أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ثانياً: من جهة أركان القراءات القرآنية الأربعاء 22 مايو 2024, 7:12 pm | |
| ثانياً: من جهة أركان القراءات القرآنية
1- الطعن في ركن القراءات الأول (السند) تتمثل شبهات المستشرقين الطاعنة في سند القراءات القرآنية واتصالها بالوحي عن طريقه في مزاعم عديدة متنوعة حول رجال هذا السند، وهم القراء في كل طبقة، وأولهم الصحابة رضوان الله عليهم، بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فأثار عدد من المستشرقين تساؤلات باتهامات وتعريضات، كما صرح آخرون وشككوا في أمانة الصحابة، وكتبة الوحي منهم خاصة، ووصموا جهودهم في مجال القرآن والقراءات بتغليب النَزغات النفسية كالغيرة، وحب التملك، وتقديم المصالح المشتركة، والروابط النسائية، ونحو ذلك مما في أقوال بلاشير، وغولد زيهر (1) فيما نقله عن: كازانوفا، ونولدكه، وشيفالي، وغيرهم كثيرون.
1- فالمستشرق بلاشير (2) يتساءل عن مدى الثقة التي يستحقها كتاب الوحي، وإذا كنا نستطيع أن نثق ببعضهم... إلخ، ليبث بذور الشك في أمانة الكتبة والقراء. __________ (1) انظر: مذاهب التفسير الإسلامي، هامش ص 51. (2) انظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، ص 54، 56. __________ثم هو أيضاً يتساءل حول صحف أبي بكر وهل هي معترف بها من الجميع؟ ليجيب (1): ((كلا، إذ إن هذه الصحف كانت ملكاً خاصاً لأبي بكر وعمر بصفتهما الشخصية، لا للخليفة رئيس الجماعة،... ولنا أن نتساءل عن إمكان أن تصدر محاولة عمر عن سبب آخر: هو الرغبة في تملك نسخة شخصية من الوحي كما كان يملكها صحابة آخرون للنبي -صلى الله عليه وسلم-،.. يبدو أنه من المستحسن ألا يكون رئيس الجماعة في وضع أقل من بعض الصحابة ممن هم أحسن حالاً)).
ثم يطعن مباشرة بقوله (2): ((بيد أننا نلمح من أول وهلة، إما سوء تصرف لدى الخليفة، وإما بعض النوايا المستترة... فالخليفة الذي كان روح المشروع... يعد الممثل الحقيقي للأرستقراطية المكية، -يقصد عثمان رضي الله عنه- فقد كانت لديه جماعة متحالفة مع هذه الأرستقراطية، وتعمل غالباً باسمها... أصهار الخليفة، تربطهم فيما بينهم النساء، وقد جمعت بينهم مصالح مشتركة... إلخ)).
2- ويتعمد غولد زيهر اتهام الصحابة والقراء من بعدهم بالتساهل في توثيق نقل القراءات القرآنية بالإسناد الصحيح في قوله (3): ((فإن الاستناد على حجج موثوق بها ليس أمراً عسيراً، مادام ذلك راجعاً إلى مجرد اعتماد شفوي)).
فهو يقرر أن مجرد إسناد القراءة إلى بعض ثقات معترف بهم، واعتمادهم إياها شفهياً، يمنحها الثقة والقبول، ومن ثم الانتشار، مغفلاً عن عمد ضابط الإسناد المتواتر الدائم الذي ((هو الأصل الأعظم والركن الأقوم)) (4) ليراه هو مجرد اعتماد شفوي وليس منهجاً أساسياً دقيقاً مُحكماً. __________ (1) المدخل إلى القرآن: بلاشير، ص 33-34 باختصار، نقلاً عن: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، ص 108. (2) المرجع السابق، ص 56-60 باختصار، نقلاً عن: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، ص 185-187. (3) مذاهب التفسير الإسلامي: ص 56. (4) النشر لابن الجزري، ص 10. __________ وهذه الرؤية الاستشراقية للسند، ركن القراءات القرآنية الأول، لا تتفق والضوابط العلمية لها حسب ما يدعيه المستشرقون من التزام المنهج العلمي المحايد.
فالمنهج العلمي في توثيق نقل القراءات القرآنية، نقلاً منضبطاً، من شيخ إلى تلميذ، يتطلب المعرفة والإحاطة بتراجم الشيوخ ورجال السند عموماً، وأحوالهم علماً وسلوكاً مؤيداً بالوقائع المنقولة عنهم، حسب أصول علم الرواية ومقتضيات التوثيق، ووجوب الاعتماد الكلي عليها في الدراسة، لتوثيق ما يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الوحي.
ولقد توافرت هذه الأصول لدى علماء المسلمين -والقراء منهم بالأولى- فالتزموها وضبطوا بمقتضاها القراءات القرآنية وسائر ما تحمله الأسانيد من نصوص.
يقول د. محمد عبد الله دراز (1): ((وكل ما عُني به صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإثبات صحة النص القرآني هو المطابقة الحرفية لكل جزء منه، طبقاً لما نزل ودوّن في البداية بإملاء الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتلي فيما بعد أمامه، وحمل تصديقه النهائي قبل وفاته. وهذه الموضوعية المطلقة هي الباقية والخالدة على مدى الدهر تشهد لهم لا عليهم)).
بيد أن هذه الأصول الموضوعية المطلقة لم يلتفت إليها كل من بلاشير، أو غولد زيهر من الأساس، فيما يسوقانهما -وكل المستشرقين- من شبهات تتجلى فيها المغالطات التي يقيم عليها كلٌ شبهته، أو يغمز بها في تساؤله حول أمانة الصحابة في نقل القرآن الكريم، بالتلاوة والكتابة، والنسخ والنشر في الآفاق، ولتجلية هذه المغالطات مواضع أخر تؤكد انحراف منهج المستشرقين عن الأصل الصحيح إلى ما يقصدونه ويرونه قدحاً في رجال القرآن الكريم وقراءاته. __________ (1) مدخل إلى القرآن الكريم ، ص 49. __________ فمن عهد الصحابة رضوان الله عليهم، والقراء ينتهجون أسلوب التلقين للقرآن الكريم بالمشافهة والإسماع، وتتوالى عليه طبقاتهم، تعبدا به، وتفانيا في حبه وخدمته والمحافظة عليه والالتزام بآدابه في سائر شؤونهم، التزاماً دقيقاً، نابعاً من الاعتقاد بقدسية كلام الله تعالى.
يقول د. عبد الفتاح شلبي (1): ((والمطلع على كتب القراءات في تسلسل النقل وفي طرقه يجد مثلاً أعلى من إحكام الضبط، والتدقيق البالغ غايته في شتى النواحي المتصلة بالقرآن الكريم وكلماته، وآياته، وطرق أدائه، ويكفي أن تقرأ الأسانيد المختلفة في سرد مشاهير مَنْ قرأ بالعشرة وأقرأ بها في الأمصار لتعلم حرص المسلمين على كتاب الله، أن يعتوره تحريف أو يبعده عن النقل بالسند الصحيح)).
الأساس في صحة السند وهو اتصال الرواية من العدول الضابطين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمنع -أو يحيل كلية- ما يسميه غولد زيهر (مجرد اعتماد شفوي) تقبل به القراءة، أو يسمح بتغيير أساسي في صياغة النص القرآني، فيما يزعمه أيضاً من حرية القراءة بالمعنى بناء على هذا الاعتماد وغيره.
هذا فضلاً عن ضرورة اشتهار الرواية بالقراءة لدرجة استفاضتها وتواترها بين القراء الضابطين ونقلهم لها لثقتهم بها، وبمن يلتزمها، وقت التلقي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمن بعده من الصحابة ثم التابعين فمن بعدهم، وهكذا يتابع الآخر الأول، على سنن أن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها ضرورة.
يقول د. محمد أبو شهبة (2): ((إن العمدة في القرآن وحفظه هو التلقي والسماع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو ممن سمع منه، أو سمع ممن سمع منه، وهكذا حتى وصل إلينا غضاً كما أنزل)). __________ (1) رسم المصحف العثماني، وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم، ص 47 باختصار. (2) المدخل لدراسة القرآن الكريم، ص 386. __________ |
|