قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: الفصل الثاني عشر: ضرب الشيوعيين الخميس 05 سبتمبر 2013, 11:03 pm
[ltr]الفصل الثاني عشر ضرب الشيوعيين عندما تحركت قوات الجيش، ليلة 23 يوليه 1952، كان معسكر الاعتقال، في الهايكستب، يضم مئات من الشيوعيين، وقد تعرض الشيوعيون، منذ حملة إسماعيل صدقي عام 1946، للاعتقال كلما تهيأت للسلطة الحاكمة ظروف مواتية، حتى إنه يمكن القول بأن فترات الحرية لهم كانت الاستثناء، وليست القاعدة. ومن ثم كانت حركة الجيش محل تأييد من الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني "حدتو"، وهي التنظيم الشيوعي الرئيسي، في هذه الفترة. وعندما أبلغت قيادتها ليلة 23 يوليه 1952، بأن قوات الجيش ستتحرك، بعد ساعات، لضرب النظام القائم، وفرض شروطها على الملك، أعدت منشوراً يؤيد حركة الجيش، باعتبارها حركة وطنية، ووزع المنشور، في ساعات الصباح الأولى، يوم 23 يوليه. وكان طبيعياً أن تبادر حدتو إلى التأييد، لأن منشورات الضباط الأحرار كانت تطبع، في جهاز طباعتها السري، بعد حريق القاهرة، وتوزع كذلك، من خلال أجهزتها. وأدى بعض أعضائها دوراً بارزاً في حركة الضباط الأحرار. كانت لجنة قسم الجيش بها تضم أحمد فؤاد، مسؤولاً للدعاية، وأحمد حمروش، مسؤولاً للسياسة. وقد استطاع أحمد فؤاد أن يوطد علاقته بجمال عبدالناصر، الذي تعرف عليه، عن طريق خالد محيي الدين، الذي كان عضواً في تنظيم قسم الجيش، هو ويوسف صديق، وعدد آخر من الضباط الأحرار. ولم تتخذ اللجنة التأسيسية لحركة الضباط الأحرار موقفاً من خالد محيي الدين، مثل الموقف الذي اتخذته من عبدالمنعم عبدالرؤوف، الذي فصلته لارتباطه بالإخوان، ومحاولته ضم الضباط إليهم. وذلك لأن تنظيم قسم الجيش، في حدتو، كان حريصاً على توفير مواصفات خاصة في الضباط، الذين ينتمون إليه. ومن ثم فإن أعضاءه كانوا يجندون الضباط أولاً في تنظيم "الضباط الأحرار" ويعدون، خلال هذه الفترة، في مرحلة الترشيح، حتى إذا استكملوا مواصفات الدخول للتنظيم، فكراً ووعياً، عرض عُليهم الانضمام لقسم الجيش. لذا فإن اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار لم تجد تناقضاً، بينها وبين الضباط الشيوعيين. ولم تثبت حالة واحدة كان يجند فيها أحد الضباط، وخاصة الأحرار، لتنظيم "حدتو" مباشرة. وخلال فترة ما قبل 23 يوليه، وعندما اشتعلت الروح الثورية، مع كفاح الشعب المسلح، ضد الإنجليز، في منطقة القناة، اعتبر قسم الجيش، في "حدتو"، جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، من العناصر الوطنية المخلصة والمتطورة، والتي يمكن مصارحتها، بدخول التنظيم يوماً ما. ولكن قيام الحركة أنهى فترة الترشيح والنظرة المرتقبة. ومع ذلك، كان من قرارات الحركة الأولى، الإفراج عن المعتقلين الشيوعيين. وقد أُفرج عنهم جميعاً، على التوالي، عدا 17 شخصاً. وسرعان ما حدث خلاف في الرأي، عندما تفجرت قضية كفر الدوار، عقب مظاهرات عمال شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع، البالغ عددهم، نحو عشرة آلاف عامل، في 12، 13 أغسطس، للمطالبة ببعض الحقوق العمالية، وتعرض البوليس لهم، ثم حدث اشتباك أدى إلى اشتعال بعض الحرائق، والاستنجاد بقوات الجيش، التي تصادمت مع العمال. وانتهى الأمر بمصرع ثلاثة جنود، وثلاثة عمال، وجرح 28 شخصاً. تصرفت حركة الجيش إزاء هذا الموقف، برعونة شديدة، تحت وهم أن هذه المظاهرات هي بداية أعمال مضادة ضد الجيش، وتشكل مجلس عسكري، برئاسة عبدالمنعم أمين، عضو مجلس القيادة، في ذلك الوقت، في موقع الحادث. وقد تشكل من حسن إبراهيم، عضو المجلس، والبكباشي محمد عبدالعظيم شحاتة، والبكباشي أحمد وحيد الدين حلمي، والصاغ محمد بدوي الخولي، واليوزباشي فتح الله رفعت، واليوزباشي جمال القاضي. كانت المحاكمة سافرة العدوان على حقوق المتهمين، فلم تتح لهم فرصة الاعتماد على المحامين، إلى الدرجة التي دفعت عبدالنمعم أمين إلى مطالبة الصحفي، موسى صبري، الذي كان يمثل جريدة الأخبار، للدفاع عن العامل محمد مصطفى خميس، باعتباره حاصلاً على شهادة الحقوق. ويقول عبدالمنعم أمين إن مصطفى خميس قد ترافع عن نفسه مرافعة عظيمة، لمدة نصف ساعة ولكنهم أصدروا، مع ذلك، الحكم عليه بالإعدام هو ومحمد حسن البقري. وصدرت أحكام بالسجن على بقية المتهمين، الذين كان، من بينهم، صبي في الثامنة عشرة من عمره. أهاج أسلوب المحاكمة مشاعر الجماهير، في مصر والخارج، ووضع "حدتو" التنظيم الشيوعي، الممثل للقوى العاملة، في وضع شديد الحرج، فعلى الرغم من أن مصطفى خميس، ومحمد حسن البقري، لم يكونا أعضاء في الحركة الديموقراطية، إلا أن الدفاع عنهما كان يعد واجباً مقدساً على كل تنظيم، أو شخص شيوعي، أو تقدمي. وقد تسرع مصطفى النحاس فأصدر بياناً، يستنكر فيه حوادث الشغب ويدعو العمال إلى الإنتاج المثمر، وكذلك أصدر "الحزب الوطني" بياناً بالمعنى نفسه. وكان هذا الموقف، دليلاً على معاداة الأحزاب، وحركة الجيش معاً، للطبقة العاملة، والتخوف من حركتها. وبينما أثبت التحقيق، كما أشارت جريدة "الأهرام"، أن البوليس قد أطلق النار، قبل الشغب، مما استفز العمال، وإنه بذلك ينهار ركن أساسي في الجريمة؛ فإن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً. أمَّا صيحة مصطفى خميس، التي أطلقها، قبل إعدامه: "أنا برئ ومظلوم، أريد إعادة محاكمتي، إن محامي لم يطلب شهوداً وكان هناك اثنان شاهداني، وأنا ماشي". فقد ذهبت أدراج الرياح، وتؤكد هذه الصيحة قسوة المجلس العسكري، في معاملة المتهمين، وحرمانهم من حق أساسي، من حقوق الإنسان، هو توكيل المحامين. ومع ذلك ففي مجلس قيادة الثورة، اعترض على الحكم بالإعدام، ولم يوافق عليه، كل من جمال عبدالناصر، ويوسف صديق، وخالد محيي الدين، كما أن محمد نجيب كان متردداً، في التصديق على الحكم، واستدعى إليه مصطفى خميس، في مكتبه لمحاولة مساعدته، إذا قدم له معلومات مفيدة. وذكر محمد نجيب أن مصطفى خميس كان رجلاً شجاعاً، لم يعترف على أحد، ولم يوجه اتهاماً ظالماً، لأنه حقيقة لم يكن مدفوعاً من أحد، ولم يرتكب جرماً يستحق عليه الإعدام. وقد أثارت محاكمة كفر الدوار عاصفة شديدة من النقد، على المستوى العالمي، وكانت تصرفات المجلس العسكري، وأسلوبه، محل إدانة كل القوى التقدمية، واليسارية، والمنظمات العالمية ورجال المحاماة، في مختلف أنحاء العالم. وأدى هذا إلى تصوير حركة الجيش، أمام العالم، بأنها حركة رجعية فاشية. ووصفت بأنها "مجموعة من الضباط الرجعيين، تربطهم صلة مباشرة وقوية بالولايات المتحدة". وقد أدى هذا الموقف إلى وضع الحركة الديموقراطية للتحرير الوطني "حدتو" في موقف المدافع عن قضية خاسرة، فإن النظرة إلى حركة الجيش كانت على أساس أنها حركة وطنية تحمل تباشير تحرر وطني وتغيير اجتماعي. كتب "بالم دات"، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي البريطاني، تقريراً هاجم فيه حركة الجيش. وردت عليه كل من: "حدتو" والحركة السودانية للتحرر الوطني، وهي رفيقة نضال "حدتو"، في السودان، مما جعله يتراجع عن موقفه، حتى حدثت أحداث جديدة، في مطلع عام 1953. وكان (بالمبروتولياشى)، سكرتير الحزب الشيوعي الإيطالي، أكثر وعياً وتقديراً لظروف مصر، من غيره؛ فقد قال لحزبه: "علينا أن نضع في اعتبارنا، ونحن ندرس حركة الجنرال نجيب، رأي قادة حركة السلام في مصر". وهكذا كانت قضية كفر الدوار صدمة في العلاقة بين حركة الجيش وحدتو، ولكنها لم تنته إلى قطيعة، ولم تؤد إلى تغيير جذري في تقدير الموقف.
