المبحث الأول
تلخيص ما كتبه الإمـام ابن قدامــة المقدسي رحمه الله
في مسائل الحج والعمرة
من كتـاب المغنـي - الجزء الخامس
ترجمة مختصرة للإمام ابن قدامة رحمه الله( )
اسمه ونسبه:
هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجمَّاعيلي، شيخ المذهب، الإمام، بحر علوم الشريعة المطهرة.
مولده:
ولد رحمه الله بجمَّاعيل من أعمال نابلس في فلسطين سنة (541هـ)، وقدم دمشق مع أهله.
وفاتــه:
توفي رحمه الله يوم السبت في يوم عيد الفطر عام (620هـ)، ودفن من الغد في جبل قاسيون خلف الجامع المظفري، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، آمين.
مسائل الحج والعمرة
من كتاب المغني - الجزء الخامس
(1) الكافر غير مخاطب بفروع الدين خطابًا يلزمه أداء، ولا يوجب قضاءً.(6)
(2) لا يلزم المسلم الحج ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعًا بذلك، سواء كان الباذل قريبـًا أو أجنبيًا، وسواء بذل له الركوب والزاد، أو بذل له مالاً.(9)
(3) من تكلف الحج ممن لا يلزمه، فإن أمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره، مثل أن يمشي ويكتسب بصناعة، ولا يسأل الناس، استحب له الحج؛ لقول الله تعالى: ((يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)) [الحج:27]، فقدم ذكر الرجال. ولأن في ذلك مبالغة في طاعة الله عز وجل، وإن كان يسأل الناس كره له الحج.(10)
(4) يختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه؛ لأنها مسافة قريبة، يمكنه المشي إليها، فلزمه، وإن كان ممن لا يمكنه المشي اعتبر وجود الحمولة في حقه؛ لأنه عاجز عن المشي، فهو كالبعيد. وأما الزاد فلا بد منه، فإن لم يجد زادًا، ولا قدر على كسبه، لم يلزمه الحج.(10)
(5) الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه؛ من مأكول ومشروب وكسوة، فإن كان يملكه، أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء والرخص، أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله؛ لزمه شراؤه، وإن كانت تجحف بماله لم يلزمه.(11)
(6) يشترط أن يجد من أراد الحج راحلة تصلح لمثله، إما شراءً أو كراءً، لذهابه ورجوعه.(11)
(7) يعتبر أن يكون الزاد والراحلة فاضلين عما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مئونتهم في مضيه ورجوعه؛ لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين، وهم أحوج، وحقهم آكد.(11)
(8) تجب العمرة على من يجب عليه الحج، قال تعالى: ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)) [البقرة:196]، ومقتضى الأمر الوجوب، ثم عطفها على الحج، والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه.(13)
(9) ليس على أهل مكة عمرة. نص عليه أحمد رحمه الله، وقال: «كان ابن عباس رضي الله عنهما يرى العمرة واجبة، ويقول: يا أهل مكة! ليس عليكم عمرة، إنما عمرتكم طوافكم بالبيت».(14)
(10) تجزئ عمرة المتمتع، وعمرة القارن، والعمرة من أدنى الحل عن العمرة الواجبة، ولا نعلم في إجزاء عمرة التمتع خلافًا. كذلك قال ابن عمر، وعطاء، وطاوس، ومجاهد.(15)
