المقدمة 0_ocia11
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:
فمن تداعيات التوجه نحو الانخراط فيما أُطلق عليه دوليًّا "العولمة" بتفريعاتها الاقتصادية والمعلوماتية والثقافية، بل والفكرية، وما يمكن أن يَنجم عن هذا التوجه من نُكران أو تجاهلٍ لثقافاتٍ وموروثات لها جذورها المتأصلة في النفوس والأذهان، وعليها قامت المجتمعات وبنَت حياتَها العامة والخاصة بما يتعذَّر معه التنازلُ عنها لبديلٍ غير متأسس... من تداعيات ذلك كلِّه تأتي الدعوة القوية إلى النظر في الاستثناء الثقافي، والتوكيد على عدم إغفال خصوصيات المجتمعات الثقافية؛ مما يستحيل معه المضيُّ في الدعوة إلى كون العالم قريةً ثقافية واحدة، وإن أضحى هذا العالمُ الحديث بالمفهوم الاتصالي الذي يُخشى -أو يُرجى عند البعض- أن يَقود إلى المفهوم الثقافي.

تأتي هذه الدراسة لتؤكد على اعتبار الخصوصية الإسلامية، الدافعة عند الحديث عن أي مشروع عولمي؛ تمهيدًا للخروج برؤية عالميَّة عولمية واضحة، لا يُستبعد أن تكون بديلًا لتلك الدعوات التي لا تُطمئِنُ المتلقِّين؛ من حيث كونُها تَبني دعوتها إلى عولمة العالم على مكنون ثقافي غربي، لا يخلو من خلفيات دينية، صيغَت صياغات عولمية، دون أن تتمكَّن هذه الصياغات من إخفاء هذا الارتباط بالدِّين، الذي يسيطر على المنطلق الجغرافي للدعوة إلى العولمة بأشكالها المختلفة.

وقد جاءت المناقشة في هذه الدراسة في مقدمة، وثماني وقفات، وخاتمة، سعى الباحث فيها إلى تَجْلية هذا الصراع المفتعَل بين العولمة وخصوصية المثقفين، مع ما للثقافة من ارتباطات اجتماعية واقتصادية وسياسية.

يأمُل الباحث أن يكون قد وُفِّق في توضيح هذا المفهوم الذي ربما أُسيء إليه من أكثرَ مِن طرَف، فأوجدَ مواقف هجومية ودفاعية لا أحسب أنها تروَّت في منهجَي القبول أو الرفض، وإنما هي ردود أفعال لمواقفَ مبيَّتة قد يفوتها التلاقي على كلمة سواء.