منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثالث: العصر الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: العصر الإسلامي  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث: العصر الإسلامي    الباب الثالث: العصر الإسلامي  Emptyالخميس 09 فبراير 2012, 6:41 am

الباب الثالث: العصر الإسلامي

الفصل الأول: عهد القيادة الإسلامية

الأئمة المسلمون وخصائصهم:

ظهر المسلمون وتزعموا العالم وعزلوا الأمم المريضة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها، وساروا بالإنسانية سيراً حثيثاً متزناً عادلاً، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم ، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلهم وتحت قيادتهم.


أولاً: أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم، لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم، ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خبط عشواء، قد جعل الله لهم نوراً مشون به في الناس، وجعل لهم شريعة يحكمون بها بين الناس: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.


ثانياً: أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس، بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر، بل مكثوا زمناً طويلاً تحت تربية محمد صلى الله عليه وسلم وإشرافه الدقيق يزكيهم ويؤدبهم ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار على النفس وخشية الله وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها.


يقول: ((إنا والله لا نُولي هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه(171) ))، ولا يزال يقرع سمعهم: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب تهافت الفراش على الضوء، بل كانوا يتدافعون في قبولها ويتحرجون من تقلدها، فضلاً عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة ويزكوا أنفسهم وينشروا دعاية لها وينفقوا الأموال سعياً وراءها، فإذا تولوا شيئاً من أمور الناس لم يعدوه مغنماً أو طعمة أو ثمناً لما أنفقوا من مال أو جهد، بل عدوه أمانة في عنقهم وامتحاناً من الله، ويعلمون أنهم موقوفون عند ربهم ومسئولون عن الدقيق والجليل، وتذكروا دائماً قول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ }.


ثالثاً: أنهم لم يكونوا خدمة جنس، ورسل شعب أو وطن، يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان، لم يخلقوا إلا ليكونوا حكاماً، ولم تخلق إلا لتكون محكومة لهم ، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها، ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكم أنفسهم.


إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً وإلى عبادة الله وحده، كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد: (( الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام (172) )) فالأمم عندهم سواء والناس عندهم سواء، الناس كلهم من آدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(173)}.


وقد قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص عامل مصر- وقد ضرب ابنه مصرياً ، وافتخر بآبائه قائلاً: خذها من ابن الأكرمين ، فاقتص منه عمر-: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً (174).


فلم يبخل هؤلاء بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً، بل كانوا سحابة انتظمت البلاد وعمت العباد، وغوادي مزنة أثنى عليها السهل والوعر وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها(175).


في ظل هؤلاء وتحت حكمهم استطاعت الأمم والشعوب -حتى المضطهدة منها في القديم- أن تنال نصيبها من الدين والعلم والتهذيب والحكومة، أن تساهم العرب في بناء العالم الجديد بل إن كثيراً من أفرادها فاقوا العرب في بعض الفضائل، وكان منهم أئمة هم تيجان مفارق العرب وسادة المسلمين من الأئمة والفقهاء والمحدثين، حتى قال ابن خلدون: (( من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية(176)، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته ، فهو عجمي في لغته ، ومرباه ومشيخته، مع أن الملة عربية، وصاحب شريعتها عربي (177))).


ونبغ من هذه الأمم في عصور الإسلام قادة وملوك ووزراء وفضلاء، هم نجوم الأرض ونجباء الإنسانية، وحسنات العالم، فضيلة ومروءة وعبقرية وديناً وعملاً، لا يحصيهم إلا الله.


رابعاً: أن الإنسان جسم وروح، وهو قلب وعقل وعواطف وجوارح ، لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رُقياً متزناً عادلاً حتى تنمو فيه هذه القوى كلها نمواً متناسباً لائقاً بها، ويتغذى غذاء صالحاً، ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة البتة إلا إذا ساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني، وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بيد الذين يؤمنون بالروح والمادة ، ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية ، وأصحاب عقول سليمة راجحة ، وعلوم صحيحة نافعة ، فإذا كان فيهم نقص في عقيدتهم أو في تربيتهم عاد ذلك النقص في مدنيتهم ، وتضخم وظهر في مظاهر كثيرة ، وفي أشكال متنوعة ، فإذا تغلبت جماعة لا تعبد إلا المادة وما إليها من لذة ومنفعة محسوسة ، ولا تؤمن إلا بهذه الحياة ، ولا تؤمن بما وراء الحس أثرت طبيعتها ومبادئها وميولها في وضع المدنية وشكلها ، وطبعتها بطابعها ، وصاغتها في قالبها ، فكملت نواح للإنسانية واختلت نواح أُخرى أهم منها.


عاشت هذه المدنية وازدهرت في الجصِّ والآجر ، وفي الورق والقماش ، وفي الحديد والرصاص ، وأخصبت في ميادين الحروب وساحات القتال ، وأوساط المحاكم ومجالس اللهو ومجامع الفجور ، وماتت وأجدبت في القلوب والأرواح وفي علاقة المرأة بزوجها، والولد بوالده والوالد بولده، والأخ بأخيه والرجل بصديقه، وأصبحت المدنية كجسم ضخم متورم يملأ العين مهابة ورواء ، ويشكو في قلبه آلاماً وأوجاعاً ، وفي صحته انحرافاً واضطراباً.


وإذا تغلبت جماعة تجحد المادة أو تهمل ناحيتها ولا تهتم إلا بالروح وما وراء الحس والطبيعة ، وتعادي هذه الحياة وتعاندها ، ذبلت زهرة المدنية وهزلت القوى الإنسانية وبدأ الناس- بتأثير هذه القيادة – يؤثرون الفرار إلى الصحارى والخلوات على المدن ، والعزوبة على الحياة الزوجية ، ويعذبون الأجسام حتى يضعف سلطانها فتتطهر الروح ويؤثرون الموت على الحياة ، لينتقلوا من مملكة المادة إلى إقليم الروح ويستوفوا كمالهم هنالك ، لأن الكمال في عقيدتهم لا يحصل في العالم المادي ، ونتيجة ذلك أن تحتضر الحضارة وتخرب المدن ويختل نظام الحياة ولما كان هذا مضاداً للفطرة لا تلبث أن تثور عليه ، وتنتقم منه بمادية حيوانية ليس فيها تسامح لروحانية وأخلاق ، وهكذا تنتكس الإنسانية وتخلفها البهيمية والسبعية الإنسانية الممسوخة ، أو تهجم على هذه الجماعة الراهبة جماعة مادية قوية فتعجز عن المقاومة لضعفها الطبعي ، وتستسلم وتخضع لها ، أو تسبق هي- بما يعتريها من الصعوبات في معالجة أمور الدنيا- فتمد يد الاستعانة إلى المادية ورجالها وتسند إليهم أمور السياسة وتكتفي هي بالعبادات والتقاليد الدينية ، ويحدث فصل بين الدين والسياسة فتضمحل الروحانية والأخلاق ويتقلص ظلها وتفقد سلطانها على المجتمع البشري والحياة العملية حتى تصير شبحاً وخيالاً أو نظرية علمية لا تأثير لها في الحياة وتؤول الحياة مادية محضة وقلما خلت جماعة من الجماعات التي تولت قيادة بني جنسها من هذا النقص ، لذلك لم تزل المدنية متأرجحة بين مادية بهيمية وروحانية ورهبانية ولم تزل في اضطراب .


يمتاز أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا جامعين بين الديانة والأخلاق والقوة والسياسة ، وكانت تتمثل فيهم الإنسانية بجميع نواحيها وشعبها ومحاسنها المتفرقة في قادة العالم ، وكان يمكن لهم – بفضل تربيتهم الخلقية والروحية السامية واعتدالهم الغريب الذي قلما اتفق للإنسان ، وجمعهم بين مصالح الروح والبدن واستعدادهم المادي الكامل وعقلهم الواسع – أن يسيروا بالأمم الإنسانية إلى غايتها المثلى الروحية والخلقية والمادية .


