{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ {62} قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ {63} وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ {64} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ {65} فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ {66} فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ {67}}
شرح الكلمات:
{ ويوم يناديهم } : أي الربّ سبحانه وتعالى.
{ كنتم تزعمون } : أي أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي.
{ حق عليهم القول } : أي بالعذاب في النار وهم أئمة الضلال.
{ أغويناهم } : أي فَغَوَوْا ولم نكرههم على الغي.
{ تبرأنا إليك } : أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم.
{ وقيل ادعوا شركاءكم } : أي نادوهم ليخلصوكم مما أنتم فيه.
{ لو أنهم كانوا يهتدون } : أي لما رأوا العذاب وَدُّوا لو انهم كانوا في الدنيا من المهتدين.
{ ويوم يناديهم } : أي الله تبارك وتعالى.
{ فعميت عليهم الأنباء } : أي فخفيت عليهم الأنباء التي يمكنهم أن يحتجوا بها.
{ فهم لا يتساءلون } : أي انقطعوا عن الكلام.
{ فأما من تاب وآمن } : أي آمن بالله ورسوله وتاب من الشرك.
{ وعمل صالحاً } : أي الفرائض والواجبات.
{ فعسى أن يكون من المفلحين } : أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، وعسى من الله تعالى لا تفيد مجرد الرجاء بل هي لتحقق الموعود به.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله واذكر يوم ينادي ربك هؤلاء المشركين وقد ماتوا على شركهم فيقول لهم { أين شركائي الذين كنتم تزعمون } أي أنهم شركائي هذا سؤال تقريع وتأنيب والتقريع والتأنيب ضرب من العذاب الروحي الذي هو أشد من العذاب الجثماني. وقوله تعالى { قال الذين حق عليهم القول } اي نطق الرؤساء من ائمة الضلال وهم الذين حق عليهم العذاب في نار جهنم { ربنا هؤلاء الذين أغوينا } { أغويناهم } فغووا { كما غوينا } أي ما أكرهناهم على الغواية، { تبرأنا إليك } أي منهم. { ما كانوا إيانا يعبدون } اي بل كانوا يعبدون أهواءهم لا غير. وقوله: { وقيل ادعوا شركاءكم } أي يقال للمشركين تهكماً بهم واستهزاء، { ادعوا شركاءكم } اي لينصروكم ويخلصوكم مما أنتم فيه من الذل والهوان.
قال تعالى: رفدعوهم } بالفعل نادوا { فلم يستجيبوا لهم } إذا لا يقدر واحد من الإِنس أو الجن أن يقول هذا كان يعبدني، بل كل معبود يتبرأ ممن عبده كما قالوا في الاية قبل ذي تبرأنا إليك اي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقوله تعالى: { ورأوا العذاب } بأعينهم فاشتدت حسرتهم وودوا لو انهم كانوا في الدنيا من المهتدين. وقوله تعالى: { ويوم يناديهم } أي ربهم قائلاً { ماذا أجبتم المرسلين }؟ أخبرونا كيف كان موقفكم مع من أرسلنا إليكم؟ هل آمنتم بهم واتبعتموهم أم كذبتموهم وحاربتموهم قال تعالى: { فعميت عليهم الأنباء يومئذ } أي فخفيت عليهم الأخبار التي يمكنهم أن يحتجوا بها فلم يجدوا حجة واحدة ولذا { فهم لا يتساءلون } أي لا يسأل بعضهم بعضاً لأنه سقط في أيديهم وعلموا أنهم صالو الجحيم لا محالة. وقوله تعالى: { فأما من تاب } من هؤلاء المشركين اليوم من الشرك وآمن بالله ولقائه ورسوله وعمل صالحاً فأدى الفرائض والواجبات { فعسى أن يكون من المفلحين } أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، فهذه دعوة سخية لكل مشرك وكافر وفاسق أنيتخلى عن الباطل المتلبس به ويؤمن الإِيمان الصحيح ويعمل صالحاً بأداء الفرائض فإنه ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار فهل من تائب؟!.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- التنديد بالشرك والمشركين.
