منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية   وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية Emptyالأحد 02 سبتمبر 2018, 10:57 pm

وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية
للبـاحـث الشــرعـي بمجـلـة البيــان
مـحـمــــد بــن شـــاكـــر الشــــريف
غفـر الله له ولوالديه وللمسلميـــــن

تقديم:
منذ عقدين من الزمن -من القرن المنصرم- أو أزيد قليلاً بدأ الحديث يكثر عن أوضاع الأقليَّات وأخذ يتبلور حتى صار لفظ الأقليَّات مصطلحاً له تعريفه الخاص به وكذلك الغايات التي يسعى واضعوا هذا المصطلح لتحقيقها وترويجها في العالم من وراء ذلك، وقد استغلَّت حكومات الدول القوية في العصر الحاضر (أمريكا والدول الغربية) الراغبة في إعادة السيطرة على العالم مرة أخرى ورقة الأقليَّات وما تثيرها من مشاكل في بعض البلدان بحجة الحفاظ على حقوق الأقليَّات انطلاقا من مفهوم حقوق الإنسان ذريعة للضغط على حكومات الدول المعنية والتدخل في شئونها الداخلية لتحقيق المصالح الاستراتيجية الكبرى لتلك الدول الطامعة، وفي هذه الورقة نحاول أن نقوم بمقاربة لمفهوم “الأقليَّات” وما يتعلق أو يرتبط به من تصورات أو أحكام في الدولة بوصفه شريحة من شرائح المجتمع من منظور إسلامي.

تعريف الأقليَّات:
البشرية من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا تنوعت وتعددت في الأعراق والأجناس والألوان واللغات وفي العقائد والتصورات وكذلك في الأعمال والسلوك، وتبعا لذلك توزع الناس على هذه التصنيفات واختلف تعدادهم زمانياً ومكانياً، فعرق يكثر تعداده في مكان بينما يقل في مكان آخر في الفترة الزمنية نفسها، وعرق آخر قد يكثر في زمان بينما يقل في زمان آخر في البقعة الجغرافية نفسها، وقُل مثل ذلك بالنسبة للعقائد والتصورات والأجناس واللغات، فأصبحنا نجد على الامتداد التاريخي والجغرافي كتلاً بشرية قد تمحورت حول عدة قواسم مشتركة فيما بينها وتتميَّز بها في الوقت نفسه عن مجموعات أخر،  وقد جرى الاصطلاح المعاصر أن يُطلق على أحدى تلك الكتل لفظ “الأقلية” انطلاقاً من عدة محددات.

محددات مفهوم الأقلية:
ترجع لفظة أقلية لغة إلى مادة قلل وبالرجوع لهذه المادة في المعاجم نجد أنها تنتظم ثلاثة معان: فمنها معنى القِلْة التي هي ضد الكثرة قال الله تعالى: “واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم” قال في اللسان: “القِلْة خلاف الكثرة"، ومنها ذهاب البركة قال أبو عبيد في تفسير قول ابن مسعود "الربا وأن كثر فهو إلى قُل” قال: هو وإن كثر فليست له بركة" وكذلك قال الزمخشري: “القُل والقِلة كالذُّل والذِّلة  يعني أنه ممحوق البركة" وقال في اللسان: “وفـي حديث ابن مسعود: الرِّبا، وإِن كَثُر، فهو إِلـى قُلَ؛ معناه إِلـى قِلَّة أَي أَنه وإِن كان زيادة فـي الـمال عاجلاً فإنه يَؤُول إِلـى النقص، كقوله: يمـحَق الله الرِّبا ويُرْبـي الصَّدَقات"، ومنها الضعة والدونية: قال في اللسان: “القُل من الرجال: الخسيس الدين" ومن الأشياء اللطيفة أن الاتجاهات المعاصرة في بيان مفهوم الأقلية وتعريفها تكاد تعود إلى هذه المعاني اللغوية، فمفهوم الأقلية له فيها ثلاثة اتجاهات: اتجاه ينظر إلى العدد وبناء عليه ينظر إلى الأقلية على أنها الأقل عددا بالنسبة للجماعة الأخرى الأكثر عددا وانطلاقا من ذلك تعرف الأقلية أنها: “مجموعة من السكان لهم عادة جنسية الدولة غير أنهم يعيشون بذاتيتهم ويختلفون عن غالبية المواطنين في الجنس أو اللغة أو العقيدة أو الثقافة أو التاريخ أو العادات أو كل ذلك»، وأيضا الأقلية في هذا الاتجاه هي: «أي طائفة من البشر المنتمين إلى جنسية دولة بعينها متى تميز عن أغلبية المواطنين المكونين لعنصر السكان في الدولة المعنية من حيث العنصر أو الدين أو اللغة»، ومن الممكن أن تكون هذه الجماعة صاحبة النفوذ والتأثير في المجتمع واتجاه ينظر إلى القوة والسيطرة والتأثير وبناء عليه ينظر إلى الأقلية على أنها الجماعة الأضعف التي لا سيطرة لها في المجتمع بالنسبة لبقية الجماعة الأقوى التي يتكون منها المجتمع وانطلاقا من ذلك تعرف الأقلية أنها “مجموعة من الأشخاص في الدولة ليست لها السيطرة أو الهيمنة، تتمتع بجنسية الدولة إلا أنها تختلف من حيث الجنس أو الديانة أو اللغة عن باقي الشعب، وتصبو إلى حماية ثقافتها وتقاليدها ولغتها الخاصة" ومن الممكن أن تكون هذه الجماعة هي الأكثر عددا في المجتمع، واتجاه ينظر إلى المكانة والرفعة والوجاهة وبناء عليه ينظر إلى الأقلية على أنها الجماعة المستضعفة مهضومة الحقوق التي ينظر إليها نظرة دونية وانطلاقاً من ذلك تعرف الأقلية أنها "مجموعة من مواطني الدولة تختلف عن بقية مواطنيها من حيث الجنس أو الدين أو اللغة أو الثقافة تقبع في ذيل السلم الاجتماعي “ومن الممكن أن تكون هذه الجماعة هي الأكثر من حيث العدد، وقد يظهر أن تكون النظرة إلى الأقلية من وجهة القوة والتأثير ومن وجهة المكانة متلازمة من حيث الواقع في أغلب الأحيان والأحوال للنظر إليها من ناحية العدد، إذ غالبا ما تكون الأكثرية العددية هي الأقوى صاحبة المكانة والوجاهة -إلا في القليل النادر-، وعلى ذلك فإنه يمكننا تعريف “الأقلية": أنها مجموعة من مواطني الدولة -أية دولة- تشكل أقلية عددية بالنسبة لتعداد بقية المواطنين تتميز عنهم إما عرقيا أو قوميا أو دينيا أو ثقافيا أو لغويا أو كل ذلك، وهي في الغالب الأعم تعاني من ضعف أو نقص في القوة أو المكانة تؤثر على وضعها السياسي والاجتماعي في المجتمع” ومن البين أن هذا المعنى الاصطلاحي للأقليات لا وجود له إلا في ظل الوحدة السياسية التي يطلق عليها لفظ “دولة “والتي تفرض سلطانها على جميع القاطنين لإقليم هذه الدولة، وأما خارج إطار الدولة القومية فلا معنى للحديث عن الأقليَّات ؛ فإن كل مجموعة عرقية أو لغوية أو دينية تكون وحدة مستقلة.

مطالب الأقليَّات:
الأقليَّات مع شعورها بالتمايز العرقي أو الديني أو الثقافي عن بقية المجتمع ترى أن لها مطالب تجاه الأكثرية، وهذه المطالب ترتبط ارتباطا وثيقا بوضع الأقلية في هذه البلدة أو تلك، وهي ليست بالضرورة مطالب واحدة بالنسبة لجميع الأقليَّات في الدول المختلفة، وإن كان يغلب عليها التقارب انطلاقا من تقارب الأوضاع في الدول المختلفة، كما أن هذه المطالب هي مطالب الأقلية على وجه العموم وليست مطالب أقلية محددة (إذ إن بعضها يتعارض مع بعض بحسب وضع الأقلية في مجتمعها)...

فمن أهم تلك المطالب:
1.    المحافظة على الهوية.
2.    المساواة في الحقوق السياسية.
3.    الاستقلال التام.
4.    الحكم الذاتي.
5.    إلغاء قوانين التفرقة والتمييز.
6.    الاندماج التام في الأكثرية.

مشاكل الأقليَّات:
يترتب على وجود الأقليَّات بما تعنيه من التباين والتمايز عن الأغلبية -إذا لم يتم التعامل معها على أساس العدل- مشاكل كثيرة من أهمها: تفتيت وحدة المجتمع، ونشوء المصادمات بين الأقلية والأكثرية، ومحاولة الأقلية الانفصال أو الاستقلال، والتعاون مع أعداء الأغلبية (الأمة) فالأقليَّات عرضة للاختراق من قبل الأعداء.

وقد حاولت بعض الأنظمة المستبدة التغلب على مشاكل الأقليَّات عن طريق محاولة إلغاء الأقليَّات والقضاء عليها وليس عن طريق التعاون والتفاهم معها والالتقاء على كلمة سواء، فقامت بأمور كثيرة منها:، إنكار وجود الأقليَّات، والتهميش، والتمييز، وعدم الاعتراف بلغاتهم وثقافاتهم، والتشتيت والتهجير، والتصفيات والقمع، والطرد والنفي، والمحاكمات والسجون، والحرمان من الوظائف الحكومية المهمة، والإبعاد عن القوات المسلحة والشرطة، غير أن هناك أنظمة ترفع شعارات حقوق الإنسان والاعتراف بالآخر حاولت استيعاب الأقليَّات والاستفادة منها ودمجها في المجتمع أو إقامة العلاقات معها على أساس من التوازي والمقابلة لوضع الأقلية ومكانتها، وذلك عن طريق اللجوء إلى خيار العلمانية الذي يقوم بتحييد دور الدين بحيث لا يتدخل في شئون المجتمع، وكذلك اللجوء إلى خيار الديمقراطية الذي يقوم بتحييد دور اللغة والعرق والثقافة، وأصبحت المواطنة في هذه الدول هي العلاقة الأساسية التي تربط بين جميع مواطني الدولة المعينة بصرف النظر عن الانتماءات الدينية والعرقية والثقافية وغيرها، لكن هذا الحل رغم نجاعته في كثير من البلاد التي توصف بأنها متقدمة إلا أن عليه ثلاث مؤاخذات...

الأولى:
إضاعة الدين وإزاحته عن التدخل أو التأثير في الحياة، وهذا يعني بالنسبة للمسلم أن يهجر الشريعة على مستوى الالتزام والتصرفات والاحتكام مما يكون له خطورته على تدين المسلم نفسه حيث قد يخرجه ذلك خارج حظيرة الدين.

الثانية:
أن الأحزاب السياسية المنبثقة عن الحل الديمقراطي قد تكون وسيلة لتأكيد الانقسامات العرقية واللغوية، حيث يصبح التصويت وسيلة لتأكيد الهوية والتمسك بها بديلاً عن الاندماج في المواطنة، كما قد تكون الديمقراطية هي الوسيلة القانونية المشروعة في إجحاف الأغلبية بحقوق الأقلية، إذ أن المبدأ الديمقراطي يبين أن الذي يحصل على الأغلبية هو الذي يمثل سيادة الشعب، وانطلاقاً من هذه السيادة فإن له أن يسن ما شاء من القوانين، ففي ظل أقلية لا يتجاوز تعدادها مثلاً 5% أو نحواً من ذلك تكون الديمقراطية وسيلة لفرض ديكتاتورية الأغلبية على الأقلية.

الثالثة:
أن هذا الحل وإن كان موجوداً من الناحية النظامية أو القانونية فإنه حل ظاهري في كثير من وجوهه أو بعضها، ويمكننا أن ندرك ذلك بمتابعة حالة الأقليَّات المسلمة في البلاد الغربية، فرغم أن بعض هذه الأقليَّات تُعَدُّ من مواطني تلك الدول وتتمتع ظاهرياً بالحقوق التي يتمتع بها المواطن، إلا أنه لا زالت هناك تفرقة ولو على مستوى العلاقات الاجتماعية، أو نفسيات الشعوب، إذ لم تستطع تلك القوانين النظرية أن تُغير كثيراً من نظرة المجتمع الغربي تجاه المسلم ولو كان مواطناً، فحتى الآن لم نجد مسلماً من مواطني هذه الدول يحتل مكاناً مرموقاً أو منصباً مهماً من مناصب الدولة العليا، مما يدل على وجود التمييز الديني في تلك البلاد المتقدمة خاصة في مقابل الإسلام، هذا ملخص سريع لوضع الأقليَّات في المجتمع الدولي في عصرنا الحاضر، فكيف تعاملت شريعة الإسلام مع موضوع الأقليَّات؟

هذا ما سنعرض له في هذا البحث إن شاء الله، ويتوقع أن يغطي البحث النقاط التالية:
1-    قواعد أو أصول عامة في الموضوع.
2-    أنواع الأقليَّات.
3-    الأقليَّات بين التمايز والاندماج.
4-    الأقليَّات والمشاركة السياسية
5-    الأقليَّات وتولي الوزارة:
6-    تحيز الأقلية وتجمعهم في مكان:
7-    الأقليَّات والجهاد في سبيل الله:
8-    الأقليَّات والإدارة:
9-    الأقليَّات وحرية التعبير عن  الخصوصيات:
10-    الأقليَّات بين التمييز والتهميش:

ولَمَّا كان الكتاب والسُّنَّة هما أصل الأصول اللذان يعتمد عليهما في تقرير الأحكام، فإن البحث يجري على هذه القاعدة مع الاستعانة والاسترشاد بفهم سلف هذه الأمة وخاصة زمن الخلافة الراشدة وصدر الإسلام، مع الاجتهاد في التمييز بين ما كان من أقوال أهل العلم معبرا عن التشريع العام الذي تطالب به الأمة في كل وقت ومكان، وما كان من قبيل السياسات الجزئية التي تمثل حلولا وقتية مرتبطة بواقعها في إطار النصوص الشرعية، والتفريق بين الأمرين مهم جدا، إذ التشريع العام هو شرع الله ودينه لا يملك أحد تغييره أو تبديله، بينما السياسات الجزئية تمثل الاجتهاد الذي يحاول أن يطبق النص على الواقع محققاً لأمرين: الأول: الالتزام بالنص وعدم الخروج عليه، والثاني: مراعاة خصوصية ذلك الواقع بما لا يتعارض مع النصوص، ومن البين أنه في هذه الحالة إذا اختلف الواقع بفعل عوامل التغيير فإن التطبيق أيضاً يختلف، لكن الواقع الذي يعول عليه في تغيير التطبيق هو الواقع الناتج عن تطور الحياة في أشكالها ووسائلها وليس الاختلاف الناتج عن المعصية والمخالفة لشرع الله، وهذا أوان الشروع في المقصود، نسأل الله بعونه ومنه وكرمه التوفيق والسداد وأن يعين على التمام.

قواعد وأصول عامة:
يحسن بنا أن نقدم هنا بعض القواعد والأصول العامة التي يكفل التذكر لها ومراعاتها أن يظل البحث في إطاره السليم بحيث لا يخرج عن حدوده الصحيحة وحتى تكون معينة على فهم الأحكام الجزئية التي قد يختلط الأمر فيها على بعض الناظرين بحيث لا يرى رابطاً يربط بعضها ببعض...

فمن تلك القواعد ما يلي:
1-    الإسلام دين الحق الذي يجب على الكافة الإيمان به والدخول فيه واتباعه وهو الرسالة الوحيدة التي بقيت على صفائها ونقائها لم تشبها شائبة فلم يدخلها تحريف أو تزييف، ولذا فإن الأحكام التي اشتملت عليها أصول الإسلام (الكتاب والسُّنَّة) هي أحكام صحيحة شرعها الله تعالى وهو يحبها ويحب العمل بها ويثيب على ذلك، ويبغض مخالفتها أو تركها كما يبغض مخالفيها أو تاركيها ويعاقب على ذلك.
2-    كل كتب الرسالات السابقة على الإسلام دخلها التحريف والتبديل والتزييف فاختلط فيها الحق بالباطل ولم تعد أصول تلك الرسالات (التوراة والإنجيل) الموجودة الآن في أيدي اليهود والنصارى تمثل كلمة الله أو وحيه الصافي الذي لم يدخله تغيير أو تبديل، لذا فلا يحل اتباع تلك الرسالات لمن بلغته دعوة الإسلام.
3-    الإسلام ليس جنسية أو قومية ولكنه عقيدة وعمل كل من آمن وعمل به فهو مسلم من أي جنس أو قوم كان، فالإسلام ليس حكرا على قوم معينين، أو أنه مرتبط بجنسية معينة، أو مكان ما، أو لغة أو ثقافة، وبالتالي فإن كل إنسان يمكنه أن يكون مسلما بالدخول فيه وشهادة شهادة الحق من غير توقف ذلك على موافقة أحد أو اعترافه بذلك أو تسجيله في وثيقة رسمية، ومن غير أن يؤثر ذلك على جنسيته أو لغته أو إقليمه الذي ينتمي إليه.
4-    هداية البشرية وإرشادها إلى منهاج الإسلام ودعوتها إليه وبذل المجهود في ذلك وتحمل المشاق وتجاوز العقبات واتخاذ الوسائل المحققة لذلك، مهمة انيطت بأمة المسلمين ويجب عليهم الوفاء بذلك.
5-    المسلمون أمة واحدة من دون الناس لا تفرقهم الألوان أو اللغات أو الأقوام أو البلدان.
6-    لا إكراه في الدين، فلا يُجبر كافر أصلي على أن يُغيّر دينه ويدخل في الإسلام، ولا يُضَيَّق عليه من أجل ذلك.
7-    العدل قيمة عظيمة من القيم التي حرصت عليها الشريعة وأكدتها سواء مع الموافق أو المخالف، ومع القريب والبعيد ومع الصديق والعدو، وقد ربط الشرع بين العدل والتقوى فلا يمكن أن يحقق المسلم التقوى إذا كان بعيدا عن العدل قال الله تعالى: “ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” فمع وجود الشنئان وهو الكره والبغض فإن المسلم مأمور بالعدل.
8-    لم يكتف الإسلام بإيجاب العدل وإنما حض على الإحسان الذي هو التنفل والزيادة على الواجب فقال تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”.
9-    الوفاء بالعهود والعقود التي تعقد حتى وإن كان ذلك مع الأعداء فقد قال الله تعالى: “أوفوا بالعقود” وقال: “إن الله لا يحب الخائنين”.
10-    النهي عن الظلم والبغي قال تعالى في الحديث القدسي: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" فالظلم محرم ولو كان للأعداء.
هذه بعض القواعد التي سوف نصطحبها معنا في هذا البحث لكي تقود المسيرة وتعصمها بإذن الله من الوقوع في الزلل.

الثانية:
أن الأحزاب السياسية المنبثقة عن الحل الديمقراطي قد تكون وسيلة لتأكيد الانقسامات العرقية واللغوية، حيث يصبح التصويت وسيلة لتأكيد الهوية والتمسك بها بديلاً عن الاندماج في المواطنة، كما قد تكون الديمقراطية هي الوسيلة القانونية المشروعة في إجحاف الأغلبية بحقوق الأقلية، إذ أن المبدأ الديمقراطي يبين أن الذي يحصل على الأغلبية هو الذي يمثل سيادة الشعب، وانطلاقاً من هذه السيادة فإن له أن يسن ما شاء من القوانين، ففي ظل أقلية لا يتجاوز تعدادها مثلاً 5% أو نحواً من ذلك تكون الديمقراطية وسيلة لفرض ديكتاتورية الأغلبية على الأقلية.

الثالثة:
أن هذا الحل وإن كان موجوداً من الناحية النظامية أو القانونية فإنه حل ظاهري في كثير من وجوهه أو بعضها، ويمكننا أن ندرك ذلك بمتابعة حالة الأقليَّات المسلمة في البلاد الغربية، فرغم أن بعض هذه الأقليَّات تُعَدُّ من مواطني تلك الدول وتتمتع ظاهرياً بالحقوق التي يتمتع بها المواطن، إلا أنه لا زالت هناك تفرقة ولو على مستوى العلاقات الاجتماعية، أو نفسيات الشعوب، إذ لم تستطع تلك القوانين النظرية أن تُغير كثيراً من نظرة المجتمع الغربي تجاه المسلم ولو كان مواطناً، فحتى الآن لم نجد مسلماً من مواطني هذه الدول يحتل مكاناً مرموقاً أو منصباً مهماً من مناصب الدولة العليا، مما يدل على وجود التمييز الديني في تلك البلاد المتقدمة خاصة في مقابل الإسلام، هذا ملخص سريع لوضع الأقليَّات في المجتمع الدولي في عصرنا الحاضر، فكيف تعاملت شريعة الإسلام مع موضوع الأقليَّات؟

هذا ما سنعرض له في هذا البحث إن شاء الله، ويتوقع أن يغطي البحث النقاط التالية:
1-    قواعد أو أصول عامة في الموضوع.
2-    أنواع الأقليَّات.
3-    الأقليَّات بين التمايز والاندماج.
4-    الأقليَّات والمشاركة السياسية
5-    الأقليَّات وتولي الوزارة:
6-    تحيز الأقلية وتجمعهم في مكان:
7-    الأقليَّات والجهاد في سبيل الله:
8-    الأقليَّات والإدارة:
9-    الأقليَّات وحرية التعبير عن  الخصوصيات:
10-    الأقليَّات بين التمييز والتهميش:

ولَمَّا كان الكتاب والسُّنَّة هما أصل الأصول اللذان يعتمد عليهما في تقرير الأحكام، فإن البحث يجري على هذه القاعدة مع الاستعانة والاسترشاد بفهم سلف هذه الأمة وخاصة زمن الخلافة الراشدة وصدر الإسلام، مع الاجتهاد في التمييز بين ما كان من أقوال أهل العلم معبرا عن التشريع العام الذي تطالب به الأمة في كل وقت ومكان، وما كان من قبيل السياسات الجزئية التي تمثل حلولا وقتية مرتبطة بواقعها في إطار النصوص الشرعية، والتفريق بين الأمرين مهم جدا، إذ التشريع العام هو شرع الله ودينه لا يملك أحد تغييره أو تبديله، بينما السياسات الجزئية تمثل الاجتهاد الذي يحاول أن يطبق النص على الواقع محققاً لأمرين: الأول: الالتزام بالنص وعدم الخروج عليه، والثاني: مراعاة خصوصية ذلك الواقع بما لا يتعارض مع النصوص، ومن البين أنه في هذه الحالة إذا اختلف الواقع بفعل عوامل التغيير فإن التطبيق أيضاً يختلف، لكن الواقع الذي يعول عليه في تغيير التطبيق هو الواقع الناتج عن تطور الحياة في أشكالها ووسائلها وليس الاختلاف الناتج عن المعصية والمخالفة لشرع الله، وهذا أوان الشروع في المقصود، نسأل الله بعونه ومنه وكرمه التوفيق والسداد وأن يعين على التمام.

قواعد وأصول عامة:
يحسن بنا أن نقدم هنا بعض القواعد والأصول العامة التي يكفل التذكر لها ومراعاتها أن يظل البحث في إطاره السليم بحيث لا يخرج عن حدوده الصحيحة وحتى تكون معينة على فهم الأحكام الجزئية التي قد يختلط الأمر فيها على بعض الناظرين بحيث لا يرى رابطاً يربط بعضها ببعض...

فمن تلك القواعد ما يلي:
1-    الإسلام دين الحق الذي يجب على الكافة الإيمان به والدخول فيه واتباعه وهو الرسالة الوحيدة التي بقيت على صفائها ونقائها لم تشبها شائبة فلم يدخلها تحريف أو تزييف، ولذا فإن الأحكام التي اشتملت عليها أصول الإسلام (الكتاب والسُّنَّة) هي أحكام صحيحة شرعها الله تعالى وهو يحبها ويحب العمل بها ويثيب على ذلك، ويبغض مخالفتها أو تركها كما يبغض مخالفيها أو تاركيها ويعاقب على ذلك.
2-    كل كتب الرسالات السابقة على الإسلام دخلها التحريف والتبديل والتزييف فاختلط فيها الحق بالباطل ولم تعد أصول تلك الرسالات (التوراة والإنجيل) الموجودة الآن في أيدي اليهود والنصارى تمثل كلمة الله أو وحيه الصافي الذي لم يدخله تغيير أو تبديل، لذا فلا يحل اتباع تلك الرسالات لمن بلغته دعوة الإسلام.
3-    الإسلام ليس جنسية أو قومية ولكنه عقيدة وعمل كل من آمن وعمل به  فهو مسلم من أي جنس أو قوم كان، فالإسلام ليس حكرا على قوم معينين، أو أنه مرتبط بجنسية معينة، أو مكان ما، أو لغة أو ثقافة، وبالتالي فإن كل إنسان يمكنه أن يكون مسلما بالدخول فيه وشهادة شهادة الحق من غير توقف ذلك على موافقة أحد أو اعترافه بذلك أو تسجيله في وثيقة رسمية، ومن غير أن يؤثر ذلك على جنسيته أو لغته أو إقليمه الذي ينتمي إليه.
4-    هداية البشرية وإرشادها إلى منهاج الإسلام ودعوتها إليه وبذل المجهود في ذلك وتحمل المشاق وتجاوز العقبات واتخاذ الوسائل المحققة لذلك، مهمة انيطت بأمة المسلمين ويجب عليهم الوفاء بذلك.
5-    المسلمون أمة واحدة من دون الناس لا تفرقهم الألوان أو اللغات أو الأقوام أو البلدان.
6-    لا إكراه في الدين، فلا يُجبر كافر أصلي على أن يُغيّر دينه ويدخل في الإسلام، ولا يُضَيَّق عليه من أجل ذلك.
7-    العدل قيمة عظيمة من القيم التي حرصت عليها الشريعة وأكدتها سواء مع الموافق أو المخالف، ومع القريب والبعيد ومع الصديق والعدو، وقد ربط الشرع بين العدل والتقوى فلا يمكن أن يحقق المسلم التقوى إذا كان بعيدا عن العدل قال الله تعالى: “ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” فمع وجود الشنئان وهو الكره والبغض فإن المسلم مأمور بالعدل.
8-    لم يكتف الإسلام بإيجاب العدل وإنما حض على الإحسان الذي هو التنفل والزيادة على الواجب فقال تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”.
9-    الوفاء بالعهود والعقود التي تعقد حتى وإن كان ذلك مع الأعداء فقد قال الله تعالى: “أوفوا بالعقود” وقال: “إن الله لا يحب الخائنين”.
10-    النهي عن الظلم والبغي قال تعالى في الحديث القدسي: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" فالظلم محرم ولو كان للأعداء.
هذه بعض القواعد التي سوف نصطحبها معنا في هذا البحث لكي تقود المسيرة وتعصمها بإذن الله من الوقوع في الزلل.



وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 25 أكتوبر 2024, 10:29 pm عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: لفظ الأقليَّات في التراث الإسلامي:   وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية Emptyالأحد 02 سبتمبر 2018, 11:00 pm

لفظ الأقليَّات في التراث الإسلامي:

لا يكاد يعثر الباحث في التراث الإسلامي على استخدام للفظ الأقلية في المعنى المستخدم فيه اليوم، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أقليات في الدولة الإسلامية، أو أنه لم تتم دراسة الأقليَّات في الفقه الإسلامي، بل كانت هناك في الواقع أقليات ببعض المعاني الموجودة اليوم، كما تمت دراسة أوضاع تلك الأقليَّات والأحكام المتعلقة بها ولكن تحت أسماء أخرى هي أوفق وأدل على المقصود من لفظ الأقليَّات كما سيأتي، وقد تعامل الإسلام مع ظاهرة الأقلية انطلاقا من شرعه المشبع بالعدل والإحسان فنتج من ذلك الخير والاستقرار للدولة وللأقلية في آن واحد.



أنواع الأقليَّات:

عندما أرسل الله تعالى رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالهُدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله دعا قومه أولاً في مكة ثم بدأ في توسيع مجال الدعوة، وقد عارضه المشركون في أول الأمر وتعرَّض هو وأتباعه لكثير من مضايقات المشركين وتعنتهم وإيذائهم الشديد لضعفاء المسلمين، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم-  تحمَّل هو ومَنْ معه وصبروا حتى فتح اللهُ عليهم وانتشر الإسلام وعَمَّ نوره جنبات الأرض وقامت دولة الإسلام التي شملت العديد من الأقاليم العربية (جزيرة العرب) وغير العربية (والتي تعرب أكثرها فيما بعد)، ولَمَّا كان الإسلام -كما ذكرنا في القواعد والأصول- لا يُكره أحداً على الدخول فيه امتثالاً للتوجيه القرآني: “لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرُّشد من الغي” فقد ظلت مجموعات من الأقوام الكافرة في البلاد المفتوحة محتفظة بدينها ولم تدخل في الإسلام، وانقسمت الأرض بذلك إلى جزأين: جزء سيطر عليه المسلمون وأقاموا فيه دينهم وبنوا عليه دولتهم كما جاء في كتاب ربهم وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي ما عرف في الاصطلاح الشرعي بـ"دار الإسلام"، وجزء يسيطر عليه الكافرون بنظمهم وشركهم وأضاليلهم وهي ما عرف في الاصطلاح الشرعي بـ”دار الكفر"، فدار الإسلام هي الدار (الإقليم) التي يسيطر عليها المسلمون أو تحكمها شريعة الإسلام ولو كان المسلمون فيها أقل عدداً من غيرهم، ودار الكفر هي الدار (الإقليم) التي يسيطر عليها الكافرون أو تحكمها شرائعهم الكافرة وإن كانت أعدادهم فيها قليلة.



ومُرادنا بالأقلية هنا في هذا البحث “مجموعة الأشخاص في الدولة التي ليست لها السيطرة أو التحكم أو التأثير نظرا لمخالفتها للمسلمين في دينهم (الإسلام) أو عقيدتهم (عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة) أخذاً من المعنى اللغوي المتقدم القُل من الرجال: خسيس الدين"، وإن كانت أعدادها أكثر من غيرها، وانطلاقا من ذلك فإنه يمكننا أن نُميّز هنا نوعين من الأقليَّات: الأقليَّات الدينية (أقليات الملل)، والأقليَّات العقدية (أقليات النحل)، والأقليَّات الدينية في بلاد المسلمين نوعان: أقلية ذات إقامة دائمة، وأقلية ذات إقامة مؤقتة، فأما الأقلية ذات الإقامة الدائمة فهم أهل الذمة، وأما الأقلية ذات الإقامة المؤقتة فهم المستأمنون، أما بقية الكفار في دار الحرب فلا يدخلون في الحديث عن الأقليَّات الدينية لأن إقامتهم ليست في دار الإسلام، وكذلك كفار الدولة التي بينها وبين دار الإسلام معاهدة أو صلح أو هدنة فلا يدخلون في الحديث عن الأقليَّات لأنها كيان متميز لا يتبع دار الإسلام.



أ-الأقليَّات الدينية (أهل الذمة والمستأمنون):

أهل الذمة هم الكفار الذين أبوا الدخول في دين الإسلام لكنهم رغبوا في البقاء في دار الإسلام والتمتع بحماية المسلمين لهم في دينهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، سواء كانوا من أهل تلك البلاد المفتوحة أو قدموا من ديار الكفر راغبين في ذلك بناء على عقد يعقد بينهم وبين دولة المسلمين يعرف بعقد الذمة  حيث يرتب هذا العقد حقوقا وواجبات على الطرفين ينبغي الوفاء بها من كليهما، ويدخل في هؤلاء الذين يجوز أن يعقد لهم عقد الذمة: أهل الكتاب اليهود والنصارى، ويلحق بهم في ذلك المجوس عبدة النيران، قد ثبتت النصوص بذلك وانعقد عليه الإجماع، أما من عداهم من عبدة الأوثان فقد اختلف أهل العلم بشأنهم هل يجوز أن تعقد لهم الذمة أم ليس أمامهم إلا الإسلام أو الحرب، وقد رجح طائفة من أهل العلم دخول عبدة الأوثان فيمن يجوز أن تعقد لهم الذمة، وهو الذي يعضده الدليل على ما تبين في حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا وفيه: “وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم إلى أن يقول: فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم"، فعمم بلفظ المشركين ولم يستثن من ذلك مشركا من المشركين، وأما المستأمنون: فهم الكفار من أهل دار الحرب أو دار الصلح الذين أبوا الدخول في الإسلام ورغبوا في دخول دار الإسلام لهدف مؤقت لا يجمعون إقامة بل يخرجون بعد المدة المعطاة لهم من قبل من أمَّنهم إلى بلادهم، وهؤلاء أنواع منهم:الرسل، التجار، المستجيرون وطالبو حاجة، ولا شك أن استعمال لفظ “أهل الذمة “و “المستأمن” أولى بكثير من استخدام لفظ "الأقلية” لأن الأخير لا يحمل أية دلالة ذات قيمة أخلاقية بل يحمل ما يدل على البعد عن المجتمع والاغتراب عنه مما يكون مدعاة للتنافر، بينما الألفاظ المستخدمة في الشرع تحمل دلالات ذات قيم أخلاقية تساهم في احترام تلك العقود والوفاء بها، كما قال أهل العلم: (الذمة: الأمان في قوله “ويسعى بذمتهم أدناهم “و أَذَمَّهُ أجاره) وفي اللسان:(الذِّمَّة و الذِّمام، وهما بمعنى العَهْد والأَمانِ والضمانِ والـحُرْمَةِ والـحق، وسُمِّيَ أَهل الذِّمَّةِ ذِمَّةِ لدخولهم فـي عهد الـمسلـمين وأَمانهم) والمستأمن هو الذي أعطي له الأمان (الذي هو ضد الخوف) على نفسه وماله وعرضه ودينه، وهو قريب من معنى "الذمة “والفرق بينهما في الاصطلاح من وجهين:أن عقد الذمة لا يعقده إلا الإمام أو نائبه بينما عقد الأمان يجوز أن يقع عقده من آحاد المسلمين، وأن عقد الذمة مؤبد بينما عقد الأمان مؤقت.



ولا يجوز أن يعد المرتدون من الأقليَّات التي يسمح بوجودها في الدولة الإسلامية، لأن المرتد-سواء ولد على الإسلام أو كان كافرا فأسلم- إذا لم يرجع ويتوب إلى الله مما وقع فيه فلا يجوز إقراره بجزية أو عهد أو أمان أو غير ذلك وليس أمامه إلا التوبة أو القتل.



عقد الذمة:

هو عقد بين الكفار الأصليين الذين يجوز إقرارهم في بلاد المسلمين وبين الدولة الإسلامية يلتزم بمقتضاه أهل الذمة بأداء الجزية (وهي مقدار مالي أو ما يقابله يؤدى لدولة الإسلام) كما يلتزمون بإجراء أحكام الإسلام عليهم في غير عقائدهم وعباداتهم الخاصة بهم ولا يمتنعون من ذلك، ويكون لهم في مقابل ذلك الأمان والحماية.



وقد بلغ من عناية المسلمين بالوفاء للأقليات الدينية في بلادهم بما عاقدوهم عليه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حرَّض المسلمين على معاملتهم المعاملة الحسنة فقال: “من قتل نفساً مُعاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً” وقد بوَّب عليه البخاري في صحيحه بقوله: باب إثم مَنْ قتل ذمِّياً بغير جُرم، قال ابن حجر في شرحه: “والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم" وقال -صلى الله عليه وسلم-: “ألا من قتل نفساً معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً" وهذا عمر رضي الله تعالى عنه وهو على فراش الموت يقول: “أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيراً أن يعرف لهم حقهم وأن يحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيراً "والذين تبوؤوا الدار والإيمان" أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم" فهو في هذا الموقف الشديد لم يفته أن يوصي الخليفة من بعده بأهل الذمة ويجعل الوصية بهم بجوار وصيته بالسابقين من المهاجرين والأنصار، وينص في وصيته على الوفاء بعهدهم وحمايتهم والذب عنهم، والرفق بهم.



ب- الأقليَّات العقدية (الفرق الضَّالة):

كانت الأقليَّات الدينية في دولة الإسلام أحد نتائج شريعة الجهاد في سبيل الله، لذلك كان وجودهم مبكراً أدركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن الأمر في الأقليَّات العقدية لم يكن كذلك إذ تأخر ظهورهم في المجتمع الإسلامي كتجمع أو اتجاه وإن وجد منهم آحاد وأفراد قبل ذلك، لأن ظهورهم في الحقيقة كان نتيجة لاجتماعهم وقيامهم على الانحراف في فهم الإسلام والعمل به، فلم يكن من المتصور أن يظهروا على هذا الوجه مبكرا في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل تأخر ظهورهم إلى أواخر الخلافة الراشدة، وإن كان الرسول -صلى الله عليه وسلم-  قد أشار إلى هذه الأقليَّات بقوله: “ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة"، وقد ظهرت تلك الأقليَّات فيما عرف في الاصطلاح الشرعي بالفرق الضالة، أو أهل الافتراق، أو أهل البدع، فكان منهم الخوارج والشيعة والقدرية والرافضة والمرجئة والجهمية والمعتزلة إلى مسميات كثيرة مسطورة في كتب الفرق، مصداقا لقول رسول الله السابق -صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت هناك أسباب كثيرة لظهور هذه الأقليَّات العقدية أهمها: اتباع الشهوات التي سببها تحكم الهوى، واتباع الشبهات التي سببها غلبة الجهل، وتقليد غير المسلمين الذي سببه التأثر بثقافات الأقليَّات الدينية وترجمة كتبهم إلى اللسان العربي، وفي أوقاتنا الزمنية الحديثة والمعاصرة ظهرت مسميات جديدة وهي تشترك مع أهل الابتداع والتفرق في كثير من الأصول والمناهج كالعصرانيين والحداثيين والعلمانيين والليبراليين واليساريين والاشتراكيين، غير أنهم داخل كل مسمى أطياف كثيرة إذ كلامهم ليس واحدا، بل في كل فريق تباينات واسعة، وفيهم غلاة لهم أفكار وأقوال لا تجتمع مع الإسلام في شخص واحد أبدا، حيث يوجد فيهم من يصرح برفض مناهج السلف وما أجمعت عليه الأمة، والدعوة إلى مناهج جديدة وفقه جديد يخالف المستقر المجمع عليه من دين المسلمين تحت دعوى التجديد، وهناك بدع في العبادات تقع من طائفة من الناس غير أنها لا تخرجهم من زمرة مجموع المسلمين وتدخلهم في عداد الأقليَّات العقدية لأنها بدع من قبيل المعاصي والسيئات لا من قبيل الافتراق في الاعتقادات.



ج- الأقليَّات اللغوية والعرقية:

هي أقليات من حيث اللفظ فقط دون المعنى إذ لا يترتب على هذا النوع أية أحكام خاصة بهم بل هم يدخلون في غمار المسلمين يجري عليهم ما يجري على سائر المسلمين، فالشريعة لم ترتب على هذه التقسيمات أية أوضاع أو أحكام، وإنما تترتب الأحكام بناء على الدين فالمسلم في أي إقليم من أقاليم الدولة الإسلامية ليس من الأقلية (اصطلاحا) وإن كانت جنسيته مغايرة لجنس أبناء الإقليم أو لغته مغايرة للغتهم أو لونه مخالف للونهم فهو داخل في الأكثرية، إذ هو يتمتع بالحقوق كلها التي يتمتع  بها الأكثرية كما تجب عليه الالتزامات كلها التي يلتزم بها الأكثرية، وهذا أمر قد عمت به النصوص وتصرفات المسلمين في أزمنة الخلافة الراشدة، فمن النصوص التي دلت على ذلك قوله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فذكرت الآية اختلاف الناس وتمايزهم لكنها لم تجعل هذه الأشياء معيارا تترتب عليه الأحكام وإنما المعيار هو الإيمان وتقوى الله وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  في خطبته وسط أيام التشريق: “يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه..” الحديث  وفي هذا المعنى وردت أحاديث كثيرة، وقد جاء قوله تعالى في إهدار تلك الرابطة العرقية حينما قال: “وآخرين منهم لما يلحقوا بهم” وقد فسرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم” قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي -صلى الله عليه وسلم-حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً قال: وفينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم-يده على سلمان ثم قال لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء" فهذا سلمان الفارسي وهو من الجنس أو العرق الفارسي ليس من الجنس العربي وقد قيل فيه أنه “منهم“ وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المقابل عن أقارب له: “جهارا غير سر يقول: ألا إن آل أبي يعني فلانا ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين" وهذا بلال بن رباح رضي الله تعالى عنه وهو حبشي ومع ذلك فهو يتسنم مكانة عالية مرموقة حيث يقوم بأداء وظيفة عظيمة عند المسلمين وهي النداء للصلاة، وعندما عير أبوالدرداء أحد المسلمين بلونه قائلا له يا ابن السوداء قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “إنك امرؤ فيك جاهلية" فأهدرت النصوص التفريق بين المسلمين على أساس اللغات أو الألوان أو العرق أو الجنسيات مما يعني عدم الاعتداد بهذه الأمور في ميزان الشريعة كمقياس لتصنيف الأقلية، ولم تكتف النصوص بهذا القدر في جانب التفضيل والمكانة الدينية، وإنما حتى في مجال القيادة والحكم فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما ترويه عنه أم الحصين: “تقول حججت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حجة الوداع قالت فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قولا كثيرا ثم سمعته يقول إن أمر عليكم عبد مجدع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا" وهذا عمر رضي الله تعالى عنه وقد لقي نافع بن عبد الحارث بعسفان وكان عمر يستعمله واليا على مكة، فلما رآه بعيدا عن محل ولايته بادره بالسؤال فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ يريد مكة، فقال:استعملت ابن أبزى، ولما كان هذا الشخص مجهولا عند عمر سأله  قائلا: ومن ابن أبزى؟ قال:مولى من موالينا، فكأن عمر رضي الله عنه لم يرقه أن يجعل مولى لا تميز له أميراً على قريش، وهم خلاصة العرب، فقال كالمتعجب: فاستخلفت عليهم مولى! قال نافع -مقدماً المسوغات لما فعل-: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض، عندها قال عمر: أما إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم-قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" وقد جاء النهي عن العصبية القائمة على التناصر والتعاضد على أواصر الدم أو اللغة أو ما شابه ذلك فقد قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: “من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية" فإذا ذهبنا إلى التاريخ الإسلامي وجدنا كثيرا من رجالات العلم والقيادة ممن لم يكن من الأكثرية بل كان ممن يمكن أن يطلق عليهم لفظ الأقليَّات في العصر الحاضر، فعلى سبيل المثال لا الحصر هذا أبوحنيفة الفقيه الكبير ليس من الأكثرية العربية وكذلك أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري، وكذلك الإمام مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم كثير، وهذا عالم النحو العربي بلا مدافع سيبويه لم يكن من العرب، وهذا صلاح الدين الأيوبي من أشهر القادة المسلمين في تاريخ الحروب الصليبية من العرق الكردي وليس من العرب، وهذا قطز بطل عين جالوت الذي هزم التتار وهم من أشر الخليقة كان من المماليك، بل هذا طارق بن زياد فاتح الأندلس هو من البربر وليس من العرب، والقائمة طويلة جدا وإنما ذكرنا ذلك على سبيل التنبيه لا الحصر، ومن هنا يتبين بلا أدنى شك أن التباينات اللغوية أو العرقية أو اللونية لم يكن يعول عليها الإسلام في تعامله مع الناس، فمن الممكن جدا في نظام الإسلام أن يكون الوالي على إقليم من الأقاليم من إقليم آخر، أو ينتمي إلى قومية مغايرة، أو لون مختلف، وإن كان الأولى من ناحية السياسة الشرعية أن يؤمر على الناس من يألفونه ويلتفون حوله ويكونون له أطوع، وقد جرت طبائع الناس أن تكون أكثر ميلا لمن يشابههم في المظهر العام أو يوافقهم من حيث العقائد والتصورات، فإذا وجد شخصان صالحان للإمارة من أصحاب الاعتقاد الصحيح فإن تولية المشابه للقوم أفضل من تولية غيره، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه قوم مسلمين أمَّر عليهم من كانوا يرتضونه قبل الإسلام، ومما تقدم يتبين أن الأقليَّات اللغوية والعرقية واللونية قد اندمجت في الأمة اندماجاً حقيقياً وليس اندماجاً صورياً لا يتعدى المظهر الخارجي، فقد كانت المساواة حقيقية في التمتع بالحقوق التي كفلتها الشريعة وفي تحمل الالتزامات التي أوجبتها عليهم، وهذا الأمر لم تستطع أن تقوم به أية فكرة أو منهج من المناهج الداعية للحفاظ على حقوق الأقليَّات أو حقوق الإنسان، إذ جل ما استطاعت تحقيقه هو إصدار بعض التشريعات في ذلك، والتي لم تزد في أحيان كثيرة عن أن تكون حبرا على ورق، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويكفى أن نذكر ما تتعرض له نساء الأقليَّات المسلمة في تلك البلاد التي لا تمل عن الحديث عن حقوق الأقليَّات وعن عدم جواز التمييز الديني، وهن في الوقت نفسه يجبرن جبراً وقسرن قسراً بمقتضى القوانين على خلع الحجاب وعدم ارتدائه، لقد اتخذت مقولة الحفاظ على العلمانية مسوغاً لمنع النساء المسلمات من حقهن المشروع في ارتداء الحجاب، كما اتخذت الديمقراطية سلماً لإصدار التشريع الملزم القاضي بذلك، ولفرض دكتاتورية الأغلبية على الأقلية.



الأقليَّات بين الاندماج والتمايز:

هناك عوامل سواء من جانب الأقلية أو من جانب الأكثرية تدعو وتساعد على اندماج الأقلية في الأكثرية، كما أن هناك عوامل تدعو أيضا وتساعد على الاختلاف والتمايز، فعوامل الاندماج من جانب الأقلية كثيرة من أهمها شعورها أن اختلافها وتمايزها عن الأكثرية ليس عاملاً حاسماً في حصولها على حقوقها أو مساواتها بالأكثرية، فهي من ثم لا تحرص على البقاء أو الحرص على التمايز،وخاصة في الأنظمة العادلة التي تتعامل مع طبقات وشرائح المجتمع بالعدل والقسط، وأما العوامل التي تساعد على الاندماج من جانب الأكثرية فعلمها بأن موقفها من الأقلية ليس من باب الفضل والإحسان، وإنما هو حق كفلته لهم التشريعات، إضافة إلى رحابة صدر الأكثرية وحرصها على التآلف، وهذا يفسر حالة المجتمع الإسلامي الأول في صدر الإسلام حيث لم تظهر مشاكل الأقليَّات رغم وجودها، بل ذابت كثير من الأقليَّات واندمجت في الأكثرية (العرب)، وتغلبت عوامل التوحد والاتفاق بل والاندماج على عوامل الانعزال والابتعاد، وذلك أن الإسلام يوحد بين المسلمين ويساوي بينهم، ولا يعتد بتلك الفروقات القائمة على أساس المميزات الجسمية أو اللغوية أو الفيزيائية أو العرقية، ويتعامل مع المسلمين جميعا على أنهم إخوة، وقد ترتب على ذلك أن تحولت كثير من البلاد التي لم تكن يوما ما بلادا عربية إلى العربية فجميع البلاد العربية الموجودة اليوم باستثاء جزيرة العرب لم تكن عربية قبل ذلك كمصر والسودان والشام والعراق وبلاد المغرب وإنما تعربت بعد الفتح الإسلامي لها، ومن الممكن أن ننظر إلى مثال مبكر جدا في ذلك وهي قضية المؤاخاة بين الأنصار أصحاب البلد الأصليين يثرب (المدينة) وبين المهاجرين الأقلية القادمة من بلادها مهاجرة إلى الله ورسوله قد تركت ديارها وأموالها فجاءت فقيرة ليس معها شيء، فكان الأنصاري يشاطر أخاه المهاجري ماله وعقاره حتى أن أحدهم ليطلق إحدى زوجتيه حتى يتزوجها أخوه المهاجري وهو أعظم ما يكون الاندماج والامتزاج، وقد حدث ذلك بمحض الإيمان والرغبة وليس بالقهر أو الرهبة، وهذا الامتزاج والاندماج لم يكن يعني زوال الخصوصيات والتمايزات المحمودة، فقد ظل الأنصاري أنصاريا كما ظل المهاجري مهاجريا ولم يسع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه من بعده في القضاء على هذه التسميات لأنها لم تكن قائمة على العصبية، وكذلك القبائل لم يشرع القضاء عليها أو إلغاؤها بل قال الله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فحافظ عليها وأظهر الامتنان بوجودها، لكنه هذب مما يمكن أن يوجد معها مما يضر فنهى عن العصبية وعن التناصر القائم على آصرة الدم، ولذلك عندما حدثت مشادة بين رجل مهاجري كان يمزح مع رجل من الأنصار وقال الأنصاري: يا للأنصار يستنصر برهطه، وقال المهاجري: يا للمهاجرين يستنصر برهطه، قال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “ما بال دعوى أهل الجاهلية-ثم لما استفسرهم عن سبب ذلك التنادي- قال: دعوها فإنها خبيثة" وفي رواية “فإنها منتنة” وهذا بعكس ما إذا لم تشعر الأقلية بالأمان على نفسها والحصول على حقوقها فإنها تخشى من الذوبان في الأكثرية إذا تخلت عن خصوصياتها، لذلك فهي تجتهد في المحافظة على تميزها، فإذا تمت عملية الاندماج بناء على الاقتناع وتوفر شروط ذلك كان هذا من أكبر الأسباب في تآلف المجتمع وتماسكه، أما إذا حدثت عملية الدمج من غير توفر شروطها، أو حدثت بالقهر والعنف أوشك أن يعود التمايز أشد مما كان بمجرد زوال المؤثر الضاغط، ومشاكل الأقليَّات اللغوية أو العرقية وغيرها في الدولة الإسلامية لم تبرز إلى الوجود بهذا الشكل إلا مع تفتت الدولة وتمزقها وضياع معاني الخلافة الحقيقية -وإن ظلت أزمانا باقية من الناحية الشكلية- وقد زاد ذلك بصورة قوية مع قيام الدول العلمانية على أنقاض دولة الخلافة، واستعمار تلك الدول من قبل الدول الغربية التي بدأت في النفخ في أتون هذه المشكلة وتضخيمها، إن الظلم أو التهميش الذي يمكن أن يقال إنه وقع على الأقليَّات فيما مضى من الزمان لم يكن إلا ظلما وتهميشا للمجتمع كله الأقلية والأكثرية لصالح الأنظمة الحاكمة المستبدة، فالظلم الواقع على هذه الفئة هو نفسه الواقع على تلك، وذلك نتيجة البعد أو التغافل عن الشريعة، وإن مما يذهب بهذه المشكلة وينقضها من أساسها: التمسك بشريعة الإسلام والعمل بها، ونشر أحكامها بين الناس وتطبيقها على الجميع وفق تشريعها الذي لا يفرق بين المسلمين، وإن الحلول القائمة على إفساد الدين بالدعوة إلى العلمانية أو استيراد النموذج الديموقراطي لحل تلك المشكلة هي أفكار ضالة شاردة تزيد أوار المشكلة ولا تقوم بحلها، فهي كمن يحاول إطفاء الحريق بسكب النفط عليه، وإذا كان لنا أن نقدم بعض ما يمكن فعله في هذا المجال فإننا نوصي بما يلي: إفساح المجال أمام تلك القوى والمجموعات للتعبير عن نفسها وممارسة خصوصياتها (في حدود المسموح به شرعا) بدلا من ضغطها ومحاولة جعلها تابعة لنموذج الأكثرية في الدولة، وعدم التضييق عليها في التكلم بلغاتها الخاصة وتعليمها لأبنائهم، (وأما قيام الدولة بتعليم تلك اللغات الخاصة والإنفاق عليها فهي قضية مصلحية تعتمد على إمكانات الدولة وحاجتها لتلك اللغة والفائدة العامة الراجعة من تعليمها)، وفتح باب الوظائف في جميع المجالات بحيث تكون الكفاءة والقدرة على تحقيق الأهداف مع الصلاح هي المعيار، والابتعاد عن استخدام وسائل الدمج القسري والقهر لأن ذلك سرعان ما يزول بزوال القوة المؤثرة، وعدم التدخل في إعادة توزيع الانتشار الجغرافي للتأثير على تجمعاتهم سواء بالتشتيت والتفريق على مساحة واسعة، أو بالحصر والتضييق في مكان واحد، وإذا كانت تلك الأقلية موجودة على بقعة جغرافية واحدة بمعنى أنها ليست منتشرة في أرجاء الدولة فإن الأولى أن يعهد في إدارتها من حيث التعليم والقضاء والإمامة والشرطة ونحو ذلك إلى الأفراد المؤهلين الصالحين من هذه الأقلية، وإذا احتاجت إلى المعونة والمساعدة إما لعدم الكفاية أو عدم الخبرة أو عدم المؤهلات التي يحتاج إليها فلا مانع أن يقوم بذلك أناس يصلحون لذلك من غير هذه الأقلية إذ "المؤمنون أخوة “ولا يصلح أن تكون السياسة العامة المتبعة في مثل ذلك أن تدار هذه الأقليَّات بأفراد من خارجها حتى وإن وجد فيها  المؤهلون الصالحون للإدارة، فإن هذا مما يخالف السياسة الشرعية.



وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 25 أكتوبر 2024, 10:15 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية   وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية Emptyالأحد 02 سبتمبر 2018, 11:02 pm

قضايا الأقليَّات (الدينية والعقدية):

وإذ تبين بما تقدم أن الأقليَّات اللغوية والعرقية ونحوها (المسلمة التي لم تتميز باعتقاد فاسد) لا يخرج أصحابها عن الدخول في الأحكام العامة التي تعم جماعة المسلمين، فإننا نقصر الحديث هنا على الأقليَّات الدينية والعقدية:



1- المشاركة السياسية:

الدولة الإسلامية دولة ذات عقيدة ولها رسالة، ورسالتها ليست قاصرة على توفير الرفاهية ورغد العيش في الحياة الدنيا لأفرادها، وإنما هي مكلفة بالعمل وفق هذه العقيدة وتبليغ تلك الرسالة إلى كل من يمكن أن تصل إليهم، وهذا يتطلب جهدا كبيرا وبذلا عظيما مع ما تحتاج إليه الدولة من الجهاد في سبيل الله لبلوغ هذه الغاية، وهذا يعني أنه لا يقوم بهذه المهمة ولا يقدر على ذلك إلا من هو مؤمن بهذه الرسالة معتقد لها، مستعد للبذل والعطاء في سبيلها، يرى في نشرها وتبليغها الفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة، لذا كان من الأمور المنطقية ألا يقوم على هذه الدولة إلا المؤمنون برسالتها، ومن هنا يتبين أن ولي الأمر لا يجوز أن يكون ممن لا يؤمنون بهذه الرسالة، أو ممن يفهمونها فهما فاسدا يخرج بها عن الأمر الذي جاءت له، وهذا يعني أن الأقليَّات الدينية أو العقدية (المقبول وجودها في الدولة الإسلامية) لا يسمح لها بتولي هذا المنصب، لأنها غير مؤتمنة على هذا الأمر، وتكليفها بتولي الأمر، يعني أحد أمرين: إما تكليفها بالعمل والسعي في نصرة ما يناقض أو يخالف دينها أو عقيدتها وهذا يعد إكراها، وإما التفريط في رسالة الدولة وإضاعتها وكلا الأمرين غير مقبول، يقول محمد أسد رحمه الله: “إننا يجب ألا نتعامى عن الحقائق فنحن لا نتوقع من شخص غير مسلم مهما كان نزيها مخلصا وفيا محبا لبلاده متفانيا في خدمة مواطنيه أن يعمل من صميم فؤاده لتحقيق الأهداف [الايديولوجية] للإسلام وذلك بسبب عوامل نفسية محضة لا نستطيع أن نتجاهلها، إنني أذهب إلى حد القول أنه ليس من الإنصاف أن نطلب منه ذلك، ليس هناك في الوجود نظام [أيديولوجي] سواء قام على أساس الدين أو غير ذلك من الأسس الفكرية من نوعٍ يمكن أن يرضى بأن يضع مقاليد أموره في يد شخص لا يعتنق الفكرة التي يقوم عليها هذا النظام" ومن هذا المنطلق أيضا فلا تقبل مشاركتهم في اختيار من يقوم بهذا الأمر من صالح المسلمين، لأنهم قد لا يختارون الصالح لتولي الأمر وإنما يختارون حسب مصالحهم أو عقائدهم، وقد لا يدركون تحديد الصالح لتولي الأمر لأن مقاييسهم في الاختيار ليست قائمة على أساس الشريعة الإسلامية التي هي كل شيء في الدولة الإسلامية، وما جاء في النصوص الشرعية وكلام أهل العلم دال على ما ذكرناه قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” وقال تعالى: “وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم..” الآية فدلت الآيتان على أن ولي الأمر إنما يكون من المؤمنين العدول ليس من الكافرين وعلى ذلك اتفقت كلمة المسلمين، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء، قال القاضي عياض رحمه الله: “أجمع العلماء على أن الإمامة لاتنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل" ونقل ابن القيم عن ابن المنذر قوله: “أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية  له على مسلم بحال " وكذلك المسلم غير العدل فلا تجوز توليته اختيارا، سواء كانت عدم عدالته من قبل الفسق والظلم أو من قبل الابتداع ومفارقة الجماعة، فالخارجي أو الرافضي أو الجهمي أو القدري ونحوهم لا يجوز أن تعقد لهم الإمامة على الاختيار، وهذا المنع ليس قاصرا على الولاية الكبري فإن الولايات جميعها يشترط لها الإسلام والعدالة إلى جانب شروط أخرى، فمن لم يتحقق بهذه الشروط فلا تجوز توليته، وهذا ينطبق على الأقليَّات الدينية كما ينطبق على الأقليَّات العقدية.



2- تولي الوزارة:

الوزير هو شخص يساعد ولي الأمر فيما تحمَّله من أمانة القيادة، ويشير عليه بما يراه من المصلحة ويشد من أزره عند المهمات، وقد يفوض ولي الأمر وزيره في تدبير أمور ما استوزره فيه حتى يدبره على رأيه ووفق اجتهاده، فيكون له الاستقلال في ذلك، وقد يعهد إليه بتنفيذ ما يدبره ولي الأمر وفق التعليمات والأوامر التي يصدرها إليه أو وفق الأنظمة المعمول بها والتي ينبغي عليه الالتزام بها وعدم مجاوزتها، ويشار للأولى على أنها وزارة تفويض ويشار للثانية على أنها وزارة تنفيذ، ومن الممكن أن يقال إن غالبية الوزارات اليوم إن لم يكن جميعها وزارات تنفيذ وليس وزارات تفويض إذ الأمور في الوزارة إنما تسير وفق القوانين واللوائح المنظمة لعمل الوزارة، فجل عمل الوزير مقصور على التنفيذ، وما كان فيه من تدبير فهو تدبير في إطار التنفيذ، وأيا ما كان الأمر فإن الإسلام والعدالة مطلوبان فيمن يتولى هذه الوزارة سواء كانت وزارة تفويض أو وزارة تنفيذ، ووزارة التنفيذ عند أهل العلم حكمها أضعف من حكم وزارة التفويض وشروطها أقل، نظرا للاختلاف بين طبيعة الأمرين، وقد ذكر الماوردي في أوصاف وزير التنفيذ سبعة أوصاف قال: “والسابع أن لا يكون من أهل الأهواء فيخرجه الهوى من الحق إلى الباطل ويتدلس عليه المحق من المبطل فإن الهوى خادع الألباب وصارف له عن الصواب" أما شروط وزارة التفويض فهي أشد وقد ذكرها الماوردي فقال: “ويعتبر في تقليد هذه الوزارة شروط الإمامة إلا النسب وحده لأنه ممضي الآراء ومنفذ الاجتهاد فاقتضى أن يكون على صفات المجتهدين، ويحتاج فيها إلى شرط زائد على شروط الإمامة وهو أن يكون من أهل الكفاية فيما وكل إًليه"، وهذا مما يبين أن الأقليَّات الدينية أو العقدية ليس لها أن تشغل هذا المنصب العالي، لكن الماوردي رحمه الله رغم كلامه عن الوصف السابع لوزير التنفيذ إلا أنه ذكر أنه” يجوز أن يكون هذا الوزير من أهل الذمة"، ولعل الذي دعا الماوردي رحمه الله لذلك هو تصويره لهذا النوع من الوزارة على أنه ليس ولاية “فهو معين في تنفيذ الأمور وليس بوال عليها ولا متقلدا لها" وذلك لما تقرر عنده أن الولاية لا يجوز عقدها لغير المسلم، لكن الماوردي مع ذلك محجوج بالنصوص الشرعية التي تنهى عن ذلك ومحجوج بعمل الخلفاء الراشدين وأصحاب السيرة المستقيمة من الخلفاء الأمويين أو العباسيين،وقد رد عليه الجويني الشافعي رحمه الله بكلام شديد فقال:"ذكر مصنف الكتاب المترجم بالأحكام السلطانية أن صاحب هذا المنصب يجوز أن يكون ذميا، وهذه عثرة ليس لها مقيل، وهي مشعرة بخلو صاحب الكتاب عن التحصيل، فإن الثقة لا بد من رعايتها، وليس الذمي موثوقا به في أفعاله وأقواله وتصاريف أحواله، وروايته مردودة وكذلك شهادته على المسلمين، فكيف يقبل قوله فيما يسنده ويعزيه إلى إمام المسلمين” ثم ذكر بعضاً من الأدلة إلى أن يقول: “وقد نص الشافعي رحمة الله عليه أن المُترجِم الذي ينهي إلى القاضي معاني لغات المدعين يجب أن يكون مسلماً عدلاً رضياً ولست أعرف في ذلك خلافا بين علماء الأقطار فكيف يسوغ أن يكون السفير بين الإمام والمسلمين من الكفار".



3- تحيُّز الأقلية وتجمعهم في مكان:

الأقليَّات الدينية وكذلك الأقليَّات العقدية هم من أهل دار الإسلام، ولهم الحرية في أن يسكنوا في أية ناحية أرادوا، ويظعنوا عنها متى ما أرادوا وينزلوا في مكان آخر كيفما شاءوا، ولهم أن يتجمعوا في أية بقعة من بقاع الدولة لا يحجر عليهم ذلك ولا يمنعون منه، إلا أن يظهر من ذلك ريبة ويُخاف منهم الخيانة فإنهم في هذه الحالة يتابعون، وإذا ثبت عليهم شيء من ذلك بوسائل الإثبات الشرعية فإنهم يمنعون من ذلك ولا يمكنون منه، ويحاسبون بمقتضى الشريعة على ما تستحقه أعمالهم وتصرفاتهم، وقد انحاز بعض الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقاموا ببناء مسجد بزعم مساعدة الضعفاء على الصلاة في الجماعة "فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية" و” قالوا: يا رسول الله ربما جاء السيل يقطع بيننا وبين الوادي، ويحول بيننا وبين القوم، فنصلي في مسجدنا، فإذا ذهب السيل صلينا معهم" ولكن حقيقتهم كانت مُغايرة لذلك وإنما كانت للإضرار كما ذكر الله تعالى ذلك عنهم: “والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكُفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لِمَنْ حارب اللهَ ورسوله” فمنع الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة فيه وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بهدم هذا المسجد وإحراقه، فإذا تبين أن هذه الأقليَّات قد انحازت إلى مكان أو بقعة بقصد الإضرار بالمسلمين فلا يُمَكَّنُونَ من ذلك، وليس في هذا ظلم لهم لأن هذا من باب منع الضرر، والشريعة تمنع الضرر عنهم وعن غيرهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار"، وفي عهد الخليفة الراشد علي رضي الله تعالى عنه خرجت الطائفة التي عرفت باسم الخوارج وتميزوا عن بقية المسلمين وتحيزوا إلى مكان لكن عليا لم يجعل ذلك داعيا لقتالهم أو محاربتهم حتى يسفكوا الدم الحرام، فراسلهم رضي الله عنه وأرسل إليهم من أهل العلم حبر الأمة وتَرْجُمان القرآن عبد الله بن عباس ليناظرهم ويزيل الشبهة عنهم ويوضح لهم المحجة فرجع كثير منهم، وبقيت منهم بقية أفسدوا في الأرض وسفكوا الدم الحرام فلم يقاتلهم ولكن أرسل إليهم يطلب منهم القصاص فلما رفضوا عند ذلك قاتلهم رضي الله عنه وجنده، وقد ذكر البيهقي في سننه قصة الخوارج وبوب عليها بقوله “باب القوم يظهرون رأي الخوارج لم يحل به قتالهم" أي مجرد التكلم والاعتقاد لرأي الخوارج فإنه وإن كان خطأ وضلالا إلا إنه لا يحل قتالهم بمجرد ذلك ما لم يفعلوا فعلا يستوجب القتال، وقد ذكر القصة مرة أخرى وبوب عليها بقوله” باب الخوارج يعتزلون جماعة الناس ويقتلون واليهم من جهة الإمام العادل قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان في ذلك عليهم القصاص" وقد ذكر ابن تيمية قصتهم في الفتاوى فقال: “خرجت الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفارقوه وفارقوا جماعة المسلمين إلى مكان يقال له حروراء فكف عنهم أمير المؤمنين وقال: لكم علينا أن لا نمنعكم حقكم من الفيء ولا نمنعكم المساجد إلى أن استحلوا دماء المسلمين وأموالهم فقتلوا عبد الله بن خباب وأغاروا على سرح المسلمين ; فعلم علي أنهم الطائفة التي ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: “يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية آيتهم فيهم رجل مخدج اليد عليها بضعة عليها شعرات" وفي رواية: “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان “فخطب الناس وأخبرهم بما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وقال: هم هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرح الناس فقاتلهم ووجد العلامة بعد أن كاد لا يوجد فسجد لله شكرا" وقد قال الماوردي نحو ذلك حيث يقول: “فإذا اعتزلت هذه الفئة الباغية أهل العدل وتحيزت بدار تميزت فيها عن مخالطة الجماعة فإن لم تمتنع عن حق ولم تخرج عن طاعة لم يحاربوا ما أقاموا على الطاعة وتأدية الحقوق"



4- الأقليَّات والجهاد في سبيل الله:

الجهاد في سبيل الله فريضة من فرائض الدين وعبادة من العبادات التي طولب بها المسلمون، وشأن العبادات في الإسلام أن يشترط في التكليف بها الإسلام فلا يكلف بها غير المسلم، وكذلك لا يصح أداؤها من غير المسلم، وعلى ذلك فإن الأقليَّات الدينية لا يتوجه إليها الخطاب بالجهاد رغم أنها تقيم في دار الإسلام وتتمتع بالحماية فيها، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك عندما جاءه مشرك يعرض عليه الخروج معه للجهاد تقول عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- “خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-جئت لأتبعك وأصيب معك قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فارجع فلن أستعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-كما قال أول مرة قال فارجع فلن أستعين بمشرك قال ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانطلق" وهذه هي القاعدة العامة لكن في بعض الحالات الاستثنائية وفق شروط حددها أهل العلم يجوز الاستعانة بهم من غير إجبار لهم على ذلك، وعلى أن يكونوا تحت يد المسلمين فلا يستبدون بالأمر بل هم خاضعون لقيادة الجيش الإسلامي، وأما الأقليَّات العقدية فهم مطالبون بالجهاد وابتداعهم في الدين لا يسقط عنهم الفريضة فقد قال تعالى: “كتب عليكم القتال وهو كره لكم” وهذه الكتابة تشمل جميع المسلمين فلا يختص بها أهل العدل دون أهل الأهواء، وقد قال علي رضي الله تعالى عنه في حديثه للخوارج -وهم أهل الفرقة والابتداع-: "لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال" وموضع الدلالة قوله رضي الله عنه: ”ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا” فهو لم يمنعهم من القتال في سبيل الله ولم يحرمهم منه، لكن يستثنى في المشاركة في الجهاد من الأقليَّات العقدية من يكون خروجه ضررا على الجيش المجاهد، كمن عرف عنه من يكون وجهه ونصيحته لأعداء الأمة، ومن وجدت منهم الخيانة وكالجبناء الضعفاء الذين يبثون روح الإحباط والهزيمة في نفوس الجيش، ولا شك أن هناك من الأقليَّات من عرف عنهم خيانتهم للأمة وإعانة أعدائها عليها وتجسسهم عليها لمصلحة العدو، وبذر بذور الخلاف والشقاق بين المجاهدين، فلا يُمكَّن هؤلاء من الخروج للجهاد لأن خروجهم شر ووبال على الجيش المقاتل وقد جاءت آيات في كتاب الله تعالى في منع خروج من يكون في خروجه الضرر من ذلك قوله تعالى: “فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ” فقد منع الله السماح للمنافقين بالخروج للجهاد عقوبة لهم على تخلفهم وقعودهم عن نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  في خروجه لغزوة تبوك، وقد بين الله تعالى أن خروج مثل هؤلاء فيه الضرر الكبير فقال تعالى: “لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” كما منع الله تعالى خروج الأعراب للقتال في خيبر عقوبة لهم على تخلفهم في الخروج للحديبية فقال تعالى: “سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا” وقد نص كثير من العلماء على عدم جواز السماح للمخذل بالخروج مع الجيش قال القرطبي في تفسيره لآيات منع المنافقين: “وهذا يدل على أن استصحاب المخذل  في الغزوات لا يجوز" وقال في المبدع: “ويمنع المحذل وهو الذي يفند الناس عن الغزو ويزهدهم في الخروج إليه، والمرجف وهو الذي يحدث بقوة الكفار وضعفنا لقوله تعالى "ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين... “الآية التوبة، وكذا يمنع مُكاتب بأخبارنا، ورام بيننا بالفتن ومعروف بنفاق وزندقة؛ لأن هؤلاء مضرة على المسلمين فلزم الإمام منعهم إزالة للضرر" وقال الغزالي: “وأما المخذل  الذي يضعف القلوب ويكثر الأراجيف فيخرج عن الصف إذا حضر فإن شره عظيم، ولا يستحق السهم والرضخ وإن حضر، وهو أقل ما يعاقب به" وقال النووي: “المخذل  للجيش يمنع الخروج مع الناس وحضور الصف، فإن حضر لم يعط سهما ولا رضخا" وقد قال أبو بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للذين قاتلهم من المرتدين لما أظهروا التوبة والعودة: اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية، قالوا: هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية؟ فقال رضي الله تعالى عنه لهم كلاما كان مما جاء فيه” تنزع منكم الحلقة والسلاح وتمنعون من ركوب  الخيل” أي عدم تمكينهم من الحصول على السلاح والقوة وعدم المشاركة في الجهاد، لأنهم موضع ريبة وعدم ثقة، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى معلقا على ذلك: “فهذا الذي فعله الصحابة بأولئك المرتدين بعد عودهم إلى الإسلام يفعل بمن أظهر الإسلام والتهمة ظاهرة فيه، فيمنع أن يكون من أهل الخيل والسلاح والدرع التي تلبسها المقاتلة".



5- الأقليَّات والإدارة:

قد توجد في الإدارة معاني الولاية وقد لا توجد فيها تلك المعاني، فأما الإدارة التي لاتوجد فيها تلك المعاني فإنه يجوز أن يعهد للأقليات الدينية في القيام بها، وذلك مثل الإدارة الفنية التخصصية، فلا بأس في استخدامهم فيما ليس لهم فيه سلطان على المسلمين بحيث لا يكونوا تحت أيديهم، فقد استخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة دليلا مأمونا من الكفار يدله على الطريق وكذلك استخدم بعض أسرى غزوة بدر من المشركين في تعليم أبناء الأنصار الكتابة وجعل ذلك فداءهم، وأما الولاية أو ما فيه اطلاع على أسرار المسلمين فليس لهم أن يتولوا من ذلك شيئا، وأما الأقليَّات العقدية “فهؤلاء أقسام: أحدها الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته ولايمنع من الاستعانة به في أمور المسلمين، الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق لكنه يترك ذلك اشتغالا بدنياه ومعاشه فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السُّنَّة والهدى ردت شهادته ولم يستعمل في أمور المسلمين، وإن غلب ما فيه من السُّنَّة والهدى ما فيه من البدعة والهوى جاز استعماله في أمور المسلمين، الثالث: من يعرف الحق ويتبين له الهدى بعد السؤال والطلب فيترك ذلك تقليدا وتعصبا لأصحابه، أو بغضا ومعاداة لمخالفهم، فهذا أقل أحواله أن يكون فاسقا وتكفيره محل اجتهاد، فإن كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه، ولم تقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم  ولا يستعان به في أمور المسلمين إلا عند عدم القدرة على تنفيذ ذلك، أو عند الضرورة كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم" وقال ابن مفلح: “تحرم الاستعانة بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين لأنهم أعظم ضررا لكونهم دعاة” فعلل ذلك بكونهم دعاة أي يدعون الناس إلى بدعتهم، فمن لم يكن داعية لم يجر عليه الحكم السابق؛ إذ ليس من كان مصرا على البدع داعيا إليها كمن كان ساكتا، وينبغي عدم المسارعة في التكفير بل ينبغي التأني والتريث واستيضاح الأمور حتى لا يكون الإقدام على ذلك إلا ببينة لا تداخلها الشكوك، وقد نقل المباركفوري عن القاري قوله: “الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم ومن ثم لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم وإنكاحهم والصلاة على موتاهم ودفنهم في مقابرهم لأنهم وإن كانوا مخطئين غير معذورين حقت عليهم كلمة الفسق والضلال إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم، لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السُّنَّة والآيات من [غير] تأويل سائغ، وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه فلم يقصروا، ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم "، وهذه الأقليَّات العقدية ينبغي السعي في إزالة أخطائهم وجهلهم عن طريق الدعوة الواضحة بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر العلم الصحيح بينهم، ومناظرة من يحسن المناظرة منهم مناظرة من يريد هدايتهم وإخراجهم من ظلمات الابتداع والتفرق إلى نور السُّنَّة والجماعة، لا مناظرة من يريد إفحامهم ولإقامة الحجة وكفى، وقد تكون مثل هذه المناظرات ذات جدوى إذا تمت مثنى مثتى أو نحوا من ذلك، حتى إذا أقيمت الحجة وأزيلت الشبهة ولم يبق إلا مجرد العناد والإصرار على الباطل فإنهم والحالة هذه يعاقبون المعاقبة الشرعية التي تناسب ذلك.



6- الأقليَّات وحرية التعبير عن  الخصوصيات:

الدولة الإسلامية دولة عقدية من واجباتها حراسة الدين وسياسة الدنيا به، ولا تقتصر مهمتها على توفير رغيف الخبز كما يقال، أو حتى تحقيق رفاهية الشعب وجعله يحيا حياة رغيدة، لذلك فإن قضية حرية التعبير عن الخصوصيات الدينية أو العقدية لا بد أن ينظر إليها من خلال هذا المنظار، لكن هذه المسألة ينظر إليها بعض الناس من خلال منظار غير صحيح إذ يرون أن من هذه الحرية أن تتمتع الأقليَّات الدينية بحرية الدعوة إلى عقائدها بين الأكثرية، وهذا لا شك تصور فيه مغالطة كبيرة، إذ ما علاقة حرية الأقليَّات في التعبير عن خصوصياتها بنشر ذلك بين الأكثرية، بل هذا فيه تعدٍ كبير على حقوق الأكثرية، بل إنه مدعاة للتهييج والاحتراب الداخلي إذ أن الأكثرية وهي وارثة الدين الحق لا يمكن أن تقبل بمحاولة الأقليَّات الضالة بنشر ضلالها بين المسلمين، فكان السماح لهم بالقيام بذلك من أحد أهم أسباب عدم الاستقرار في المجتمع، وكان منعهم من ذلك إضافة إلى أنه واجب شرعي مدعاة للاستقرار وحفاظا على تلك الأقلية من غضبة الأكثرية، ومن العجب أن الأكثرية لو دعت بين الأقلية لنشر دينها لعدوا ذلك من التعدي على حقوق الأقليَّات مع أن دعوة المسلمين الأقليَّات الدينية إلى اعتناق الإسلام هو دعوة إلى الدين الصحيح الذي يحبه الله ويرضاه، ودعوة المسلمين لغيرهم هي في الحقيقة من قبيل الخير والمعروف الذي يقدمونه لهداية الضالين من الناس، والمعنى الصحيح لحرية الأقلية الدينية في التعبير عن خصوصياتها أنها لا تكره على تغيير دينها، وأنه يسمح لها بممارسة شعائر دينها كما يسمح لها بتعليم ذلك لأولادهم، لأن عقد الذمة مبني على ضمان حريتهم في ممارسة شعائر دينهم، وعدم التدخل في خصوصيات دينهم، وإن كان لا يجوز للدولة المسلمة أن تدفع راتبا من بيت مال المسلمين لمن يقوم بتعليم الأقليَّات الدينية دينها، وأما الأقليَّات العقدية فإن هذه الأقليَّات مسلمة ومن ثم  يجب عليها الالتزام بالإسلام كما أراده الله تعالى، وكما أنزله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولذا فإن دولة الإسلام لا يجب عليها تعليم مذاهبهم البدعية أو نشرها، بل لا يجوز لها ذلك لأن مهمتها في الحفاظ على الإسلام وتبليغه للعالمين.



7- الأقليَّات بين التمييز والتهميش:

التمييز والتهميش لفظان يستخدمان بكثرة في موضوع الأقليَّات ويتعامل معهما في أحيان كثيرة على أنهما مترادفان وليس الأمر كذلك فالتمييز يراد به الفصل بين الأشياء، وأما التهميش فيراد به الإهمال، ولا ينبغي تهميش الأقليَّات سواء كانت دينية أو عقدية بل ينبغي أن تعطى حقها وأن يتم التعامل معها بالعدل، وتاريخنا الإسلامي حافل بالعدل مع الأقليَّات وإعطائها حقوقها، لكن التمييز أمر آخر إذ حقيقة الأمر أنه ما من مكان على وجه الأرض إلا وفيه تمييز بين الناس، فلا يمكن أن يعطى مثلا العالم أو الطبيب أو المهندس راتبا يتساوى مع راتب عامل النظافة، بل في داخل المهنة الواحدة يحدث التمييز والتفاضل بين الناس على أساس طبيعة المهمة والجهد المبذول والخبرة وغير ذلك من الأمور، ولكن المشكلة الحقيقية أن يتم التمييز بين الناس على أساس غبر صحيح، فالتمييز على أساس أمور لا دخل للإنسان فيها تمييز غير صحيح كالتمييز على أساس اللون أو اللغة أو العرق، أما التمييز بين الناس الناشيء عن أفعال الناس وتصرفاتهم وما كسبته أيديهم فهذا تمييز يقوم على أساس صحيح ومحاولة إلغاء التمييز على أساس العمل هو إفساد للعالم كله، ولا يقبل أحد بذلك ولن تستقيم به الحياة، فالعالم كله مسلمه وكافره قائم على التمييز على أساس العمل لأن إلغاءه يعد من السفه، ولا شك أن الإيمان من أعظم العمل فكيف يقبل في العقول أن يُلغى التمييز القائم على أساس الإيمان، فالتدين والاعتقادات عمل من كسب الإنسان، والدين منه حق ومنه باطل، ومنه إيمان ومنه كفر، فلو لم يكن هناك تمييز على أساس الإيمان لكان في هذا أعظم الظلم، حيث يساوى بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، لذلك كانت مسألة الولاء والبراء من الأمور العظيمة في الإسلام وهي في حقيقتها تمييز بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر وعدم المساواة بينهما، ولا تفسد الحياة بشيء أكثر من فسادها بالتسوية بين الحق والباطل، غير أن هذا التمييز ليس تمييزا أبديا لأنه لا يقوم على أمور لا دخل للإنسان فيها كاللون والجنس والقوم، وإنما هو قائم على عمل كسبي يمكن لكل أحد أن يسعى أو يقوم بتغييره، فبإمكان الكافر أن يسلم وبإمكان أهل الفرق أن يعودوا للسنة، وبذلك لا يكون هناك تمييز بالنسبة لهم وذلك بعكس التمييز الباطل القائم على صفات لازمة في الإنسان لا هي من كسبه ولا يقدر على تغييرها، فسيظل هذا التمييز قائما دون وجود بارقة أمل في انتهائه، وقد دل على هذا التمييز القائم على أساس عمل الإنسان آيات كثيرة من كتاب الله تعالى فقال عز من قائل: “أفنجعل المسلمين كالمجرمين” وقال تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” وقال تعالى: “لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة” وقال: “أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون” وغير ذلك من الآيات، كما ميزت الأدلة الشرعية بين الناس على أساس الإيمان في أسمائهم وأحكامهم في الدنيا وفي الآخرة، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بما هو قائم في دول الغرب عندما منعوا التمييز القائم على أساس الدين،فإنما ذلك لهوان الدين عندهم حيث لا يستحق أن يكون عاملا من عوامل التمييز، ولعل ذلك راجع عندهم إلى ما وجدوه في دينهم من الفساد والأباطيل التي لا يمكن قبولها، ولأن الذي في هذه الدول ليس أكثر من رغد العيش، لكنهم لا يقيمون حقا أو يرفعونه ولا يرفضون باطلا أو يضعونه إلا ما فيه مصلحة لهم، فالحق والباطل عندهم تابع للمصالح والمنافع التي يجنونها من وراء ذلك حسب المذهب النفعي (البراجماتي) الذي يسيرون عليه، وتاريخهم القديم والحديث دليل على ذلك، فقد احتلوا كثيرا من الدول بغير مسوغ: فأكلوا خيراتها ونهبوا ثرواتها، وساموا أهلها سوء العذاب: فقتلوا الرجال ورملوا النساء ويتموا الأطفال، وأفسدوا في الأرض ونشروا فيها الرذائل والموبقات، في أمور كثيرة يصعب حصرها، فما قدمت هذه الأنظمة للإنسانية من الدمار والفساد والظلم، أكثر بكثير مما قدمته من العدل والحرية والإعمار، لكن التمييز في ديننا لا يعني الظلم ولا إضاعة الحقوق، سواء حقوق الأقليَّات الدينية أو الأقليَّات العقدية، فالظلم حرام حتى مع الأعداء ولا يبيحه شيء، فمع إقرارنا بالتمييز القائم على أساس الإيمان فإنه ينبغي أن ينال كل إنسان حقه بمقتضى ما شرع الله من غير بخس.



وفي الختام:

إن مشاكل الأقليَّات التي بدأت تظهر في بلاد المسلمين لم تكن إلا نتيجة الاحتلال الذي وقعت تحته أغلبية دول المسلمين، ثم ظهور الدولة القومية بعد الاستقلال وما نتج عن ذلك من ضعف دولة الخلافة وتفككها وزوال الرابطة الدينية التي كان يرتبط بها المسلمون جميعهم، فلا توجد مشكلة تتعلق بالأقليَّات في الدولة التي تقوم على أساس الإسلام؛ إذ الأقليَّات الموجودة فيها جميعها من رعاياها سواء كانت أقليات دينية أو أقليات عقدية وهي تخضع للتشريعات السائدة فيها، وهي إما أمور جاءت بها النصوص وإما اجتهاد سائغ لأهل العلم مبني على النصوص ومراع فيه تحقيق مقاصد الشريعة في التعامل مع المخالفين:وهي تقوم على أمرين الأول: دعوتهم إلى الحق ومحاولة إقناعهم به والاجتهاد في ذلك وتيسير أسبابه من غير إكراه أو إجبار، والثاني: معاملتهم بالعدل وعدم الظلم لهم أو التعدي عليهم عند استحكام الخلاف وفق ما ترشد إليه الشريعة، والله الموفق لكل خير.



وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
وضع الأقليَّات في الدولة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حقوق المرأة في ظل الدولة الإسلامية
» أثر جيش أسامة على هيبة الدولة الإسلامية
»  الهجرة وإقامة الدولة الإسلامية الأولى
» وإمَّا أن لا تعلن تلك الدول والكيانات الحرب على الدولة الإسلامية
» تطبيق السياسة الشرعية على أصل علاقة الدولة الإسلامية بغيرها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: فقه الأقليَّات المُسلمة-
انتقل الى: