أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: وإمَّا أن لا تعلن تلك الدول والكيانات الحرب على الدولة الإسلامية السبت 01 ديسمبر 2012, 4:03 pm | |
| وإمَّا أن لا تعلن تلك الدول والكيانات الحرب على الدولة الإسلامية
جاء في الحلقة الماضية إيراد تطبيق تقعيدي وصفي ، يمكن تنزيله على كثير من قضايا الواقع التي تندرج تحت مسائله في كل بلد من البلاد الإسلامية وغيرها ، وذلك ببيان: فقه السياسة الشرعية المنبثق من أصل علاقة الدولة الإسلامية بغير المسلمين
وأنَّ الأساس المقصدي الذي تقوم عليه حقيقة العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها على أساس مقصدي ، وهو تبليغ رسالة الإسلام لغير المسلمين ( الدعـوة ) ، والتعامل معهم وفق ما تمليه الأحكام الإسلامية ، التي تراعي بخاصيتها ظروف متغيرات الزمان والمكان والحال ، وفق قواعد تفسيرية غاية في الدقة وهذه تتمة ذاك التطبيق (29):
توقفنا في الحلقة الماضية عند الاحتمال الثالث من القسم الثاني المتعلق بالدول والكيانات التي ليس بينها وبين الدولة الإسلامية معاهدات ؛ إذ فيه أن هذه الدول لها أحوال ، وهي :
إمَّا أن تعلن الحرب على الدولة الإسلامية ؛ وتم الحديث عنه .
وإمَّا أن لا تعلن تلك الدول والكيانات الحرب على الدولة الإسلامية ؛ وهنا يراعى الفقه السياسي الشرعي بالنظر إلى الدولة الإسلامية ويضعها في أحوال قد توجد في زمن دون غيره أو مكان دون غيره :
فإمَّا أن تكون الدولة الإسلامية في حال قوة وتمكّن ؛ وهنا تسلك الدولة الإسلامية والأمةُ الطرقَ السلمية أولاً ، للتأثير على هذا النظام وهذا الكيان - مع إشعاره بطريق ثالثة تُفرِض عليه إن لم يقبل الطرق السلمية - من خلال عرض الخيارين التاليين عليه ، وهما :
1) التحول إلى المنهج الإسلامي عقيدة وشريعة ؛ ويتم بذلك الحصول على جميع مزايا النظام الإسلامي ، ومنها المزايا : السياسية ، والعسكرية ، والقضائية ، والاقتصادية .
2) القَبول بالحكم الإسلامي ، والانضواء تحت رعاية الدولة الإسلامية ؛ مع بقاء من شاء من الرعايا على الديانة التي هم عليها أفرادا كانوا أو جماعات ؛ ويتم بذلك لهؤلاء الحصول على جميع مزايا النظام الإسلامي الخاصة بالرعايا غير المسلمين ، والتي سبق الإشارة إليها .
فإن لم يقبل هذا الكيان بذلك ، فإنّ الدولة الإسلامية تسلك طريق فرض العدل المفقود والحرية المسلوبة ؛ للتأثير على هذا النظام من خلال خيار الدولة الإسلامية الثالث ، وهو :
3) اللجوء إلى الجهاد المشروع من أجل نشر الحرية في اختيار توحيد الله أو ما يعرف في الفقه الإسلامي بـ ( جهاد الطلب ) أو ( جهاد الدعوة ) وغايته إتاحة الحرية الإنسانية ؛ لحماية حق الإنسان في اختيار أن يكون الله عز وجل هو إلهه ، فينضم باختياره إلى الأمة الإسلامية ، أو أن يبقى على دينه ، ويتخلص من الحكم الاستبدادي الظالم ، ويتمتع بالحكم الإسلامي العادل مقابل الضريبة الرمزية التي هي ( الجزية ) التي هي أقل من الزكاة التي يؤتيها المسلم .
والجهاد الإسلامي يتميز عن غيره من أنواع القتال بأنَّه : يتصف بالمثالية الواقعية ؛ لما يشتمل عليه نظامه من ضمانات إنسانية راقية ؛ فلا عنصرية ولا عرقية ولا إبادة . وتمنح السياسةُ الشرعية الدولةَ الإسلامية مرونة في تسمية الجزية ، فيجوز أن تفرض باسم آخر كـ ( الضريبة ) في مقابل الزكاة .
ويمكن أن يطلق عليها مسمى الزكاة لو اقتضت الحال ذلك ، وله أصل من عمل الخلفاء الراشدين ليس هذا محل تفصيله .
