أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الصورة التي لم تتم: نظرية المجالات الموحدة الأربعاء 26 يونيو 2024, 1:09 am | |
| (الغريب أن أينشتاين نفسه كان قد طرح ذات الفكرة العام ١٩٢٥م، سابقًا ديراك بأعوام قليلة موضحًا أنه بعكس علامة شحنة الإلكترون في المعادلة النسبية يمكن أن نخرج بمعادلات مطابقة إذا عكسنا اتجاه المكان كذلك، وقال أيضًا إنه لكل جسيم ذي كتلة معينة جسيم نظير له بذات الكتلة ولكن بشحنة ذات اتجاه معاكس، ومعنى هذا أن النسبية لم تكتفِ بتقديم بعد رابع بل قدمت لنا أيضًا عالمًا موازيًا قوامه مادة مضادة، لكن أينشتاين لم يكن ممن يدخلون في نزاعات على أسبقية الاكتشاف ففضل بكل نبل ألا يدخل في صراع مع ديراك).
في البداية قوبلت أفكار ديراك بالكثير من التشكك لأنها بدت في منتهى الغرابة، حتى إن فيرنر هايزنبرج Werner Heisenberg العالم المختص بفيزياء الكم (وهو الذي توصل مع نيلز بور إلى صيغة مختلفة لنظرية الكم لها نفس نتائج صيغة شرودنجر) كتب يقول: «إن نظرية ديراك كانت وسوف تظل أسوأ مراحل الفيزياء الحديثة… وإنني أظنها… هراء لا يؤخذ على محمل الجد».١٤
لكن أولئك الذين عارضوا نظرية ديراك اضطروا بعدها لأن يطأطئوا الرأس خجلًا عندما اكتشف وجود الإلكترون المضاد أو البوزيترون العام ١٩٣٢م، وهو الاكتشاف الذي نال عنه ديراك جائزة نوبل، وحينها رجع هايزنبرج عن كلامه وقال: «إنني أظن اكتشاف المادة المضادة هو أكبر قفزة علمية في هذا القرن».١٥
ومرة أخرى تخرج علينا النسبية بنتائج غير متوقعة وهذه المرة أوجدت لنا كونًا جديدًا بالكامل يتكون من مادة مضادة.
(من الغرائب أن شرودنجر وديراك اللذين اكتشفا أهم الخاصيتين الموجيتين في نظرية الكم كان أحدهما على النقيض من الآخر؛ فشرودنجر متعدد العلاقات النسائية، أما ديراك فقد عُرِف بخجله الشديد أمام النساء وميله للصمت، وكان الوسط العلمي في بريطانيا شديد التقدير لإسهامات ديراك في مجال الفيزياء حتى إنه بعد موته نُحِتَت معادلته النسبية على حجر ووضع في كنيسة ويستمنستر بالقرب من قبر نيوتن).
وفي غضون وقت قليل صار الفيزيائيون من جميع بقاع الأرض يتهافتون على تعلم خصائص معادلات شرودنجر وديراك الجميلة والغريبة في الوقت نفسه، لكن برغم النجاح الكاسح الذي حققته فيزياء الكم فقد ظل العلماء يصارعون سؤالًا فلسفيًّا حيرهم طويلًا وهو: إذا كانت المادة موجات فما الذي يتموج بالضبط؟ كان هذا هو ذات السؤال الذي برز من نظرية موجات الضوء والذي تمخضت عنه نظرية الأثير الخاطئة.
تشبه موجات شرودنجر أمواج المحيط في أنها بعد فترة معينة تتفرق في أرجاء الكون من تلقاء نفسها حتى تختفي كما تختفي أمواج البحر، لكن هذا كان يخالف معلومات العلماء عن الإلكترونات، فمعلوماتهم تنص على أن الجسيمات دون الذرية هي كيانات دقيقة تتحرك بسرعة كبيرة في حركات محددة يمكن تصويرها، وهكذا فمع النجاح الساحق الذي حققته موجات شرودنجر في وصف ذرات الهيدروجين فإنها لم تستطع وصف حركة الإلكترون في الفضاء الحر، بل إنه لو طُبِّقت حركة هذه الموجات على حركة الإلكترون فسوف نخرج بنتيجة مفادها أن الإلكترونات سوف تتبدد في الفضاء ببطء وهو ما يعني أن الكون سوف يتلاشى.
أيقن الجميع أن في ذلك الأمر خطأ فادحًا لكن لم يعرف أحد ما هو، إلى أن حَلَّ ماكس بورن Max Born صديق عمر أينشتاين هذا اللغز؛ العام ١٩٢٦م، صرح بورن بحسم بأن موجات شرودنجر لا تصف الإلكترون بل تصف «احتمالية» وجوده وقال أيضًا: «إن حركة الجسيمات تخضع لقوانين الاحتمالات، لكن الاحتمالات نفسها لا بد أن تتناغم مع قوانين السببية».١٦
يُفهم من هذا أن هذه الصورة الجديدة تؤكد على أن المادة توجد في شكل جسيمات لا موجات، والعلامات التي تظهر على الألواح الفوتوغرافية ما هي إلا المسارات التي تخلفها الجسيمات الدقيقة لا الموجات، ووظيفة الموجات هي الإشارة إلى النقاط التي يحتمل أن توجد فيها الجسيمات.
(يمكننا أن نقول بعبارة أكثر تحديدًا إن التربيع المطلق لموجات شرودنجر يمثل احتمالية وجود الجسيمات في نقطة محددة من الزمان والمكان).
وهذا يعني أن حقيقة كون الموجات تتفرق حتى تختفي بمرور الزمن لا تتعارض مع أي شيء، فهي تعني أن الإلكترونات لا تتلاشى بل تتنقل وتتحرك من مكانها لكن يمكن تحديد المكان الذي كانت فيه بكل دقة، وبهذا زالت كل التناقضات التي كانت تشكك في النظرية.
غير أن فيرنر هايزنبرج لم يتوقف عند هذا الحد فقد كان منشغلًا هو وزميله بور بقضية توقف تلك النظرية الجديدة على الاحتمالات حتى إنه كثيرًا ما انخرط في جدال محتدم مع زميله الأكبر منه سنًّا حول هذا الموضوع.
وفي إحدى الليالي التي قضاها يقلب هذه المسألة في رأسه دون جدوى خرج يتمشى وهو محبط في أرجاء حي فايليد الذي يقع خلف الجامعة وسؤال واحد يلح على ذهنه: كيف يتأتى ألا يكون بمقدورنا تحديد موقع الإلكترون بدقة مع أننا نستطيع قياسه ببساطة؟
وفجأة لمع الحل في ذهنه واضحًا، فلكي نحدد موقع الإلكترون علينا أن نراه، ولكي نراه يجب أن نسلط عليه شعاع ضوء ساطع، لكن المشكلة أن فوتونات الشعاع الضوئي سوف تصطدم مع الإلكترونات فلا تسمح لنا بتحديد الموقع بدقة، أي أن الإجراء المطلوب لمشاهدة الإلكترون هو ذاته الذي يسبب تضليلنا عنه، ولهذا فقد أعاد هايزنبرج صياغة هذا السؤال في إطار مبدأ فيزيائي جديد هو مبدأ عدم اليقين الذي ينص على أنه «لا يمكن تحديد موقع الجسيم وسرعته في ذات الوقت».
(وبعبارة أكثر تحديدًا نقول إن نسبة عدم اليقين في موقع الإلكترون وكمية الحركة يجب أن تساوي أو تزيد عن مقدار ثابت بلانك مقسومًا على ٤π).
ولم يكن عدم اليقين هذا مرده فقط إلى محدودية إمكانيات الأدوات المعملية بل لكونه من القوانين الأساسية للطبيعة، فالرب نفسه لا يستطيع تحديد موقع الإلكترون وكمية الحركة في ذات الوقت.
كانت هذه لحظة فارقة في تاريخ نظرية الكم؛ ففيها تعمقت لأول مرة في مجالات لم تكن مطروقة من قبل، وحتى تلك اللحظة كان العلماء يظنون أن الظواهر الكمية هي ظواهر إحصائية تمثل متوسط حركات تريليونات الإلكترونات، لكنهم أدركوا بعدها أنه لا يمكن تحديد حركة حتى إلكترون واحد بصورة مؤكدة، وكان من شأن هذه النتائج الجديدة أن أثارت ارتياع أينشتاين خاصة بعد أن علم أن صديقه الوفي ماكس بورن هجر مبدأ الحتمية Determinism الذي هو واحد من أهم مبادئ الفيزياء التقليدية، ومبدأ الحتمية ينص على أن المرء قادر على أن يعرف المستقبل إذا عرف كل شيء عن الحاضر، ومثالًا على هذا قدرة قوانين نيوتن الطبيعية على التنبؤ بحركة المذنبات والأقمار والكواكب بعد معرفتها بحالة النظام الشمسي الراهنة.
ولقرون عديدة كان الفيزيائيون يتعجبون من قدرة تلك القوانين، نظريًّا، على التنبؤ بمنتهى الدقة بالمواقع التي ستنتهي إليها الأجرام السماوية بعد ملايين السنين، والواقع أنه حتى تلك اللحظة كانت العلوم كلها تقوم على مبدأ الحتمية، وكان العلماء قادرين على التنبؤ بنتيجة التجربة إذا عرفوا موقع جميع الجسيمات وسرعاتها، ولخص أتباع نيوتن هذا المبدأ في تشبيه الكون بساعة عملاقة أدار الرب زنبركها في بداية الخليقة فاستمرت تدق حتى وقتنا هذا سائرة على قوانين نيوتن للحركة.
وإذا عرفنا موقع كل ذرة من ذرات الكون وسرعتها فسنستطيع بواسطة قوانين نيوتن أن نحسب ما سيطرأ على الكون من تطورات لاحقة بدقة متناهية، لكن مبدأ عدم اليقين أتى فأبطل هذا كله ورأى أنه من المستحيل التنبؤ بالحالة التي سيئول إليها الكون في المستقبل، وأصدق مثال على هذا ذرات اليورانيوم التي لا يمكن حساب الوقت اللازم لاضمحلالها إلا بمراقبة عملية الاضمحلال نفسها، بل إن الرب نفسه ولا أي إله وثني دونه قادر على أن يتنبأ باضمحلال ذرة يورانيوم.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام ١٩٢٦م، كتب أينشتاين يرد على دراسة بورن قائلًا: «إن لميكانيكا الكم منا شديد الاحترام، لكن هناك صوتًا يتردد بداخلي لا يزال يلح عليّ قائلًا إن هذه ليست هي الحقيقة، ومع أن هذه النظرية أضافت كثيرًا للعلم فإنها لم تقربنا من معرفة طريقة الرب في تصريفه لأمور الكون، وإنني من جهتي لست مقتنعًا بأنها تقوم على إلقاء النرد أو شيء من هذا القبيل».١٧
ثم علق على نظرية هايزنبرج قائلًا: «لقد وضع هايزنبرج بيضة كمية كبيرة أعجبت أهل جوتنجن (لكنها لم تعجبني)».١٨
وحتى شرودنجر نفسه استاء كثيرًا من هذه الفكرة حتى إنه قال ذات مرة إنه لو صح أن معادلته لا تقدم سوى الاحتمالات فإنه نادم على صياغتها، واتفق معه أينشتاين عندما قال إنه لو علم أن ثورة فيزياء الكم التي كان هو من المساهمين فيها ستدخل مفهوم الصدفة إلى الفيزياء لفضل أن يتركها ويعمل «إسكافيًّا أو موظفًا بدار للقمار».١٩
بدأ الفيزيائيون ينقسمون على أنفسهم إلى فريقين؛٢٠ قاد أينشتاين الفريق الأول المتمسك بالحتمية تلك الفكرة التي تعود لزمن نيوتن والتي اهتدى الفيزيائيون بها لقرون عديدة، وكان من بين أعضاء هذا الفريق شرودنجر وبرولي، أما الفريق الثاني فقد تزعمه نيلز بور الذي آمن بمبدأ عدم اليقين ونادى بمفهوم جديد للسببية يقوم على النسب التقريبية للاحتمالات.
كانت شخصيتا بور وأينشتاين على طرفي نقيض؛ فأينشتاين في صغره كان زاهدًا في الألعاب الرياضية ومقبلًا على كتب الهندسة والفلسفة، أما بور فاشتهر في جميع أنحاء الدنمارك بكونه واحدًا من نجوم كرة القدم اللامعين.
لكن بور لم يكن خطيبًا مفوهًا كأينشتاين الذي كان ماهرًا في تبادل الدعابات مع الجميع سواء كانوا صحفيين أم ملوكًا، بل إن بور كان كثير اللعثمة لا يفهم معظم كلامه وغالبًا لا يسمع، وكثيرًا ما يظل يردد كلمة معينة بلا توقف إذا انخرط في تفكير عميق.
واختلف العالمان أيضًا في كتابة البحوث؛ فأينشتاين كان يمتلك قدرة على صياغة أبحاثه بلغة رصينة وجميلة دون مجهود يذكر، أما بور فعُرف بعجزه عن كتابة أبحاثه، حتى إنه في المدرسة الثانوية اعتاد أن يملي أبحاثه على أمه، وبعد أن تزوج صار يمليها على زوجته (حتى إنه أملاها بحثًا مهمًّا وطويلًا في منتصف شهر العسل).
بل إنه كان يكلف جميع أفراد فريق مختبره بإعادة كتابة أبحاثه ولو اضطروا لكتابتها مائة مرة حتى لو عطل هذا عملهم في المختبر.
(ذات مرة طُلب من فولفجانج باولي أن يزور بور في كوبنهاجن فرد قائلًا: «سأزوره حين ينتهي من كتابة النسخة النهائية لبحثه»)٢١.
لكن كلا العالمين كان يجمعهما هوسهما بحبهما الأول: الفيزياء، حتى إن بور كان يكتب بعض المعادلات على عارضة المرمى بملعب الكرة إذا أتاه الإلهام بها أثناء اللعب، وكان كلاهما يستخدم الآخرين كوسيلة لصقل أفكاره الجديدة عن طريق استطلاع آرائهم في تلك الأفكار.
(والغريب أن بور لم يكن يستطيع أن يعمل إلا إذا كان معه مساعد يلقي له بالفكرة فيصارحه برأيه فيها وبدون هذا المساعد يصير قليل الحيلة).
ثم جاء وقت المواجهة أخيرًا في مؤتمر سولفاي السادس الذي عقد العام ١٩٣٠م، في براسلس، لكن ما كان على المحك في هذه المواجهة هو الحقيقة نفسها، وهناك انقض أينشتاين على بور مهاجمًا أفكاره بلا هوادة، لكن بور استطاع أن يدافع عن آرائه برغم ترنحه تحت هذا الهجوم، ثم ختم أينشتاين حديثه بعرض تجربة فكرية رصينة ظن أنها سوف تقضي على ذلك «الشيطان» المتمثل في مبدأ عدم اليقين، وفيها تخيل صندوقًا به إشعاع، وهذا الصندوق به ثقب يغلقه مصراع، وإذا فُتح هذا المصراع لفترة وجيزة يمكن أن يخرج منه فوتون واحد، وبهذه الطريقة يمكننا أن نحدد بقدر كبير من اليقين زمن خروج الفوتون، ثم بعد ذلك يمكننا أن نزن الصندوق وحينها سنجد وزنه قد قل بعد أن نقص منه وزن الفوتون الذي خرج، ومن مبدأ تكافؤ المادة مع الطاقة نستطيع تحديد كمية الطاقة التي يحتوي عليها الصندوق أيضًا بقدر كبير من الدقة.
مما سبق نرى أننا استطعنا معرفة وقت انفتاح المصراع وكمية الطاقة ولم نستخدم مبدأ عدم اليقين مما يجعله مبدءًا خاطئًا، وهو ما اعتقد أينشتاين أنه قد وجد به أداة للقضاء على نظرية الكم نهائيًّا.
كان من بين شهود تلك الموقعة الحامية بول إرنفست الذي كتب: «كانت هذه ضربة قاضية لبور الذي استغلق عليه الكلام ولم يجد ما يرد به على أينشتاين، فظل تعيسًا طوال الأمسية وأخذ يحاول إقناع جميع الحضور كل على حدة بأن ما يقوله أينشتاين لا يمكن أن يكون صحيحًا لأنه لو صح لكانت هذه نهاية الفيزياء.
لن أنسى ما حييت مشهد هذين الخصمين وهما يغادران نادي الجامعة، فأينشتاين يتبختر في خيلاء وعلى ثغره ابتسامة ساخرة وبور يمشي بجانبه متعثرًا وهو في قمة الإحباط».٢٢
وفي نهاية الأمسية حينما حاول إرنفست أن يتكلم مع بور لم يحر الأخير جوابًا سوى أن أخذ يغمغم مرارًا بكلمة واحدة هي: «أينشتاين… أينشتاين… أينشتاين».
لكن بعد أن أفاق بور في اليوم الثاني بعد نوم عميق لمع في ذهنه الخلل الذي يبطل حجة أينشتاين ورأى أنه يستطيع استخدام النسبية لهزيمة صاحبها؛ أدرك بور أنه إذا نقص وزن الصندوق بعد خروج الفوتون فلا بد أنه سوف يرتفع ارتفاعًا طفيفًا بالاتساق مع الجاذبية الأرضية، لكن النسبية العامة تنص على أن الزمن يسرع كلما قلت الجاذبية (وهو ما يجعل الساعة تدق بشكل أسرع على القمر منها على الأرض).
وهذا يعني أنه إذا كانت هناك نسبة ولو ضئيلة من عدم اليقين في تحديد وقت انفتاح المصراع فإن هذا يعني عدم يقين من موقع الصندوق، أي أنه لن يتأتى تحديد هذا الموقع تحديدًا دقيقًا، إلى جانب أن عدم تحديد وزن الصندوق بالضبط سوف يؤدي إلى عدم يقين من طاقته وكمية حركته، وإذا جمعنا هذه الملاحظات في صورة واحدة فسنجد أن عدم اليقين من الموقع وعدم اليقين من كمية الحركة يتفقان مع المبدأ العام لعدم اليقين.
وهكذا نجح بور في الدفاع عن نظرية الكم، لكن أينشتاين جدد اعتراضه قائلًا: «إن الرب لا يلعب النرد مع الكون».
فرد عليه بور صائحًا: «كفاك ولا تُمْلِ على الرب أفعاله».
وفي النهاية اضطر أينشتاين إلى أن يقر بأن بور نجح في تفنيد حجته فكتب: «لقد بت الآن مقتنعًا بأن في هذه النظرية شيئًا من الحقيقة».٢٣
علق جون ويلر على ذلك السجال التاريخي بين بور وأينشتاين بقوله: «لم أعرف في تاريخ العلم بأسره جدالًا علميًّا أعظم من هذا، فطوال ثلاثين عامًا لم أسمع عن جدال جرى بين شخصين أعظم منهما واستمر مدة أطول من جدالهما حول مسألة أهم من فهم الكون الغريب الذي نعيش فيه».٢٤
لكن شرودنجر الذي سبق أن أعلن كراهيته لذلك التفسير الجديد لمعادلاته حتى إنه كتب: «إنني أكرهه وإنني آسف لأن اسمي ارتبط به بشكل أو بآخر».٢٥
وحاول بشتى الأشكال أن يعيبه فخرج بمسألة القطة الشهيرة، وعنها كتب يقول لنضرب مثالًا غاية في التفاهة بأن نفترض أن هناك قطة موضوعة في صندوق مغلق، ومعها زجاجة تحتوي على حمض الهيدروسيانيك الذي ينبعث منه غاز سام، وبجوارها مطرقة متصلة بعداد جايجر المتصل بدوره بكمية من مادة اليورانيوم المشعة.
ليس هناك خلاف على أن اضمحلال اليورانيوم هو تأثير كمي، فإذا لم يضمحل فستبقى القطة على قيد الحياة، أما إذا اضمحل فسوف يستشعر العداد هذا ويحرك المطرقة لتكسر الزجاجة فتموت القطة مسمومة.
لكن ما تنص عليه نظرية الكم هو أننا لا نستطيع التنبؤ بوقت اضمحلال ذرة اليورانيوم، مما يعني أنه من الناحية النظرية يمكن أن توجد تلك الذرة في الحالتين، الاضمحلال وعدمه، في ذات الوقت.
لكن إذا استطاع اليورانيوم أن يوجد في الحالتين معًا فإن هذا يعني أن القطة كذلك ستوجد في الحالتين معًا، ويصير السؤال هنا أهي حية أم ميتة؟
الطبيعي أن نرى في هذا السؤال عدم منطقية، فحتى إن لم نستطع فتح الصندوق فإن المنطق يخبرنا بأن القطة لا بد أن تكون في واحدة فقط من الحالتين ولا يمكن أن تكون فيهما معًا، فلا شيء يمكن أن يكون حيًّا وميتًا في نفس الوقت لأن هذا يعارض كل ما نعرفه عن الكون وعن الواقع الطبيعي، لكن نظرية الكم تقدم لنا إجابة غريبة وهي أننا لا نعرف حالتها؛ فقبل أن نفتح الصندوق تتمثل القطة لنا في صورة موجة والموجات يُضاف بعضها إلى بعض كالأعداد، وهذا يعني أن علينا أن نضيف موجة القطة الميتة إلى موجة القطة الحية، «أي أن القطة قبل فتح الصندوق ليست حية ولا ميتة».
وكل ما يمكننا قوله إنه في داخل الصندوق موجات تمثل القطة وهي حية وكذلك وهي ميتة في ذات الوقت.
عندما نفتح الصندوق سوف يتسنى لنا أن نجري عملية قياس نحدد من خلالها إذا كانت القطة حية أم ميتة، وهذه العملية تكون عن طريق إجراء ملاحظة خارجيّة تسمح لنا باستبعاد الوظائف الموجية غير الضرورية والإبقاء على الوظيفة الوحيدة الضرورية التي من خلالها نستطيع تحديد حالة القطة بكل دقة.
يتمثل إجراء الملاحظة الخارجية هذا في تسليط ضوء في داخل الصندوق وهو ما يختصر الوظائف الموجية إلى وظيفة واحدة ويجعل الكيان موضوع الدراسة يستقر فجأة على حالة مؤكدة.
يمكننا أن نصوغ ما سبق بعبارة أخرى قائلين: «إن عملية الملاحظة تحدد الحالة النهائية للكيان المدروس».
تكمن نقطة الضعف في نظرية بور في السؤال الآتي: هل يكون للكيانات وجود بالفعل قبل القيام بعملية القياس؟ اعتبر أينشتاين ومعه شرودنجر أن هذا مناف للعقل تمامًا، لكن أينشتاين ظل لما بقي من حياته يصارع تلك الأسئلة الفلسفية العميقة دون جدوى (ولا تزال هذه الأسئلة محل جدال حتى يومنا هذا).
لكن هذا اللغز هز أينشتاين حتى الأعماق فقد أخذ يسأل نفسه: أولًا: إذا كنا نوجد قبل عملية القياس كجزء من الكون فإننا إذن لا نستطيع أن نقطع يقينًا هل نحن أحياء أم أموات، وهل كانت الديناصورات حية، وهل فنيت الأرض من بلايين السنين، ففي ظل هذه النظرية يغدو كل شيء ممكنًا مادامت عملية القياس لم تُجْرَ بعد.
ثانيًا: تعني هذه النظرية أن عملية الملاحظة هي التي توجد الواقع ومن هذا نجد لدينا حلًّا جديدًا للسؤال الفلسفي القديم: هل تسقط الشجرة في الغابة بالفعل إن لم يلحظها أحد؟ إذا أجاب أحد معتنقي مذهب نيوتن على هذا السؤال لقال إن سقوط الشجر ليس مرتبطًا بملاحظته، لكن أحد أتباع مدرسة كوبنهاجن قد يرد عليه قائلًا إن الشجرة توجد في جميع الحالات الممكنة (ساقطة، أو منتصبة، أو صغيرة، أو هرمة، أو محترقة، أو متعفنة… إلخ) إلى أن تتم عملية القياس عليها وبعدها فقط سوف تبرز فجأة إلى الوجود.
وبهذا تكون نظرية الكم قد قدمت إجابة غير متوقعة على الإطلاق عن هذا السؤال بأن قالت إن ملاحظة الشجرة هي ما تحدد حالتها إذا كانت ساقطة أم لا.
منذ أن كان أينشتاين يعمل بمكتب براءات الاختراع وهو يمتلك قدرة متفردة على تحديد أساس أي مشكلة، وهو ما جعله يسأل كل من يزوره في بيته هذا السؤال: «هل يوجد القمر فقط لأن فأرًا ينظر إليه؟»٢٦ إذا كان أهل مدرسة كوبنهاجن محقون فالإجابة هي نعم يظهر القمر إلى الوجود عندما ينظر الفأر إليه وتختصر وظائفه الموجية.
وعلى مدى أكثر من عقد ظهرت حلول كثيرة لمسألة القطة لكن أيًّا منها لم يكن حلًّا مقنعًا، ومع أن أحدًا لم يستطع إثبات خطأ ميكانيكا الكم فإن هذه الأسئلة ظلت إلى اليوم من أعظم التحديات التي تواجه علم الفيزياء.
وظل أينشتاين لفترة طويلة في تصارع مع أسس نظرية الكم محاولًا تفنيدها حتى إنه كتب: «لقد بذلت في نظرية الكم جهدًا ذهنيًّا يفوق الجهد الذي بذلته في النسبية العامة بمئات المرات».٢٧
لكنه بعد هذا التفكير العميق استطاع الخروج بما ظنه الحجة المبطلة لنظرية الكم، ففي العام ١٩٣٣م، اشترك مع تلميذيه بوريس بودولسكي Boris Podolsky وناثان روزن Nathan Rosen باقتراح تجربة جديدة لا تزال حتى اليوم تسبب الصداع لفيزيائيي الكم والفلاسفة.
عرفت هذه التجربة بتجربة اﻟ EPR ومع أنها لم تنجح تمامًا في إبطال نظرية الكم، كما تمنى أينشتاين، فإنها نجحت في إثبات أن تلك النظرية التي هي من الأساس غريبة جدًّا، تتخطى غرابتها حدود المعقول؛ افترضت هذه التجربة أن ذرة ما أَطلقت من داخلها إلكترونين ذهب كل منهما في اتجاه معاكس للآخر، وأخذا يدوران كالنحلة أحدهما يدور إلى الأعلى والآخر يدور إلى الأسفل، فهذا يعني أن مجموع دورانهما يساوي صفرًا، مع أننا لا نعرف أيهما يدور إلى الأعلى وأيهما يدور إلى الأسفل، وبعد حين يتباعد الإلكترونان أحدهما عن الآخر حتى تفصلهما بلايين الأميال، لكننا قبل أن نجري عملية القياس لن نستطيع أن نعرف دوران الإلكترونات.
لكن لنفترض أننا تمكنا أخيرًا من تحديد اتجاه دوران أحد الإلكترونين فوجدناه مثلًا يدور إلى الأعلى، حينها سوف نعرف فورًا اتجاه دوران الإلكترون الآخر مع أنه يبعد عنا مسافة عدة سنوات ضوئية، لأننا من البداية نعرف أنه يدور عكس اتجاه الإلكترون الآخر، وهذا يعني أن إجراء قياس في أحد أجزاء الكون يحدد بشكل فوري حالة إلكترون في الجانب الآخر من الكون وهو ما يبدو مناقضًا للنسبية الخاصة.
أطلق أينشتاين على هذا الاستنتاج اسم «التأثير الشبحي عن بعد»،٢٨ وكانت له دلالات فلسفية مذهلة؛ فهو يعني أن بعض ذرات أجسادنا قد تكون متصلة عن طريق شبكة غير مرئية بذرات أخرى توجد في الجانب الآخر من الكون، بحيث تؤثر حركة ذرات أجسادنا على حال ذرات أخرى تبعد عنها مسافة تقدر ببلايين السنين الضوئية وهو ما يناقض النسبية الخاصة أشد التناقض.
لكن أينشتاين نفسه لم ترق له هذه الفكرة لأنها كانت تعني أن أجزاء الكون غير منفصلة بعضها عن بعض، فالأحداث التي تقع على الأرض تؤثر تأثيرًا فوريًّا يتعدى سرعة الضوء على الأحداث التي تقع في الجانب الآخر من الكون.
وعندما سمع شرودنجر أنباء هذه الفكرة الجديدة التي تنقض ميكانيكا الكم كتب إلى أينشتاين: «لقد سعدت كثيرًا عندما علمت أنك في ذلك البحث … وجهت ضربة قوية لميكانيكا الكم».٢٩
أمَّا ليون روزنفيلد Leon Rosenfeld وهو أحد زملاء بور فقد كتب يقول: «ما إن سمعنا بالخبر حتى تركنا كل ما في أيدينا كي نوضح سوء الفهم هذا، وبدأ بور على الفور في إملاء النسخة الأولية من رده على أينشتاين على زملائه».٣٠
استطاعت مدرسة كوبنهاجن أن تقف صلبة أمام هذا الهجوم الجديد لكن لم يأت هذا دون ثمن، فقد اضطر بور لأن يوافق أينشتاين على أن نظرية الكم ترى الكون غير منفصل (بحيث تؤثر الأحداث التي تقع في أحد جانبيه على الأحداث التي تقع في جانبه الآخر).
وكل ما في الكون من كيانات معشقة بعضها في بعض في شبكة كونية معقدة، مما يعني أن تجربة اﻟ EPR لم تبطل ميكانيكا الكم بل أظهرت فقط ما تتميز به من جنون.
(وبمرور الزمن فُهمت هذه التجربة فهمًا خاطئًا فقد ظن البعض أنه يمكن تصنيع جهاز يطلق أشعة أسرع من موجات الراديو من خلال اﻟ EPR، أو أنه يمكن من خلالها إرسال إشارات إلى الزمن الماضي، أو أنها يمكن أن تستخدم للتخاطر العقلي).
لكن الحقيقة أن تلك التجربة لم تكن متعارضة مع النسبية وهو الأمر الذي جعل أينشتاين المنتصر في هذا الجدل، لأن تجربة اﻟ EPR لا تستطيع إرسال أي معلومات مفيدة بسرعة تتعدى سرعة الضوء، فمثلًا لا يمكن إرسال إشارات بشفرة مورس بسرعة تفوق سرعة الضوء من خلال جهاز اﻟ EPR.
ولتوضيح هذه المشكلة ذكر العالم الفيزيائي جون بيل John Bell مثالًا يصف عالمًا رياضيًّا يدعى برتلمان Bertlmann وكان هذا العالم دائمًا يلبس في إحدى قدميه جوربًا ورديًا وفي القدم الأخرى جوربًا أخضر، وهو على هذه العادة لدرجة أن كل من يعرفونه إن لمحوا الجورب الأخضر في إحدى قدميه أيقنوا فورًا أنه يرتدي الجورب الوردي في الأخرى، لكن لم تكن هناك أي إشارة تنتقل من بين القدمين، وهو ما يعني أن معرفتنا بوجود شيء ما هو أمر يختلف تمامًا عن إرسالنا لتلك المعرفة.
بحلول أواخر عشرينيات القرن العشرين كان هناك مدرستان كبيرتان للفيزياء في العالم هما مدرسة النسبية ومدرسة نظرية الكم، وفيهما تمثلت كل المعرفة البشرية بطبيعة الكون.
أمَّا عن النسبية فقد نظرت لظواهر غاية في الضخامة وهي الانفجار العظيم والثقوب السوداء، وأما نظرية الكم فقد نظرت لظواهر غاية في الدقة تتمثل في غرائب الذرة وما تحويه.
ومع أن نظرية الكم ارتكزت على أفكار تنافي المنطق فإن أحدًا لم يستطع أن يدحض نتائج التجارب التي أثبتتها، حتى إن جوائز نوبل انهالت على مجموعة من الفيزيائيين الشباب الذين استخدموا تطبيقات تلك النظرية.
وأينشتاين نفسه كان أكثر خبرة من أن يتجاهل ذلك التقدم الحادث بشكل شبه يومي في نظرية الكم، ولهذا فلم يجادل في التجارب الناجحة التي أكدتها بل إنه اعترف بهذا حين قال: «إن ميكانيكا الكم هي أكثر النظريات الفيزيائية نجاحًا في عصرنا هذا».٣١
ولم يحاول كذلك أن يعوق تقدم تلك النظرية وهو ما كان سيفعله أي فيزيائي آخر أقل علمًا.
(عام ١٩٢٩م، رشح أينشتاين شرودنجر وهايزنبرج لينالا جائزة نوبل مناصفة).
لكنه لجأ إلى استراتيجية مختلفة وبدلًا من أن يشكك في صحة النظرية سعى إلى دمجها في نظريته للمجالات الموحدة.
وعندما هاجمه مؤيدو بور واتهموه بأنه يتجاهل نظرية الكم رد عليهم قائلًا إن له هدفًا واسعًا سعة الكون ذاته، فهو يريد احتواء نظرية الكم كاملة في نظريته الجديدة كما فعل في نظريته الأولى، فالنسبية لم تأت لتثبت أن قوانين نيوتن خاطئة تمامًا بل لتظهر ما فيها من قصور يمكن علاجه بنظرية أوسع.
أي أن قوانين الحركة التي وضعها نيوتن تصلح للتطبيق على مجالها المحدود الذي تتحرك فيها الكيانات الكبيرة بسرعات صغيرة.
وبالمثل يمكن تفسير تلك الفرضيات الغريبة التي تضعها نظرية الكم عن كون القطط حية أم ميتة من خلال نظرية أوسع مجالًا.
الواقع أن كثيرًا من مؤرخي سيرة أينشتاين أخطئوا فهم مقصده من وراء رغبته في دمج نظرية الكم في نظرية المجالات الموحدة وبدءوا يصورونه في شكل الفيزيائي الذي كان ثائرًا ثم أصبح نموذجًا للرجعية، وأنه آخر رموز الحرس القديم الذي يتمسك بالفيزياء التقليدية، لكن الحقيقة أنه لم يكن يهدف إلى إبطال نظرية الكم كما ظن منتقدوه بل كان يرمي إلى إظهار قصورها واستخدام نظرية المجالات الموحدة لمعالجة هذا القصور، بل إن أحد أهم الأسس التي قامت عليها نظرية المجالات الموحدة هو محاولة إعادة صياغة مبدأ عدم اليقين بشكل أقل تطرفًا.
حاول أينشتاين استخدام النسبية العامة مع نظرية المجالات الموحدة لتحديد أصل المادة أو «لتفسيرها هندسيًّا».
عام ١٩٣٥م، أخذ أينشتاين وناثان روزن في دراسة طريقة جديدة تبدو من خلالها الجسيمات الكمية كالإلكترونات نتائج طبيعية للنسبية بدلًا من أن تكون كيانات أساسية في ذاتها، وبهذا الشكل يتأتى الخروج بنظرية الكم دون الحاجة إلى الاعتماد على الصدفة والاحتمالات.
في معظم النظريات تظهر الجسيمات الأولية كظواهر شاذة وعندها تأخذ المعادلات في الزيادة بجنون، وللتمثيل على هذا لنتأمل معادلات نيوتن التي تقدر القوة فيها بالتربيع العكسي للمسافة بين جسمين، عندما تصير المسافة صفرًا تصبح قوة الجاذبية غير محدودة وهو ما يعتبر ظاهرة شاذة.
ولأن أينشتاين كان يرغب في اشتقاق نظرية الكم من نظرية أوسع مجالًا فقد أدرك أنه يحتاج لنظرية خالية تمامًا من أي ظواهر شاذة.
(والأمثلة على هذا توجد في بعض التطبيقات البسيطة على نظرية الكم وتسمى «سوليتونات Solitons» وهي تشبه العقد لكنها سلسة وغير شاذة ويمكنها أن يصطدم بعضها ببعض وترتد مع المحافظة على شكلها دون أن تتغير).
اقترح أينشتاين وروزن طريقة جديدة للخروج بمثل هذا الحل؛ فبدآ بتحديد ثقبين أسودين من ثقوب شوارتزشايلد على ورقتين منفصلتين ثم وضحا أنه من الممكن بواسطة مقص أن تنتزع جميع الأجزاء غير المتسقة من الثقبين ثم يعاد لصق الورقتين معًا.
ومن خلال هذا نستطيع أن نحصل على حل سلس خال من الظواهر الشاذة، وهو ما يمثل، كما اعتقد أينشتاين، الجسيم دون الذري.
مما يعني أن الجسيمات الكمية يمكن أن تصور على أنها ثقوب سوداء صغيرة.
(أُعيد إحياء هذه الفكرة مرة أخرى بعد ستين عامًا في صورة نظرية الأوتار التي تنص على أنه توجد علاقات رياضية قادرة على تحويل الجسيمات دون الذرية إلى ثقوب سوداء وبالعكس).
لكننا نستطيع أن ننظر إلى فكرة أينشتاين وروزن هذه بشكل آخر، فهي تعتبر أول إشارة للثقوب الدودية Wormholes في المؤلفات العلمية وهذه الثقوب الدودية يفترض أنها تصل بين كونين، لأنها أشبه بطرق مختصرة خلال الزمان والمكان كبوابات تربط قطعتين من الورق معًا.
وكان العالم الرياضي تشارلز دودسون Charles Dodgson الأستاذ بجامعة أوكسفورد (والشهير باسم لويس كارول) ومؤلف الروايات، هو أول من قدم مفهوم الثقوب الدودية إلى العامة في روايتيه «أليس في بلاد العجائب» Alice in Wonderland، و«خلال المرآة» Through The Looking Glass؛ فقد جعلنا نرى أليس وهي تخترق بيدها المرآة فتدخل إلى نوع من أنواع الجسور التي افترض أينشتاين وروزن أنها تربط بين كونين هما عالم بلاد العجائب الغريب وريف أكسفورد.
لكن أحدًا لا يستطيع أن يعبر جسر أينشتاين-روزن لأنه إن عبره سوف ينسحق جسده بفعل قوة الجاذبية الخارقة والقادرة على تمزيق ذرات جسده، إلى جانب أن عبور الثقب الدودي هذا إلى كون موازٍ يكون مستحيلًا في حالة إذا كان الثقب الأسود ثابتًا.
(بعد هذا بستين سنة صار مفهوم الثقوب الدودية يلعب دورًا مهمًّا في الفيزياء).
لكن أينشتاين تخلى عن تلك الفكرة في النهاية لأكثر من سبب، أحدها أنه لم يستطع تفسير ازدحام عالم الجسيمات دون الذرية، ولم يستطع أن يفسر بشكل كامل جميع الخصائص الغريبة ﻟ «الخشب» في إطار «الرخام»؛ فالجسيمات دون الذرية لها ملامح كثيرة تفوق الحصر (كالكتلة، والدوران، والشحنة، والأعداد الكمية… إلخ) مما أعجزه عن اشتقاقها من معادلاته.
لقد كان هدفه هو أن يجد الصورة التي توضح نظرية المجالات الموحدة في أبهى حلة لكن المشكلة التي واجهته أنه في ذلك العصر لم تكن هناك المعرفة الكافية بالقوة النووية، لأنه قد أجرى أبحاثه قبل أن يكتشف الانشطار النووي الذي وضح طبيعة المادة دون الذرية بعشرات السنين، ونتيجة لهذا لم تخرج هذه الصورة إلى الوجود أبدًا. ============================== المصدر: Hindawi Foundation «مؤسسة هنداوي» مؤسسة غير هادفة للربح، تهدف إلى نشر المعرفة والثقافة، وغرس حب القراءة بين المتحدثين باللغة العربية. جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي :copyright: ٢٠٢٤م. ============================== |
|