المخدرات: خطرها، أضرارها، حُرمة تعاطيها
المخدرات: خطرها، أضرارها، حُرمة تعاطيها 1294
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف المرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، أيها المسلمون: ورد في البوابةِ الإلكترونيةِ لوزارةِ الصِّحة، في صفحةِ التوعيةِ الصِّحية، في المحتوى التثقيفي عن الإدمانِ والمُخدِّرات أنَّ "المُخدِّراتِ هي مجموعةٌ من المواد التي تُسببُ الإدمانَ وتَسمُّمَ الجهازِ العصبيِّ، ويُطلَقُ لفظُ (مُخَدِّر) على ما يُذْهِبُ العقلَ ويُغيِّبُه؛ لاحتوائه على مواد كيميائيةٍ تُؤدي إلى النُّعاس والنومِ أو غيابِ الوعي"، وأنَّ "معنى الإدمان: هو رَغْبةٌ قهريةٌ للاستمرار في تعاطي المادَّةِ المُخدِّرةِ أو الحصولِ عليها بأيِّ وسيلة، مع الميلِ إلى زيادةِ الجُرْعةِ المتعاطاة؛ مما يُسبِّبُ اعتمادًا نفْسيًّا وجِسْميًّا وتأثيرًا ضارًا في الفرد والمجتمع".
 
وأنَّ أنواعَ المُخدراتِ كثيرةٌ، وأشكالَها مُتعدِّدةٌ، وهي خطيرةٌ، سواءٌ ذاتُ المَصْدرِ الطبيعي (الأفيون، الحشيش، الكوكايين، وغيرُها)، أو ذاتُ المصدرِ الاصطناعي (الهيروين والإمفيتامينات وغيرُهما)، "وأنَّ من آثار مضاعفاتِ إدمانِ المُخدِّراتِ: مُضاعفاتٍ نفسية، وأعراضًا ذِهنية (مثل: الشعورِ باللامبالاة، وفقدانِ الحُكْمِ الصحيحِ على الأشياء)، وإصابة جهازِ المناعة (مثل: الإصابةِ بالأمراضِ الجنسيةِ، والأمراضِ الفيروسيةِ كالتهابِ الكبدِ الفيروسي)، والاضطرابات الهُرْمونية (مثل: العُقْمِ والتأثيرِ في عملية الإخصاب)، والتفكُّك الأُسَري، ومُشكلات الطلاقِ، وانتشار الجرائمِ للحصولِ على المال"[1].
 
عباد الله:
إنَّ "من أعظم الوسائلِ التي تُفسِدُ العقلَ وتُغيِّرُه تعاطي المُسْكراتِ أو المُخَدِّراتِ، فتناولُها يُغطِّي العقلَ ويَحْجُبُهُ عن أداءِ واجبِهِ الذي خُلقَ مِنْ أجْلِه، فلا يَعرِفُ ماهيَّتَه في هذه الحياة، ولا يُدْرِكُ وظيفتَهُ فيها، فيكونُ بذلك قد فرَّطَ في المحافظة على إحدى الضروراتِ التي أُمِرَ بصيانتها والعنايةِ بها وعدمِ الاعتداءِ عليها. لقد حَرَصَ أعداءُ الأمَّةِ الإسلاميةِ شرقًا وغربًا وفي كلِّ مكانٍ على إفسادِ هذه الأمة، وهدْمِ كيانِها، وشَلِّ حركتِها، والقضاءِ عليها، وضرْبِها من حيثُ لا تشعر، وإفسادِ شبابِ هذه الأمة، ونَخْرِ أجسامِهم وعقولِهم"، وذلك من خلالِ إغراقِهم في تَعاطي المُخدراتِ وإدمانِها[2].

والمُخدراتُ من الخبائث، وهي سُمومٌ قاتلةٌ، وهي بأنواعِها شرٌّ من الخَمْر؛ لأنَّها تُفسدُ العقلَ، وتُدمِّرُ الجسدَ، وتُذهبُ المالَ، وتَقتُل الغَيرَةَ، فهي تُشاركُ الخمرَ في الإسكار، وتَزيدُ عليها في كَثْرةِ الأضرارِ والآثارِ المُدمِّرة.
 
وما وقعَ أحَدٌ في شِباكِ المخدِّراتِ والمُسْكِراتِ إلا دمَّرتْهُ، ولا تعاطاها أحَدٌ إلا أفْسَدتْه بأنواع الفساد، ولا انْتشَرَتْ في مُجْتمعٍ إلا أحاطَ به الشَّرُّ، ووقعَ في أنواعٍ من البلاء، وحَدثتْ فيه الذُّنوبُ والجرائمُ والمفاسِد.
 
عباد الله:
أضرارُ المُخدِّراتِ ومفاسِدُها كثيرةٌ؛ منها ما عرَفه الناسُ، ومنها ما لم يُعْرَفْ حتى الآن، فشُرْبُ الخمورِ والمُخدراتِ كبيرةٌ من كبائر الذنوب.. فهي أمُّ الخبائث.. ومِفتاحُ كلِّ شر، وهي رجْسٌ من عمل الشيطان؛ توقعُ العداوةَ والبغضاءَ بين الناس.. وتصُدُّ عن ذكرِ الله وعن الصلاة، تَدعو إلى الزِّنا، ورُبَّما دَعَتْ إلى الوُقوعِ على المحارم، والمُخدراتُ تُورِثُ الخِزْيَ والنَّدامَةَ والفَضيحةَ، تهتكُ الأستار.. تُظْهِرُ الأسرار.. تدلُّ على العورات.. تُهوِّنُ ارتكابَ القبائحِ والمآثم.
 
عباد الله:
وإنَّ من أسبابِ انتشارِ المُخدرات: ضَعفَ الوازعِ الدِّينيّ، ومُصاحبَةَ أصدقاءِ السُّوءِ ورفاقِ الشرّ، والفراغَ، والتفككَ الأسري، وإهمالَ الوالدين لأبنائهم[3].
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91].
 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
أمَّا بعد، فيا عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، ولنعلمْ أنَّ المخدراتِ والمُسكراتِ بجميع أنواعِها من الشُّرور العظيمةِ، وقد حَرَّمَها اللهُ تعالى وحَرَّمَها رسولُه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]، وفي الحديث: «لُعِنتِ الخَمْرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصِرِها، ومُعتَصِرِها، وبائِعِها، ومُبتاعِها، وحامِلِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثَمَنِها، وشارِبِها، وساقيها» أخرجه أبو داود (3674)، وابن ماجه (3380) واللفظ له، وأحمد (4787).
 
والخَمْرُ هو كلُّ ما خامرَ العقلَ؛ مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكلُّ خَمْرٍ حرامٌ» صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2003.
 
والمُسْكِرُ هو ما غَطَّى العقلَ وأزالَه، والمُفتِّرُ هو ما فتَّرَ الأعضاءَ وأدخلَ عليها الرَّخَاوةَ والكَسَلَ، وغيَّرَ طَبيعَةَ الإنسان.
 
عباد الله:
والمُخدِّراتُ يزْرَعُها ويَصْنعُها ويُصدِّرُها شياطينُ الإنس؛ ليحققوا مَقصَدينِ يَسعَون لهما:
المقصَدُ الأول:
إفسادُ المجتمعاتِ حتى لا يُفكِّرُ مُتعاطي المُخدراتِ إلا بما تَهتمُّ به البهائم، وإذا فشَتْ المُخدراتُ في المجتمع ولم تُحارَبْ فقد تُوُدِّعَ منه.
 
المقصَدُ الثاني:
كسْبُ المالِ الحرام -وبئْسَ الكسْبُ-؛ فالمالُ المُكتسَبُ من المُخدراتِ والمُسكراتِ لا خيرَ ولا برَكةَ فيه، بلْ هو يُفسِدُ القلبَ ويُدمِّرُ البيوتَ ويُشتتُ الأسرَ ويُدمِّرُها ويورِثُ الخِزْيَ والعار.
 
عباد الله:
يَجبُ علينا الوعيُ بحقائقِ الأمورِ، وإدراكُ حجمِ خطرِ المخدراتِ والمسكرات، كما يَجبُ التكاتُفُ والتآزُرُ بين أفرادِ المجتمعِ ومؤسَّساتِه للحَدِّ من هذا الوباءِ وصَدِّه، ولا بُدَّ من تنميةِ الرقابةِ الذاتيَّةِ بالإيمانِ والخوفِ من اللهِ في قلوبِ الناس عامَّةً والناشئةِ والشَّبابِ خاصَّة؛ لحِفْظِهم من هذه الآفةِ الخطيرةِ المُدمِّرة، ولا بُدَّ أنْ يتكاتفَ أفرادُ المجتمعِ مع الجهاتِ المسؤولةِ للتصدي لخطرِ المخدراتِ والمُسكرات، والإبلاغِ عن مهربيها ومُروجيها ومُستعمليها.

ونسألُ اللهَ تعالى المزيدَ من التوفيق والسدادِ لرجال الأمنِ ولجهاتِ مُكافحةِ المُخدراتِ ومستشفياتِ الأمل، ولرجالِ الجمارك، ولِكلِّ منْ يقومُ بالتوعيةِ بأضرار المخدراتِ والمسكرات؛ لأنهم يقومونَ بجهودٍ مشكورةٍ للحدِّ من المخدرات والتحذير والتوعية بأضرارِها وأخطارِها، أعانهم اللهُ وسدَّدَهم وأنْجحَ مساعيَهم.
 
فاتقوا الله -عباد الله- وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرًا».
 
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعن التابعينَ لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وفضلك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
 
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا.. وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تُحبُّ وترضى وهيئ له البطانة الصالحة التي تعينه على الحق يا رب العالمين، اللهم وفق علماءنا وشيبنا وشبابنا ونساءنا وذرياتنا لكل خير، اللهم وفق جنودنا ورجال أمننا وسدد رميَهم وانصرهم يا رب العالمين.
 
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا وارحم موتانا يا رب العالمين.
 
عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90، 91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

________________________________________
[1]https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/AddictionandDrugs/Pages/default.aspx
[2] ,https://www.alukah.net/sharia/0/32284/#ixzz78YFNtNHZ
[3] https://www.alukah.net/sharia/0/32284/#ixzz78YNtDdKN
____________________

الكاتب: محمد بن حسن أبو عقيل