2- براءة الرؤساء في الضلالة من المرؤوسين.
3- التحذير من الغواية وهي الضلال والانغماس في الذنوب والآثام.
4- خذلان المعبودين عابديهم يوم القيامة وتبرؤهم منهم.
5- باب التوبة مفتوح لكل عبد مهما كانت ذنوبه ولا يهلك على الله إلا هالك.
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {68} وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ {69} وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {70}}
شرح الكلمات:
{ يخلق ما يشاء } : أي من خلقه.
{ ويختار } : أي من يشاء لنبوته وطاعته.
{ ما كان لهم } : أي للمشركين.
{ الخيرة } : أي الاختيار في شيء.
{ سبحان الله } : أي تنزيهاً لله عن الشرك.
{ يعلم ما تكن صدورهم }: أي ما تسر وتخفي من الكفر وغيره.
{ له الحمد في الأولى } : أي في الدنيا لأنه مولى كل نعمة.
{ وفي الآخرة } : أي في الجنة.
{ وله الحكم } : أي القضاء النافذ.
{ وإليه ترجعون } : بعد النشور وذلك يوم القيامة.
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآيات قبل هذه التنديد بالشرك وتوبيخ المشركين وتحديهم بدعاء شركائهم ليخلصوهم مما هم فيه من الذل والعذاب، وكان شركهم باختيارهم الخاص وإرادتهم الحرة إذ تبرأ منهم من اختاروهم آلهة مع الله فعبدوهم معه. وفي هذه الآية يكشف تعالى عن خطئهم في الاختيار، وذلك من وجهين: الأول أنه لاحق لهم في الاختيار. إذ الاختيار الخالق المخلوقات فيختار منها ما يشاء لنبوته أو طاعته أما الذي يُخلَقْ ولا يَخْلُقُ فيكف يصح منه اختيار. والثاني بحكم أنهم مخلوقون مربوبون لله تعالى وهم يعلمون هذا إذ لو سألهم أحد: من خلقكم؟ لقالوا: الله؛ كان المفروض فيهم والمطلوب منهم أن يطلبوا من الله تعالى خالقهم أن يختار لهم ما يعبدون ويبين لهم كيف يعبدون، ‘ذ هو مولاهم الحق ولا مولى لهم سواه أما أن يركبوا رؤوسهم ويختاروا بأنفسهم ما يعبدون فهذا ظلم منهم كبير استوجبوا به اللوم في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى: (68) { وربك يخلق ما يشاء }.. أي وربك يا محمد يخلق ما يشاء ممن يريد خلقهم ويختار من يشاء لما يشاء من يشاء من عباده لما يشاء من كمال أو نقصان. أما عبيده فليس لهم حق الاختيار وإنما عيهم السمع والطاعة قال تعالى: { ما كان لهم الخيرة } اي حق الاختيار بل الذي يختاره الله هو الذي يجب أن يختاره العبد. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: " اللهم خِرْ لي واختر لي " وكان يعلم أصحابه دعاء الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، ويحضهم على أن يختاروا في الأمر الواحد سبع مرات. وقوله تعالى: { سبحان الله وتعالى عما يشركون } نزه تعالى نفسه عن شرك المشركين وباطل المبطلين وقوله { وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون } وهذا برهان أن الخيرة له وليس لغيره إذ الذي يعلم الظواهر والبواطن والبدايات والنهايات قبل البدء والمنتهى صاحب هذا العلم هو الذي يختار. أما الذي لا يعلم ما يكنه أخوه في صدره بل ولا ما يظهره آخر إلى جنبه اي لا يعلم عاقبته فكيف يصح منه الاختيار أو تكون له خيرة في شيء. وفوق ذلك انه سبحانه وتعالى وهو الله الذي لا إله إلا هو أي المعبود الذي لا معبود بحق سواه الذي له الحمد في الدنيا إذ كل ما في الدنيا هو خلقه وفضله وإنعامه، وله الحمد في الآخرة، يحمده أهل الجنة إذ قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن بل الحياة الدنيا كالآخرة تختم بالحمد لله.
قال تعالى { وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } { وله الحكم وإليه تُرجعون } أي وله الحكم أي القضاء في الدنيا والآخرة { وإليه ترجعون } فكما أن الحكم خاص به فكذلك الرجوع إليه، ويوم يرجعون إليه يحكم بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ " ليس من حق العبد أن يختار إلا ما اختار الله له ".
2- تعين طلب الاختيار في الأمر كله من الله تعالى بقول العبد " اللهم خر لي واختر لي ".
3- تأكيد سنة الاستخارة وهي إذا هم العبد بالأمر يصلي ركعتين في وقت لا تكره فيه صلاة النافلة، ثم يدعو بدعاء الاستخارة كما ورد في الصحيح وهو " اللهم إني أستَخِيرُكَ بعلمك واستقدرك بقدرتك، واسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاصرفه عنى واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ".
ويسمي حاجته التي همَّ بها من سفر أو زواج أو بناء أو تجارة أو غراسة.
4- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
5- وجوب حمد الله وشكره على كل حال وذلك لتجدد النعمة في كل آن.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72} وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {73} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ {74} وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {75}}
شرح الكلمات:
{ أرأيتم } : أي أخبروني.
{ سرمداً } : أي دائماً، ليلاً واحداً متصلاً لا يعقبه نهار.
{ بضياء } : أي ضوء كضوء النهار.
{ بليل تسكنون فيه } : أي تنامون فتسكن جوارحكم فتستريح من تعب الحياة.
{ لتسكنوا فيه } : أي في الليل.
{ ولتبتغوا من فضله } : أي تطلبوا الرزق من فضل الله في النهار.
{ ولعلكم تشكرون } : أي كي تشكروا ربكم بطاعته كالصلاة والصيام والصدقة.
{ ونزعنا من كل أمة شهيداً } : اي أحضرنا من كل أمة من يشهد عليها وهو بيها عليه السلام.
{ فقلنا هاتوا برهانكم } : أي حججكم على صحة الشرك الذي أنذرتكم رسلنا عواقبه فما قبلتم النذارة ولا البشارة.
{ فعلموا أن الحق لله } : أي وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من الأقوال الباطلة التي كانوا يردون بها على الرسل عليهم السلام.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد وهو حول أنداد لله تعالى من مخلوقاته فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قل لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله أنداداً وهو خالقهم ورازقهم ومدبر أمر حياتهم { أرأيتم } اي أخبروني رإن جعل الله عليكم الليل سرمداً } اي دائماً ليلاً واحداً متصلاً لا يعقبه نهار { إلى يوم القيامة } أخبروني هل هناك { إله غير الله يأتيكم بضياء } كضياء النهار، والجواب لا أحد وإذا فكيف تشركون به اصناماً.
{ أفلا تسمعون } ما يقال لكم. وقل لهم ايضاً { أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً } أي دائماً متصلاً لا يخلفه ليل ابداً { إلى يوم القيامة } غلى انقراض هذا الكون وانتهاء هذه الحياة وقيام الناس لربهم من قبورهم يوم القيامة { من إله غير الله } أي أيُّ غله غير الله { يأتيكم بليل تسكنون فيه } فتخلدون إلى الراحة بالنوم والسكون وعدم الحركة فيه، وإذا قلتم لا أحد يأتينا بليل نسكن فيه إذاً فما لكم لا تبصرون هذه الآيات ولا تسمعون ما تحمله من الأدلة والحجج القواطع القاضية بأ،ه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه. وقوله تعالى: { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار } إذ ليس واجباً عليه ذلك وإنما هو فضل منه ورحمة فالليل تسكنون فيه والنهار تتحركون فتبتغون رزقكم من فضل الله، وبذلك تهيؤون للشكر إذا أكلتم أو شربتم أو ركبتم أو نزلتم قلتم الحمد لله، والحمد لله راس الشكر، كما أن الليل والنهار ظرف للعبادة التي هي الشكر، فالعبادات لا تقع إلا في الليل والنهار، فالصيام في النهار والقيام بالليل والصلاة والصدقات فيهما. وقوله تعالى: { ويوم يناديهم } أي اذكر يا رسولنا لهم تنبيهاً وتعليماً يوم يناديهم الرب تبارك وتعالى فيقول لهم: رأين شركائي الذين كنتم تزعمون } أنهم شركاء لي فعبدتموهم، وهل يرجى أن يجيبوا لا، لا، وإنما هذا السؤال ونظائره هو سؤال تبكيت وتأنيب وتوبيخ وهو ننوع من العذاب النفسي الذي هو أشد من العذاب الجسمي.
وقوله تعالى: { ونزعنا من كل أمة شهيداً } أي وأذكر لهم هذا الموقف من مواقف القيامة الصعبة { ونزعنا } أي أحضرنا { من كل أمة شهيداً } يشهد عليها وهو نبيها، ويشهد الرسول أنه بلغ ونصح وأنذر، ويقال لهم: { هاتوا برهانكم } على صحة ما كنتم تعبدون وتدعون. قال تعالى: { فعلموا أن الحق لله } أي تبين لهم أن الحق لله اي أن الدين الحق لله فهو المستحق لتأليه المؤلهين وطاعة المطيعين وقربات المتقربين لا غله غيره ولا رب سواه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- اشارة علمية غلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج، وأن الإِبصار يكون مع الضوء، ولا يتم مع الظلام بحال من الأحوال.
2- البرهنة القوية على وجوب توحيد الله إذ لا رب يدبر الكون سواه.
3- كون النهار والليل ظرفان للسكون وطلب العيش هما من رحمة الله تعالى أمر يقتضي شكر الله تعالى بحمده والاعتراف بنعمته وطاعته بصرف النعمة فيما يرضيه ولا يسخطه.
4- بيان أهوال القيامة، بذكر بعض المواقف الصعبة فيها.
5- إذا كان يوم القيامة بطل كل كذب وقول ولم يبق إلا قول الحق والصدق.
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ {76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {77} قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ {78}}
شرح الكلمات:
{ إن قارون كان من قوم موسى } : أي ابن عم موسى عليه السلام.
{ فبغى عليهم } : أي ظلمهم واستطال عليهم.
{ ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } : أي أعطاه الله من المال ما يثقل عن الجماعة حمل مفاتح خزائنه.
{ لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين } : أي لا تفرح فرح البطر والأشر.
{ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } : أي اطلب في المال الذي أوتيته الدار الآخرة بفعل الخيرات.
{ علىعلم عندي } : أي لعلم الله تعالى بأنى أهل لذلك.
{ وأكثر جمعاً } : أي للمال.
{ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } : أي لعلم الله تعالى بهم فيدخلون النار بدون حساب.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص قارون الباغي، وهو قارون ابن يصهر بن قاهَثْ بن لاوى بن يعقوب ابن اسحق بن غبراهيم عليه السلام. فهو ابن عم موسى بن عمران وابن خالته أيضاً وكان يلقب المنور لحسن صورته، ونافق كما نافق السامري المطرود. قال تعالى في ذكر خبره { إن قارون كان من قوم موسى } أي إسرائيلي ابن عم موسى بن عمران الرسول. رفبغى عليهم } اي على بني إسرائيل أي ظلمهم وطغى عليهم، ولعل فرعون كان قد اسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته وملك أموالاً كثيرة ففرته وألهته. وقوله تعالى: { وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة }. وهذا الخبر الإِلهي دليل على ما كان للطاغية قارون من أموال بحيث أن المفاتح تثقل كاهل العصبة أي الجماعة من الرجال لو حملوها كلها وذلك لثقلها. وقوله تعالى: { إذ قال له قومه } اي من بني إسرائيل واعظين له مذكرين { لا تفرح } أي بأموالك فرح الشر البطر، { إن الله لا يحب الفرحين } اي الأشرين البطرين الذين يختالون ويتفاخرون ويتكبرون. { وابتغ } أي اطلب { فيما آتاك الله } من أموال { الدار الآخرة } بأن تصدَّقْ منها وأنفقْ في سبيل الله كبناء مسجد أو مدرسة أو ميتم أو ملجأ إلى غير ذلك من أوجه البر والإِحسان. { ولا تنس نصيبك من الدنيا } فكل واشرب والبس واركب واسكن ولكن في غير اسراف ولا مخيله، { وأحسن } عبادة الله تعالى وطاعته وأحسن إلى عباده بالقول والعمل { كما أحسن } أي الله تعالى إليك { ولا تبغ الفساد في الأرض } بترك الفرائض وارتكاب في الدنيا والآخرة فبعد هذه الموعظة من قومه الصالحين أهل العلم والبصيرة رَدَّ هذا الطاغية قارون بما أخبر به تعالى عنه في قوله في الآية (78) { قال إنما أوتيته على علم عندي } أي لا تهددوني ولا تخوفوني بسلب مالي عني إن أنا لم أُحْسن فإن هذا المال { قد أوتيته } اي آتانيه الله على علم منه بأني أهل له ولذا أعطاني وزاد عطائى وأكثره قال تعالى في الرد عليه في زعمه هذا { أو لم يعلم } اي ايقول ما يقول من الزعم الكاذب ولم { يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً } ، كعاد وثمود وقوم إبراهيم فلو كان كثرة المال دليلاً على حب الله ورضاه عن أهله، ما أهلك عاداً وثموداً وقوم نوح من قبل وكانوا أشد قوة وأكثر مالاً ورجالاً وقوله تعالى: { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } أي إذا أكثر العبد من الإِجرام بالشرك والمعاصي حق عليه كلمة العذاب وأن أوان عذابه لا يسأل عن ذنوبه بل يؤخذ فجأة كما أن هؤلاء المجرمين سيدخلون النار بغير حساب فلا يسألون ولا يحاسبون.
قال تعالى: { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والقدام } أي ويُرْمَون في جهنم ويقال لهم: { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون }
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- المال والمنصب العالي عرضة لإفساد المرء إلا من رحم الله عز وجل وقليل ما هم.
2- جرمة الفرح بالمال والإِمارة إذا كان الفرح فرح بطر وفخر واعتزاز وكبر وخيلاء.
3- من فضل الله على الأمة أن يوجد فيها عالمون ينصحون ويرشدون ويوجهون.
4- من الحزم للمرء أن يطلب من المال والجاه والمنصب أعلى الدرجات في الجنة.
5- حلّية الأكل من الطيب والشرب من الطيب واللبس والركوب والسكن من غير إسراف ولا خيلاء ولا كبر.
6- العافية والمال وعز السلطان يصاب صاحبها بالاغترار إلا من رحم الله.
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ {80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82}}
شرح الكلمات:
{ في زينته } : أي لباس الأعياد والحفلات الرسمية.
{ يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون } : أي تمنوا أن لو أعطوا من المال والزينة ما أعيط قارون.
{ إنه لذوو حظ عظيم } : أي إنه لذو بخت ونصيب وهبه الله إياه في كتاب المقادير.
{ وقال الذين أوتوا العلم } : أي اعطوا العلمم الديني بمعرفة الله والدار الآخرة وموجبات السعادة والشقاء.
{ ويلكم } : أي حضر ويلكم وهلاككم بتمنيكم المال وزخرف الدنيا.
{ ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً } : أي ما عند الله من جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات وهو الجنة خير من حطام الدنيا الفاني.
{ ولا يلقاها إلا الصابرون } : أي ولا يوفق لقول هذه الكلمة وهي ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً إلا الصابرون على الإِيمان والتقوى.
{ فخسفنا به وبداره الأرض } : أي أسخنا الأرض من تحته فساخت به وبداره وكل من كان معه فيها من أهل البغي والإِجرام.
{ تمنوا مكانه بالأمس } : أي الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون فالمراد من المكان المكانة وما عليه قارون من الامارة والزينة والمال والجاه.
{ ويكأنَّ الله يبسط } : أي أعجبُ عالماً أن الله يبسط الرزق لمن يشاء.
{ ويقدر } : أي يضيّق.
{ ويكأنه لا يفلح الكافرون } : أي أعجبُ عالماً أنه لا يفلح الكافرون أي أنهم لا يفوزون بالنجاة من النار ودخول الجنان كما يفوز المؤمنون.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص قارون الباغي قال تعالى { فخرج على قومه } اي قارون في يوم عيد أو مناسبة خرج على قومه وهمم يشاهدون موكبه { في زينته } الخاصة من الثياب والمراكب. قوله تعالى: { قال الذين يريدون الحياة الدنيا } أي من قوم موسى وهم المفتونون بالدنيا وزخرفها من أهل الغفلة عن الآخرة وما أكثرهم اليوم وقبل وبعد اليوم قالوا ما أخبر الله تعالى به عنهم: { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون } تمنوا أن يكون لهم مثل الذي أوتي قارون من المال والزينة { إنه لذو حظ عظيم } اي بخت ونصيب ورزق { وقال الذين أوتوا العلم } اي الشرعي الديني العالمون بالدنيا والآخرة. واسباب السعادة والشقاء في كل منهما قالوا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: { ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً } اي ويحكم هلكتم إن كنتم تؤثرون هذا الفاني على الباقي { ثواب الله } وهو الجنة خير من هذا الزخرف الفاني { لمن آمن وعمل صالحاً } ولازم وذلك أنه ترك الشرك والعاصي، وقوله تعالى: { ولا يلقاها } أي هذه الجملة من الكلام: رثواب الله خير لمن آمن } بربه { وعمل صالحاً } في حياته بأداء الفرائض والنوافل وترك المحرمات والرذائل أي ولا يلقى هذه الكلمة { إلا الصابرون } من أهل الإِيمان والتقوى هم الذين يلقنهم الله غياها فيقولونها الصفاء أرواحهم وزكاة أنفسهم وقوله تعالى في الاية (81) { فخسفنا به وبداره الأرض } يخبر تعالى أنه خسف بقارون وبداره الأرض انتقاماً منه لكفره ونفاقه وبغيه وكبريائه.
وقوله تعالى { فما كان له من فئة } أي جماعة { ينصرونه من دون الله } لما أراد الله خذلانه بخسف الأرض به وبداره ومن قبلها من أعوانه الظلمة والمجرمين. { وما كان من المنتصرين } أي لنفسه فنجاها مما حل بها من الخسف في باطن الرض التي ما زال يتجلجل فيها غلى يوم القيامة. وقوله تعالى: { وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس } يخبر تعالى عن الذين قالوا يوم خرج عليهم قارون في زينته يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون يخبر تعالى عنهم أنهم لما شاهدوا الخسف الذي حل بقارون وبداره وقالوا ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء اي نعجب عالمين، أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي على من يشاء فالبسط والقبض كله لله وبيد الله فما لنا لا نفزع إلى الله نطلب رضاه ولا نتمنى ما تمنيناه وقد اصبح ذَاهباً لا يرى بعين ولا يلمس بيدين، { لولا أن منَّ الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون } اي نعجب ايضاً عالمين بأنه لا يفلح الكافرون وكقارون وفرعون وهامان أي لا يفوز الكافرون لا بالنجاة من العذاب ولا بدخول الجنان.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان أن الفتنة أسرع إلى قلوب الماديين ابناء الدنيا والعياذ بالله تعالى.
2- بيان موقف أهل العلم الديني وأنهم رُشَّد أي حكماء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
3- بيان أن البغي يؤخذ به البغاة في الدنيا ويعذبون به في الآخرة.
4- بيان أن وجود الإِيمان خير من عدمه وإن قل وأن ذا الإِيمان أقرب إلى التوبة ممن لا إِيمان له.
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83} مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {84}}
شرح الكلمات:
{ تلك الدار الآخرة } : أي الجنة، دار الأبرار.
{ لا يريدون علواً في الأرض } : أي بغياً ولا استطالة على الناس.
{ ولا فساداً } : أي ولا يريدون فساداً بعمل المعاصي.
{ والعاقبة } : أي المحمودة في الدنيا والآخرة.
{ للمتقين } : الذين يتقون مساخط الله فلا يعتقدون ولا يقولون ولا يعملون مالا يرضى به الله تعالى.
{ من جاء بالحسنة } : أي يوم القيامة والحسنة: اثر طاعة الله تعالى يجزى به المؤمن.
{ فله خير منها } : أي تضاعف له عشرة أضعاف.
{ ومن جاء بالسيئة } : السيئة أثر معصية الله تعالى يعاقب به العبد إذا لم يعف الله تعالى عنه.
معنى الايات:
لقد تقدم في السياق أن ثواب الله وهو الجنة خير لمن آمن وعمل صالحاً فاشار إليه تعالى بقوله { تلك الدار الآخرة } التي هي الجنة إذ هي آخر دار يسكنها المتقون فلا يخرجون منها.
نجعلها، هذا هو الخبر عن قوله تلك الدار الآخرة فأخبر تعالى أنه يجعلها مأوى ومسكناً للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، لا يريدون استطالة على الناس وتعالياً وتكبراً عليهم وبغياً، ولا فساداً بارتكاب المعاصي كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر، وقوله تعالى: { والعاقبة للمتقين } أي والعاقبة المحمودة في الدارين لأهل الإِيمان والتقوى وهم المؤمنون الذين يتقون مساخط الله عز وجل، وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنهيات.
وقوله تعالى: { من جاء } اي يوم القيامة { بالحسنة } وهي الطاعات لله ورسوله { فله } جزاء مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها وقد تُضاعف إلى أكثر بشرط أن لا تكون حسنة أعطيت له من حسنات ظالم في الدنيا فهذه لا تتضاعف. إذ تضاعف الحسنة التي باشرها، كما لا تضاعف حسنة من همَّ بحسنة ولم يعملها فإنها تكتب له حسنة ولا تضاعف لعدم مباشرته إياها وقوله { ومن جاء بالسيئة } أي يوم القيامة. والسيئة أثر معصية الله تعالى ورسوله في نفسه { فلا يجزى } إلا مثلها اي لا تضاعف عليه وذلك لعدالة الله تعالى ورأفته بعباده، وهو معنى قوله تعالى { فلا يجزى الذين عملوا السيئات } من الشرك والمعاصي { إلا ما كانوا يعملون } أي في الدنيا إذ هي دار العمل والآخرة دار الجزاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- حرمة التكبر والاستطالة على الناس، والعمل بالمعاصي، وأنه الفساد في الأرض.
2- بيان فضل الله ورحمته وعدله بين عباده بمضاعفة الحسنات وعدم مضاعفة السيئات.
3- العاقبة الحسنى وهي الجنة لأهل الإِيمان والتقوى.
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {85} وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ {86} وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {87} وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {88}}
شرح الكلمات:
{ إن الذي فرض عليك القرآن } : أي الله الذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك قراءته والعمل بما فيه وتبليغه.
{ لرادك إلى معاد } أي لمرجعك إلى مكة فاتحاً إذ معاد الرجل بلده الذي يعود إليه.
{ وما كنت ترجو } : أي تأمل أن ينزل عليك القرآن ويوحى به إليك.
{ إلا رحمة من ربك } : لكن برحمة من الله وفضل أنزله عليك.
{ فلا تكونن ظهيراً } : أي فمن شكر هذه النعمة أن لا تكون معيناً للكافرين.
{ ولا يصدنك } : أي لا يصرفنك عن العمل بآيات الله بعد أن شرفك الله بإنزالها عليك.
{ وادع إلى ربك } : أي ادع الناس إلى الإِيمان بالله وعبادته وترك الشرك به.
{ ولا تدع مع الله إلهاً آخر } : أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر بدعائه والذبح والنذر له.
{ كل شيء هالك } : أي فانٍ.
{ إلا وجهه } : أي إلا الله سبحانه وتعالى فلا يهلك كما يهلك ما عداه.
معنى الآيات:
تقدم في السياق الكريمة الدعوة إلى أصول الدين الثلاثة: التوحيد، النبوة، البعث والجزاء وهذه خاتمة ذلك في هذه السورة الكريمة فقال تعالى: { إن الذي فرض عليك القرآن } أي أنزله عليك وفرض عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه، { لرادك } اي لمرجعك { إلى معاد } وهو العودة غلى مكة بعد خروجك منها واشتياقك إلى العودة إليها وإلى الجنة بعد وفاتك لأنك دخلتها ليلة عُرج بك إلى السماء وفي هذا تقرير لنبوته صلى الله عليه وسلم بالوحي إليه، وقوله تعالى: { قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين } فإنه تعليم له صلى الله عليه وسلم بما يرد به على المشركين الذين اتهموه بأ،ه ضال في دعوته وخروجه عن دين آبائه وأجداده علَّمه أن يقول لهم ربي أعلم بمن جاء بالهدى وهو أنا، رسول الله، ومن هو في ضلال مبين وهو أنتم أيها المشركون. وقوله { وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب } اي وما كنت يا محمد تأمل أن ينزل عليك القرآن، وذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وقوله { إلا رحمة من ربك } أي لكن رحمة ربك عليك اقتضت إنزاله عليك لتكون رسول الله للعالمين، وهي نعمة كبيرة وإفضال عظيم فاشكره بما يلي:
(1) { فلا تكونن ظهيراً للكافرين } أي عوناً لهم بحال من الأحوال.
(2) { ولا يصدنك عن ىيات الله بعد إذ أنزلت إليك } فتترك تلاوتها وإِبلاغها والعمل بها.
وفي هذا تقرير للنبوة المحمدية.
(3) { وادع إلى ربك } ادع الناس إلى توحيد ربك والعمل بشرعه.
(4) ولا تكونن من المشركين } أي فتبرَّأُ منهم ولا ترضى بشركهم وادعهم إلى خلافه وهو التوحيد.
(5) { ولا تدع مع الله إلهاً آخر } أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر لا بالدعاء ولا بالنذر والذبح ولا بتقديم أيّ قربان أو طاعة لغير الله سبحانه وتعالى، وفي هذا تقرير للتوحيد وقوله { لا إله إلا هو } تقرير للتوحيد بإبطال أن يكون هناك إله مع الله.
وقوله { كل شيء هالك إلا وجهه } يخبر تعالى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل ذاهب بلا مثوبة عليه. كما أن كل شيء سوى الله عز وجل فإن ولم يبق إلا الله سبحانه وتعالى كقوله { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام } { وله الحكم } أي القضاء العادل بين عباده وقوله { وإليه ترجعون } أي بعد الموت للحساب والجزاء يوم بعثكم وحشركم إليه عز وجل، وفي تقرير للبعث والجزاء. والحمد لله أولاً وآخراً.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- معجزة القرآن في وقوع الغيب بعد الإِخبار به وذلك حيث عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد الخروج منها.
2- مشروعية الملاينة في الجدال والمناظرة أثناء الدعوة باستعمال أسلوب التشكيك.
3- حرمة معاونة الكفار ومناصرتهم لا سيما ضد المؤمنين.
4- وجوب الثبات والصبر على الدعوة حتى نجاحها ببلوغها الناس واستجابتهم لها.
5- تقرير التوحيد والبعث والنبوة المحمدية.
6- فناء كل شيء إلا الله تعالى إلا ما ورد الدليل بعدم فنائه وعُدَّ منهُ ثمانية نظمها بعضهم بقوله: هي العرش والكرسي نار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم.