أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52683 العمر : 72
| موضوع: القاعدة الثانية والخمسون: إذا وضح الحق وبان، لم يبق للمعارضة العلمية، ولا العملية محل. الجمعة 07 ديسمبر 2012, 10:33 pm | |
| القاعدة الثانية والخمسون
إذا وضح الحق وبان، لم يبق للمعارضة العلمية، ولا العملية محل.
وهذه قاعدة شرعية عقلية فطرية، قد وردت في القرآن وأرشد إليها في مواضع كثيرة.
وذلك:
أنه من المعلوم أن محل المعارضات وموضع الاستشكالات وموضع التوقفات ووقت المشاورات إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات فترد عليه هذه الأمور؛ لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح.
فأما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحداً واضحاً، وقد تعينت المصلحة، فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارضُ هنا لا يُلتفت إلى اعتراضاته، لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات.
قال تعالى: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [ البقرة: من الآية 256 ]،.
يعني وإذا تبين هذا من هذا لم يبق للإكراه محل، لأن الإكراه إنما يكون على أمر فيه مصلحة خفية، فأما أمر قد اتضح أن مصالح وسعادة الدارين مربوطة ومتعلقة به، فأي داع للإكراه فيه؟.
ونظير هذا قوله تعالى: { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف: من الآية 29 ]، أيْ هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقِّيَّته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
كقوله: { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } [ لأنفال: من الآية 42 ]، وقال تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }، [ آل عمران: من الآية 159 ].
أيْ: في الأمور التي تحتاج إلى مشاورة، ويُطلب فيها وجه المصلحة، فأما أمر قد تعينت مصلحته، وظهر وجوبه فقال فيه: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [ آل عمران: من الآية 159 ]،.
وقد كشف الله هذا المعنى غاية الكشف، في قوله: { يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ } [ لأنفال: من الآية 6 ]، أيْ فكل من حاول في الحق بعد ما تبين علمه، أو طريق عمله، فإنه غالط شرعاً وعقلاً.
وقال تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام: من الآية 119 ]، فلامَهُم على عدم التزام الأكل مما ذكر اسم الله عليه، وذكر السبب لهذا اللوم؛ وهو أنه تعالى فصل لعباده كل ما حرم عليهم، فما لم يذكر تحريمه فإنه حلال واضح ليس للتوقف عنه محل.
ولما ذكر تعالى الآيات الدالة على وجوب الإيمان، وَبَّخَ ولام المتوقفين عنه بعد البيان، فقال: { فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ { 21 } وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ } [ الانشقاق: 21 ]،.
ولما بين جلال القرآن وأنه أعلى الكلام، وأوضحه بياناً وأصدقه وأنفعه ثمرة، قال تعالى: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } [ الجاثـية: من الآية 6 ].
ولما ذكر عظم نعمه الظاهرة والباطنة، قال تعالى: { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } [ لنجم: 55 ]، { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن: 13 ]، وقال تعالى: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ } [ يونس: من الآية 32 ].
وكذلك في آيات كثيرة يأمره بمجادلة المكذبين ويجادلهم بالتي هي أحسن، حتى إذا وصل معهم إلى حالة وضوح الحق التام وإزالة الشبه كلها انتقل من مجادلتهم إلى الوعيد لهم بعقوبات الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى الجليل كثيرة جداً.
|
|