القاعدة العاشرة:
الغلو في العبادة بالزيادة فيها على القدر المشروع والتشدد والتنطع في الإتيان بها بدعة [1].
ومن الأمثلة على ذلك:
1- التقرب إلى الله بقيام الليل كله وترك النوم، وبصوم الدهر كله، وباعتزال النساء وترك الزواج.
وقد ورد هذا في قصة الرهط الثلاثة كما سيأتي قريبًا.
2- رمي الجمار بالحجارة الكبار بناءً على أنه أبلغ من الحصى الصغار [2].
3- الوسوسة في الوضوء والغسل وتنظيف الثياب بالزيادة والإسراف، وصب الماء على المحل غير المشروع، والتنطع في ذلك والتعمق والتشديد [3].
توضيح القاعدة:
الأصل في هذه القاعدة:
قصة الرهط الثلاثة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال أحدهم:
أما أنا فأُصلِّي الليل أبدًا.
وقال آخر:
أنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال آخر:
أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [4].
وقد دل هذا الحديث على أن الغلو في الدين يقع في بابين [5]:
1- في باب العبادات، ويكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب والمستحب، كصيام الدهر.
2- في الطيبات، ويكون باتخاذ ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه، كترك النكاح.
ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام أن الغلو والتشديد في الدين سبيل النصارى، وسبب ضلالهم، وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن في قوله تعالى: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ" [6].
الأصل الثاني الخروج على نظام الدين ويندرج تحت هذا الأصل ثمان قواعد كلية.
بيان ذلك:
أن الانقياد والخضوع لدين الله يحصل بالتسليم التام لهذا الدين في أصوله فمخالفته تحصل بإحداث أصول واعتقادات؛ إما لكونها معارضة لنصوص الوحي، أو لكونها غير مأثورة في هذه النصوص.
ويلحق بذلك:
أن تجعل أصول هذا الدين محل جدل وخصومة مما يفضي -في الغالب- إلى الاعتراض عليها، فهذه ثلاث قواعد كلية تتعلق بأصول الدين.
وأما التسليم التام لهذا الدين في أحكامه فمخالفته تحصل بإحداث أحكام وشرائع إما لكونها تغيرًا وتبديلاً لبعض شرائع الدين المقررة، وإما لكونها زيادة واستدراكًا على أحكام الله وشرعه بحيث يُفرض على الناس إتباعها والالتزام بها، فهاتان قاعدتان كليتان تتعلقان بأحكام هذا الدين، فتحصل مما سبق خمس قواعد كلية.
ومن مقتضيات التسليم التام لهذا الدين ترك مشابهة أعدائه الكافرين، ومخالفة هذا المقتضى تحصل بمشابهتهم؛ إما في خصائصهم العبادية والعادية، وإما في غير خصائصهم من المحدثات التي استحدثوها، ويلحق بمشابهة الكافرين الإتيان بشي من أعمال الجاهلية، فهذه ثلاث قواعد كلية.
------------------------------------------------
[1]) انظر مجموع الفتاوى 10/ 392)، والاعتصام 2/ 135)، وأحكام الجنائز 242).
[2]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 288، 289).
[3]) انظر الأمر بالإتباع 291).
[4]) أخرجه البخاري 9/ 104)، برقم 5063، وقد تقدم.
[5]) ا انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 283)، وانظر مجموع الفتاوى 3/ 360).
[6]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 289).