أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: التمهيد الثلاثاء 23 يناير 2024, 8:37 am | |
| الاستغراب المنهج في فهمنا الغرب د. علي إبراهيم النملة
بسم الله الرحمن الرحيم التمهيد الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، وبعد: ففي سنة 1417هـ/ 1997م، شاركت في حلقة نقاش حول الطباعة العربية في أوروبا في مركز جمعة الماجد بدبي بالإمارات العربية المتحدة، وكان موضوعي عن إسهام المُستشرقين في نشر التراث، فتقدَّم أحد الحضور ليسأل: لماذا لا نُعامل المُستشرقين بمثل ما يُعاملوننا به؟ فنسعى إلى نقد الغرب بأديانه وآدابه وتقاليده وعاداته.
فبدأ ذاك السؤال يجد حيزًا في الفكر منذ ذلك الحين، وربما جاء الوقت الذي يُسهم فيه الباحث بقدر من الطرح الموضوعي حول مفهوم الاستغراب (Occidentalism) برؤية إسلامية مؤصلة، لا تقوم على ردود الأفعال وتغليب العاطفة والتحيُّز لطرف دون آخر، بل تهتدي بالرؤية الإسلامية المُؤصَّلة في التعامل مع الأحداث والأشخاص القائمة على العدل والقسط.
وهذه الوقفات الآتية هي بداية لمحاولة تجلية هذا المفهوم الجديد في لفظته (الاستغراب) على الثقافة العربية، وهو مفهوم قديم في محتواه وطرقه، فهو غير جديد؛ إذ إنه ذو علاقة بما بين الشرق الإسلامي من جهة، والغرب المسيحي اليهودي أو العلماني من جهة أخرى، بما مَرَّ على هذه العلاقة من مَدٍ وجزر في وجوه التلاقي الكثيرة، وأوجه الاختلاف القليلة.
هي وقفات أولية سبق التعرض لها في وقفات سابقة متفرقة ضمن موضوعات ذات علاقة كالاستشراق والشرق والغرب، وتعرض هنا على ذوي الأفهام والعقول؛ ليُسهموا في بلورتها وصقلها، ومن ثَمَّ الخروج برؤية واضحة حول المفهوم؛ بما يُعين على جعله عنصرًا من عناصر التلاقي والتعارف والتعاون والتخالف والتعايش بين الأمم، على اعتبار أن هذه المفهومات هي من أسرار الوجود في هذا الكون، الذي أراد الله تعالى لخلقه فيه أن يعمروه ويُستَخْلفوا عليه، وينشروا فيه روح السماحة والعدل والقسط بين المخلوقات العاقلة وغير العاقلة، المتحركة والثابتة، بدلًا من الاستمرار في التناحر والتصادم والتعادي المُفتعلة من قِبَلِ عناصر مهمتها قطع الطريق على منهج التلاقي، والرغبة في استمرار التشاحن والتعادي، لأغراض ليست بالضرورة إنسانية، بل هي مصالح ضيقة وإحن وشحناء تغلي في الصدور.
التشاحن والتعادي السائد الآن في القطبين الشرق والغرب له أسبابه، وبعض هذه الأسباب مفتعل، فرضته السياسة التي تقوم على مبدأ الهيمنة الاحتلالية (Homogeny)، والرغبة في التبعية السياسية من الشرقيين للغرب، بأي صورة من صور التبعية السياسية والاقتصادية، حتى لم تسلم منها الثقافة، رغم رفع شعار مصطلح الاستثناء الثقافي بين الغربيين أنفسهم، أو مصطلح الحدود بين الثقافات، وليس القطيعة الثقافية التامة التي ربما يدعو إليها من طغى عندهم الحماس الانتمائي بروح دفاعية متوجسة من أن تدنس الثقافات الأخرى ثقافتنا النقية الخالصة، وهي كذلك دون إغفال التماس الحكمة أينما كانت.
تثبت هذه المواقف مع الزمن أن الموقف من الاستغراب لم يتحدد بعد، تمامًا كما الموقف من الاستشراق الذي لا يظهر أنه سيتحدد، بما في ذلك اضطراب المصطلحين واختلاط مفهوماتها بين المفكرين، ناهيك عن غير المثقفين، وكونهما أصبحا مصطلحين مشحونين بشحنات إيديولوجية تجعلهما موضع اشتباه في كلا الضفتين؛ الغربية والشرقية.
ويتبع هذا أن موقف النخبة المثقفة من الغربيين لم يتحدد من الشرق، تمامًا كما موقف النخبة من الشرقيين الذين انقسموا في مواقفهم من الغرب انقسامات عاطفية أكثر من كونها انقسامات فكرية أو علمية، وهذا أثر بوضوح على الزعم بوجود حياد علمي في جو من الصراعات الفكرية التي ربما يستنتج المتابع منها أنها صراعات مفتعلة، تحركها قوى غير موضوعية البتة، هذا إذا كان هناك أي فكر يتبنى الحياد العلمي.
وسوف يعكس النقاش الآتي هذه الحال من الاضطراب في المواقف؛ بسبب الاضطراب في المفهومات، ومن خلال استعراض رؤى وآراء بعض المفكرين الغربيين من المُستشرقين وبعض الشرقيين من العرب والمسلمين، ومن ذلك تلك الحوارات التي أجراها أحمد الشيخ معهم في كتابين مستقلين، وسيأتي التعرض لهما في ثنايا هذا البحث، وسيعتمد النقاش على ما ورد فيهما من حوارات بقدر كبير، بالإضافة إلى ما استجد على الساحة العلمية والفكرية ومن نقاش حول مفهوم الاستغراب والرؤى حوله.
ومن ذلك محاولات مازن بن صلاح المطبقاني إثارة هذا الموضوع في أكثر من مجال، بما في ذلك محاولاته لإصدار مجلة تعنى بالاستغراب، بالإضافة إلى محاولاته إحياء مركز للدراسات الاستشراقية بالمدينة المنورة والاستمرار فيه، ومحاولاته كسر هذا التخلف العربي في ضعف إعطاء اعتبار لمراكز البحوث والدراسات وتأثيرها على صناعة القرارات ، مثله في هذا مثل محاولات أحمد الشيخ وأخيه صلاح لإنشاء المركز العربي للدراسات الغربية، وإصدار مجلة دراسات غربية، وترجمات ونشرات ودراسات ومقالات وعقد الندوات وحلقات النقاش، ودعم الباحثين العرب، ومتابعة النقاشات الثقافية الدائرة في الغرب في مجال المركز.
ويأمل الباحث أن تكون هذه الوقفات مجالًا لمزيد من الطرح والمناقشة والتحرير، في سبيل قدر من الفهم الموضوعي، على اعتبار أن موضوع الاستغراب -على أهميته- لا يزال تكتنفه حال من اللَّبْس والغموض في المصطلح وفي المضمون، ومن ذلك التداخل الواضح بينه وبين مصطلح التغريب (Westernization) وما له صلة به والمواقف منه، وعند كثير من الناس إذا أطلق مصطلح الاستغراب ذهب الذهن إلى التغريب، كما قد يذهب الذهن إلى الغرابة.
ويبقى أن أشير إلى المنهج في توثيق المعلومات الواردة في هذه الدراسة، حيث الاطراد في ذكر بيانات النشر لكل مرجع عند أول وروده، ثم يشار إليه بمرجع سابق، أو المرجع السابق، إذا كان تاليًا له، وأبدأ بالاسم الأول للمؤلف، أمَّا في قائمة المصادر والمراجع آخر الدراسة، فتظل البيانات الوراقية (الببليوجرافية) كما هي باطراد، سوى أن البدء هنا بالاسم الأخير للمؤلف، وهذا هو المنهج الذي ارتضيته في التوثيق، مما يمليه المعنيون من أهل الاختصاص.
كما أشير إلى شكري الجزيل للأستاذ الدكتور أحمد الشيخ الذي أثرى هذه الدراسة بإسهاماته من خلال الكتب التي نشرها، وما يزال، كما أشكره على رغبته في نشر هذه الدراسة إن كانت ترقى إلى مستوى النشر في المركز الذي يديره الدكتور أحمد، فكان الله في عونه. وكان الله في عون الجميع.
|
|