مجلة التحرير: ألح يوسف صديق، وربما بإيعاز من "حدتو"، على أهمية أن يكون، "لمجلس القيادة"، مجلة تعبر عن رأيه في الأحداث. وكُلِفَ يوسف صديق بإصدار مجلة سميت "مجلة التحرير". وتولى رئاسة تحريرها أحمد حمروش، الذي جمع فيها العديد من الصحفيين اليساريين، الذين تصوروا أن بإمكانهم وضع الثورة أمام التزاماتها السابقة، وبرنامجها القديم "أهداف الضباط الأحرار"، ناسين أن الدنيا قد تغيرت. وأن الضباط الثائرين على الحكم القديم أصبحوا حكاماً. والنتيجة أنه، وبعد ثلاثة أعداد ساخنة للمجلة، قال عبدالناصر إن المجلة شيوعية، وإنه يتعين تغيير رئيس التحرير. وأُبعد حمروش، وقابل عبدالناصر ثروت عكاشة في حضور خالد محيي الدين، وقال له بوضوح: يا ثروت أنا عايزك تمسك "مجلة التحرير"، ويمكن أن يكتب فيها كل من تشاء بشرط ألا يسيطر عليها الشيوعيون، وتصبح مجلة شيوعية. وأصدر ثروت المجلة بشكل جيد، ونشر فيها العديد من المقالات المتميزة عن الدستور وعن الديموقراطية. وبهذا أصبحت "مجلة التحرير" لسان حال للجناح الليبرالي في الثورة. وكتب فيها خالد محيي الدين عدة مقالات، عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعن النقابات وحرية العمل النقابي. ونجحت المجلة، وزاد توزيعها، واستمر الأمر كذلك، حتى 23 يوليه 1953، عندما كتب ثروت مقالاً عن دوره في الثورة. وفيما يبدو أنه تحدث عن دوره كثيراً، وقلَّل من دور حسين الشافعي، وصلاح سالم. وحدثت مشكلة، إلى درجة أن البعض قرر مصادرة العدد، وانتهى الأمر بأن أُرسل المقال، محل الخلاف، إلى عبدالحكيم عامر، الذي قرأه، وقال إنه ليس فيه شيء يستحق المنع. وصدرت المجلة لتثير الكثير من الجدل والحساسيات. وأصدر وزير الإرشاد بياناً أعلن فيه أن " مجلة التحرير" لم تعد تعبر عن القوات المسلحة. ثم اجتمع مجلس الثورة ليقرر إخضاع المجلة كلية للرقابة. وبعدها، تقرر إبعاد ثروت عن المجلة. وعندما عرف بالخبر ذهب إلى دار الهلال ومعه خالد محيي الدين، حيث كانت تطبع المجلة. وأمرا "بتكسير كل الصفحات، التي تم جمعها من المجلة، وأحدث ذلك مشكلة أخرى، وغضب الزملاء في "مجلس القيادة" من تضامن خالد مع ثروت، ومساندته له. وانتهت المسألة بأن أرسل ثروت ليعمل ملحقاً عسكرياً في برن. ولكن رغبة من بعض الزملاء في القيادة، في الانتقام منه، أُرسل إلى هناك ملحق جوي، هو عمر الجمال، وكان أعلى رتبة من ثروت. وبهذا فقد ثروت كل دور هناك، وظل يلح حتى نُقل ملحقاً عسكرياً في باريس. وهناك انغمس في مناخ الحياة الثقافية، وأعد رسالة دكتوراه.
أحمد حمروش ومجلة التحرير يقول أحمد حمروش: "صدرت "مجلة التحرير" يوم 16 سبتمبر 1952، وأشرفت على إصدارها، ورأست تحريرها، مع مجموعة، من الزملاء الصحفيين، أصحاب الاتجاهات الوطنية الديموقراطية. ومنهم عبدالمنعم الصاوي، مدير تحريرها، والذي كان محرراً بجريدة "المصري"، وحسن فؤاد، وعبدالرحمن الشرقاوي، وصلاح حافظ، وفتحي غانم، ويوسف إدريس، وزهدي، وغيرهم. كانت "التحرير"، التي وصل توزيعها إلى أرقام قياسية، "عشرة آلاف نسخة"، تعد واجهة تقدمية لحركة الجيش، صفحاتها تدعو، في وضوح، للتحرير الوطني، وتأكيد مبادئ الديموقراطية، ومهاجمة الإقطاع والاستعمار والرجعية. وتعرضت المجلة لنقد شديد من جانب بعض أعضاء مجلس القيادة، وخاصة، الذين كانت تربطهم صلات وثيقة بالسفارتين الإنجليزية والأمريكية، مثل عبدالمنعم أمين. وانتهى هذا النقد إلى اتخاذ إجراء بتعيين الصاغ ثروت عكاشة رئيساً للتحرير بدلاً مني. وقد علمت بذلك من الجرائد في الصباح. وقد أصبح ذلك أسلوباً طبيعياً، لنزع الموظفين من أماكنهم، وتعيين بديل لهم، من دون إبلاغ أو مناقشة. وحرصاً على سلامة العلاقات، وعدم تدهورها، طلبتُ من كافة الزملاء أن يبقوا في أماكنهم، ويتعاونوا مع رئيس التحرير الجديد، الذي كان قد حضر، ومعه قائمة بفصل معظم المحررين، باعتبارهم "شيوعيين"، الأمر الذي اعترض عليه عبد المنعم الصاوي؛ لأن ذلك كان يعني انهيار للمجلة الناجحة. وقد ارتضى جمال عبد الناصر بقاءهم، بعد مقابلة مع عبد المنعم الصاوي، أوضح له فيها أن المجلة تسير على هدى منشورات الضباط الأحرار". وبعد أن روى لي عبد المنعم الصاوي هذه الواقعة، قال لي الدكتور ثروت عكاشة، ما يأتي: "أشهد، لوجه الحق، أن هذه الواقعة ليس لها أساس من الصحة. وأن الرئيس الراحل لم يزودني بأية قائمة، لا بأسماء المحررين الشيوعيين، ولا بغيرهم لفصلهم من مجلة التحرير. كما لم أتقدم بأية قوائم. وإذا لم تكن هناك قائمة أصلاً، أو نية استبعاد بعض المحررين، فمن باب أولى ألا يكون هناك مجال للسيد عبد المنعم الصاوي، الذي كان يعمل مديراً للتحرير، بأن يتدخل في مثل هذا الأمر الموهوم؛ فقد ظل المحررون الشيوعيون يكتبون المقالات، موقعين بأسمائهم، باستثناء واحد فقط، لظروف خاصة، لحمايته وبرضائه الشخصي". كما أراد ثروت عكاشة تأكيد هذه الحقيقة فاستكتب خالد محيي الدين هذه الكلمة: "إني كنت حاضراً، عندما كلف جمال عبد الناصر، ثروت عكاشة بتولي مسؤولية مجلة التحرير. ولم يقدم جمال عبد الناصر قائمة، لثروت عكاشة بأسماء المحررين الشيوعيين، المطلوب فصلهم. ولكن ما أذكره هو أن جمال عبد الناصر طلب إليك، أي لثروت عكاشة، الحذر من سيطرة شيوعية كاملة على مجلة التحرير، وأن تكون عيناك مفتوحتين لهذا الغرض، وأنك مسؤول أمامه عن سياسة المجلة. والدليل على ذلك أنه لم يحدث فصل لأي محرر يساري أو شيوعي أو غير ذلك طوال مدة رئاستك لمجلة التحرير. هذا حسبما أذكره ولا اعتقد أن جمال عبد الناصر قد قابل عبد المنعم الصاوي بهذا الصدد، كما ورد برسالتك نقلاً عن الكتاب. لأن عبد الناصر لم يذكر لي أنه قابل عبد المنعم الصاوي". وسواء صحت رواية ثروت عكاشة، أو عبدالمنعم الصاوي، فإن الحقيقة الثابتة أن أحداً من المحررين، لم يفصل من عمله، كما أني بعد أن اعتقلت، وأُفرج عني، طلب مني جمال عبد الناصر ضرورة العودة للكتابة في المجلة التي أسهمت في تأسيسها ورأست تحريرها فاستجبت لذلك. حركة الجيش والشيوعيين: اتخذت حركة الجيش موقفاً صريحاً، من الشيوعية، عندما أصدرت وزارة محمد نجيب في يوم 16 أكتوبر 1952، قراراً بالعفو الشامل عن المحكوم عليهم، بالجرائم السياسية، ولكن القرار، الذي عفا عن 943، استثنى الشيوعية، باعتبارها موجهة ضد النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة. وقد رفع الشيوعيون المحكوم عليهم قضايا أمام مجلس الدولة للتظلم من هذه التفرقة، ولكنها لم تنظر، بعدما اعتبرت القوانين من أعمال السيادة التي لا يجوز مراجعتها، طبقاً للدستور المؤقت، الذي أُذيع فيما بعد. وأظهرت حركة الجيش موقف العداء من الشيوعية، مرة أخرى، عندما خطب يوسف صديق، في بنى سويف، أثناء جولة في الأقاليم، صحبه فيها عبد العزيز علي، وزير الشؤون البلدية، وفتحي رضوان، وزير الإرشاد القومي. وقال إن الحركة "لا شرقية ولا غربية". ولم تذع الإذاعة تسجيل الخطبة واحتج بعض أعضاء المجلس على إعلان هذا الموقف، الذي أثار رجال السفارة الأمريكية، وبعث في نفوسهم الضيق، على حد قولهم. وتعرض يوسف صديق، بعد ذلك، لمضايقات من زملائه أعضاء المجلس، وخاصة بعد اعتراضه على رفع سعر السجائر، وعدم مناقشة المجلس لتشكيل وزارة محمد نجيب، وعدم تدوين محاضر الجلسات، وعزل "أحمد حمروش"، من رئاسة تحرير مجلة "التحرير"، وتصرفات بعض الأعضاء بطريقة مسيئة للجميع. كانت التناقضات تنمو، بينهم وبين يوسف صديق، يوماً بعد يوم. وكان يختلف سلوكه عن زميله في التنظيم، خالد محيي الدين؛ فكان يوسف أكثر صراحة وانفعالاً، وكان خالد أكثر هدوءًا ومرونة. كانت إستراتيجية "حدتو"، التي ينتمي لها الاثنان، هي الحرص على التعاون، مع حركة الجيش، وتنمية العوامل الإيجابية فيها، والعمل على إبعاد التناقضات المفتعلة.
ويقول أحمد حمروش: "ولكن حركة اعتقال الضباط، يوم 15 يناير 1953، كانت حداً فاصلاً بين مرحلتين. فقد صدر الأمر باعتقالي، ضمن مجموعة ضباط المدفعية، ورشاد مهنا على الرغم من عدم صلتي بهم، بل وتناقض أفكاري الشديد مع أفكارهم. وكنت الوحيد، من قسم الجيش، في "حدتو"، الذي صدر الأمر باعتقاله؛ لأنهم كانوا، حتى هذه اللحظة، غير معروفين، إذا استثنينا يوسف صديق، وخالد محيي الدين. ولم تقف الاعتقالات عند حد الضباط فقط، ولكنها امتدت إلى السياسيين، وبدأ اعتقال الشيوعيين يوم 16 يناير، ولكن اعتقالي كان إنذاراً لهم فلم يسقط أحد من أعضاء المكتب السياسي للحركة، الذي كان مكوناً من ميكانيكي الطيران السابق سيد سليمان رفاعي، والشاعر كمال عبدالحليم، والعامل محمد شطا، والمحاميين زكي ومراد وأحمد الرفاعي، والسوداني عبدالخالق جنينة". نشرت الصحف أنه تم اعتقال "101"، بينهم "48" شيوعياً. وأصدرت "حدتو" منشوراً، يهاجم اعتقالي، وكتب كمال عبد الحليم قصيدة في مجلة "الكفاح"، تحية لي داخل السجـن. كانت حركة الاعتقال نقطة تحول خطيرة، وخاصة أنها ارتبطت بمصادرة الجرائد، والمجلات اليسارية، مثل الكاتب، والملايين، والميدان، والواجب، "صحيفة الهلال"، وصوت الطالب، والمعارضة، التي كان يصدرها فتحي الرملي. وأصر يوسف صديق على الاستقالة، معلناً أن ضميره لا يسمح له بالبقاء، وسط مجلس يصدر قرارات باعتقال زملاء، يعتبرهم شرفاء، لا يستحقون مثل هذه المعاملة. وحاول أحمد فؤاد إقناعه بالبقاء، ولكنه أصر على موقفه، من دون تردد. وعادت الأحزاب الشيوعية، والمنظمات الديموقراطية، العالمية تهاجم حركة الجيش، باعتبارها حركة رجعية فاشية تعتقل الوطنيين، وتحل الأحزاب السياسية، وتعادي الديموقراطية. وبدأت "حدتو" تفقد جانباً من أنصارها، الذين وجدوا، في موقفها الصبور، المتهاون مع حركة الجيش، ما يمكن اعتباره خطأ وانحرافاً. وبدأوا ينتقلون إلى تنظيم آخر، هو "الحزب الشيوعي المصري"، الذي تشكل في يناير 1950 من جانب "حدتو" "مصطفى طيبة وصلاح هاشم" ومجموعة أخرى، كانت ضد عدم تكوين "حدتو" لحزب شيوعي، يمثلها "جلال كشك وعبد الرحمن شاكر" والدكتوران إسماعيل صبري عبد الله وفؤاد مرسي، اللذان كانا يدرسان في فرنسا. سارع الكثير من أعضاء "حدتو"، بالخروج منها، والانضمام إلى "الحزب الشيوعي المصري"، الذي كان يعلن أنها حركة رجعية فاشية، متوافقاً في ذلك، مع بعض الأحزاب، والمنظمات الديموقراطية العالمية. وخلال فترة اعتقال بعض أعضاء حدتو، انتقل أحمد فؤاد إلى "الحزب". وأدى تغيير موقفه إلى هبوط النشاط، في قسم الجيش، وتحول العمل النضالي فيه إلى مناقشات تدور، حول مواضيع تنظيمية خاصة، تحجب الموقف السياسي العام. وأدى انتقال أحمد فؤاد إلى عزلته، عن قسم الجيش، ثم خروجه من الحزب، وتركيزه على العمل في المناصب، التي تولاها بعد ذلك. وكانت هذه هي بداية التفكك في الصلابة التنظيمية لقسم الجيش. وكانت النتيجة، بعد ذلك، هي صدور قرار اللجنة المركزية بحل قسم الجيش، تفادياً لما يمكن أن تجلبه الخلافات، من متاعب على الحركة كلها. وتوجيه اتهامات للمسؤولين قد تكون جسراً لإعدام بعض قادة الحركة الشيوعية، باعتبارهم يتدخلون في شؤون الجيش. تواصلت الاعتقالات، ولم تفرق بين أعضاء "حدتو"، وأعضاء "الحزب"؛ فقد اعتقل بعض أعضاء المكتب السياسي لحدتو، في أبريل 1953، وأكتمل اعتقالهم في نوفمبر 1953. وكانت "حدتو"، خلال هذه الفترة، قد استطاعت تهريب 7 معتقلين، من معتقل روض الفرج، كما هرَّبت أحمد طه، شقيق عبد القادر طه، من معتقل بني سويف.
نَفْي يوسف صديق منصور يقول أحمد حمروش: "وعندما ضاقت الحلقة على الشيوعيين، خارج الجيش، ضاقت عليهم داخل الجيش كذلك. تضاعفت الرقابة إلى الحد، الذي جعل اتصالي بأي من الزملاء، مصدر خطر له. وقرر مجلس القيادة نفي يوسف صديق خارج مصر، فسافر في أبريل 1953 إلى سويسرا ثم لبنان، ولما طلب العودة، أرسلوا له زوجته وأولاده، ولكنه قرر العودة سراً. وعاد فعلاً في أغسطس 1953، وأرسل إلى محمد نجيب برقية، من بنى سويف، يعلن فيها وصوله إلى مصر؛ فصدر قرار بتحديد إقامة يوسف صديق في بلده. وتشكلت محكمة عسكرية عليا، برئاسة القائمقام أحمد شوقي، قائد قسم القاهرة، للنظر في قضيتين شيوعيتين، في يوليه 1953. وطلب الدفاع استدعاء محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وصلاح سالم، وأنور السادات، لسماع أقوالهم، ولكنهم لم يحضروا. لم يتوقف الشيوعيون، خلال هذه الفترة، عن المطالبة بالديموقراطية، وعودة الحياة البرلمانية. وبدأوا سعيهم الحثيث لتكوين جبهة وطنية ديموقراطية، تضم الوفديين، والشيوعيين، والإخوان المسلمين، والاشتراكيين، "الحزب الاشتراكي، ومصر الفتاة"، وأنصار السلام، وغيرهم، من الهيئات والتنظيمات. وكان التحضير لها يتم بطريقة سرية. وقد فوض الوفد، ومصطفى النحاس شخصياً، النائب الوفدي حنفي الشريف، ومثَّل "حدتو" المحاميان: أحمد رفاعي، وزكي مراد. ومثَّل الاشتراكيين إبراهيم شكري. ومثَّل أنصار السلام يوسف حلمي، وسعد كامل. ومثل الإخوان الدكتور خميس حميدة، وعبد الحفيظ الصيفي. أعدت "الجبهة الوطنية الديموقراطية"، التي كانت لا تزال بعد في مرحلة التشكيل، برنامجاً اشتراكياً ديموقراطياً وافق عليه الجميع، عدا مندوبي الإخوان المسلمين، الذين انسحبوا من اجتماعات الجبهة وتنكروا لها. بل وأعلنوا عدائهم لها في انتخابات طلبة الجامعة. كانت خطوات تشكيل الجبهة تمضى في طريقها، على الرغم من ضربات البوليس، واعتقاله لبعض أفرادها. وحاولت حركة الجيش أن تواصل لعبتها السياسية، في التسرب، داخل صفوف الشيوعيين والإخوان المسلمين كذلك. فكلفت بذلك حسين عرفة، رئيس المباحث الجنائية العسكرية بالبوليس الحربي، الذي أمكن له الاتصال ببعض العناصر الشيوعية، ثم لعب بعد ذلك دوراً شبه علني، باعتباره مفوضاً من السلطة للتفاهم معهم، وتسهيل إجراءاتهم، مع ممارسة دور المخابرات في الوقت نفسه. وقد لعب حسين عرفة دوراً نشطاً في التسرب لصفوف الشيوعيين امتد عدة سنوات، ولكنه، مع ذلك، لم يكن ذا تأثير كبير في تمزيق التنظيم، لما وجده من صلابة الأعضاء، ورفضهم التنكر لمبادئهم. قدمت الثورة "قضية الجبهة الوطنية الديموقراطية"، للمحكمة، وهي القضية التي تجمعت خيوطها، بعد اكتمال اعتقال المكتب السياسي لحدتو، والنائب الوفدي حنفي الشريف، واليوزباشي مصطفى كمال صدقي، والفنانة تحية كاريوكا، وغيرهم. وطلب حسين عرفة، من سعد كامل، أن يذهب إلى المحكمة، معارضاً رأي زملائه، مدافعاً عن جمال عبد الناصر. ولكنه رفض تماماً باعتبار أن ذلك يعتبر موتاً سياسياً له، وكانت النتيجة تقديمه هو الآخر للمحكمة والحكم عليه هو وزوجته! وقد لعبت المخابرات المركزية دوراً كبيراً، في إفساد العلاقة، بين التنظيمات الشيوعية، المعبرة عن آمال الفلاحين، والطبقة العاملة، وبين حركة الجيش، التي فرضت نفسها، بقوة السلاح، ممثلة للطبقة الوسطى. كان ممكناً أن يحدث نوع من التحالف، بين حركة الجيش والحركات الشيوعية، لولا عدة عوامل، منها: الخشية من وجود قوة، تنازع حركة الجيش، في سلطتها. العداء التقليدي، بين الإخوان المسلمين، المتحالفين مع حركة الجيش، وبين الفكرة الشيوعية. تدخل المخابرات الأجنبية للإيقاع، بين القوى الوطنية، حاملة شعار "العداء للشيوعية". تأثر معظم الضباط بالدعايات المضادة للشيوعية، التي موَّلتها الدول الإمبريالية. عدم تمكن التنظيمات الشيوعية، في عمرها القصير، من حشد أغلبية الجماهير حولها، علاوة على ما عانته من انقسامات، أثرت على حركتها، ونفوذها، بين الجماهير ومن ثم على تقدير حركة الجيش لها. قال جمال عبدالناصر لبعض قادة "حدتو"، أثناء الاتصال بهم، في الشهور الأولى من الثورة، وعقب زياراته للأقاليم، إنه كان يراقب، في يقظة شديدة، هتافات الجماهير، ليتعرف على انتماءاتها، السياسية، وإنه لاحظ وجود تأثير شيوعي، في بعض مناطق العمال، مثل المحلة الكبرى، والإسكندرية، وشبرا الخيمة، والمنصورة. ولكنه لم يلحظ تأثيراً قوياً للشيوعيين في المناطق الأخرى، مثل تأثير الإخوان المسلمين.
علاقة خالد محيي الدين بيوسف صديق وأحمد فؤاد و"حدتو" يقول خالد محيي الدين: "أود أن أوضح نقطة بالغة الأهمية، ألا وهي طبيعة علاقتي بيوسف منصور، وأحمد فؤاد، و"حدتو". فالغريب أنني لم أفكر، ولم أحاول، أن أُنسِّق مع يوسف صديق داخل المجلس، ذلك أن علاقتي به كانت محدودة، ولم أتعرف عليه إلا في مرحلة متأخرة. كما أنني لم أكن، في واقع الأمر، زميلاً له في "حدتو". فمنذ تركت "أيسكرا" في بداية عام 1947 لم تكن لي أية علاقة تنظيمية مع الشيوعيين، والحقيقة أن هذه العلاقة مع "أيسكرا" لم تستمر إلا عدة أسابيع حضرت فيها اجتماعات محدودة، وبسبب سوء تصرف المسؤول تركت هذه الاجتماعات في نفسي أثراً سلبياً أبعدني عن الحركة، وعن أية علاقة تنظيمية معها. وعندما عاود أحمد فؤاد الاتصال بي، وافقت على هذا الاتصال، كعلاقة عامة، ومفتوحة مع اليسار، من دون أي التزام تنظيمي من جانبي. ومن ثم لم تكن لي أية علاقة تنظيمية "بحدتو"، وإنما كنت على علاقة شخصية بأحمد فؤاد. لكن علاقتي كانت مختلفة، فأنا لم أكن أتعامل مع أحمد فؤاد من خارج الإطار الفكري، بل كنت أعتبر نفسي يسارياً بشكل ما، وإنما لم أرتبط، ولم أنتظم، ولم أتعهد بالانتظام، في إطار تنظيمي محدد. ولهذا فإن ما يورده أحمد حمروش، في كتابه "قصة ثورة 23 يوليه" عن علاقتي التنظيمية "بحدتو" ليس صحيحاً. وربما كان أحمد فؤاد قد أثار لبساً ما، فربما كان يبلغهم في الاجتماعات التنظيمية أن خالد معي، لكنني في الحقيقة لم أكن معه، وإنما كنت فقط على علاقة به. وعلى الرغم من هذا، وعلى الرغم من أن علاقة عبد الناصر قد توثقت كثيراً مع أحمد فؤاد، فقد أدت تداعيات الأحداث، وما شهدته من تحولات، وتمايز في المواقف، وتحول الزملاء، في "مجلس القيادة"، إلى حكام، إلى أن يصبح موضوع أحمد فؤاد، أحد موضوعات الصدام، بيني وبين الزملاء، في "مجلس القيادة". وقد طلبوا مني أن أقطع علاقتي بأحمد فؤاد. كانت علاقتي مع أحمد فؤاد هامشية، وليس لها بُعد تنظيمي، ولم أكن ملتزماً أمامه بشيء محدد، لكنني وجدت في الأمر مساساً بفكري، وبكرامتي، ورفضت. وهنا تعرضت لأغرب عملية ضغط، يمكن أن يتعرض لها الإنسان، في وضع كوضعي؛ فقد خيرني الزملاء، بين أحد أمرين: إما أن أتعهد بأن أقطع علاقتي بأحمد فؤاد، وكانوا يعلمون أنني أفي بما أتعهد به. وإما أن يوضع أحمد فؤاد في السجن، حتى لا أستطيع الاتصال به. وصوت "مجلس القيادة" على قرار غريب: "يُطلب إلى العضو السيد خالد محيي الدين، عضو المجلس، أن يوقف أية علاقة مع أحمد فؤاد". وطوال النقاش كان يوسف صديق صامتاً ولم يتدخل، ووقفت وحدي تماماً.
يوسف صديق يرفض كل إجراءات مجلس القيادة ويقول محمد نجيب: وبمجرد أن قُبض على ضباط المدفعية، قدم يوسف صديق منصور استقالته. وقال: "إن ضميره لا يمكن أن يستقيم، وهو عضو في مجلس، يصدر قــرارات تخالف أفكاره وعقيدته. ولا يستقيم الأمر بأن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية، فإن المجلس، في ذاته، لا يمثل الشعب، ولا يمثل الجيش كذلك. ورفض المجلس إعلان استقالة يوسف صديق، وأُجبر يوسف على الرحيل إلى سويسرا في مارس 1953. كان يوسف صديق يدعو للتمسك بالدستور، ويطالب بدعوة البرلمان المنحل للانعقاد، لتعيين مجلس الوصاية. كان مع كل ما هو دستوري، رغم أنه كان شيوعياً. وبمناسبة شيوعية يوسف صديق أذكر أن جمال عبد الناصر عندما كان مديراً لمكتبي كان يحذرني منه ويقول لي: "خذ حذرك، فيوسف صديق شيوعي كبير". وأكثر من واحد في مجلس القيادة قال لي: "يوسف شيوعي يريد أن ينحرف بالثورة للاتجاه الأحمر". ولم يكن هذا الكلام ليؤثر علىَّ. وكنت أداعبه، وأقول له مازحاً، كلَّما رأيته: "أهلاً بالرفيق يوسف ستالين!". المصدر الوحيد للموضوع: [/ltr]