لماذا تاريخ الأندلس؟
قصة الإسلام

    ملخص المقال
    تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة من تاريخ الإسلام، وهي فترةٌ ليست بالقليلة مرَّ فيها كثيرٌ الأحداث التي يجب أن نعرفها.

لماذا تاريخ الأندلس؟
    تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة من تاريخ الإسلام، وتحديدًا من عام (92هـ=711م) إلى (897هـ=1492م)؛ أي ثمانمائة وخمس سنين (هجريًّا)، فهي فترةٌ ليست بالقليلة من تاريخ الإسلام؛ ولطول فترة تاريخ الأندلس مرَّ فيه كثيرٌ من دورات التاريخ التي اكتملت ثم انتهت، فسُنن الله في تاريخ الأندلس واضحةٌ للعيان؛ فقد قام فيه كثيرٌ من الدول وارتفع نجمها، وسقط فيه -أيضًا- كثيرٌ من الدول وأفل نجمها، كثيرٌ من الدول أصبحت قويَّة؛ ومِنْ ثَمَّ راحت تفتح ما حولها من البلاد، وكثيرٌ منها أصبحت ضعيفة، وأصبحت لا تستطيع حماية أرضها، أو تعتمد على غيرها في حمايتها؛ مثلما يحدث الآن.

    كما ظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع، وظهر الخائف الجبان، وظهر أيضًا التقيُّ الورع، كما ظهر المخالف لشرع ربِّه، وظهر الأمين على نفسه وعلى دينه وعلى وطنه، وكذلك الخائن لنفسه ودينه ووطنه، ظهرت كلُّ هذه النماذج، وتساوى فيها الجميع؛ حاكمٌ ومحكوم، عالمٌ وأمِّيٌّ.

    إضافة إلى ذلك هناك في تاريخ الأندلس أحداث يجب أن نعرفها مثل موقعة وادي برباط؛ تلك الموقعة التي تُعَدُّ من أهمِّ المعارك في التاريخ الإسلامي، ليس لأنها الموقعة التي فُتحت فيها الأندلس فقط؛ ولكن لأنها تُشَبَّه في التاريخ بموقعتي اليرموك والقادسية، ومع ذلك فإن الكثير من المسلمين لا يسمع من الأساس عن وادي بَرْبَاط.

    أيضًا القائد الفذ عبد الرحمن الداخل الذي أسَّسَ الدولة الأموية في الاندلس، ذلك الرجل الذي قال عنه المؤرخون: لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من بلاد الأندلس، أيضًا عبد الرحمن الناصر، أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق؛ وكذلك يوسف بن تاشفين القائد الرباني، صاحب موقعة الزلاقة، وأبو بكر بن عمر اللمتوني أيضًا.. هذا المجاهد الذي دخل الإسلامَ على يده أكثرُ من خمس عشرة دولة إفريقية.

    ومن المهم -أيضًا- أن نتعرَّف على أبي يوسف يعقوب المنصور، صاحب موقعة الأرك الخالدة؛ تلك التي دُكَّت فيها حصون النصارى، وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا، كما يجب أن نعرف دولة المرابطين وكيف قامت؟ ودولة الموحدين وكيف قامت؟ ومن الضروري أن نعرف مسجد قُرْطُبَة، ذلك المسجد الذي كان يُعَدُّ أوسع مساجد العالم، وكيف حُوِّل إلى كنيسة ما زالت قائمة إلى اليوم؟!

وكذلك مسجد إِشْبِيلِيَة ينبغي أن نعرفه، وينبغي أن نعرف جامعة قُرْطُبَة والمكتبة الأموية، وقصر الزهراء ومدينة الزهراء.. ينبغي أن نعرف قصر الحمراء، وغيرها من الأماكن الخالدة التي أمست رسومًا وأطلالًا، وهي اليوم في عِدَاد أفضل المناطق السياحيَّة في إسبانيا، وتُزار من عموم الناس؛ سواءٌ كانوا مسلمين أم غير مسلمين.

    أيضًا موقعة العِقَاب تلك التي مُنِيَ فيها المسلمون بهزيمةٍ ساحقة، على الرغم من تفوُّقهم على عدوِّهم في العَدَدِ والعُدَّةِ، وكأنَّ موقعة حُنَيْن عادت من غابر التاريخ؛ لتروي أحداثها في موقعة العقاب، تلك الموقعة التي قال عنها المؤرخون: بعد موقعة العقاب لم يُرَ في الأندلس شابٌّ صالحٌ للقتال.

    كما يجب ألَّا ننسى مأساة بلنسيَّة، وكيف قُتِلَ ستٍون ألف مسلمٍ في يوم واحد؟ وما أحداث مأساة أُبَّذَة؟ وكيف قُتل ستون ألف مسلمٍ آخرون في يومٍ واحد؟ ثم يجب أن نذكر دائمًا مأساة بربشتر، وكيف قُتل أربعون ألف مسلمٍ في يومٍ واحدٍ، وسُبيت سبعة آلاف فتاة بِكْر من فتيات بَرْبُشْتَر؟!

وقد شاهدنا هذه الأحداث الغابرة تُعِيد التحدُّث عن نفسها في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، كما يجب أن نعرف كيف سقطت الأندلس؟ وما عوامل السقوط؟

    إذا عرفنا هذا كلَّه، وعرفنا ردَّ فعل المسلمين، وكيف قاموا من هذه المآسي المُفزعة، لعرفنا كيف ننهض الآن ونقوم، وفي الأخير إنَّ تاريخ الأندلس بصفحاته الطويلة -أكثر من ثمانمائة عام- يُعَدُّ ثروةً حقيقيَّة.. ثروة ضخمة جدًّا من العِلْمِ والخِبْرَةِ والعِبْرَةِ، ومن الواجب على الجميع أن يبحث في تاريخ الأندلس[1]

------------------------------------------------------------
    [1] راغب السرجاني: قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى، 1432هـ= 2011م، 1/ 5- 10.