(11) لا بأس أن يعتمر في السنة مرارًا. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف، وقال بعض أصحابنا: يستحب الإكثار من الاعتمار، وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه، ولأن النَّبِـيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم ينقل عنهم الموالاة بينهما، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك، والحق في اتباعهم. وقد اعتمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أربع عمر في أربع سفرات، لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة، ولا أحد ممن معه، ولم يبلغنا أن أحدًا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه، إلا عائشة حين حاضت فأعمرها من التنعيم؛ لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت، ولو كان فيه فضل لما اتفقوا على تركه.(16)
(12) إن لم يجد المريض مالاً يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف؛ لأن الصحيح لو لم يجد ما يحج به لم يجب عليه، فالمريض أولى.(21)
(13) متى أحج المريض عن نفسه ثم عوفي، لم يجب عليه حج آخر؛ لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة.(21)
(14) فإن عوفي قبل فراغ النائب من الحج فينبغي أن لا يجزئه الحج( )؛ لأنه قدر على الأصل قبل تمام البدل، فلزمه، كالمتيمم إذا رأى الماء في صلاته.(21)
(15) وإن برأ قبل إحرام النائب لم يجزئه بحال.(21)
(16) من يرجى زوال مرضه، والمحبوس ونحوه، ليس له أن يستنيب، فإن فعل لم يجزئه، وإن لم يبرأ؛ لأنه يرجو القدرة على الحج بنفسه، فلم يكن له الاستنابة، ولا تجزئه إن فعل.(22)
(17) لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب إجماعًا.(22)
(18) إن كان عاجزًا عن حج النفل عجزًا مرجو الزوال، كالمريض مرضـًا يرجى برؤه، والمحبوس، جاز له أن يستنيب فيه.(23)
(19) إذا سلك النائب طريقًا يمكنه سلوك أقرب منه، ففاضل النفقة في ماله. وإن تعجل عجلة يمكنه تركها، فكذلك. وإن أقام بمكة أكثر من مدة القصر بعد إمكان السفر للرجوع أنفق من مال نفسه؛ لأنه غير مأذون له فيه. فأما من لا يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة؛ لأنه مأذون له فيه، وله نفقة الرجوع.(26)
(20) إن أقام النائب بمكة سنين فله نفقة الرجعة ما لم يتخذها دارًا، فإن اتخذها دارًا ولو ساعة لم يكن له نفقة رجوعه؛ لأنه صار بنية الإقامة مكيًا، فسقطت نفقته، فلم تُعَدّ.(26)
(21) إن مرض النائب في الطريق فعاد فله نفقة رجوعه؛ لأنه لا بد له منه، وحصل بغير تفريطه، فأشبه ما لو قطع عليه الطريق أو أحصر. وإن قال: خفت أن أمرض فرجعت. فعليه الضمان؛ لأنه متوهم.(26)
(22) إن شرط أحدهما -أي: النائب أو المستنيب- أن الدماء الواجبة عليه على غيره، لم يصح الشرط؛ لأن ذلك من موجبات فعله، أو الحج الواجب عليه، فلم يجز شرطه على غيره، كما لو شرطه على أجنبي.(26)
(23) يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن الرجل والمرأة في الحج، في قول عامة أهل العلم، لا نعلم فيه مخالفًا، إلا الحسن بن صالح.(27)
(24) لا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه، فرضـًا كان أو تطوعـًا، فأما الميت فيجوز عنه بغير إذن، واجبًا كان أو تطوعًا؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جاز نفله، كالصدقة.(27)
