت المأمون قصته مع النضر بن شميل أنا لن أحكيها كلها لأنني حكيتها قبل ذلك لكن سآخذ القطعة التي أريدها النضر بن شميل إمام في اللغة والحديث والشعر وغير ذلك جلس مع المأمون فالمأمون يقول: حدثنا هشيم بن بشير قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثنا الحسن البصري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا تزوج المرء المرأة لدينها أو الرجل المرأة لزوجها كان له سدادًا من عِوز » ، فالنضر رأي المؤمن أخطأ لحن أحب أن يصحح له خطأه لكنه استعمل سياسة العلم كله يدخل لبعضه ، نحن نقول: إن العالم لابد أن يكون له سياسة في توصيل العلم ، هذا خذوه كمثل في كيفيه استعمال العالم السياسة سياسة العلم ؟ ، فقال: صدق أمير المؤمنين حدثنا هشيم ، شيخ من ؟ شيخ المأمون ، قال: حدثنا مبارك بن فضالة أو أتى بسند آخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان له سدادًا من عوج » ، ماذا قال المأمون ؟ سَدادًا بفتح السين هو أحب أن يصحح له خطأه وهو أصل البيت سِدادًا ، فالمأمون كان متكئًا أول ما سمع الكسرة كسر وسطه انتصب قاعدًا ، وقال: كيف قلت أَتُلحنني يا نضر ترميني باللحن ؟ وهذا كان عارًا .
أسمع شغل الذين يخطبوا اليوم هؤلاء المأمون هذا الذي كان يؤدبه الأصمعي عبدالملك بن كريب الأصمعي ، ومحمد بن حسن الشيباني والجماعة هؤلاء ، كان هارون الرشيد أبوهم أب الأمين والمأمون والجماعة هؤلاء كان يأتي بأكبر العلماء لكي يعلموهم ، كيف يتكلمون ؟ هذا كان علم بمفرده لكي عندما يملك الرعية يستطيع كيف يخاطب الأنماط المختلفة هذه كلها ، فيقول له: أتلحنني يا نضر بعد ما درست على يد عبدالملك والجماعة هؤلاء وأئمة اللغة وغير ذلك ؟ ، قال: لا يا أمير المؤمنين إن هشيمًا كان رجلًا لحانًا شيخه ، وكان هشيم يلحن فعلًا ليس النضر بن شميل لصقها في هشيم ظلمًا وعدوانًا ، لا ، لم يكن الجماعة هؤلاء ينافقوا ولا غير ذلك هو هشيم كان يلحن فعلًا ، قال: فتبع أمير المؤمنين لفظه لا يستطيع أن يبدل في رواية الراوي ، وهذا أصل في علم الحديث عندما تروي عن شيخك لفظة ليست صحيحة ترويها عنه أم تبدلها وتضع اللفظة الصحيحة ، قال لك: لا ، تقول الذي قاله شيخك ثم تعقب عليه بما شئت ، لكن لا تتصرف في لفظ شيخك لاحتمال أن يكون هذا هو لغته لغة قومه والعرب كانوا قبائل ، وكانت القبائل مختلفة ، الاختلاف في النحو بين مدرسة الكوفة والبصرة سبب اختلافًا كثيرًا .
ولدينا في بعض الروايات التي ليس من البر الصيام في السفر الرواية المشهورة ليس من البر الصيام في السفر هذا رواية ضعيفة ، لكن هو الحديث يقول: إن بعض الناس الذين كانوا ينطقوا بهذا لما النبي علم أنه من القبيلة هذه فخاطبه بلغته ، فممكن أنت كرجل عمرك ما سمعت اللغة هذه تقول: ما هذا الكلام الخطأ هذا خطأ صرف ارميه ، ويكون له وجه في اللغة وأنت لا تدريه فقال لك: لا تبدل رواية شيخك ولكن عقب عليه بما شئت لكن بعد ما تروي الرواية ، فهو هنا لا يستطيع المأمون يبدل الرواية التي سمعها من شيخه لاحتمال أن يكون لها وجه في العربية والمأمون لا يعلمه يكون بدل الرواية ، فهو عندما سمع الكلام هذا ويقول له: سِدادًا ، قال له: أتلحنني يا نضر ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين بل هشيم كان رجلًا لحانًا وتبع أمير المؤمنين لفظه ، قال ما الفرق بينهما بين سَداد وسِداد ؟ قال: السَداد بفتح السين هو التوسط في كل شيء ، يقال فلان مسدد أي موفق ، السداد: التوسط في الأمور كلها ، أما السِداد: فهو البلغة ليست التي تلبسها في قدمك لواحد يعتقد البلغة هذه هى السداد ، لا ، البلغة هى التي يتبلغها الرجل ، ما يتبلغ به .
مثل مثلًا أنت في الشغل كلمت زوجتك قلت لها: أريد أن أتي أجد الغذاء جاهز أنت جوعان ، ماذا تفعل ؟ تأكل لك تمرة تمرتين لكي يوصلوك للغداء وإلا ستقع من طولك من الجوع ، التمرة التي أكلتها هذه لكي توصلك ، ما اسمها ؟ تصبيرة ، عمرك رأيت تمرة اسمها بلغة أنظر يا أخي نحن في زمن العجائب ، فالبلغة السِداد هو البلغة يتبلغ بها الرجل ، قال له المأمون: أتعرف العرب ذلك ؟ قال: نعم قول العرجي:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهة وسِداد ثغري
أتى له بها كان الناس هؤلاء النضر بن شميل هذا عندما تقرأ ترجمة النضر رأسك تدور ، ويمكن النضر كثير منك لا يعرفه ، لا يعرفه إلا واحد يعمل بالحديث أو يعمل باللغة ، لكن هذا كان جبلًا نفخت فيه الروح ، أي هذا أستعير الوصف وصف إبراهيم الحربي عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، القاسم بن سلام هذا كان إمامًا في اللغة وصاحب كتاب غريب الحديث ، سئل إبراهيم الحربي عنه قال: جبل نفخت فيه الروح تخيل بني آدم أنا لم أجد أبلغ في الثناء من مثل هذه العبارة ، فهذا أيضًا كثير من علمائنا كانوا يستحقون هذا الوصف أن يقال: جبل نفخت فيه الروح ، فالنضر هذا كان أمة وحده أول ما تكلموا لا يجلس يحك في رأسه لا يحفظ شعر ولا حافظ يحفظ كل شيء ، وتدخل فيه منادمات ومطارحات ليس محضر لها يأتي لك من تحت تستغرب ، كيف يستحضر هذا كله ؟ وكان هذا ظاهرة موجودة عند سائر علمائنا ، فالمأمون لما النضر بن شميل قال له بيت الشعر هذا ووجد أن هذا في كلام العرب وفي كلام الناس من فصحاء العرب مثل العرجي ، قال: قبح الله من لا أدب له ، كأنه لم يؤدب كأن أباه لم يأتي له كبار العلماء خطأ يخطئه وهو معذور فيها لأنه تبع لفظ شيخه أيضًا ، ومع ذلك لم يلتمس لنفسه العذر ولم يقل: أنا فصيح وأنا متربي وغير ذلك ، وأنا تبعت لفظ شيخي ولا أستطيع أن أبدل الرواية كان ممكن يقول الكلام هذا ، لكن استعظم أن يجري الخطأ بغير قصدٍ على لسانه ، والنضير بن شميل كسب من وراء الكسرة هذه ثمانين ألف درهم نظير تصحيح هذا الخطأ أخذ ثمانين ألف .
فأنا أريد أن أقول: اللحن عار ، لكن الجاحظ عندما أتي ليفسر بيت البنت الجارية ، أنتم طبعًا نسيتم الموضوع الذي تعود على بلائي لا ينسى بعض الناس يعتبروني نوعًا من البلاء أبتدئ بشيء وبعد ذلك أذهب لحد الصين وأرجع ، عندما الجاحظ وأقول لك: كان من كبار علماء اللغة وكان رأس الاعتزال في زمانه لما سمع البنت وهى تقول:
منطق عذب وتلحن أحيانًا وخير الكلام ما كان لحنا
قطعًا الجاحظ لا يعني اللحن الذي ذكرناه ، لأنه لا يقال في اللحن خير الكلام مع رجل في العربية له هذا الباع ، لكن الجاحظ فهم اللحن هنا أن البنت أو المرأة تقلب الكلام ، قال: كل ما تقلب الكلام كل ما تكون حلوة وجميلة وخفيفة ، مثلًا لو أن امرأة مثلًا تحب الكلام بالعربية ودخلت على البيت عندها وقالت: الغذاء جاهز يا قوم ، ما قوم هذه ؟ لا ، الكلام هذا يقال في موضع آخر لا يقال تحس إن هذه ليست بنت ، أو مثلًا يأتوا بالغذاء هذه القطعة قطعة صغيرة ، أيضًا أنا أقولها تبلع مني نحن الجنس الخشن ، لكن الجنس الناعم تقول: لماذا هذه صغنونة ؟ هذا الذي قصده الجاحظ يقول لك:
وخير الكلام ما كان لحنا
تدلع في كلامها وتقلب الكلام وتبهدل اللغة ، لما تكسر في اللغة وتبهدلها وتقلبها رأسًا على عقب تكون البنت هذه كلامها جميل وخارج من فمها مثل السكر ، الجاحظ قصد هذا لكن البنت لم تكن تقصد هكذا ، واحد فهم الجاحظ خطأه قال له: لا ما كانت تقصد ذلك إنها تدلع في كلامها ، إنما قصدت التورية ، البنت هذه كانت تحب واحد والواحد هذا مار فتريد أن تقول له: ميعادنا تحت الشجرة التي حفرنا قلبي وقلبك عليها بالمسمار وفعلنا سهم خارج وسهم داخل وأدخلنا كيوبيد الحب داخل تريد أن تقول له هكذا ، لكن أبوها جالس فتريد أن تقول كلمة هو يفهمها وأبوها لا يفهم وتكون هكذا مرت على قفاه واتخذته جملًا ركبته وسارت ، هي تريد أن تقول هكذا فقالت:
منطق عذب وتلحن أحيانًا وخير الكلام ما كان لحنا
أي ألقت كلمة الولد فهمها ولا يوجد أحد من الجالسين كلهم فهموها وذهبوا تقابلوا تحت الشجرة يأكلوا برتقال مع وهيبة ، أم أنتم لم تحضروا تحت الشجر يا وهيبة يا ما كلنا برتقال ؟ أنتم جيل جديد نحن مغرقون في القدم كل الكلام هذا كنا ، لا أسير في الشارع إلا أجد الأغنية هذه تحت الشجر يا وهيبة يا ما كلنا برتقال نظرة عينك يا وهيبة أوقعت الجدعان حاجات مثل هذا ، ولا يوجد شارع نذهب إليه إلا لابد تحت الشجر يا وهيبة لحين أن قلنا: ماذا نفعل في وهيبة لكي نخلص من همها ؟ .
فالمهم الرجل عندما الرجل قال للجاحظ أنك أخطأت وهذا البنت لا تقصد هكذا قال كلمة التي ينبغي أن يضعها في حسابه كل متكلم في الفتوى ، كلامي الأول هو الذي جعلني أدخل في القصة هذه وأخرج وصلت للصين معكم في الكلام ، أقول لك: العالم يصيب ويخطئ فهو قال: إذا اتبعت رخصة كل عالمٍ ، لم يقل لك: إذا اتبعت رخصة الشريعة ، إذا اتبعت رخصة الشريعة أنت مصيب مائة بالمائة ، لكن العالم ممكن يخطئ فتأخذ خطأه وتتعبد بها تكون مشكلة ، فإذا أفتى العالم بالفتوى الخطأ والمفتي أخذها وسافر وأنت لا تعلم بلاده ، ماذا تفعل ؟ ، هذه الورطة التي يمكن أن يقع فيها العالم ، فماذا قال له الجاحظ عندما قال له: لا ، أنت تفسيرك للبيت خطأ وليس المعني الذي ذكرته ، هذا المعني التورية وهى تقصد تفعل كذا لكي لا أحد ينتبه وغير ذلك ؟ ، فقال له الجاحظ: وكيف لي بما سارت به الركبان ؟ أنت قلت كلامي وكتبته في كتاب والعالم نسخوا الكتب وأخذوها في كتاب الله وكله ينسخ من كله والخطأ أصبح في يد الناس كلها ، ماذا أفعل في الخطأ الذي انتشرت بين أيدي الناس ؟ ، الجاحظ يقول الكلام هذا عندما كان ينسخ الكتاب ثلاثمائة أربعمائة واحد لو واحد يتكلم في الفضائيات مثل حالتنا هكذا ويسمعه الملايين أيضًا ، والقناة الفضائية تعيد وتزيد فيه وتكرر وتُكرر البرنامج وخطأك موجود في الكلام ، ماذا تفعل فيه ؟ .
لأجل هذا الذي يتكلم لابد أن يعلم منصب الكلمة لاسيما إذا كانت متعلقة بحكم شرعي ، ويعرف أنه مسجل له وأنه لا يستطيع أن يغيره ، وأحيانًا لو غيره المستمع نفسه لا يعلم أنه غيره ولا يستطيع أن يأتي بهذه مقابل هذه لكي يقال إن العالم رجع عن فتواه ، لأن ممكن يكون بين الرجوع وبين الخطأ سنة أو عدة أشهر فلا يعلم البني آدم يقول: رجع في كلامه لأنه لا يدري أنه رجع في كلامه ، فقال: كيف لي بما سارت له الركبان ؟ ، فسليمان التيمي يقول: إذا اتبعت رخصة كل عالمٍ اجتمع فيك الشر كله ، أي إذا جمعت زلات العلماء وتعبدت بها تعبدت بغير ما أنزل الله على رسوله ، فلو أخذت كلام أهل الكوفة في النبيذ هذا خطأ ، ولو أخذت بأهل الحجاز في الغناء هذا خطأ ، أنت تأتي تتكلم يأتوا لك الأخطاء هذه لعلماء كبار لكي يسكتك ، يقول لك: أنت تنكر الغناء ؟ كان فلان الفلاني من كبار العلماء في المدينة كان يسمع الغناء وكان يستمع إلى الجواري ، هل أنت أفضل منه ؟ .
نقول: الغالب أنا أقول باعتباري رجل مشتغل بالحديث ، وأتمنى أن أكون صاحب حديث أمنية لي أن أكون صاحب حديث قبل أن أموت ، لكنني حتى الآن مشتغل بالحديث ، ما الفرق بينهم ؟ أبو القاسم البغوي عبدالله بن عبدالعزيز هو حفيد أحمد بن منيع، أحمد بن منيع كان من كبار المحدثين هذا حفيده هو أبو القاسم البغوي الذي يقال عنه في بعض الكتب مثل الدار قطني ، يقول: حدثنا بن بنت منيع ، كان أحمد بن منيع كان جده لأمه ذهب لأحمد بن حنبل وقال: اكتب لي إلى فلان عالم من العلماء أنني قادم إليه لكي يعتني بي ، طبعًا لما أحمد بن حنبل يوصي يكتب كتابً لواحد أي عالم في الدنيا استوصي بفلان خيرًا العالم هذا سيحمله على رأسه ، لأن الذي يكتب الكلام الإمام الكبير إمام أهل السنة والجماعة أحمد ، فأحمد كتب قادم إليك رجل يكتب الحديث .
فقال أبو القاسم: يا أبا عبدالله هلا قلت له قادم إليك رجل صاحب حديث ؟ أحمد قال: يكتب الحديث ، هو يريد قادم إليك رجل صاحب حديث ، فقال له أحمد: صاحب الحديث عندنا هو من يعمل بالحديث ، وهناك فرق شاسع بين رجل يكتب الحديث ورجل يتدين بالحديث ويعمل به ، فصاحب الحديث هو الذي يتدين بالحديث يقرأ الحديث يترجمه إلى عمل ، فأنا مشتغل بالحديث وأتمنى قبل أن أموت أن يمن الله عليه وان أكون صاحب حديث .
في الغالب بحكم مهنتي كمشتغل بالحديث أن الأسانيد لا تصح إلى العلماء الذين نسب إليهم هذا الكلام ، إنما تجد الكلام هذا أين أسانيده الذي يتحرى ويدقق ؟ يذهب لكتاب الشعوبي الذي كان يكره العرب ، ويلصق كل نقيصة بالأفاضل أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني هذا عمدة كل واحد يلصق نقيصة كهذه برجل فاضل ، لدرجة أن هذا الشعوبي الحقير لما تقرأ كلام رواياته وغير ذلك كل رواياته بحدثنا وأخبرنا لأجل هذا أنا أحلتك إليه عندما تحب أن تتحقق من رواية يقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان أكشف عن الإسناد تجده معظمه إما مجاهيل أو كذابين أو متروكين وهكذا ، قَل قل قَل أن يصح له إسناد ولا أستبعد أن يكون هو الذي يضع الإسناد هو أيضًا .
عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ، وأنتم تعلمون طلحة بن عبيدالله هذا أحد العشرة المبشرين بالجنة وعائشة ابنته كانت من خيار النساء العابدات ، أخرجها في الكتاب هذا تشبه الغانية ، الغانية التي تلاعب الرجال قريبة من الزانية أنها لها علاقات محرمة مع سين وصاد ولام وعين وغير ذلك ، هل عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ممكن تفعل هذا الكلام ؟ ، تجد كل الأسانيد التي فيها إن عالم من العلماء الفضلاء الأجلاء كان يأتي بالجارية وتجلس تغني له ويرقصوا أمامه وغير ذلك هذا أخذ من الكتاب النجس وهو كتاب الأغاني هذا ، فاشتهر بحكم الشهرة ، لأن ليس معنى الشهرة أنها تساوي الصحة ، لا ، الشهرة لا تساوي الصحة الصحيح قد يكون مشهورًا أو غير مشهور ، والباطل قد يكون مشهورًا أو غير مشهور فاصطلاح الشهرة في علم الحديث لا تعني الصحة عندما نقول: هذا حديث مشهور ، سأقول لك حديث موضوع: « المؤمن كيس فطن » ، أليس هذا كلكم تعلموه ؟ يكون هذا اسمه مشهور لكنه مكذوب موضوع على النبي لم يقوله ، فليس معنى الشهرة أنه ثابت ، حديث « إياكم وخضراء الدمن » ، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال:« المرأة الحسناء في المنبت السوء » كثير من الناس يعلم هذا الحديث ، الذي يدرس الحديث لابد أن يدارس اللغة وليس نذهب لنتعلم الكلمات .
ففي الكلمات نحن كالموس في حفظ الكلمات ، قاموس القريطي الأسباني العربي كان ممكن أنا أسمع أغلبه ، ولا أقول لك أنني أسمعه كله أو أسمع كثيرًا منه ، تقول لي الكلمة بالعربي أقولها لك بالأسباني ، لماذا لأنني لا أعرف أن أركب الجملة إلا إذا كان المعجم اللغوي عندي كبير ، لكي أستطيع أن أتصرف وأحضر جملة صحيحة ، فلم نكن ذهبنا لكي نحفظ كلمات لكن ذهبنا لنعرف تراكيب اللغة عند العوام كيف يقولونها ، فنريد أن نمارس الجانب العملي ، فهذا معناه أنك لابد أن تكون في الشارع ، أنا أخذت معي دفتري وعلى أساس أنني صحفي وأقابل الناس في أي مكان لكن كان قد أعجبني مكان معين أمام محل اسمه الكوردن جلس وهو كعمر أفندي أو كالمولات الكبيرة الآن ، وطبعًا هذه المولات الكبيرة عندهم منذ زمن بعيد جدًا لكنها لم تصل إلينا إلا قريبًا وهو الشيء الضخم ، لأن هذا المحل الضخم يدخله ناس كثيرين فأنا أقف أمامه كصحفي فكان في وقتها خوان كارلوس الذي يعيش حتى الآن وهو ملك أسبانيا كان لا يزال متوليًا للعرش بعد الجنرال فرانكو الذي كان صاحب الانتصار في الحرب الأسبانية المعروفة وكان ديكتاتورًا ، ثم ربى خوان كارلوس وأعطاه الملك في أوائل ما أنا دخلت الكلية سنة خمسة وسبعين ستة وسبعين .
أنا أعرف أن أسبانيا نقول عليها الفردوس المفقود والمسلمين كانوا فيها ثمانية قرون ونصف وأريد أن أعمل مقارنة ما بين وضع أسبانيا قبل الإسلام ووضع أسبانيا بعد الإسلام من خلال هؤلاء الناس ، فبدأت أتكلم فأحيانًا واحد يتركني ويمشي وينظر لي بشدة ، وأحيانًا واحد يبصق على الأرض أول ما أقول المسلمين لما كانوا في الأندلس وهذا الكلام ، وأحيانًا واحد يكلمني بعصبية بالغة ، فقلت أغير الموضوع ، فقلت له: أيهما أفضل أيام الجنرال فرانكو أم أيام الملك خوان كارلوس ؟ فكانوا يكلمونني بأريحية قليلًا ، ويقولون: خوان كارلوس طبعًا لأنه الملك الموجود .
المهم واحد من هؤلاء الجماعة في يوم من الأيام وكنت أنا وصاحب لي واقفين أمام الكوردن جلس ، فواحد خارج فناديت عليه وقلت له: أننا من إيخيتو وهي تعادل إيجيبت ، وقال: برامدس أي بلاد الأهرامات ففرح بنا وقال لابد أن تأتوا إلى البيت عندي وذهبنا عنده في البيت ، وهو لكي يكرمنا جدًا صعد على سلم وجاء بزجاجتين خمر معتق منذ قديم الزمن ، مجرد أن تشمها فقط يغمى عليك .
فطبعًا أول ما نزل من فوق وقال هذا بينو ، أي نبيذ قديم والذين هم أعزاء عندي أنا الذي أنزل لهم وأسقيهم من هذا ، فأنا قلت له: أن الخمر حرام عندنا في الإسلام وأنه لا يجوز أن نشرب الخمر ، فقال: لماذا ؟ قلت له: لأن الخمر تسكر وتذهب بالعقل ، فشرب الزجاجة وواصل معنا الكلام ولم يغمى عليه ولا أي شيء ، فقال: أين الإسكار الذي تقول عليه ، أنا شربت الزجاجة ولم يحدث لي شيء ، صاحبي قال نتذوق وأنا غضبت منه وعملت مفاصلة ويمكن نزلت قبلهم بحوالي شهر غاضب كيف يفعل ذلك ، وصاحبي هذا موجود في أسبانيا حتى الآن واخذ الجنسية وتزوج من امرأة أسبانية ويرى منها النجوم وسط النهار وكل فترة أصحابي يقولون ماذا يعمل ويفعل ، واستطعت أن أنزل واحد منهم من أسبانيا ، تزوج أسبانية وأخذَت منه ولدها ونصرته ، حتى ما ربنا أكرمه ورفع قضيه واستطاع أن يأتي بالولد ، مصائب ، فقال: نتذوق ن فأخذ أول شربة فسهرني أنا بجواره طوال الليل ، لماذا ؟ إسهال ، هذه الشربة جعلت عنده إسهال طوال الليل ، قلت له: هذا شؤم المعصية .
الشاهد: لما أقول لك لما تشم الزجاجة يغمى عليك وهذا شربها كلها ويقول لي أنا لم أسكر فهل هذا دليل على أن الخمر لا يسكر ؟ لا ، نحس ووصل إلى درجة أنه فقد ذوقه ، الذوق نفسه فقده ، فلا يأتي واحد ويقول لي أن النساء ليست فتنة ، نحن نعيش وسط النساء ، الذئاب البشرية هم الذين يقولون هذا الكلام وهم الذين يأخذوا النساء ويعاقروا النساء ويعملون كل فاحشة مع النساء وهم الذين يدعون الفضيلة ، ويقول لك: أنا لا يهمني النساء وأعيش بينهم ، أنتم الذين أشعل الجنس في عقولكم ، وكل شيء عندكم إياكم والنساء وابعد عن النساء كأن النساء عندهم جرب ، بطلوا الجنس وهم يقولون لنا هذا الكلام وفي الجرائد والمجلات ولا يستحون ، لماذا ؟ أنه فقد الذوق من أصله ، لأن هذا لو كان عنده ذوق وتربية لم يكن يرمي الفضلاء بدائه الذي يعاقره ، فهو كثرة فعل الإنسان للمنكر تجعله لا ينكر المنكر .
فأنا أريد أن أقول: اليوم لما سليمان بن طرخان يقول: لو اتبعت زلة كل عالم ، فيأتي وينقلون في الكتب أن فلان كان يسمع الغناء وهذا يسمع الغناء ، ويقول لك: أن الغناء لا يثير غرائزي ، هذا ليس لأنك رجل قلبك من حديد من جهة التقوى لكن قلبك فيه علة جعلتك من العلل جعلتك لا تميز بين المعروف والمنكر .
فنحن عندنا زلات العلماء مسألة خطيرة جدًا ، إتباعها وأنك تأخذ من كل عالم الزلة التي وقع فيها فاجتمع فيك الشر كله ، لماذا ؟ لأنك عبدت الله بغير ما أنزل الله على رسوله .
في المرة القادمة سنمسك بعض زلات العلماء وأريك كيف وقع هذا في هذا وذاك في ذاك لك تعرف المسألة على حقيقتها .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
انتهى الدرس الثاني أختكم أم محمد الظن.