أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة الأربعاء 02 مايو 2012, 3:18 pm | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة (1/4)
مؤسسة الدرر السنية - القسم العلمي 28 ربيع الثاني 1432هـ
مقدمة أقسام البدع خطر البدع حكم التعامل مع المبتدع هجر المبتدع أنواع الهجر صفات الهجر ضوابط الهجر أصل التعامل مع المبتدع ضوابط دعوة المبتدع ضوابط مناظرة المبتدع تنبيهات عند دعوة المبتدع .............................
مقدمة:
دعوة أهل البدع إلى الحق وظيفة العلماء، لا يجوز التساهل فيها، أو التقصير في أدائها، إذ بها تتم حماية الدين وتنقيته من شائبة الباطل.
وعلى من تصدى لدعوة أهل البدع أن يعرف: ما هي الأصول والضوابط التي ينبغي التزامها؟ وما هي المحاذير والمزالق التي ينبغي تجنبها؟ . وقبل البدء في الموضوع، نعرج بشيء من الإيجاز على تعريف المبتدع، والبدعة، وذكر أنواعها، وخطرها، ثم ذكر حكم المبتدع، وما هو الأصل في التعامل معه؟
البدعة: هي طريقة في الدِّين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه؛ وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصها بالعبادات. [((الاعتصام)) (1/21).] وهي ليست على درجة واحدة من الشر، بل هي متفاوتة.
ويصنف العلماء البدعة من عدة زوايا، فمن حيث مجالها، تنقسم إلى: - بدعة اعتقادية: وهي اعتقاد الشيء على خلاف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم، كبدعة الخوارج في اعتقادهم تكفير العصاة من المسلمين؛ وكالمجسمة والمشبهة الذين شبهوا الله بخلقه -تعالى الله علواً كبيراً.
- وبدعة عملية: وهي التي تكون في المسائل الفقهية القطعية أو الظنية، كالتي تكون في العمل الظاهر، كصلاة تخالف ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من الأعمال. وكلها داخلة تحت قوله -صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). [أخرجه مسلم في كتاب الأقضية.]
- وبدعية قولية: وهي ما كان فيه تغيير لما جاء في كتاب الله عز وجل، ولما ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأقوال المبتدعة من الفرق المشهورة، مما هو ظاهر المخالفة للكتاب والسنة، وظاهر الفساد والقبح، كأقوال الرافضة والخوارج والجهمية والمعتزلة والأشعرية؛ وجميع الفرق المؤولة، التي وضعت لنفسها مناهج مخالفة لمنهج الطائفة الناجية المنصورة، الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة.
ومنهم من قسمها إلى نوعين: نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، والثاني يتضمن الأول، كما أن الأول يدعو إلى الثاني.
وتُقسم البدعة بحسب ما يؤول إليها صاحبها إلى: بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة.
وربما تخلف الحكم على المعين بالبدعة رغم قيامه بها إذا توفر مانع أو انتفى شرط؛ فالحكم على العمل أو القول لا يلزم منه تبديع المعين القائل أو العامل به إلا إذا أقيمت عليه الحجة وتوفرت الشروط وانتفت الموانع.
خطر البدع:
البدعة أشد من المعصية، ويرجع ضررها إلى وجوه:
الأول: أن البدع مفسدة للقلوب، مزاحمة للسُّنة في إصلاح النفوس، فهي أشبه ما تكون بالطعام الخبيث، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث). [اقتضاء الصراط المستقيم (1/281).]
فهي تلبس لباس الدِّين، فيظن المنتسب لها أنها حق وأنه مأجور عليها، وبذلك فإنه يعقد عليها الكره والحب والولاء والبراء والثواب والعقاب، فتزاحم السنن، تقود أصحابها إلى الاعتقادات الباطلة، والأعمال الفاسدة، والخروج عن الشريعة.
الثاني: أنه في مقابل كل بدعة تهدم سنة، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام أيضاً: (من أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشِّرعة والمنهاج الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان، ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية). [مجموع الفتاوى (10/565).] لذا كان منهج المبتدعة قائما على معارضة نصوص الكتاب والسنة، كما قال شيخ الإسلام. [راجع كلامه في: درء تعارض العقل والنقل (1/149).]
حكم التعامل مع المبتدع:
المبتدع في الأساس شخص يريد الحق ويقصد التقرب وهذا الغالب في أحوال الكثير من أتباع البدع، يقول الله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، [الحديد: 27]. فالمبتدع مريد للحق لكنه ضل طريقه إليه.
لذا فإنَّ أهل البدعة قد يظهروا من التنسك أو الأحوال ما يُعبِّر عن اعتقادهم الحق فيما يؤمنون به؛ ومن أجل ذلك فإن المبتدع -ما لم يكن زنديقا- يحكم له بالإسلام ويبقى شأنه وحاله أفضل بكثير ممن قصد الكفر البواح أو الشرك الظاهر. إلا أنه ونظرا لخطورة البدعة على الدِّين نفسه من حيث هو فإن المبتدع (أخطر) شأنا على الدِّين وأهل الإسلام من الكافر والمشرك، لأن البدعة تفسد الإسلام وتحرف الناس عن الحق إلى مزالق لتأويله ما يقسمهم شيعا وأحزابا.
وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن افتراق اليهود والنصارى وهذه الأمة إلى مدى تأثير الاختلاف في الدين على وقوع كثير من الفرق في النار.
لذا كان من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم حازما وصارما مع من أظهروا الغلو أو أحوال وأقوال بعيدة عن سنته، وتوعد من اتخذ هذا المسلك وحذر أمته منه.
لا لشيء إلا لكي يظل الحق الذي أنزله الله ناصعا نقيا مما قد يشوبه من أهواء الناس التي وإن لبت رغبة قوم أو ذائقتهم أو وافقت آراءهم العقلية إلا أنها لن توافق قوما آخرين؛ أما الحق الذي أنزله الله تعالى فيوافق العقول السليمة جميعا وذائقة النفوس البشرية كافة ويدور في حدود طاقاتهم وقدراتهم دون تكلف وتنطع.
فكم شوهت البدع -رغم نظر أصحابها إليها بالحسن- الإسلام في نظر غير المسلمين فصرفتهم إلى باطل وزهدتهم في الحق!
وإذا كان المبتدع جزءا من الكيان الإسلامي وجسد الأمة فإن حقوق الأخوة الإيمانية التي قررها الإسلام تظل محفوظة له، متمتعا بكافة الحقوق الشرعية التي فرضها الإسلام. إلا أن هنا ملحظا مهما وهي أن من طبيعة المجتمعات أن تتعامل في الجانب المادي من حياتها عند وجود الضرر والأذى من قبل شخص مريض أو مختل أن يباشروا من التدابير ما يعينهم على إزالة الضرر ورفع الأذى أو في أقل الأحوال حصرها وبما لا يخل بحق المريض أو المختل في الرعاية، مع إمكانية تقييد بعض حرياته أو إسقاط بعض حقوقه لمصلحة أكبر؛ هذه الصورة المادية تقابلها صورة معنوية في حال كان الشخص مجرما أو صاحب خلق سيئ حيث يأتي عوضا عن الحجر الصحي والعلاج المادي حَجْرٌ من نوع آخر وعلاجٌ من نوع آخر؛ وهذه السُّنة الاجتماعية لا يغفلها الإسلام في المبتدع، باعتباره شخصا (مختلا) في جانب (الدِّين) ومن ثمَّ فكما أن للجوانب الأخرى تدابيرها لصيانتها في حياة المجتمع يكون الدِّين أحق بهذه التدابير.
ومن هنا يأتي الإسلام ليرسم أحكام التعامل مع المبتدع من هذه الزاوية، زاوية أن المقصود من التعامل مع المبتدع أمران:
الأول: معالجة (المبتدع) وإخضاعه للتدابير التي من شأنها تحقيق العلاج لأهدافه.
الثاني: صيانة (المجتمع) من الآثار التي قد تلحق به (دينيا) من البدعة ذاتها فضلا عن المبتدع.
وكما هي حالات المرض، يتفاوت تقييم الإسلام للبدعة وصاحبها ومن ثمَّ يختلف تعامل المجتمع الإسلامي مع المبتدع بحسب البدعة ذاتها وبحسب تأثير المبتدع من جهة أخرى.
ومن أولى أحكام التعامل مع المبتدع:
1- بيان مخالفته للدِّين بالحجة والبرهان والدليل، وهذا ما سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك الشاب الذي أتى يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزنا!! ومع ذلك الشخص الذي توجه إلى الرسول –عليه الصلاة والسلام- بالقول: اعدل يا محمد!
2- نصح المبتدع وإظهار الشفقة به، مع بيان عظم ما وقع فيه وعظم الآثار التي ستترتب على بدعته؛ وهذا بالفعل ما قام به عبدالله بن عباس رضي الله عنه وهو يحاور الخوارج ويلزمهم بلازم مذهبهم الذي ذهبوا إليه في شأن الفريقين المتقاتلين من الصحابة.
3- الوقوف بصرامة إزاء تحول هذه البدعة إلى مذهب يتلقفه الناس ويتخذونه منهجا؛ لذا حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من البناء على القبور واتخاذها مساجد ولعن اليهود والنصارى معرضا بهم كل من يقوم في هذه الأمة بهذه البدعة.
كما واجه الرسول عليه الصلاة والسلام النفر الذين تقالوا عبادته في شأنهم لما قد غُفِرَ للرسول عليه الصلاة والسلام بالبيان والتحذير والإنكار الشديد.
4- وفي جميع الأحوال السابقة يبقى للمرء حقوق الإسلام وعليه واجباته لا يسقط منها شيء، لذا فإنه نادرا ما كان يُقصي الرسول صلى الله عليه وسلم من جاء بأمر منكر في الدِّين، بل احتمل عليه والصلاة والسلام بقاءهم في المجتمع ولكن مع إنكاره عليهم وتحذيره مما صنعوا.
فقد كان يعلم الرسول الكريم أن للشيطان مداخله على بعض الصالحين من جهة تشددهم أو فهمهم خطأ للدين أو تعبدهم لله بما يستحسنونه من حال أو هيئة؛ فإذا لم يُحسن إلى هؤلاء تحولوا إلى أعداء؛ كيف وقد صبر على أعدائه من المشركين وأهل الكتاب ومنافقي المدينة.
5- غير أن هناك وضعا آخر تتحول معه البدعة إلى مهدد حقيقي للدين أو المجتمع وحدته وأمنه واستقراره؛ ما يلزم في هذه الحالة معالجة جادة وصارمة لذلك:
أ- إن كانت البدعة مكفرة: أي أن يحدث المرء من العقائد أو الأفعال أو الأقوال ما يوجب تكفيره، فإن كان ذلك صادر منه عن جهل أو تأول، بُيِّن له، وروجع في الأمر، وأقيمت عليه الحجة، واستتيب من قبل ولي الأمر، فإن وجد أن بدعته صادرة عن زندقة وإلحاد منه عُزر، وإن كان بالقتل.
وقتل المبتدع الذي تصل بدعته حدَّ الكفر والزندقة التي بحيث ينتقد الدين بها عادة متبعة في دول الإسلام؛ ويدل عليه الوقائع التي وقعت لبعض المبتدعة، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسبئية حين حرقهم، وكذلك قتل الجعد بن درهم والحلاج وغيرهم.
والحاصل: أن القتل مما يعاقب به صاحب البدعة إذا كانت بدعته مغلَّظة مكفرة واستتيب ولم يتب، أو رأى أهل الحل والعقد أو الإمام أو من أفتى من العلماء أن هذا المبتدع يُقتل وإن لم يُستتب.
ب- وإن كانت البدعة مفسقة لكن لها أثرها على وحدة الأمة وأمنها واستقرارها (كبدعة التكفير عند الخوارج)، فلا يُكفَّر صاحبها، لكن مقاتلته فيما لو أفسد في الأرض وحمل السيف واجبة لوأد الفتنة وإخماد ثورتهم، وهذا فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، حيث لم يبادئهم بقتال ولا حكم بكفرهم ولا بنفاقهم ومع ذلك قاتلهم لما حملوا السيف على المسلمين.
يتبع إن شاء الله...
|
|