منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 تفسير سورة العنكبوت (29)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

تفسير سورة العنكبوت (29) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة العنكبوت (29)   تفسير سورة العنكبوت (29) Emptyالخميس 02 مايو 2013, 10:36 pm

تفسير سورة العنكبوت
تفسير سورة العنكبوت (29) 829348915
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة العنكبوت (29) Light_web

{الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3} أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ {4} مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {5} وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {6} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ {7}}


شرح الكلمات:

{ آلم } : هذه أحد الحروف المقطعة تكتب آلم وتقرأ ألف لام ميم.

{ وهم لا يفتنون } : بما يتبين به حقيقة إيمانهم من التكاليف ومنها الصبر على الأذى.

{ ولقد فتنا الذين من قبلهم } : أي اختبرنا من قبلهم إذ هي سنة جارية في الناس.

{ فليعلمن الله الذين صدقوا } : أي في إيمانهم، وليعلمن الذين كذبوا فيه بما يظهر من أعمالهم.

{ أن يسبقونا } : أي يفوتونا فلا ننتقم منهم.

{ ساء ما يحكمون } : أي بئس الحكم هذا الذي يحكمون به، وهو حسبانهم أنهم يفوتون الله تعالى ولم يقدر على الانتقام منهم.

{ من كان يرجو لقاء الله } : أي من كان يؤمن بلقاء الله وينتظر وقوعه فليعلم أن أجله لآت فليستعد له بالإِيمان وصالح الأعمال.

{ ومن جاهد } : أي بذل الجهد في حرب الكفار أو النفس.

{ فإنما يجاهد لنفسه } : أي منفعة الجهاد من الأجر عائدة على نفسه.

{ ولنجزينهم أحسن } : أي ولنجزينهم على أعمالهم بأحسن عمل كانوا عملوه.


معنى الآيات:

آلم: الله أعلم بمراده به وهذا هو مذهب السلف في هذه الحروف وهو تفويض علمها إلى منزّلها عز وجل وقوله { أيحسب الناس } أي أظن الناس رأن يقولوا آمنا } فيكتفى منهم بذلك و { وهم لا يفتنون } أي ولا يختبرون بل لا بد من اختبار بالتكاليف الشاقة كالهجرة والجهاد والصلاة والصيام والزكاة وترك الشهوات والصبر على الأذى. والآية وإن نزلت في مثل عمار بن ياسر وبلال وعياش فإنها عامة إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، واللفظ عام هنا، لأن اسم الجنس إذا دخلت عليه " ال " افادت استغراق جميع أفراده. وقوله تعالى: { ولقد فتنا الذين من قبلهم } من الأمم السابقة فهي إذاً سنة ماضية في الناس لا تتخلف.

وقوله تعالى { فليعلمن الله الذين صدقوا } في إيمانهم أي يظهر ذلك ويعلمه مشاهدة بعد أن عَلِمَه قبل إخراجه إلى الوجود حيث قدر ذلك وكتبه في كتاب المقادير وذلك بتكليفهم وقيامهم بما كلفوا به من شاق الأفعال وشاق التروك، إذ الهجرة والجهاد والزكاة أفعال، وترك الربا والزنا والخمر وتروك { وليعلمن الكاذبين } حيث ادَّعوا الإِيمان ولما ابتلوا بالتكاليف لم يقوموا بها، فبان بذلك عدم صدقهم وإنهم كاذبون في دعواهم أنهم مؤمنون.

وقوله تعالى: { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } اي أظن { الذين يعملون السيئات } من الشرك والمعاصي { أن يسبقونا } أي يفوتونا فلم نأخذهم بالعذاب { ساء ما يحكمون } به لأنفسهم أي قبح حكمهم هذا من حكم لفساده، إذ أقاموه على ظن منهم أن الله تعالى لا يقدر عليهم وهو على كل شيء قدير وأنه لا يعلمهم وهو بكل شيء عليم.

وقوله تعالى: { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت } أي { من كان } يؤمن ويؤمل لقاء الله وذلك يوم القيامة فليعلم أن أجل الله المضروب لذلك لآت قطعاً وعليه فليستعد للقائه بما يناسبه وهو الإِيمان والعمل الصلاح بعد التخلي عن الشرك والعمل الفاسد، ومن هنا دعوى المرء أنه يرجو لقاء ربه ولم يعمل صالحاً يثاب عليه، دعوى لا تصح قال تعالى في سورة الكهف { ..فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }

(110) وقوله { وهو السميع العليم } أي هو تعالى السميع لأقوال عباده العليم بنياتهم وأعمالهم، فدعوى الإِيمان ظاهرة من العبد أو باطنة لا قيمة لها ما لم يقم صاحبها الدليل عليها وذلك بالإِيمان والجهاد للعدو الظاهر والباطن.

وقوله تعالى: { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه } أي منفعة هذه العبادة عائدة على العبد نفسه أما الله عز وجل فهو في غنى عن عمل عباده غِنىً مطلقاً وهذا ما دل عليه قوله: { إن الله لغني عن العالمين } الملائكة والإِنس والجن وسائر المخلوقات إذ كل ما سوى الله تعالى عالم ويجمع على عوالم وعالمين.

وقوله تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم } هذا وعد من الله تعالى لمن آمن من عباده وذلك على إِيمانه وصالح عمله فعلاً وتركا بأنه يكفر عنه سيئاته التي عملها قبل الإِسلام وبعده.

ومعنى يكفرِّها عنهم يغطيها ويسترها ولم يطالبهم بها كأنهم لم يفعلوها. وقوله { ولنجزينهم } أي على أعمالهم الصالحة { أحسن } أي بأحسن عمل عملوه فتكون أعظم ما تكون مضاعفة.

وهذا من تكرمه على عباده الصالحين ليجزي بالحسنة أضعافها مئات المرات.


هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- بيان سنة أن الإِيمان يصدق بالأعمال أو يكذب.

2- بيان إمكان التكليف بما يشق على النفس فعله أو تركه ولكن ليس بما لا يطاق.

3- تحذير المغترين من العقوبة وإن تأخرت زمناً ما فإنها واقعة لا محالة.

4- ثمرة الجهاد عائدة على المجاهد نفسه، فلذا لا ينبغي أن يمنها على الله تعالى بأن يقول فعلت وفعلت.

5- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الوعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات بتكفير السيئات والجزاء الأحسن وهذا يتم يوم البعث.

تفسير سورة العنكبوت (29) 396

{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ {9} وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ {10} وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ {11} وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {13}}


شرح الكلمات:

{ ووصينا الإنسان } : أي عهدنا إليه بطريق الوحي المنزل على رسولنا.

{ بوالديه حسناً } : أي أيصاءً ذا حسن، وذلك ببرهما وعدم عقوقهما.

{ وإن جاهداك } : أي بذلا الجهد في حملك على أن تشرك.

{ لندخلنهم في الصالحين } : أي لندخلنهم مدخلهم في الجنة.

{ فتنة الناس } : أي أذاهم له.

{ كعذاب الله } : أي في الخوف منه فيطيعهم فينافق.

{ إنا كنا معكم } : أي في الإِيمان وإنما أكرهنا على ما قلنا بألسنتنا.

{ إتبعوا سبيلنا } : أي ديننا وما نحن عليه.

{ ولنحمل خطاياكم } : أي ليكن منكم اتباع لسبيلنا وليكن منا حمل لخطاياكم، فالكلام خبر وليس إنشاء.

{ وليحملن أثقالهم } : أي أوزارهم، والأوزار الذنوب.

{ وأثقالاً مع أثقالهم } : أي من أجل قولهم للمؤمنين اتبعوا سبيلنا.

{ عما كانوا يفترون } : أي يكذبون.


معنى الآيات:

هذه الآيات نزلت في شأن سعد بن ابي وقاص لما أسلم قالت له أمه حمنة بنت أبي سفيان ما هذا الدين الذي أحدثت والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتُعَيَّر بذلك أبد الدهر يقال يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلى، فلما أيست منه أسلمت وأكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية: { ووصينا الإِنسان بوالديه حسناً } اي عهدنا إليه بواسطة الرسل إيصاءً ذا حسن وهو برهما بطاعتهما في المعروف وترك أذاهما ولو قل، وإيصال الخير بهما من كل ما هو خير قولاً كان أو فعلاً.

وقوله تعالى: { وإن جاهداك } أي بذلا جهدهما في حملك على أن تشرك بي شيئاً من الشرك أو الشركاء فلا تطعهما كما فعل سعد بن ابي وقاص مع والدته في عدم إطاعتها.

وقوله { إليّ مرجعكم } أولاداً ووالدين { فأنبئكم بما كنتم تعملون } وأجزيكم به فلذا قدموا طاعتي على طاعة الوالدين، فإني أنا الذي أحسابكم وأجزيكم بعملكم أنتم وإياهم على حد سواء.

وقوله تعالى: { والذين آمنواؤ أي بالله ورسوله { وعملوا الصالحات } التي هي العبادات التي تَعَبَّد الله تعالى بها عباده المؤمنين، فشرعها لهم وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم كالذكر وقراءة القرآن والصلاة والصيام والصدقات والجهاد والحج وما إلى ذلك.

هؤلاء الذين جمعوا بين الإيمان الحق والعمل الصالح الخالي من الشرك والرياء.

يقسم الله تعالى أنه يدخلهم في مدخل الصالحين وهم الأنبياء والأولياء في الجنة دار السلام.

وقوله تعالى: { ومن الناس من يقول آمنا بالله } الآية هذه نزلت في أناس كانوا بمكة وآمنوا وأعلنوا عن إيمانهم فاضطهدهم المشركون فكانوا ينافقون فأخبر تعالى عنهم بقوله: { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله } أي آذاه المشركون نافق وارتد { جعل فتنة الناس } أي أذاهم له وتعذيبهم إياه { كعذاب الله } يوم القيامة فوافق المشركين على الكفر.

وقوله تعالى: { ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم } اي على الإِيمان وإنما كنا مكرهين وهذه نزلت فيمن خرجوا من مكة إلى بدر مع المشركين لما انهزم المشركون وانتصر المسلمون وأسروا قالوا { إنا كنا معكم } أي على الإِيمان فرد تعالى دعواهم بقوله: { أو ليس الله أعلم بما في صدور العالمين } أي الناس.

وقوله تعالى: { وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين } تقرير لما سبق في الآية قبل وليترتب عليه الجزاء على الإِيمان وعلى النفاق.

فعلمه تعالى يستلزم الجزاء العادل فأهل الإِيمان يجزيهم بالنعيم المقيم وأهل النفاق بالعذاب المهين.

أولئك في دار السلام وهؤلاء في دار البوار.

وقوله تعالى: { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا } أي ديننا وما نحن عليه { ولنحمل خطاياكم } أي قال رؤساء قريش لبعض المؤمنين اتركوا سبيل محمد ودينه واتبعوا سبيلنا وديننا، وإن كان هناك بعث وجزاء كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم - نحن مستعدون أن نتحمل خطاياكم ونجازى بها دونكم فأكذبهم الله تعالى بقوله: { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } و { إنهم لكاذبون } في قولهم ولنحمل خطاياكم.

وقال تعالى مقسماً بعزته وجلاله: { وليحملن أثقالهم } اي أوزارهم { وأثقالاً مع أثقالهم } أي وأوزاراً أي ذنوباً مع أوزارهم التي هي ذنوبهم وذلك من أجل ما قالوا لهم: { وليسئلن يوم القيامة أي ذنوباً مع أوزارهم التي هي ذنوبهم وذلك من أجل ما قالوا لهم: { وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون } أي يكذبون من أنهم يحملون خطايا المؤمنين يوم القيامة }.

تفسير سورة العنكبوت (29) Images?q=tbn:ANd9GcQkdwGLiDLFEZmp8tjVCWhmqR3gYG-QLM5dUNtXPKv6n9SQHXGd

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- وجوب بر الوالدين في المعروف وعدم طاعتهما فيما هو منكر كالشرك والمعاصي.

2- بشرى المؤمنين العاملين للصالحات بإِدخالهم الجنة مع النبيين والصديقين.

3- ذم النفاق وكفر المنافقين وإن ادعوا الإِيمان فما هم بمؤمنين.

4- بيان ما كان عليه غلاة الكفر في مكة من العتو والطغيان.

5- تقرير مبدإ من سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها كما في الحديث الصحيح.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {14} فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {15}}


شرح الكلمات:

{ ولقد أرسلنا نوحاً } : أي نوحاً بن لَمْكْ بن مُتَوَشْلِخْ بن إدريس من ولد شيث بن آدم، بينه وبين آدم ألف سنة.

{ فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاماً } أي فمكث فيهم يدعوهم إلى الله تعالى تسعمائة : وخمسين سنة.

{ فأخذهم الطوفان } : أي الماء الكثير الذي طاف بهم وعلاهم فأغرقهم.

{ وهم ظالمون } : أي مشركون.

{ وجعلناها آية للعالمين } : أي عبرة للناس يعتبرون بها فلا يشركون ولا يعصون.


معنى الآيتين:

لما ذكر تعالى ما كان يلاقيه رسوله والمؤمنون من مشركي قريش ذكر تعالى نوحاً وإبراهيم وكلاهما قد عانى ولاقى ما لم يلاقه محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه ليكون ذلك تسلية لهم وتخفيفاً عنهم فقال تعالى: { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } وقوم نوح يومئذ هم البشرية جمعاء.

إذ لم يكن غيرهم { فلبث فيهم } أي مكث يدعوهم إلى عبادة الله تعالى وتوحيده فيها وترك الصنام الخمسة التي كانت لهم وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان هؤلاء الخمسة رجالاً صالحين فلما ماتوا بنوا على قبورهم ووضعوا لهم تماثيل بحجة أنها تذكرهم بالله فيرغبوا في الطاعة والعمل الصالح ثم زين لهم الشيطان عبادتهم فعبدوهم فبعث الله تعالى إليهم نوحاً رسولاً فدعاهم غلى عبادة الله وترك عبادة هؤلاء { فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاماً } يدعوهم فلم يستجيبوا له { فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر }.

فاستجاب الله له فأنجاه وأصحاب السفينة وهم المؤمنون وهلك في الطوفان زوجته وولده كنعان وسائر البشر إلا نوحاً ومن معه في السفينة، وكانوا قرابة الثمانين نسمة، وخلف نوحاً ثلاثة أولاد هم سام وهو أبو العرب وفارس والروم وهم الجنس السامي وحام وهو أبو القبط والسودان والبربر ويافث وهو أبو الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، هذا معنى قوله تعالى: { فأخذهم الطوفان وهم ظالمون } اي لأنفسهم بالشرك.

{ فأنجيناه واصحاب السفينة } ومن بين ما فيها أبناؤه الثلاثة سام وحام ويافث ومنهم عمر الكون بالبشر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وقوله { وجعلناها ءَاية للعالمين } اي حادثة الطوفان ومنها السفينة ومكث تلك المدة الطويلة مع قلة المستجيبين { آية } اي عبرة { للعالمين } أي للناس ليعتبروا بها فلا يعصوا رسلهم ولا يشركون بربهم هذا إذا اعتبروا وقليل من يعتبر.


هداية الآيتين:

من هداية الآيتين:


1- بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل لهداية الخلق.

2- بيان قلة من ساتجاب لنوح مع المدة الطويلة فيكون هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده.

3- بيان اهلاك الله تعالى الظالمين وإنجائه المؤمنين وهي عبرة للمعتبرين.

يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة العنكبوت (29) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 7:48 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

تفسير سورة العنكبوت (29) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة العنكبوت (29)   تفسير سورة العنكبوت (29) Emptyالخميس 02 مايو 2013, 10:47 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {16} إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {17} وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {18}}

شرح الكلمات:
{ وإبراهيم } : أي واذكر إبراهيم على قراءة النصب لإِبراهيم، وعلى قراءة الرفع: ومن المرسلين إبراهيم.

{ اعبدوا الله واتقوه } : أي آمنوا به ووحدوه في عبادته واتقوا أن تشركوا به وتعصوه.

{ أوثاناً } : أصناماً وأحجاراً وصُوراً وتماثيل.

{ وتخلقون إفكاً } : أي تختلقون الكذب فتقولون في الأصنام والأوثان آلهة وتعبدونها.

{ فابتغوا عند الله الرزق } : اي اطلبوا الرزق من الله الخلاق العليم لا من الأصنام والتماثيل المصنوعة المنحوتة بأيدي الرجال بالمعاول والفؤوس.

{ واعبدوه } : أي بالإِيمان به وتوحيده واشكروه بطاعته.

{ وإن تكذبوا } : أي يا أهل مكة بعد هذا الذي عرضنا عليكم من الايات والعبر فقد كذب أمم من قبلكم.

{ وما على الرسول } : أي محمد صلى الله عليه وسلم.

{ إلا البلاغ المبين } : وقد بلغ وبين فبرئت ذمته وأنتم المكذبون ستحل بكم نقمة الله.

معنى الآيات:
هذا القصص معطوف على قصص نوح لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولتذكير قريش بأنها في إصرارها على الشرك والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم صائرة إلى ما صار إليه المكذبون من قبل إن لم تتب إلى الله وترجع إليه بالإِيمان والطاعة وترك الشرك والمعاصي قال تعالى: { وإبراهيم } أي واذكر يا رسولنا إبراهيم خليلنا { إذ قال لقومه } البابليين ومن بينهم والده آزَرْ يا قوم { اعبدوا الله } اي بتوحيده في عبادته { واتقواه } بترك الشرك والعصيان وإلا حلَّت بكم عقوبته ونزل بكم عذابه وقوله { ذلكم خير لكم } اي الإِيمان والتوحيد والطاعة خير لكم من الكفر والشرك والعصيان.

إذ الأول يجلب الخير والثاني يجلب الشر { إن كنتم تعلمون } الخير والشر وتفرقون بينهما وقوله عليه السلام { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً } يخبرهم معرفاً لهم بخطئهم فيقول { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } أي أصناماً وتماثيل وعبادة الأصنام والأوثان عبادة باطلة لا تجلب لكم نفعاً ولا تدفع عنكم ضراً.

إن الذي يجب أن يعبد الله الخالق الرازق الضار النافع المحيي المميت السميع البصير.

أما الأوثان فلا شيء في عبادتها إلا الضلال واتباع الهوى.

وقوله لهم { وتخلقون إفكاً } أي وتصنعون كذباً تختلقونه اختلاقاً عندما تقولون في التماثيل والأصنام إنها آلهة.

وقوله عليه السلام لقومه: { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً } يخبرهم عليه السلام معرفاً لهم بحقيقة هم عنها غافلون وهي أن الذين يعبدونهم من دون الله لا يملكون لهم رزقاً لأنهم لا يقدرون على ذلك فما الفائدة إذاً من عبادتهم وما الحاجة الداعية إليها لولا الغفلة والجهل، ولما ابطل لهم عبادة الصنام أرشدهم غلى عبادة الله الواحد القهار فقال { فابتغوا عند الله الرزق } إن كنتم عبدتم الأصنام لذلك فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فاطلبوا عنده الرزق فإنه مالكه والقادر على إعطائه { واعبدوه } بالإِيمان به وبرسوله وبتوحيده { واشكروا له } يرزقكم ويحفظ عليكم الرزق وقوله { إليه ترجعون } ذكّرهم بعلة غفلتهم ومَصْدَر جهلهم وهي كفرهم بالبعث فأعلمهم أنهم إليه تعالى لا إلى غيره يرجعون.

إذاً فليتعرفوا غليه ويعبدوه طلباً لرضاه وإكرامهم يوم يلقونه.

وقوله تعالى: { وإن تكذبوا } أي يا أهل مكة رسولنا وتنكروا وحينا وتكفروا بلقائنا فلستم وحدكم في ذلك: { فقد كذب أمم من قبلكم } قوم نوح وعاد وفرعون وقوم غبراهيم واصحاب مدين وغيرهم { وما على الرسول } أي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ المبين وقد بلغكم وأنتم الآن بين خيارين لا ثالث لهما:

الأول أن تتعظوا بما أسمعناكم وأريناكم من ىياتنا فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا فتكملوا وتسعدوا وإما أن تبقوا على غصراركم على الشرك والكفر والعصيان فسوف يحل بكم ما حل بأمثالكم، إذ كفاركم ليسوا بخير من كفار أولئكم الذين انتقم الله منهم وأذاقهم سوء العذاب.

هذا ما دلت عليه الآية (18) وهي معترضة بين الآيات التي اشتملت على قصص إبراهيم عليه السلام.

وسر الاعتراض هو وجود فرصة في سياق الكلام قد تلفت أنظار القوم وتأخذ بقلوبهم إذ الآيات كلها مسوقة لهدايتهم.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- وجوب عبادة الله وتقواه طلباً للنجاة من الخسران في الدارين.

2- بطلان عبادة غير الله ووجوب عبادة الله عن طريق الأدلة العقلية.

3- ما عبد الناس الأوثان إلا من جهلهم وفقرهم فلذا يجب أن يعلموا أن الله هو ربهم المستحق لعبادتهم وأن الله تعالى هو الذي يسد فقرهم ويرزقهم ومن عداة لا يملك ذلك لهم.

4- وجوب شكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وبطاعته وصرف النعم فيما من أجله أنعم بها على عبده.

5- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتأنيب المشركين من أهل مكة.


{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {19} قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {20} يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ {21} وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ {22} وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {23}}

شرح الكلمات:
{ أولم يروا } : أي ينظروا بأبصارهم فيعلموا بقلوبهم.

{ يبدئ الله الخلق } : أي كيف يخلق المخلوق ابتداء.