ففي حال قـوة الدولـة الإسلامية قد تبدأ هي بالقتال ، ولا تقبل المسالمة ولا المهادنة ، حتى يُزال الكيان الظالم الجائر ، الذي يقف في وجه إبلاغ الرسالة ، ويمنع النّاس من التعرف عليها و اتباعها ؛ وفي هذا إعمال للآيات الواردة في ذلك ، والتي اتفق العلماء على الأخذ بها وتطبيقها عند تحقق ظروفها .
ولكنّ هذا الخيار ليس حتماً في حال قوة الدولة الإسلامية ؛ فقد تكون المهادنة والمسالمة لفترة من الزمن تحقق مكاسب عظيمة تفوق مكاسب الحرب والقتال ؛ كما حدث في صلح الحديبية (30) ؛ ومن ثمَّ يشرع للقيادة الإسلامية مهادنة العدو حتى مع القوّة .
وإمَّا أن تكون الدولة الإسلامية في حال ضعف ؛ وهنا يجب عليها سلوك الطرق السلمية الممكنة ، للدعوة إلى الله وإبلاغ الرسالة الخاتمة والدين الحق ؛ وسلوك جميع السبل السلمية الممكنة التي تسلكها الدولة الإسلامية في تقوية إيمان المسلمين في الداخل بشتى صور الدعوة وتهذيب السلوك وتقوية الإيمان وحمايته من أهل الباطل ، وفي الخارج بتقوية إيمان الأقليات الإسلامية ودعوتها للصراط المستقيم ، وإعانتها في تطبيق الإسلام على الوجه الصحيح ، وحل إشكالاتها الدعوية والفقهية ، والسعي في إقناع غير المسلمين من رعايا الدول المسلمة باعتناق الدين الحق ، كما هو الشأن في حال الدولة المعاهدة من خلال المشاريع الدعوية المباشرة أو الموجودة على أرض الواقع بجهود المسلمين فيها أو من خلال دعم الأقليات وحثها على نشر رسالة الإسلام التي تنتمي إليه ، ونحو ذلك مما هو واقع ومعمول به اليوم في صور كثيرة تحتاج مزيدا من الدعم والتواصل .
وفي هذه الحال تقتضي المصلحة الشرعية - في الغالب - عقد معاهدة مع الدول والكيانات الأخرى التي ليس بينها وبينها عهد ؛ فيشرع لها حينئذ المسالمة والصلح - بالمعنى الشرعي الذي يعني الهدنة المؤقتة أو المطلقة ، وليس المعنى القانوني الذي يعني الصلح الدائم – لكف شرها أو تحييدها والانتفاع بما يمكن الانتفاع به من العلاقات ضمن هذا العهد ؛ وتكتفي في سياستها العسكرية بالرد على من يبدؤها بالقتال ، مع العمل على تقوية الجيش الإسلامي وإعداد المقاتلين في الأمة ، ونصر المستضعفين ونشر الدين بالوسائل المشروعة قدر المستطاع ، وهذا يعني أنّ جهاد الطلب ( نشر الحرية ) قد يتأخر مدّة الإعداد للقوة الطالبة ، ولكن جهاد الدفع ( ردّ الغزاة وطرد المحتل ) لا يسقط في هذه الحال ولا يؤخّر ؛ لأنَّه فرض عين ، ولا تصح معه المهادنة (31) .
ومما يندرج تحت ذلك : حال الضرورة ، وذلك أنَّ الضرورة قد توجد مع قوة الدولة الإسلامية وظهورها على غيرها ؛ فقد تمر بضائقة مالية وحالة تزيد الحرب فيها الحال سوءا ، ومع توافر الجند وكثرة العتاد قد يحصل انشغال بحروب المصالح ، كمقاتلة مرتدين ، أو بغاة ، أو دفع كيد الطابور الخامس ، أو نحو ذلك مما لا يسمح بخروج الجند إلى ما وراء الثغور ، لتحقيق أهداف الدولة الإسلامية في نشر الحق والعدل ، وإزالة الكيانات التي تتبنى الظلم والجور ، وتقف في وجه الحرية والعدل ؛ فهنا قد تهادن الدولة الإسلامية تلك الكيانات ، بمال يدفع إليها وتتقوّى به ، أو بغير مال ، أو بمال تدفعه هي دفعاً لما هو أشدّ ضرورة وأعظم ضرراً ؛ كلّ ذلك حسب ما تقتضيه الضرورة الشرعية التي يجب أن يقرِّرها أولو الأمر من العلماء والولاة ؛ على النحو الذي يقرِّره الفقهاء في بيان مشروعية الهدنة ، وبيان مناط تلك المشروعية .
وهكذا تبقى قاعدة : ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما إذا لم يتيسر السلامة منهما جميعاً (32) ؛ وتحصيل أعلا المصلحتين ولو بتفويت الدنيا منهما إذا لم يتيسر تحصيلهما جميعاً (33) .
وإذا قرأنا الأحكام الإسلامية في هذه المسألة قراءة متكاملة كما هي في أذهان الفقهاء الكبار، فإنا سنجد تسبيبا كافيا في فهم ما قد يظنه بعض الناس تناقضا منهم.
وذلك أنَّ أحكام الإسلام التطبيقية تتصف بخصائص عظيمة منها: الواقعية الشرعية.
وفي هذا التقعيد الفقهي و التطبيق السياسي الشرعي الوصفي ، ما عليك إلا أن تنزّله على ما يوافقه مما تفوه به علماء الشريعة الربانيون المعاصرون من أحكام وفتاوى بشأنه ، لتظهر الخلفية السياسية الشرعية لتلك الأحكام والفتاوى في البلاد على اختلافها ، وهكذا كل ما تفرع عن هذه الأحكام من مسائل جليلة ودقيقة . ولا أظنك بحاجة إلى أن أعرض فتاوى علماء بعينهم الآن ، وإن رأيت ذلك فإني فاعل ذلك في حلقات قادمة إن شاء الله تعالى .
وثمة تفاصيل تحت هذا التطبيق تتفرع عن مسائل مندرجة عنه أو عن مسائل من مجالات سياسية أخرى ، سيأتي الحديث عنها في حينه إن شاء الله تعالى .
وفي الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى سيكون الحديث عن صور أخرى من صور الضرب الأول من النوع الثاني .
[ من صور الضرب الأول والثاني وتطبيقاتهما المعاصرة ]
جاء في الحلقة الماضية إيراد تطبيق تقعيدي وصفي ، يمكن تنزيله على كثير من قضايا الواقع التي تندرج تحته في كل بلد من البلاد الإسلامية وغيرها .
وفي هذه الحلقة نواصل الحديث – إن شاء الله تعالى - عن صور أخرى من صور الضرب الأول من النوع الثاني ، فمن تلك الصور أيضاً :
- تغيُّر الحكم التطبيقي لتغيُّر العلَّة التي بُني عليها ؛ بالنظـر إلى تغير حال الناس أو تغير الحال في محل الحكم .
(34) ومن أمثلته التي يذكرها أهل العلم : ما ورد من أمر عثمان رضي الله عنه بالتقاط ضوالّ الإبل لمصلحة أهلها ؛ مع أنَّ النَّصَّ جاء آمراً بتركها (35) ؛ لتغير المصلحة التي بني عليها المنع ؛ فالأمر بتركها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يحقق المصلحة منه ؛ لغلبة الصلاح في الناس حيث تترك ضالة الإبل حتى يجدها ربُّها .
وأمّا في زمن عثمان رضي الله عنه فقد حصل تغيّر في حال الناس أورث خوفاً على أموال الرَّعيَّة من أن تمتدّ إليها يد الخيانة ؛ فرأى عثمان رضي الله عنه أن المصلحة حينئذ في الأمر بالتقاطها وتعريفها ، كسائر الأموال ، ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها ، إذ لم يعد الأمر بتركها يحقق المصلحة منه على الوجه الأصلح ؛ ولو عادت علَّة المنع من الالتقاط كما كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لعاد الأمر بالمنع من الالتقاط (36) .
ومنها :
وقف عمر رضي الله عنه لسهم المؤلفة قلوبهم لما نتفت علة التأليف في القوم الذين كانوا يؤلفون إلى بعض عهد الصديق رضي الله عنه .
ومن أمثلته المعاصرة :
مشروعية التقاط لقطة الحرم بغرض تسليمها مباشرة إلى الجهة المختصة بحفظ ما يلتقط من أموال الحجاج والمعتمرين والزوار ؛ لما يترتب على ذلك من تحقيق المقصد الشرعي بحفظ المال ، وإمكان إيصاله إلى صاحبه ، أو مراجعة صاحبه للجهة المختصة لتسلّم ماله المفقود منها ، ولا سيما مع غلبة الظن بفقدها لتركها عرضة للسرّاق وضعاف النفوس ممن يتصيدون غفلة الزائرين وانشغال الطائفين والعاكفين والركع السجود .
ومنها :
مسألة منع بيعِ واقتناءِ أطباق البث الفضائي ، ثم الإذن بها بضوابط تتعلق بالمشاهِد والمشاهَد؛ وإنَّما منعها من منعها من أهل العلم الكبار في حينه، لانحصار استعمالها في الشرّ في وقتٍ، وغلبته فيما بعد؛ ثم لمَّا ظهرت القنوات النافعة ، لم نجد الفتوى التي تأذن فحسب، بل وجدنا الفتوى التي تحض على الاشتراك في القنوات الصادرة عن لجان شرعية، كقناة المجد، وقناة الناس في وضعها الحالي ، مثلاً، وهذا كلّه من حرص أهل العلم على فتح الذرائع المشروعة ، وتشجيع البَدَل المشروع ، ونشر الخير نشراً آمناً من الخلط والمزج بالشرّ ما أمكن ذلك .
ومنها :
مسألة تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية تعليما نظامياً، فلم يمنعه شرعاً أحد من العلماء المعتبرين -كما يزعم بعض النَّاس- وغاية ما في الأمر أنَّ الاختلاط -في بعض البلدان- بين الجنسين كان هو السِّمة العامة لتعليم النساء نظاميا في تلك الحقبة التي مُنِع فيها، ولذلك استنكره -حينها- كثير من المواطنين حميَّة وغيرة من غير فتوى؛ فلمَّا اتفق العلماء والولاة على ضمانات خلو التعليم من مفسدة الاختلاط وتوابعها، مثل قلة الاحتشام وما يترتب عليه -لم يكتف العلماء بالسماح بتعليم المرأة ، بل قادوا هم مؤسستها الحكومية، وأشرف عليها مفتي الديار ورئيس القضاة حينها الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله.
- ومن تلك الصور :
تغيُّر الحكم التطبيقي المبني على العرف ؛ لتغير العرف الذي بني عليه الحكم الأول .
ومن أمثلته :
تعجيل المهر بعضه أو كله ، أو تأجيله ؛ بحسب العرف ، وما يترتب على ذلك لدى القضاة ، من اعتبار الزوجة ناشزاً أو غير ناشز إن هي امتنعت عن الدخول في طاعة الزوج (37) .
الضرب الثاني :
مسائل ثبت في كل واحدة منها أكثرُ من حكم ، بنص أو إجماع أو قياس ؛ بحيث يجتهد أولو الأمر في اختيار الأصلح (38) منها - شرعا - للواقعة المماثلة .
ومن أمثلته :
أحكام المهادنة التي مرّ ذكرها في التطبيق السابق ، وكذا الخيارات المصلحية في أحكام الأسرى .
ومن أمثلته المعاصرة :
فتوى شيخنا العلامة / عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - في الصلح مع اليهود ، فقد نال منه بها قومٌ ، ظنّاً منهم أنَّ الشيخ قد أخطأ ، مع أنَّ فتواه رحمه الله جاءت على الأصول الفقهية المعتبرة في مشروعية الصلح بمعنى ( الهدنة ) .
والشيخ رحمه الله قد بيّن حرمة الصلح الدائم مع اليهود ، وأكَّده في الفتوى ذاتها ، وفي بيانه لمراده - رحمه الله - في فتاوى لاحقة (39) ، وهذا الفرق يدركه العلماء ورجال السياسة ؛ ولذلك نجد اللجان الشرعية في حركة حماس الإسلامية ، تبني موقفها الحالي من الامتناع عن الصلح على موقف الكيان الصهيوني من عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة المسلمة في أرضه كلها وماله ، وهو ما يفسِّر عدم جنوح قيادات الكيان الصهيوني للسلم ؛ بينما لو فعل ذلك ، فلن تجد حركة حماس ما يمنعها شرعا من الصلح ( الهدنة ) مع هذا الكيان .
هذا ما ما ناسب ذكره في هذه الحلقة . وفي الحلقة القادمة سيكون الحديث إن شاء الله تعالى عن الضرب الثالث من هذا النوع ، وذلك الضرب هو : مسائل ورد بشأنها أحكام شرعية ، لكن احتف بها ما يقتضي عدم فعلها ، أو استثنائها من أحكام نظائرها . وهو من أهم مجالات السياسة الشرعية وأكثرها تطبيقا في واقعنا المعاصر ، ولذلك سأورد إن شاء الله تعالى في الحلقة القادة جملة مهمة من التطبيقات العصرية .
والله الموفق .
|
|