القاعدة العاشرة: تفقَّد قلبك وحاذر أن يميل 1017
القاعدة العاشرة: تفقَّد قلبك وحاذر أن يميل
أ. د. ناصـــر بن سليمـــان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

قال الله سبحانه: "فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا" (التَّحريم).
عجيبةٌ هذه القاعدة، الَّتي يتضمَّنها هذا القدر من هذه الآية، الَّتي وردت في سياق الحادثة المشار إليها في سورة التَّحريم، وذلك في قول الله تعالى: "وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ" (التحريم).

والخطابُ في قوله تعالى: "إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا"، موجَّهٌ إلى خير نساء المؤمنين، أمَّهاتِ المؤمنين زوجاتِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، وخاصَّةً إلى الزَّوجتين الكريمتين من أزواجه (صلى الله عليه وسلم)، عائشة، وحفصة -رضي الله عنهما-، لأنّهما كانتا سببًا لتحريم النبي (صلى الله عليه وسلم) على نفسه ما يُحبُّه، فعرض الله عليهما التَّوبة، وعاتبهما على ذلك، وأخبرهما أن قلوبهما قد صغت أي: مالت وانحرفت عما ينبغي لهنَّ، من الورع والأدب مع الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) واحترامه، وفي هذه القصَّة الَّتي حدثت في بيت النُّبوَّة إشاراتٌ مهمة نتوقَّف عند بعضها، فمنها:

أوَّلُ الإشارات المستفادة من هذه القصَّة:
هو أنه لا يخلو بيتٌ من المشكلات، فوجود المشكلات بمجرده، لا يُعتبر إشكالًا حقيقيَّا، لأنَّ طريق الإصلاح مفتوحٌ دائمًا، ومفتاحه هو التَّوبة، لذا قال الله تعالى: "إِن تَتُوبَا? إِلَى اللهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا?.

وثاني هذه الإشارات:
أنَّه لمّا نبَّه إلى التَّوبة، بيَّنَ سببها، فقال الله تعالى: "إِن تَتُوبَا? إِلَى اللهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا?، فالّذي يدعو إلى التَّوبة ويوجبها، هو: صغوُ القلب، وميله عمَّا ينبغي، من الورع والأدب مع الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) واحترامه، ولنلحظ أنَّ سبب التَّوبة هو صغوُ القلب، وليس صغو البدن، لأن القلب إذا صغى ومال إلى غير جهة التَّقوى؛ انعكس ذلك على تصرفات الزَّوج أو الزّوجة، وفي هذه الإشارة تحذيرٌ شديد لأمَّهات المؤمنين؛ وكذلك الزوجة التي تؤذي زوجها المؤمن الصالح

وكذلك:
الزَّوج الذي يؤذي زوجته المؤمنة الصَّالحة فإنَّ كلَّ ما نزل من القرآن للرَّجل أو المرأة، يشمل مدلوله الآخر، إلا إذا دلَّ دليل على الخصوصيَّة، بأن يكون من أحكام النِّساء خاصَّةً، أو من أحكام الرِّجال خاصَّةً، أو دلَّت قرينة على ذلك، وإلا فالخطاب القرآنيُّ يشمل الرجال والنساء جميعًا، كما بيَّن العلماء.

وفي قوله تعالى: "إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا"، إشارةٌ أخرى، وهي التَّنبيه اللَّطيف إلى أنَّ الأصل هو أن يميل القلب ويصغو إلى جهة التَّقوى؛ فينعكس ذلك على تصرّفات الزوجين، وحسن تعاملهما.

وفي مقابل ذلك هناك أمران مخالفانِ لهذا الأصل:
أوّلهما أن يميل القلبُ ويصغو إلى غير جهة التّقوى، والثّاني أن يكون الصَّغو أو الميلُ ميلَ البدن والجوارح، لا ميلَ القلب، فهذا معناه أنَّ الزَّوج أو الزوجة، قد يكون في ظاهره مستسلمًا للآخر حال حضوره، فإذا فارقه أظهر ما بطن من نفوره وعناده.

ولن تستقيمَ الحياةُ إلا بالأصل، وهو أن يصغو القلب، ويميل إلى جهة الحقِّ؛ وذلك كما في الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ.

وإذا تأمّلنا في الآية العظيمة، التي تقوم عليها كلُّ هذه القواعد الرّبّانيّة، والتي تبدأ بقوله تعالى: "وَمِن ءَايَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا" ثمَّ يُبَيِّنُ اللهُ تعالى عِلَّة هذا التَّدبير الحكيم والخَلق الكريم، بقوله تعالى: "لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّة وَرَحمَةً" (الروم: 21)، وجدنا أنَّ السَّكن والمودَّة والرَّحمة، كلُّها أعمال قلبيَّة، وبالتَّالي فإذا عُمِر القلبُ بهذه المعاني؛ عُمِر الظَّاهر بآثارها العظيمة، واستقامت عليها الجوارح؛ فلنطهِّر قلوبَنا.

وقد نقل لي أحد المشايخ أنَّ الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كان كثيرًا ما يدعو بهذا الدُّعاء: ”اللهمَّ أصلح فسادَ قلبي“، ومَنْ صَلَحَ قلبهُ صَلَحَ عملهُ إذا عمل.

إنَّ صيانة حقوق طرفي العلاقة الزوجيّة صيانةٌ للدِّين وحدود الشَّرع، وإصلاح القلب هو السَّبيل إلى إصلاح النَّفس، وإصلاحُ النّفس هو السَّبيلُ إلى إصلاح العلاقة بين الزَّوجين، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

فليُبادر كلٌّ من الزَّوجين إلى إصلاح قلبه حتَّى يشِعَّ منه النُّور وتتحقق نفسه بالصَّفاء والسَّماحة، فينعكس ذلك على وجه صاحبه وعمله؛ ثمّ ينعكس على بيوتنا، سكنًا ومودَّةً ورحمة.

فتفقَّد قلبك، يا أخي الكريم، ويا أختي الكريمة؛ من أجل أن تصفو الحياة إلينا، ومن أجل أن يتحقَّق الحبُّ في بيوتنا وديارنا.

المصدر:
http: http://almoslim.net/arbawi/287361