أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: أركان القراءات القرآنية الأربعاء 22 مايو 2024, 6:31 pm | |
| أركان القراءات القرآنية
القراءات القرآنية الصحيحة وحي الله تعالى، في كلامه المنَزل على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا مدخل فيها لبشر، غير التبليغ والتلقي والتعليم، فمصدرها الوحي الإلهي أولاً، ثم حملها الإقراء فنشرها على ما يقتضيه ذلك من ضوابط.
وقد تحققت للقراءات القرآنية الصحيحة كل مقاييس الضبط التام والتوثيق الكامل، في كل مراحل انتقالها من الوحي إلى واقع حياة الأمة الإسلامية.
فإذا ما تعددت وجوه هذه القراءات المنقولة في إطار هذا الضبط والتوثيق فإنما ذلك من لحظة تلقيها وحياً قرآنيا يجب الإيمان به كله، ومن ثم تسجيله محفوظاً لتنقله الأجيال، كما هو، قراءة، قراءة، كما تحفظه آية، آية، وكلٌّ حَقٌّ منَزَّل من عند الله، تلاه الصحابة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقرأهم به وأقرهم عليه، فنشروه مع انتشارهم في الأرض، وتعليمهم التابعين من بعدهم، وكل يقرأ ويقرئ كما عُلِّم، فانتشرت متعددة منضبطة في كل عصر تبعاً لطرق الأخذ والرواية بالمشافهة التي يختارها القراء.
قال نافع إمام القراءة بالمدينة رضي الله عنه: ((قرأت على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شَذَّ فيه واحد تركته حتى اتبعت هذه القراءة)) (1).
وبالتتبع التام لكيفية نقل القراءات القرآنية الصحيحة بين أجيال المسلمين عبر التاريخ، لم ترصد أية شائبة انخرام في مقاييس الضبط والتوثيق التي صاحبت التلاوة الأولى، عقيب الوحي وإلى وقت التدوين والنشر العام، بمختلف وسائله وحتى الآن. __________ (1) الإبانة، مكي بن أبي طالب، ص 49. __________ وتتمثل هذه المقاييس فيما التزمه جهابذة النقلة للقرآن الكريم، وأولهم كتّاب الوحي بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحفاظه من الصحابة، وهم كثيرون، ثم من بعدهم طبقة طبقة، من أصول ضرورية، تحقق صحة النقل، وتضمن سلامة النص، ولا تخرج عما كان بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما لم يتخلف واحد منها في أية مرحلة، ولا ينفك أحدها عن الآخَرَين, فتعد أركاناً ضرورية في صحة القراءة، واعتبارها وحياً قرآنياً.
وهي ثلاثة: أ- فبعض أصحابه -صلى الله عليه وسلم- يكتبون عنه الوحي فور تلقيه ويسجلونه، وكلهم يقرؤون عليه ما يسمعونه منه، فيحفظونه ويتلونه دائماً، فَعُدَّتْ الكتابة الصحابية أصلاً لضابط يشترط التزام موافقة الرسم القرآني، الذي تنسخ عليه المصاحف بعد.
ب- ومن جهة أولى تعد القراءة والعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو على جبريل إسماعاً واستماعاً، أصلاً أيضاً لضبط الرواية جيلاً عن جيل.
ج- ولأن القرآن: (بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ) [الشعراء: 195]، فبدهي أن الأصل -كذلك- في نقله بقراءاته الصحيحة هو موافقة المنقول -ولو بوجه ما- للغته العربية.
وهذه الأركان من: المشافهة، والرسم، واللغة،
هي التي بالتزامها جميعاً على الوجه الصحيح نقل القرآن الكريم -ولا يزال- نقلاً صحيحاً متواتراً من الوحي إلى واقع حياة المسلمين، منضبطاً بثلاثة مقاييس ضرورية ومترابطة، فأولها: صحة الإسناد, مع الرواية عن الشيوخ بالمشافهة والتلقي.
وثانيها: موافقة رسم المصحف الذي خطه الصحابة، ونسخه عثمان -رضي الله عنه- في مصاحف الأمصار جميعها.
وثالثها: موافقة اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم. يقول ابن الجزري -رحمه الله- (1) عنها: ((فقام جهابذة علماء الأمة، فبالغوا في الاجتهاد، وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها، وها نحن نشير إليها فنقول: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السَّلف والخلف)).
وهذه الضوابط، أو الأركان الثلاثة، هي التي يتعرَّض المستشرقون للطعن في قراءات القرآن الكريم، من جهة كل واحد منها أو من ثلاثتها مجتمعة.
الإطار العام للرؤية الاستشراقية أولاً: مجالها تقوم الخطة الاستشراقية الدائمة على الطعن في القرآن الكريم، بإثارة الشكوك حول جميع جوانبه، بدءا بمصدره، وكيفية تلقيه وتلقينه، وروايته وتدوينه، وكذلك محتواه وتأثيره، وانتهاء بما عسى أن يظنه المستشرقون ثغرة لسهام مطاعنهم، تلك التي يتابع بها آخرهم أولهم.
ولقد قام المستشرقون -قديماً وحديثاً- بمحاولات كثيرة متنوعة، وسموها بسمة البحوث العلمية المحايدة، في ميدان القراءات القرآنية، أخص ما في دين الإسلام، وأصول القرآن الكريم، فخاضوا -عامدين- فيما لا خوض فيه، وبخاصة لأمثالهم، فلا منهج علمي يوجه خوضهم، ولا هدف سوي يضبط قصدهم. __________ (1) النشر، ج1/9 باختصار. __________ وعلى الرغم من ذلك فقد شملت مخاضات المستشرقين كل جوانب القراءات القرآنية، من تأصيلها الشرعي، إلى وضعها اللغوي، إلى نقلها التاريخي، فلم يسلم أي من هذه الجوانب من انتحال شبهة ظنوها قادحة في الأصل الشرعي للقراءات، واستنادها إلى الوحي المعصوم وأنها (كذلك أنزلت)، أو طاعنة في وسائل حفظها وروايتها في كل عصر.
1- فقد تطاولت الرؤية الاستشراقية فتمددت مطاعنها إلى الوحي القرآني، أصل القراءات، لتتساءل حول ثبوت حقيقته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وصحة تلقيه إياه, فينكره مثل لامارتين الفرنسي، وشاركو، وغيرهما، كما يتعصب ضده بعد أن يقره وليم موير الإنجليزي، وماسينيون الفرنسي، وغيرهما (1).
2- ثم تقاصرت نظرة المستشرقين أمام وجود الوحي المنَزل، وحقيقته الماثلة في القرآن الكريم، فرمت نصه بالاضطراب، والتناقض، ونحوهما تارة، كما ادعت حرية قراءته بالمعنى، حسب تعدد وجوه القراءات، ونحو ذلك من أسباب مختلفة.
3- توجهت كل الشبهات الاستشراقية بالطعن في أصل واحد أو أكثر مما يأتي: أ- مصدر القراءات القرآنية واستناده إلى الوحي المعصوم، فطعنوا في الأحرف السبعة.
ب- نقلة القراءات القرآنية أنفسهم، حيث هم أوعيتها الحافظة الضابطة لها رواية ودراية في كل وقت، فطعنوا في تلقي الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيمن بعدهم كذلك.
ج- بقية أركان القراءات القرآنية، وسيلةً ناقلة، بالكتابة، واللغة.
ثانياً: مصادرها تتحدد الرؤية الاستشراقية للأحرف السبعة والقراءات القرآنية من دراسات المستشرقين المنشورة حول القرآن الكريم عامة، في مؤلفات مستقلة، أو في دوائر المعارف الموسوعية، ونحو ذلك عند تلامذتهم.
1- فمن كتبهم (2): أ- مدخل تأريخي نقدي إلى القرآن، رسالة من تأليف اليهودي جوستاف فايل (1808-1889م). __________ (1) انظر: جواهر العرفان، د. رؤوف شلبي، ص 106. (2) انظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، 84، وغيره. __________ ب- تاريخ القرآن، نشر عام 1860م، من تأليف تيودور نولدكه الألماني (1836-1930م)، وله أيضاً رسالة دكتوراه عنوانها: ج- أصل وتركيب سور القرآن. د- التطور التاريخي للقرآن، بحث للإنجليزي إدوارس. هـ- مذاهب التفسير الإسلامي. و- العقيدة والشريعة في الإسلام، كلاهما من تأليف اليهودي المجري إجناتس غولدزيهر (1850-1921م). ز- جمع القرآن تأليف: جون جولكر. ح- المدخل إلى القرآن، للفرنسي ريجيس بلاشير. هذا إلى ما قام به آخرون مثل: شيفالي، برجشتراسر، وبرتزل، ثم آرثر جيفري، وكازانوفا، من تعليقات على الكتب، وكتابة المقدمات لتحقيقاتها، ونحو ذلك في فقرات الكتب الاستشراقية الأخرى، من ترديد الآراء وتضخيمها فيما بينهم.
فغولدزيهر يتابع نولدكه ويمتدح كتابه بقوله (1): ((وقد عالج هذه الظاهرة -تعدد القراءات- علاجاً وافياً، وبين علاقتها بفحص القرآن، زعيمنا الكبير تيودور نولدكه، في كتابه الأصيل البكر: تاريخ القرآن، الذي نال جائزة أكاديمية النقوش الأثرية بباريس)).
2- ولم تعْدُ المادة الكثيرة المكتوبة في دوائر معارف المستشرقين، حول القراءات القرآنية عامة، سائر ما نشروه في مؤلفاتهم المستقلة عنها، فجلهم هم الذين كتبوه في الدوائر، وعلى ذات منهجهم.
3- وثم تلامذة المستشرقين من الدارسين المسلمين، ومقلدتهم، فهم مصدر تتحدد منه -أيضاً- الرؤية الاستشراقية بأفكارها التي غالباً ما التزموها، وربما زادوا عليها، حين رددوها (2). __________ (1) مذاهب التفسير الإسلامي، ص7. (2) انظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، ص 109. __________ وهو وإن كان مصدراً فرعياً، إلا أن إخلاص التلامذة (1) والمقلدة في الانقياد لمتبوعيهم ونشر آرائهم، يجعله معتمداً في تحديد هذه الرؤية من وجه آخر.
ثالثاً: وسائلها لم تخرج الرؤية الاستشراقية للأحرف السبعة والقراءات القرآنية عن خطتها الطاعنة في القرآن الكريم، بوسائل شتى -كدأب المستشرقين- تظهر بجلاء في مؤلفاتهم، وتحدد إطارهم العام الذي أبدوا فيه رؤيتهم، وخلاصة دراساتهم إجمالاً وتفصيلاً.
فبالإجمال لم يتبع المستشرقون أي منهج علمي حقيقي يتناسب وطبيعة الموضوع، ولذلك أسبابه لديهم، في بيئتهم (2) الضاغطة عليهم.
يقول د. محمد خليفة حسن (3): ((وعلى المستوى المنهجي تظهر أزمة الاستشراق في غياب الرؤية المنهجية للمستشرقين، وعدم وجود منهج واضح يمكن تسميته بالمنهج الاستشراقي،... فالاستشراق يعيش عالة، ليس له منهج يخصه، كما أنه في استخدامه لمناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية نجده يلفق بينها، ولا يستخدمها الاستخدام الدقيق المحدد في هذه العلوم)).
ويضيف: ((ويعد التظاهر بالعلم وبالمنهجية العلمية من أكبر خيانات الاستشراق، وذلك لأن وضعه العلمي يشير إلى تستره خلف العلم والعقلانية واختفائه وراء ستار المنهجية العلمية لتحقيق غايات غير علمية)) (4). __________ (1) يقول د. طه حسين: "والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي، في قليل ولا كثير، وليس منكرها كافراً ولا فاسقاً ولا مغتمزاً في دينه" أ.هـ. في الأدب الجاهلي: ص 95-96، مصر، دار المعارف، 1958م. (2) يقول د. ساسي سالم الحاج: وهناك أسباب أخرى تؤدي بالمستشرقين إلى استخدام مناهج علمية لا تؤدي إلى نتائج علمية حقيقية في مجال الدراسات الإسلامية.. منها أثر البيئة الأوربية التي تربى فيها المستشرقون. (نقد الخطاب الاستشراقي، الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية)، ج1، ص 165. (3) أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر: 423 باختصار. (4) المرجع السابق: 392 باختصار. __________ فمن الانحراف (أو الإفلاس) المنهجي أن يعتمد المستشرقون على مصادر ليست في مستوى البحث العلمي ولا هي أصلية في موضوع الدراسة مثل كتاب: ألف ليلة وليلة، كدليل على عدم وقوف الناس في العصور المتأخرة عند مجاميع القراءات السبع (أو العشر) المعتمدة - كما يقول غولد زيهر ويضيف (1): ((وورد على لسان الجارية الضليعة في العلم تودد، افتخارها بأنها تستطيع أن تقرأ القرآن بالقراءات السبع والأربع عشرة)).
ولا يصلح كتاب: ألف ليلة وليلة أيضاً دليلاً اعتمد عليه غولد زيهر في تفضيل بعض الأقاليم قراءة ما من السبع، كما فعل (2).
ومن جانب آخر: يتعمَّد (3) المستشرقون إساءة فهم النصوص الأصلية في الموضوع، أو يشتبهون فيها بشبهة ما، فيؤسسون عليها حكماً أو يوردونها في غير مواردها، فيحملونها ما لا تحتمل، ثم يوجهونها إلى غير دلالاتها، أو إلى جانب منها يضخمونه هو لغرض ما.
((وآفة المستشرقين أنهم يسوقون مجرد الاحتمالات العقلية مساق الحقائق المسلَّمة)) (4)، وهذا -كله- هو الغالب على منهجهم فيما يتعلق بالأحرف السبعة والقراءات القرآنية. __________ (1) مذاهب التفسير الإسلامي، ص 61. (2) المرجع السابق، ص 57. (3) انظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين، ص 216. (4) المرجع السابق، ص 6. (5) في اللهجات والقراءات: 182-184 باختصار. __________ وقد عرض د. عبد الوهاب حمودة (5) مثالاً مجملاً من ذلك فقال عن غولدزيهر: ((كان آخر كتاب ألفه هو كتابه: ((المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن))، عند تمام السبعين من عمره، وملأه بتجاربه في ((البحوث الإسلامية))... في هذا الكتاب عند بحث القراءات أخطاء لا يمكن السكوت عليها، وكان كل هَمِّ المؤلفِ أن يُدَلِّلَ على أن الاختلاف في القراءات إنما كان عن هوى من القُرَّاء، لا عن توقيف ورواية، وهذا هو سر خطئه في منهجه... ثم نقله عن كتب غير جديرة بالنقل منها، والارتكان إلى آراء ضعيفة لا يقيم لها علماء القراءات وزناً، هذا إلى خطئه في فهم النصوص وعجزه عن الغوص إلى أعماقها.. ومن أخطائه أنه يُحَمِّل القراءة ما لا تحتمله، ويتطوَّع في تفسير السبب الذي حمل القارئ على اختياره هذه القراءة، والقارئ نفسه بريء من هذا الاستنباط، بل ويصرح أحياناً بما يخالفه، ولكن حرص غولدزيهر على التشكيك في القراءات وإثبات أنها من محض الرأي لا النقل، يجعله يسلك ذلك السبيل)). |
|