المطابقة في النوع
المطابقة في النوع Ocia1693
زعموا أن القرآن قد خالف قاعدة المطابقة في النوع، وذلك في تراكيب متعددة على النحو التالي:
• توهُّم عدم المطابقة بين العدد والمعدود:
أي مخالفة القاعدة الجارية في تمييز العدد.

واستدلوا لذلك بثلاث آيات هي:
1) قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} البقرة: 196.          

والصواب -في زعمهم- أن يُقال: تلك عَشْر.


ولقد قلبوا الصواب خطأً، والخطأ صوابًا؛ فالقاعدة المعروفة للجميع تقرر أنَّ الأعداد من ثلاثة إلى عشرة تخالف المعدود في النوع، فنقول: عشرة رجالٍ، وعشر نساءٍ.

وكلمة "عشرة" في الآية تشير إلى الأيام، ومفردها مذكر، فوجب تأنيث العدد جريًا على القاعدة المذكورة.

وأمَّا الوصف "كاملة" ففائدته أنْ لا يُتَوَهَّمَ أن الواو في قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} بمعنى "أو" التخييرية، وأن يُعْلَمَ العددُ جملةً كما عُلِمَ تفصيلاً، فيُحاطَ به من وجهين؛ فيتأكَّد العلم، وأن يُعْلَمَ -أيضًا- أن المُراد بالسبعةِ العددُ المُعَيَّن لا الكثرة "إذْ إن السبعة تُستعمَل فى لغة العرب بمعنى العدد المُحَدَّد، كما تُستعمَل أيضًا لإفادة الكثرة دون تعيين".

كما أن صيام ثلاثة أيام فى الحجِّ هو بَدَلٌ عن الهَدْى، وزِيدَ عليها صيام سبعة أيام بعد الرجوع من الحجِّ؛ لتُعَادل الأيامُ العشرةُ الهَدْيَ من غير نقصٍ فى الثواب؛ وللإشارة إلى هذا التعادُل وصفت العشرة بأنها "كاملة".

كذلك فإنَّ فى هذا الوصف بالكمال تاكيدًا للتوصية بصيامها وعدم التهاوُن بها، فكأنما قيل: تلك عشرة كاملة فراعُوا كَمَالَها ولا تنقصوها [1].

وعلى ذلك فالآية موافقة تمام الموافقة للقواعد العربية، والاضطراب الذي وصموا به القرآن قائم في أذهانهم وناشئ عن جهلهم بأبسط القواعد!

2) قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} الأعراف: 160؛ حيث جاء العدد مُؤَنَّثًا "اثنتي عشرة"، والمعدود مذكرًا "أسباطًا".          

كما أن تمييز العدد "12" يكون مفردًا لا جمعًا، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: اثني عشر سبطًا.          

وعلى هذا ففي الآية مخالفة لقاعدة المطابقة بين التمييز والمميَّز في العدد والنوع معًا.

وما زعموه باطل؛ لأن ما بُنِيَ على باطلٍ فهو باطل، وقد بنوا دعواهم على أساس أن "أسباطًا" تمييز، وهذا خطأ؛ لأن في الآية حذفًا، والتقدير: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة "أو قبيلة"، فالتمييز محذوف، وكلمة "أسباطًا" بدل من التمييز المحذوف، وكلمة "أممًا" نعت للبدل، أو بدل بعد بدل[2].

وعلى ذلك فلا مخالفة في الآية لقاعدة المطابقة سواء من حيث النوع؛ حيث إن التمييز والمميز مؤنثان: "اثنتي عشرة فرقة"، وكلاهما مفرد أيضًا؛ ولهذا الحذف في الآية غرض بلاغي هو الاستغناء عن التمييز المفهوم من السياق "قبيلة أو فرقة"، وإثبات ما ليس مفهومًا ولا عهد للمخاطبين به، وهو "الأسباط"؛ فالعرب تعرف القبيلة، ولا تعرف السِّبط الذي هو مرادف لمعنى القبيلة عند اليهود.

كما جاءت كلمة "أسباطًا" بصيغة الجمع لتناسب معنى التقطيع والتفرقة.

3) قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} التحريم: 4؛ حيث جاء بالجمع "قلوبكما" لمعدود مثنى، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: صغا قلباكما.

والتركيب الذي اختاره الاستعمال القرآني هو الأشهر والأكثر استعمالاً.

إذ إن للمثنى عند إضافته إلى ضمير المثنى ثلاث صور:
أن يُجمع المضاف فيُقال: قلوبكما.

أن يبقى المضاف على حاله من التثنية فيُقال: قلباكما.

أن يؤتى بلفظ المضاف مفردًا فيُقال: قلبكما.

والصورة الثانية هي القياس:
إلاّ أن غالب الاستعمال الفعلى الشائع في كلام العرب جاء على الصورة الأولى؛ لأنهم كرهوا الجمع بين تثنيتين "تثنية المضاف، وتثنية الضمير المضاف إليه"[3].

وقد جاءت الآية على الصورة المثلى للتركيب، وهى الصورة التي حبَّذها الاستعمال اللغوى كما نُقِل عن العرب.

*****************************
[1] روح المعانى، الألوسى 2: 83 ـ 84.
[2] البحر المحيط 4 : 406 ـ 407.
[3] البحر المحيط 8: 291.