{ ثم يعيده } : أي ثم هو تعالى يعيده بعد بدئه وإفنائه يعيده لأن الإِعادة أهون من البدء وقد بدأ وأفنى فهو بالضرورة قادر على الإِعادة.

{ إن ذلك } : أي أن الخلق الأول والثانى هو الاعادة.

{ على الله يسير } : أي سهل لا صعوبة فيه، فكيف إذاً ينكر المشركون البعث.

{ قل سيروا في الأرض } : أي قل يا رسولنا لقومك المكذبين بالبعث سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الخلق وأنشأه، تستدلون بذلك على قدرته على البعث الآخر.

{ ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } : أي يحيي الناس بعد موتهم وهو البعث الآخر الذي أنكره الجاهلون.

{ وإليه تقلبون } : أي ترجعون إليه لا إلى غيره أحياء كما كنتم فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم، الحسنة بخير منها والسيئة بمثلها جزاء عادلاً.

{ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء } : أي بغالبين ولا فائتين بالهروب فإن الله غالبكم.

{ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } : ليس لكم من ولي يتولاكم ولا نصير ينصركم من الله تعالى.

{ يئسوا من رحمتي } : أي من دخول الجنة لأنهم كافرون أعظم كفر وهو التكذيب بالقرآن والبعث الآخر.

معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث وقد قررت الآيات السابقة أصلي التوحيد والنبوة المحمدية وفي هذه الايات تقرير الأصل الثالث وهو البعث والجزاء في الدار الآخرة.

قال: { أولم يروا } أي أولئك المنكرون للبعث، أيكذبون؟، ولم ينظروا كيف يبدئ الله الخلق اي خلق الإِنسان، فإن ذلك دال على إعادته متى أراد الله الخالق ذلك، ثم هو تعالى يعيده متى شاء، { إن ذلك } أي الخلق والإِعادة بعد الفناء والبلى رعلى الله يسير } سهل لا يتعذر عليه أبداً.

وقوله تعالى: { قل سيروا في الأرض } أي قل يا رسولنا للمكذبين بالبعث الآخر { سيروا في الأرض } شرقاً وغرباً { فانظروا كيف بدأ } تعالى خلق تلك المخلوقات التي تشاهدونها من أرض، وسماء، وانهار، وأشجار، وحيوان، وإنسان، إنها كلها كانت عدماً فأنشأها الله تعالى ثم هو سيفنيها { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } وذلك بأن يعيد حياة الإنسان ليحاسبه على كسبه في الدنيا ويجزيه به خيراً أو شراً، { إن الله على كل شيء قدير } إذاً فلا يستنكر عليه إعادة الناس أحياء بعد نهاية هذه الحياة الدنيا ليحاسبهم ويجزيهم بما كانوا يعملون.

وقوله تعالى: { يعذب من يشاء ويرحم من يشاء } هذه فائدة وحكمة البعث في الآخرة وهي المجازاة على العمل في هذه الحياة فيعذب أهل الكفر به وبرسوله والذين لم يزكوا أنفسهم بالإِيمان وصالح الأعمال فيدخلهم جهنم دار الشقاء والعذاب ويرحم أهل الإِيمان والتقوى الذين زكوا أنفسهم بالإِيمان والصالحات.

وقوله: { وإليه تقلبون } أي إلى الله ربكم ترجعون بعد الموت والفناء وإنشاء النشأة الآخرة وقوله { وما أنتم بمعجزين } أي الله تعالى { في الأرض ولا في السماء } بل أنتم مقهورون له خاضعون لسلطانه لا يمكنكم الهرب منه ولا الخلاص بحال من الأحوال.

وليس لكم من دونه تعالى ولي يتولاكم فيدفع عنكم العذاب ولا نصير ينصركم فلا تُغلَبون ولا تُعذبون وقوله تعالى: { والذين كفروا بآيات الله } التي جاءت بها رسله { ولقائه } وهو البعث الآخر الموجب للوقوف بين يدي الله للسؤال والحساب والجزاء هذا إن كان للعبد ما يحاسب عليه من الخير، أما إن لم يكن له حسنات فإنه يُلقى في جهنم بلا حساب ولا وزن إذ ليس له من الصالحات ما يوزن له ويحاسب به، ولذا قال تعالى: { أولئك } أي المكذبون بآيات الله ولقائه { يئسوا من رحمتي } إذ تكذيبهم بالقرآن مانع من الإِيمان والعمل الصالح وتكذيبهم بيوم القيامة مانع لهم أن يتخلوا عن الشرك والمعاصي، أو يعملوا صالحاً من الصالحات لتكذيبهم بالجزاء، فهم يائسون من الجنة: { وأولئك لهم عذاب أليم } أي موجع وهو عذاب النار في جهنم والعياذ بالله تعالى.

تفسير سورة العنكبوت (29) Images?q=tbn:ANd9GcQmElK1uJeXpsvdUWwp7dNa9WnhEfLjtU0HuRWN4AGZ3cnwKgxn
هداية الآيات:

{ من هداية الآيات: }

1- وجوب استعمال العقل للاستدلال على الغائب بالحاضر وعلى المعدوم بالموجود.

2- تقرير عقيدة البعث والجزاء وذكر أدلتها التفصيلية.

3- تقرير عجز الإنسان التام وأنه لا مهرب له من الله تعالى ربه ومالكه وهي حال تستدعي الفرار إلى الله اليوم بالإِيمان والتقوى.

4- إنذار المكذبين بأنهم إن ماتوا على التكذيب بالبعث لا يدخلون الجنة بحال، وسيعذبون في نار جهنم أشد العذاب.

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {24} وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ {25}}

شرح الكلمات:
{ فما كان جواب قومه } : أي قوم إبراهيم عليه السلام.

{ إلا أن قالوا اقتلوه } : أي إلا قولهم اقتلوه أو احرقوه.

{ إن في ذلك لآيات } : أي في كون النار لم تحرق الخليل ويخرج منها سالماً.

{ لقوم يؤمنون } : لأن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالآيات لحياة قلوبهم.

{ أوثاناً مودة بينكم } : أي اتخذتم أوثانكم آلهة تتوادون من أجل عبادتها وتتحابون لذلك.

{ في الحياة الدنيا } : أي هذا التوادد والتحاب على الآلهة في الحياة الدنيا فقط أما الآخرة فلا.

{ يكفر بعضكم ببعض } : أي يكفر المتبوعون بأبتابعهم ويتبرأون منهم.

{ يولعن بعضكم بعضاً } : يلعن الأتباع القادة الذين اتبعوهم في الباطل.

معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص إبراهيم الخليل عليه السلام فإنه لمَّا أفحمهم بالحجة وبين لهم باطلهم وكشف لهم عن جهلهم وضلالهم لجأوا كعادة الطغاة من أهل الكفر والباطل إلى التهديد بالقوة فقالوا ما أخبر به تعالى عنهم: أى { فما كان جواب قومه } فما كان جوابهم اي عما سمعوا من الحجج والبراهين على بطلان الشرك وصحة التوحيد { إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه } أي إلا قولهم اقتلوا إبراهيم بالسيف ونحوه أو حرقوه بالنار، ونفذوا جريمتهم بالفعل وأوقدوا النار وألقوه فيها، وقال الله جل جلاله للنار { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فكانت كما أُمرت وخرج إبراهيم سالماً لم تحرق النار سوى كتافه الذي شد به يداه ورجلاه.

وهو ما دل عليه قوله تعالى { فأنجاه الله من النار } وقوله تعالى { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } أي في كون النار لم تحرق إبراهيم فيتخلف طبعها وتصبح برداً وسلاماً على إبراهيم فلم تحرقه، (آيات) أي دلائل قدرة الله تعالى ورحمته وحكمته ولكن تلك الآيات لا ينتفع بها غير المؤمنين، لأنهم أموات لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون.

أما المؤمنون فهم أحياء فينتفعون بما يسمعون ويبصرون لأن الإِيمان بمثابة الروح في البدن فإن وجد في القلب حيي الجسم وان فارقه فالجسم ميت فلا العين تبصر الأحداث ولا الأذن تسمع الايات.

وقوله: { إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا } هذا من جملة قول إبراهيم لقومه وهو يعظهم ويرشدهم فأخبرهم بحقيقة يتجاهلونها وهي أهم ما اتخذذوا تلك الأوثان آلهة يعبدونها إلا لأجل التعارف عليها والتوادد والتحاب من أجلها، فيقيمون الأعياد لها ويجتمعون حولها فيأكلون ويشربون لا أنهم حقيقة يعتقدون أنها آلهة وهي أحجار نحوتها بأيديهم ونصبوها تماثيل في سوح دورهم وأمام منازلهم (يوم القيامة) أي في الآخرة فالعكس هو الذي سيحدث لهم حيث يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } اي يكفر المتبوعون وهم الرؤساء بمن اتبعوهم وهم الأتباع من الدهماء وعوام الناس، { ويلعن بعضكم بعضاً } كل من الأتباع والمتبوعين يطلب بعد الآخر عنه، وعدم الاعتراف به وذلك عند معاينة العذاب ولم تبق تلك الروابط والصلات التي كانت لهم في هذه الحياة!!

وقوله: { ومأواكم النار } أي ومقركم الذي يؤويكم جميعاً فتستقرون فيه هو النار { وما لكم من ناصرين } بعد أن أذلكم الله الذي أشركتم به أوثاناً، فجعلتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- تقرير أن الظَّلمَة سنتهم أنهم إذا أعيتهم الحجج يلجأون إلى استعمال القوة.

2- في عدم إحراق النار دليل على أن الله تعالى قادر على إبطال السنن إذا شاء ذلك، ومن هنا تكون الكرامات والمعجزات إذْ هى خوارق للعادات.

3- بيان أن الخرافيين في اجتماعهم على البدع لم يكن ذلك عن علم بنفع البدعة وإنما لعنصر التوادد والتعارف والتلاقي على الأكل والشرب كما قال إبراهيم لقومه: { إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا }.
يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة العنكبوت (29) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 7:50 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

تفسير سورة العنكبوت (29) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة العنكبوت (29)   تفسير سورة العنكبوت (29) Emptyالخميس 02 مايو 2013, 11:52 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {26} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ {27}}

شرح الكلمات:
{ فآمن له لوط } : أي آمن بإبراهيم لوط وهو ابن أخيه هاران ولم يؤمن من قومه سواه.

{ مهاجر إلى ربي } : أي إلى حيث أعبد ربي فلا أفتن في ديني.

{ ووهبنا له إسحق ويعقوب } : أي هاجر لأجلنا فأكرمناه في دار هجرته فوهبنا له ذرية هم اسحق الابن ويعقوب الحفيد.

{ في ذريته النبوة والكتاب } : فكل الأنبياء بعده من ذريته وكل الكتب التي أنزلت بعده فهي في ذريته.

{ وآتيناه أجره في الدنيا } : وذلك بالرزق الحسن والثناء الحسن على ألسنة كافة الناس من أهل الأديان الإِلهية.

{ وإنه في الآخرة لمن الصالحين } : أي هو أحدهم، فيكرم كما يكرمون بالدرجات العلا، والصالحون هم أنبياء الله ورسله وأولياؤه وصالحو عباده.

معنى الآيات:
هذا آخر قصص إبراهيم الخليل في هذا السياق الكريم فأخبر تعالى أن إبراهيم بعد الجهاد الطويل في الدعوة إلى عبادة الرحمن الرحيم لم يؤمن له ولم يتابعه على الحق الذي دعا إليه إلا لوط بن هاران أخيه فقال تعالى: { فآمن له لوط وقال } أي إبراهيم إني مهاجر إلى ربي } فترك بلاد قومه من سواد العراق وارتحل إلى أرض الشام فأكرمه الله تعالى جزاء هجرته إلى ربه عز وجل بما أخبر به في هذا السياق حيث قال: { ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب } وهبه أى أعطاه ولده إسحق بن سارة وولد إسحق وهو يعقوب، وجعل كافة الأنبياء من ذريته وجعل الكتاب فيهم أيضاً فالتوراة أنزلت على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى وهم من ذرية إبراهيم، والقرآن الكريم أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وقول إبراهيم هو كما قال: { إني مهاجر إلى ربي } وصف به بالعزة والحكمة.

فقال: { إنه هو العزيز الحكيم } أي الغالب القاهر { الحكيم } الذي وضع كل شيء في موضعه، ودلائل العزة ان أنجى إبراهيم من أيدي الظلمة الطغاة ومن مظاهر الحكمة أن نقله من أرض لا خير فيها إلى أرض كلها خير وأكرمه فيها بما ذكر في قوله: { ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب } وقوله تعالى: { وآتيناه أجره في الدنيا } حيث رزقه أطيب الأرزاق في دار هجرته ورزقه الثناء الحسن من كل أهل الأديان الإِلهية كاليهودية والنصرانية، والإِسلام وهو خاتم الأديان هذا في الدنيا أما في الآخرة فإنه من الصالحين ذوي الدرجات العلا والمنازل العالية في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- بيان حصيلة دعوة إبراهيم كذا سنة وأنها كانت إيمان واحد بها وهو لوط عليه السلام وفي هذا تسلية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

. 2- بيان إكرام الله تعالى لمن يهاجر إليه ويترك أهله وداره.

3- بيان ما أكرم الله تعالى به إبراهيم من خير الدنيا والآخرة جزاء صبره على دعوة الله تعالى.

{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ {28} أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {29} قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ {30}}

شرح الكلمات:
{ ولوطاً إذا قال لقومه } : أي واذكر إذ قال لوط بن هاران لقومه أهل سَدُوم.

{ أئنكم لتأتون الفاحشة } : أي الخصلة القبيحة وهي إتيان الذكران في أدبارهم.

{ ما سبقكم بها من أحدٍ } : أي لم تعرف البشرية قبل قوم لوط إتيان الذكران في أدبارهم.

{ وتقطعون السبيل } : أي باعتدائكم على المارة في سبيل فامتنع الناس من المرور خوفاً منكم.

{ وتأتون في ناديكم المنكر } : أي مجالس أحاديثكم تأتون المنكر كالضراط وحل الإِزار والفاحشة أي اللواط.

{ فما كان جواب قومه } : أي إلا قولهم أئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين.

معنى الآيات:
هذا بداية قصص لوط عليه السلام مع قومه أهل سَدُوم وعموريّة والغرض من سياقه تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذه القصص لايتم لأحد إلاَّ من طريق الوحي، وتسلية الرسول من أجل ما يلاقي من عناد المشركين ومطالبتهم بالآيات والعذاب قال تعالى: واذكر يا رسولنا لقومك لوطاً { إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة } وهي الفعلة القبيحة ويزيدها قبحاً أن الناس قبل قوم لوط لم تحدث فيهم هذه الخصلة ولم يعرفها أحد من العالمين، ثم واصل لوط إنكاره وتشنيعه عليهم فيقول: { ائنكم لتأتون الرجال } أي في أدبارهم { وتقطعون السبيل } وذلك أنهم كانوا يعتدون على المارة بعمل الفاحشة معهم قسراً وبسلب أموالهم وبذلك امتنع الناس من المرور فانقطعت السبيل، كما أنهم بإتيانهم الذكران عطلوا السبيل بقطع سبيل الولادة، وزاد لوط في تأنيبهم والإِنكار عليهم والتوبيخ لها فقال { وتأتون في ناديكم المنكر } والنادي محل اجتماعهم وتحدثهم وإتيان المنكر فيه كان بارتكاب الفاحشة مع بعضهم بعضاً، وبالتضارط فيه، وحل الإِزار، والقذف بالحصى وما غلى ذلك مما يؤثر عنهم من سوء وقبح.

قال تعالى: { فما كان جواب قومه } بعد ان أنبهم ووبخهم ناهيا لهم عن مثل هذه الفواحش { إلا ان قالوا إئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين } أي ما كان جوابهم إلا المطالبة بعذاب الله، وهذه طريقة الغلاة المفسدين والظلمة المتكبرين، إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى القوة يستعملونها أو يطالبون بها.

وقوله تعالى: { قال رب انصرني على القوم المفسدين } أي لما طالبوه بالعذاب، وقد أعياه أمرهم لجأ إلى ربه يطلب نصره على قومه الذين كانوا شر قوم وجدوا على وجه الأرض واستجاب الله تعالى له ونصره وسيأتى بيان ذلك في الآيات بعد.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بذكر قصص لا يتم إلا عن طريق الوحي.

2- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم من اجل ما يعاني من المشركين من كفر وعناد ومطالبة بالعذاب.

3- قبح الفاحشة وحرمتها وأسوأها فاحشة اللواط.

4- وجوب إقامة الحد على اللوطيّ الفاعل والمفعول لأن الله تعالى سماها فاحشة وسمى الزنا فاحشة ووضع حداً للزنى فاللوطية تقاس عليه، وقد صرحت السنة بذلك فلا حاجة إلى القياس.

5- التحذير من العبث والباطل قولاً أو عملاً وخاصة في الأندية والمجتمعات.


{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ {31} قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {32} وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {33} إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ {34} وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {35}}

شرح الكلمات:
{ بالبشرى } : أي إسحق ويعقوب بعده.

{ هذه القرية } : أي قرية لوط وهي سدوم.

{ قالوا نحن أعلم بمن فيها } : أي قالت الرسل نحن اعلم بمن فيها.

{ كانت من الغابرين } : أي كانت في علم الله وحكمه من الباقين في العذاب.

{ سيء بهم } : أي حصلت لهم مساءة وغم بسبب مخافة أن يقصدهم قومه بسوء.

{ وضاق بهم ذرعاً } : أي عجز عن احتمال الأمر لخوفه من قومه أن ينالوا ضيفه بسوء.

{ رجزاً } : اي عذاباً من السماء.

{ بما كانوا يفسقون } : أي بسب فسقهم وهو إتيان الفاحشة.

{ ولقد تركنا منها آية } : أي تركنا من قرية سدوم التي دمرناها آية بينة وهي خرابها ودمارها وتحولها إلى بحر ميت لا حياة فيه.

{ لقوم يعقلون } : أي يعلمون الأسباب والنتائج إذا تدبروا.

معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص لوط عليه السلام، إنه بعد أن ذكرهم وخوفهم عذاب الله قالوا كعادة المكذبين الهالكين فائتنا بعذاب الله ‘ن كنت من الصادقين وأنه عليه السلام استنصر ربه تعالى عليهم، واستجاب الله تعالى له وفي هذه الآية بيان ذلك بكيفيته، قال تعالى: { ولما جاءت رسلنا إبراهيم } الخليل عم لوط { بالبشرى } التي هي ولادة ولدٍ له هو إسحق ومن بعده يعقوب ولد إسحق عليه السلام كما قال تعالى: { وبشرناه باسحق ومن وراء اسحق يعقوب }.

{ قالوا } اي قالت الملائكة لإِبراهيم { إنا مهلكوا أهل هذه القرية } يريدون قرية قوم لوط وهي سدوم وعللوا لذلك بقولهم { إن أهلها كانوا ظالمين } أي لأنفسهم بغشيان الذنوب وإتيان الفواحش، ولغيرهم إذ كانوا يقطعون السبيل وهنا قال لهم إبراهيم: { إن فيها لوطاً } ليس من الظالمين بل هو من عباد الله الصالحين فأجابته الملائكة فقالوا: { نحن أعلم بمن فيها } منك يا إبراهيم.

{ لننجينه وأهله } من الهلاك { إلا امرأته كانت من الغابرين } وذلك لطول عمرها فسوف تهلك معهم لكفرها ومُمَالأَتها للظالمين.

وقوله تعالى: { ولما أن جاءت رسلنا لوطاً } اي ولما وصلت الملائكة لوطاً قادمين من عند إبراهيم من فلسطين { سيء بهم وضاق بهم ذرعاً } أي استاء بهم وأصابه غم وهم خوفاً من قومه أن يسيئوا إليهم، وهم ضيوفه نازلون عليه ولما رأت ذلك الملائكة من طمأنوه بما أخبر به تعالى في قوله: { وقالوا لا تخف } أي علينا { ولا تحزن } على من سيهلك من اهلك مع قومك الظالمين.

{ إنا منجوك } من العذاب أنت وأهلك أى زوجتك المؤمنة وبنتيك، { إلا امرأتكؤ أي العجوز الظالمة فإنها { من الغابرين } الذين طالت أعمارهم وستهلك مع الهالكين.

وقوله تعالى في الاية (34): { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } أي أخبرت الملائكة لوطاً بما هم فاعلون لقومه وهو قولهم { إنا منزلون على أهل هذه القرية } أي مدينة سدوم { رجزاً } أي عذاباً من السماء وهي الحجارة بسبب فسقهم بإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم غليها أحد من العالمين.

قال تعالى: { ولقد تركنا منها } اي من تلك القرية { آية بيّنة }، أي عظة وعبرة، وعلامة واضحة على قدرتنا على إهلاك الظالمين والفاسقين.

وقوله تعالى: { لقوم يعقلون } إذ هم الذين يتدبرون في الأُمور ويستخلصون أسبابها وعواملها ونتائجها وآثارها أما غير العقلاء فلا حظ لهم في ذلك ولا نصيب فهم كالبهائم التي تنساق إلى المجزرة وهي لا تدري وفي هذا تعريض بمشركي مكة وما هم عليه من الحماقة والغفلة.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- حلم إبراهيم ورحمته تجليا في دفاعه عن لوط وأهله.

2- تقرير مبدأ: من بطَّأَ به عمله لم يسرع به نسبه، حيث العلاقة الزوجية بين لوط وامرأته العجوز لم تنفعها وهلكت لأنها كانت مع الظالمين بقلبها وسلوكها.

3- مشروعية الضيافة وتأكيدها في الإِسلام لحديث الصحيح " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ".

4- التنديد بالفسق عن طاعة الله وهو سبب هلاك الأمم والشعوب.

5- فضيلة العقل إذا استعمله صاحبه في التعرف إلى الحق والباطل والخير والشر.

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ {36} فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {37}}

شرح الكلمات:
{ وإلى مدين } : أي وأرسلنا إلى قبيلة مَدْين، ومدين أبو القبيلة فسميت باسمه.

{ أخاهم شعيباً } : أي أخاهم في النسب.

{ اعبدوا الله } : أي اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً.

{ وارجوا اليوم الآخر } : أي آمنوا به وتوقعوا مجيئه وما يحدث فيه.

{ ولا تعثوا في الأرض مفسدين } : أي ولا تعيثوا في الأرض فساداً بأن تنشروا فيها الفساد وهو العمل بالمعاصي فيها.

{ فأخذتهم الرجفة } : الهزة العنيفة والزلزلة الشديدة.

{ في دارهم جاثمين } : لاصقين بالأرض أمواتاً لا يتحركون.

معنى الآيتين:
هذا موجز لقصة شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين، والعبرة منه إهلاك تلك الأمة لما كذبت رسولها واستمرت على الشرك والمعاصي لعل قريشاً تعتبر بما أصاب هذه الأمة من هلاك ودمار من أجل تكذيبها لرسولها وعصيانها لربها قال تعالى { وإلى مدين } أي وأرسلنا إلى مدين { أخاهم شعيباً } وهو نبيّ عربي فلما انتهى إليهم برسالته قال { يا قوم اعبدوا الله } اي وحدوه في عبادته وأطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه من التطفيف في الكيل والوزن، { وارجوا اليوم الآخر }، أي آمنوا بيوم القيامة وتوقعوا دائماً مجيئه وخافوا ما فيه من أهوال وأحوال فإن ذلك يساعدكم على التقوى وقوله: { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } وذلك أنهم ينقصون الكيل والوزن ويبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الأرض بالمعاصي.

وقوله تعالى: رفكذبوه } أي كذب اصحاب مدين نبيهم شعيباً فيما أخبرهم به ودعاهم إليه { فأخذتهم الرجفة } أي رجفة الهلاك من تحتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين على الركب هلكى وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين.

هداية الآيتين:

من هداية الآيتين:

1- تقرير التوحيد والنبوة والبعث الاخر.

2- حرمة الفساد في الأرض وذلك بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.

3- بيان نقمة الله تعالى على المكذبين والظالمين والفاسقين.

{وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ {38} وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ {39} فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {40}}

شرح الكلمات:
{ وعاداً وثمودا } : أي وأهلكنا عاداً القبيلة وثمود القبيلة كذلك.

{ وقد تبين لكم من مساكنهم } : أي تبين لكم إهلاكهم من مساكنهم الخالية منهم بالحجر شمال الحجاز واشحر جنوب اليمن.

{ عن السبيل } : أي سبيل الهدى والحق التي بينتها لهم رسلهم.

{ كانوا مستبصرين } : أي ذوي بصائر لما علمتهم رسلهم.

{ وقارون وفرعون وهامان } : أي وأهلكنا قارون بالخسف وفرعون وهامان بالغرق.

{ فاستكبروا } : أي عن عبادة الله تعالى وطاعته وطاعة رسله.

{ وما كانوا سابقين } : أي فائتين عذاب الله اي فارين منه، بل أدركهم.

{ فكلاً أخذنا بذنبه } : أي فكل واحد من المذكورين أخذناه بذنبه ولم يفلت منا.

{ ومنهم من ارسلنا عليه حاصباً } : أي ريحاً شديدة، كعاد.

{ ومنهم من خسفنا به الأرض } : أي كقارون.

{ ومنهم من أغرقنا } : كقوم نوح وفرعون.

معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات قبل ذي إهلاكه لقوم لوط وقوم شعيب وقوم نوح من قبل لما ردوا دعوته وكذبوا رسله ذكر بقية الأقوام الذين كذبوا بآيات الله ورسله فأهلكهم، فقال عز وجل: { وعاداً وثموداً } اي وأهلكنا كذلك عاداً قوم هود، وثمود قوم صالح وقوله تعالى: { وقد تبين لكم من مساكنهم } اي وقد تبين لكم يا معشر كفار مكة ومشركي قريش من مساكنهم بالحجر والشجر من حضرموت ما يؤكد لكم إهلاكنا لهم، إذ مساكنهم الخاوية دالة على ذلك دلالة عين.

وقوله تعالى: { وزين لهم الشيطان أعمالهم } أي وقد زين لهم الشيطان أعمالهم من الشرك والشر والظلم والفساد وصدهم بذلك التنزيين عن السبيل، سبيل الإِيمان والتقوى الموروثة للسعادة في الدنيا والآخرة.

وقوله: { وكانوا مستبصرين } اي ذوي بصائر اي معرفة بالحق والباطل والخير والشر ما علمتهم الرسل ولكن آثروا أهواءهم على عقولهم فهلكوا.

وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين.

وقوله تعالى: { وقارون وفرعون وهامان } أي أهلكنا قارون الإِسرائيلي ابن عم موسى عليه السلام، أهلكناه ببغيه وكفره، فخسفنا به الأرض وبداره أيضاً، وفرعون وهامان أغرقناهما في اليم بكفرهما وطغيانهما وظلمهما واستعلائهما وذلك بعدما جاءهم موسى بالبينات من الآيات والحجج الواضحات التي لم تُبق لهم عذراً في التخلف عن الإِيمان والتقوى ولكن { فاستكبروا في الأرض }، أرض مصر وديارها فرفضوا الإِيمان والتقوى { وما كانوا سابقين } ولا فائتين فأحلَّ الله تعالى بهم.

نقمته وأنزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين.

ثم في الآية الأربعين من هذا السياق بين تعالى أنواع العذاب الذي أهلك به هؤلاء الأقوام، فقال: { فكلاً } أي فكل واحد من هؤلاء المكذبين { أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } أي ريحاً شديدة كعاد.

{ ومنهم من أخذته الصيحة } كثمود { ومنهم من خسفنا به الأرض } كقارون { ومنهم من أغرقنا } كفرعون.

وقوله تعالى: { وما كان الله ليظلمهم } أي لم يكن من شأن الله تعالى الظلم فيظلمهم، { ولكن كانوا } أي أولئك الأقوام { أنفسهم يظلمون } بالشرك والكفر والتكذيب والمعاصي فأهلكوها بذلك، فكانوا هم الظالمين.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- بيان أن الشيطان هو سبب هلاك الأقوام وذلك بتزيينه لهم الشر والقبيح كالشرك والباطل والشر والفساد.

2- بيان أن الاستكبار كالظلم عاقبتهما الهلاك والخسران.

3- بيان أن الله تعالى ما أهلك أمة حتى يبين لها ما يجب أن تتقيه من أسباب الهلاك والدمار فإذا أبت إلا ذاك أوردها الله موارده.
يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة العنكبوت (29) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 7:51 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

تفسير سورة العنكبوت (29) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة العنكبوت (29)   تفسير سورة العنكبوت (29) Emptyالجمعة 03 مايو 2013, 12:00 am

بسم الله الرحمن الرحيم
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {41} إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {42} وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ {43} خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ {44} اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {45}}

شرح الكلمات:
{ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } : اي صفة وحال الذين اتخذوا أصناماً يرجون نفعها.

{ كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } : اي لنفسها تأوي عليه.

{ أوهن البيوت } : أضعف البيوت وأقلها جدوى.

{ يعلم ما يدعون من دونه من شيء } : اي من الأوثان والأصنام وغيرها.

{ وهو العزيز الحكيم } : أي الغالب على أمره الحكيم في تدبير أمور خلقه.

{ وما يعقلها إلا العالمون } : أي العالمون بالله وآياته وأحكام شرعه وأسراره.

{ خلق الله السموات والأرض بالحق } : اي من أجل أن يعبد لا للهو ولا لباطل.

{ أتل ما أوحي إليك من الكتاب } : اقرأ يا رسولنا ما أنزل إليك من القرآن.

{ وأقم الصلاة } : بأدائها مقامة مراعى فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها.

{ تنهى عن الفحشاء والمنكر } : أي الصلاة بما توجده من نور في قلب العبد يصبح به لا يقدر على فعل فاحشة ولا إتيان منكر.

{ ولذكر الله أكبر } : اي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه كما ان ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة وغيرهما.

معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى نقمته على أعدائه الذين كفروا به واشركوا غيره في عبادته وكذبوا رسله وكان ذلك تنبيهاً وتعليماً للمشركين والكافرين المعاصرين لنزول القرآن لعلهم يستجيبون للدعوة المحمدية فيؤمنوا ويوحدوا ويسلموا من العذاب والخسران.

ذكر هنا في هذه الآيات مثلاً لعبادة الأوثان في عدم نفعها لعابديها والقصد هو تقرير التوحيد، وإبطال الشرك العائق عن كمال الإِنسان وسعادته وقال تعالى: { مثل الذين اتخذوا من دون الله } اي شركاء وهي الأصنام والأوثان يعبدونها راجين نفعها وشفاعتها لهم عند الله تعالى { كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } لتأوي إليه قصد وقايتها مما تخاف من جراء برد أو اعتداء حشرة عليها، { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } والحال أن أوهن البيوت أي أضعفها وأحقرها شأناً واقلها مناعة هو بيت العنكبوت فهذه حال المشركين الذين اتخذوا من دون الله { أولياء } أي أصناماً يرجون النفع، ودفع الضر بها فهم واهمون في ذلك غالطون، مخطئون، إنه لا ينفع ولا يضر غلا الله فليعبدوه وحده وليتركوا ما سواه.

وقوله: { لو كانوا يعلمون } اي لو كان المشركون يعلمون أن حالهم في عبادتهم غير الله في عدم الانتفاع بها كحال العنكبوت في عدم الانتفاع ببيتها الواهي لما رضوا بعبادة غير الله وتركوا عبادة الله الذي بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء.

وقوله تعالى: { إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء } فيه تهديد للمشركين المصرين على الشرك بأنه لا يخفى عليه ما هم عليه من دعاء غيره، ولو شاء لأهلكهم كما أهلك من قبلهم { وهو العزيز } أي الغالب على أمره { الحكيم } في تدبير خلقه ولذا يعجل العقوبة لمن يعجل لحكمة ويؤخرها لمن يؤخرها عنه لحكمة فلا يغتر المشركون بتأخير العذاب، ولا يستدلون به على رضا الله تعالى بعبادتهم، وكيف يرضاها وقد اهلك أمماً بها وأنزل كتابه وبعث رسوله لإِبطالها والقضاء عليها.

وقوله تعالى: { وتلك الأمثال نضربها للناس } أي وهذه الأمثال نضربها للناس لأجل إيقاظهم وتبصيرهم وهدايتهم، وما { يعقلها إلا العالمون } أي وما يدرك مغزاها وما تهدف غليه من التنفير من الشرك العائق عن كل كمال وإسعاد في الدارين { إلا العالمون } أي بالله وشرائعه وأسرار كلامه وما تهدي غليه آياته.

وقوله تعالى: { خلق الله السموات والأرض بالحق } إخبار بأنه تعالى هو الذي خلق السموات والأرض وهي مظاهر قدرته وعلمه وحكمته موجبة لعبادته بتعظيمه وطاعته ومحبته والإِنابة إليه والخوف منه.

وخلقهما بالحق لا بالباطل وذلك من أجل أن يذكر فيهما ويشكر فمن كفر به فترك ذكره وشكره كان كمن عبث بالسموات والأرض وأفسدها، لذا يعذب نظراً إلى عظم جرمه عذاباً دائماً أبداً.

وقوله: { إن في ذلك لآية للمؤمنين } أي إن في خلق السموات والأرض بالحق { لآية } أي علامة بارزة على وجود الله وقدرته ولعمه وحكمته، وهذه موجبات ألوهيته على سائر عباده فهو الإِله الحق الذي لا رب غيره.

ولا إله سواه وبعد هذا البيان والبرهان لم يبق عذر لمعتذر، وعليه فـ { اتل } أيها الرسول { ما أوحي إليك من الكتاب } تعليماً وتذكيراً وتعبداً وتقرباً { وأقم الصلاة } طرفى النهار وزلفاً من الليل فإن في ذلك عوناً كبيراً لك على الصبر والثبات وزاداً عظيماً لرحلتك إلى الملكوت الأعلى.

وقوله تعالى: { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } تعليل للأمر بإقام الصلاة فإن الصلاة بما توجده من إشراقات النفس والقلب والعقل حال تحول بين العبد وبين التلوث بقاذورات الفواحش ومفاسد المنكر وذلك يفيد إقامتها لا مجرد أدائها والإِتيان بها.

وإقامة الصلاة تتمثل في الإِخلاص فيها لله تعالى أولاً ثم بطهارة القلب من الالتفات إلى غير الرب تعالى اثناء أدائها ثانياً، ثم بأدائها في أوقاتها المحددة لها وفي المساجد بيت الله، ومع جماعة المسلمين عباد الله وأوليائه، ثم مراعاة أركانها من قراءة الفاتحة والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه، ثم بمراعاة أركانها من قراءة الفاتحة والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه، والسجود على الجبهة والأنف والطمأنينة فيه، وآخر أركانها الخشوع وهو السكون ولين القلب وذرف الدمع.

هذه هي الصلاة التى توجد طاقة النور التي تحول دون الانغماس في الشهوات والذنوب وإتيان الفاحشة وارتكاب المنكر.

وقوله تعالى: { ولذكر الله أكبر } اي أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من إقامة الصلاة لأن الصلاة أثناء ادائها مانعة عاصمة لكن إذا خرج منها، قد يضعف تأثيرها، أما ذكر الله بالقلب واللسان في كل الأحيان فهو عاصم مانع من الوقوع في الفحشاء والمنكر وفي اللفظ معنى آخر وهو أن ذكر الله للعبد في الملكوت الأعلى أكبر من ذكر العبد للرب في ملكوت الأرض ويدل عليه قوله: " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإٍ، ذكرته في ملإِ خير منه " كما في الحديث الصحيح.

وقطعاً والله لذكر الرب العبد الضعيف أكبر من ذكر العبد الضعيف الرب العظيم.

اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين لآلائك.

وقوله: { والله يعلم ما تصنعون } فيه وعد وعيد، فإن علمه يترتب عليه الجزاء فمن كان يصنع المعروف جزاه به، ومن كان يصنع السوء جزاه به. اللهم ارزقنا صنائع المعروف وابعد عنا صنائع السوء آمين.


هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام.

2- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.

3- فصل العلماء على غيرهم، العلماء بالله، بصفاته وأسمائه وآياته، وشرائعه، وأسرارها.

4- وجوب تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة، وذكر الله، إذ هى غذاء الروح وزاد العروج إلى الملكوت الأعلى.

5- بيان فائدة إقام الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى بالقلب واللسان.

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {46} وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ {47} وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {48} بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ {49}}

شرح الكلمات:
{ ولا تجادلوا أهل الكتاب } : أي لا تحاجوا ولا تناظروا اليهود ولا النصارى.

{ إلا بالتي هي أحسن } : أي إلا بالمجادلة التي هي أحسن وهي الدعوة إلى الله بآياته والتنبيه على حججه.

{ إلا الذين ظلموا منهم } : أي الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين بدفع الجزية وبقوا حربا على المسلمين.

{ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب } : أي وكإِنزالنا الكتاب على من قبلك من الرسل أنزلنا إليك الكتاب.

{ فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون } : أي كعبد الله بن سلام وإخوانه الذين آمنوا بالرسول وكتابه.

{ ومن هؤلاء من يؤمن به } : أي ومن هؤلاء المشركين من يؤمن به وفعلا آمن به كثيرون.

{ ولا تخطه بيمينك } : أي تكتب بيدك لأنك أميّ لا تقرأ ولا تكتب.

{ لارتاب المبطلون } : أي لشك اليهود في نبوتك ونزول القرآن إليك.

{ بل هو آيات بينات } : أي محمد صلى الله عليه وسلم نعوته وصفاته آيات بينات في التوراة والإنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.

{ وما يجحد بآياتنا إلا } : أي وما يجحد بآيات الله الحاملة لنعوت الرسول الأمي وصفاته إلا الذين ظلموا أنفسهم بكتمان الحق والاستمرار على الباطل.

معنى الآيات:
قوله تعالى: { ولا تجادلوا أهل الكتاب } هذا تعليم للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يأخذون به مستقبلا عندما يتصلون بأهل الكتاب ويحتكون بهم فقال عز وجل مخاطباً الرسول صلى الله عليه سولم والمؤمنين من أمته { ولا تجادلوا أهل الكتاب } الذين هم اليهود والنصارى فنهاهم عن مجادلتهم وهي خصامهم ومحاجتهم ومناظرتهم { إلا بالتي هي أحسن } اي إلا بالمجادلة التي هي أحسن وذلك بدعوتهم إلى الله تعالى ليؤمنوا برسوله ويدخلوا في دنيه الإِسلام والتنبيه على حجج الله وأدلة وحيه وكتابه.

وقوله { إلا الذين ظلموا منهم } وهم الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين ولم يؤدوا الجزية وناصبوا المسلمين الحرب والعداء فهؤلاء لا يجاتدلون ولكن يُحَكَّم فيهم السيف فيقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

وقوله تعالى: { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وغلهكم واحد ونحن له مسلمون }.

هذا تعليم آخر للمؤمنين وهو: إن أخبرهم أهل الكتاب بشيء لا يوجد في الإسلام ما يثنيه ولا ما ينفيه وادّعوا هم أنه في كتابهم في هذه الحال فقولوا ما أرشدنا الله تعالى إلى قوله وهو: { آمنا بالذي أُنزل إلينا } إلى آخر الآية حتى لا نكون قد كذَّبنا بحق ولا آمنَّا بباطل، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا { آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون }.

وقوله تعالى: { وكذلك أنزلنا إليك الكتاب } أي وكإِنزال الكتب السابقة على رسل سبقوا كموسى وداود وعيسى عليهم السلام أنزلنا إليك أنت يا محمد الكتاب أي القرآن وقوله تعالى: { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون }.

فهذا إخبار بغيب فكما علّم الله تعالى المؤمنين كيف يكونون مع أهل الكتاب عندما يتصلون بهم ويعيشون معهم في المدينة وغيرها أخبر أن الذين آتاهم الكتاب أي التوراة والإنجيل وهم الراسخون في العلم يؤمنون أي بالقرآن وقد آمن عبد الله بن سلام وكثير من أحبار أهل الكتاب، وآمن من المشركين كثيرون فكان الأمر كما أخبر.

وقوله تعالى: { وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } فهو كما أخبر لا يجحد بالآيات القرآنية ويكذّب بها إلا كافر مظلم النفس خبيثها وقوله تعالى: { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } هو كما قال عز وجل لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قبل القرآن أيّ كتاب، ولا كان يخط بيمينه ايّ كتاب لأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب أيْ فلو كان قبل نزول القرآن عليه يقرأ ويكتب لكان للمبطلين مجال للشك في صحة دعوى النبوة المحمدية ونزول القرآن عليه، ولكن لم يكن قبل القرآن يقرأ أيّ كتاب، ولم يكن يخط بيمينه أيّ خط ولا كتاب فلم يبق إذاً للمشركين ما يحتجون به أبداً.

وقوله تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أُوتوا العلم } أي بل الرسول ونعوته وصفاته ومنها وصف الأمية آيات في التوراة والإنجيل محفوظة في صدور الذين أُوتوا العلم من أهل الكتاب..

وقوله تعالى: { وما يجحد بآياتنا } في التوراة والإنجيل والقرآن { إلا الظالمون } أنفسهم من الماديين اليهود والنصارى الذين يأكلون ويَتَرأسُونَ على حساب الحق والعياذ بالله تعالى.

هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1) مشروعية مجادلة أهل الكتاب من أهل الذِّمَّة بالتي هي أحسن.

2) حرمة سؤال أهل الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم: " ا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ".

3) منع تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم إذا أخبروا بشيء ووجوب قول: { آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون }.

4) إخبار القرآن بالغيب قبل وقوعه فيقع كما أخبر فيكون ذلك ىية على أنّه وحي الله تعالى.

5) تقرير صفة الأمية في النبي صلى الله عليه وسلم كما هي في الكتب السابقة.

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ {50} أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {51} قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {52}}

شرح الكلمات:
{ لولا أُنزل عليه آيات } : أي قال كفار قريش هلاّ أُنزل على محمد آيات من ربِّه كناقة صالح، وعصا موسى.

{ قل إنما الآيات عند الله } : أي قل يا رسولنا الآيات عند الله ينزلها متى شاء.

{ أو لم يكفهم أنا أنزلنا : أي أو لم يكفهم فيما طلبوا من الآيات إنزالنا الكتاب عليك الكتاب } عليك.

{ إن في ذلك لرحمة وذكرى } : أي في القرآن رحمة وموعظة للمؤمنين فهو خير من ناقة صالح.

{ والذين آمنوا بالباطل } : وهو ما يعبد مت دون الله.

{ وكفروا بالله } : وهو الإِله الحق.

{ أولئك هم الخاسرون } : أي حيث استبدلوا الكفر بالإِيمان.

معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى: { وقالوا } أي أهل مكة { لولا أنزل عليه آيات من ربه } أي هلاّ أُنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى إذ هذا الذي يعنون بالآيات أي معجزات خارقة للعادة.

قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل يا رسولنا لقومك المطالبين بالآيات دليلا على صدق نُبُوَّتك قل لهم:

أولا: الآيات التي تطالبون بها هي عند الله وليست عندى فهو تعالى ينزِّلها متى شاء وعلى من شاء.

وثانيا: { إنما أنا نذير مبين } أي وظيفتي التي أقوم بها هي إنذار أهل الظلم من عاقبة ظلمهم وهي عذاب النار فلذا لا معنى بمطالبتي بالآيات.

وثالثا: أو لم يكفهم آية أن الله تعالى أنزل عليّ كتابه فأنا أتلوه عليكم صباح مساء فأي آية أعظم من كتاب من أميّ لا يقرأ ولا يكتب تُتلى ىياته تحمل الهدى والنور وهو في الوقت نفسه رحمة وذكرى أي موعظة لقوم يؤمنون فهي معجزة ثابتة قائمة باقية يجد فيها المؤمنون الرحمة فيتراحمون بها ويجدون فيها الموعظة فهم يتعظون بها، فأين هذا من معجزة تبقى ساعة ثم تذهب وتروح كمائدة عيسى أو عصا موسى.

ورابعا: شهادة الله برسالتي كافية لا يُطلب معها دليل آخر على نبوتي ورسالتي، فقد قال لي ربي: { قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً }.

ربي الذي يعلم ما في السموات والأرض من كل غيب ومن ذلك علمه بأني رسوله فشهد لي بذلك بإِنزاله عليَّ هذا الكتاب وأخيراً وبعد هذا البيان يقول تعالى { والذين آمنوا بالباطل } وهو تأليه المخلوقات من دون الله { وكفروا } بأولوهية الله الحق { أولئك } البعداء في الفساد العقلي وسوء الفهم { وهم الخاسرون } في صفتهم حين اشتروا الكفر بالإِيمان واستبدلوا الضلالة بالهدى.

هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث فلتعد تلاوتها بالتأنِّي والتدبر.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1) تقرير النبوة المحمدية بالأدلة القاطعة التي لا تُرد، وهي أربعٌ كما ذُكر آنفاً.

2) بيان أكبر معجزة لإِثبات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي نزول القرآن.

الكريم عليه وفي ذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: " وما من نبي إلا أُوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أُوتيته حيا أوحاه الله إليّ فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".

3) القرآن الكريم رحمة وذكرى أى عبرة وعظة للمؤمنين به وبمن نزل عليه.

4) تقرير خسران المشركين في الدارين لاستبدالهم الباطل بالحق والعياذ بالله تعالى.
يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة العنكبوت (29) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 7:52 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

تفسير سورة العنكبوت (29) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة العنكبوت (29)   تفسير سورة العنكبوت (29) Emptyالجمعة 03 مايو 2013, 12:08 am

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {53} يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ {54} يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {55}}

شرح الكلمات:
{ ويستعجلونك بالعذاب } : أي يطلبون منك تعجيل العذاب لهم.

{ ولولا أجل مسمّى } : أي وقت محدد للعذاب لا يتقدمه ولا يتأخر عنه لجاءهم.

{ وليأتينّهم بغتة } : فجأة من حيث لا يخطر لهم على بال.

{ وان جهنم لمحيطة بالكافرين } : أي من كل جانب وهم فيها وذلك يوم يغشاهم.

{ يوم يغشاهم العذاب } : أي من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

{ ذوقوا ما كنتم تعملون } : أي ويقول لهم الجبار ذوقوا ما كنتم تعملون أي من الشرك والمعاصي.

معنى الآيات:
لقد تقدم في الآيات القريبة أن المكذّبين بالرسالة المحمدية طالبوا بالعذاب تحدياً منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: إئتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين في أنك نبي ورسول إلينا وفي هذه الآية يعجِّب تعالى رسوله أي يحملُه على أن يتعجب من حمق المشركين وطيشهم وضلالهم إذ يطالبون بالعذاب فيقول له { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى } للعذاب اي وقت محدد له لا يتقدمه ولا يتأخره { لجاءهم العذاب }.

ثم أخبر تعالى رسوله مؤكداً خبره فقال { وليأتينّهم } أي العذاب { بغتة } لا محالة { وهم لا يشعرون } بوقت مجيئه، ثم كرر تعالى حمل رسوله على التعجب من سخف المسركين الذين لا يطيقون لسعة عقرب ولا نهشة أفعى يطالبون بالعذاب فقال { يستعجلونك بالعذاب.

وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } لا محالة كقوله:
{ أتى أمر الله } { يوم يغاشهم العذاب } أي يغطيهم
ويعمرهم فيكون { من فوقهم ومن تحت أرجلهم } وجهنم محيطة بهم ويقول الجبار
تبارك وتعالى موبخاً لهم { ذوقوا ما كنتم تعملون } من الشرك والمعاصي.


هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1) مشروعية التعجب إذا وجدت أسبابه الحاملة عليه.

2) بيان مدى حُمق وجهل وسفه الكافرين والمشركين بخاصة.

3) بيان أن تأخير العذاب لم يكن عن عجز وإنما هو لنظام دقيق إذ كل شيء له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر.

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {57} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {58} الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {59} وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {60}}

شرح الكلمات:
{ إن أرضي واسعة } : أي هاجروا من بلاد لم تتمكنوا من العبادة فيها فإن أرض الله واسعة.
{ فإِياي فاعبدون } : فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا معي غيري كما يريد منكم المشركون.
{ كل نفس ذائقة الموت } : أي لا يمنعنكم الخوف من الموت أن لا تهاجروا في سبيل الله فإِن الموت لا بد منه للمهاجرين ولمن ترك الهجرة.
{ ثم إلينا ترجعون } : أي بعد موتكم ترجعون إلى الله فمن مات في سبيل مرضاته أكرمه وأسعده، ومن مات في معصيته أذاقه عذابه.
{ لنبوِّئنهم } : أي لنُنزلنَّهم من الجنة غرفاً تجرى من تحتها الأنهار.
{ الذين صبروا } : أي صبروا على الإِيمان والهجرة متوكلين على الله تعالى.
{ وكأيّن من دابة لا تحمل : أي لا تطيق جمعه ولا حمله لضعفها، والله يرزقها فلا رزقها } عذر لمن ترك الهجرة خوفاً من الجوع والخصاصة.
{ وهو السميع العليم } : أي السميع لأقوال عباده العليم بنياتهم وأحوالهم وأعمالهم.

تفسير سورة العنكبوت (29) 332
معنى الآيات:
لا شك أنه بعد ذلك التأنيب الإِلهي للمشركين وتهديدهم بالعذاب وتوعدهم بعذاب جهنم وتوبيخهم فيها على شركهم وباطلهم لا شك أن رد الفعل من المشركين هو الضغط على المؤمنين المستضعفين في مكة فأرشدهم الله تعالى إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ليتمكنوا من عبادة الله تعالى، فناداهم بقوله عز وجل: { يا عبادي الذين آمنوا } أي بي وبرسولي ولقائي { إن أرضي واسعة } فهاجروا فيها، ولا ترضوا بالبقاء مع الكفر تهانون وتُلزمون بعبادة غيري من آلهة المشركين، { فإِياي فاعبدون } لا تبعدوا معي غيري.
وعليه فهاجروا في سبيل مرضاتي ولا تخشوا موتاً ولا فقراً فإِن كل نفس ذائقة الموت هاجر صاحبها أو لم يهاجر { كل نفس ذائقة الموت } وقوله: { ثم إلينا ترجعون }، لا محالة فمن رجع إلينا وهو مؤمن مطيع منفذ لأوامرنا مجتنب نواهينا أسعدناه، ومن رجع غلينا وهو كافر بنا عاصٍ لنا مهمل أوامرنا مرتكب نواهينا أشقيناه.
وقوله تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوِّئنهم من الجنة غُرفاً } أي لنُنزلنِّهم من الجنة دار الإِسعاد { غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } أي لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
هذا بيان لمن مات وهو مؤمن عامل بالصالحات ومنها الهجرة في سبيل الله.
وقوله { نعم أجر } العاملين } أي ذلك الإِنزال في الغرف في الجنان هو الإِسعاد المترتب على الإِيمان والهجرة والعمل الصالح فالإِيمان والهجرة والعمل الصالح عملٌ والجنة وما فيها من النعيم أجرة ذلك العمل.
وأثنى الله تعالى على الجنة فقال: { نعم أجر العاملين } ووصفهم بقوله { الذين صبروا } اي على الإِيمان والهجرة والطاعة { وعلى ربهم يتوكلون } فخرجوا من ديارهم تاركين أموالهم لا يحملون معهم زاداً كل ذلك توكُلا على ربهم وقوله تعالى: { وكأين من دابّة لا تحمل رزقها } لضعفها وعجزها أي وكثير من الجواب من الإِنسان والحيوان من يعجز حتى عن حمل طعامه أو شرابه لضعفه والله عز وجل يرزقه بما يسخر له من اسباب وما يهيئ له من فرض فيطعم ويشرب كالأقوياء والقادرين، وعليه فلا يمتعنكم عن الهجرة مخافة الفاقة والفقر فالله تعالى تكفل برزقكم ورزق سائر مخلوقاته.
(وهو السميع) لأقوالكم (العليم) ببواطنكم وظواهركم وأعمالكم وأحوالكم فارهبوه ولا ترهبوا سواه فإِن في طاعته السعادة والكمال وفي معصيته الشقاء والخسران.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1) لا عذر لأحد في ترك عبادة الله وتوحيده فيها لأنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر.

2) لا معنى للخوف من الموت إذا وجب العمل كالهجرة والجهاد لأن الموت حق ولا بد منه.

3) بيان جزاء أهل الصبر والتوكل من أهل الإِيمان والهجرة والتقوى.

4) لا يمنعن المؤمن من الهجرة خوفه من الجوع في دار هجرته إذ تكفل الله برزقه.

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {61} اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {62} وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {63} وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {64}}

شرح الكلمات:
{ ولئن سألتهم } : أي المشركين.

{ وسخر الشمس والقمر } : أي ذللهما يسيران الدهر كله لا يملان ولا يفتران.

{ فأنى يؤفكون } : أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته لهم. وهو أن الخالق المدبر هو الإِله الحق الذي يجب توحيده في عبادته.

{ الله يبسط الرزق لمن يشاء } : أي يوسِّع الرزق على من يشاء من عباده امتحانا للعبد هل يشكر الله أو يكفر نعمه.

{ ويقدر له } : أي ويضيق عليه ابتلاء ليرى هل يصبر أو يسخط.

{ ولئن سألتهم من نَّزل من السماء ماءاً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله } : إذاً يشركون به أصناماً لا تنفع ولا تضر؟.

{ قل الحمد لله } : أي قل لهم الحمد لله على ثبوت الحجة عليكم.

{ بل أكثرهم لا يعقلون } : أي أنهم متناقضون في فهمهم وجوابهم.

{ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو : أي يالنظر غلى العمل لها والعيش فيها فهي لهو يتلهى بها ولعب } الإِنسان ولعب يخرج منه بلا طائل ولا فائدة.

{ وإن الدار الآخرة لهي : أي الحياة الكاملة الخالدة، ولذا العمل لها أفضل من الحيوان } العمل للدينا.

{ لو كانوا يعلمون } : أي لو علم المشركون هذا لما آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.


معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك وتذكير المشركين لعلَّهم يوحدون.

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { ولئن سألتهم } اي ولئن سألت هؤلاء المشركين الذين يؤذون المؤمنين ويضطهدونهم من أجل توحيدهم لله تعالى لو سألتهم { من خلق السموات والأرض } أي من أوجدهما من العدم، ومن سخر الشمس والقمر في فلكيهما يسيران الحياة كلها ليجيبنَّك قائلين الله.

{ فأنّى يؤفكون } أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته إنّها حالٌ تستدعي التعجب وقوله تعالى: { الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } هذا مظهر من مظاهر الحكمة الإِلهية والتدبير الحكيم وهو موجبٌ له الألوهية نافٍ لها عما سواه.

فهذا يبسط الرزق له فيوسع عليه في طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه، وهذا يضيق عليه في ذلك لماذا؟‍ والجواب إنه يوسع امتحاناً للعبد هل يشكر أو يكفر، ويضيق ابتلاءا للعبد هل يصبر أو يسخط. ولذا فلا حجة للمشركين في غناهم وفقر المؤمنين فالغنى لا يدل على رضا الله على العبد ولا على سخطه.

والفقر كذلك لا يدل على سخط ولا على رضا.

وقوله تعالى { إن الله بكل شيء عليم } تقرير لحكمته ورحمته وعدله وتدبيره فهو يوسع لحكمة ويضيق لحكمة لعلمه بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم إذ من الناس من يصلحه الغنى، ومنهم من يصلحه الفقر، والإِفساد كذلك وقوله تعالى: { ولئن سألتهم من نزّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها } أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين فقلت من نزل من السماء ماء المطر فأحيا به الأرض بعد موتها بالقحط والجدب لأجابوك قائلين: الله إذاً قل لهم: الحمد لله على اعترافكم بالحق لو أنكم تعملون بمقتضاه فما دام الله هو الذي ينزل الماء ويحيى الأرض بعد موتها فالعبادة إذاً لا تنبغي إلاّ له فلِم إذاً تعبدون معه آلهةً أخرى لا تنزل ماء ولا تُحيي أرضاً ولا غيرها، { بل أكثرهم لا يعقلون } إذ لو عقلوا ما أشركوا بربهم أحجاراً وأصناماً ولا ما تناقضوا هذا التناقض في أقوالهم وأفعالهم يعترفون بالله ربا خالقاً رازقاً مدبراً ويعكفون على الأصنام يستغيثون بها ويدعونها ويعادون بل ويحاربون من ينهاهم عن ذلك.

وقوله تعالى: { وما هذه الحياة الدنيا } أي التي أعمت الناس عن الآخرة وصرفتهم عن التزوّد لها ما هي { إلا لهو ولعب } إذ يتشاغل بها الكافر ويعمل لها الليل والنهار ثم يموت ويخرج منها صفر اليدين كالأطفال يلعبون طوال النهار ثم يعودون بلا شيء سوى ما نالهم من التعب فالواجب أن تحول غلى عمل صالح مثمر يتزود به العبد إلى آخرته إذ الآخرة هي الحيوان اي الحياة الكاملة الخالدة فلها يعمل العاملون، وفي عملها يتنافس المتنافسون.

وهذا معنى قوله تعالى: { وإن الآخرة } أي الدار الآخرة { لهي الحيوان } أي الحياة التي يجب أن نعمل لها لبقائها وخيريّتها، وقوله: { لو كانوا يعلمون } اي نعم إذ لو علموا أن الآخرة خير لما اقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، ولكن جهلهم هو سبب إعراضهم، فدواؤهم العلم.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1) التعجب من تناقض المشركين الذين يؤمنون بربوبيَّة الله ويجحدون أُلوهيته.

2) بيان حقيقة وهي أن الغنى والفقر لا يدلان على رضا الرب ولا على سخطه، وإنما يدلان على علم الله وحكمته وحسن تدبيره.

3) بيان حقارة الدنيا وتفاهتها وعظمة الآخرة وعلو قيمتها.

فلذا أحمق الناس وأشدهم سفاهة من يعمى عن الآخرة ويكفر بها ويبصر الدنيا ويؤمن بها.

{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {65} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {66} أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ {67} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ {68} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {69}}

شرح الكلمات:
{ في الفلك } : أي في السفينة.

{ مخلصين له الدين } : أي دعوا الله وحده فلم يذكروا معه غيره من الآلهة.

{ إذا هم يشركون } : أي يفاجئونك بالشرك وهو دعاء غير الله تعالى.

{ ليكفروا بما آتيناهم } : أي بنعمة الإِنجاء من الغرق وغيرها من النعم.

{ فسوف يعلمون } : أي سوف يعلمون عاقبة كفرهم إذا أُلقوا في جهنم.

{ يتخطف الناس من حولهم } : اي يُسبون ويُقتلون في ديار جزيرتهم.

{ أفبالباطل يؤمنون } : أي يؤمنون بالأصنام وهي الباطل، ينكر تعالى عليهم ذلك.

{ والذين جاهدوا فينا } : أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ثم بقتال أعداء الله من أهل الكفر المحاربين للاسلام والمسلمين.

{ لنهدينهم سبلنا } : أي لنوفقنَّهم إلى معرفة ما يوصل إلى محبتنا ورضانا ونعينهم على تحصيله.

تفسير سورة العنكبوت (29) Images?q=tbn:ANd9GcSEXRi6uwrP-YvgxaFeK_Iak6CfTK1HMe_2JJE_zggkua4yppm2KQ
معنى السياق:
ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية الله تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السموات والأرض وسخّر الشمس والقمر لقالوا الله ول سُئلوا عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها لقالوا الله.

ومع هذا هم يشركون بالله آلهة وأوثاناً، وكما يعترفون بربوبيَّة الله ثم يشركون به الأصنام، فإِنهم إذا رَكِبوا في الفلك أي في سفينة من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا الله تعالى { مخلصين له الدين } أي الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق.

{ فلما نجاهم إلى البر } ونزلوا سالمين من الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبيَّة الله تعالى ثم بالإِشراك به.

ومردٌّ هذا غلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون }.

وقوله تعالى في الآية (66): { ليكفروا بما آتيناهم } أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من الغرق ونزولهم في البر كان كأ،ه من أجل أن يكفروا بنعمة الله تعالى بإِنجائهم من الغرق، إذ لو لم يكفروها لاستمروا على الاخلاص لله بدعائه وعبادته وحده دون الآلهة التي تركوها عند حلول الشدة ومعاينة البلاء.

وقوله تعالى: { وليتمتعوا } قرئ بسكون اللام ورجح ابن جرير هذه القراءة فيكون المعنى: وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا { فسوف يعلمون } عاقبة ذلك بعد موتهم وهي عذاب الآخرة، والأمر حينئذ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد.

أما على قراءة اللام ولِيتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا اي أخلصوا في الشدة واشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أُوتوا في الحياة، ولم يكن ذلك بنافعهم ولا بمغن عنهم من الله شيئاً فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلاء وشقاء.

وقوله تعالى في الآية الثالثة (67) { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف الناس من حولهم } أي ألم ير أُولئك المشركون الكافرون بنعمة الله في الإِنجاء من الغرق نعمة أخرى وهي أن جعل الله تعالى لهم حرما آمنا يسكنونه آمنين من غارات الأعداء وحروب الظالمين المعتدين، لا يعتدي عليهم في حرمهم ولا يظلمون في حين أنّ الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم وأوساطها يتخطفون فتُشنُّ عليهم الغارات ويقتَّلون ويؤسرون في كل وقت وحين، أليست هذه نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرهم لله تعالى بعبادته وترك عبادة ما سواه.

ولذا قال تعالى عاتباً عليهم مندداً بسلوكهم: { أفبالباطل يؤمنون } اي بالشرك وعبادة الأصنام يصدقون ويعترفون { وبنعمة الله يكفرون } أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فلا يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها. وقوله تعالى في الآية الرابعة (68) رومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه } وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الأولى في كذبهم على الله بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ شركاء الله زاعمين أنها تشفع لهم عند الله عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به رسول الله وهو الدين الإسلامي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. وبعد هذا التسجيل لأكبر ظلم عليهم قال تعالى: { أليس في جهنم مثوى للكافرين }؟

والاستفهام للتقرير اي إن في جهنم مثوى أي مسكناً للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم.

وقوله تعالى في الآية الخامسة (69) { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } في هذه الاية بشرى سارة ووعد صدق كريم، وذلك أن من جاهد في سبيل الله اي طلبا لمرضاة الله بالعمل على إعلاء كلمته بأن يعبد معه سواه فقاتل المشركين يوم يؤذن له في قتالهم يهديه الله تعالى أي يوفقه إلى سبيل النجاة من المرهوب والفوز بالمحبوب، وكل من جاهد في ذات الله نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإِن هذه البشرى تنله وهذا الوعد ينجز له وذلك أن الله مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده على من جاهدوهم في سبيل الله، والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم وطارة أرواحهم. اللهم اجعلنا منهم وآتنا ما وعدتهم إنك جواد كريم.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1) بيان أن مشركي العرب لم يكونوا ملاحدة لا يؤمنون بالله تعالى وتقرير أنهم كانوا موحدين توحيد الربوبية مشركين في توحيد الألوهية اي العبادة.

2) إيقاظ ضمائر المشركين بتنبيههم بنعم الله تعالى عليهم لعلهم يشكرون.

3) لا ظلم أعظم من ظلم من افترى على الله الكذب، وكذَّب بالحق لما جاءه وانتهى غليه وعرفه فانصرف عنه مؤثراً دنياه متبعا لهواه.

4) بشرى الله لمن جاهد المشركين وجاهد نفسه والهوى والشياطين بالهداية إلى سبيل الفوز والنجاة في الحياة الدنيا والآخرة.

5) فضل الإِحسان وهو إخلاص العبادة لله تعالى وأداؤها متقنة مُجوَّدة كما شرعها الله تعالى، وبيان هذا الفضل للإِحسان بكون الله تعالى مع المحسنين بنصرهم وتأييدهم والإِنعام عليهم وإكرامهم في جواره الكريم.



تفسير سورة العنكبوت (29) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
تفسير سورة العنكبوت (29)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة العنكبوت
» سورة العنكبوت
» سورة العنكبوت
» سورة العنكبوت
» (29) سورة العنكبوت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: أيســـر التفاســــير-
انتقل الى: