القسم الأول: من قصص سقوطنا في أوروبا
* آخر خطواتنا في أوروبا.
* أحفاد صقر قريش يسقطون.
* وسقط ملوك الطوائف.
* قصة الفردوس المفقود.
* وقصة أخرى من الأندلس.
* ركن من الفردوس يسقط.
* سقوط غرناطة "آخر مصارعنا في الأندلس".
آخر خطواتنا في أوربا:
قصة " الغنيمة " في تاريخنا غريبة ، والدرس الذي تلقيه علينا - كذلك - أغرب!!
لقد بدأت أولى هزائمنا بسبب الغنيمة ، ولقد وقفنا مرغمين - عند آخر مدى وصلت إليه فتوحاتنا ، بسبب الغنيمة - كذلك !!
فقصة الغنيمة .. هي قصة الهزيمة في تاريخنا .
كان قائد المعركة الأولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام .. وخالف الرماة أمره، وخافوا من أن تضيع فرصتهم في الغنيمة .. فكانت " أحد " وشهد الجبل العظيم استشهاد سبعين رجلا من خيرة المسلمين .. بسبب الغنيمة .. نعم بسبب الغنيمة !!
وكان قائد المعركة الأخيرة " عبدالرحمن الغافقي " آخر مسلم قاد جيشا إسلاميا منظما لاجتياز جبال البرانس ، ولفتح فرنسا ، وللتوغل - بعد ذلك - في قلب أوروبا .
وهزم الغافقي .. سقط شهيدا في ساحة " بلاط الشهداء " إحدى معارك التاريخ الخالدة الفاصلة .. وتداعت أحلام المسلمين في فتح أوربا ، وطووا صفحتهم في هذا الطريق .. وكان ذلك لنفس السبب الذي استفتحنا به دروس الهزيمة .. أعني بسبب الغنيمة .
ومنذ تم الاستقرار في المغرب العربي، وإسبانيا الإسلامية ، وهم يطمحون إلى اجتياز جبال البرانس وفتح ما وراءها ، هكذا أراد " موسى بن نصير " لكن الخليفة الوليد بن عبد الملك " خشي أن يغامر بالمسلمين في طريق مجهولة ثم فكر على نحو جدي " السمح بن مالك الخولاني " والي الأندلس ما بين عامي ( 100 - 102 هجرية ) ، وتقدم فاستولى على ولاية ( سبتماية ) إحدى المناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط جنوب فرنسا ، وعبر - بذلك - " السمح " جبال البرانس ، وتقدم فنزل في أرض فرنسا منعطفا نحو الغرب حيث مجرى نهر الجارون ، مستوليا في طريقه على ما يقابله من البلدان ، حتى وصل إلى - تولوز - في جنوب فرنسا - لكن لم يستطع أن يستقر فيها ، وقتل السمح ، وتراجعت فلول جيشه تحت قيادة أحد قواده ( عبد الرحمن الغافقي ) فكأن السمح لم ينجح إلا في الاستيلاء على سبتماية .
ثم واصل الوالي الجديد بعد ( عنبسة بن سحيم الكلبي ) التقدم نحو أوربا ، وإن كان قد غير طريق السير ، وتمكن من الوصول إلى " أوتان " في أعالي نهر الرون ، لكنه لم يكن حذرا فلم يؤمِّن طريق عودته فانتهى الأمر بقتله وعاد جيشه إلى أربونة في سبتماوية .
لكن عبد الرحمن الغافقي ، كان الشخصية الحاسمة التي أرادت التقدم نحو أوربا وحرصت عليه ، وكان عبد الرحمن مشبعا بروح الإيمان والرغبة في الثأر لما أصاب المسلمين من قبل حين قتل " السمح " وحين رجع هو بالجيوش الإسلامية إلى سبتماوية ( وقد أعلن الغافقي الدعوة للجهاد في الأندلس كلها وفي أفريقية ، وقد جاءته وفود المتطوعين من كل مكان ، كما أنه من جانبه استعد استعدادا كبيرا لهذا الغزو ) .
ولقد التقى المسلمون ( عربا وبرابرة ) بالمسيحيين بين بلدتي " تورو " و " بواتيه " على مقربة من باريس ، وكان قائد النصارى ( شارل مارتل ) وزير دولة الفرنجة وأمين القصر ، بينما كان ( عبد الرحمن الغافقي ) - يقود جيوش المسلمين. وكانت المعركة شديدة قاسية استمرت قريبا من سبعة أيام ، وكان الجيش الفرنجي وحلفاؤه أكثر من جيش العرب ، ولكن المسلمين أحسنوا البلاء في القتال ، وكاد النصر يتم لهم .. لولا أن ظهرت قضية " الغنائم " !!
لقد عرف المسيحيون أن لدى الجيش الإسلامي غنائم كثيرة حصل عليها من معاركه أثناء تقدمه من قرطبة حتى " بواتيه " ..
وقد أثقلت هذه الغنائم ظهور المسلمين، وكان من عادة العرب أن يحملوا غنائمهم معهم، فيضعوها وراء جيشهم مع حامية تحميها .
وقد فهم النصارى هذا ، ونجحوا في ضرب المسلمين عن طريق التركيز على هذا الجانب ، لقد شغلوهم من الخلف .
من جانب الحامية المكلفة بحراسة الغنائم .. ولم يفطن المسلمون للتخطيط النصراني ، فاستدارت بعض فرقهم لحماية الغنائم .. وبالتالي اختل نظام الجيش الإسلامي .. ففرقة تستدير لحماية الغنائم ، وأخرى تقاتل النصارى من الأمام ..
وعبثا حاول عبدالرحمن الغافقي إنقاذ نظام الجيش الإسلامي ، إلا أن سهما أصابه وهو يبذل محاولاته المستميتة .. فوضع حدا لمحاولات الإنقاذ ، وأصبح جيش المسلمين دون قيادة .. وتقدم النصارى فأخذوا بخناق المسلمين من كل جانب وقتلوا من جيشهم الكثير !!
لقد كانت " بلاط الشهداء " سنة 114 هجرية آخر خطوات المد الإسلامي في اتجاه أوربا ، أو على الأقل آخر خطواته المشهورة .
ثم توقف المد .. لأن بريق المادة غلب على إشعاعات الإيمان !!
والذين يسقطون في هاوية البحث عن الغنائم لا يمكن أن ينجحوا في رفع راية عقيدة أو حضارة .