أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الإسلام في جُزُرِ الأندلس السبت 11 مايو 2024, 2:12 am | |
| الإسلام في جُزُرِ الأندلس قصة الإسلام
ملخص المقال على الرغم من أهمية جزيرة مايوركا وغيرها من جزر شرق الأندلس وقُربها الشديد من الأندلس، لكنها لم تُفتح مبكرًا مع الفتح الأول للمسلمين، فما أسباب تأخر فتحها؟
الإسلام في جزر الأندلس لقد عرف العرب والمسلمون الجزر الموجودة في شرق الأندلس (ميورقة ومنورقة واليابسة) في تاريخٍ مبكر، منذ سنة (89هـ = 707م)؛ وذلك عند الإعداد والتمهيد قبل فتح الأندلس. واللافت للنظر أنَّ الباحث في تاريخ الأندلس قد لا يجد في المراجع الأندلسيَّة المتوفرة أخبارًا عن فتح هذه الجزر أو محاولاتٍ له، وقد اعتبرها ابن سعيد الأندلسي «مضافةً إلى الأندلس».
فهل كانت هناك أخبار افتقدناها؟ إنَّ الأخبار المتعلِّقة بافتتاحها الذي تمَّ في وقتٍ متأخر عن فتح الأندلس، تُقوي عدم توفُّر نشاط جهادي جديد واضح، قبل افتتاحها سنة (234هـ = 848م) -أيام عبد الرحمن الأوسط- أو بعدها سنة (290هـ = 902م)، ولو أمكن التثبت من عدم توفُّر مثل هذا الجهاد فلا أقلَّ من أن تكون محاولات فتحٍ لها لم تتم لأيِّ سبب، وقد ذُكر -من غير مرجع- أنَّ الحَكَم الأول (206هـ = 821م) وجَّه حملتين إلى الجزائر الشرقية؛ (سنة 182هـ = 798م) وسنة (200هـ = 815م)، وكلا الحالين يجلب الانتباه ويدعو إلى التعليل، حتى تتوفَّر نصوصٌ تقطع بأمر. أليس مستغربًا أن تكون أوَّل تجربةٍ للمسلمين مع الجزائر الشرقيَّة سنة (89هـ = 707م) -قبل فتح الأندلس- ويتوقَّف كلُّ نشاطٍ لهم معها طوال قرنٍ ونصف القرن؟! فلا نكاد نسمع شيئًا عن ذلك حتى سنة (238هـ = 848م)، وهو أمرٌ يتَّفق عليه عددٌ من مؤرِّخينا الأندلسيِّين. يذكر ابن حيان (469هـ = 1076م) (في مقتبسه) أنَّ الأمير عبد الرحمن الأوسط (سنة 234هـ = 848م) سَيَّرَ «أسطولًا من ثلاثمائة مركبٍ إلى أهل جزيرتي ميورقة ومنورقة؛ لنقضهم العهد، وإضرارهم بِمَنْ يَمُرُّ إليهم من مراكب المسلمين، ففتح اللهُ للمسلمين عليهم، وأظفرهم بهم، فأصابوا سباياهم، وفتحوا أكثر جزائرهم». ويُورد الخبر بشكلٍ مختلف ابن عذاري (بعد 712هـ = 1312م) (في بيانه)، فيقول: إنَّه «في سنة (234هـ = 848م) أمر الأمير بتوجيه العساكر إلى أهل جزيرة ميورقة؛ لنكايتهم، وإذلالهم، ومُجاهرتهم بنقضهم العهد، وإضرارهم بِمَنْ مَرَّ عليهم من مراكب المسلمين، فغزتهم ثلاثمائة مركب، فصنع اللهُ للمسلمين جميلًا، وأظفرهم بهم، وفتحوا أكثر جزائرهم». كما أورده -مع اختصار- آخرون؛ كابن سعيد (685هـ = 1286م) الذي يقول في حوادث سنة (234هـ = 848): «جهَّز عبد الرحمن أسطولًا من ثلاثمائة مركب إلى جزيرتي ميورقة ومنورقة لإضرار أهلها بِمَنْ يَمُرُّ بهما من مراكب الإسلام ففتحوهما». وابن الخطيب يذكر أنَّه في أيَّام الأوسط: «انتقض المعاهدة بجزيرة ميورقة فغزاهم في ثلاث مئة مركب، فافتتحها ثانية».
يمكن من خلال النصوص السابقة ملاحظة ما يأتي: - أنَّ الأمير عبد الرحمن الأوسط سيَّر أسطولًا من ثلاثمائة مركب إلى الجزائر الشرقيَّة.
- سار الأسطول نحو ميورقة ومنورقة، وهما أكبر الجزائر الشرقيَّة قاطبةً، ولم تذكر المصادر «اليابسة» ثالثتهما وأقربها إلى الشاطئ الأندلسي.
- هناك جزر أخرى صغيرة افتتح الأسطول بعضها.
- كانت للمسلمين في الأندلس صلاتٌ مع أهل بعض هذه الجزر، لا سيَّما ميورقة ومنورقة، وتقوم هذه العهود على تأمين أمور المسلمين والجزيرة، وهذا يعني أنَّه جرت اتصالات بين أهل هذه الجزر والأندلس.
- لم تكن أيٌّ من هذه الجزر قد فُتِحَتْ أو انضوت تحت سلطان الأندلس قبل ذلك.
- إنَّ أهل الجزيرتين (ميورقة ومنورقة) تعرَّضوا لسفن المسلمين التجاريَّة أو الجهاديَّة، ناقضين هذا العهد، وقد تكون عبارة «مراكب المسلمين» عامَّةً وليست مقصورة على أهل الأندلس.
- قد يُشير هذا إلى أنَّ أهل هذه الجزر لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد، أو ربَّما بمقدار، ويرجَّح عدم فتحها.
- وصفت النصوص السابقة هذا العمل بالفتح؛ فهل تعني به الفتح الدائم؟ أم إخضاعهم وإجبارهم على الالتزام بالعهد والكفِّ عن اعتدائهم بعد ردِّه؟
والأقرب في فهم عبارة ابن الخطيب «فافتتحها ثانية» على المعنى الأخير من قيام العهد بين أهل تلك الجزر والأندلس، سويَّةً أو منفردة. لكن لماذا لم تُفتح هذه الجزر أو بعضها حتى سنة (234هـ=848م)؟
- ألعدم استطاعة الأندلس، التي بذلت جهدًا يزيد عمَّا تتحمَّله، لا سيَّما على عهد الولاة الذي توفَّر فيه الجهاد، وامتدَّ لمسافاتٍ بعيدةٍ تجاوزت الجزر، وهي عليها أسهل؟
- أم لبُعدها عن الجزيرة الأندلسيَّة، وعدم مجاورتها كُلًّا من المغرب والأندلس، والمسافة عنها ليست كبيرةً جدًّا ولا عسيرة؟
- أم لأوضاع الأندلس الداخليَّة؟
- أم لضعف الأسطول الأندلسي؟
- ألتعدُّد سلطات الأندلس والمغرب، كلٌّ خاضعٌ لسلطة؟ وذلك من مخاطر ومحاذير انقطاع السلطة في الأندلس عن سلطة العالم الإسلامي، وعدم الارتباط بخلافته ودولته. تُؤكِّد الأحداث التالية أنَّ الأعمال الحربيَّة السالفة تجاه الجزر لم تكن فتحًا ولا مستقرًّا، فيذكر ابن حيان أنَّه سنة (235هـ = 849م): «ورد كتاب أهل ميورقة على الأمير عبد الرحمن بن الحكم مستغيثين ممَّا دهمهم من سخطه، مستقيلين لعثراتهم لديه، راغبين في صَفْحِه وإقالته، فعطف عليهم، وأقالهم زلَّتهم». وحسب ابن عذاري في سنة (235هـ = 849م): «ورد كتاب أهل ميورقة ومنورقة إلى الأمير عبد الرحمن، يذكرون ما نالهم من نكاية المسلمين لهم، فكتب إليهم كتابًا أذكر هنا فصولًا منه، وهو: أمَّا بعد، فقد بلغنا كتابكم، تذكرون فيه أمركم، وإغارة المسلمين الذين وجَّهناهم إليكم لجهادكم وإصابتهم ما أصابوه منكم من ذراريكم وأموالكم، والمبلغ الذي بلغوه منكم، وما أشفيتم عليه من الهلاك. وسألتم التدارك لأمركم، وقبول الجزية منكم، وتجديد عهدكم على الملازمة للطاعة، والنصيحة للمسلمين، والكفِّ عن مكروههم، والوفاء بما تحملونه عن أنفسكم. ورجونا أن يكون فيما عوقبتم به صلاحكم، وقمعكم عن العودة إلى مثل الذي كنتم عليه. وقد أعطيناكم عهد الله وذمَّته». وقد سجلت المراجع أخبار الفتح الإسلامي الدائم للجزائر الشرقيَّة -أو لبعضها- وتُؤرِّخ حدوثه (سنة 290هـ = 902م) أيَّام الأمير عبد الله (300هـ = 912م)؛ فيذكر الحميري (في روضه) -حين الحديث عن جزيرة ميورقة أكبر تلك الجزر- أنَّ المسلمين افتتحوها سنة (290هـ = 902م). ويُقدِّم ابن خلدون (في مقدمته) معلومات أكثر عن فتح جزيرة ميورقة، فيقول: «كان فتح ميورقة سنة تسعين ومائتين على يد عصام الخولاني»، وقد ذكر تفصيلًا الكيفيَّة التي فُتِحت بها هذه الجزيرة، ولم يتوفَّر خبر فتح الجزيرتين الأخريين (منورقة واليابسة)، لكن لا بُدَّ أن يكون ذلك تلا افتتاح ميورقة. غدت هذه الجزر الشرقيَّة إسلاميَّة، لا بفتحها فقط؛ بل بحياة سكانها، وكافَّة أحوالها.
وهو أمرٌ مألوفٌ في البلدان التي فُتِحت؛ حيث يدخل أهل البلد الإسلام طواعيةً، يُحبُّون الإسلام، ويُدافعون عنه، ويحمونه بأنفسهم، مثلما رأيناه في الأندلس وغيرها، وهو أمرٌ ليس مقصورًا على أحد، وقد جرى عليه المسلمون ومن تلاهم في مختلف الأعصار والأمصار. وقد تعمَّرت هذه الجزر في كلِّ جانب، وعمرها الخير من كلِّ نوع، وظهر فيها العلماء، وسادها العلم والمعرفة، وأنارت شعابها قناديل الإيمان، وأقام طرقاتها نيِّرة ودروبها خيِّرة دينُ الله وشرعه، وغدت موطنًا لأهل العلم والفضل في كلِّ ميدان، واتُّخذت موئلًا للعديد من الأعلام. وقد زخرت الحضارة الإسلامية الأندلسية بالعديد من علماء تلك الجزر، منهم: الحميدي أحد علماء جزيرة ميورقة صاحب «جُذوة المقتبس»، وقد رحل إلى ميورقة بعض علماء وأدباء الجزيرة الأندلسيَّة، منهم: ابن حزم الأندلسي (456هـ=1063م)، وأبو الوليد الباجي (474هـ=1081م)، وأبو بكر محمد بن عيسى المعروف بابن اللبانة (507هـ=1113م)، وابن رشيق الكاتب والعالم الأديب، الذي ولَّاه أبو الجيش مجاهد بن عبد الله العامري (436هـ=1044م) ولاية جزيرة ميورقة. ------------------------------------------------------ المصدر: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، عبد الرحمن على الحجي، دار القلم، دمشق، الطبعة السابعة، 2010م. (بتصرف) |
|