(25) إذا أمره المستنيب بحج فتمتع أو اعتمر لنفسه من الميقات ثم حج، نظرتَ؛ فإن خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج جاز، ولا شيء عليه، وإن أحرم بالحج من مكة فعليه دم؛ لترك ميقاته، ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام الحج فيما بين الميقات ومكة.(27)
(26) إن أمره بالتمتع فقرن، وقع عن الآمر؛ لأنه أمر بهما، وإنما خالف في أنه أمره بالإحرام بالحج من مكة فأحرم به من الميقات. وإن أفرد وقع عن المستنيب أيضًا، ويرد نصف النفقة؛ لأنه أخل بالإحرام بالعمرة من الميقات، وقد أمره به، وإحرامه بالحج من الميقات زيادة لا يستحق به شيئًا. وإن أمره بالقران فأفرد أو تمتع، صح ووقع النسكان عن الآمر، ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام النسك الذي تركه من الميقات. وفي جميع ذلك إذا أمره بالنسكين ففعل أحدهما دون الآخر؛ رد من النفقة بقدر ما ترك، ووقع المفعول عن الآمر، وللنائب من النفقة بقدره.(28)
(27) إذا استنابه رجل في الحج وآخر في العمرة، وأذنا له في القران ففعل، جاز؛ لأنه نسك مشروع. وإن قرن من غير إذنهما صح، ووقع عنهما، ويرد من نفقة كل واحد منهما نصفها؛ لأنه جعل السفر عنهما بغير إذنهما. وإن أذن أحدهما دون الآخر، رد على غير الآمر نصف نفقته وحده.(29)
(28) إن أُمِر -أي النائب- بالحج، فحج ثم اعتمر لنفسه، أو أمره بعمرة، فاعتمر ثم حج عن نفسه، صح ولم يرد شيئًا من النفقة؛ لأنه أتى بما أمر به على وجهه.(29)
(29) إن أمر المستنيب النائب بالإحرام من ميقات فأحرم من غيره جاز؛ لأنهما سواء في الإجزاء. وإن أمره بالإحرام من بلده فأحرم من الميقات جاز؛ لأنه الأفضل. وإن أمره بالإحرام من الميقات فأحرم من بلده جاز؛ لأنه زيادة لا تضر. وإن أمره بالحج في سنة، أو بالاعتمار في شهر، ففعله في غيره جاز؛ لأنه مأذون فيه في الجملة.(29)
(30) إن استنابه اثنان في نسك، فأحرم به عنهما، وقع عن نفسه دونهما؛ لأنه لا يمكن وقوعه عنهما، وليس أحدهما بأولى من صاحبه.(29)
(31) إن أحرم عن نفسه وغيره، وقع عن نفسه؛ لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها فمع نيته أولى.(30)
(32) إن أحرم عن أحدهما -أي: واحد ممن أنابه للحج- غير معين، احتمل أن يقع عن نفسه أيضًا؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر، فأشبه ما لو أحرم عنهما. واحتمل أن يصح؛ لأن الإحرام يصح بالمجهول، فصح عن المجهول، وله صرفه إلى من شاء منهما، فإن لم يفعل حتى طاف شوطًا وقع عن نفسه، ولم يكن له صرفه إلى أحدهما؛ لأن الطواف لا يقع عن غير مُعَيَّن.(30)
(33) الظاهر أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها.(30)
(34) نفقة المحرم في الحج على المرأة. نص عليه أحمد رحمه الله؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة.(34)
(35) الصحيح أنه لا يلزم المحرم الحج مع امرأته الباذلة للنفقة؛ لأن في الحج مشقة شديدة، وكلفة عظيمة، فلا تلزم أحدًا لأجل غيره، كما لم يلزمه أن يحج عنها إذا كانت مريضة.(34)
(36) إذا مات محرم المرأة في الطريق، فقال أحمد رحمه الله: إذا تباعدت مضت فقضت الحج. لكن إن كان حجها تطوعًا، وأمكنها الإقامة في بلد، فهو أولى من سفرها بغير محرم.(34)
(37) ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام، ويستحب أن تستأذنه في ذلك؛ فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه. فأما حج التطوع فله منعها منه، وليس له منعها من الحج المنذور؛ لأنه واجب عليها، فأشبه حجة الإسلام.(35)
(38) لا تخرج المرأة إلى الحج في عدة الوفاة، ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق المبتوت، وأما عدة الرجعية فالمرأة فيه بمنزلتها في صُـلْبِ النكاح؛ لأنها زوجة.(35)
(39) متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر، سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط.(38)
(40) فإن خرج للحج فمات في الطريق، حج عنه من حيث مات؛ لأنه أسقط بعض ما وجب عليه، فلم يجب ثانيًا.(39)
(41) لو أحرم بالحج ثم مات، صحت النيابة عنه فيما بقي من النسك؛ سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره.(40)
(42) يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين( ) رضي الله عنه فقال: (حج عن أبيك واعتمر)( ). ويستحب البداية بالحج عن الأم إن كان تطوعًا أو واجبًا عليهما، وإن كان الحج واجبًا على الأب دونها بدأ به؛ لأنه واجب، فكان أولى من التطوع.(41)
(43) إن أحرم بتطوع أو نذر من لم يحج حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام.(43)
(44) إن أحرم بتطوع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة؛ لأنها واجبة، فهي كحجة الإسلام.(43)
(45) العمرة كالحج فيما ذكرنا؛ لأنها أحد النسكين، فأشبهت الآخر. أي: في المسألة السابقة والتي قبلها.(43)
(46) إذا أحرم بالمنذورة من عليه حجة الإسلام، فوقعت عن حجة الإسلام، فالمنصوص عن أحمد رحمه الله أن المنذورة لا تسقط عنه؛ لأنها حجة واحدة، فلا تجزئ عن حجتين، ويحتمل أن تجزئ؛ لأنه قد أتى بالحجة ناويـًا بها نذره فأجزأته، وهذا مثل ما لو نذر صومَ يومَ يقْدُم فلانٌ فقدِمَ في يوم من رمضان، فنواه عن فرضه ونذره.(44)
(47) إن بلغ الصبي، أو عتق العبد بعرفة أو قبلها، غير محرمين، فأحرما ووقفا بعرفة، وأتما المناسك، أجزأهما عن حجة الإسلام. لا نعلم فيه خلافـًا؛ لأنه لم يفتهما شيء من أركان الحج، ولا فعلا شيئًا منها قبل وجوبه.(45)
(48) إذا بلغ الصبي أو عتق العبد قبل الوقوف أو في وقته، وأمكنهما الإتيان بالحج، لزمهما ذلك؛ لأن الحج واجب على الفور، فلا يجوز تأخيره مع إمكانه، كالبالغ الحر. وإن فاتهما الحج لزمتهما العمرة؛ لأنها واجبة أمكن فعلها، فأشبهت الحج، ومتى أمكنهما ذلك فلم يفعلا استقر الوجوب عليهما، سواء كانا موسرين أو معسرين؛ لأن ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.(46)
(49) الحكم في الكافر يسلم، والمجنون يفيق، حكم الصبي يبلغ في جميع ما فصلناه، إلا أن هذين لا يصح منهما إحرام، ولو أحرما لم ينعقد إحرامهما؛ لأنهما من غير أهل العبادات، ويكون حكمهما حكم من لم يحرم.(47)
(50) ليس للعبد أن يحرم بغير إذن سيده؛ لأنه يفوت به حقوق سيده الواجبة عليه بالتزام ما ليس بواجب، فإن فعل انعقد إحرامه صحيحًا؛ لأنها عبادة بدنية، فصح من العبد الدخول فيها بغير إذن سيده، كالصلاة والصوم.(47)
(51) إذا نذر العبد الحج صح نذره؛ لأنه مكلف، فانعقد نذره كالحر، ولسيده منعه من المضي فيه؛ لأن فيه تفويت حق سيده الواجب، فإن أعتق لزمه الوفاء به بعد حجة الإسلام، فإن أحرم به أولاً انصرف إلى حجة الإسلام كالحر إذا نذر حجًا.(48)( ).
(52) ما جنى العبد على إحرامه لزمه حكمه، وحكمه فيما يلزمه حكم الحر المعسر فرضه الصيام، وإن تحلل بحصر عدو أو حلله سيده فعليه الصيام.(48)
(53) إن أذن له سيده في تمتع أو قران، فعليه الصيام بدلاً عن الهدي الواجب بهما. وقيل: على سيده الهدي، وإن تمتع أو قرن بغير إذن سيده فالصيام عليه بغير خلاف، وإن أفسد حجه فعليه أن يصوم لذلك؛ لأنه لا مال له، فهو كالمعسر من الأحرار.(49)
(54) إذا وطئ العبد في إحرامه قبل التحلل الأول فسد، ويلزمه المضي في فاسده كالحر، وعليه القضاء؛ سواء كان الإحرام مأذونـًا فيه أو غير مأذون، ويصح القضاء في حال رقه؛ لأنه وجب فيه فصح منه كالصلاة والصيام، ثم إن كان الإحرام الذي أفسده مأذونـًا فيه، فليس لسيده منعه من قضائه؛ لأن إذنه في الحج الأول إذن في موجبه ومقتضاه، ومن موجبه القضاء لما أفسده.(49)
(55) إن أعتق العبد قبل القضاء فليس له فعل القضاء قبل حجة الإسلام؛ لأنها آكد، فإن أحرم بالقضاء انصرف إلى حجة الإسلام، وبقي القضاء في ذمته.(50)
(56) إن عتق في أثناء قضاء الحجة الفاسدة، وأدرك من الوقوف ما يجزئه، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام؛ لأن المقضي لو كان صحيحًا أجزأه، فكذلك قضاؤه.(50)
(57) يصح حج الصبي، فإن كان مميزًا أحرم بإذن وليه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه؛ فيصير محرمًا بذلك، وإن أحرم بدون إذنه لم يصح؛ لأن هذا عقد يؤدي إلى لزوم مال، فلم ينعقد من الصبي بنفسه كالبيع.(50)
(58) إن كان الصبي غير مميز، فأحرم عنه من له ولاية على ماله صح. ومعنى إحرامه عنه أنه يعقد له الإحرام، فيصح للصبي دون الولي.(51)
(59) لا يضاف الأجر للولي إلا لكون الصبي تبعًا له في الإحرام.(51)
(60) أما الأجانب عن الصبي فلا يصح إحرامهم عنه، وجهًا واحدًا.(52)
(61) كل ما أمكن الصبي فعله بنفسه لزمه فعله، ولا ينوب غيره عنه فيه، كالوقوف والمبيت بمزدلفة ونحوهما، وما عجز عنه عمله الولي عنه.(52)
(62) يجب تجريد الصبي المحرم من الثياب كما يجرد الكبير، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم.(53)
(63) محظورات الإحرام بالنسبة للصبي قسمان: أحدهما: ما يختلف عمده وسهوه، كاللباس والطيب، الثاني: ما لا يختلف، كالصيد، وحلق الشعر، وتقليم الأظفار. فالأول لا فدية على الصبي فيه؛ لأن عمده خطأ، والثاني عليه فيه الفدية. ولو وطئ أفسد حجه كالكبير، وفي القضاء وجهان.(53)
(64) الأولى في نفقة الصبي في الحج أن ما زاد على نفقة الحضر فهي في مال الولي؛ لأنه كلفه ذلك ولا حاجة به إليه.(54)
(65) إذا أغمي على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه؛ لأنه بالغ، فلا يصير محرمـًا بإحرام غيره كالنائم، ولو أنه أذن في ذلك وأجازه لم يصح، فمع عدم هذا أولى أن لا يصح.(54)
(66) من طيف به محمولاً لعذر فلا يخلو: إما أن يقصدا جميعًا عن المحمول، فيصح عنه دون الحامل بغير خلاف نعلمه، أو يقصدا جميعًا عن الحامل فيقع عنه أيضًا، ولا شيء للمحمول، أو يقصد كل واحد منهما الطواف عن نفسه، فإنه يقع للمحمول دون الحامل، وهو الأولى. فإن نوى أحدهما نفسه دون الآخر صح الطواف له، وإن عدمت النية منهما، أو نوى كل واحد منهما الآخر، لم يصح لواحد منهما.(55)
(67) إذا كان الميقات قرية فانتقلت إلى مكان آخر، فموضع الإحرام من الأولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية؛ لأن الحكم تعلق بذلك الموضع، فلا يزول بخرابه.(58)
(68) الصحيح أن المكي من أي الحرم أحرم بالحج جاز؛ لأن المقصود من الإحرام به الجمع في النسك بين الحل والحرم، وهذا يحصل بالإحرام من أي موضع كان.(61)
(69) إن أحرم من الحل نظرت، فإن أحرم من الحل الذي يلي الموقف فعليه دم؛ لأنه أحرم من دون الميقات. وإن أحرم من الجانب الآخر ثم سلك الحرم فلا شيء عليه.(62)
(70) لو أحرم المكي من الحل ولم يسلك الحرم فعليه دم؛ لأنه لم يجمع بين الحل والحرم.(62)
(71) حكم من سلك طريقًا بين ميقاتين أنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب، وهذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير، فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة.(63)
(72) إن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط؛ بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرمـًا؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه لا يجوز، فالاحتياط فعل ما لا شك فيه.(63)
(73) من سلك طريقًا فيها ميقات فهو ميقاته، فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته، وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتـًا له.(64)
(74) لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير محرمـًا، تثبت في حقه أحكام الإحرام، ولكن الأفضل الإحرام من الميقات، ويكره قبله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أحرموا من الميقات، ولا يفعلون إلا الأفضل.(65)
(75) من جاوز الميقات مريدًا للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه؛ سواء تجاوزه عالمًا به أو جاهلاً، علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شيء عليه. لا نعلم في ذلك خلافًا. وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم؛ سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع.(69)
(76) لو أفسد المحرم من دون الميقات حجه لم يسقط عنه الدم؛ لأنه واجب عليه بموجب هذا الإحرام، فلم يسقط بوجوب القضاء.(70)
(77) أما المجاوز للميقات ممن لا يريد النسك فعلى قسمين:
أحدهما: لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شيء عليه في ترك الإحرام.
القسم الآخر: من يريد دخول الحرم، إما إلى مكة أو غيرها، فهم على ثلاثة أضرب: أحدها: من يدخلها لقتال مباح، أو من خوف، أو لحاجة متكررة، كالحشاش، والحطاب، فهؤلاء لا إحرام عليهم. النوع الثاني: من لا يكلف الحج، كالعبد، والصبي، والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات، أو عتق العبد وبلغ الصبي، وأرادوا الإحرام، فإنهم يحرمون من موضعهم، ولا دم عليهم. النوع الثالث: المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم.(70-72)
(78) من دخل الحرم بغير إحرام ممن يجب عليه الإحرام فلا قضاء عليه؛ لأنه مشروع لتحية البقعة، فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد، فأما إن تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه، بغير خلاف نعلمه؛ سواء أراد النسك أو لم يرده.(72)
(79) لا خلاف في أن من خشي فوات الحج برجوعه إلى الميقات، أنه يحرم من موضعه فيما نعلمه، وعليه دم.(73)
(80) لا ينبغي أن يحرم الحاج بالحج قبل أشهره، وهذا هو الأولى، فإن الإحرام بالحج قبل أشهره مكروه؛ لكونه إحرامًا به قبل وقته، فأشبه الإحرام به قبل ميقاته، فإن أحرم به قبل أشهره صح، وإذا بقي على إحرامه إلى وقت الحج جاز.(74)
(81) يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا فرق بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية( )، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد.(77)
(82) إن طيب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه، فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه، فإن لبسه افتدى، وكذلك إن نقل الطيب من موضع من بدنه إلى موضع آخر افتدى، وكذا إن تعمد مسه بيده، أو نحاه من موضعه ثم رده إليه، فأما إن عرق الطيب أو ذاب بالشمس فسال من موضعه إلى موضع آخر فلا شيء عليه.(80)
(83) المستحب أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها، وإلا صلى ركعتين تطوعًا وأحرم عقيبهما.(80)
(84) أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، واختلفوا في أفضلها، فاختار إمامنا التمتع، ثم الإفراد، ثم القران.(82)
(85) من أراد الإحرام بعمرة فالمستحب أن يقول: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي، وتقبلها مني، ومحلي حيث تحبسني. فإنه يستحب للإنسان النطق بما أحرم به، ليزول الالتباس، فإن لم ينطق بشيء واقتصر على مجرد النية كفاه في قول إمامنا.(91)
(86) إن لبى المحرم، أو ساق الهدي من غير نية، لم ينعقد إحرامه؛ لأن ما اعتبرت له النية لم ينعقد بدونها.(92)
(87) يستحب لمن أحرم بنسك أن يشترط عند إحرامه، فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.(92)
(88) إن أطلق الإحرام، فنوى الإحرام بنسك، ولم يعين حجًا ولا عمرة صح، وصار محرمًا؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام فصح مع الإطلاق، فإذا أحرم مطلقـًا فله صرفه إلى أي الأنساك شاء، والأولى صرفه إلى العمرة.(96)
(89) إذا أحرم بنسك ثم نسيه قبل الطواف، فله صرفه إلى أي الأنساك شاء، فأما إن شك بعد الطواف لم يجز صرفه إلا إلى العمرة؛ لأن إدخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز.(98)
(90) لا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكره.(103)
(91) يستحب ذكر ما أحرم به في تلبيته، وإن لم يذكر ذلك في تلبيته فلا بأس؛ فإن النية محلها القلب، والله أعلم بها.(104)
(92) إن حج عن غيره كفاه مجرد النية عنه، وإن ذكره في التلبية فحسن.(105)
(93) يستحب استدامة التلبية والإكثار منها على كل حال.(105)
(94) لا يستحب رفع الصوت بالتلبية في الأمصار، ولا في مساجدها، إلا في مكة والمسجد الحرام، ومساجد الحرم، كمسجد منى وعرفات.(106)
(95) الاغتسال مشروع للنساء عند الإحرام كما يشرع للرجال؛ لأنه نسك. وإن رجت الحائض الطهر قبل الخروج من الميقات، أو النفساء، استحب لها تأخير الاغتسال حتى تطهر؛ ليكون أكمل لها، فإن خشيت الرحيل قبله اغتسلت وأحرمت.(108)
(96) من أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وإذا نزع في الحال فلا فدية عليه؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بفدية، في الحديث المروي عن يعلى بن أمية، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة، بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سكت، فجاءه الوحي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك)( ).(109)
(97) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة قتل القمل: فعنه إباحته؛ لأنه من أكثر الهوام أذى، فأبيح قتله، كالبراغيث وسائر ما يؤذي، والصئبان كالقمل في ذلك، ولا فرق بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو قتله بالزئبق، فإن قتله لم يحرم لحرمته، لكن لما فيه من الترفه، فعم المنع إزالته كيفما كانت. ولا يتفلى؛ فإن التفلي عبارة عن إزالة القمل، وهو ممنوع منه.(115)
(98) يجوز للمحرم حك رأسه، ويرفق في الحك كي لا يقطع شعرًا أو يقتل قملة، فإن حك فرأى في يده شعرًا، أحببنا أن يفديه احتياطًا، ولا يجب عليه حتى يستيقن أنه قلعه.(116)
(99) إن خالف وتفلى، أو قتل قملاً، فلا فدية فيه؛ فإن كعب بن عجرة رضي الله عنه حين حلق رأسه قد أذهب قملاً كثيرًا، ولم يجب عليه لذلك شيء، وإنما وجبت الفدية بحلق الشعر، ولأن القمل لا قيمة له، فأشبه البعوض والبراغيث، ولأنه ليس بصيد ولا هو مأكول.(116)
(100) لا بأس أن يغسل المحرم رأسه وبدنه برفق، وفعل ذلك عمر وابنه رضي الله عنهما، وأجمع أهل العلم على أن المحرم يغتسل من الجنابة.(117)
يتبع إن شاء الله...