اسم الله: " المتكبر "
اسم الله: " المتكبر " 19883610
لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي
تفريغ: عرفان نابلسي

تدقيق لغوي: الأنسة عفاف الجزائري
تنقيح نهائي: المهندس غسان السراقبي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم، الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
أيها الإخوة الأكارم:
مع الدرس الثامن من دروس أسماء الله الحسنى.

أيها الإخوة:
لا بد من أن نعرف الله، و معرفة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى جزء من معرفته، إنه موجود وإنه واحد وإنه كامل، لابد من معرفة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى لقول النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ* (صحيح البخاري)

ولكن الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى لا يعرفه إلا الله هذه حقيقة يجب أن تكون بين أيدينا، لا يعرف الله إلا الله ونحن إذا أردنا أن نعرفه كمن يأخذ مخيطا ويغمسه في مياه البحرثم لينزعه فلينظر بم يرجع؟ هذا تشبيه ورد في الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام: "ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر" فإذا كانت معرفة الله سبحانه وتعالى بحراً فمعرفة الإنسان لله عز وجل لا تزيد عن ما يحمل المخيط إذا غمس في مياه البحر، ولكن كما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "أخذ القليل خير من ترك الكثير"  

سؤال:
هل بالإمكان أن نضرب بعض الأمثلة كي نتعرف إلى الله عز وجل؟ أيجوز أن نضرب أمثلة منتزعة من حياتنا من أجل توضيح بعض الحقائق؟

يجوز.. ولله المثل الأعلى، سآتيكم بالدليل، الدليل هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعرفنا بذاته فضرب المثل فقال: "ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{28} (سورة الروم: 28).

ربنا سبحانه وتعالى من أجل أن يعرفنا بأنه لا إله إلا الله ولا شريك له ولا أحد يشركه في حكمه ضرب هذا المثل، إذاً يمكن أن أستخدم بعض الأمثال لمعرفة أسماء الله الحسنى والسبب أن اسم اليوم هو المتكبر، وكلمة المتكبر إذا أطلقت على إنسان تنفر النفس منه، ولكن المتكبر هو الله سبحانه وتعالى.

فمن أجل أن أوضح لكم هذا الاسم أنا مضطر إلى أن أضرب بعض الأمثال:
إنسان بحاجة ماسة إلى مئة ألف ليرة ليجري بها عملية جراحية تحدد مصيره بالحياة، لابد من أن تجرى هذه العملية ولا بد من هذا المبلغ، ولا يملكه، توجه إلى رجل من أقربائه فقال: أمعك هذا المبلغ؟ قال له: نعم معي هذا المبلغ وهو كاذب، وتوجه إلى إنسان آخر من أقربائه وسأله نفس السؤال قال: أمعك هذا المبلغ؟ قال: نعم معي وهو صادق، فالذي قال: نعم معي هذا المبلغ ولا يملكه هذا الكلام يكون ناقصاً، ويدعي ما ليس له، والثاني لو أنه قال لقريبه لا ليس معي شيء وتواضع يعد ناقصاً، يجب أن يقول معي هذا المبلغ وخذ هذا المبلغ.

فالتكبر في الله كمال وفي العبد نقص لأن الله خالق الأكوان بيده ملكوت كل شيء كن فيكون وإليه يرجع الأمر كله لا نهاية لعظمته لا نهاية لكماله لا نهاية لعلمه لا نهاية لقوته، فإذا تكبر الله سبحانه وتعالى أي عرف أنه عظيم وهذا ينقلنا إلى اسم آخر من أسماء الله الحسنى وهو اسم المؤمن يعرف نفسه.

إذا كنت تحمل أعلى شهادة في اللغة العربية وجلس إلى جانبك إنسان يحمل الإعدادية وقرأ النص أمامك فإذا في قراءته أغلاط كثيرة، وأنت مهما كنت متواضعا ألا تعرف أنك في اختصاصك متفوق وتحمل الدرجة العلمية وأن هذه القراءة كلها أغلاط ؟ نعم.

إذا بادئ ذي بدء إذا قال الجبان: أنا شجاع فهذه صفة نقص في حقه، وإذا قال البخيل: أنا كريم فهذا الكلام نقص في حقه، وإذا قال الجاهل: أنا عالم فهذا نقص في حقه، أما إذا قال العالم: أنا عالم وسأجيبك عن سؤالك رحمة بك هذا كمال، وإذا قال الشجاع: أنا شجاع وسأدافع عنك هذا كمال، وإذا قال الكريم: أنا كريم وخذ هذا كمال.

فعندما نقول:
إن الله متكبر فهو من أسماء الكمال، وعندما تقول: فلان متكبر فالتكبر صفة نقص في الإنسان، هذه الحقيقة الأولى في هذا الدرس، أي الإنسان إذا قال: المتكبر الجبار المنتقم ينبغي أن يسأل أهل الذكر.

المتكبر هو الذي يرى الكل حقيراً بالإضافة إلى ذاته ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد.

الله خالق السموات والأرض بيده ملكوت كل شيء إليه يرجع الأمر كله إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فإذا كان الله متكبراً فهو يعرِّف ذاته وهذا يتصل باسم آخر من أسمائه الحسنى ألا وهو المؤمن.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هَنَّادٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ* (سنن أبي داوود).

وفي رواية أخرى: قصمته ولا أبالي.

بعض العلماء يقول:
"المتكبر من الكبرياء والكبرياء هو الملك" قال تعالى: "قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ{78}" (سورة يونس: 78).

فالمتكبر هو الملك الذي لا يزول سلطانه والعظيم الذي لا يجري في ملكه إلا ما يريد وهو الله الواحد القهار هذا معنى من معاني المتكبر.

معنى آخر المتكبر من الكبير والعظيم لقوله تعالى:
"فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ{31}" (سورة يوسف: 31).

ومعنى أكبرنه أي عظمنه ومعنى قطعن أيديهن كما قال العلماء جرحن أصابعهن.

الله متكبر أي كبير ليس لكبريائه نهاية وهو عظيم ليس لعظمته غاية، هذا المعنى الثاني من معاني المتكبر، والمعنى الثالث المتكبر هو الذي تكبر عن ظلم العباد والمتكبر هو الذي انفرد بالكبرياء والملكوت وتوحد بالعظمة والجبروت والمتكبر هو الذي بيده الإحسان ومنه الغفران والمتكبر الذي ليس لملكه زوال ولا لعظمته انتقال.

أيها الأخوة الأكارم:
من معاني المتكبر العظيم ذو الكبرياء وأصل التكبر الامتناع وعدم الانقياد، الله سبحانه وتعالى طليق الإرادة، والمتكبر هو الذي تكبر عن كل نقص وترفع عن كل نقص وتعظم عن كل ما لا يليق به المتعالي عن صفات خلقه أيضا، كل هذه التعريفات لاسم المتكبر والله سبحانه وتعالى كما قلت قبل قليل لا بد من أن نعرفه لأننا إذا عرفناه أطعناه فقال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28}" (سورة فاطر: 28).

لا يصح عملنا إلا إذا عرفناه ولا نسعد في الدنيا والآخرة إلا إذا صح عملنا، ثلاث فقرات لا بد من أن نعرفه فإذا عرفناه أطعناه وإذا أطعناه سعدنا بقربه في الدنيا والآخرة.

إذا المتكبر المتعالي عن صفات خلقه كامل في ذاته، كامل في صفاته، كامل في أفعاله.

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزَادَ فِيهِ وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْغُونَ أَهْلا وَلا مَالا فَقُلْتُ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْعَى عَلَى الْحَيِّ مَا بِهِ إِلا وَلِيدَتُهُمْ يَطَؤُهَا * (صحيح مسلم).

وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: "أحب ثلاث وحبي لثلاث أشد، أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد، وأحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، وأحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد وأبغض ثلاث وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد".

هل تصدقون أيها الأخوة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ (صحيح مسلم).

لماذا؟ قال: لأن الكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل، أنت عبد وهو رب فإذا نازعته رداءه وإزاره قصمك ولا يبالي كما ورد في الحديث الشريف، الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ * (سنن ابن ماجة).

النبي عليه الصلاة والسلام حينما دخل مكة دخلها مطئطئ الرأس حتى كادت عمامته تلامس عنق بعيره تواضعا لله عز وجل، دخل عليه رجل أخذته رعدة فقال: "هون عليك يأخي إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ".

تكبره وكبرياؤه ورفعته وعلاه ومجده وثناؤه وعلوه وبهاؤه كل ذلك إخبار عن إستحقاقه لنعوت الجلال وتنزهه عن النقائص والآفات.

قال أحد العارفين بالله في المناجاة قال: يارب بماذا أتقرب إليك، فوقع في قلبه أن ياعبدي تقرب إلي بما ليس في، فقال: يا رب وما الذي ليس فيك، قال: الذل والإفتقار وهو من أقرب الأبواب إلى الله عز وجل ومن أنجحها أن تأتيه طائعاً:

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــا

فإنا منحنا بالرضى من أحبنــــا
ولذ بحمــــانا واحتم بجنابنــــــا
لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــا
وعن ذكرنــــا لا يشغلنك شاغــــل
وأخلص لنا تلقى المـــسرة والهنا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكـن
فما القرب والإبعاد إلا بأمرنـــــا
كن مع الله ترى الله معــــــك
واترك الكل وحاذر طمعــــــك
ثم ضـــــع نفسك بالذل لـــــــه
قبل أن النفس قهرا تضــــــعك


أحد العارفين بالله يقول بعد أن صلى العشاء والصبح في وقته  دون أن يصلي قيام الليل: لأن أبيت نائما وأصبح نادماً أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً، دخل في الكبر، ولو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر؟ العجب.

طبعا لا يعرف اسم المتكبر إلا من جال فكره في الكون، يقول بعض العلماء: "إن في الكون من المجرات ما يزيد عن مليون مليون مجرة، وفي كل مجرة ما يزيد عن مليون مليون نجم، وأن بين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة والضوء يقطع في الثانية ثلاثمائة ألف كيلومتر، وبين الأرض والشمس ثماني دقائق وبين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ".

فإذا أردنا أن نقطع هذه المسافة بسيارة لاحتجنا إلى ما يقرب إلى خمسين مليون عام ذلك إذا الإنسان ركب مركبة واتجه نحو أقرب نجم ملتهب في الكون إلى الأرض، يحتاج إلى ما يقارب خمسين مليون عام، فما قولكم بنجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ضرب ألف أي خمسين مليون ضرب ألف أي خمسين ألف مليون عام لنجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، أربعة سنوات أربعة آلاف فما قولكم بالمرأة المسلسلة تلك المجرة الصغيرة التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية فما قولكم بأحدث مجرة أكتشفت تبعد عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، قال تعالى: "وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ{76}" (سورة الواقعة: 76).

يقول الإنسان: أنا، من أنت؟ هذه المسافات أي هذه المجرة كانت في هذا المكان قبل ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية وهي الآن لا يعلم مكانها إلا الله.

قلت لكم من قبل أن بين الأرض والشمس مئة وثمانية وخمسين مليون كيلو متر وأن الشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمائة ألف مرة وأن في برج العقرب نجماً صغيراً أحمر اللون متألقاً اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما هو المتكبر.
يتبع إن شاء الله...