بسم الله الرحمن الرحيم
مشهد متحرك في وصفه (صلى الله عليه وسلم)
لسنا نعني هنا بوصف صفاته وملامحه أننا نُنقص من قدر أحد غيره،لكننا أردنا أن ننقل صورًا تكوٍّن مشهدًا متكاملاً، نستطيع من خلاله رؤية محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو يحيا حياته الطبيعية.
لقد اعتنى أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه بشخصيته، لذا فالروايات الصحيحة والثابتة التي تصف لنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كثيرة جدًّا، ونستطيع الاعتماد عليها في تكوين ذلك المشهد الذي نريده.
صورة لجسده (صلى الله عليه وسلم):
كان جسد محمد (صلى الله عليه وسلم) مستقيمًا، وكان ممشوق القوام.
وكان وسطًا في طوله، غير أنه كان مائلاً للطول، بعيدًا عن القِصَر، يقول صاحبه أنس (رضي الله عنه): «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب»، ويقول صاحبه البراء بن عازب (رضي الله عنه) «ليس بالطويل البائن ولا القصير»([1]).
كذلك فقد كان بعيد ما بين المنكبين([2])، عريض أعلى الظهر، عريض الصدر.
صورة وجهه وملامحه (صلى الله عليه وسلم):
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) أبيض اللون، ليس شديد البياض، ولكنه بياض تعلوه حُمْرَة وزُهْرَة، يقول أبو الطفيل: «كان أبيض مليح الوجه»([3]).
ويقول أنس (رضي الله عنه): «كان أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا الآدم»([4]).
وهذا الأزهر الذي يقصده أنس هو الأبيض المستنير، كما وصفه علي بن أبي طالب - ابن عمه - (رضي الله عنه) فقال: «كان أبيض مشرَّبًا بياضه بحُمْرَة»([5]).
أما وجهه فكان به تدوير، ولم يكن مستديرًا استدارة كاملة، ولكنه كان بين الاستدارة والانسياب، قال صاحبه كعب بن مالك (رضي الله عنه): كان إذا سُرَّ استنار وجهُه؛ كأنه قِطْعَة قمَر»([6])، ويقول صاحبه أبو هريرة (رضي الله عنه): «ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كأن الشمس تجري في وجهه»([7]).
وكان مستويَ الجبين، واسعه، وكانت عيناه واسعتين، شديدة السواد والبياض، أكحلهما([8]).
يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): «كان عظيم العينين، هدب الأشفار، مشرب العينين بحمرة»([9]).
وكان أنفه مستقيمًا، طويلاً بعض الشيء، وفي وسطه بعض ارتفاع قليل، مع صغر أرنبة الأنف.
وكان واسع الشفاه، مفرَّق الأسنان. وكانت لحيته سوداء، بها شيب يسير، تكاد أن تَعُدّهَ بنفسك([10]).
وتحت شفته السفلى بعض شعرات بِيض([11]).
وكان شعره شديد السواد، ليس خشنًا ولا ناعمًا، ولم يتخلَّله شعرات بيض إلا في نهاية حياته وبلوغه الستين من العمر.
صوته (صلى الله عليه وسلم):
كان صوته قويًّا، به بحَّة قليلة، إذا قال أسمعَ، ولم يُزعِج صوتُه مَن يستمع إليه، بل يرتاح له، ولم يكن يرفع صوته إلا لحاجة، وقالت المرأة المؤمنة التي لقيها هو وصحبه في الطريق للهجرة – أم معبد-: «كان في صوته صهل»، والصهل هو قوة الصوت وحِدّته، مع بحَّة فيه([12])، وقالت ابنة عمه أم هانئ: إنها كانت تسمع صوته يقرأ القرآن بالليل وهي على عريشها ([13]).
مِشْيَته (صلى الله عليه وسلم):
كان يمشي مشيًا قويًّا جادًّا، سريعًا، ولكنه كان معتدل القامة متساوي الخطوات، ويتضح من مِشيته نشاطُه وحيويتُه. يقول صاحبه أبو هريرة (رضي الله عنه): «ما رأيتُ أحدًا أسرع منه، كأنما الأرض تُطْوَى له، إنَّا نُجهِد أنفسنا وهو غير مُكترِث»([14])، ويقول في موضع آخر: «كنت معه في جنازة، فكنت إذا مشيت سبقني فأهرول، فإذا هرولت سبقته»([15]).
حديثه (صلى الله عليه وسلم):
كان حديث محمد (صلى الله عليه وسلم) حديثًا هادئًا عذبًا، واضح الكلمات، ولم يكن يستعمل المهجور من الألفاظ، ولا ما يجرح مشاعر السامعين، ولا حياءهم، وكان يُفهِم الناسَ ما يقول، حتى إنه كان يكرِّر كلماته التي يريد توصيلها ثلاث مرات، وكان من يجلس إليه يحفظ كلماته جيدًا.
تقول زوجته عائشة - رضي الله عنها -: «كان كلامه فصلاً - واضحًا - يفهمه كل من سمعه»([16]). ويقول خادمه أنس (رضي الله عنه): «إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، حتى تُفهَم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم؛ سلَّم ثلاثًا»([17]).
صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأزكى وأتم السلام.