توهُّم عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر
توهُّم عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر Ocia_a22
زعموا أن القرآن الكريم، قد خالف قاعدة المطابقة في العدد بين المبتدأ والخبر.

ولهم على ذلك الشواهد التالية:
1) قوله تعالى: {هَؤُلَاءِ ضَيْفِي} الحجر: 68؛ حيث جاء المبتدأ جمعًا "هؤلاء" والخبر مفردًا "ضيفي"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: هؤلاء ضيوفي.

وتقدم مثل هذا في الكلام على قول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا}.          

فكلمة "ضيف" مثل "خَصْم" تستعمل للواحد وللجمع[1]، وهي هنا للجمع.

وعلى هذا فليس في الآية إخلال بقاعدة المطابقة العددية بين ركني الجملة.

2) قوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ} المنافقون: 4؛ حيث جاء المبتدأ جمعًا، والخبر مفردًا، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: هم الأعداء.

والذي جَهِلُهُ صاحب هذه الشبهة أن كلمة "عَدُوّ" تستعمل للمفرد والمثنى والجمع[2]، ومثله في القرآن كثير.

من ذلك قوله تعالى:
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} البقرة: 36، الأعراف: 24، طه: 123.

{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} النساء: 92.

{وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} الكهف: 50.

{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: 77.

{إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} النساء: 101.

وغير ذلك الكثير من الآيات التي استعملت العدوّ جمعًا، فلا مخالفة في الآية إذن.

3) ويلحق بما سبق الشاهد الثالث الذي أورده المُدَّعُون على مخالفة القرآن لقاعدة المطابقة بين المبتدأ والخبر، وهو قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: 16؛ حيث جاء اسم "إن" مثنًّى، وخبرها مفردًا، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: إنَّا رسولا رب العالمين.

لقد ورد في القرآن تثنية الرسول في مثل هذا السياق، وهو قوله تعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} طه: 47.

فالتثنية على معنى المُرْسَل، والإفراد يحتمل أوجهًا نذكر منها:
أنه على معنى المصدر "الرِّسالة".

كما في قول الشاعر:
لَقَد كَذَبَ الواشُونَ ما بُحْتُ عِندَهُمْ *** بِسِرٍّ وَلا أَرسَلتُهُم بِرَسولِ

أي: وما أرسلتهم برسالة.

وعلى ذلك فقوله جلَّ شأنه: {فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} جارٍ على المبالغة، كأنه جعلهما معًا نفس الرسالة، ومثله قول العرب: رجلٌ عدلٌ وصدق.

كما أن كلمة "رسول" تستعمل للمفرد والجمع.

ومن استعمالها للجمع قول أبي ذؤيب الهذلي:
أَلِكْني إِلَيها وَخَيرُ الرَسُو *** لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَواحي الخَبَرْ

فاستعمل "الرسول" بمعنى الرُّسُل.

كما أنَّ إفراد "رسول" هنا أُرِيدَ به كونُهما على شريعة واحدة، فهما بمنزلة رسول واحد[3].
***************************
[1] انظر: تهذيب اللغة، مقاييس اللغة، اللسان (ض ي ف).
[2] تهذيب اللغة، مقاييس اللغة، اللسان (ع د و).
[3] معاني القرآن للفراء 2: 180، الكشاف 3 : 107 ـ 108، مفردات الراغب الأصفهاني (ر س ل)، البحر المحيط 7 : 8، التحرير والتنوير، المجلد التاسع، جـ19، ص 189.