منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار    الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار  Emptyالخميس 16 فبراير 2012, 7:11 am

الفصل الثالث

أوربا إلى الانتحار

عصر الاكتشاف والاختراع:

إذا عرفت عصور التاريخ بما يميزها عن غيرها، وأضيفت إليه، أمكننا أن نسمي هذا العصر عصر الاكتشاف والاختراع، وعصر اللاسلكي والكهرباء؛ وفضل الأوربيين وتقدمهم في هذا الباب وعبقرية رجال الاكتشاف والاختراع وإبداعهم من القضايا التي لا تقبل المكابرة.


ولكن مهما بالغ المبالغون في إطراء الصناعات والمخترعات الحديثة في أوربا، وبرغم إعجابنا بها والثناء على مكتشفيها ومخترعيها، ينبغي ألا ننسى أن هذه الصناعات والمخترعات ليست غايات في نفسها مقصودة بالذات، بل هي وسائط ووسائل لغاية أخرى نحكم عليها بالخير والشر، والنفع والضر، بمقياس هذه الغاية وكونها خيراً أو شراً، ونحكم عليها بالنجاح والخيبة بالقياس إلى مطابقتها للغاية التي وضعت لها، والنظر في النتائج التي حصلت منها، والدور الذي لعبته في حياة الناس ومجتمعهم وأخلاقهم وسياستهم.


الغاية من الصناعات والمخترعات، وموقف الإسلام منها:

أما الغاية فعلى ما أرى هي التغلب على العقبات والصعوبات في سير الحياة التي سببها الجهل والضعف، والانتفاع بقوى الطبيعة المودعة في هذا الكون وخيراتها وخزائنها المبثوثة فيها، واستخدامها لمقاصد صحيحة من غير علو في الأرض ولا فساد.


كان الإنسان يسافر في الزمن القديم ماشياً، ثم ألهم أن يسخر لذلك الحيوان، فاتخذ العجلات واتخذ الجياد العتاق، ثم لم يزل يتدرج في السرعة والاختراع حتى وصل من المركبة إلى القطار، ومنه إلى السيارة، ومنها إلى الطيارة، وكذلك من السفينة الشراعية إلى البواخر، فلا بأس، بل يا حبذا إذا كان ذلك كله تابعاً لمقاصد صحيحة يسافر الإنسان بها من مكان إلى مكان لغرض صحيح جدي مثمر، ويحمل عليها أثقاله إلى بلد لم يكن بالغه إلا بشق النفس؛ ويوفر الوقت والقوة وينتفع بها في الخير.


وقس على ذلك سائر القوى الطبيعية والمخترعات الحديثة التي ينتفع بها الإنسان انتفاعاً مشروعاً ويستخدمها لمقاصد رشيدة نافعة.


إن موقف الإسلام في ذلك بيِّن واضح، فقد أخبر أن الإنسان خليفة الله في الأرض قد سخر الله العالم لأغراضه الصحيحة بتصرف منه وغير تصرف فقال: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }، وقال: { اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } ( إبراهيم )، وقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } ( الإسراء ).


ليلاحظ القارئ الإطلاق في قوله: { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }، وقوله: { وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}، وقال: { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ {6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (النحل).


قد منَّ الله في هذه الآية على الإنسان بتمكينه لبلوغ غايته من غير شق النفس، واستدل به على رأفته به، ورحمته له، وقال: { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ {12} لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ( الزخرف ).


وما أجدر الإنسان أن يقول إذا استوى على سيارة أو طيارة: { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }، فهو أبعد من أن يكون مقرناً لقطع من صفيح وحديد لا حياة فيها ولا حركة، يسخرها له تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ولا ينس أنه راجع إلى الله ومحاسب على ما أوتي من قوة وسعة، فإن أساء استعمال هذه القدرة والتمكين عوقب على ذلك.


وكذلك لا ينس أنه عبد خاضع لله منقاد لحكمه لا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا يطغ، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.


وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( الحديد ).


فالحديد فيه منافع للناس ومن أكبر منافعه أنه يستخدم لنصر الله ورسله، ولذلك قدم عليه ذكر إرسال الرسل، وإنزال الكتب.


فالمسلم ينتفع بكل ما خلق الله وأودع في الكون من قوة في سبيل الجهاد في سبيل الله، وفي نشر دينه، وإظهاره على الدين كله وإعلاء كلمته، وفيما أباح الله له ورغبة فيه من تجارة مشروعة وكسب حلال، وسفر بر، ومنافع مباحة.


إنما طائركم معكم :  

إن المصنوعات الجمادية لا ذنب عليها، فإنها خاضعة لإرادة الإنسان وعقليته وأخلاقه، فهي في ذات نفسها ليست خيراً ولا شراً، ولكن الإنسان هو الذي يجعلها باستعماله لها خيراً أو شراً، وكثيراً ما تكون خيراً في نفسها ، فيحولها الإنسان شراً بسوء استعماله وخبث سريرته، وفساد تربيته، فليس الشأن في هذه الآلات والمخترعات، إنما الشأن فيمن يستغلها وفي الغرض الذي يستعملها له.


وحقيق أن يقال -لمن أصبح يتطير في أوربا من هذه الآلات، ومن الطيارات التي تقذف القنابل، وتدمر المنازل، وتنسف القرى والمدن، والغواصات التي تغرق بواخر الركاب المسالمين والتجار الآمنين، واللاسلكية التي تذيع الكذب والزور، وتنشر الخلاعة والمجون ويشكو منها، ويوجه إليها الملام-: { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } فإن العلوم الطبيعية تسخر للإنسان القوة المادية، وليس من شأنها أن تعلمه أيضاً كيف يستعملها، وفيم يضعها، كالكبريت يعطيك ناراً؛ ولك أن تحرق بها بيتاً على سكانه، أو تطبخ طعاماً أو تستدفئ بالنار، والذي يعلم كيف يستعمل الإنسان القوة وفيما يضعها هو الدين، فالدين يرشد الإنسان كيف ينتفع بقوته انتفاعاً حقيقياً، وكيف يشكر نعمة الله، ويحظر على الإنسان أن يكون بقوته التي خوله الله إياها معيناً على الظلم والجريمة والإثم والعدوان، كما قال موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } (القصص), وقال سليمان عليه السلام: { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }.


التخليط بين الوسائط والغايات:

أما الأوربيون فقد حرموا أنفسهم الدين، فلم يبق لهم رادع من خلق أو وازع من دين، أو مرشد من علم إلهي يرشدهم إلى الجادة، ونسوا غاية خلقهم ومبدأهم ومصيرهم وقالوا: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} فاعتقدوا بطبيعة هذه العقيدة أن ليس للإنسان وراء اللذة والراحة والانتفاع المادي والعلو في الأرض وبسط السيطرة عليها -كمملكة لا سيد لها ولا وارث- والتغلب على أهلها والاستئثار بخبراتها وخزائنها، مقصد ولا غاية، فاستعملوا هذه القوة والعلم في حصول اللذات والتغلب على الناس وقهر المنافسين، وتنافسوا في اختراع الآلات التي ينالون بها وطرهم ويعجزون بها غيرهم، ولم يزل بهم ذلك حتى اختلطت عليهم الوسائط بالغايات، فاعتقدوا الوسائط غايات، وافتتنوا بالمخترعات والمكتشفات كغاية في نفسها لا لغيرها، وعكفوا عليها وتشاغلوا بها كتشاغل الصبيان باللعب والدُّمى، واعتقدوا أن الراحة هي الحضارة ثم تقدموا وصاروا يعتقدون أن السرعة هي الحضارة.


يقول الأستاذ جود:

(( يقول دزرائيلي Disraeli إن المجتمع في عصره يعتقد أن الحضارة هي الراحة، أما نحن فنعتقد أن الحضارة عبارة عن السرعة، فالسرعة هي إله الشباب العصري، وإنه يضحي على نُصبه بالهدوء والراحة والسلام والعطف على الآخرين من غير رحمة (231))).


عدم تعادل القوة والأخلاق في أوربا:

إن الأوربيين قد فقدوا تعادل القوة والأخلاق والتوازن بين العلم -بظاهر من الحياة الدنيا -والدين منذ قرون، فلم تزل القوة والعلم في أوربا بعد النهضة الجديدة ينموان على حساب الدين والأخلاق، ولم يزل الأولان في ارتفاع وارتقاء ، والآخران في انخفاض وانحطاط ، حتى بعدت النسبة بينهما، ونشأ جيل كأنه ميزان لصقت إحدى كفتيه بالأرض وهي كفة القوة والعلم، وخفت الثانية -وهي كفة الأخلاق والدين- حتى ارتفعت جداً، وبينما يتراءى هذا الجيل للناظر في خوارقه الصناعية وعجائبه الكونية وتسخيره للمادة والقوى الطبيعية لمصالحه وأغراضه كأنه فوق البشر إذا هو لا يتميز في أخلاقه وأعماله، في شرهة وطمعه، في طيشه ونزقه، وفي قسوته وظلمه عن البهائم والسباع، وبينما هو قد ملك جميع وسائل الحياة، إذا هو لا يدري كيف يعيش!


وبينما هو قد بلغ الغايات ووراء الغايات في الكماليات وفضول الحياة، إذا هو لا يدري كيف يعيش! وبينما هو قد بلغ الغايات ووراء الغايات في الكماليات وفضول الحياة، إذا هو لم يعرف المبادئ الأولية والبديهيات للحياة الإنسانية والمدنية والأخلاق، فتراه يصعد إلى السماء ويريد أن يناطح الجوزاء، وهو لم يتقن شئون الأرض ولم يصلح ما تحت قدميه، وقد خولته العلوم الطبيعية قوة قاهرة وهو لا يحسن استعمالها، كفل صغير أو سفيه أو مجنون يملك أزمَّة الأمور ويؤتى مفاتيح الخزائن، فهو لا يزيد على أن يعبث بالجواهر الغالية والنفائس المخزونة ويعيث في دماء الناس ونفوسهم.


قوة الآلهة، وعقل الأطفال:

يقول الأستاذ (( جود )) الإنجليزي: (( إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة، ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش (232))).


ويقول في موضع آخر:

إن هذا التفاوت بين فتوحنا العلمية المدهشة، وطفولتنا الاجتماعية المخجلة، نواجهه على كل منعطف ومنعرج نستطيع أن نتحدث من وراء القارات والبحار ونرسل الصور بالبرق ونركب اللاسلكية في منازلنا، ونستمع في سيلان إلى دقات (Big Ben) -الساعة العظمى- تضرب في لندن، ونركب فوق الأرض والبحر وتحتهما، والأطفال يتحدثون على الأسلاك البرقية، والآلات الكاتبة صامتة، وتملأ الأسنان من غير إيجاع، والزروع تنمى بالكهرباء، والشوارع تفرش بالمطاط، وأشعة روتنجن (x-rays) نوافذ نطل منها على داخل أبداننا، والصور المتحركة تتكلم وتغني، ويكشف عن المجرمين والمغتالين باللاسلكية، والغواصات تذهب إلى القطب الشمالي والطيارات تطير إلى القطب الجنوبي ومع ذلك كله لا نقدر في وسط مدننا الكبرى أن نخصص رحبة يلعب فيها أطفال الفقراء في راحة وسلام، ونتيجة ذلك أنا نقتل منهم ألفين (2000) ونجرح منهم تسعين ألفاً (90000) سنوياً، قال لي فيلسوف هندي في انتقاده اللاذع لإطرائي لعجائب حضارتنا: وكان بعض سواق السيارات قد نجح في قطع ثلثمائة أو أربعمائة ميل في ساعة على رمال (pendine)، وطارت طائرة من موسكو إلى نيويورك في فترة قليلة من الزمن قال الفيلسوف: نعم! إنكم تقدرون أن تطيروا في الهواء كالطيور وتسبحوا في الماء كالسمك، ولكنكم إلى الآن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض (233))).


ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم:

وقد أصبحت هذه المخترعات والمكتشفات الجديدة -مما كانت تعود على النوع الإنساني بخير كبير لو كان مستعملها يعرف الخير ويقدر أن يتجه إليه- أصبحت وضررها أكبر من نفعها، وكان كما قال القرآن عن السحر: { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ }.


اسمع شاهداً من أهلها ينتقد هذه المخترعات ويبوح بالحقيقة وهو (( جود )) السابق الذكر:

(( وقد استطعنا أن نسافر بسرعة زائدة من مكان إلى مكان، ولكن الأمكنة التي نسافر إليها قلما تصلح للسفر، وقد زويت الأرض للرحالين وتدانت الأمم ووطئ بعضها عتبة بعض، ولكن كان نتيجة ذلك أن توترت العلاقات بينها وأصبحت أسوأ مما كانت، أما المرافق التي استطعنا بها أن نتعارف بجيراننا فقد عادت فحشرت العالم في الحرب، اخترعنا آلة الإذاعة وتحدثنا بها إلى الشعوب المجاورة والأمم الشقيقة، ولكن كان عاقبتها أن كل شعب يستنفد موارد الهواء لإيذاء الشعب المجاور ومعاكسته، إذ يجتهد أن يقنعه بفضل نظامه السياسي على نظامه (234))).


(( انظر إلى الطيارة التي تحلق في السماء يخيل إليك أن صانعيها كانوا في علمهم ولباقتهم وصناعتهم فوق البشر، والذي طاروا عليها أولاً لاشك أنهم كانوا في علو همتهم وعزمهم وجرأتهم أبطالاً مغاوير، ولكن انظر الآن إلى المقاصد التي استعملت لها الطيارة وتستعمل لها في المستقبل، إنما هي قذف القنابل وتمزيق جثث الإنسان وخنق الأحياء وإحراق الأجساد وإلقاء الغارات السامة، وتقطيع المستضعفين الذي لا عاصم لهم من هذا الشر إرْباً إرباً، وهذه إما مقاصد الحمقى أو الشياطين (235))).


(( وما عسى أن يقول المؤرخ غداً كيف كنا نستعمل معدن الذهب؟ سيذكر أنا توصلنا إلى أن نخبر عن الذهب باللاسلكي، وسيستعرض الصور التي تمثل اللياقة والمهارة التي كان أصحاب المصارف يزنون بها الذهب ويعدونه، وكيف تحدينا قانون الجاذبية في نقله من عاصمة إلى عاصمة، وسيسجل أن أشباه الوحوش الذين كانوا ماهرين وجرآء في فتوحهم الصناعية كانوا عاجزين عن التعاون الدولي الذي كان يقتضيه ضبط الذهب والتقسيم الصحيح، وكانوا لا يعنون إلا بأن يدفنوا المعادن بالسرعة الممكنة، وكانوا يستخرجون الذهب والمعادن من بطون الأرض في جنوب إفريقية، ويدفنونها في مصارف لندن ونيويورك وباريس (236) )).


ويتناول هذه البحث -التفاوت بين العلم والصناعة وبين الأخلاق الإنسانية ، وإخفاق الحضارة الحديثة في أداء رسالتها- مفكر آخر يجمع بين العلم بالفلسفة والعلوم الطبيعية في تحليل أدق وأسلوب أعمق وهو الدكتور (Alexis Carrel) في كتابه -الإنسان، ذلك المجهول- (Man the Unknown):

(( يظهر أن الحضارة العصرية لا تستطيع أن تنتج رجالاً يملكون الابتكار والذكاء والجرأة. وفي كل قطر تقريباً يرى الإنسان في الطبقة التي تباشر إدارة الأمور وتملك زمام البلاد انحطاطاً في الاستعداد الفكري والخلقي، إننا نلاحظ أن الحضارة العصرية لم تحقق الآمال الكبيرة التي عقدتها بها الإنسانية وإنما أخفقت في تنشئة الرجال الذين يملكون الذكاء والإقدام الذي يسير بالحضارة على الشارع الخطر الذي تتعثر عليه، إن الأفراد والإنسانية لم تتقدم بتلك السرعة التي تقدمت بها المؤسسات التي نبعث من عقولها، إنها هي نقائص القادة السياسيين الفكرية والخلقية وجهلهم الذي يعرض أمم العصر للخطر (237))).


(( إن الوسط الذي أنشأه العلوم الطبيعية وعلم الصناعات للإنسان لا يناسب الإنسان لأنه مرتحل لم يقم على تصميم وتفكير سابق، ولم يراع فيه الانسجام مع شخصية الإنسان، إن هذا الوسط الذي هو وليد ذكائنا واختراعاتنا لا يطابق قاماتنا ولا أشكالنا، نحن غير مسرورين، نحن في انحطاط الأخلاق وفي العقول، أن الأمم التي ازدهرت فيها الحضارة الصناعية وبلغت أوجها هي أضعف مما كانت، وهي تسير سيراً حثيثاً إلى الهمجية ولكنها لا تدرك ذلك، إنه لا حارس لها من المحيط الثائر الذي أقامته العلوم الطبيعية حول هذه الأمم.


الحق يقال إن حضارتنا -كالحضارات التي تقدمتها- قد فرضت شروطاً للبقاء ستجعل -لأسباب لا تزال مجهولة- الحياة محالاً، إن علمنا بالحياة وكيف يجب أن يعيش الإنسان متأخر جداً عن علمنا بالماديات، وهذا التأخر هو الذي جنى علينا (238))).


(( لا يجنى نفع من الزيادة في عدد المخترعات الآلية، لا فائدة في أن نعلق أهمية كبرى على اكتشافات علوم الطبيعية والفلكيات وعلم الكيمياء، أي خير في الزيادة في الراحة والشرف، والجمال والمنظر وكماليات حضارتنا إذا منع ضعفنا من الانتفاع بذلك وتوجيهه إلى صالحنا.


إنه لا خير في أحكام طريق للحياة يقصى فيه العنصر الخلقي وتبعد منه أشرف عناصر الأمم العظيمة، إن الأليق بنا أن نعنى بأنفسنا أكثر من أن نعنى بصناعة بواخر أسرع وسيارات أربح، وراديوات أرخص، وتلسكوبات لفحص هيكل سديم على بعد سحيق (239))).


(( ما هو مدى التقدم الحقيقي الذي نحققه حينما تنقلنا إحدى الطائرات إلى أوربا أو إلى الصين في ساعات قلائل؟ هل من الضروري أن نزيد الإنتاج بلا توقف حتى يستطيع الإنسان أن يستهلك كميات أكثر فأكثر من أشياء لا جدوى منها؟ أليس هناك أي ظل من الشك في أن علوم الميكانيكا والطبيعة والكيمياء عاجزة عن إعطائنا الذكاء والنظام الأخلاقي والصحة والتوازن العصبي والأمن والسلام (240))).

يتبع إن شاء الله...



الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار  2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 04 مايو 2021, 12:35 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار    الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار  Emptyالسبت 18 فبراير 2012, 1:39 am

أوربا في الانتحار:

والحاصل أن الغربيين لما فقدوا الرغبة في الخير والصلاح، وضيعوا الأصول والمبادئ الصحيحة، وزاغت قلوبهم وانحرفت، وفسدت أذواقهم لم تزدهم العلوم والمخترعات إلا ضرراً، كما أن الأغذية الصالحة تستحيل في جسم الممعود والموبوء مرضاً وفساداً، بل لم تزدهم هذه الآلات والمخترعات إلا قوة وسرعة في الإهلاك واستعانة على الانتحار.


وقد أحسن المستر ايدن Eden رئيس وزراء بريطانيا السابق وصف ذلك في بعض خطبه سنة 1938م:

(( إن أهل الأرض كادوا يرجعون في أخريات هذا القرن إلى عهد الهمجية والوحشية، ويعيشون عيشة سكان الكهوف والمغارات، ومن الغريب المضحك أن البلاد والدول تنفق ملايين من الجنيهات على وقاية نفسها من آلة فتاكة تخافها، ولكنها لا تنفق على ضبطها، وإني أتعجب في بعض الأحيان وأقول: كيف لو زار العالم الجديد زائر من كوكب آخر وهبط إلينا فما عسى أن يشاهده؟ سيجدنا نعد العدة لإهلاك بعضنا، ونتبادل الأنباء عنها ويخبر بعضنا كيف نستعمل هذه الآلات الجهنمية )).


القنبلة الذرية وفظائعها:

لعل المستر إيدن لما أفضى بهذا الحديث لم يدر بخلده أن العالم المتمدن وعلى رأسه أميركا رسول السلام وزعيم الحضارة والعالم الجديد سيتوصل أثناء الحرب إلى استعمال آلة تبز جميع الآلات والمخترعات في التدمير والتقتيل، وتفوق ذكاء الإنسان وخياله في الهول والفظاعة، قد كانت هذه الآلة هي القنبلة الذرية التي جربتها أمريكا مرة في صحراء نيوميكسيكو، وثانية على رؤوس البشر في مدينة هيروشيما، وبعدها في نجازاكي المدينتين اليابانيتين.


وقد أذاع رئيس بلدة (هيروشيما) في 20 أغسطس آب 1949م أن الذين هلكوا في اليوم السادس من أغسطس آب 1945م من اليابانيين يتراوح عددهم بين مائتي ألف وعشرة آلاف ومائتي ألف وأربعين ألفاً ( ب- ت ).


يقول المستر استورت (Stuart Gilder) في مقالة نشرتها صحيفة الهند الإنجليزية السيارة (Statesman) في عددها الصادر في 16 سبتمبر 1945.


يقول البروفسور (Plesh):
((لا يؤمن على الناس الذين كانوا يبعدون عن المنطقة التي انفجرت فيها القنبلة الذرية بمائة ميل أن يكونوا قد تأثروا بها، فينبغي أن يفحص عنهم فحصاً طبياً، ولا يستغرب أن يصبح الناس يوم ويقرأوا في الجرائد أن علامات الإصابة بطاعون القنبلة الذرية قد ظهرت في الذين يسكنون على آلاف أميال من اليابان.


ويقول البروفسور (م . ي . أولى فنيت) معلم جامعة برمنجهام وعضو الهيئة الصناعية في إعداد القنبلة الذرية:
((من الأمور الخرافية أن يعتقد إنسان أن بريطانيا أو دولة أخرى تستطيع أن تحافظ على سر القنبلة الذرية. إن المبادئ التي قامت عليها صناعة القنبلة الذرية مكشوفة لكل دولة، إن بريطانيا وأميركا استفادتا بتجاريب السابقين وبلغتا إلى نهاية صناعة القنبلة الذرية، ولكنها لا تدوم سراً حربياً إلا لأجل معدود، لأن كل بلاد صناعية تستطيع أن تعد القنبلة الذرية في مدة خمس سنوات وإذا أفرغت جهودها ووجهت قواها إلى صناعتها فيمكن أن تبلغ إلى نهايتها في سنتين)).


ويقول البروفسور المذكور:
((وأنا على يقين أنه سيظهر في مدة قصيرة على مسرح العالم قنابل تفوق القنابل الأولى بعشرة آلاف طن في قوة الانفجار، وستليها قنابل قوتها مليون طن، ولا ينفع في التوقي منها دفاع أو احتياط، وإن ست قنابل فقط من هذا القبيل تكفي في تدمير إنجلترا على بكرة أبيها، وإن العلماء الروسيين ينجحون في إعداد القنابل في مدة قصيرة جداً)).


وقد اخترعت أمريكا قنبلة أخرى تفوق القنبلة الذرية في القوة والفظاعة، وهي (Hydrogen Bomb) وقد جرى اختبارها للمرة الثانية في المحيط الهادئ يوم 26 من مارس سنة 1954.


وقد ذكر المستر شارلس -ي- ولسن (Charles E. Wilson) سكرتير وزارة الدفاع أن النتائج كانت هائلة لا تكاد تصدق.


وقد ذكر المستر لويس استراس (Lewis Strauss) رئيس لجنة القوة الذرية في أمريكا أن قنبلة هيدروجينية واحدة تستطيع أن تبيد مساحة مدينة نيويورك الواسعة.


وقال العالم الطبيعي الشهير ونائب رئيس مجلس الأمن اللواء صاحب سنج في دهلي الجديدة:
إن أربع قنابل هيدروجينية وزن كل واحدة منها مائة طن تستطيع أن تقتل كل نسمة على وجه الأرض، وقد شاع أخيراً أن روسيا اكتشفت القنبلة النيتروجينية (Nitrogen bomb) التي هي أدهى وأمر من القنبلة الهيدروجينية.


والذي خبث لا يخرج إلا نكدا:
وقد تضعضع أساس المدنية الأوربية، كما ذكرنا بتفصيل، ولم يزل بناؤه متزعزعاً، ولم تزده الأيام ولم يزده الارتفاع إلا زيغاً واختلالاً، وفسدت بذرتها، فلم تصلح شجرتها ولم تطلب ثمرتها {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}.


وقد شرح ذلك في إيجاز الأستاذ السيد أبو الأعلى المودودي في أحد فصول كتابه ((تنقيحات)) بالأوردية قال:

((ظهرت الحضارة الغربية في أمَّة لم يكن عندها معين صاف ولا نبع عذب للحكمة الإلهية، لقد كان فيها قادة الدين ولكن لم يكونوا أصحاب حكمة ولا علم ولا شريعة إلهية، ولم يكن عندهم إلا شبح ديني لو حاول أن يسير بالنوع الإنساني على صراط مستقيم في طرق الفكر والعمل لما استطاع، ولم يكن له إلا أن يكون حجر عثرة وسداً في سبيل ارتقاء العلم، والحكمة، وهكذا كان، وكان عاقبة ذلك أن الذين كانوا يريدون الرقي نبذوا الدين بالعراء، واختاروا طريقاً لم يكن دليلهم فيها إلا المشاهدة والاختبار والقياس والاستقراء، ووثقوا بهذه الدلائل التي هي في حاجة بنفسها إلى الهداية والنور، وجاهدوا واجتهدوا باحتذائها في طرق الفكر والنظر والتحقيق والاكتشاف والبناء والتنظيم، ولكن ضلت خطوتهم الأولى في كل جهة وفي كل مجال، وانصرفت فتوحهم في ميادين العلم والتحقيق، ومحاولاتهم في سبيل الفكر والنظر إلى غاية لم تكن صحيحة، إنهم بدأوا وساروا من نقطة الإلحاد والمادية، نظروا في الكون على أنه ليس له إله، نظروا في الآفاق والأنفس على أنه لا حقيقة فيها إلا المشاهد والمحسوس، وليس وراء هذا الستار الظاهر شيء، إنهم أدركوا نواميس الفطرة بالاختبار والقياس ولكنهم لم يتوصلوا إلى فاطرها، إنهم وجدوا الموجودات مسخرة واستخدموها لأغراضهم، ولكنهم جهلوا أنهم ليسوا سادتها ومدبريها، بل هم خلفاء سيدها الحق، فلم يروا أنفسهم مسئولين عنها، ولم يروا على أنفسهم عهدة وتبعة ، فاختل أساس مدنيتهم وتهذيبهم، وانصرفوا عن عبادة الله إلى عبادة النفس، واتخذوا إلههم هواهم، وفتنتهم عبادة هذا الإله، وسارت بهم هذه العبادة في كل ميدان من ميادين الفكر والعمل على طريق زائغة خلابة رائعة ، ولكن مصيرها إلى الهلاك.


هذا هو الذي مسخ العلوم الطبيعية فصارت آلة الهلاك الإنسان، وصاغ الأخلاق في قالب الشهوات والرياء والخلاعة والإباحة، وسلط على المعيشة شيطان الأثرة والشح والفتك ببني النوع، ودس في عروق الاجتماع وشرايينه سموم عبادة النفس والأنانية والإخلاد إلى الراحة والتنعيم ، ولطخ السياسة بالجنسية والوطنية وفروق اللون والنسل وعبادة إله القوة، فجعلها لعنة كبرى للإنسانية.


والحاصل أن البذرة الخبيثة التي ألقيت في تربة أوربا في نهضتها الثانية لم تأت عليها قرون حتى نبتت منها دوحة خبيثة، ثمارها حلوة ولكنها سامة، أزهارها جميلة ولكنها شائكة، فروعها مخضرة ولكنها تنفث غازاً ساماً لا يرى، ولكنه يسمم دم النوع البشري.


إن أهل الغرب الذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة قد مقتوها، وأصبحوا يتذمرون منها، لأنها خلقت في كل ناحية من نواحي حياتهم مشاكل وعقداً لا يسعون لحلها إلا وظهرت مشاكل جديدة، ولا يفصلون فرعاً من فروعها إلا وتطلع فروع كثيرة ذات شوك؛ فهم في معالجة أدوائهم وإصلاح شئونهم كمعالج الداء بالداء وناقش الشوكة بالشوكة، إنهم حاربوا الرأسمالية فنجمت الشيوعية، إنهم حاولوا أن يستأصلوا الديمقراطية فنبت الدكتاتورية، أرادوا أن يحلوا مشاكل الاجتماع فنبتت حركة تذكير النساء (Feminism) وحركة منع الولادة، أرادوا أن يشترعوا قوانين لاستئصال المفاسد الخلقية فاشرأبت حركة العصيان والجناية، فلا ينتهي شر إلا إلى شر، ولا فساد إلا إلى فساد أكبر منه، ولا تزال هذه الشجرة تـثمر لهم شروراً ومصائب، حتى صارت الحياة الغربية جسداً مقروحاً، يشكو من كل جزء أوجاعاً وآلاماً، وأعيا الداء الأطباء، واتسع الخرق على الراقع؛ الأمم الغربية تتململ ألماً، قلوبهم مضطربة وأرواحها متعطشة إلى ماء الحياة ولكنها لا تعلم أين معين الحياة، إن الأكثرية من رجالها لا تزال تتوهم أن منبع المصائب في فروع هذه الشجرة، فهم يفصلونها ويستأصلونها من الشجرة ويضيعون أوقاتهم وجودهم في قطعها.


إنهم لا يعلمون أن منبع الفساد في أصل الشجرة، ومن السفاهة أن يترقب الإنسان أن ينبت فرع صالح من أصل فاسد، وفيهم جماعة قليلة من العقلاء أدركوا أن أصل حضارتهم فاسد ولكنهم لما نشأوا قروناً في ظل هذه الشجرة -وبأثمارها نبت لحمهم ونشز عظمهم- كلت أذهانهم عن أن يعتقدوا أصلاً آخر غير هذا الأصل يستطيع أن يخرج فروعاً وأوراقاً صالحة سليمة، وكلا الفريقين في النتيجة سواء؛ إنهم يتطلبون شيئاً يعالج سقمهم ويريحهم من كربهم ولكنهم لا يعلمونه ولا مكانه (241))).



الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الثالث: أوربا إلى الانتحار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الثاني: الجنسية والوطنية في أوربا
» الفصل الثالث
» الفصل الثالث
»  الفصل الثالث
» الفصل الثالث عشر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: كتاب ماذا خســر العالم-
انتقل الى: