سورة العنكبوت
(952)
يَرَوْا (صُحْبَةٌ) خَاطِبْ وَحَرِّكْ وَمُدَّ فِي النْنَشَاءة (حَقاًّ) وَهْوَ حَيْثُ تَنَزَّلاَ
أي تروا قراءة صحبة فحذف المضاف للعلم به ثم بين القراءة ما هي فقال خاطب أي بالخطاب ولم ولو لم يبينها لما حملت إلا على ضد الخطاب وهو الغيب لإطلاقه يريد - أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق - وجه الخطاب أن قبله - وإن تكذبوا - ووجه الغيبة - فقد كذب أمم من قبلكم - والنشأة بإسكان الشين والقصر على وزان الرأفة والرحمة والنشاءة بفتح الشين والمد على وزان الكآبة كلاهما لغة وقد حكى فتح همزة الرأفة ومدها أيضا ولغة القصر أقوى قال أبو عبيد هي اللغة السائرة والقراءة المعروفة قال أبو علي حكى أبو عبيد النشأة لم يذكر الممدود قال وهو في القياس كالرأفة والرآفة والكأبة والكآبة قال مكي وهو مصدر من غير لفظ ينشيء والتقدير ثم الله ينشئ الأموات فينشئون النشأة الآخرة وقوله وهو حيث تنزلا يعني هنا وفي سورتي النجم والواقعة وأن عليه النشأة (ولقد علمتن النشأة الأولى)، قال صاحب التيسير ووقف حمزة على وجهين في ذلك أحدهما أن يلقى حركة الهمزة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس والثاني أن يفتح الشين ويبدل الهمزة ألفا اتباعا للخط قال ومثله قد سمع من العرب والله أعلم.
(953)
مَوَدَّةً المَرْفُوعُ (حَـ)ـقُّ (رُ)وَاتِهِ وَنَوِّنْهُ وَانْصِبْ بَيْنَكُمْ (عَمَّ صَـ)ـنْدَلاَ
رفع مودة على أنها خبر إن إن كانت ما موصولة أي إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا ذو مودة بينكم وإن كانت ما كافة فمودة خبر مبتدأ محذوف أي هي مودة بينكم أو مبتدأ والخبر في الحياة الدنيا ومن نصب مودة فلا يكون ما في إنما إلا كافة ونصبها على أنها مفعول من أجله ويكون اتخذ على هذا الوجه وعلى قراءة الرفع متعديا إلى مفعول واحد نحو (أتخذتم عند الله عهدا فلن)، ويجوز أن يكون مودة ثاني مفعولي اتخذوا أيمانهم جنة وبينكم بالنصب ظرف منصوب بالمصدر الذي هو مودة ويجوز أن يكون صفة له أي مودة كائنة بينكم وخفض بينكم بالإضافة إلى مودة المنصوبة والمرفوعة على وجه الاتساع في الظروف نحو (شهادة بينكم)، والمعنى على ما تعطيه قراءة النصب ولم يقرأ أحد برفع مودة ونصب بينكم ولو قرئ لجاز وإنما كل من رفع مودة خفض بينكم وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومن نصب مودة اختلفوا فمنهم من خفض بينكم أيضا وهم حمزة وحفص ومنهم من نصبهما معا وهو نافع وابن عامر وأبو بكر ولا يستقيم النصب إلا بتنوين مودة وكل من خفض بينكم أسقط التنوين من مودة لأجل الإضافة سواء في ذلك من رفع ومن نصب وقد سبق معنى صندلا في سورة الأنعام ونصبه هنا على التمييز أو الحال على تقدير ذا صندل يشير إلى حسنه وطيبه والله أعلم.
(954)
وَيَدْعُونَ (نَـ)ـجْمٌ (حَـ)ـافِظٌ وَمُوَحِّدٌ هُنَا آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ (صُحْبَةٌ دَ)لاَ
أي قراءة نجم حافظ والعالم يعبر عنه بالنجم للاهتداء به أراد - إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء - فالغيب فيه والخطاب ظاهران فالغيبة تعود إلى مثل الذين اتخذوا والخطاب لهم وأما التوحيد والجمع في وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه - فقد تقدم مثلهما مرارا وموحد خبر مقدم وآية من ربه مفعول به وصحبة مبتدا وقد سبق معنى دلا وذكر الخبر ولفظ دلا مفرد باعتبار لفظ صحبة لأنه مفرد ويجوز أن يكون موحد مبتدأ وصحبة فاعله على رأي من يقول اسم الفاعل غير معتمد والله أعلم.
(955)
وَفِي وَنَقُولُ الْيَاءُ (حِصْنٌ) وَيُرْجَعُنَ (صَـ)ـفْوٌ وَحَرْفُ الرُّومِ (صَـ)ـافِيهِ (حُـ)ـلِّلاَ
يرد - ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون - الثاء والنون فيه ظاهرتان وقد سبق لهما نظائر والغيب في قوله - ثم إلينا يرجعون - لأن قبله - يوم يغشاهم العذاب - والخطاب لقوله تعالى - يا عبادي الذين آمنوا -  والذي في الروم (ثم يعيده ثم إليه يرجعون)، وقيد الناظم بقوله الياء لأن ضده النون وأطلق يرجعون لأن ضده الخطاب ولا يجوز أن يكون استغنى عن تقييد يرجعون بالياء بتقييد يقول كما قال في سورة النساء ويا سوف يؤتيهم عزيز وحمزة سنؤتيهم لأن الضد ثم في القراءتين متحد وهو النون وهنا اختلف الضد فالقراءة بالغيب لا يقيدها بالياء أبدا إنما بطلقها ويقول بالغيب وهذا من دقاق ما اشتمل عليه هذا النظم فاعرفه وما أحسن قوله صافيه حللا أي كثير الحلول فيه لأجل صفائه
(956)
وَذَاتُ ثَلاَثٍ سُكَّنَتْ بَا نُبُوِّئَنْنَ مَعْ خِفِّهِ وَالْهَمْزُ بِالْيَاءِ (شَـ)ـمْلَلاَ
أي با قوله تعالى - لنبوئنهم من الجنة غرفا - فقصر لفظ با ضرورة وهو مبتدأ وذات ثلاث خبره مقدم عليه أي صارت ذات ثلاث نقط وإذا نقطت صورة الباء بثلاث صارت ثاء وقوله سكنت صفة لذات ثلاث كما تقول هند امرأة حسنة أي هذه الباء ثاء ساكنة والهاء في خفة تعود على لفظ نبوئن أراد تخفيف الواو وهو مشكل فإن في لفظ نبوئن حرفين مشددين الواو والنون وليس في تشديد النون خلاف والواو في قوله والهمز واو الحال أي صار ثاء ساكنة مع خفة الواو في حال كون الهمزة أسرع بالياء أي أتى بالياء في مكانه أي أبدل الهمز ياء فصارت القراءة لنثوينهم من الثواء وهو الإقامة قال الزجاج يقال ثوى الرجل إذا أقام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه قال الفراء، (وكل حسن بوأته وأثويته منزلا)، سواء معناه أتزلته قال الزمخشري ثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدا نحو ذهب وأذهبته والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف إما إجراؤه مجرى لننزلهم ونبوئنهم أو حذف الجار واتصال الفعل أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم، قلت فهذا جواب ما روي عن اليزيدي أنه قال لو كان لنثوينهم لكان في غرف واختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التي في النحل (لنبوئنهم في الدنيا حسنة)، قال لا نعلم الناس يختلفون فيه فهذا مثله وإن كان ذاك في الدنيا وهذا في الآخرة فالمعنى فيهما واحد قال ورأيت هذا الحرف الذي هو في العنكبوت في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة، قلت وهذا بعد ما نقطت المصاحف وكثر هذا اللفظ في القرآن نحو (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق)، (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت)، وقال (يتبوأ منها حيث يشاء)، وقال (نتبوأ من الجنة حيث نشاء)، وقال (أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا)، وقيل لفظ الثواء لائق بأهل الآخرة هي دار القرار وروى عن الربيع بن خيثم أنه قرأها كذلك وقال الثواء في الآخرة والتبوة في الدنيا وقد قال الله تعالى في حق الكفرة (أليس في جهنم مثوى للكافرين)، وهو في آخر هذه السورة فناسب أن يقال للمؤمنين نحو ذلك في الجنة وقال سبحانه وتعالى، (وما كنت ثاويا في أهل مدين)، أي مقيما عندهم مستمرا بين أظهرهم والله أعلم.
(957)
وَإِسْكَانُ وَلْ فَاكْسِرْ (كَـ)ـمَا (حَـ)ـجَّ (جَـ)ـا (نَـ)ـدىً وَرَبِّي عِبَادِي أَرْضِيَ أَلْبَابِهَا انْجَلاَ
يعني كسر لام وليتمتعوا وقد تقدم في الحج أن لام الأمر يجوز كسرها وإسكانها وهي معطوفة على - ليكفروا - وهي أيضا لام الأمر بدليل إسكان ما عطف عليها وهو أمر تهديد نحو - اعملوا ما شئتم - وقيل الأولى لام كي والثانية لام الأمر ونظير ذلك قوله تعالى في النحل (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا)، قال أبو عبيد إنما يجوز هذا لو كانت فليتمتعوا بالفاء لأن الفاء قد يستأنف بها الخبر وإنما معنى الواو والعطف فكيف يترك العطف ويرجع إلى الأمر والفاء في قوله فاكسر زائدة وفيها ثلاث ياآت إضافة مهاجر إلى ربي إنه - فتحها نافع وأبو عمرو - يا عبادي الذين آمنوا - أسكنها حمزة والكسائي وأبو عمرو - إن أرضي واسعة - فتحها ابن عامر وحده.