دور الخلافة الراشدة مثل المدنية الصالحة :

وكذلك كان ، فلم نعرف دوراً من أدوار التاريخ أكمل وأجمل وأزهر في جميع هذه النواحي من هذا الدور، دور الخلافة الراشدة فقد تعاونت فيه قوة الروح والأخلاق والدين والعلم والأدوات المادية في تنشئة الإنسان الكامل , وفي ظهور المدنية الصالحة , كانت حكومة من أكبر حكومات العالم ، وقوة سياسة مادية تفوق كل قوة في عصرها تسود فيها المثل الخلقية العليا وتحكم معايير الأخلاق الفاضلة في حياة الناس ونظام الحكم . وتزدهر فيها الأخلاق والفضيلة مع التجارة و الصناعة .


ويساير الرقي الخلقي والروحي اتساع الفتوح واحتفال الحضارة فتقل الجنايات وتندر الجرائم بالنسبة إلى مساحة المملكة وعدد سكانها ورغم دواعيها وأسبابها, وتحسن علاقة الفرد بالفرد والفرد بالجماعة وعلاقة الجماعة بالفرد.


وهو دور كمالي لم يحلم الإنسان بأرقى منه ولم يفترض المفترضون أزهى منه .ولم يكن إلا بسيرة الرجال الذين يتولون الحكم ويشرفون على المدنية وبعقيدتهم وتربيتهم وخطتهم في الحكم وسياستهم ، فكانوا أصحاب دين وأخلاق عالية أينما كانوا ، كانوا أعفة أمناء خاشعين متواضعين ، حكاماً كانوا أو رعايا أو شرطة أو جنوداً . يصف شيخ من عظماء الروم جنود المسلمين فيقول : إنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم(178) .


وقال الآخر : ((هم فرسان بالنهار رهبان بالليل ، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن ، ولا يدخلون إلا بسلام ، يقضون على من حاربوا حتى يأتوا عليه(179) )). ويقول الثالث : (( أما الليل فرهبان وأما النهار ففرسان ، يريشون النبل ويبرونها ويثقفون القنا ، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر(180) )).


ويغنم الجند في المدائن تاج كسرى وبساطه وهو يساوي مئات الألوف من الدنانير فلا تعبث به يد ولا تشح عليه نفس ، ثم يسلمونه إلى الأمير ويرسله الأمير إلى خليفة المسلمين فيتعجب ويقول : إن الذين أدوا هذا لأمناء(181) .


تأثير الإمامة الإسلامية في الحياة العامة :
إن هذا الرعيل من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كان خليقاً بأن يسعد النوع الإنساني في ظله وتحت حكمه ،وأن يسير بقيادته سديد الخطى رشيد الغاية مستقيم السير ، وأن يعمر ويطمئن العالم في دوره وتخصب الأرض وتأخذ زخرفها ، فإنهم كانوا خير القائمين على مصالحها حارسين لها، ولا ينظرون إلى هذه الحياة كقفص من حديد أو غُلٍّ في عنق فيعادونه ويكسرونه، ولا ينظرون إليها كفرصه من لهو ونعيم ومتعة لا تعود أبداً فينتهزونها و يهتبلونها، ولا يضيعون منها ساعة ولا يدخرون من طيباتها ، وكذلك لا يعدونها عذاباً وعقوبة بجريمة فيتخلصون منها ولا ينظرون إلى الدنيا كمائدة ممدودة فيتهالكون عليها ، إلى ما في الأرض من نعماء وخزائن وخيرات كأنها مال سائب يتقاتلون عليه ، وإلى الأمم الضعيفة كفريسة يتسابقون في اقتناصها ، بل يعدون هذه الحياة نعمة من الله هي أصل كل خير وسبب كل بر، يتقربون فيها إلى الله ويصلون إلى كمالهم الإنساني الذي قدر لهم ، وفرصة من عمل وجهاد لا فرصة بعدها : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }.


ويعيدون هذا العالم مملكة لله استحلفهم فيها -أولاً- من حيث أصل الإنسان الذي جعله خليفة في الأرض { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} .


و-ثانياً- من حيث إنه إنسان أسلم لأمر الله وانقاد لحكمه فاستخلفه في الأرض واسترعاه أهلها {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.ومنحهم حق التمتع بخيرات الأرض من غير إسراف وتبذير {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} ، {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ، وجعل لهم الولاية على أمم الأرض وجماعات البشر يراقبون سيرها وسيرتها وأخلاقها ورغباتها، فيرشدون الضال ويردون الغاوي ويصلحون الفاسد ويقيمون الأود، ويرأبون الصدع ويأخذون للضعيف من القوي، وينتصفون للمظلوم من الظالم، ويقومون في الأرض القسط ويبسطون على العالم جناح الأمن: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ }.


وقد وصف عالم ألماني مسلم وصفاً دقيقاً ، قال:

(( إن الإسلام لا ينظر -كالنصرانية– إلى العالم بمنظار أسود، بل هو يعلمنا أن لا نسرف في تقدير الحياة الأرضية ، وأن لا نغالي في قيمتها مغالاة الحضارة الغربية الحاضرة .إن المسحية تذم الحياة الأرضية وتكرهها، والغرب الحاضر-خلاف الروح النصراني – يهتم بالحياة كما يهتم النهم بطعامه ، هو يبتلعه ولكن ليس عنده كرامة له ، والإسلام بالعكس ينظر إلى الحياة بسكينه واحترام ، هو لا يبعد الحياة بل يعدها كمرحلة نجتازها في طريقنا إلى حياة عليا ، وبما أنها مرحلة ومرحلة لابد منها ليس للإنسان أن  يحتقرها أو يقلل من قيمة حياته الأرضية .


إن مرورنا بهذا العالم في سفر الحياة لابد منه ، وقد سبق به تقدير الله ، فالحياة الإنسانية لها قيمتها الكبرى ، ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى أنها ليست إلا واسطة وآلة وليست قيمتها إلا قيمة الوسائط والآلات ، الإسلام لا يسمح بالنظرية المادية القائلة (( إن مملكتي ليست إلا هذا العالم)) ولا بالنظرية المسيحية التي تزدري الحياة وتقول (( ليس هذا العالم مملكتي )) وطريق الإسلام طريق وسط بينهما ، القرآن يرشدنا أن ندعو: { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً }  فالتقدير لهذا العالم وأشيائه ليس حجر عثرة في سبيل جهودنا الروحية الخصبة ، والرقي المادي مرغوب فيه مع أنه ليس غاية في نفسه .


إن غاية جهودنا ينبغي أن تكون إيجاد أحوال وظروف شخصية واجتماعية – والمحافظة عليها إن وجدت – تساعد في ارتقاء القوة الخلقية في الإنسان ، مطابقة لهذا المبدأ .


الإسلام يهدي الناس إلى الشعور بالمسئولية الخلقية في كل عمل يعمله كبيراً كان أو صغيراً إن نظام الإسلام الديني لا يسمح أبداً بمثل ما أمر به الإنجيل قائلاً " أعطوا ما لقيصر لقيصر وأعطوا ما لله لله " ، لأن الإسلام لا يسمح بتقسيم حاجات حياتنا إلى خلقية وعملية ، ليس هناك إلا خيرة فقط ، خيرة بين الحق والباطل ، وليس شيء وسطاً بينهما ، لذلك هو يلح على العمل لأنه جزء لازم للأخلاق لا غنى عنه ، ينبغي لكل فرد مسلم أن يعيد نفسه مسئولاً شخصياً عن المحيط الذي يحيط به وكل ما يقع حوله ، ومأموراً بالجهاد لإقامة الحق ومحق الباطل في كل وقت وفي كل جهة ، فإن القرآن يقول {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } ، هذا هو المبرر الخلقي للحركة الإسلامي الجهادية والفتوح الإسلامية الأولى والاستعمار الإسلامي ، فالإسلام استعماري إن كان لا بد من هذا التعبير ، ولكن هذا النوع من الاستعمار ليس مدفوعاً بحب الحكومة والاستيلاء، وليس من الأثرة الاقتصادية للقومية في شيء ، ولم يكن يحفز المجاهدين الأولين إلى الجهاد طمع في خفض من العيش ورخائه على حساب الناس الآخرين ، ولم يقصد منه إلا بناء إطار عالمي لأحسن ما يمكن للإنسان من ارتقاء روحي ، كما أن العلم بالفضيلة حسب تعليم الإسلام يفرض على الإنسان تبعة العمل بالفضائل .


الإسلام لا يوافق أبداً على الفصل الأفلاطوني والتفريق النظري البحت بين الفضيلة والرذيلة ، بل يرى أنه من الوقاحة والرذيلة أن يميز الإنسان نظرياً بين الحق والباطل ، ولا يجاهد لارتقاء الحق وإزاحة الباطل ، فإن الفضيلة- كما يقول الإسلام- تحيا إذا جاهد الإنسان لبسط سلطانها على الأرض وتموت إذا خذلها وتقاعد عن نصرتها (182))).

يتبع إن شاء الله...



الباب الثالث: العصر الإسلامي  2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 9:41 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: العصر الإسلامي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: العصر الإسلامي    الباب الثالث: العصر الإسلامي  Emptyالخميس 09 فبراير 2012, 6:54 am

المدنية الإسلامية وتأثيرها في الاتجاه البشري:

كان ظهور المدنية الإسلامية بروحها ومظاهرها وقيام الدولة الإسلامية بشكلها ونظامها في القرن الأول لهجرة محمد صلى الله عليه وسلم فصلاً جديداً في تاريخ الأديان والأخلاق، وظاهرة جديدة في عالم السياسة والاجتماع، انقلب به تيار المدنية، واتجهت به الدنيا اتجاهاً جديداً، فكانت الدعوة الإسلامية لم يزل يأتي بها الأنبياء ويبشر بها المبشرون ويجاهد في سبيلها المخلصون، ولكن لم يكن يتمكن دعاتها من إقامة حكومة قائمة على أساسها ومناهجها متشبعة بمبادئها، ومن إقامة مدنية مطبوعة بطابعها مبنية على أحكامها مثل ما تمكنوا في هذه المرة، ولم تنل هذه الدعوة والجهود من النجاح في هذا السبيل مثل ما نالت أخيراً على يد محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فكان هذا الفتح المبين للإسلام محنة جديدة للجاهلية لم تعهدها من قبل، ولم تعرف كيف تخرج منها ، عهدها بها دعوة دينية روحية فإذا هي تصبح نجاة وسعادة وروحاً ومادة وحياة وقوة ومدنية واجتماعاً وحكومة وسياسة.


دين سائغ معقول كله حكمة وبداهة إزاء أوهام وخرافات وأساطير، وشرع إلهي ووحي سماوي إزاء أقيسة وتجارب إنسانية وتشريع بشري، ومدنية فاضلة قوية البنيان محكمة الأساس، يسود فيها روح التقوى والعفاف والأمانة، وتقدر فيها الأخلاق الفاضلة فوق المال والجاه، والروح فوق المظاهر الجوفاء، يتساوى الناس فلا يتفاضلون إلا بالتقوى، ويهتم الناس بالآخرة فتصبح النفوس مطمئنة والقلوب خاشعة، ويقل التنافس في أسباب هذه الحياة والتكالب على حطام الدنيا، ويقل التباغض والتشاحن، كل ذلك إزاء مدنية صاخبة مضطربة متناحرة متداعية البنيان متزلزلة الأركان، يظلم الكبير فيها الصغير، ويأكل القوي فيها الضعيف، ويتسابقون في اللهو والفجور، يتنافسون في الجاه والأموال وأسباب الترف والنعيم، حتى تصبح الدنيا كلها حرباً في حرب وتصبح المدنية جحيماً على أهلها، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} حكومة عادلة تساوي بين رعيتها وتأخذ للضعيف من القوي، وتحرس للناس أخلاقهم كما تحرس لهم بيوتهم وأموالهم، وتحفظ عليهم دماءهم وأعراضهم ، خيارهم أمراؤهم، وأزهدهم في العيش أملكهم لأسبابه وأقدرهم عليه، إزاء حكومة عم فيها الجور والعسف، وتواضع رجالها على الخيانة والظلم، وتسابق أهلها في أكل أموال الناس وهتك أعراضهم وسفك دمائهم، وتفسد على الناس أخلاقهم بما تضرب لهم مثلاً بأخلاقها، شرارهم أُمراؤهم وملوكهم، تشبع دوابهم وكلابهم وتجوع رعيتهم، وتكسى بيوتهم ويعرى الناس.


فأصبح الناس لا يجدون عائقاً عن الإسلام، ولا يواجهون صعوبة وعنتاً في سبيل قبول الإسلام ولا يرون للجاهلية مرجحاً ومصلحة، ويدخل الرجل في الإسلام فلا يخسر شيئاً ولا يفقد شيئاً ويجد برد اليقين وحلاوة الإيمان وعزة الإسلام ودولة قوية يعتز بها وأنصاراً يفدونه بأرواحهم وأنفسهم، ونفساً مطمئنة وثقة في الحياة بعد الموت، فصار الناس ينتقلون من معسكر الجاهلية إلى معسكر الإسلام باختيارهم، وصارت أرض الجاهلية تنتقص من أطرافها وكلمة الإسلام تعلو وظله يمتد ، حتى ارتفعت الفتنة وكان الدين لله.


وكان تأثير هذا الانقلاب عظيماً جليلاً، فكان الطريق إلى الله من قبل في دولة الجاهلية وغربة الإسلام شاقاً عسيراً محفوفاً بالأخطار، فأصبح الآن سهلاً يسيراً آمناً مسلوكاً، وكان يصعب على الإنسان في الوسط الجاهلي أن يطيع الله، فصعب عليه في الوسط الإسلامي أن يعصي الله، وكانت الدعوة إلى النار بالأمس ظاهرة منصورة فأصبحت اليوم خافتة مخذولة، وكانت أسباب سخط الله وعصيانه مكشوفة موفورة فعادت نادرة مستورة، وكانت الدعوة إلى الله في أرض الله جريمة قد ترتكب سراً وخفية، فأصبحت جهراً وعلانية وحرة آمنة لا تلقى معارضة ذات بال، ولا يخاف أصحابها اضطهاداً في سبيل العقيدة وأذى في سبيل الدين الجديد: { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } وأصبح أصحابها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يأمرون وينهون بمعنى الكلمة.


صارت طباع الناس وعقولهم تتغير وتتأثر بالإسلام من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، كما تتأثر طبيعة الإنسان والنبات في فصل الربيع، وبدأت القلوب العاصية الجافة ترق وتخشع وبدأت مبادئ الإسلام وحقائقه تتسرب إلى أعماق النفوس وتغلغل في الأحشاء، وبدأت قيمة الأشياء تتغير في عيون الناس والموازين القديمة تتحول وتخلفها الموازين الجديدة، وأصبحت الجاهلية حركة رجعية كان من الجمود والغباوة المحافظة عليها، وصار الإسلام شيئاً راقياً عصرياً كان من الظرف والكياسة الانتساب إليه والظهور بمظاهره ، وكانت الأمم بل كانت الأرض تدنو رويداً رويداً إلى الإسلام، ولا يشعر أهلها بسيرهم كما لا يشعر أهل الكرة الأرضية بدورانهم حول الشمس، يظهر ذلك في فلسفتهم وفي دينهم وفي أدبهم وفي مدنيتهم، وتشف عن ذلك بواطنهم وضمائرهم، وتنم عنه الحركة الإصلاحية التي ظهرت فيهم حتى بعد انحطاط المسلمين.


جاء الإسلام بالتوحيد ونعى على الوثنية والشرك ، فهان الشرك منذ ذلك اليوم في عيون أهله وصغر، وصار أهله يخجلون منه ويتبرؤون منه ولا يقرون به، بعدما كانوا يجتهدون في إظهاره ويستميتون في الدفاع عنه، وأصبح أهل كل دين يؤولون ما في نظامهم الديني من شرك أو مظاهر شرك ووثنية ورسومها وتقاليدها ويلوون بذلك ألسنتهم، ويجتهدون في التعبير عنه وشرحه بما يقرب إلى التوحيد الإسلامي ويشبهه.


يقول الأستاذ أحمد أمين:

(( ظهر بين النصارى نزعات يظهر فيها أثر الإسلام, من ذلك أنه في القرن الثامن الميلادي أي في القرنين الثاني والثالث الهجريين ظهرت في سبتمانيا(SePtimania) (183) حركة تدعو إلى إنكار الاعتراف أمام القسس، وأن ليس للقسس حق في ذلك، وأن يضرع الإنسان إلى الله وحده في غفران ما ارتكب من إثم، والإسلام ليس له قسيسون ورهبان وأحبار، فطبيعي أن لا يكون فيه اعتراف )).


وكذلك كانت حركة تدعو إلى تحطيم الصور والتماثيل الدينية (Iconoclasts) ذلك أنه في القرن الثامن والتاسع للميلاد أو القرن الثالث والرابع الهجري ، ظهر مذهب نصراني يرفض تقديس الصور والتماثيل ،فقد أصدر الإمبراطور الروماني "ليو" الثالث أمراً سنة 726 م يحرم فيه تقديس الصور والتماثيل، وأمراً آخر سنة 730 م يعد الإتيان بهذا وثنية، وكذلك كان قسطنطين الخامس وليو الرابع، على حين كان البابا جريجوري الثاني والثالث وجرمانيوس بطريرك القسطنطينية والإمبراطورة إيريني من مؤيدي عبادة الصور، وجرى بين الطائفتين نزاع شديد لا محل لتفصيله ، وكل ما نريد أن نذكره أن بعض المؤرخين يذكرون أن الدعوة إلى نبذ الصور والتماثيل كانت متأثرة بالإسلام، ويقولون: إن كلوديوس (Claadius) أسقف تورين (الذي عين سنة 828 م وحول 213هـ) والذي كان يحرق الصور والصلبان وينهى عن عبادتها في أسقفيته، ولد وربي في الأندلس الإسلامي .


وكراهية الإسلام للتماثيل والصور معروفة، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه، وتلون وجهه، وقال: يا عائشة أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتي (184))).والأحاديث في هذا الباب مستفيضة.


وكذلك وجدت طائفة من النصارى (185) شرحت عقيدة التثليث بما يقرب من الوحدانية وأنكرت ألوهية المسيح عليه السلام (186).


ويمكن لمن يطالع تاريخ أوربا الديني وتاريخ الكنسية النصرانية أن يلتمس تأثير الإسلام العقلي في نزعات المصلحين والثائرين على النظام الأسقفي السائد، أما دعوة "لوثر " الإصلاحية الكبيرة، فقد كانت -على عِلاَّتها- أبرز مظهر للتأثُّر بالإسلام وبعض عقائده كما اعترف المؤرخون.


وترى كذلك تأثير للعقلية الإسلامية والشريعة الإسلامية في أخلاق الأمم اجتماعها وتشريعها في أوربا النصرانية وفي الهند الوثنية بعد الفتح الإسلامي (187) تراه وتلمسه في الاتجاه إلى التوحيد ونزعات الاحترام للمرأة وحقوقها والاعتراف بمبدأ المساواة بين طبقات البشر، إلى غير ذلك مما سبق إليه الإسلام وامتازت به شريعته ومدنيته.


يقول الباحث الهندي المعروف ( k. M. panikkar) سفير الهند في مصر سابقاً، وهو يتحدث عن تأثير عقيدة التوحيد الإسلامية في عقلية الشعب الهندي ودياناته:

((من الواضح المقرر أن تأثير الإسلام في الديانة الهندكية كان عميقاً في هذا العهد (الإسلامي)، إن فكرة عبادة الله في الهنادك مدينة للإسلام, إن قادة الفكر والدين في هذا العصر وإن سموا آلهتهم بأسماء شتى قد دعوا إلى عبادة الله، وصرحوا بإن الإله واحد، وهو يستحق العبادة ، ومنه تطلب النجاة والسعادة.


وقد ظهر هذا التأثير في الديانات والدعوات التي ظهرت في الهند في العهد الإسلامي كديانة "Bhagti"  ودعوة (( كبير(188) )) .


ويقول رئيس وزراء الهند جواهر لال بهرو في كتابه (Discovery of India):

((إن دخول الغزاة الذين جاءوا من شمال غرب الهند ودخول الإسلام له أهمية كبيرة في تاريخ الهند إنه قد فضح الفساد الذي كان قد انتشر في المجتمع الهندوكي، إنه قد أظهر انقسام الطبقات واللمس المنبوذ، وحب الاعتزال عن العالم الذي كانت تعيش فيه الهند، إن نظرية الأخوة الإسلامية والمساواة التي كان المسلمون يؤمنون بها، ويعيشون فيها، أثرت في أذهان الهندوس تأثيراً عميقاً، وكان أكثر خضوعاً لهذا التأثير البؤساء الذين حرم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية )).


ويقول كاتب عصري فاضل وهو (N. C. Mehta) في كتابه " الحضارة الهندية والإسلام " (Indian Civilization and Islam):

(( إن الإسلام قد حمل إلى الهند مشعلاً من نور قد انجلت به الظلمات التي كانت تغشى الحياة الإنسانية في عصر مالت فيه المدنيات القديمة إلى الانحطاط والتدلي، وأصبحت الغايات الفاضلة معتقدات فكرية، لقد كانت فتوح الإسلام في عالم الأفكار أوسع وأعظم منها في حقل السياسة، شأنه في الأقطار الأخرى، لقد كان من سوء الحظ أن ظل تاريخ الإسلام في هذا القطر (الهندي) مرتبطاً بالحكومة، فبقيت حقيقة الإسلام في حجاب، وبقيت هباته وأياديه الجميلة مختفية عن الأنظار )).


ولا يستطيع دين من الأديان ومدنية من المدنيات تعيش في العالم المتمدن المعمور أن تدعي أنها لم تتأثر بالإسلام والمسلمين في قليل ولا كثير.


يقول (Robert Briffault) في كتابه (The Making of Humanity):
(( ما من ناحية من نواحي تقدم أوربا إلا وللحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة لها تأثير كبير(189))).


ويقول في موضع آخر:

((لم تكن العلوم الطبيعية (التي يرجع فيها الفضل إلى العرب) هي التي أعادت أوربا إلى الحياة ولكن الحضارة الإسلامية قد أثرت في حياة أوربا تأثيرات كبيرة ومتنوعة منذ أرسلت أشعتها الأولى إلى أوربا(190) )).


فلو جرت الأمور هكذا وتمتعت الأمم الإنسانية بقيادة الجماعة التي خُلقت بقيادتها وأعطيت القوس باريها، وجرت المياه إلى مجاريها، لكان للعالم الإنساني تاريخ غير التاريخ الذي نقرؤه حافلاً بالزلازل والنكبات ناطقاً بطول بلاء الإنسانية ومحنها، لكان له تاريخ مجيد جميل يغتبط به كل إنسان ويقر عيناً، ولكن جرت الأقدار بغير ذلك، وبدأ الانحطاط في المسلمين أنفسهم



الباب الثالث: العصر الإسلامي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث: العصر الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الثالث: المجتمع الإسلامي
» الباب الرابع: العصر الأوربي
» الباب الأول: العصر الجاهلي.. الفصل الأول: الإنسانية في الاحتضار
» الباب السادس عشر: التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في العصر الحديث
» الباب الخامس عشر: التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية حتى العصر الحديث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: كتاب ماذا خســر العالم-
انتقل الى: