أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52580 العمر : 72
| موضوع: توهُّم عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر الخميس 11 أبريل 2024, 10:32 pm | |
| توهُّم عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر
زعموا أن هناك مخالفة لقاعدة المطابقة -في النوع- بين المبتدأ والخبر في قول الله عز وجل: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} المزمل: 18؛ حيث جاء المبتدأ مؤنثًا "السماء"، والخبر مذكرًا "منفطر"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: السماء منفطرة به.
لتذكير الخبر هنا عدة أوجه، نذكر منها:• أنه على تأويل السماء بالسقف.
• أنه على الحذف، والتقدير: السماءُ شيءٌ منفطر به، فكلمة "منفطر" صفة للخبر المحذوف.
• أنَّ السَّماء اسم جنس، مثل الشجر والجراد، ومثل هذه الأسماء يجوز فيها التذكير والتأنيث.
• أن لفظ السماء ممَّا يُذَكر ويؤنث.
ومن تذكيره قول الشاعر:فلو رَفَعَ السَّماءُ إليه قومًا *** لَحِقْنَا بالنجوم مع السحاب[1]
وعلى أيٍّ من هذه الأوجه فلا مخالفة في الآية.
ويلحق بما سبق تذكير خبر كان مع اسمها المؤنث في قوله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} مريم: 28؛ حيث جاء اسم كان مؤنثًا "أمُّك"، وخبرها مذكرًا -في زعمهم- "بغيًّا".
وظنوا الصواب أن يُقال: بغيَّة.
وهذا جهل فاحش من قائله؛ لأن كلمة "بَغِيّ" صيغة مبالغة من البغَاء -أي الفاحشة- على وزن "فعول"، والقاعدة اللغوية المعروفة تقول: إن صيغة "فعول" إذا كانت بمعنى "فاعل" يستوي فيها المذكر والمؤنث، فنقول: رجل صبور، وامرأة صبور، ورجل رءوف، وامرأة رءوف.
كما أن كلمة "بَغِيّ" من الألفاظ الخاصة بالمؤنث، ولذلك لا تلحقها التاء، مثل: حائض، ومرضع وحَصَان.
وعلى ذلك فلا مخالفة في الآية الكريمة.
ويلحق بما سبق أيضًا تذكير خبر الحرف الناسخ مع اسمه المؤنث، كما فى قول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف: 56، وقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} الشورى: 17.
في تذكير الخبر "قريب".
هنا عدة وجوه، نذكر منها: 1) أن كلمة "قريب" لا تؤنث إلا إذا كانت بمعنى قرابة النَّسَب، فيُقال: هذه المرأة قريبة فلانٍ، لا يختلف العرب في هذا.
أمَّا إذا كانت بمعنى قرب الزمان، أو المكان؛ فيجوز فيها التذكير والتأنيث، فيُقال: دارُك منَّا قريبٌ، والدار مؤنثة، وتذكير قريب على تأويل: هي من مكان قريب.
وقد جَمَع الشاعر بين الوجهين في قوله: عَشِيَّةَ لا عفراءُ منكَ قريبةٌ *** فتدنو ولا عَفْراءُ مِنْكَ بَعيدُ [2]
2) أنها ذكرت مع الرحمة في آية الأعراف؛ لأن الرحمة بدل عن مذكر تأويله: العفو والغفران، أو المطر، أو الثواب[3]، وذكرت مع الساعة على معنى البعث، أو على حذف مضاف والتقدير: لعلَّ مجيءَ الساعة قريب[4].
3) أن كلمة "قريب" جاءت مذكرة على طريق النسب، والمعنى: ذات قرب.
4) أن كلمة "قريب" نعت لمذكر محذوف، والتقدير: شيءٌ قريب.
5) أو ذُكرت على تشبيه "قريب" ـ وهو فعيل بمعنى فاعل ـ بفعيل الذي بمعنى مفعول، وهذا الأخير يستوي فيه المذكر والمؤنث فيُقال: رجل جريح، وامرأة جريح.
6) أن كلمة "قريب" مصدر على وزن فعيل، مثل الضغيب "صوت الأرنب"، والنقيق "صوت الضفدع"، والمصدر يستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث، فيُقال: رجلٌ عدل وامرأة عدل، وكذا يُقال: رجل قريب وامرأة قريب[5].
وغير ذلك من الوجوه التي تُجيز تذكير كلمة "قريب"، ولعلَّ أرجح هذه الأوجه ما قدَّمنا في أوَّلها، وكلها تصلح جوابًا عن شبهة هذا الواهم. ********************** [1] انظر: معاني القرآن للفراء 1: 380، القرطبي 19 : 51، الكشاف 4 : 178، البحر المحيط 8 : 365. [2]معاني القرآن للفراء 1 : 380: 381، والبيت لعروة بن حزام العذري، وله رواية أخرى في اللآلى وفي الأغاني على النحو التالي: عَشِيَّةَ لا عفراء منك بعيدٌةٌ *** فَتَسْلُو ولا عفراء منك قَرِيب وبعده قوله: وإنًّي لَتَعْشاني لِذِكرَاك هزةٌ *** لها بين جلدى والعظام دبيبُ مما يرجح هذه الرواية؛ لأن الباء هي الروى. [انظر حاشية المحققين في الموضع السابق من معاني القرآن]. وعلى كلتا الروايتين، فقد جمع الشاعر بين التأنيث والتذكير لكلمتي (قريب، بعيد). مع إسناد كلٍّ منها لمؤنث (عفراء.). [3] البحر المحيط 4 : 313. [4] الكشاف 3 : 465، البحر المحيط 7 : 513. [5] أورد هذه الأقوال أبو حيان في: البحرالمحيط 4 : 313، وأورد بعضها الزمخشري في: الكشاف 2 : 83. |
|