منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الأول: مؤثرات عامة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الفصل الأول: مؤثرات عامة Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الأول: مؤثرات عامة   الفصل الأول: مؤثرات عامة Emptyالإثنين 29 أبريل 2024, 1:24 am

الفصل الأول: مؤثرات عامة:
1- أحداث كبرى:
نحتاج في دراستنا لأدب أي أمة من الأمم إلى معرفة الأحداث الكبرى التي أثرت في حياة منشئيه؛ لأن الأدب في حقيقته مرآة ناصعة صافية تنعكس عليها حياة أهله وما تأثروا به من أحداث عامة وظروف خاصة.
ولما كنا سنتحدث عن الأدب المصري منذ القرن الماضي، فإننا مضطرون إلى أن نرجع إلى الوراء لنربط الأحداث بعضها ببعض.          
ولعل أكبر الأحداث السابقة اقتحام الحملة الفرنسية لمصر في آخر القرن الثامن عشر، واصطدامها بهذا الشعب الذي كان يَرْزَحُ تحت أثقال الحكم العثماني منذ غزاه الترك في القرن السادس عشر، وأنزلوا بأهله البؤس والضنك والإعسار، ومن أهم خصائص الترك أنهم كانوا غزاة فاتحين، ولم يكونوا أصحاب حضارة ولا نظام في الحكم والسياسة.
وقبل ذلك هدموا الحضارة البيرنظية في القرن الخامس عشر بفتحهم القسطنطينية؛ ولكن هذا الهدم لم يكن شديد الضرر؛ بل كان شديد النفع؛ فإن أصحاب هذه الحضارة هاجروا إلى أوربا، وساعدوا مساعدة فعالة في نشأة نهضتها الحديثة، بما نشروا فيها من الآثار اليونانية والرومانية.
أما في مصر والشام -وكانا قد أصبحا مَوْئِلَي الحضارة الإسلامية منذ غزوات التتار للشرق العربي وغزوات المسيحيين الشماليين للأندلس- فقد هدم الترك ما فيهما من حضارة بفتحهما، وحطموا كل ما وجدوه فيهما من صروح العلم والأدب والفن، ولم يُتَحْ لعلمائهما وأدبائهما وطن جديد يهاجرون إليه؛ بل نُفيت جماعة منهم إلى القسطنطينية، وبقيت جماعة في عقر ديارها خاملة، لا تستطيع أن تنتج علمًا ولا أدبًا، فقد فقدت حريتها، ولم تعد تجد ما تسد به رمقها، وبذلك انهارت الحياة العقلية والأدبية في مصر، لولا نشاط ضئيل ظل في الأزهر، وكان يحفه ظلام مطبق من الفقر والبؤس والحكم الظالم الغاشم.
وفي هذه الأثناء نزلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت في مصر عام 1798، ومكثت نحو ثلاث سنوات، كانت جميعها جهادًا عنيفًا وصراعًا مريرًا قاسيًا بين الشعب المصري والمعتدين.          
ولم يُجْدِ نابليون نفعًا ما أنشأه من مجالس شورى سميت باسم الدواوين، ألفها من طبقة المثقفين الأزهريين ومن كبار الأعيان والتجار، وجعل لها حق البحث في بعض شئون الحكم، وخاصة الضرائب؛ فقد كانت مجالس صورية لتنفيذ مآربه الاستعمارية في السياسة والإدارة.          
وقد ظل الشعب المصري يقاومه ويثور ضده وضد حملته ثورات متعاقبة، بذل فيها الدماء وعزيز الفداء.
وكان لهذه المقاومة الباسلة وهذا الكفاح المرير أثرهما في نشأة الشعور القومي عند المصريين، وإحساسهم العميق بحقوقهم المشروعة في حكم بلادهم.          
فلما أقلعت الحملة عن ديارهم، وعادوا إلى حكم العثمانيين، رأوا أن من حقهم اختيار الوالي الجديد، واختاروا محمد علي، ووافقهم الباب العالي.
وقد اطلع الشعب المصري من خلال هذه الحملة على بعض وجوه الحياة الأوربية؛ فقد رأى المصريون أفرادها يتناولون حياتهم المادية بصور لم يكونوا يألفونها، سواء في أكلهم وشربهم، أو في لهوهم وما كانوا يقيمون من حفلات التمثيل والغناء والرقص والموسيقى، وكانوا يرون نساءهم يمشين متأبطات لأذرعهم -كما يقول الجبرتي في الجزء الثالث من تاريخه- "وهن حاسرات الوجوه، لابسات الفُسْتانات ومناديل الحرير الملونة، يَسْدلن على مناكبهن الطُّرَح الكشميري والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول والحمير، مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة".
ولفتت الحملةُ المصريين إلى ما أصاب الغربيون من تقدم في العلم؛ فإن نابليون استقدم معه طائفة من العلماء البارعين المتخصصين في مختلَف العلوم التاريخية والطبيعية والرياضية، ولم يلبث حين نزل مصر أن أسس المجمع العلمي المصري على غرار المجمع العلمي الفرنسي، وانبعث العلماء الذين جاءوا معه يدرسون مصر من جميع أطرافها، وكانت ثمرة ذلك تسعة مجلدات طبعت في فرنسا "1809-1825" باسم "وصف مصر"، وهي أساس كل المعلومات التي عُرفت في أوربا عن مصر الحديثة.
وأنشأ نابليون بجانب هذا المجمع العلمي معامل ومكتبة ومطبعة، وكانت المعامل تُعْنَى بالبحث العلمي التجريبي، وكان الفرنسيون يستدعون المصريين لرؤية ما يُجْرون من تجارب كيمائية لا عهد لهم بها، فيعجبون وينبهرون.          
يقول الجبرتي في أثناء وصفه لمعمل الكيمياء الذي أقاموه: "ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان أن بعض المتقيدين لذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة، فصب منها شيئًا في كأس، ثم صب عليها شيئًا من زجاجة أخرى، فعلا الماء، وصَعِدَ منه دخان ملون، حتى انقطع وجف ما في الكأس، وصار حجرًا أصفر، فقلبه على البرجات حجرًا يابسًا، أخذناه بأيدينا ونظرناه.          
ثم فعل كذلك بمياه أخرى، فجمدت حجرًا أزرق، وبأخرى، فجمدت حجرًا ياقوتيًّا.          
وأخذ مرة شيئًا قليلًا جدًّا من غبار أبيض، ووضعه على السندال، وضربه بالمطرقة بلطف، فخرج له صوت هائل، انزعجنا منه، فضحكوا منا".          
ومن غير شك كان ذلك يدعو المصريين إلى التفكير في علمهم النظري، وأن وراءه علمًا في الغرب ينبغي أن يقفوا عليه.
ورأى المصريون المطبعة التي جلبها نابليون معه، وكانت تطبع بالحروف العربية منشوراته وبعض الصحف الدورية؛ بل أخذت تطبع بعض الكتب.
ولم يكن للمصريين عهد لا بالمطبعة ولا بما تطبع من منشورات وكتب وصحف، فكان ذلك كله جديدًا عليهم.
وقد ظن المصريون حين أقلعت الحملة عن ديارهم أنهم يبدءون تاريخًا جديدًا لأمة مجاهدة متحررة، فاختاروا محمد علي واليًا عليهم؛ ولكنه لم يَجْرِ معهم إلى آخر الشوط الذي كانوا يحلمون به؛ إذ نكَّل بمن اختاروه منهم.          
وقد أقام -مثل نابليون- مجموعة من الدواوين، سلبها حقوقها، فقضى بذلك على آمال المصريين ومطامحهم في اشتراكهم مع الحكام في حكم أنفسهم وتدبير شئونهم.
وهو إن كان قد حطم آمال المصريين في هذا الاتجاه، فإنه بعثها في اتجاه آخر؛ إذ عُنِيَ بالجيش، وأراد أن يكون مثل جيوش الدول الكبرى عُدة واستعدادًا، فاضطُر اضطرارًا إلى الاستعانة بالأساليب الأوربية والمعلمين الأوربيين.          
وكانت مصر قد تهيأت لتفتح صدرها للعلم الأوربي، ووجد طريقه إلى المدارس التي أُنشئت من حربية وصناعية وهندسية وطبية.          
ولما كان المعلمون في هذه المدارس من الفرنجة، وكان لا بد للمصريين أن يحسنوا اللغات الأجنبية ليفهموا عنهم؛ وُجدت الحاجة إلى مدرسة الألسن وإلى بعوث ترسل إلى الغرب؛ حتى يتقن المصريون اللغات الغربية، وأنشئ في أثناء ذلك كثير من المدارس الابتدائية والثانوية.
وكل هذا ساعد فيه محمد علي ليوجد جيشًا قويًّا لنفسه، يحقق به أحلامه في إمبراطورية ضخمة، فلم يكن غرضه التعليم من حيث هو، أو رد الحياة العلمية الخصبة إلى مصر من حيث هي؛ وإنما كان غرضه شخصيًّا لنفسه ولأحلامه، فلما لم تتحقق أحلامه انصرف عن التعليم، وأغلق ابنه عباس المدارس من بعده.          
ولكن الصلة بين مصر وأوربا أو بين الحياة العقلية المصرية والحياة العقلية الأوربية قامت، ولم يعد من الممكن أن يُقْضَى عليها لسببين؛ هما:
أولًا: وجود طائفة من العلماء المصريين الذين بُعثوا إلى أوربا، وعادوا ليثبِّتوا حركة المزج الحديثة بين حياتنا العقلية وحياة الأوربيين.
وثانيًا: مهاجرة كثير من الأوربيين إلينا، وتأسيسهم للشركات والمدارس في ديارنا، وزار مصر كثير من أدبائهم، وأخذت تؤثر بتاريخها القديم والحديث في أدبهم والأدب الأوربي عامة.
لذلك لم يلبث سعيد أن فتح المدارس، وأخذت الحركة تنمو وتؤتي أكلها في عصر إسماعيل؛ فإنه استجاب للروح المصرية، ودعم الصلة بأوربا؛ فأنشأ "دار الأوبرا" و"المكتبة الخديوية"، وأكثر من المدارس الابتدائية والثانوية، وأقام مدرسة للبنات، وبذلك أصبح العلم للعلم، ولم يعد العلم للجيش، كما كان الشأن في أوائل القرن.
وهنا نقف عند حادث مهم؛ وهو فتح قناة السويس في عهد إسماعيل، وكان لهذا الفتح آثار عملية واضحة؛ إذ قرَّبت القناة المسافات المادية بين الشرق والغرب، كما قربت المسافات المعنوية بين الشعوب الشرقية والغربية في اتجاهات تفكيرها وحضارتها، وكان لهذا الفتح أيضًا آثار سياسية بعيدة في العَلاقات الدولية؛ مما نشأ عنه -فيما بعد- احتلال الإنجليز لمصر.
ففَتْحُ هذه القناة أثَّر في مستقبل مصر السياسي وفي العَلاقات بين الدول، وهو كذلك أثر في العلاقات العقلية على اختلاف أنواعها، سواء فيما يتصل بنا أو فيما يتصل بالأوربيين بعضهم ببعض؛ لأن العَلاقات العقلية والمادية جميعًا متشابكة متفاعلة.          
وكَثُرَ إقبال الأوربيين على مصر كما كثر أو زاد إقبال المصريين على أوربا، وأخذت تُرفع الحواجز التي تفصل بين الحياتين المتقابلتين: حياة المصريين وحياة الأوربيين.          
وقد أنشأ إسماعيل مجلس الوزراء ومجلسًا نيابيًّا، ووضع كثيرًا من القوانين على النمط الأوربي.
ونحن لا نصل إلى عصر إسماعيل حتى نلاحظ ما يمكن أن نسميه "نمو النزعة القومية"؛ فقد كان الشعب المصري في عصر محمد علي وعباس لا وجود له سوى الوجود الآلي، فهو آلات أو أدوات تُستغل لمجد محمد علي وأسرته وبطانته من الترك، على الرغم من أنه لم يكن تركي الأصل؛ بل كان ألبانيًّا، إلا أنه وأسرته صبغوا أنفسهم بالصبغة التركية.          
وخير ما يمثل ذلك مسجده الذي بناه على طراز مساجد الآستانة.          
وقد أنشأ مطبعة بولاق، وعُنيت في أكثر الأمر بطبع الكتب التركية، ولما أصدر "الوقائع المصرية" كان يصدرها بالعربية والتركية، وكانت أساليبه الإدارية أساليب تركية خالصة.
ومعنى ذلك أن أعمال محمد علي لم يكن فيها نزعة قومية ولا مصرية واضحة، وقد وَأَدَ بذور طموح المصريين لحكم أنفسهم -كما قدمنا- فلم يؤتِ ثماره؛ بل قضى عليه في مهده، ولكن أنَّى له! إن هذا الطموح لا يموت موتًا نهائيًّا؛ وإنما هو كالنار تبقى جذوته ضئيلة؛ ولكنها عاملة نشيطة.
فلما ولي سعيد ومن بعده إسماعيل أخذ هذا الطموح ينمو في الأرض الطيبة، وساعد على ذلك دخول أبناء الفلاحين في الجيش، ووصول بعضهم إلى المناصب الكبيرة في الإدارة المدنية من مثل: رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، ومحمود الفلكي.          
وزار مصر جمال الدين الأفغاني سنة 1871، وظل بها نحو ثماني سنوات، دعا فيها دعوته المشهورة في الإصلاح الديني، والإفادة من ثقافة الغرب في الدفاع عن الإسلام، كما دعا إلى التحرر من تدخل الأجانب في شئون البلاد الإسلامية، والثورة عليهم وعلى من يمهد لهم من الحكام المستبدين، والتفَّ حوله الشيخ محمد عبده وغيره.          
وكانت سياسة إسماعيل المالية قد تراءى فشلها وخطرها أمام الأنظار.
فكل ذلك نَمَّى الرأي العام والنزعة القومية، وسُرعان ما ظهرت صحف مصرية -مثل: جريدة مصر والوطن- تنقد في صراحة سياسة إسماعيل، وتنادي: مصر للمصريين.          
وسقطت وزارة نوبار سنة 1879، وتطورت الحوادث، ونهضت هذه الروح نهوضًا قويًّا كان من نتائجه ثورة الجيش بقيادة عرابي ضد الضباط الأتراك الجراكسة لعهد توفيق سنة 1882.          
واستعان توفيق ضد الحركة بحراب الإنجليز التي أغمدوها في صدور الشعب، ومن حينئذ أصبحت مصر خاضعة لاحتلال إنجليزي بغيض، وبدا للعِيَان أن حاكمها من أسرة محمد علي لا يمت إليها بصلة جنسية ولا قومية، فهي ليست أكثر من بقرة حلوب يمتصها الأجنبي عن طريقه.          
وحُكمت مصر بالمستشارين الإنجليز، وكان يتولى وزارتها مصريون؛ ولكن أكثرهم كان من أصول تركية.
وكانت سياسة الإنجليز أن يحكموا هؤلاء الوزراء بمستشارهم وموظفيهم في الوزارات أو النظارات المختلفة.          
وأنشئوا مجالس تشريعية؛ ولكنها كانت مغلولة السلطان، ولم يكن لها من الأمر شيء.
على أن هذا الاحتلال التعس لم يقضِ على الحركة الوطنية قضاء مبرمًا، فقد خمدت ولكن إلى حين؛ إذ كانت قد نشأت طبقة المصريين المستنيرة، وأخذت تشارك في الحكم وتتقلد مناصبه الكبرى، ورجع المنفيون إلى مصر في عهد عباس الثاني، ونشطت الحركة الوطنية ممثَّلة في الزعم الخالد مصطفى كامل، فأصدر في سنة 1899 صحيفة اللواء، واتخذ منها ومن خُطَبه النارية أداة لإلهاب عواطف المصريين ضد الإنجليز، وأسس الحزب الوطني، وزار كثيرًا من عواصم أوربا يعرض قضية مصر، ويندد بالاحتلال الإنجليزي غير المشروع.
ثم كانت حادثة دنشواي المعروفة سنة 1906، وهي تلك التي تُوفِّي فيها ضابط إنجليزي كان يصطاد الحمام بهذه البلدة إثر ضربة شمس.          
وظن الإنجليز أن أهل هذه البلدة قتلوه، فأنزلوا بهم عقابًا وحشيًّا فظيعًا؛ إذ نصبوا المشانق في البلدة، فشنقوا طائفة، وسجنوا أخرى، ونزلوا بالسياط على ثالثة، وكانوا جميعًا أبرياء؛ ولكنه طغيان الباغي الذي لا يعرف رحمة ولا شفقة، وقابل الشعبُ هذا الحادث -ومعه زعيمه مصطفى كامل- بالاستياء الشديد، وبدا لرأي العين أن المصريين لا يزيدهم الإرهاب إلا حقدًا وسخطًا على المحتل الغاصب.
وتمادى الإنجليز في عنتهم وظلمهم وسجونهم وتضييق الخناق على حريات المصريين، حتى كانت الحرب الأولى فأعلنوا الأحكام العرفية، ووضعت الحرب أوزارها فثار عليهم المصريون ثلاث سنوات طوالًا، ولم يفل من عزمهم نفي ولا تشريد ولا سجون؛ بل ظلوا يحادُّونهم ويعاندونهم، حتى اضطروهم إلى تصريح 28 من فبراير سنة 1922، وفيه احتفظوا ببعض المسائل؛ كمسألة السودان، ومسألة الدفاع عن مصر.
ولم يُضعف هذا التصريح من حدة الثورة المصرية على الإنجليز؛ بل ما زالت مصر تضطرب بعوامل الثورة حتى وقَّعت إنجلترا معاهدة سنة 1936؛ ولكنها لم تحقق غاية مصر؛ فظلت نيران الثورة تموج في صدرها، حتى جاءها البشير بثورة الجيش المباركة، فتحقق حلمها القديم، وعادت القوس إلى باريها، وما هي إلا عشية أو ضحاها حتى طردت ثورتنا المستعمر من دارنا، وتبعته تنكل به في كل دار عربية؛ بل أيضًا في كل دار إفريقية وآسيوية، وهو ترتعد فرائصه وفرائص جماعته موليًا الأدبار، وبذلك تزعزع بنيانه، وهَوَتْ أركانه في كل مكان.
ولا بد أن نشير إلى أنه في أثناء الاحتلال الإنجليزي حاول الإنجليز جاهدين أن يَعْلوا ثقافتهم بديارنا فوق الثقافة الفرنسية وغيرها من الثقافات الأوربية، فحينًا يجعلونها لغة العلم والتعليم، وحينًا يجعلون البعثات جميعًا إلى بلادهم.          
وقد أقبلت على ديارنا طائفة من البعوث الدينية الغربية المختلفة، وأسست كثيرًا من المدارس في القاهرة والإسكندرية وغيرهما من عواصم القطر المصري، وكان لها أثرها في حياتنا الثقافية.
وهذه البعوث الدينية كانت أكثر نشاطًا في سوريا ولبنان، سواء منها الكاثوليكية الفرنسية والبروتستانتية الأمريكية، إلا أن الأُولى كان مدى عملها أوسع بفضل اليسوعيين الذين عُنوا باللغة العربية وحياتها الأدبية.          
وقد أخذت طوائف لبنانية وسورية كثيرة تهاجر إلى مصر منذ عصر إسماعيل؛ فرارًا من ظلم الأتراك، أو سعيًا وراء الرزق، ولم تلبث هذه الطوائف أن شاركت في حياتنا الأدبية عن طريق الصحف مثل: الأهرام، وطريق الكتب والمؤلَّفات والمترجمات.



الفصل الأول: مؤثرات عامة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الفصل الأول: مؤثرات عامة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول: مؤثرات عامة   الفصل الأول: مؤثرات عامة Emptyالإثنين 29 أبريل 2024, 1:25 am


2- تياران: عربي وغربي:
يجري في أدبنا منذ القرن الماضي تياران: عربي وغربي، أما التيار العربي فكان يمثله الأزهر وتعليمنا فيه.          
ومعروف أن الأزهر هو الذي حافظ على تراثنا الإسلامي والعربي أيام محنتنا بالحكم العثماني؛ فإن المدارس المختلفة التي أنشأها الأيوبيون والمماليك أغلقت أبوابها، ولم يعد يضيء في حياتنا العقلية سوى هذه المصابيح الضيئلة التي كانت ترسل من الأزهر نورًا شاحبًا خافتًا.
ولم تكن هذه المصابيح تقتصر على الدين؛ بل كانت تشمل العلوم اللغوية والطبية والفلسفية، وإن كانت العناية بالعلوم الأخيرة ضعيفة؛ بل إن العلوم الدينية نفسها كانت قد تخاذلت وتضاءلت تحت تأثيرا الظلم الذي أرهق به العثمانيون أهل مصر.          
وكلنا نعرف أن مصر استطاعت قبل الحكم العثماني أن تُسْهم في الحضارة الإسلامية في أثناء العصرين: الفاطمي والأيوبي، وانفردت في أثناء عصر المماليك بالنهوض بتلك الحضارة، واتخذت لذلك طريقًا واضحًا أن تجمع التراث الإسلامي العربي، وتضعه من جديد في كتب كبرى تشبه دوائر المعارف على نحو ما نعرف في صبح الأعشى للقلقشندي، ونهاية الأرب للنويرى، ولسان العرب لابن منظور.
وعلى حين كانت مصر معنيَّة بجمع التراث العربي والمحافظة عليه نزل بها طوفان العثمانيين، فإذا هو يأتي على هذه الجهود العقلية الخصبة؛ بل إنه يصيبها بعطل شديد، فيتوقف في مصر كل شيء، ويعم العقم والجمود، وتتراجع هذه النهضة الذهنية، حتى تصبح شيئًا ضئيلًا جدًّا لا نكاد نتبينه إلا في متون وملخصات يبدئ فيها الأزهريون ويعيدون، وكل ما يستطيعون عمله أن يشرحوها، وقد يشرحون الشرح، وقد يعلقون عليه، وهم بذلك لا يضيفون إلى العلم شيئًا ذا خطر؛ بل لقد عقَّدوا العلم تعقيدًا بكثرة متونهم وشروحهم وتقريراتهم وتعليقاتهم وما حشدوا فيها من عُقَد وألغاز؛ فقد تحولت العبارات نفسها إلى أحاج مغلقة، وأصبح هَمُّ العلماء أن يحلوا هذه الأحاجي، وحلها لا يضيف علمًا؛ إنما يضيف فسادًا لغويًّا.
وانقطعت الصلة بينهم وبين الكتب العلمية الأولى التي أُلِّفَتْ في العصر العباسي؛ بل التي ألفت في العصر القريب منهم عصر المماليك، فكنت قلما تجد من يعرف شيئًا عن كتب الأئمة مثل الشافعي، أو الفلاسفة مثل الفارابي، أو المفكرين الاجتماعيين مثل ابن خلدون.
لم تعد العلوم شيئًا سوى متون مثل متن المنهج للشيخ زكريا الأنصاري الذي جَمَعَ فيه كل مسائل الفقه الشافعي، وكان الأزهريون إلى قريب من عصرنا يحفظون ما يسمى مجموع المتون، وهو مجموع يُحصي كل أنواع العلم العربي ويحيله جُمَلًا مبهمة في شعر أو نثر للحفظ والتسميع.          
وكأن العلماء شعروا أنه لم يعد هناك شيء يقال، فهَمُّ الواحد منهم أن يتناول المتن الذي لُخِّص فيه العلم -أو بعبارة أدق: لُغِّز- ليحله، وقد يكتب في الحل شرحًا مبهمًا، ليس في كثير من الأمر خيرًا من المتن، فيعمد عالم آخر إلى حل الشرح بشرح ثانٍ يسمونه حاشية، ويتبين عالم ثالث أو رابع أن شرح الشرح ليس كافيًا فيعمد إلى التعليق عليه بما يسمى تقريرًا.
وبهذا أصبح العلم العربي الذي كان يملأ المجلدات الضخمة شيئًا ضئيلًا جدًّا لا يتجاوز صفحات معدودة، وران على الحياة العقلية ضَرْبٌ من الجمود الشديد، وأصبح لا بد من هزة عنيفة لتعيد إلى ينابيع حياتنا العقلية دوراتها الأولى.
ولم تكن حياتنا الأدبية خيرًا من حياتنا العقلية؛ فقد وقف النشاط الذي كنا نراه في عصر المماليك وقبله، والذي كان يتيح لنا بعض الأزهار الفنية، فنجد عندها بعض المتاع وبعض الراحة؛ إذ لم تعد مصر تحت تأثير العثمانيين وما أشاعوا فيها من فساد في النظم السياسية والاجتماعية صالحة لأن تخرج أزهارًا أو ما يشبه الأزهار، فقد غلوها وغلوا أدباءها، وحالوا بينهم وبين حرياتهم الفردية، كما حالوا بينهم وبين الرخاء المادي؛ فانهارت حياتهم، أو بعبارة أخرى:
انهارت حياتنا الأدبية كما انهارت حياتنا العقلية، وأصبحتَ لا تجد كاتبًا ولا شاعرًا تستطيع أن تقرأ له شيئا يلذ عقلك أو يلذ روحك.          
وعلى نحو ما أصبحت حياتنا العقلية تلخيصًا للتراث الماضي، وإفسادًا له، أصبحت كذلك حياتنا الأدبية تلخيصًا؛ بل تقليدًا مملًّا لبعض القصائد القديمة، يحاكيها الشعراء ويتناولونها بالتخميس والتسبيع أو التشطير، ولا يضيفون إلى ذلك إلا عُقدًا من البديع المتكلَّف الممقوت، وكأن الغرض من القصيدة تطبيق أنواع البديع لا أكثر ولا أقل.          
ومن المستحيل أن تجد في أثناء ذلك عاطفة أو شعورًا حقيقيًّا.          
وبالمثل أصبحت الكتابة شيئًا سقيمًا، أصبحت سجعًا ولكنه سجع ضعيف ركيك، لا يؤدي شيئًا سوى ألوان البيان والبديع المعقدة.
وفي هذا الوقت الذي قُضِيَ فيه على حياتنا العقلية والأدبية بالخمود والركود، قُضِيَ على أوربا أو قُدِّر لها حياة عقلية وأدبية نشيطة، وهي حياة تناولت مناحي الفكر الإنساني جميعه من علم وفلسفة وأدب.
واستعانت أوربا أول الأمر بالتراث اليوناني، فتطورت حياتها الفكرية تحت تأثير هذا التراث الوثني القديم، ونشأ حينئذ صراع هائل بين الأدبين: المسيحي والوثني، وظهرت حركات البروتستانت، وأخذت أوربا طريقها إلى إحداث آدابها الحديثة.          
وعلى نحو ما كشفت الآثار اليونانية والرومانية كشفت أمريكا، وأخذت في استغلالها على نحو ما استغلت تلك الآثار.
وأخذت تندفع في حركتها العلمية، وتكتشف القوانين الطبيعية وغير الطبيعية التي تسيطر على الحياة والناس، مستشعرة ضروبًا واسعة من الحرية العقلية.          
وكان من أهم مميزات هذه الحرية نقد كل شيء من دين وغير دين.          
وقد نقدوا الفلسفة القديمة، وأسسوا لأنفسهم فلسفة حديثة أقامها لهم ديكارت على أسس علمية، ثم تطوروا بها نحو التجريد ونحو الطبيعة والعلم الوضعي؛ بل نحو الإنسانية بمعناها الواسع.          
وكل ذلك دون أن يقطعوا صلتهم بفلسفة اليونان وتشريع الرومان.
وعلى نحو ما تطوروا بحياتهم العقلية تطوروا بحياتهم الأدبية، فاستحدثوا لأنفسهم بتأثير التراث اليوناني والروماني أدبًا جديدًا يخالف أدبهم في العصور الوسطى، وكانوا في أول الأمر يقلدون الآثار اليونانية واللاتينية، ثم أخذوا يستقلون في حياتهم الأدبية كما استقلوا في حياتهم العقلية، وإذا هم يحدثون آثارًا رائعة لا تقل روعة وبراعة عن الآثار القديمة عند شعراء التمثيل من الإغريق، وعند هوميروس اليوناني وفرجيل الروماني.
وكان ذلك جميعه ثورات عقلية وأدبية لم تلبث أن عاونتها ثورات دينية وأخرى سياسية واجتماعية على نحو ما هو معروف في الثورة الفرنسية.
ولما نزلت بمصر حملة بونابرت تنبَّه المصريون إلى أن وراء حياتهم حياة أخرى في أوربا، وأنه حري بهم أن يفقهوا هذه الحياة الجديدة حتى يتسلحوا لأهلها بمثل سلاحهم.          
ومن المؤكد أن الفترة القليلة التي قضتها الحملة الفرنسية بمصر لم تتح لنا تأثرًا بالحضارة الأوربية للفوارق الواسعة بين حضارتنا الأوربيين؛ ولكن من المؤكد أيضًا أننا أخذنا بعد خروج الحملة من ديارنا نتجه إلى أوربا، ونحاول أن نفيد منها في الحياة العقلية والأدبية، فقد أدارت مصر وجهها إلى الشمال، وأخذت تفتح أنهارها الذهنية والفكرية لاستقبال جداول الحياة العقلية الأوربية.
وتصادف أن اجتمع مع هذه الرغبة في نفوس المصريين رغبة محمد علي في أن يُعِدَّ جيشًا على نمط جيوش الدول الأوربية الكبرى، ورأى أنه لا يستطيع أن يعد هذا الجيش إعدادًا حسنًا إلا إذا أنشأ له المدارس، واستقدم له أساتذة أوربيين يعلمونه في هذه المدارس، ويزودونه بما يحتاج إليه من وسائل، فأنشأ المدرسة الحربية، وأنشأ لها معاهد صناعية وطبية، وأخذ في تأسيس مدارس ابتدائية وثانوية.
ومنذ هذا التاريخ وُجِدَ في مصر نوعان من الحياة العقلية: نوع تقليدي محافظ في الأزهر، وهو نفس هذا النوع الذي وصفناه آنفا بما فيه من قصور وجفاف، ونوع مدني أوربي يعتمد اعتمادًا على الحضارة الأوربية وما عرف الأوربيون من علم لم يسبق للمصريين أن علموه أو عرفوه.
وهنا نلاحظ أشياء: فأولًا: انتقلت إلينا في هذا التعليم المدني الحياة العلمية الأوربية، وما يتصل بها من حياة عملية وفنية تطبيقية.          
وثانيًا: لم تنتقل إلينا في هذا التعليم طوال النصف الأول من القرن الماضي الحياة الأدبية الأوربية؛ لأن والي مصر لم يكن يُعْنَى بها، فلم يَبْدُ لها أي أثر في شعرنا ونثرنا.
وقد يرجع ذلك إلى طبيعة النوعين من العلم والأدب؛ فإن العلم من السهل نقله ونقل قوانينه وقضاياه، أما الأدب فمن الصعب أن ينقل أو أن تفيد منه أمة، إلا إذا وضحت بينها وبين الأمم التي تنقل عنها علاقات أدبية تساعد على النقل وأن تتبادل معها آدابها التي تعبر عن روحها وبيئتها ومزاجها وذوقها؛ إذ الآداب تخضع لهذه العناصر كلها خضوعًا شديدًا، ومن هنا كان عسيرًا أن يتذوق المصري مع نهضته العلمية حينئذ الأدبَ الغربي وأن يصدر عنه في أدبه، فذلك يحتاج إلى آماد وجهود أوسع، ولا بد أن نتأنَّى حتى تصطبغ طبقة من المصريين بالأدب الغربي والروح الغربية، أو حتى تصطبغ حياتنا نفسها بهذا الأدب وتلك الروح.
ولم تنتظر مصر طويلًا؛ فقد عُنِيَ محمد علي منذ سنة 1826 للميلاد بإرسال البعوث الكبيرة، فاختلطت طائفة من الشباب المصري -على رأسها رفاعة الطهطاوي- بحياة الغربيين، وأخذت تقرأ هناك في الأدب الغربي، وتفيد وتجتني اللذة الفنية الخالصة.
وعاد رفاعة فشارك في حركة الترجمة العلمية التي أوجدتها الضرورة المدرسية؛ حتى يعرف المصريون العلم الأوربي.          
ثم أنشأ محمد علي مدرسة الألسن؛ لتخدم هذه الحاجة، وعيَّن رفاعة ناظرًا لها، ولم يلبث أن تأسس قلم للترجمة سنة 1842، وتولى رفاعة رياسته.
ولكن هذا كله كان في سبيل خدمة التيار العلمي الغربي، ولم تؤثِ الثمرة المرجوة من البعوث أكلها في ميادين الأدب والحياة الأدبية؛ بل ظلت مصر طوال النصف الأول من القرن الماضي لا تُعْنَى إلا بالعلم الأوربي، سواء فيما تدرس وفيما تترجم؛ بل لقد استمرت على ذلك طوال عصر سعيد.
ولم يأتِ عصر إسماعيل حتى خطت مصر خطوات واسعة نحو الامتزاج بالحضارة الأوربية، وأخذ كل شيء فيها يصبطغ صبغة حقيقية بتلك الحضارة، فمن ناحية السياسة والتشريع أخذتْ مصر بنظام نيابي وقضائي مشبه للنظام الفرنسي، ومن ناحية التعليم أنشئت المدارس العالية المختلفة، وتأسَّس كثير من المدارس الابتدائية والثانوية، كما تأسست مدرسة للبنات، فالتعليم أصبح غاية لنفسه، ولم يعد يراد به الجيش؛ وإنما أصبح يراد به الشعب.          
وأخذت مصر في تحضر واسع؛ فتأسست الأوبرا، وأنشأ يعقوب صنوع فرقة ثمثيلية كان يترجم لها، ويؤلف تمثيليات مختلفة، وهي إن تكن بالعامية فإنها تدل على أن مصر أخذت في التحول؛ بل أخذت تبدأ دورة حضارية جديدة.
واشتد الاتصال بيننا وبين أوربا منذ فُتحت قناة السويس، فالأوربيون يفدون على مصر يؤسسون بها الشركات والمصارف، ونحن نكثر من البعوث إلى أوربا لنطلع على ثقافات القوم الكبرى التي مكنتهم من السيطرة على الحياة والمتعة بها، ويعود المبعوثون إلينا وقد حملوا لنا أزوادًا من الحضارة الأوربية.
وأحسَّ القائمون على الثقافة والتعليم أن الأزهر في عزلة عن هذه الحركة، وأنه لا يقوم بواجبه في تعليم اللغة العربية وتبسيطها وعرض آثارها عرضًا حسنًا على هذا الشباب المدني، فقد أصاب لغتنا فيه من الجمود ما جعلها غير صالحة لتتحمل أعباء هذه الثقافة الأوربية من ترجمة وتأليف.          
فأنشأ علي مبارك مدرسة دار العلوم؛ لتنهض في تعليم لغتنا بما لم يستطع الأزهر النهوض به.
فإنشاءُ دار العلوم إنما هو رمز إلى ما كانت تبتغيه مصر حينئذ من المزاوجة بين الآداب الأوربية والآداب العربية، فإنها حين رأت قصور آدابنا عن تأدية آثار الفكر والشعور الغربيين أداء واضحًا صريحًا بسبب ما علق بها من أعشاب السجع والبديع انبرت تُغيِّر الوسائل التعليمية لتلك الآداب، وأنشأت هذه المدرسة التي نهضت بتعليم لغتنا وتبسيطها حتى تستطيع أن تحمل آثار الغرب الرائعة في العلم والأدب.
وكان ما قدمنا سببًا في أن نتهيأ حقًّا للتأثر بالآداب الغربية، فمن جهة أخذنا نمرن لغتنا على أن تفي بما نريد التعبير عنه من ألوان الفكر وصور الشعور، ومن جهة ثانية أخذنا في التحضر، وأخذ ذوقنا يقترب من ذوق الغربيين.
وفي هذه الأثناء -أو في هذا الثلث الأخير من القرن التاسع عشر- كانت تهاجر إلى مصر صفوة من اللبنانيين والسوريين الذين تخرجوا في مدارس اليسوعيين والبعوث الدينية الأوربية والأمريكية المختلفة، وكانوا قد ضاقوا باضطهاد العثمانيين لهم، وكان منهم من ابتغى رزقًا في بلاد أخرى.          على كل حال، كانوا يريدون أن يعيشوا معيشة كريمة، فيها اعتراف بحريتهم وبحقوقهم الفردية، فهاجروا إلينا، ووجدوا منا ما ابتغوه من حرية وإخاء ومساواة وعيش كريم.
ولم يلبثوا أن عملوا معنا في نهضتنا الأدبية، وكانوا قد سبقونا إلى العناية بالآداب الغربية في عقر ديارهم، ومرجع ذلك إلى البعثات الدينية التي علمتهم؛ فإنها لم تكن تعنَى مثل محمد علي بنقل العلم إلى سوريا ولبنان؛ بل كادت تقصر عنايتها على الحياة الأدبية الغربية، ومن ثَم كان اتصال هؤلاء المهاجرين بتلك الآداب أقوى من اتصال المصريين في هذه الحقب من الزمن، فهم سبقونا إلى الاتصال المنظم بالأدب الغربي، ولم يهتموا مثلنا أولًا بالعلم؛ إنما اهتموا به في زمن متأخر وبعد تأسيس الجامعة الأمريكية عندهم.          
وقد نهضوا بصحافتنا خير نهوض، وحمل إلينا سليم النقاش وغيره ما عرفوه من فن التمثيل الأوربي، فدعموا بذلك اتجاهنا نحو الآداب الأوربية.
وأخذ هؤلاء المهاجرون والمصريون جميعًا يعملون في حقل غربي جديد، وأقصد حقل الترجمة، ولا أريد ترجمة العلم الغربي، فمصر قد سبقت إليه منذ أوائل القرن؛ وإنما أريد ترجمة الآداب الأوربية بمعناها الواسع، فكان محمد عثمان جلال وغيره من المصريين يترجمون لموليير وغير موليير، وكان نجيب حداد وغيره من هؤلاء المهاجرين يترجمون لكورني وشكسبير وغيرهما من الغربيين، وترجم سليمان البستاني الإلياذة لهوميروس مزاوجًا فيها بين البحور العربية ومبقيًا على كل سماتها وخصائصها الملحمية.
وكثُرت حينئذ الترجمة للمسرحيات والقصص الغربية، حتى بلغت مئات، وفي فهارس دار الكتب المصرية ما يصور هذا النشاط.          
ومن غير شك، كانت هذه الروايات المترجمة والمعربة تغير في ذوق الجمهور، وتصله بالآداب الأوربية، وتعده لكي يقتحم ميادينها مؤلِّفًا كما اقتحمها مترجمًا ومعربًا.
ونمضي في القرن العشرين، فإذا الاحتلال الإنجليزي جاثم على صدر مصر، ومع ذلك تزداد موجة هذه الترجمة حِدَّة وشِدَّة، كما تزداد قابلية اللغة العربية لإساغة الآداب الغربية وهضمها وتمثُّلها تمثلًا دقيقًا.
وكل ذلك بفضل هؤلاء الأعلام الذين بدءوا الترجمة في القرن الماضي ومرَّنوا لغتنا تمرينًا هائلًا على نقل الأفكار والمشاعر الأوربية.
ولا نكاد نتقدم في هذا القرن حتى تُجْمَع تبرعات ضخمة لتأسيس الجامعة المصرية، وتفتح هذه الجامعة أبوابها في عام 1908، وتُلْقَى بها محاضرات في الأدب والتاريخ والفلسفة، يلقيها أساتذة مصريون وأوربيون من المستشرقين أمثال جويدي ونالينو.
وفي هذا ما يدل على أن مصر انتقلت في حياتها العقلية نقلة كبيرة، فهي لا تدرس العلم والأدب الغربي لإنشاء جيش أو طبقة من موظفي الدواوين أو معلمي اللغات في المدارس؛ وإنما تدرسهما من أجل أنفسهما، فلا غاية وراءهما سوى البحث الحر والمتعة بهذا البحث متعة خالصة، متعة تعلو على الغايات الحكومية واليومية التافهة.
واستجابت مصر -أو استجاب شباب مصر- لهذا الطموح الكبير الذي راود جلة المصريين ممن فكروا في تأسيس هذه الجامعة؛ أمثال: مصطفى كامل، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ولطفي السيد.          
ولم تلبث الجامعة أن أرسلت بطلابها إلى أوربا لاستكمال البحث والدرس، فدخلوا ميادين العلوم والآداب هناك بقوة ورُوح عظيمة.
ونشطت حركة البعوث لا في الجامعة وحدها؛ بل أيضًا في وزارة المعارف حينئذ، وكان جيل من مدرسة المعلمين العليا أخذ ينبعث عن نفس الطموح ونفس الآمال في تثقيف نفسه ثقافة واسعة بالآداب الغربية.
واتجه بعض المصريين المثرين ولا نصل إلى الحرب الكبرى في أوائل هذا القرن حتى تظهر ظهورًا بينًا تباشير هذا كله، فقد اقتحم هذا الشباب الجامعي وغير الجامعي أسوار الحضارة والثقافة الأوربية، وحصل منها لنفسه ووطنه على كل ما كان يريد من كنوز عقلية وأدبية.
وكان إخوانهم المصريون الذين لم تُتَحْ لهم فرصة السفر يدأبون على الترجمة والنهل من معين هذه الآداب الغربية.          
وسُرعان ما ظهرت نتائج هذا كله بعد الحرب الأولى، فإذا جيل كبير قد تم لمصر تثقفُه بالآداب الغربية ثقافة منظمة، ولم يكتفِ بذلك؛ بل أخذ يثبت شخصيته.
وانتقل هذا الجيل بالترجمة نقلة دنت من حد الكمال بما أُوتي من قدرة لغوية وأدبية، وكان للتجارب الطويلة التي قام بها المترجمون طوال القرن الماضي أثر لا يُنكر في إحسان هذا الجيل لوسائله اللغوية، ومن المحقق أن المترجمين القدماء عانوا طويلًا في الحصول على الألفاظ العربية المقابلة للألفاظ الأجنبية سواء في الآداب والعلوم؛ ولكن من المحقق أيضًا أن هؤلاء المترجمين المعاصرين أوفوا من دقة الترجمة وجمال أسلوبها على الغاية التي كانت تطمح إليها مصر وتنتظرها.
وحصولنا على هذه الغاية عند لطفي السيد وطه حسين وإبراهيم المازني وأضرابهم يحمل في أطوائه تزاوجًا رائعًا بين الآداب الغربية والعربية، فلم تعد لغتنا تنفر من هذه الآداب، ولم تعد تستعصي عليها؛ بل لقد استقرت في ذهنية أبنائها، وأصبحت كأنها من تراثها وتراثهم.
ولم نلبث أن تطورنا بجامعتنا المصرية بعد ثورتنا الوطنية الأولى، وما حصلنا عليه من استقلال مقيد ببعض الشروط، فإذا نحن نضعها تحت إشراف الحكومة سنة 1925، وتتسع فتشمل بجانب الآداب: الطب والعلوم والحقوق، ثم تضم بعد ذلك: الهندسة والزراعة والتجارة والطب البيطرى.
وبذلك تبلغ الجامعة المصرية كل ما كان يقدره لها المصريون في أوائل القرن من نجاح، وتستقدم العلماء والأدباء الأوربيين، وما هي إلا دورات قليلة من الزمن حتى يصبح لمصر علماؤها المتخصصون في جميع فروع العلم، وأدباؤها الذين يلمون بجميع ضروب الآداب الغربية القديمة والحديثة.
وتُحقِّق الجامعة كل ما كان يُطْلَب منها من بحوث علمية وأدبية ممتازة، ويخرج منها جيل يُتم مع الأساتذة الرائدين هذه الدورة الرائعة في تاريخ علمنا وأدبنا، فيترجم الغربيون ما نحدثه كما ترجمنا، ونترجم ما يحدثونه.
فالأربعون سنة الأخيرة من تاريخنا الحديث تسجل نصرًا مؤزرًا لنهضتنا الأدبية الطويلة منذ منتصف القرن الماضي إلى هذا اليوم الذي نعيش فيه، لا لسبب إلا لأن هذين التيارين: العربي والغربي، اللذين كانا يبدوان منفصلين طوال الحقب السالفة اتَّحَدَا اتحادًا متينًا.
ولهذا مظهر واضح لا في حياة من برعوا في فَهْم الآداب الأجنبية؛ وإنما فيمن نزعوا إلى قديمنا الخالص من مثل: المنفلوطي والرافعي، فإنهم أقبلوا على التزود من الآداب الغربية المترجمة، حتى يحدثوا لأنفسهم صورًا أدبية جديرة بالتقدير من مواطنيهم، وكأنهم عرفوا أنه تولَّد عندنا رأي أدبي عام ينكر التمسك بالنموذج القديم الذي لا يلائم عصره وحياته، ويطلب النموذج الجديد الذي يطابق هذه الحياة وذلك العصر، حتى يستطيع أن يسيغه، وحتى يستطيع أن يتذوق ما فيه من جمال.          
ومن أجل ذلك استعان المنفلوطي ببعض القصص المترجمة أو بقصص ترجمت له؛ ليكتب ماجدولين وغيرها من أقاصيصه.
بل أكثر من ذلك رأينا بعض الأزهريين الذين أَلِفُوا التيار العربي الخالص ونماذجه يطلبون اللغات الأجنبية ويتعلمونها؛ حتى يقفوا على صور آدابها، وحتى يدخلوا في هذا النطاق الحيوي الجديد.
وكل ذلك معناه التحام التيار الغربي بالتيار العربي داخل بلدنا في حدة وقوة لم يسبق لهما مثيل ولا نظير في تاريخنا الحديث.          
وأخذنا ندعم ذلك من وجوه كثيرة؛ فمن جهة أنشأنا معهدًا للموسيقى وآخر للتمثيل، كما خطونا بالفنون الجميلة خُطُوات واسعة.
والحق أننا استطعنا أن نقيم لأنفسنا نهضة حقيقية، وكان عمادنا في ذلك اتساع بالتعليم، حتى نادى بعض مفكرينا بأنه ضرورة، وأن من الواجب أن يتمتع به كل مصري يتمتع بالهواء والماء.
وأصبح هذا التعليم يغزو القرى المصرية لا بسعيها إليه في المدن المجاورة؛ بل بنزوله في شوارعها وبين جدرانها، وهو تعليم يسري فيه هذا التيار الغربي؛ بل إننا نغلو حين نسميه بهذا الاسم، فلم يعد هناك تيار غربي بمعنى انفصالي، فقد اتحد هذا التيار مع التيار العربي الموروث، وأنتجا حياة عقلية جديدة كما أنتجا أدبًا جديدًا.
وفي أعلى هذا التعليم تتألق أشعة العلم والأدب وأضواؤهما في جامعاتنا المصرية المختلفة ممثِّلة هذا الرقي العلمي والأدبي الذي أصبناه، أو قل: الذي أحرزناه، فقد كنا قبل الأربعين سنة الأخيرة نشعر بأننا في حياتنا العقلية والأدبية نتقدم ونتأخر شأننا في حياتنا السياسية.
أما في هذه الأربعين سنة الأخيرة، فقد مضينا قُدمًا في مختلَف مناحي حياتنا السياسية والعقلية، وكان من مظاهر ذلك تنظيم حياتنا العلمية والأدبية عن طريق الجامعات التي أخذ علماؤنا وأدباؤنا فيها يسيغون كل ما هو عربي وكل ما هو غربي في نهم شديد للمتاع الفكري.          
وحتى الترجمة نُظِّمت فقامت عليها جمعيات مختلفة كلجنة التأليف والترجمة والنشر، وقامت عليها الحكومة ورعتها خير رعاية.
ولم نترجم فقط من الفرنسية أو الإنجليزية؛ بل ترجمنا بعض عيون الأدب من الألمانية والإيطالية والروسية.          
وطبيعي أن يتوج هذا المجهود بالثمرة المنتظرة؛ وهي إقامة أدب مصري إنساني، أقامته سواعد شوقي وشكري والعقاد والمازني ولطفي السيد وطه حسين وهيكل وتوفيق الحكيم وغيرهم ممن أحدثوا لنا هذا الأدب، فإذا هو لا يقف عند حدود بيئتنا المصرية وتراثنا القديم، ولا عند البيئة الغربية وتراثها القديم والحديث؛ بل تتسع هذه البيئة، فتصبح بيئة إنسانية كبرى، تشيع فيها الغايات السامية للأدب الحقيقي، وهي غايات الحق والخير والجمال.



الفصل الأول: مؤثرات عامة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الفصل الأول: مؤثرات عامة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول: مؤثرات عامة   الفصل الأول: مؤثرات عامة Emptyالإثنين 29 أبريل 2024, 1:26 am

3- المطبعة والصحف:
عُرفت المطبعة في أوربا منذ القرن الخامس عشر، وطبع الأوربيون بها الكتب العربية -أو أخذوا يطبعونها بها- منذ القرن السادس عشر، وعنهم نقلتها تركيا في القرن السابع عشر، كما نقلتها سوريا في القرن الثامن عشر.          
أما مصر فظلت لا تعرفها، حتى كانت حملة نابليون، فنقلتها إليها واستخدمتها في منشوراتها.
ولم تلبث هذه المطبعة العربية أن غادرت مصر مع الحملة، حتى إذا كان عهد محمد علي أنشئت مطبعة بولاق المشهورة، ولما أخذ الرأي العام المصري يتكون، وأنشت صحف مختلفة تعبر عنه؛ عظمت الحاجة إلى هذا الفن الأوربي الجديد؛ فكثرت المطابع، وانتشرت في مصر والإسكندرية، ثم في عواصم القطر المصري المختلفة، وهي تعد اليوم بالمئات.
وعمد المشرفون على مطبعة بولاق منذ تأسيسها إلى طبع الكتب العربية والتركية، كما كانوا يطبعون بها صحيفة الوقائع المصرية، ولا نتقدم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى تكثر المطابع، ويكثر طبع الكتب العربية القديمة ودواوين الشعر العباسية وغير العباسية.
وكان لذلك تأثير واسع في حياتنا الأدبية؛ فإن أدباءنا اطلعوا من هذه الكتب والآثار القديمة على مُثل ونماذج في الأدب العربي لم يكونوا يعرفونها؛ إذ كان كل ما يعرفونه من ذلك الآثار القريبة منهم المملوءة بالسجع وألوان البديع، فلما طبعت لهم كليلة ودمنة لابن المقفع وكتابات الجاحظ وابن خلدون وغيرهم كما طبعت لهم دواوين أبي تمام وأبي نواس والمتنبي وأضرابهم رأوا أساليب جديدة، أما في النثر فرأوا أساليب مرسلة خالية من التكلف والصناعة، وأما في الشعر فرأوا نماذج بسيطة ليس فيها عقد البديع وكُلَفُه.
وأيدت أوربا بطباعتها العربية وجهود المستشرقين فيها هذه الحركة، فقد طُبعت هناك كتب عربية قديمة كثيرة، ووفدتْ على مصر، فرأى المصريون فيها -كما رأوا فيما طبع بين ظهرانيهم وتحت عيونهم- لغة عربية أخرى غير التي كانوا يعرفونها، ليس فيها سجع ولا إسراف في التكلف ولا إلغاز وتعمية؛ بل وجدوا فيها لغة بسيطة تحمل أفكارًا علمية وأدبية طريفة.
ولم تقف مطبعتنا العربية عند نشر الكتب القديمة والدواوين العباسية وإحيائها؛ بل أخذت تنشر في الناس الكتب الغربية التي يترجمها أعلام المصريين ممن حذقوا اللغات الأجنبية، وكانت كثرتها في النصف الأول من القرن الماضي كتبًا علمية، ولم تلبث أن زاحمتها في النصف الثاني الروايات والكتب الأدبية.
وهذان الطرفان من الكتب القديمة والكتب الأوربية هما اللذان تعاونا في إحياء العقل المصري، وبعثه في أثناء القرن السابق، وفي هذا القرن.          
ومما لا ريب فيه أن أصحاب الثقافة القديمة من المتون وشروحها والشعر الركيك المعقَّد قاوموا هذين الطرفين أو هذين العنصرين الجديدين؛ لأنهما يخالفان ما ألفوا من فكر وعلم ومن أسلوب مسجع معقد.
ويمكن أن نركز أصحاب هذه الثقافة القديمة أو المأثورة في رجال الأزهر حينئذ؛ فإنهم عدوا الجديد الأوربي من بعض الوجوه مروقًا من الدين، كما عدوا الأساليب الأدبية المرسلة ضعفًا في اللغة وإسفافًا.
وبذلك وُجد عندنا في القرن التاسع عشر هذا الصراع الأدبي الطريف بين من يمكن أن نسميهم محافظين، ومن كانوا مجددين يطلبون ما عند الغرب وما عند العرب القدماء، ويسعون لمزواجة، من شأنها أن تغني الفكر المصري، وأن تطوِّع اللسان المعبر عنه لأدائه أداء سليمًا.
على كل حال، كانت المطبعة عاملًا خطيرًا في إيقاظ العقل المصري في أثناء القرن الماضي وتوجيهه إلى مُثل جديدة في اللغة والفكر.          
ونحن لا نستطيع أن نقف وقوفًا بينًا على خطر هذا العامل إلا إذا رجعنا النظر إلى الطريقة التي كان يُنْشَرُ بها الأدب قبل ظهور المطبعة؛ فقد كان الأدباء يعتمدون في ذلك على النَّسْخ باليد، وكان هذا النسخ يكلف أثمانًا باهظة، ولم يكن كل الناس يستطيعون أن يتكلفوا هذه الأثمان.
ونتج عن ذلك أن الأدب والعلم في الأمم القديمة -ومنها الأمة العربية- كان محدودًا بطائفة خاصة؛ بل كان محتكرًا لها محصورًا فيها.          
ومن ثَم كانت الحياة العقلية والأدبية ضيقة الحدود، فهي موقوفة على فئات قليلة، وقلما تجاوزتها إلى الشعب، فكثرة الشعب كانت جاهلة لا تدري من أمور الثقافة شيئًا.
فلما ظهرت المطبعة عملت على نشر الكتب، وأصبح الكتاب الواحد يطبع منه مئات النسخ بل آلافها، فأتيح لجمهور كبير من الشعب أن يطلع عليه ويفيد منه، أولًا لأنه يجده، وثانيًا لأنه يكلفه ثمنًا بخسًا؛ وبذلك اتسع تبادل الأفكار في العلوم والفنون والآداب؛ بل لقد أصبحت حقًّا مشاعًا للجميع، ولم تعد حبيسة على طائفة بعينها.          
وعلى هذا النحو ألغت المطبعة في أوربا احتكار الأفكار، وجعلتها من منافع الشعوب العامة، وبعبارة أخرى: ألغت أرستقراطية الأدب والعلم، وجعلتهما ديمقراطيَيْنِ، فهما من حقوق جميع الأفراد.
وفُتحت في كل مكان المكاتب لبيع الكتب ونشرها، كما فتحت دور الكتب العامة أمام المتعلمين ليقرءوا فيها ما لا يقدرون على شرائه.          
وكل هذا حدث في مصر مع ظهور المطبعة في القرن الماضي؛ فقد أنشأ علي مبارك سنة 1870 دار الكتب المصرية، وزودها بالكتب في مختلف الآداب والعلوم والفنون، ولم يكتفِ بالكتب العربية؛ بل ضم إليها طائفة كبيرة من كتب اللغات الغربية، وحدَّد للدار أوقاتًا في الصباح والمساء يغدو ويروح إليها الشعب للقراءة والاطلاع، ووضع نظامًا لاستعارة الكتب خارجها؛ وبذلك كانت -ولا تزال- جامعة شعبية كبرى للثقافة والاطلاع العقلي الخصب.
ومما زاد في أهمية الدور الذي لعبته المطبعة عندنا في تثقيف الشعب اتساع دائرة التعليم منذ عصر إسماعيل، فكثُر الجمهور القارئ الذي تخاطبه، والذي يمكن أن يفيد منها ومن آثارها في صَقْل ذهنه وعقله.
وكان مما مكَّن للمطبعة من ذلك عندنا وفي الخارج سهولة المواصلات في العصر الحديث؛ فإنها قربت المسافات بين الأدباء وقرائهم؛ بل بين الشعوب بعضها وبعض.        
وقديمًا كانت طرق المواصلات صعبة، وكانت بطيئة بطئًا شديدًا؛ إذ لم تكن هناك وسيلة سوى ظهور الإبل والخيل، وكان الكاتب في القاهرة إذا ألف كتابًا قلما عرفه المقيم في الإسكندرية إلا بعد مضي شهور أو سنين، فما بالك بمن يؤلف كتابًا في بغداد بعيدًا عن مصر والمصريين؛ بل ما بالك بمن ينشر من المستشرقين كتابًا عربيًّا في أوربا، إننا قلما نسمع به أو نعرف عنه شيئًا إلا بعد أزمان متطاولة.          
أما في هذا العصر فقد سَهُلت المواصلات في الأرض وعن طريق البحر والجو، وإذا أُلِّف كتاب في أوربا أو في العراق أمكن أن يصل بعد أيام أو ساعات معدودة إلى القاهرة.
وكل ذلك عمل على إشاعة الآثار المطبوعة في مصر، لا ما طُبع فيها وحدها؛ بل ما طبع أيضًا في الشام والعراق وغيرهما من البلدان العربية؛ بل إن ما يطبع في أوربا يصلنا في سرعة خاطفة، فقد ألغيت المسافات وخاصة في هذا القرن الذي نعيش فيه، قرن التبادل الثقافي بأوسع ما تدل عليه هذه الكلمة.
فالمطبعة بالوسائل الحديثة في النشر، وبما أذاعت من أدبنا القديم، وما تذيع من الأدب الغربي بيننا مترجمًا وفي لغاته -أحدثت آثارًا كبيرة في حياتنا الأدبية، أقل ما يقال فيها: إنها وسعت دوائر الثقافة عندنا إلى أبعد الحدود.
ومن أهم آثارها بجانب إذاعة الكتب ونشرها بطريقة سهلة إصدارُ الصحف وإذاعتها في طبقات الشعب المختلفة، وكانت أوربا قد عرفت الصحف واتسعت فيها منذ القرن السابع عشر، وهيأت الناس هناك لرأي عام يعلن عن نفسه بما يظهر من رضا وسخط على الحكومات.          
وما لبث هذا الرأي أن ثار في فرنسا على الأرستقراطية الملكية وما يتصل بها، فكانت الثورة الفرنسية المعروفة.
ولما نزلت الحملة الفرنسية في مصر كانت تصدر صحيفتين هما العشار المصري La decade Egyptienne وبريد مصر Le courrier de l'Egypte ولكنهما استخدمتا اللسان الفرنسي، فلم يكن لهما أثر في الشعب المصري.          
ولما ولي محمد علي صدر "جرنال الخديوي" وتحول هذا "الجرنال" في سنة 1828 إلى جريدة الوقائع المصرية، وكانت تصدر في أول أمرها باللسانين العربي والتركي، وقصرها رفاعة الطهطاوي -حين أسندت إليه فيما بعد- على اللسان العربي.          
وكانت تشتمل بجانب الأخبار الحكومية على بعض الطرائف الأدبية، وكانت صحيفة رسمية لا تصور رأيًا عامًّا؛ بل إن الرأي العام المصري لم يكن قد تكوَّن بعد، ومن هنا كان نشاطنا الصحفي إلى أواسط القرن الماضي خامدًا.
حتى إذا كان عصر إسماعيل، واستأنفت مصر حياة عقلية نشيطة، أخذ الرأي العام يتكون بسراعة، وأخذت تتضافر عوامل مختلفة على النهوض بالصحافة؛ إذ عُنيت نظارة المعارف في عهد علي مبارك بإخراج مجلة روضة المدارس، وأشرف عليها رفاعة الطهطاوي، فوجهها نحو غايتين؛ هما: إحياء الآداب العربية، ونشر المعارف والأفكار الغربية الحديثة، وعاونه في ذلك جلة الأدباء والعلماء في عصره، فكانت المجلة تنشر مباحث طريفة في الأدب والعلم بفروعه المختلفة.          
وكانت تصدر بجانب هذه المجلة مجلة اليَعْسوب، وهي مجلة طبية أصدرها محمد البقلي وإبراهيم الدسوقي، وقد عملت على وضع المصطلحات الطبية والعلمية في العربية.
وفي أثناء ذلك نمت الحركة القومية في مصر، وأخذت سياسة إسماعيل السيئة تتضح للشعب، وخاصة حين رضي بتأسيس صندوق الدين وبالمراقبة الثنائية، وغضب الرأي العام على هذه السياسة التي توشك أن تحطم مصر تحطيمًا.          
وسُرعان ما أخذت الصحف السياسية طريقها إلى الظهور منذ هذا التاريخ من مثل وادي النيل لعبد الله أبي السعود، ونزهة الأفكار لمحمد عثمان جلال وإبراهيم المويلحي، والتنكيت والتبكيت وأختها الطائف لعبد الله نديم.          
ومن قبله أخرج يعقوب صنوع صحيفة "أبو نظارة" وهي أول جريدة سياسية هزلية ظهرت بمصر، وكان ينقد فيها سياسة إسماعيل نقدًا مُرًّا.
وتصادف أن نزحت إلى مصر طوائف السوريين واللبنانيين الذين سبق أن تحدثنا عنهم، فأسهموا مساهمة قوية في هذه النهضة الصحفية الشعبية، وصدر كثير منهم عن نفس المشاعر الوطنية التي صدر عنها المصريون في صحافتهم، على نحو ما صنع أديب إسحاق في جريدته "مصر" التي كانت تنطق عن رغبات المصريين في الإصلاح، حتى في المجال الديني الإسلامي الذي كان يعمل فيه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.          
ومن الصحف التي أسستها هذه الجماعة صحيفة الأهرام وصحيفة المقطم.
ولما جثم الاحتلال الإنجليزي على صدر مصر خمد صوت المصريين الوطني، وأغلقت أكثر الصحف أبوابها، حتى إذا نشط الرأي العام من جديد، ونشطت معه الحركة الوطنية؛ عادت الصحافة إلى النشاط، فأنشأ الشيخ علي يوسف صحيفة المؤيد، وأنشأ عبد الله نديم صحيفة الأستاذ، ثم أنشأ مصطفى كامل صحيفة اللواء، واتخذت جماعة من المصريين صحيفة "الجريدة" لسانًا لها، وهي الجماعة التي تسمت باسم حزب الأمة.          
ويحاول الإنجليز مرارًا أن ينكلوا بصحافتنا؛ ولكنها تستمر رغم إنذاراتهم وقوانين مطبوعاتهم، ويستمر ظهور الصحف من مثل مصباح الشرق، غير الصحف الهزلية.
وتنكشف غمة هذا الاحتلال عن صدر مصر، ويوضع الدستور ويقام البرلمان وتنشأ الأحزاب المصرية، وتتعدد صحف كل حزب، ويتسع النشاط الصحافي إلى أقصى حد مما لا نزال نرى آثاره إلى اليوم.
ومع هذه الصحف صدرت مجلات متنوعة منها الأسبوعي والشهري، ومن أهمها: المقتطف التي أسسها أصحاب جريدة المقطم في القرن الماضي، والهلال، والسياسة الأسبوعية، والبلاغ الأسبوعي، والكاتب المصري، والكتاب، والرسالة، والثقافة.
وهذه المجلات المختلفة تنشر فصولًا طويلة في العلم -وخاصة مجلة المقتطف- وفي الأدب الغربي والعربي، وكان هذا هو الغالب على المجلات التي سميناها، وأخذت الجامعات المصرية منذ نشأتها تصدر مجلات دورية كل عام، تعالج فيها كل كلية أبحاثها الخاصة.
وإنما أطلنا في وصف هذا النشاط الصحفي لندل على أن تحولًا واسعًا أصاب أدبنا عن طريق هذه الصحافة؛ فإنها أخذت تعالج موضوعات سياسية واجتماعية واقتصادية لا عهد لأدبنا القديم المسجوع بها، فقد كان أدبًا لفظيًّا، ولم يكن محشوًّا بمعانٍ لا قومية ولا إنسانية؛ بل كان فارغًا، فملأت الصحافة فيه هذا الفراغ، ووصلته بالآداب الغربية وما فيها من دراسات في شئون الحياة وحقائق العلوم والمذاهب الفلسفية.
وأخذ يعبر هذا الأدب عن حاجاتنا في وضوح: الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل ما أردناه من إصلاح في الدين وغير الدين؛ بل لقد أوجد لنا صورًا أدبية جديدة لم يكن لنا بها عهد، من مثل المقالة والقصة، وسنعرض لهما في غير هذا الموضع.
وأثرت الصحافة في أدبنا أثرًا آخر لا يقل عن هذا الأثر أهمية، إلا أنه يتناول في هذه المرة الظاهر والثياب الخارجية؛ فقد كنا نستخدم أسلوبًا مسجعًا معقدًا بعقد البديع، وهو أسلوب كان يمكن أن يقبل في العصور السابقة حين كان الأدب يخاطب بيئة خاصة هي البيئة الأرستقراطية، أما اليوم فإن الصحف لا تخاطب بيئة بعينها ولا طبقات بعينها؛ وإنما تخاطب جماهير الشعب التي لا تعرف التعقيد؛ بل التي تَكْلَفُ بالبساطة والسهولة.
واضطر ذلك الكُتَّاب إلى أن يخلعوا عن أدبهم الثياب القديمة البراقة، ويعمدوا إلى ثياب أخرى طبيعية هي ثياب الأسلوب المرسل؛ حتى يفهم عنهم الجمهور ما يكتبون دون عناء أو مشقة.          
ومن الحق أن هذا الاتجاه أتاح لأدبنا مرونة واسعة؛ فقد أخذ الكُتاب يعبرون أحرارًا عما في أنفسهم غير متقيدين بسجع ولا بلون من ألوان البديع ولا بأي صورة من صور التكلف.
وليس هذا كل ما أحدثه اتجاه أدبنا إلى الجماهير عن طريق الصحف من آثار، أو بعبارة أدق: ليس هذا كل ما أحدثته مخاطبة الجماهير في أدبائنا من نتائج؛ فقد أصبح هذاالأدب في جملته اجتماعيًّا، لا يخاطب الأفراد ولا يعنَى بهم كما كان الشأن في القديم؛ وإنما يخاطب الجماهير ويعنَى بها وبمشاعرها وأحاسيسها.
لم يعد الأدباء يخاطبون بأدبهم ملوكًا وأمراء يتملقونهم ويرضونهم بما يكتبون وينظمون؛ بل أصبحوا يخاطبون الجماهير ويحاولون أن يرضوها وأن ينالوا عطفها، فهي التي تمنحهم أرزاقهم عن طريق ما تشتري من صحفهم أو كتبهم.          
ورد ذلك إلى أدبنائنا حرياتهم، وإن كانت قد بقيت حينئذ قلة وخاصة من الشعراء تحاول استرضاء أمراء البيت العلوي؛ ولكن حتى هؤلاء الشعراء كانوا استرضاء الشعب المصري فيما يقدمونه إلى هؤلاء الأمراء من شعر، فيذكرون بعض الإصلاحات التي تمت في أيامهم، أو يثيرون عواطف دينية ووطنية في أشعارهم.
فحتى قصائد المديح التي كانت تُنظم في توفيق وعباس وغيرهما، كان أصحابها يفكرون في الشعب بجانب تفكيرهم فيمن يمدحونه، ويحتالون لذلك حيلًا كثيرة؛ حتى يقعوا من نفس الشعب موقعًا حسنًا، وحتى يظفروا برضاه وإعجابه.          
وعلى هذا النحو أصبح الشعب -الذي لم يكن يحفل به أدباؤنا من قبل ولم يكونوا يعنون به- موضعَ احتفالهم وعنايتهم، واتسع هذا الاحتفال، واتسعت تلك العناية في النثر، فأصبح شعبيًّا خالصًا أو كاد.
وجارت عليه هذه الشعبية بعض الجور، أو على الأقل: جارت على بعض جوانبه؛ فإن طائفة من الأدباء أسرفوا في تبسيط أساليبهم إلى درجة الابتذال؛ حتى يعجبوا الذوق المتواضع في الشعب وينالوا استحسانه.          
وقد يكون من أسباب ذلك السرعة في إنتاجهم، وهي سرعة يقتضيها عملهم؛ إذ يُلْزَمون بكتابة مقال أحيانًا بعد ساعات أو بعد لحظات، فلا يجوِّدون معانيهم ولا أساليبهم، ولا يحققون لمقالهم ما ينبغي من جمال وروعة فنية.
ومع ذلك لا تزال عندنا طبقة من أدبائنا الصحفيين تعنَى بأساليبها، وتحاول جاهدة أن تلائم بين ضرورات الصحافة وما يتطلبه الإنتاج الأدبي فيها من سرعة وبين الذوق الأدبي الرفيع، فهي لا تدنو إلى الطبقة الدنيا في الجمهور؛ بل تحاول أن ترتفع بها عن طريق معانيها الغزيرة، وأساليبها الرصينة.



الفصل الأول: مؤثرات عامة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الأول: مؤثرات عامة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الثالث: السلطة القضائية.. الفرع الأول: أحكام عامة
» الباب الأول: العصر الجاهلي.. الفصل الأول: الإنسانية في الاحتضار
» الباب الأول: الفصل الأول: مسوغات الخروج على عثمان
» الباب الثالث: السلطات العامة - الفصل الأول: السلطة التشريعية - الفرع الأول: أحكام مشتركة
» الباب الأول: الفصل الأول تعريف الإرهاب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأدب العــــربي المعـــاصر في مصر-
انتقل الى: