أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث الأول: العوامل المؤثرة على الأزمة الإثنين 06 فبراير 2012, 11:56 pm | |
| المبحث الأول
العوامل المؤثرة على الأزمة
ظل إقليم دارفور، على مدى ثلاثة عقود، يعيش أوضاعاً مضطربة، ولم يعرف الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي بسبب ظواهر طبيعية وأمنية وسياسية.
فقد عانت المنطقة من فترات جفاف وتصحر قادت إلى ثلاث مجاعات كبيرة عام 1973، وعام 1985، وعام 1992.
وأدى شح الأمطار في شمالي الإقليم ووسطه إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان جنوباً، إلى مناطق السافانا المدارية حول جبل مرة، والمناطق الحدودية مع أفريقيا الوسطى وتشاد.
كما أدت إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية وظهور حالات فقر وسط القبائل الرعوية، خاصة رعاة الإبل والأبقار في شمالي وغربي المنطقة، بسبب تمدد التصحر جنوباً.
فقد ظل يتمدد سنوياً بمعدل ثلاثة كيلومترات حتى باتت جميع مناطق شمال ووسط دارفور صحراوية، جرداء وشبه صحراوية، بسبب عامل الطبيعة.
ومن ثَم، فإن أزمة دارفور تأثرت بعدة عوامل، منها ما هو تاريخي، وما هو بيئي.
كما تأثرت بأطماع دولية في ثروة الإقليم.
ويمكن الإشارة إلى بعض جوانبها في الآتي:
أولاً: الميراث التاريخي للأزمة
تتفاوت الآراء حول الجذور التاريخية لإقليم دارفور؛ فهناك من يرى أن دارفور عاشت كدولة مستقلة خلال الفترة من (1650 – 1916)، وكانت تسمي "سلطنة الفور"، ويرى آخرون أن سلطنة دارفور نشأت واستمرت في الفترة الممتدة بين الأعوام (1445 و1874)، وأن تلك السلطنة الإسلامية قامت إلى جانب سلطنات وممالك إسلامية في الحزام السوداني، مثل: مملكة سنار، ثم كردفان، ومملكة وداي، والباقرمة، ومملكة برنو، ومملكة سكتو، وغيرها.
وقد أصبحت دارفور جزءاً من السودان بعد عام 1874.
وقد أسهم التجاهل الذي عانت منه دارفور ـ في كثير من الأحيان ـ من جانب الحكومات الوطنية السودانية المتعاقبة في عزلتها عن باقي الوطن.
كما أسهم نظام الحكم الإقليمي المطبق في دارفور في عام 1982، في تكريس تخلف التنمية الاقتصادية.
وفى العام 1991، قُسمت دارفور إلى ولايات: شمال دارفور (الفاشر)، جنوب دارفور (نيالا)، وغرب دارفور (الجنينة).
وعلى الرغم من هذا التقسيم، برزت تعقيدات جعلت دارفور الكبرى أقل أجزاء السودان اندماجاً في الوطن، وذلك للتخلف التنموي الذي عانته؛ إضافة لبعدها عن المركز وضعف شبكة المواصلات ووعورة الطرق. وتبلورت صورة السودان الحالية في عهد الحكم التركي ـ المصري 1820 – 1885، وقبل ذلك ساد الصراع القبلي وهيمنة بعض القبائل على الآخرين.
وقامت السلطنات الإقليمية وهي:
الفونج في أواسط السودان، والفور في غرب السودان، والمسبعات في كردفان.
وقد اهتم الحكم التركي بجباية الأموال وتجنيد الرجال، ولم يؤسس دولة حديثة إلا فيما يختص بالمقدار الذي يحقق أهدافه الأساسية.
وفي حين اتسمت المهدية بأنها حركة شعبية دينية ساعدت على تنامي الإحساس الوطني، إلا أنها لم تتمكن من تغيير البنية المادية والاجتماعية لتلك المجتمعات التقليدية.
ولذلك بقيت العصبية القبلية موجودة وكامنة في وجدان العناصر القبلية المختلفة.
فأحياها الاستعمار البريطاني في إطار الإدارة الأهلية، ونقض سياسة المهدية التي حاولت استبدال القبلية بمفهوم الدعوة المهدية.
وبعد الاستقلال تعاقبت الحكومات الوطنية (مدنية وعسكرية)، واهتمت بالتعليم والصحة، وصاحب ذلك زيادة في أعداد السكان ولكن لم يصاحب ذلك تحول في البنية الاجتماعية والاقتصادية.
وظلت الزراعة التقليدية، والرعي المتنقل، يشكلان السمة الأساسية لتلك المجتمعات؛ بل انضمت قيادات الإدارة الأهلية إلى أحد الحزبين السائدين في البلاد؛ فنقلت التناقضات الحضرية إلى النسيج الاجتماعي في الريف، ما فاقم الفجوة الناتجة عن التنافس حول الموارد الطبيعية.
يتضح مما تقدم أن الخصوصية التاريخية الأولى تتركز في أن دارفور كانت موطناً لسلطنة قديمة، كانت أقوى في بعض الأحيان من سلطنة الفونج.
وعندما غزا محمد علي باشا إقليم الفونج في عام 1821، انحسرت حملته دون غزو إقليم دارفور.
ولم ينضم هذا الإقليم للحكم المصري التركي إلا في عام 1875.
وهذا معناه أن الإقليم لم يخضع لتلك التجربة مثل سائر أقاليم السودان في وادي النيل وكردفان والبحر الأحمر.
ومن ناحية أخرى، كان الإقليم من أوائل الأقاليم تحرراً في حقبة المهدية، حيث اكتمل تحريره عام 1882، بينما لم يكتمل تحرير إقليم الفونج إلا عام 1885.
وعندما بدأت الدعوة المهدية في السودان، كانت دارفور من أكثر الأقاليم حماسة في الاستجابة للمهدية.
وكان لها نصيب كبير في دعم وتأييد المهدية.
وصار خليفة المهدي من ذلك الإقليم، ما جعل للدعوة مكانا خاصا في نفس أهل الإقليم، وجعلها حلقة الوصل التاريخية الوحيدة ما بين "سودان سنار" و"سودان الفاشر".
وعندما خضع سودان وادي النيل وكردفان والبحر الأحمر لسيطرة الحكم البريطاني المصري في 1899 (الحكم الثنائي)، توجه السلطان علي دينار إلى الفاشر وأعاد تأسيس سلطنة الفور المستقلة، التي استمرت تحت قيادته إلى أن ضُمّ إقليمها إلى السودان في عام 1916.
هذه الحقائق التاريخية عززتها عوامل جغرافية، فإقليم دارفور يجاور ثلاث دول إفريقية تشترك معه في الحدود وفي قبائل حدودية مشتركة.
وهذه العوامل غذت خصوصية دارفور وغرست فيها حساسية جهوية ملموسة.
وفي عام 1980 قرر نظام النميري ضم الإقليم لكردفان، فواجهه الإقليم بانتفاضة دارفور الشهيرة، وهي الروح التي رفضت تعيين حاكم من خارج الإقليم.
وبمرور الزمن تطور النزاع حول الموارد وساد الاضطراب الأمني (النهب المسلح والاشتباكات القبلية)، حتى بلغت تلك الاشتباكات -على سبيل المثال- في الفترة ما بين عامي 1968 ـ 1998 حوالي ثلاثين اقتتالاً.
وعلى أثر ذلك أُخضع الإقليم، إضافة إلى غرب كردفان، إلى حالة الطوارئ، وتعليق الحكم المدني بغرب دارفور مع وضع الولاية تحت الحكم العسكري المباشر، بسبب الاقتتال بين المساليت ومجموعة من القبائل العربية.
ويُذكر أنه بعد حل الإدارة الأهلية في عام 1970، دخلت مفاهيم إدارية وسياسية جديدة أدت إلى خلق حالة عدم الاستقرار القبلي بدارفور، ما جعل الصراع القبلي يتفجّر في دارفور بشكل متلاحق، لدرجة أصبح فيها خلو مجتمع دارفور من الاقتتال القبلي هو الاستثناء وليس القاعدة.
وتعكس هذه الصورة أن المستويات التي وصلت إليها أعمال العنف قد سادت مجتمع دارفور.
ومن المؤسف أن المؤشرات في هذا الصدد تدل على أن العنف قد يستمر في دورات متلاحقة، نسبة لوجود مناطق توتر قابلة لتصاعد العنف بها؛ فمثلا في ولاية جنوب دارفور وحدها ، تشمل دوائر التوتر كل من: التعايشة والسلامات، والفلاتة والمساليت (قريضة)، والهبانية وأبو الدرق، وبنى هلبة والقمر، والهبانية والمساليت (قريضة)، والمهادى والمساليت (ديتو).
ثانياً: التأثير الجغرافي والبيئي للأزمة
1. تأثير الموقع الجغرافي لإقليم دارفور
تقع دارفور بين خطي الطول 22 - 27 شرقاً وخطي العرض 10 - 16 شمالاً، وتُعد شمال دارفور امتداداً لمنطقة الساحل الأفريقي، الذي يمتد من السنغال حتى شرق السودان، يحده من الشمال والشمال الشرقي ولاية الشمالية، ومن الشرق والجنوب الشرقي ولايتي شمال وغرب بحر الغزال، وتشارك الحدود السياسية الدولية لليبيا من الشمال الغربي، أما في الغرب فتحده الحدود السياسية الدولية بجمهوريتي تشاد وأفريقيا الوسطى، بشريط حدودي يبلغ طوله 750 كم، يسير على خط طول 25 درجة شرقاً ثم يتبع بعد ذلك الفاصل المائي بين النيل ومجموعة شاري والكونغو.
وتبلغ مساحة إقليم دارفور حوالي 550 ألف كم2، وهي تعادل أكثر من 20% من مساحة السودان الكلية البالغة حوالي 5,2 مليون كم2، ويبلغ ارتفاع قمة جبل مرة 3071م، بمساحة كلية للمنطقة تبلغ 10.000 كم2 (ضعفي ونصف مساحة سويسرا) و تفصل هذه المنطقة المرتفعات الغربية عن المناطق المنخفضة في الشرق، والتي تغطيها طبقة الكثبان الرملية، مقارنة مع تربة جبل مرة التي تغطيها طبقة رسوبية سميكة من الرماد البركاني، الذي يصلح للزراعة، ويتسم بقابلية عالية للتعرية وتكوين الأخاديد.
أما الأمطار فهناك تباين في هطولها زماناً ومكاناً، حيث يهطل نصف معدل الأمطار السنوي في أغسطس، ويسقط نصف مقدار أمطار أغسطس خلال 5 أيام فقط بالتقريب، وهو ما يفرض على قطاعات من السكان ضرورة التحرك بأنعامهم إلى حيث مصادر المياه، وهو ما يؤدي إلى إمكان حدوث احتكاكات ومصادمات فيما بين السكان الدائمين والسكان الوافدين بحثاً عن مصادر المياه والمراعي، ويمكن إيجاز الهطول السنوي للأمطار على الإقليم وفقا لما يلي: الصحراء (شمال وادي هور) أقل من 80 مم، وشبه الصحراء (دار ميدوب شمال دار زغاوة) 80 - 200 مم، والتلال الرملية (ديار البرتي والزيادية وأراضي دار زغاوة الجبلية) 200 - 500 مم، والكثبان الرملية شرق دارفور 450 - 650 مم، وسهول غرب دارفور، هضبة جبل مرة 500 - 700 مم.
وتتدرج النباتات من شمال الإقليم إلى جنوبه من النباتات الشوكية في أقصى شمال الإقليم، حتى الغابات المدارية في أقصى الجنوب الغربي، وتمتاز تربة ونباتات المرتفعات بالتنوع نتيجة تنوع الحرارة والأمطار، ومن ثم يتداخل الرعاة مع المزارعين في مناطق كثيرة في الإقليم الأمر الذي يؤدي إلى الاحتكاك المتكرر، لاسيما بعد انقطاع سقوط الأمطار، أو في أثناء موجات الجفاف.
2. التركيب السكاني لإقليم دارفور
يزخر السودان بتنوع ثقافي وإثني ومناخي جعله يحتضن معظم المجموعات العرقية الموجودة في قارة أفريقيا، فهو يضم 518 مجموعة قبلية تتحدث بأكثر من 119 لغة.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |