|
| دعوة أهل البدع | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:06 am | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة - دعوة أهل البدع
البدعة تُفْسِد الإسلام، وتُحَرِّف الناس عن الحق إلى مزالق، وهو ما يُقَسِّمهم شيعًا وأحزابًا. فما هي البدعة؟ وما أقسامها؟ وما مدى خطورتها؟ وكيف نتعامل مع المبتدع؟
مقدمة: دعوة أهل البدع إلى الحق وظيفةُ العلماء، لا يجوز التساهل فيها، أو التقصير في أدائها؛ إذ بها تتم حماية الدين، وتنقيته من شائبة الباطل.
وعلى مَن تصدَّى لدعوة أهل البدع أنْ يعرف: ما هي الأصول والضوابط التي ينبغي التزامها؟ وما هي المحاذير والمزالق التي ينبغي تجنُّبها؟
وقبل البدء في الموضوع، نعرج بشيء من الإيجاز على تعريف المبتدع، والبدعة، وذكر أنواعها، وخطرها، ثم ذكر حكم المبتدع، وما هو الأصل في التعامل معه؟
البدعة: هي طريقة في الدِّين مخترعة، تضاهي الشرعية، يُقْصَد بالسلوك عليها المبالغةُ في التعبُّد لله سبحانه؛ وهذا على رأي مَن لا يُدْخِل العادات في معنى البدعة، وإنما يَخُصُّها بالعبادات. (الاعتصام [1/ 21]).
وهي ليست على درجة واحدة من الشر، بل هي متفاوتة.
ويصنِّف العلماءُ البدعةَ مِن عدة زوايا، فمِنْ حيث مجالها، تنقسم إلى: 1. بدعة اعتقادية: وهي اعتقاد الشيء على خلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، كبدعة الخوارج في اعتقادهم تكفير العصاة من المسلمين؛ وكالمجسمة والمشبِّهة الذين شبَّهوا الله بخَلْقه تعالى الله علوًّا كبيرًا.
2. وبدعة عملية: وهي التي تكون في المسائل الفقهية القطعية أو الظَّنيّة، كالتي تكون في العمل الظاهر، كصلاةٍ تخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من الأعمال. وكلُّها داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رَدٌّ». (أخرجه مسلم في كتاب الأقضية [1718]).
3. وبدعة قولية: وهي ما كان فيه تغيير لما جاء في كتاب الله عز وجل، ولِمَا ثبت في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأقوال المبتدعة من الفِرَق المشهورة، مما هو ظاهرُ المخالَفة للكتاب والسُّنَّة، وظاهر الفساد والقُبْح، كأقوال الرافضة والخوارج والجَهْمية والمعتزلة والأشعرية؛ وجميع الفِرَق المؤولة، التي وضعت لنفسها مناهجَ مخالِفة لمنهج الطائفة الناجية المنصورة، الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة.
ومنهم مَن قسَّمها إلى نوعين: 1. نوع في الأقوال والاعتقادات. 2. ونوع في الأفعال والعبادات. والثاني يتضمن الأول، كما أنَّ الأول يدعو إلى الثاني.
وتُقسَّم البدعة بحسب ما يَؤُول إليه صاحبُها إلى: 1. بدعة مكفِّرة. 2. وبدعة غير مكفِّرة.
وربما تخلَّف الحكمُ على المعيَّن بالبدعة رغم قيامه بها إذا توفَّر مانعٌ أو انتفى شرطٌ؛ فالحكمُ على العمل أو القول لا يلزم منه تبديعُ المعيَّن القائل أو العامل به؛ إلا إذا أُقيمت عليه الحُجَّة، وتوفرت الشروط وانتفت الموانع.
خطر البدع: البدعة أشد من المعصية، ويرجع ضررها إلى وجوه: • الأول: أنَّ البدع مفسِدة للقلوب، مزاحِمة للسُّنة في إصلاح النفوس، فهي أشبه ما تكون بالطعام الخبيث، وفي هذا المعنى يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: "الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبقَ فيها فضلٌ للسنن، فتكون بمنزلة مَن اغتذى بالطعام الخبيث". (اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 281]).
فهي تُلْبَس لباس الدِّين، فيظن المنتسب لها أنها حق، وأنه مأجور عليها، وبذلك فإنه يَعْقِد عليها الكُرْهَ والحبَّ والولاء والبراء والثواب والعقاب، فتزاحِم السنن، تقود أصحابها إلى الاعتقادات الباطلة، والأعمال الفاسدة، والخروج عن الشريعة.
• الثاني: أنه في مقابل كل بدعة تُهْدَم سُنَّة، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام أيضًا: "مِن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة: الخروج عن الشِّرعة والمنهاج الذي بُعِثَ به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا؛ فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظانّ الكفر، كما أنَّ السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان، ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية". (مجموع الفتاوى [10/ 565]).
لذا كان منهج المبتدعة قائمًا على معارضة نصوص الكتاب والسُّنَّة، كما قال شيخ الإسلام. (راجع كلامه في: درء تعارض العقل والنقل [1/ 149]).
حكم التعامل مع المبتدع: المبتدع في الأساس شخصٌ يريد الحقَّ، ويقصد التقرُّب، وهذا الغالب في أحوال الكثير من أتباع البدع، يقول الله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:27]. فالمبتدع مريد للحق لكنه ضل طريقه إليه.
لذا فإنَّ أهل البدعة قد يُظْهِرون مِن التنسُّك أو الأحوال ما يُعبِّر عن اعتقادهم الحق فيما يؤمنون به؛ ومن أجل ذلك فإن المبتدع -ما لم يكن زنديقًا- يُحْكَم له بالإسلام، ويبقى شأنه وحاله أفضل بكثير ممَّن قصد الكفر البُواح أو الشرك الظاهر، إلا أنَّه ونظرًا لخطورة البدعة على الدِّين نفسه من حيث هو؛ فإن المبتدع أخطر شأنًا على الدِّين وأهل الإسلام من الكافر والمشرك؛ لأنَّ البدعة تُفْسِد الإسلام، وتُحَرِّف الناس عن الحق إلى مزالق لتأويله ما يُقَسِّمهم شيعًا وأحزابًا.
وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم -في حديثه عن افتراق اليهود والنصارى وهذه الأمة- إلى مدى تأثير الاختلاف في الدين على وقوع كثير مِن الفِرَقِ في النار.
لذا كان مِن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم حازمًا وصارمًا مع مَن أظهروا الغلوَّ أو أحوال وأقوال بعيدة عن سُنَّته، وتوعَّد مَن اتخذ هذا المسلك، وحذَّر أمته منه، لا لشيء إلا لكي يظل الحق الذي أنزله الله ناصعًا نقيًّا مما قد يشوبه من أهواء الناس، التي وإنْ لَبَّت رغبةَ قومٍ أو ذائقتهم، أو وافقت آراءهم العقلية؛ إلا أنها لن توافق قومًا آخرين؛ أمَّا الحق الذي أنزله الله تعالى فيوافق العقول السليمة جميعًا وذائقة النفوس البشرية كافة، ويدور في حدود طاقاتهم وقدراتهم دون تكلُّف وتنطُّع. فكم شوَّهت البدع -رغم نظر أصحابها إليها بالحسن- الإسلام في نظر غير المسلمين، فصرفتهم إلى باطل، وزهَّدتهم في الحق!
وإذا كان المبتدع جزءًا من الكيان الإسلامي وجسد الأمة؛ فإن حقوق الأخوة الإيمانية التي قرَّرها الإسلام تظل محفوظة له، متمتعًا بكافة الحقوق الشرعية التي فرضها الإسلام، إلا أنَّ هنا مَلْحَظًا مُهِمًّا، وهو أنَّ مِن طبيعة المجتمعات أنْ تتعامل في الجانب المادي من حياتها عند وجود الضرر والأذى مِن قِبَلِ شخص مريض أو مختل أنْ يُباشروا مِنَ التدابير ما يُعِينهم على إزالة الضرر ورفع الأذى، أو في أقل الأحوال حَصْرها، وبما لا يُخِلّ بحق المريض أو المختل في الرعاية، مع إمكانية تقييد بعض حرياته أو إسقاط بعض حقوقه لمصلحة أكبر؛ هذه الصورة المادية تُقابلها صورةٌ معنويةٌ في حال كان الشخص مجرمًا أو صاحب خُلُقٍ سيِّئ، حيث يأتي عوضًا عن الحَجْر الصحي والعلاج المادي حَجْرٌ من نوع آخر وعلاجٌ من نوع آخر.
وهذه السُّنَّة الاجتماعية لا يُغْفِلها الإسلامُ في المبتدع، باعتباره شخصًا مُخْتلًا في جانب الدِّين، ومِن ثَمَّ فكما أنَّ للجوانب الأخرى تدابيرها لصيانتها في حياة المجتمع يكون الدِّين أحق بهذه التدابير.
ومِن هنا يأتي الإسلام ليرسم أحكام التعامل مع المبتدع من هذه الزاوية، زاوية أنَّ المقصود من التعامل مع المبتدع أمران: • الأول: معالجة المبتدع، وإخضاعه للتدابير التي مِن شأنها تحقيق العلاج لأهدافه. • الثاني: صيانة المجتمع من الآثار التي قد تلحق به دينيًّا مِن البدعة ذاتها، فضلًا عن المبتدع.
وكما هي حالات المرض؛ يتفاوت تقييم الإسلام للبدعة وصاحبها، ومِن ثَمَّ يختلف تعامُل المجتمع الإسلامي مع المبتدع بحسب البدعة ذاتها، وبحسب تأثير المبتدع من جهة أخرى.
ومِن أَوْلَى أحكام التعامُل مع المبتدع: 1. بيان مخالفته للدِّين بالحُجَّة والبرهان والدليل، وهذا ما سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك الشاب، الذي أتى يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزنا!! ومع ذلك الشخص الذي توجَّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالقولِ: اعدِلْ يا محمد!
2. نُصْح المبتدع، وإظهار الشفقة به، مع بيان عِظَم ما وقع فيه وعِظَم الآثار التي ستترتب على بدعته؛ وهذا بالفعل ما قام به عبدالله بن عباس رضي الله عنه وهو يُحاوِر الخوارج، ويُلْزِمهم بلازمِ مَذْهَبهم الذي ذهبوا إليه في شأن الفريقين المتقاتلين مِن الصحابة.
3. الوقوف بصرامةٍ إزاء تحوُّل هذه البدعة إلى مَذهب يتلقَّفه الناس، ويتخذونه منهجًا؛ لذا حذَّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مِنَ البناء على القبور واتخاذها مساجد، ولعن اليهود والنصارى معرِّضًا بهم كل مَنْ يقوم في هذه الأمة بهذه البدعة. كما واجه الرسول عليه الصلاة والسلام النفرَ الذين تقالُّوا عبادته في شأنهم لما قد غُفِرَ للرسول عليه الصلاة والسلام؛ بالبيان والتحذير والإنكار الشديد.
4. وفي جميع الأحوال السابقة يبقى للمرء حقوق الإسلام، وعليه واجباته، لا يسقط منها شيء، لذا فإنه نادرًا ما كان يُقصِي الرسول صلى الله عليه وسلم مَن جاء بأمر مُنْكَر في الدِّين، بل احتمل عليه الصلاة والسلام بقاءهم في المجتمع، ولكن مع إنكاره عليهم، وتحذيره مما صنعوا. فقد كان يعلم الرسول الكريم أنَّ للشيطان مداخله على بعض الصالحين مِن جهة تشدُّدهم، أو فهمهم خطأ للدين، أو تعبُّدهم لله بما يستحسنونه من حالٍ أو هيئة؛ فإذا لم يُحسن إلى هؤلاء تحوَّلوا إلى أعداء؛ كيف وقد صبر على أعدائه من المشركين وأهل الكتاب ومنافقي المدينة.
5. غير أنَّ هناك وضعًا آخر تتحول معه البدعة إلى مهدِّد حقيقي للدين أو المجتمع -وِحدته وأمنه واستقراره-.
ما يلزم معه في هذه الحالة معالجة جادة وصارمة لذلك: أ- إنْ كانت البدعة مكفِّرة: أي أنْ يُحْدِث المرءُ من العقائد أو الأفعال أو الأقوال ما يوجب تكفيره، فإن كان ذلك صادر منه عن جهلٍ أو تأوُّل؛ بُيِّن له، ورُوجع في الأمر، وأُقيمت عليه الحُجَّة، واستتيب من قِبَل ولي الأمر، فإنْ وُجِدَ أنَّ بدعته صادرة عن زندقةٍ وإلحادٍ منه عُزِّر، وإنْ كان بالقتل. وقتل المبتدع الذي تصل بدعته حدَّ الكفر والزندقة، التي بحيث ينتقد الدين بها عادةٌ متبعةٌ في دول الإسلام؛ وتدل عليه الوقائع التي وقعت لبعض المبتدعة، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسبئية حين حرَّقهم، وكذلك قتل الجعد بن درهم والحلاج وغيرهم.
والحاصل: أنَّ القتلَ مما يُعاقَب به صاحب البدعة إذا كانت بدعته مغلَّظة مكفِّرة واستُتيب ولم يَتُبْ، أو رأى أهل الحل والعقد أو الإمام أو مَن أفتى مِنَ العلماء أنَّ هذا المبتدع يُقتل وإنْ لم يُستتب.
ب- وإنْ كانت البدعة مفسِّقة، لكن لها أثرها على وِحْدة الأُمَّة وأمنها واستقرارها -كبدعة التكفير عند الخوارج-؛ فلا يُكفَّر صاحبها، لكنَّ مقاتلتَه فيما لو أفسد في الأرض، وحمل السيف؛ واجبةٌ لوَأْدِ الفتنة وإخماد ثورتهم، وهذا ما فَعَلَ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، حيث لم يُبَادِئهم بقتالٍ، ولا حَكَمَ بكفرهم ولا بنفاقهم، ومع ذلك قاتَلَهم لمَّا حَمَلوا السيف على المسلمين.
المصدر: طريق الإسلام |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:15 am | |
| موقف الصحابة من مبتدعة زمانهم
المبتَدِع هو الذي يتعبَّد الله بعملٍ أو اعتقادٍ خلاف ما كان عليه النبي ﷺ - وأصحابه، والنبي ﷺ كان يفتَتِح خُطَبَه أحيانًا بهذه الخطبة التي فيها التحذيرُ من البِدَع والمبتَدِعة...
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يفتَتِح خُطَبَه أحيانًا بهذه الخطبة التي فيها التحذيرُ من البِدَع والمبتَدِعة، فكلُّ ما أُحدث في دين الله على خلاف ما كان عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابُه في الاعتقاد أو العمل، فهو من البِدَع، والمبتَدِع هو الذي يتعبَّد الله بعملٍ أو اعتقادٍ خلاف ما كان عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، وقد تقدَّم الكلام قريبًا على البدعة في خطبةٍ سابقةٍ، فسيكون الكلام في هذه الخطبة عن المبتَدِعة والتعامُل معهم. المبتدع يَحمِله على بدعته الهوى مع شبهة دليل، فتجد المبتدعة حينما يستَحسِنون بعقولهم بدعةً، يستدلُّون بأدلَّةٍ لتَسوِيغ بدعتهم، وهذه الأدلَّة إمَّا إنها عامَّة محتملة، ويَترُكون الأدلَّة المحكَمة في ذمِّ البِدَع، فهم يعمَلون بالمتشابه من الأدلَّة، ومَن هذه صفتُه فهو زائغٌ؛ قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]، أو يستدل المبتدعة لتَسوِيغ بِدَعِهم بما لا يصلح دليلاً؛ إمَّا لعدم ثبوته، أو لأنه لا وجه له في باب بدعتهم. البدعة في الجملة أعظمُ من كبائر الذُّنوب، فالعاصي يُقارِف المعصية وهو خائف من الله يَشعُر بالتأثُّم، فتجده يُحدِّث نفسه بالتوبة، بخلافِ المبتَدِع، وهنا مكمن الخطَر؛ فهذه الشُّبَه التي يستدلُّ بها تجعَلُه يأتي بدعته ويظنُّ أنَّه يتقرَّب إلى ربِّه بها، فيستمر عليها، فالعاصي يُوفَّق للتوبة، بخلاف المبتدع، فغالبًا لا يُوفَّق للتوبة. مَعاشِر الإخوة: يتَّفِق المُسلِمون على أنَّه لا أكمَلَ من هدي الصحابة - رضِي الله عنْهم - بعدَ هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يتعلَّق بالدين؛ فهم أعلَمُ الناس بشرع الله، وأتقى الناس لربهم، وأنصح الخلق للخلق، وأخبَرَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنهم خيرُ هذه الأمَّة بعده، ثم التابعون، ثم أتباع التابعين، فهذه هي القُرُون المفضَّلة الذين عدَّلهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإخباره أنَّهم خيرُ الناس، وقد ظهَر في عهد الصحابة من المبتَدِعة الخوارجُ والقدرية الذين يَنفُون القدر، والمرجئةُ الذين يرَوْن أنَّ الإنسان مجبر؛ لذا هم يعتَقِدون أنَّه لا يضرُّ مع الإيمان معصيةٌ، فكيف كان الصحابة - رضِي الله عنْهم - يَتعامَلون مع مبتَدِعة زمانهم؟ فأقول -مستعينًا بالله-: الذي ظهَر لي من هدي أصحاب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم ورضِي الله عنْهم، والعلم عند الله-: أنَّ مَن اعتَقَد بدعةً بسبب شبهةٍ عارضة، ولم يشرب قلبه هذه البدعة ويدعُ إليها، فإنَّ الصحابة يُناظِرونه ويُبيِّنون له خطأه؛ ليَعُود عن بدعته ويلزَم السنَّة؛ كما فعَل جابر بن عبدالله -رضِي الله عنهما- مع بعض مَن رأَوْا رأيَ الخوارج بسبب خطأٍ في فهمهم لبعض النصوص الشرعية؛ فعن يزيد الفقير قال: كنت قد شغَفَنِي رأيٌ من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عددٍ نُرِيد أن نحجَّ ثم نخرج على الناس، قال: فمرَرْنا على المدينة فإذا جابر بن عبدالله -رضِي الله عنهما- يُحدِّث القوم عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: فإذا هو قد ذكر الجهنَّميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدِّثون؟ والله يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]، و{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20]، فما هذا الذي تقولون؟
ففهموا من هذه الآيات وغيرها تخليد أهل الكبائر وكفرهم - قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعتَ بمقام محمد - عليه السلام - يعني: الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم، قال: فإنَّه مقام محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - المحمود الذي يُخرِج الله به مَن يخرج، قال: ثم نعت وضعَ الصراط ومرَّ الناس عليه... قال يزيد: فرجعنا، قلنا: ويحكم أترَوْن الشيخ يكذب على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فرجعنا، فلا والله ما خرج مِنَّا غير رجل واحد؛ رواه مسلم (191). أمَّا إذا كان المبتَدِع قد أُشرِب قلبُه هذه البدعة، ولم ينتَفِع بالنُّصح، وأصبح داعِيًا للبدعة، مع ضعفه وقلَّة أتباعه وقوَّة الحق، فإنَّ الصحابة - رضِي الله عنْهم - كانوا يتبرَّؤون من المبتدعة، ويُظهِرون هذه البراءة للناس؛ تحذيرًا لهم منه؛ فعن يحيى بن يعمر قال: كان أوَّل مَن قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجَّينِ أو معتمرَيْن، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدر، فَوُفِّقَ لنا عبدُالله بن عمر بن الخطاب داخِلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخَر عن شماله، فظننت أنَّ صاحبي سيكل الكلام إليَّ فقلت: أبا عبدالرحمن، إنَّه قد ظهَر قِبَلَنا ناسٌ يقرَؤُون القرآن، ويتقفَّرون العلم، وذكَر من شأنهم، وأنهم يَزعُمون أنْ لا قدر وأنَّ الأمر أُنُف، قال: فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أنِّي بريء منهم وأنهم بُرَآء مِنِّي؛ الحديث رواه مسلم (8). وكان الصحابة - رضِي الله عنْهم - يهجرون المبتَدِعة ويَطرُدونهم من مجالسهم؛ زجرًا لهم، وتحذيرًا لغيرهم ممَّن تُسوِّل له نفسه مخالفةَ هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الاعتِقاد أو العمل؛ فعن الوليد بن مسلم قال: جاء طَلْقُ بن حبيب، إلى جندب بن عبدالله فسأله عن آيةٍ من القرآن، فقال له: أحرِّج عليك إن كنت مسلمًا لما قمت عنِّي، أو قال: أن تجالسني؛ رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/80) بإسناد صحيح. وطَلْقُ بن حبيب من العبَّاد؛ لكنَّه يعتَقِد بدعة الإرجاء؛ وهي: أنَّه لا يضرُّ مع الإيمان معصيةٌ، وذكَر البخاري في "التاريخ الكبير" (4/359) بإسناده عن أيوب السختياني قال: ما رأيت أحدًا أعبد من طلْق بن حبيب، فرآني سعيد بن جبير جالسًا معه فقال: ألم أرَك مع طلق؟ لا تجالس طلقًا، وكان طلق يرى الإرجاء؛ ا.هـ. وقال ابن عباس لأبي صالح ذكوان السمان: لا تُجالِس أهل الأهواء؛ فإنَّ مجالستهم ممرضة للقلوب؛ رواه أبو بكر الآجُرِّي في "الشريعة" ص: 65 بإسناد حسن. فلا يَسلَم مَن يُخالِط المبتَدِعة ويُجالسهم لغير غرَض شرعي مُعتَبَر، من التأثُّر بهم، ففي أقلِّ الأحوال تجده يهون عليه أمر البدعة والمبتدعة، وربما نصَّب نفسه مُدافِعًا عنهم مُسوِّغًا بدعتهم، ويُشنِّع على مَن يُنكِر عليهم، وربما أثَّرت فيه شُبَههم، فهذا التابعي أبو قلابة عبدالله بن زيد الجرمي يقول: لا تُجالِسوا أهلَ الأهواء ولا تُجادلوهم؛ فإنِّي لا آمَن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يُلبِّسوا عليكم ما كنتم تعرفون؛ رواه الدارمي (391) بإسناد صحيح. ومَن له أدنى إلمام بسِيَر الرِّجال في الماضي والحاضر، يُدرِك أثَر التأثُّر بمخالطة أهل الباطل من المبتَدِعة وأهل الانحراف العقدي أو الخلقي؛ فعن أبي الأسود الدؤلي قال: قدمت البصرة، وبها عمران بن الحصين صاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجلست في مجلسٍ، فذكروا القدر فأمرَضُوا قلبي، فأتيت عمران بن حصين فقلت: يا أبا نجيد، إنِّي جلست مجلسًا فذكَرُوا القدر فأمرَضُوا قلبي، فهل أنت محدِّثي عنه؟ فقال: نعم، تعلم أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لو عذَّب أهل السموات وأهل الأرض لعذَّبهم حيث يُعذِّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته أوسعَ لهم، ولو كان لك مثل أُحدٍ ذهبًا فأنفقتَه، ما تُقبِّل منك حتى تؤمن بالقدر كله خيره وشره؛ الحديث رواه أبو بكر الآجُرِّي في "الشريعة" ص: 188 بإسناده حسن. إخوتي: يقول ربنا - تبارك وتعالى -: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، قال الشوكاني في "تفسيره" (2/128) عند تفسير هذه الآية: في هذه الآية موعظةٌ عظيمة لِمَن يتسمَّح بمجالسة المبتدعة، الذين يحرِّفون كلام الله، ويَتلاعَبون بكتابه وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويَرُدُّون ذلك إلى أهوائهم المُضِلَّة، وبدعِهم الفاسدة، فإنَّه إذا لم يُنكر عليهم ويُغيِّر ما هم فيه، فأقلُّ الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسيرٌ عليه غير عسيرٍ، وقد يجعَلون حضورَه معهم مع تنزُّهه عمَّا يتلبَّسون به شبهةً يشبِّهون بها على العامَّة، فيكون في حضوره مَفسَدة زائدة على مجرَّد سماع المنكر. وقد شاهَدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصرُ، وقمنا في نصرة الحق ودفْع الباطل بما قدَرنا عليه وبلَغت إليه طاقتنا، ومَن عرف هذه الشريعة المطهَّرة حقَّ معرفتها، علِم أنَّ مجالسة أهل البِدَع المضلَّة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة مَن يَعصِي الله بفعل شيءٍ من المحرَّمات، ولا سيَّما لِمَن كان غير راسِخ القدم في علم الكتاب والسنَّة، فإنَّه ربما يَنفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يَصعُب علاجه، ويعسر دفعه، فيعمل بذلك مُدَّة عمره، ويَلقَى الله به معتَقِدًا أنَّه من الحق، وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر؛ ا.هـ. فمخالطة المبتَدِعة من غير مصلحةٍ راجحة ضررٌ على صاحبه، ويتعدَّى الضرر إلى غيره إذا كان المُجالِس محسوبًا من أهل العلم، أمَّا مخالطتهم لدعوتهم مع بيان ضلالهم وعدم السكوت عن باطلهم وتدليسهم، فحسنٌ؛ فقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُخالِط مَن هم شرٌّ من المبتَدِعة من الكفَّار والمنافقين؛ لكنَّه لم يكن يسكُت عن باطلهم ولا يُداهنهم؛ كما أخبر ربُّنا بذلك في قوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]. وكما أنَّ الشخص يتأثَّر بالمخالطة الحسيَّة للمبتدعة والمنحَرِفين عقديًّا، فكذلك يتأثَّر بمخالطتهم المعنويَّة؛ بقراءة كتبهم، ومتابعة نتاجهم، قال الإمام مالك: أي رجل معمر - يعني: ابن راشد - لولا أنَّه يرى تفسير قتادة؛ رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (4/638). وذمَّ الإمام مالك قتادة؛ لأنَّه يرى نفْيَ القدَر، فالمُشاهَد أنَّ مَن يقرأ لأهل الأهواء والمنحَرِفين عقديًّا يتأثَّر بهم، وأَجِلْ فكرك أخي تجد الأمثلة شاهدةً لذلك. وكان الصحابة - رضِي الله عنْهم - يُعزِّرون رؤوسَ المبتَدِعة بالهجر وبالضرب إذا كانوا قادرين على ذلك؛ فلمَّا قدم صَبِيغ بن عِسْل من البصرة إلى المدينة وكان خارجيًّا، وبلغ عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - أمرُه، فعزَّره بالجلد والهجر؛ فعن السائب بن يزيد قال: بينما عمر - رضِي الله عنه - ذات يوم جالِسًا يغدي الناس، إذ جاء رجلٌ عليه ثياب وعمامة، فتغدى حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [الذاريات: 1 - 2]، فقال عمر: أنت هو؟! فقام إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقَطت عمامته، فقال عمر: والذي نفس عمر بيده، لو وجدتك محلوقًا لضربت رأسك، ألبِسُوه ثيابًا واحملوه على قتب، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيبًا، ثم يقول: إنَّ صبيغًا ابتغى العلم فأخطَأَه، فلم يزل صبيغ في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه؛ رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (1136)، وصحَّحه الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (1/199). فكان صَبِيغ بن عِسْل بالبصرة كأنَّه بعير أجرب يَجِيء إلى الحِلَق، فكلَّما جلس إلى حلقه قاموا وتركوه، فإنْ جلس إلى قومٍ لا يعرفونه، ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين؛ رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (1140). أمَّا إذا كان المبتَدِعة لهم قوَّة وغلَبَة، فإنَّهم يُناظَرون ويُدفَع شرُّهم بالأخفِّ، واشتهر في كتب التاريخ أنَّ ابن عباس ناقَش الخوارج وفنَّد شُبَهَهم بالأدلَّة النقليَّة والعقليَّة ثلاثة أيام، فرَجَع منهم أربعة آلاف كلهم تائب عن اعتِناق فكر الخوارج. فيُناظر المبتَدِعة لبيان باطِلِهم من أهل العلم الراسِخين العارفين ببواطن مذهبهم وما في كتبهم من الانحِرفات، ولا تُترَك لهم الفرصةُ ليلبسوا على الناس ويُظهِروا خلافَ ما يعتَقِدون في حال ضعفهم في بعض البلاد، فالمشاهد أنَّ بعضَ اللِّقاءات التي تجرى مع بعض المبتَدِعة يقوم بها غير متخصِّصين، وربما ترك لهم المجال للتلبيس؛ ممَّا يجعل البعض ينخَدِع بهم، وينطَلِي عليه كذبُهم وكلامهم العام الذي يقولونه حينما تَظهَر حقيقتهم مع عدم الرَّدِّ عليهم لدوافع مختلفة. الصحابة - رضِي الله عنْهم - هم الذين أُمِرنا بالاقتداء بهم، ولن يستَقِيم دينُنا، ولن تُؤتِي الدعوة ثمارها إذا جانبنا سبيلهم، وحِدنا عن طريقهم. ورَحِم الله الإمام مالكًا حيث قال: لن يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأُمَّة، إلا بما صلح به أوَّلها. فلتكن هذه الحقيقة نصبَ أعيننا حينما نتَعامَل مع واقعنا الدعوي. مَعاشر الإخوة: النُّصوص السابقة عن السَّلَف يجب ألاَّ تُعزَل عن واقعهم؛ ففي وقتِهم كانت السنَّة ظاهرة، والبدعة متخفية؛ فعلى هذا يختَلِف الحكم باختِلاف المكان والزمان، قال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (28/205-207): التعزير يكون للداعي إلى البدع؛ لأنَّ الداعية أظهر المنكرات، فاستحقَّ العقوبة، بخلاف الكاتم فإنَّه ليس شرًّا من المنافقين الذين كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقبَل علانيتهم ويَكِلُ سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثيرٍ منهم... وهذا الهجرُ يختَلِف باختلاف الهاجرين في قوَّتهم وضعفهم، وقلَّتهم وكثرتهم، فإنَّ المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامَّة عن مثل حاله، فإنْ كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يُفضِي هجرُه إلى ضعف الشر وخفيته، كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتَدِع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحةً على مصلحته - لم يشرع الهجر؛ بل يكون تأليف بعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف. ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كَثُرت فيها البِدَع، ويفرق بين الأئمَّة المطاعين وغيرهم، فالهجرة الشرعية لا بُدَّ أن تكون خالصة لله، وأن تكون مُوافِقة لأمره، فتكون خالصة لله وصوابًا، فمَن هجَر لهوى نفسِه، أو هجَر هجرًا غير مأمور به، كان خارِجًا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانَّة أنها تفعَله طاعة لله؛ ا.هـ. وليس معنى هجر المبتدعة الاعتِداء عليهم وبخسهم حقَّهم الذي شرعه الله لهم؛ فالكافر غير المحارب يَحرُم الاعتداء عليه، فالمسلم المبتَدِع أَوْلَى بذلك الحكم. وليس معنى هجر المبتدع عدم زيارته لمصلحةٍ راجحة؛ فقد زار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الكفَّار من أهل الكتاب وغيرهم، وغشى مجالسهم لمصلحة الدعوة. في الختام: ما سبق من بيان موقف الصحابة من المبتدعة هو اجتهادٌ في البحث عن الحق، والجمع بين الوارد عن سلَف هذه الأمَّة، مستَعِينًا بكلام أهل العلم، فإن أصبتُ فمن فضل الله عليَّ، وإن أخطأتُ فمِنِّي ومن الشيطان. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. ------------------------------ الكاتب: الشيخ أحمد الزومان |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:24 am | |
| من أقوال السلف في البدع وأهلها
** قال ميمون بن مهران: لا تصغين سمعك لذي هوى, فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء, والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...
أمَّا بعد: فالبدع شرها عظيم, وخطرها كبير, وأهلها كما قال عنهم الإمام أحمد بن حنبل, فيما نقله عنه الإمام الخطابي البستي رحمهما الله: "الغوغاء أهل البدع"
للسلف أقوال كثيرة جداً في البدع وأهلها, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, الله أسأل أن ينفع بها الجميع.
• الحذر من مجالسة أو مصاحبة أهل البدع أو السماع منهم: ** قال ميمون بن مهران: لا تصغين سمعك لذي هوى, فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه.
** قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء, فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم, ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
** قال الإمام مالك: & كان يقال: لا تمكن زائغ القلب من أذنك, فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك.
& لا يؤخذ العلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه.
** قال الإمام أحمد في رسالته إلى مسدد: ولا تشاور أهل البدع في دينك, ولا ترافقهم في سفرك.
** قيل للأوزاعي: إن رجلاً يقول: أنا أجالس أهل السنة, وأجالس أهل البدع, فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوى بين الحق والباطل.
** قال الثوري: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع.
** قال مصعب بن سعد: لا تجالس مفتوناً, فإنه لن يخطئك إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتابعه, أو يؤذيك قبل أن تفارقه.
** قال الفضيل: إياك أن تجلس مع صاحب بدعة, فإني أخشى عليك مقت الله عز وجل.
** قال الحسن بن علي أبو محمد البربهاري رحمه الله: إذا رأيت عابداً مجتهداً متقشفاً متحرفاً بالعبادة, صاحب هوى فلا تجلس معه, ولا تسمع كلامه, ولا تمش معه في طريق, فإني لا آمن أن تستحلي طريقته, فتهلك معه.
** جاء رجل إلى الحسن, فقال: يا أبا سعيد, تعال حتى أخاصمك في الدين, فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني, فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.
** قال الإمام العكبري رحمه الله: لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه, وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه, في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء, فيقول: أداخله لأناظره أو لا ستخرج منه مذهبه, فإنهم أشدّ فتنة من الدجال, وكلامهم ألصق من الجرب, وأحرق للقلوب من اللهب, ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم, فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم, فما زالت بهم المباسطة, وخفي المكر, ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم.
** عن معن بن عيسى, قال: انصرف مالك بن أنس يوماً من المسجد, وهو متكئ على يدى, قال فلحقه رجل...كان يتهم بالإرجاء, فقال: يا أبا عبدالله, اسمع مني شيئاً أكلمك به, وأحاجك, وأخبرك برأيي, قال: فإن غلبتني ؟ قال: فإن غلبتك اتبعني قال: فإن جاء رجل آخر فكلما فغلبنا ؟ قال: نتبعه, فقال مالك: يا عبدالله, بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين.
** قال الإمام أحمد: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجُه وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايأس منه, فإن الشاب على أول نشوئه.
** لما ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله, المعتزلة وغيرهم, قال: اللهَ الله من مصاحبة هؤلاء ويجب منع الصبيان من مخالطتهم لئلا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: * كان السلف يحذرون من: المبتدع في دينه, والفاجر في دنياه.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: مجالسة أهل البدع والسماع معهم هذا شر, الواحد ما يضمن نفسه, الواحد الذي منَّ الله عليه بالهدى فلا يفرط فيه, منَّ الله عليه بالسنة لا يفرط فيها, ومن أسباب التفريط سماع الأذن, لا تصغ إلى ذي هوى بأذنيك فإنك لا تدري ما يوحي إليك.
• هجر أهل البدع: قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: قال المؤلف: " من السنة هجران أهل البدع ومباينتهم " وهذا هو الذي كان أئمة أهل السنة يوصون به من عدم غشيان المبتدعة في مجالسهم ولا مخالطتهم, بل هجرهم بالكلام, وهجرانهم بالأبدان, حتى تخمد بدعهم, وحتى لا ينتشر شرهم....ونلاحظ اليوم أنه في هذه المسألة ترك كثير هذا الأصل, فكثير من الناس يخالط المبتدعة ولا يهجرهم لحجج شتى: إما دنيوية, وإما دعوية, أو دينية, وهذا مما ينبغي التنبه له والتحذير منه, لأن هجران أهل البدع متعين, قلا تجوز مخالطتهم بدعوى أن ذلك للدعوة, ولا تجوز مخالطتهم بدعوى أن ذلك للدنيا, ولا مخالطتهم وعدم الانكار بدعوى أن هذا فيه مصلحة كذا وكذا, إلا لمن أراد أن ينقلهم لِما هو أفضل مما هم فيه وأن ينكر عليهم ويُغيِّر عليهم.
وقال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: قمع المبتدع وزجره, ليضعف عن نشر بدعته, فإنه إذا حصلت مقاطعته, والنفرة منه, بات كالثعلب في جحره. أما معاشرته ومخالطته, وترك تحسيسه ببدعته فهذا تزكية له, وتنشيط وتغرير بالعامة ( إذ العامي مشتق من العمى فهو بيد من يقوده غالباً) فلا بد إذا من الحجر على المبتدع استصلاحاً للديانة وأحوال الجماعة وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.
فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة كانت مشروعية هجر المبتدع قائمة على أصلها, وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بالهجر, ولا يحصل المقصود الشرعي, لم يشرع الهجر وكان مسلك التأليف, خشية زيادة الشر.
احذر المبتدع, واحذر بدعته, وأعمل الولاء والبراء معه, وتقرب إلى الله بذلك.
• أضرار مصاحبة أهل البدع: ** قال الإمام العكبري رحمه الله: عن المغيرة قال: خرج محمد بن السائب, وما كان له هوى, فقال: اذهبوا بنا حتى نسمع قولهم, فما رجع حتى أخذ بها, وعلقت قلبه.
** قال يحيى بن معين: داود بن المحبر....مازال معروفاً بالحديث يكتب الحديث وترك الحديث ثم ذهب فصحب قوماً من المعتزلة, فأفسدوه.
• قلوب أهل البدع في جحيم قبل الجحيم الكبرى: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قلوب أهل البدع, والمعرضين عن القرآن, وأهل الغفلة عن الله, وأهل المعاصي في جحيم قبل الجحيم الكبرى, وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر, {إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:13-14] هذا في دورهم الثلاثة.
• من أضرار البدع: ** قال ابن عمر رضي الله عنهما: كل بدعة ضلالة, وإن رآها الناس حسنة. ** قال محمد بن سيرين: إني أرى أسرع الناس ردةً أصحاب الأهواء. ** قال أحمد بن سنان بن أسد بن حبان: ليس في الدنيا مبتدع إلا يبغض أصحاب الحديث, وإذا ابتدع رجل نزع حلاوة الحديث من قلبه. ** قال الفضيل بن عياض: من جلس مع مبتدع لم يعط الحكمة. ** قال غضيف بن الحارث: لا تظهر بدعة, إلا ترك مثلها من السنة.
** قال عبدالله بن المبارك: صاحب البدعة على وجهه الظلمة, وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله, فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه, والله أعلم, وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم مثل الخوارج على اختلاف فرقها, والروافض على تباين ضلالها, والمعتزلة.
** قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلً} ا ﴾ [البقرة:59] أي: فبدل الظالمون منهم قولاً غير الذي قيل لهم: قولوا حطة, فقالوا: حنطة...فزادوا حرفاً في الكلام, فلقوا من البلاء ما لقوا, تعريفاً أن الزيادة في الدين والابتداع في الشريعة عظيمة الخطر, شديدة الضرر, هذا في تغير كلمة هي عبارة عن التوبة, أوجبت كل ذلك من العذاب, فما ظنك بتغير ما هو من صفات المعبود.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: & القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن. & أهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم...لأن...أهل البدعة شنئوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان هم نصيب من قوله: {إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}. & البدعة مقرونة بالفرقة.... يُقالُ: أهلُ البدعة والفرقة... ونتيجة الفرقة: عذاب الله, ولعنته, وسواد الوجوه, وبراءة الرسول منهم. & نجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها. & لو ادهن صاحب البدعة كل يوم بدهان, إن سواد البدعة لفي وجهه.
• من أسباب الوقوع في البدع: ** قال أبو عثمان النيسابوري: من أمرّ الهوى على نفسه نطق بالبدعة.
** قال الإمام الشاطبي رحمه الله: & سمى أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها والتعويل عليها, حتى يصدروا عنها, بل قدموا أهواءهم, واعتمدوا على آرائهم, ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها من وراء ذلك.
&المبتدع قدّم هوى نفسه على هدى ربه فكان أضلّ الناس وهو يظن أنه على هدى.
& المبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله, إن الشريعة لم تتم, وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها, لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه, لم يبتدع, ولا استدرك عليها. وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
• الحذر من صغار البدع, فإن الصغير يعود حتى يصير كبيراً: قال البربهاري رحمه الله: الحذر من صغار المحدثات من الأمور فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً, وكذلك كل بدعة أُحدثت في هذه الأمة, كان أولها صغيراً يُشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصات ديناً يدان به.
خطورة مناكحة أهل البدع: ** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: عمران بن حيطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحارث السدوسي. قال يعقوب بن شيبة: صار في أخر أمره أن رأى رأي الخوارج, كان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمه رأت رأي الخوارج, فتزوجها ليرُدها عن ذلك فصرفته إلى مذهبها.
** قال العلامة عبدالله بن بكر أبو زيد رحمه الله, تعليقاً على ذلك: وبهذا تعلم ما في مخالطة ومناكحة أهل البدع والمذاهب الضالة من خدش للاعتقاد، وما قلب العراق من أكثرية سنية, إلى أقلية سنية وأكثرية شيعية إلا مصاهرة أهل السنة الشيعة, كما في: "الخطوط العريضة" لمحب الدين الخطيب.
• البدعة تشتمل على حق وباطل, فصاحبها قد لبس الحق بالباطل: قال ابن تيمية رحمه الله: البدعة لا تكون حقاً محضاً موافقاً للسنة, إذا لو كانت كذلك لم تكن باطلاً, ولا تكون باطلاً محضاً لا حق فيه, إذا لو كانت كذلك لم تخف على الناس, ولكن تشتمل على حق وباطل, فيكون صاحبها قد لَبَس الحق بالباطل.
• من أسباب قوة البدعة وظهورها: ** قال الإمام اللالكائي رحمه الله: مقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر, أو بشيطان معاند فاجر, يضل الناس خفياً ببدعته, أو يقهر ذاك بسيفه وسلطانه, أو يستميل القلوب بماله ليضله عن سبيل الله, حمية لبدعته, وذباً عن ضلالته, ليرد المسلمين على أعقابهم, ويفتنهم عن أديناهم, بعد أن استجابوا لله وللرسول.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة.
• فرح النصارى بما يفعله أهل البدع مما يوافق دينهم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: النصارى يفرحون بما يفعله أهل البدع والجهل من المسلمين مما يوافق دينهم ويشابهونهم فيه ويحبون أن يقوى ذلك ويكثر, ويحبون أن يجعلوا رهبانهم مثل عباد المسلمين, وقسيسهم مثل علماء المسلمين ويضاهئون المسلمين.
• الفرح بما يصيب أهل البدع: أحمد بن أبي داود, كان مصرحاً بمذهب الجهمية, داعية إلى القول بخلق القرآن, دخل عليه عبدالعزيز بن يحيى المكي, وهو مفلوج, فقال: لم آتك عائداً, ولكن جئت لأحمد الله أن سجنك في جلدك.
• الفرح بموت أهل البدع: قال بشر بن الحارث: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق, فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود, والحمد لله الذي أماته.
• مفارقة أهل البدع في الدنيا أسهل من مرافقتهم في الآخرة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فوالله لمفارقة أهل الأهواء والبدع في هذه الدار أسهل من مرافقتهم إذا قيل: ﴿{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}﴾ [الصافات: 22] قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده الإمام أحمد رحمه الله: أزواجهم أشباههم ونظراؤهم.
• التوبة من فكر الخوارج عافية من الله: قال سفيان: قلت لصدقة بن يسار: إن أناساً يزعمون أنكم خوارج, قال: كنتُ منهم ثم إن الله عافاني.
عدم الاغترار بأهل البدع, وإن كثرت عبادتهم: قال الإمام الآجري رحمه الله: لا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام, عادلاً كان الإمام أم جائراً, فخرج, وجمع جماعة, وسلَّ سيفه, واستحل قتال المسلمين, فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن, ولا بطول قيامه في الصلاة, ولا بدوام صيامه, ولا بحسن ألفاظه في العلم, إذا كان مذهبه مذهب الخوارج.
• تحذير الناس من البدع والدَّاعين لها: ** قال الأوزاعي: إذا ظهرت البدع فلم ينكرها أهل العلم صارت سنة.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان المتكلم داعياً إلى بدعة, فهذا يجب بيان أمره للناس, فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق.
• المبتدعون خوارج الشرائع: قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: كما لا يحسن في سياسة الملك العفو عمن سعى على الدولة بالخروج على السلطان, لا يحسن أيضاً أن يُعفى عمن ابتدع في الأديان, لأن فساد الأديان بالابتداع كفساد الدول بالخروج على الملك والاستتباع, فالمبتدعون خوارج الشرائع.
• الحذر من البدعة والابتداع في دين الله: ** قال أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب, احفظ عني أربعاً: لا تقل في القرآن برايك, وإياك والقدر, وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك, ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينفذوا فيه ما شاءوا.
** قال عثمان بن حاضر الأزدي: دخلت على ابن عباس, فقلت: أوصني, فقال: عليك بالاستقامة, ولا تبتدع.
البدعة أحبً إلى إبليس من المعصية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال أئمة الإسلام: أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يُتاب منها والمعصية يُتاب منها."
ومعنى قولهم أن البدعة لا يُتاب منها: أن المُبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله قد زُيّنَ له سُوء عمله فرآه حسناً فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً, لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه أو بأنه ترك حسناً مأموراً به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله, فما دام يرى فعله حسناً وهو سيء في نفس الوقت, فإنه لا يتوب، ولكن التوبة منة ممكنة وواقعة, بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال, وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه, فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم كما قال تعالى: ﴿{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }﴾ [محمد: 17] وقال: ﴿{ولو أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}﴾ [النساء: 66-68] وقال: ﴿{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}﴾ [الحديد: 28].
وكذلك مَنْ أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعاً لهواه, فإن ذلك يورثه الجهل والضلال, حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح, كما قال تعالى: ﴿{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}﴾ [الصف: 5] وقال تعالى: ﴿{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضً}﴾ [البقرة: 10] ولهذا قال مَنْ قال من السلف: إن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها, وإن من عقوبة السيئة, السيئة بعدها.
الوصية بترك علوم أهل البدع: ** الوليد بن أبان الكرابيسي, المتكلم, لَمَّا حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحد أعلم بالكلام مني؟ قالوا: لا, قال: فتتهموني؟ قالوا: لا, قال: فإني أوصيكم, عليكم بما عليه أصحاب الحديث.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في ترجمة "صدقة بن الحسين البغدادي الحنبلي" قال ابن البدنيجي: رأيت صدقة في حالة حسنة, وقال لي: لا تشتعل بعلم الكلام, فما كان أضرّ عليّ منه.
• وسوسة الشيطان لأهل البدع: قال الخطيب البغدادي رحمه الله: كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابيين ليغتسل, ويتطهر, فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء، فقال: مسألة؟ قال: وأنا على هذه الحال؟ قال له: نعم, فقال: أليس رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاغ, فهذا الذي أنت فيه إيش؟ قال بشر: إبليس يوسوس لي, ويوهمني أني لم أطهر, فقال الكرابيسي: فهو الذي وسوس لك حتى قلت القرآن مخلوق.
• الحذر من القراءة في كتب أهل البدع والأهواء: قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: وجدت تصانيف كثيرة للمعتزلة, مثل: عبدالجبار الرازي, والجبائي, والكعبي, والنظام, وغيرهم, ولا يجوز إمساك تلك الكتب ولا النظر فيها, كيلا تحدث الشكوك ويوهن الاعتقاد, فكذا المجسمة صنفوا كتباً في هذا الفن, مثل: محمد بن الهيصم, وأمثاله, ولا يحل النظر فيها ولا إمساكها, فإنهم شر أهل البدع, وقد وقع في يدي بعض هذه التصانيف فما أمسكت منها شيئاً.
• تلبيس إبليس على الخوارج قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: أول الخوارج وأقبحهم حالاً ذو الخويصرة.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بعث علي من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة، فقسمها رسول الله بين أربعة، فوجد من ذلك بعض أصحابه والأنصار وغيرهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تتمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباح مساء) ثم أتاه رجل غائر العينين, مشرف الوجنتين, ناشز الجبهة, كثُّ اللحية, مُشمِّرُ الإزار, محلوق الرأس, فقال: اتِّقِ الله يا رسول الله, فرفع رأسه إليه, وقال: (ويحك أليس أحق الناس أن يتقى الله أنا) ثم أدبر, فقال: يا رسول الله ألا أضرب عُنُقهُ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلعله يصلي) فقال: إنه رُبَّ مُصلًّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لم أؤمر أن أنقب على قلوب الناس, ولا أشقَّ بطونهم) ثم نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُقفًّ, فقال: (إنه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرقُ السهمُ من الرَّميَّة).
هذا الرجل يقال له: ذو الخُويصرة التميمي وفي لفظ: أنه قال: اعدل فقال: (ويلك ومن يعدل) فهذا أول خارجي خرج في الإسلام, وآفته أنه رضي برأي نفسه, ولو وفق لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأتباع هذا الرجل الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولا أعجب من اقتناع هؤلاء بعلمهم واعتقادهم أنهم أعلم من علي عليه السلام, فقد قال ذو الخويصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعدل فما عدلت, وما كان إبليس ليتهدي إلى هذه المخازي, نعوذ بالله من الخذلان.
• أهل السنة والجماعة عندهم الثبات وأهل البدع عندهم التردد: قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: أهل السنة عندهم من اليقين والثبات ما ليس عند غيرهم, فالمبتدعة عندهم من التردد والشكوك الشيء الكثير, وكلما ازداد الإنسان في التعمق في علم بدعته كثرت الشكوك عنده, ولذلك تجد أرباب هذه الفرق لولا ما يستفيدونه من أمور دنيوية من مال, وشهرة, أو نحو ذلك, لتركوا طريقهم, لأن عندهم من الشك والحيرة الشيء الكثير, بخلاف أهل السنة والجماعة كلما ازداد الإنسان منهم علماً ازداد بصيرة, وازداد يقيناً وثباتاً وطمأنينة.
• أسباب نفع الله بردود علماء أهل السنة والجماعة على أهل البدع: قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: نفع الله جل وعلا بعلماء أهل السنة والجماعة في رد البدع والضلالات نفعاً عظيماً.
وذلك لعدد من الأمور: الأمر الأول: أنهم ينطلقون في معتقدهم وفي ردودهم من الكتاب والسنة, والكتاب والسنة تذعن لهما النفوس المؤمنة, وفيها الحجج العقلية المقنعة, والبراهين النقلية الواضحة, بخلاف غيرهم من أهل البدع فإنهم ينطلقون في ردودهم من مصادر أخرى.
الأمر الثاني: أنهم يردون البدعة بالسنة, بخلاف غيرهم فإنهم يردون البدعة ببدعة.
الأمر الثالث: من مميزات كتابة أهل السنة والجماعة: أنهم يجتنبون المتشابه من القول, فالألفاظ والأقوال والجمل التي تحتمل معاني متعددة يتوقفون عن إطلاقها إثباتاً ونفياً ويكتفون بما ورد في النصوص الشرعية.
• رد أئمة الإسلام على أهل البدع: قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: الرد على المبتدعة هذا ظاهر في حال أئمة الإسلام,... ولم يشغلوا أنفسهم بالرد على اليهود والنصارى وسائر ملل أهل الكفر, وذلك لأن شر المبتدع قد لا يظهر لكثير من أهل الإسلام, ولا يؤمن على أهل الإسلام, أمَّا الكافر الأصلي من اليهود والنصارى فشرّه وضرره بيّن واضح لكل مسلم.
ولهذا لا يحسن أن يُنسب إلى أهل السنة والجماعة أنهم مفرِّطون في الردّ على اليهود والنصارى ومنشغلون بالرد على أهل الإسلام, كما قال بعض العقلانيين من المعتزلة وغيرهم: إن أهل السنة انشغلوا بالرد على أهل الإسلام وتركوا الرد على الكفار... هذا سببه هو ما سبق بيانه من أن شر البدع أعظم, لأن هؤلاء يدخلون على المسلمين باسم الإسلام, وأمَّا اليهود والنصارى ففي القلب منهم نفرة.
وليس معنى هذا ذلك أن المؤمنين من أهل السنة لا ينشغلون بالرد على اليهود والنصارى... فالرد على كل مُعادٍ للإسلام من الكفار الأصليين ومن أهل البدع متعين وفرض... وكلّ منا يرد في مجاله: منّا من يردّ على اليهود والنصارى, ومنّا من يردّ على المبتدعة, ونحن جميعاً نكون حامين لبيضة الإسلام من تلبيسات الملبسين, ومن بدع المبتدعين, وشرك المشركين, وضلالات الكفار.
• العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة, وبين غيرهم: قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة, وبين غيرهم, أنهم يحكّمون الكتاب والسنة ويعملون بإجماع الأمة في مسائل عقائدهم, وأما غيرهم فإنهم يقدمون غير النصوص عليها إما من العقول أو من الذوق أو غير ذلك.
• الحذر أن يكون الإنسان سبباً في انتشار البدعة: قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: كثير من الناس يُشغل وقته بالحكم على الناس, وذكر معايبهم, وقد يحصل من هذا إشكالات كثيرة, فتجد غالب وقته: فلان مبتدع, وفلان كذا. فنقول: ما الثمرة من مثل؟ يكفى منك أن تحذر من العمل فقط, لأنك حذّرت من عمل حذَّر الناس من القائمين به, ومن ثم فأنت لا تحتاج إلى تسمية فلان وفلان, لأنك بتسميته ستعزه, وتُشهِره, وتجعله قضية للناس, فناس تدافع عنه, وناس تتكلم فيه, وهذا خلاف المنهج الشرعي, فإن المنهج الشرعي أن مثل هؤلاء الذين يقعون في الأخطاء يُعرض عنهم, بل عليك أن ترد ذلك الخطأ وتبين الحكم الشرعي فيه, أما زيد وعبيد فلا ثمرة من ذكرهم بل قد يكون هذا سبباً في انتشار البدعة ويصبح لها متعصبون.
وختاماً: فليحرص المسلم على القراءة في الكتب التي صنفها أهل العلم في البدع, قال العلامة عبدالله عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: البدع ألّف فيها العلماء, وحذّروا منها إجمالاً وتفصيلاً, ومن المتقدمين: ابن وضاح رحمه الله, في رسالة له صغيرة طبعت بعنوان: "البدع والتهي عنها" مقتصراً على الأدلة التي يرويها بأسانيده المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وإلى الصحابة رضي الله عنهم, وعلماء التابعين, ومشاهير علماء سلف الأمة, وقد أفاد وأجاد.
وكذا ألف في ذلك أبو شامة رحمه الله تعالى, رسالة: "الباعث على إنكار البدع والحوادث" حيث ذكر الأمثلة الكثيرة التي يُقال: إنها من البدع, وأورد كلاماً كثيراً صاغه المؤلف, أو نقله عن العلماء قبله, وقد أجاد وأفاد, وحصل على المراد". كتبه: فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:27 am | |
| كيف نفهم عبارات السلف في أهل الأهواء والبدع؟! أولاً: اعتبار المصلحة والمفسدة: تعامل السلف مع البدعة يختلف باختلاف تحقق المصالح الشرعية المعتبرة التي تدور معها الكثير من أحكام الإسلام وجودًا وعدما مما أكسب أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خيريتها أمرُها بالمعروف وإنكارها المنكر، وبتضييعهما تفقدها، فقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، ويدخل في هذا الباب بيان حال المبتدعة المبدلين للشرع بعبثهم أو حتى بجهلهم" ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شئ من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، ويذمونهم بذلك، ويأمرون بألا يغتر بهم ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج أو العبادة والأحوال "[1]، وما ذلك إلا حفاظًا على الدين وحراسة لإيمان العوام مما يُلبَّس به عليهم من الضلالات.
يقول شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ت 728هـ في أمثال هؤلاء: "ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل"[2]
فقام لأجل ذلك أئمة الدين وحرّاس السنة بواجب البيان خير قيام، واختلفت عباراتهم وتنوعت أساليبهم ومواقفهم حيال المبتدعة، فتباينت تبعًا لذلك أفهام الناس في تفسير هذه العبارات وتلك المواقف؛ فمنهم من طرد كلامهم على الجميع ولم يفرق، فكفّر وفسّق بغير سلطان أُوتيه، " وبإزاء هؤلاء المكفّرين بالباطل أقوامٌ لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه وما عرفوه منه قد لا يبيّنونه للناس بل يكتمونه ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم؛ بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذمًا مطلقًا؛ لا يفرقون فيه بين ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع وما يقوله أهل البدعة والفرقة أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة كما يقر العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة.
وإنما الواجب بيان ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وتبليغ ما جاءت به الرسل عن الله والوفاء بميثاق الله الذي أخذه على العلماء فيجب أن يعلم ما جاءت به الرسل ويؤمن به ويبلغه ويدعو إليه ويجاهد عليه.. "[3]
فبحول الله نستعرض في هذه السطور من كلام شيخ الإسلام ما يشرح الإجمال في كلام الأئمة المتقدمين ويكشف الإبهام عن عباراتهم، حتى لا نقع في إفراط أو تفريط بين الوعد والوعيد، مفرقين في ذلك المقام بين الحكم على المقالة أو المذهب البدعي والقائل أو المنتسب له، فلا تلازم بينهما، فيدخل في ذلك ما يدخل في قاعدة التكفير من عدم التلازم بين كفر المقالة وكفر قائلها، بل هناك من الشروط الواجب توفرها والموانع الواجب انتفاؤها قبل صدور الحكم على المعينين[4]، مع الجزم ببدعية المقالة أو كفريتها، " فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له "[5]، فهذا بيان التفريق بين المقامين من كلام شيخ الإسلام، يزيده وضوحًا مواقفه العملية وما يحكيه عن نفسه في محنته فيقول: " وكنت أبين لهم أنما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين "[6]، ويقول أيضًا: " فإذا رأيت إمامًا قد غلّظ على قائل مقالته أو كفّره فيها فلا يعتبر هذا حكمًا عامًا في كل من قالها إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه والتكفير له "[7]، ففي هذا الإطار تُفهم إطلاقات الأئمة في المقالات البدعية وأصحابها على جهة البيان والتحذير، لا أن ذلك لازم لكل من وقع فيها.
ثم إنه ليس كل من انتسب إلى مقالة قد انطلق من أصولها ولا التزم كل لوازمها، " ولازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبًا، بل أكثر الناس يقولون أقوالا ولا يلتزمون لوازمها، فلا يلزم إذا قال القائل ما يستلزم التعطيل أن يكون معتقدًا للتعطيل، بل يكون معتقدا للإثبات ولكن لا يعرف ذلك اللزوم "[8]، وقد لا تكون باطلة من كل وجه بل يظهر فيها الحق باعتبار، فيقول ابن تيمية في المنهجية في التعامل مع المقالات: " فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع، وهو أن ينظر في " شيئين في المقالة " هل هي حق؟ أم باطل؟ أم تقبل التقسيم فتكون حقًا باعتبار باطلًا باعتبار؟ وهو كثير وغالب، ثم النظر الثاني في حكمه إثباتا أو نفيا أو تفصيلا، واختلاف أحوال الناس فيه، فمن سلك هذا المسلك أصاب الحق قولا وعملا وعرف إبطال القول وإحقاقه "[9]
ثم بعد الانتساب يتفاوتون، فمن ضل في مسألةٍ ليس كم تبنى كامل المقالة، وليس كمن اتبع مذهبًا متكاملًا، وليس كمن دعا إليه أو صنف فيه وأصّل له، ولا كمن امتحن وعذّب، فليسوا سواءً، وقد فرق أئمة الحديث قديمًا في الرواية عن الداعي والرواية عن المنتسب الساكت، فقيل للإمام أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله سمعتَ من أبي قطن القدريّ؟ قال: " لم أره داعية، ولو كان داعية لم أسمع منه "، وسئل: أيكتب عن المرجئ والقدريّ؟ قال: " نعم يُكتب عنه إ ذ لم يكن داعيًا "، قال الخطيب البغدادي: إنما منعوا أن يكتب عن الدعاة، خوفًا أن تحملهم الدعوة إلى البدعة والترغيب فيها على وضع ما يحسنها[10]
ثم إن البدع ليست على درجة واحدة من الشريعة، فما قيل في ذم القائلين بخلق القرآن يختلف عما قيل في ذم إرجاء الفقهاء أو تشيع الكوفيين، وقد تردد على بن أبي طالب في قتال الخوارج لكنه لم يتردد في قتل من ادّعى فيه الإلوهية، ولذا فرق أصحاب الحديث في الرواية عن المبتدعة تبعًا لمقالاتهم، يقول ابن رجب ت 795ه - بعد أن أورد االخلاف في الرواية عن المبتدعة - فيقول: " فيخرج من هذا: أن البدع الغليظة كالتجهم يرد بها الرواية مطلقًا، والمتوسطة كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها، والخفية كالأرجاء، هل تقبل معها الرواية مطلقا أو ترد عن الداعية؟، على روايتين "[11]
وقد أورد ابن تيمية صورًا من الخطأ على الإئمة وأنواعًا من الانحراف في التصرف في أقوالهم، فمنها: " الثالث: قول قاله الإمام فزيد عليه قدرًا أو نوعًا كتكفيره نوعًا من أهل البدع كالجهمية فيجعل البدع نوعًا واحدًا حتى يدخل فيه المرجئة والقدرية، أو ذمه لأصحاب الرأي بمخالفة الحديث والإرجاء فيخرِج ذلك إلى التكفير واللعن، أو رده لشهادة الداعية وروايته وغير الداعية في بعض البدع الغليظة فيعتقد رد خبرهم مطلقًا مع نصوصه الصرائح بخلافه وكخروج من خرج في بعض الصفات إلى زيادة من التشبيه "[12]
" ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا لأصل المأخوذ ابتداءً عن المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك: منهم من يعظمهم، لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم، لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخيار الأمور أوساطها. "[13]، وقد كانت لحاطب -رضي الله عنه- حسنات في الإسلام شفعت له عند رسول لما وقعت منه الخيانة، فقال عمر بن الخطاب: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فأضرب عنقه، قال: فقال: " يا عمر، وما يدريك، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة"، قال الراوي: فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم[14]
ولا بد بعد ذلك -لفهم كلام السلف في شأن مقالات المبتدعة وأحكامهم- من استحضار مجموعة من الاعتبارات المهمة، التي ترفع ما يبدو للناظر للوهلة الأولى من تضارب في عبارات الأئمة وتوضح الإبهام والإجمال في مواقفهم: أولًا: اعتبار الظرف الزمني: فالقرون الأولى كانت قريبة عهد بالصحابة والتابعين من تربى في أحضانهم، والتمسك فيها بالدين كان على أشدّه، ومن يرى إنكار الصحابة للمخالفات التي ظهرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كانوا يعدونها من الموبقات، وتعامل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع ابن صبيغ وقد أعد له عراجين النخل لما شم منه رائحة الابتداع، يدرك استعظامهم للإحداث في الدين، واستهجانهم الخروج عنه وإن دقت المسألة، بخلاف تعامل من جاء بعد القرون الفاضلة وقد كثُرت البدع واندرس الكثير من العلم، واستقرت المقالات وصار لها أتباع ومدارس وأحيانًا سلطة تتبناها وتنشرها وتمتحن الناس فيها، بل وتسجن وتعذب المخالف لها، لذا يقول شيخ الإسلام: " وقلّ طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط لكثرة ما وقع من شبه أهل البدع؛ ولهذا يوجد في كثير من المصنفات في أصول الفقه وأصول الدين والفقه والزهد والتفسير والحديث؛ من يَذكر في الأصل العظيم عدة أقوال ويحكي من مقالات الناس ألوانًا، والقول الذي بعث الله به رسوله لا يذكره؛ لعدم علمه به لا لكراهته لما عليه الرسول "[15]..
ويقول أيضًا: "فلما طال الزمان خفي على كثير من الناس ما كان ظاهرًا لهم ودق على كثير من الناس ما كان جليًا لهم، فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا في السلف، وإن كانوا مع هذا مجتهدين معذورين يغفر الله لهم خطاياهم ويثيبهم على اجتهادهم، وقد يكون لهم من الحسنات ما يكون للعامل منهم أجر خمسين رجلا يعملها في ذلك الزمان؛ لأنهم كانوا يجدون من يعينهم على ذلك وهؤلاء المتأخرون لم يجدوا من يعينهم على ذلك"[16]
ثانيًا: اعتبار البعد الجغرافي: فالبقاع التي كانت مهبط الرسالة وعاش فيها جيل الصحابة ونَشؤهم على الدين الخالص يختلف تعامل الأئمة فيها مع البدع عن أطراف العالم المسلم التي كانت حديثة عهد بإسلام، وقد اختلط فيها الإسلام بالمذاهب والفلسفات والثقافات الباطلة السابقة على دخوله، وعمت وكثر المعتنقون لها، حتى أصبح أتباع السلف فيهم قلة لا يقوون على الإنكار، مثال ذلك ما جاء " في مسائل إسحاق بن منصور -وذكره الخلال في " كتاب السنة " في باب مجانبة من قال: القرآن مخلوق- عن إسحاق أنه قال لأبي عبد الله: من قال: القرآن مخلوق؟ قال: ألحق به كل بلية، قلت: فيظهر العداوة لهم أم يداريهم؟ قال: أهل خراسان لا يقوون بهم، وهذا الجواب منه مع قوله في القدرية: لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة، ومع ما كان يعاملهم به في المحنة: من الدفع بالتي هي أحسن ومخاطبتهم بالحجج يفسر ما في كلامه وأفعاله من هجرهم والنهي عن مجالستهم ومكالمتهم، حتى هجر في زمن غير ما أعيان من الأكابر وأمر بهجرهم لنوع ما من التجهم "[17]
ويوضح ابن تيمية مفرقًا بهذا البعد المكاني من كلام الإمام أحمد، فيقول: "وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع ؛كما كثر القدر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كذلك "[18]، ويقول أيضًا في التعامل مع البدعة بعد أن أصبحت من قبيل الأمر الواقع: " كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية، فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة، وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي، وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم"[19]
ثالثًا: اعتبار المصلحة والمفسدة: تعامل السلف مع البدعة يختلف باختلاف تحقق المصالح الشرعية المعتبرة التي تدور معها الكثير من أحكام الإسلام وجودًا وعدما، وذلك في درجة الإنكار وصورته، فيقول ابن تيمية في هجر المبتدعة وهي من صور الإنكار عليهم: "وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجِرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر. والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ "[20]، وهذا الاعتبار له صلة بالاعتبار المكاني، " فحكم المسلم يتنوع كما تنوع الحكم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق مكة وفي المدينة. فليس حكم القادر على تعزيرهم بالهجرة حكم العاجز ولا هجرة من لا يحتاج إلى مجالستهم كهجرة المحتاج"[21]
رابعاً: اعتبار الفروق الشخصية: فالسلف ليسوا على درجة واحدة في الإنكار فمنهم من يُعرف بشدته ومنهم من يعرف بتساهله، وأقرب مثال لذلك تفاوت أهل الحديث في جرح الرجال وتعديلهم، فيقول الخطيب البغدادي ت 463ه عن بعض النقاد: "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لرد الحديث ولا مسقطًا للعدالة"[22]، كما روى عن شعبة أنه قيل له: لم تركت حديث فلان؟ قال: "رأيته يركض على برذون فتركت حديثه"[23]
ولعل اختلاف آراء الصحابة في التعامل مع أسرى بدر من هذا الباب، فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك إلى اختلاف طباعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟" قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم، واستأن بهم، لعل الله أن يتوب عليهم، قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قربهم فاضرب أعناقهم، قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثم أضرم عليهم ناراً قال: فقال العباس: قطعت رحمك، قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عليهم شيئاً، قال: فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال: فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله ليلين قلوب رجال فيه، حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه، حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام، قال: ﴿مَن تبعني فإنَّهُ مِنّي، ومَنْ عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ﴾ [ابراهيم: 36]، ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ [المائدة: 118]، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّارًا﴾ [نوح: 26]، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى، قال: رب ﴿اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم﴾ [يونس: 88] [24]
خامسًا: اعتبار السياق: فما قيل في سياق الكتابة والتقعيد ليس كما قيل في سياق الامتحان والجدال، فحضور الذهن وانتقاء العبارات يكون حاضرًا في الأولى دون الثانية، وحدة الألفظ وإطلاق الذم قد يقصد به في الثانية لمصحلة الانزجار والتخويف، وقد يُعذر قائله فيه لغير ذلك، فيستقى منهجه من الأول دون الثاني، وهذا يفسر ما كان من ابن تيمية في محنته حيث يحكي قائلًا: "فأغلظت لهم في الجواب، وقلت لهم بصوت رفيع: يا مبدلين يا مرتدين عن الشريعة يا زنادقة، وكلامًا آخر كثيرًا، ثم قمت وطلبت فتح الباب والعود إلى مكاني"[25]
ويحمل على نفس السياق ما كان من الإمام أحمد بن حنبل لما أرسل إليه من يكلمه ويناظره في محبسه، يقول رحمه الله: "فقال لي أحدهما في بعض الأيام في كلام دار وسألته عن علم الله، فقال: علم الله مخلوق، قلت: يا كافر! كفرت، فقال لي الرسول الذي كان يحضر معهم من قِبَل إسحاق: هذا رسول أمير المؤمنين، قال: فقلت: إن هذا قد كفر، وكان صاحبه الذي يجيء معه خارج، فلما دخل قلت: إن هذا زعم أن علم الله مخلوق، فنظر إليه كالمنكر عليه، قال: ثم انصرف"[26]
فهذه بعض الاعتبارات التي إذا ما جُمعت تبين الحال وارتفع الإشكال، وسلك المرء طريق الاعتدال بين من حَرموا أنفسهم من الاستفادة من العلوم النافعة عند أولئك الأئمة، وبين المتساهلين الذين لا يُفرقون بين السنة والبدعة.
ونختم بجُمل نفيسة من كلام الذهبي ت 748هـ، في أحد الإئمة الذين عُرف عنهم القول بالقدر رغم علو كعبه في العلم، فيقول: "وكان يرى القدر - نسأل الله العفو، ومع هذا، فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل.
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلَـلُـهٌ، ولا نُضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك" [27]، والله أعلم.
كتبه: أحمد بيومي
الهوامش: [1] الاستقامة، ص 254/1 [2] مجموع الفتاوى، ص 231/28 [3] مجموع الفتاوى، ص 467/12 [4] وأما هذه الشروط وتلك الموانع فلا تكفي هذه السطور لبسطها، وليس هذا مقامها، وإنما المراد وضع أطر عامة للتعامل مع عبارات الأئمة التي قد تشكل على البعض، والله المستعان. [5] مجموع الفتاوى، ص 501/28 [6] مجموع الفتاوى، ص 231/3 [7] مجموع الفتاوى، ص 61/6 [8] مجموع الفتاوى، ص461/14 [9] مجموع الفتاوى، ص 61/6 [10] انظر الكفاية في علم الرواية، ص 126 -128 [11] شرح علل الترمذي، ص 358/1 [12] مجموع الفتاوى، ص 185/20 [13] درء تعارض العقل والنقل، ص 102/2 [14] صحيح البخاري: 6259 [15] مجموع الفتاوى، ص 484/5 [16] مجموع الفتاوى، ص 65/13 [17] مجموع الفتاوى، ص 210/28 [18] مجموع الفتاوى، ص 206/28 [19] مجموع الفتاوى، ص 212/28 [20] مجموع الفتاوى، ص 206/28 [21] مجموع الفتاوى، ص 216/28 [22] الكفاية، ص 109 [23] الكفاية، ص 110 [24] مسند أحمد: 3632 [25] التسعينية، ص 118/1 [26] سيرة الإمام أحمد بن حنبل، ص 52 [27] سير أعلام النبلاء، ص 271/5 |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:31 am | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة - (1) دعوة أهل البدع
البدعة تُفْسِد الإسلام، وتُحَرِّف الناس عن الحق إلى مزالق، وهو ما يُقَسِّمهم شيعًا وأحزابًا. فما هي البدعة؟ وما أقسامها؟ وما مدى خطورتها؟ وكيف نتعامل مع المبتدع؟
مقدمة: دعوة أهل البدع إلى الحق وظيفةُ العلماء، لا يجوز التساهل فيها، أو التقصير في أدائها؛ إذ بها تتم حماية الدين، وتنقيته من شائبة الباطل.
وعلى مَن تصدَّى لدعوة أهل البدع أنْ يعرف: ما هي الأصول والضوابط التي ينبغي التزامها؟ وما هي المحاذير والمزالق التي ينبغي تجنُّبها؟
وقبل البدء في الموضوع، نعرج بشيء من الإيجاز على تعريف المبتدع، والبدعة، وذكر أنواعها، وخطرها، ثم ذكر حكم المبتدع، وما هو الأصل في التعامل معه؟
البدعة: هي طريقة في الدِّين مخترعة، تضاهي الشرعية، يُقْصَد بالسلوك عليها المبالغةُ في التعبُّد لله سبحانه؛ وهذا على رأي مَن لا يُدْخِل العادات في معنى البدعة، وإنما يَخُصُّها بالعبادات. (الاعتصام [1/ 21]).
وهي ليست على درجة واحدة من الشر، بل هي متفاوتة.
ويصنِّف العلماءُ البدعةَ مِن عدة زوايا، فمِنْ حيث مجالها، تنقسم إلى: 1. بدعة اعتقادية: وهي اعتقاد الشيء على خلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، كبدعة الخوارج في اعتقادهم تكفير العصاة من المسلمين؛ وكالمجسمة والمشبِّهة الذين شبَّهوا الله بخَلْقه تعالى الله علوًّا كبيرًا.
2. وبدعة عملية: وهي التي تكون في المسائل الفقهية القطعية أو الظَّنيّة، كالتي تكون في العمل الظاهر، كصلاةٍ تخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من الأعمال. وكلُّها داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رَدٌّ». (أخرجه مسلم في كتاب الأقضية [1718]).
3. وبدعة قولية: وهي ما كان فيه تغيير لما جاء في كتاب الله عز وجل، ولِمَا ثبت في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأقوال المبتدعة من الفِرَق المشهورة، مما هو ظاهرُ المخالَفة للكتاب والسُّنَّة، وظاهر الفساد والقُبْح، كأقوال الرافضة والخوارج والجَهْمية والمعتزلة والأشعرية؛ وجميع الفِرَق المؤولة، التي وضعت لنفسها مناهجَ مخالِفة لمنهج الطائفة الناجية المنصورة، الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة.
ومنهم مَن قسَّمها إلى نوعين: 1. نوع في الأقوال والاعتقادات. 2. ونوع في الأفعال والعبادات.
والثاني يتضمن الأول، كما أنَّ الأول يدعو إلى الثاني.
وتُقسَّم البدعة بحسب ما يَؤُول إليه صاحبُها إلى: 1. بدعة مكفِّرة. 2. وبدعة غير مكفِّرة.
وربما تخلَّف الحكمُ على المعيَّن بالبدعة رغم قيامه بها إذا توفَّر مانعٌ أو انتفى شرطٌ؛ فالحكمُ على العمل أو القول لا يلزم منه تبديعُ المعيَّن القائل أو العامل به؛ إلا إذا أُقيمت عليه الحُجَّة، وتوفرت الشروط وانتفت الموانع.
خطر البدع: البدعة أشد من المعصية، ويرجع ضررها إلى وجوه: • الأول: أنَّ البدع مفسِدة للقلوب، مزاحِمة للسُّنة في إصلاح النفوس، فهي أشبه ما تكون بالطعام الخبيث، وفي هذا المعنى يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: "الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبقَ فيها فضلٌ للسنن، فتكون بمنزلة مَن اغتذى بالطعام الخبيث". (اقتضاء الصراط المستقيم [1/ 281]).
فهي تُلْبَس لباس الدِّين، فيظن المنتسب لها أنها حق، وأنه مأجور عليها، وبذلك فإنه يَعْقِد عليها الكُرْهَ والحبَّ والولاء والبراء والثواب والعقاب، فتزاحِم السنن، تقود أصحابها إلى الاعتقادات الباطلة، والأعمال الفاسدة، والخروج عن الشريعة.
• الثاني: أنه في مقابل كل بدعة تُهْدَم سُنَّة، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام أيضًا: "مِن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة: الخروج عن الشِّرعة والمنهاج الذي بُعِثَ به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا؛ فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظانّ الكفر، كما أنَّ السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان، ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية". (مجموع الفتاوى [10/ 565]).
لذا كان منهج المبتدعة قائمًا على معارضة نصوص الكتاب والسُّنَّة، كما قال شيخ الإسلام. (راجع كلامه في: درء تعارض العقل والنقل [1/ 149]).
حكم التعامل مع المبتدع: المبتدع في الأساس شخصٌ يريد الحقَّ، ويقصد التقرُّب، وهذا الغالب في أحوال الكثير من أتباع البدع، يقول الله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:27]. فالمبتدع مريد للحق لكنه ضل طريقه إليه.
لذا فإنَّ أهل البدعة قد يُظْهِرون مِن التنسُّك أو الأحوال ما يُعبِّر عن اعتقادهم الحق فيما يؤمنون به؛ ومن أجل ذلك فإن المبتدع -ما لم يكن زنديقًا- يُحْكَم له بالإسلام، ويبقى شأنه وحاله أفضل بكثير ممَّن قصد الكفر البُواح أو الشرك الظاهر، إلا أنَّه ونظرًا لخطورة البدعة على الدِّين نفسه من حيث هو؛ فإن المبتدع أخطر شأنًا على الدِّين وأهل الإسلام من الكافر والمشرك؛ لأنَّ البدعة تُفْسِد الإسلام، وتُحَرِّف الناس عن الحق إلى مزالق لتأويله ما يُقَسِّمهم شيعًا وأحزابًا. وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم -في حديثه عن افتراق اليهود والنصارى وهذه الأمة- إلى مدى تأثير الاختلاف في الدين على وقوع كثير مِن الفِرَقِ في النار.
لذا كان مِن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم حازمًا وصارمًا مع مَن أظهروا الغلوَّ أو أحوال وأقوال بعيدة عن سُنَّته، وتوعَّد مَن اتخذ هذا المسلك، وحذَّر أمته منه، لا لشيء إلا لكي يظل الحق الذي أنزله الله ناصعًا نقيًّا مما قد يشوبه من أهواء الناس، التي وإنْ لَبَّت رغبةَ قومٍ أو ذائقتهم، أو وافقت آراءهم العقلية؛ إلا أنها لن توافق قومًا آخرين؛ أمَّا الحق الذي أنزله الله تعالى فيوافق العقول السليمة جميعًا وذائقة النفوس البشرية كافة، ويدور في حدود طاقاتهم وقدراتهم دون تكلُّف وتنطُّع. فكم شوَّهت البدع -رغم نظر أصحابها إليها بالحسن- الإسلام في نظر غير المسلمين، فصرفتهم إلى باطل، وزهَّدتهم في الحق!
وإذا كان المبتدع جزءًا من الكيان الإسلامي وجسد الأمة؛ فإن حقوق الأخوة الإيمانية التي قرَّرها الإسلام تظل محفوظة له، متمتعًا بكافة الحقوق الشرعية التي فرضها الإسلام، إلا أنَّ هنا مَلْحَظًا مُهِمًّا، وهو أنَّ مِن طبيعة المجتمعات أنْ تتعامل في الجانب المادي من حياتها عند وجود الضرر والأذى مِن قِبَلِ شخص مريض أو مختل أنْ يُباشروا مِنَ التدابير ما يُعِينهم على إزالة الضرر ورفع الأذى، أو في أقل الأحوال حَصْرها، وبما لا يُخِلّ بحق المريض أو المختل في الرعاية، مع إمكانية تقييد بعض حرياته أو إسقاط بعض حقوقه لمصلحة أكبر؛ هذه الصورة المادية تُقابلها صورةٌ معنويةٌ في حال كان الشخص مجرمًا أو صاحب خُلُقٍ سيِّئ، حيث يأتي عوضًا عن الحَجْر الصحي والعلاج المادي حَجْرٌ من نوع آخر وعلاجٌ من نوع آخر.
وهذه السُّنَّة الاجتماعية لا يُغْفِلها الإسلامُ في المبتدع، باعتباره شخصًا مُخْتلًا في جانب الدِّين، ومِن ثَمَّ فكما أنَّ للجوانب الأخرى تدابيرها لصيانتها في حياة المجتمع يكون الدِّين أحق بهذه التدابير.
ومِن هنا يأتي الإسلام ليرسم أحكام التعامل مع المبتدع من هذه الزاوية، زاوية أنَّ المقصود من التعامل مع المبتدع أمران: • الأول: معالجة المبتدع، وإخضاعه للتدابير التي مِن شأنها تحقيق العلاج لأهدافه. • الثاني: صيانة المجتمع من الآثار التي قد تلحق به دينيًّا مِن البدعة ذاتها، فضلًا عن المبتدع.
وكما هي حالات المرض؛ يتفاوت تقييم الإسلام للبدعة وصاحبها، ومِن ثَمَّ يختلف تعامُل المجتمع الإسلامي مع المبتدع بحسب البدعة ذاتها، وبحسب تأثير المبتدع من جهة أخرى.
ومِن أَوْلَى أحكام التعامُل مع المبتدع: 1. بيان مخالفته للدِّين بالحُجَّة والبرهان والدليل، وهذا ما سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك الشاب، الذي أتى يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزنا!! ومع ذلك الشخص الذي توجَّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالقولِ: اعدِلْ يا محمد!
2. نُصْح المبتدع، وإظهار الشفقة به، مع بيان عِظَم ما وقع فيه وعِظَم الآثار التي ستترتب على بدعته؛ وهذا بالفعل ما قام به عبدالله بن عباس رضي الله عنه وهو يُحاوِر الخوارج، ويُلْزِمهم بلازمِ مَذْهَبهم الذي ذهبوا إليه في شأن الفريقين المتقاتلين مِن الصحابة.
3. الوقوف بصرامةٍ إزاء تحوُّل هذه البدعة إلى مَذهب يتلقَّفه الناس، ويتخذونه منهجًا؛ لذا حذَّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مِنَ البناء على القبور واتخاذها مساجد، ولعن اليهود والنصارى معرِّضًا بهم كل مَنْ يقوم في هذه الأمة بهذه البدعة. كما واجه الرسول عليه الصلاة والسلام النفرَ الذين تقالُّوا عبادته في شأنهم لما قد غُفِرَ للرسول عليه الصلاة والسلام؛ بالبيان والتحذير والإنكار الشديد.
4. وفي جميع الأحوال السابقة يبقى للمرء حقوق الإسلام، وعليه واجباته، لا يسقط منها شيء، لذا فإنه نادرًا ما كان يُقصِي الرسول صلى الله عليه وسلم مَن جاء بأمر مُنْكَر في الدِّين، بل احتمل عليه الصلاة والسلام بقاءهم في المجتمع، ولكن مع إنكاره عليهم، وتحذيره مما صنعوا. فقد كان يعلم الرسول الكريم أنَّ للشيطان مداخله على بعض الصالحين مِن جهة تشدُّدهم، أو فهمهم خطأ للدين، أو تعبُّدهم لله بما يستحسنونه من حالٍ أو هيئة؛ فإذا لم يُحسن إلى هؤلاء تحوَّلوا إلى أعداء؛ كيف وقد صبر على أعدائه من المشركين وأهل الكتاب ومنافقي المدينة.
5. غير أنَّ هناك وضعًا آخر تتحول معه البدعة إلى مهدِّد حقيقي للدين أو المجتمع -وِحدته وأمنه واستقراره-.
ما يلزم معه في هذه الحالة معالجة جادة وصارمة لذلك: أ- إنْ كانت البدعة مكفِّرة: أي أنْ يُحْدِث المرءُ من العقائد أو الأفعال أو الأقوال ما يوجب تكفيره، فإن كان ذلك صادر منه عن جهلٍ أو تأوُّل؛ بُيِّن له، ورُوجع في الأمر، وأُقيمت عليه الحُجَّة، واستتيب من قِبَل ولي الأمر، فإنْ وُجِدَ أنَّ بدعته صادرة عن زندقةٍ وإلحادٍ منه عُزِّر، وإنْ كان بالقتل. وقتل المبتدع الذي تصل بدعته حدَّ الكفر والزندقة، التي بحيث ينتقد الدين بها عادةٌ متبعةٌ في دول الإسلام؛ وتدل عليه الوقائع التي وقعت لبعض المبتدعة، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسبئية حين حرَّقهم، وكذلك قتل الجعد بن درهم والحلاج وغيرهم. والحاصل: أنَّ القتلَ مما يُعاقَب به صاحب البدعة إذا كانت بدعته مغلَّظة مكفِّرة واستُتيب ولم يَتُبْ، أو رأى أهل الحل والعقد أو الإمام أو مَن أفتى مِنَ العلماء أنَّ هذا المبتدع يُقتل وإنْ لم يُستتب.
ب- وإنْ كانت البدعة مفسِّقة، لكن لها أثرها على وِحْدة الأُمَّة وأمنها واستقرارها -كبدعة التكفير عند الخوارج-؛ فلا يُكفَّر صاحبها، لكنَّ مقاتلتَه فيما لو أفسد في الأرض، وحمل السيف؛ واجبةٌ لوَأْدِ الفتنة وإخماد ثورتهم، وهذا ما فَعَلَ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، حيث لم يُبَادِئهم بقتالٍ، ولا حَكَمَ بكفرهم ولا بنفاقهم، ومع ذلك قاتَلَهم لمَّا حَمَلوا السيف على المسلمين. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:32 am | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة - (2) هجر المبتدع
من بين أهم المعالجات التي شرعها الإسلام في مواجهة بعض الانحرافات -ومن بينها البدعة- هجر أصحابها، وذلك لتضييق دائرة تأثير أصحابها وقصر مفسدتها وإظهار المجتمع في موقف الرافض لها ليستفيق صاحبها من غفلته ويعود إلى رشده.
الهجر كعلاج للبدعة: ومن بين أهم المعالجات التي شرعها الإسلام في مواجهة بعض الانحرافات -ومن بينها البدعة- هجر أصحابها، وذلك لتضييق دائرة تأثير أصحابها وقصر مفسدتها وإظهار المجتمع في موقف الرافض لها ليستفيق صاحبها من غفلته ويعود إلى رشده.
ومن فوائد الهجر التي قصدها الشارع: 1 - بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في البدعة وتحذيرهم منها. 2 - تحجيم انتشار البدعة. 3 - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع. 4 - قمع المبتدع وزجره ليضعف عن نشر بدعته. (انظر رسالة (هجر المبتدع)، بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله، إعداد سلمان بن عبدالقادر أبوزيد، بتصرف).
فمعاشرة صاحب البدعة ومخالطته فتولد في صاحب البدعة طمأنينة إلى ما هو عليه، وربما أشعره بقبول المجتمع لبدعته وتزكيته إياها؛ وهذا قد يُغرر بالعامة، إذ أن العامة غالبًا في حال جهلهم لا يفرقون بين السنة والبدعة، وربما استحسنوا ما استحسنه المبتدع فوقعوا فيما وقع فيه، فلا بد إذاً من الحجر على المبتدع استصلاحًا للديانة، وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.
وبعد أن نقل الشاطبي -رحمه الله تعالى- بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع، قال: "فإن الإيواء يجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المشي إليه والتوقير له تعظيمٌ له لأجل بدعته؛ وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل، فصار توقيره صدودًا عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالاً على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به، والعمل بما ينافيه" (الاعتصام [1/85]).
وعلى كل حال فإن غياب التعامل الصحيح للمبتدع يحيي البدع ويميت السنن، وفي هذا هدم للإسلام بعينه.
أنواع الهجر: أنواع الهجر ثلاثة: الأول: الهجر ديانة، أي: الهجر لحق الله تعالى، وهو من عمل أهل التقوى، في هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعًا أو عاصيًا.
وهذا النوع من الهجر على قسمين: 1- هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة، قال الله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]، وقال سبحانه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (أخرجه البخاري في الإيمان).
2- هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على المبتدعة على وجه التأديب، في دائرة الضوابط الشرعية للهجر حتى يتوب المبتدع ويفيء.
وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها.
النوع الثاني: الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي الهجر لحق العبد، وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأسانيد في الصحيحين وغيرها، وجميعها تفيد أن الشرع لم يرخص بهذا النوع من الهجر بين المسلمين إلا بما دون ثلاث ليال، وليس هو مجال حديثنا.
النوع الثالث: الهجر قضاء، وهو من العقوبات التعزيرية للمعتدين، وهذا يبحثه الفقهاء في باب التعزير. (من رسالة (هجر المبتدع)، مرجع سابق، بتصرف).
وجعل شيخ الإسلام -رحمه الله- أنواع الهجر في الشرع قسمين، فقال: "الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات. والثاني: بمعنى العقوبة عليها.
فالنوع الأول: هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم، وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم، وأمثال ذلك...
والنوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خُلّفُوا حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر" (مجموع الفتاوى [28/20]).
صفات الهجر: الأصل في الهجر هو الإعراض عن المبتدع والبراءة منه، ومن مفرداته تركُ: مجالسته، ومجاورته، وتوقيره، ومكالمته، والسلام عليه، والتسمية له، وبسط الوجه له، وسماع كلامه، ومشاورته... كل ذلك بقصد إصلاحه إذا عُلم تحقق ذلك؛ أما إذا عُلم فساد حاله أكثر أو تضييع مصلحة المسلمين فتقدر الأمور بقدرها.
وللهجر الشرعي ضوابط، منها: 1- لا بد أن يؤدي هذا الهجر إلى الهدف الذي شرع من أجله، وهو الإقلاع عن هذه البدعة، وإلى عدم فعل ما يشبهها من قِبله، أو من قِبَل غيره، أما إذا كان المبتدع لا يزيده الهجر إلا تماديًا في السوء، وركونًا إلى أهل السوء، أو غير ذلك من المفاسد فإنه لا يهجر.
فالمؤمن كالطبيب إذا رأى العلاج نافعًا فعله؛ لأن الهجر من باب العلاج، فإن كان الهجر يؤثر خيرًا وينفع هُجر، وكان ذلك من باب العلاج لعله يتوب ويرجع عن خطئه إذا رأى من إخوانه أنهم يهجرونه، أما إذا كان الهجر يسبب مزيدًا من الشر وكثرة أهل الشر وتعاونهم فإنه لا يهجر، ولكن يديم له النصح والتوجيه وإظهار الكراهة لما عمل، ولا يبين له موافقته على باطله، ولكن يستمر في النصيحة والتوجيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به -يعني الهجر- زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف... وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع -كما كثر القدَر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة- وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه" (مجموع الفتاوى [28/203]).
ولو أن طالب علم مثلاً ذهب إلى أهله في بادية بعيدة وخاصة التي يغلبُ عليها البدع، فوجدهم يفعلون ما يفعلون من البدع، فقال: أنا أعرف أن من أصول أهل السنة والجماعة هجر أهل البدع فلنهجرهم، فإنه لن يدع أحدًا إلا هجره؛ لأن الناس ألفوا هذه البدع وعاشوا عليها، فيصير هو المنكر المهجور؛ لأن الهاجر في هذه الحالة ضعيف والمصلحة لا تتحقق، والمشكلة ليست في عدم قيام طالب العلم بالإنكار أو عدم هجره لأهل البدع، ولكن المشكلة أن المصلحة الشرعية غير حاصلة. (من رسالة (هجر المبتدع)، مرجع سابق، بتصرف).
2- الهجر الشرعي عبادة من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبادة لا بد من توفر ركنيها: الإخلاص والمتابعة، أي بأن يكون الهجر خالصًا صوابًا، خالصًا لله صوابًا وفق السنة، وإن هوى النفس ينقض ركنية الإخلاص، كما أن ركن المتابعة ينقضه عدم موافقة الهجر للمأمور به.
3- هجر المبتدع ليس عامًا في كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع، كما أن ترك الهجر والإعراض عنه بالكلية تفريط، وهجر لهذا الواجب الشرعي المعلوم وجوبه بالنص والإجماع، وإن مشروعية الهجر هي في دائرة ضوابطه الشرعية المبنية على رعاية المصالح ودرء المفاسد، وهذا مما يختلف باختلاف البدعة نفسها، واختلاف مبتدعها، واختلاف أحوال الهاجرين، واختلاف المكان والقوة والضعف، والقلة والكثرة، فلا بد من مراعاة كل هذا.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:34 am | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة - (3) الأصل والضوابط في التعامل مع المبتدع
الموقف الأصلي العام للسلف من المبتدعة هو هجرهم، وترك مجالستهم ومناظرتهم؛ لأن الأمور الباعثة لهم على الهجر من المصالح الدائمة الغالب وجودها مثل الخوف من انتشار البدعة، أو التأثر بها..
الأصل في التعامل مع المبتدع: الموقف الأصلي العام للسلف من المبتدعة هو هجرهم، وترك مجالستهم ومناظرتهم؛ لأن الأمور الباعثة لهم على الهجر من المصالح الدائمة الغالب وجودها مثل الخوف من انتشار البدعة، أو التأثر بها، أما إن تخلفت هذه المصالح، أو كانت المصلحة في غير ذلك الهجر فإن الحكم هنا دائر مع منفعته، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه كما قال ابن تيمية (الفتاوى: 8/206).
قال ابن عبد البر في فوائد حديث كعب بن مالك في الذين خلفوا: "وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته، وقطع الكلام عنه" (التمهيد: 4/87)، وقال البَغْوي: "وفيه -أي حديث كعب بن مالك- دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد" (شرح السنة: 1/227)، وقد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم.
ضوابط في دعوة المبتدعة: هناك ضوابط ومعالم للمنهج الشرعي في دعوة المبتدعة، والتعامل مع عامة ذوي المخالفات الشرعية، منها: 1- لا بد أن تكون دعوة أهل البدع قائمة على أصلين: (الإخلاص والمتابعة)، وذلك أن الحكم ببدعة ما، واتخاذ موقف من أهلها، مسائل شرعية نحن متعبدون بها، فيشترط لها ما يشترط لسائر العبادات، ومعنى الأخذ بالإخلاص أنه ينبغي ألا يكون الموقف عقابًا، أو تألفًا إزاء أحد من المبتدعة تشهيًا ولا تشفيًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن هجر لهوى نفسه، أو هجر هجرًا غير مأمور به كان خارجًا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله" (مجموع الفتاوى: 28/207)، وقال رحمه الله: "إذا كان مبتدعًا يدعو إلى عقائد تخالف الكتاب والسنة، أو يسلك طريقًا يخالف الكتاب والسنة، بُيِّن أمره للناس؛ ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله، وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى لا لهوى الشخص مع الإنسان؛ مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهرًا للنصح، وقصده في الباطن الغض من الشخص، واستيفاؤه منه؛ فهذا من عمل الشيطان" (مجموع الفتاوى: 28/221).
2- ومن المهم عند دعوة أهل البدع معرفة أن البدع ليست بدرجة واحدة، بل تتفاوت بقدر ما ارتبط بها من مفسدة، فمنها ما هو معصية، ومنها ما هو كفر أو شرك، وقد تكون بعض البدع ذريعة إلى الشرك، فلا بد أن ينزل كل إنسان منزلته، ويدعى بما يناسب حاله، كما قال الشاطبي رحمه الله: "كل بدعة عظيمة بالإضافة إلى مجاوزة حدود الله بالتشريع، إلا أنها وإن عظمت لما ذكرناه فإذا نسب بعضها إلى بعض تفاوتت رتبها، فيكون منها صغار وكبار؛ إما باعتبار أن بعضها أشد عقاباً من بعض؛ فالأشد عقاباً أكبر مما دونه، وإما باعتبار فوات المطلوب في المفسدة (الاعتصام 1/359).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الطوائف المنتسبة إلى مبتدعين في أصول الدين على درجات: فمنهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون قد خالف السنة في أمور دقيقة" (مجموع الفتاوى: 3/348).
3- من المهم عند دعوة أهل البدع معرفة أن من صفات أهل السنة أنهم يعلمون الحق ويرحمون الخلق: والمبتدع من أولئك الخلق الذين يرحمهم أهل السنة مع يقينهم بكونهم على بدعة يستحقون بها العقوبة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون فيه موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون مع من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة: 8]، ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون لهم الشر ابتداءًا، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق" (الرد على البكري: 2/490).
وقال: "وإذا نظرت إلى المبتدعة بعين القَدَر والحَيْرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتهم وترفقت بهم؛ أوتوا ذكاءًا وما أوتوا زكاءًا، وأعطوا فهومًا، وما أعطوا علومًا، وأعطوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: 26]، (مجموع الفتاوى: 5/119).
ويمثل هذا الخلق العالي أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لما رأى سبعين رأسًا من رؤوس الخوارج، وقد جُزَّت ونُصِبَتْ على درج دمشق، قال: "سبحان الله! ما يصنع الشيطان ببني آدم؟ كلاب جهنم، شر قتلى تحت ظل السماء، ثم بكى وقال: إنما بكيت رحمة لهم حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام" (مسند أحمد: 22314).
4- ومن المهم عند دعوة أهل البدع معرفة أن المبتدع والفاسق ينقص من موالاتهما بحسب جريرتهما، ولذلك قد يجتمع في المسلم حب وبغض، فيُحَبُّ لما معه من إيمان، ويُبْغَضُ لما اقترفه من بدعة وعصيان، كما قال شيخ الإسلام: "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، وهذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة" (مجموع الفتاوى: 28/209).
ضوابط مناظرة أهل البدع: ولا بد أن يُعلم عند دعوة أهل البدع أن مناظرة أهل الأهواء من أخطر أنواع المناظرات، وعليه يحمل أكثر كلام السلف في التحذير من ذلك، فينبغي على من تصدى لدعوتهم ومناظرتهم أن يتسلح بالعلم الشرعي.
وذلك لما يترتب عليه من آثار مثل: - ما يمكن أن يقع في قلب من يناظر أهل البدع من شبه أو شكوك. - في مناظرتهم نشر لبدعتهم، وفي الإعراض عنهم إخماد لها. - في مناظرتهم تقوية لهم ورفع لشأنهم.
ولذا لا بد عند مناظرة أهل البدع من ضوابط، منها: 1- ألا تكون المناظرة لأهل البدع عبثًا وتضييعًا للوقت، وإظهارًا للقدرة على قوة الحجة، والتفوق في العلوم، كما كان يحصل كثيرًا في مجالس الخلفاء، ولكن لا بد أن تكون في مقام تمييز حق من باطل، وصدع بالسنة وبطريقة السلف في مواجهة الزحف البدعي الظالم فهذا من الجهاد المشروع في سبيل الله باللسان والبيان، وهو قسيم الجهاد في سبيل الله بالسلاح والسنان، ولما كان المجاهد في سبيل الله موعودًا بالنصر بالظفر أو الشهادة، فإن المجاهد باللسان لا بد أن يكون كذلك إذا اتقى الله ما استطاع، وكان له من العلم ما يؤهله لخوض غمار معركة المبتدعة بالحجة؛ إذ الحجة في جهاد اللسان تقابل القوة في جهاد الطِّعان، فمن كانت هذه حاله فإنه إذا ناظر المبتدع لم يكن إلا قد قام بواجب الدين عليه، والله تعالى أكرم من أن يضيع من هذه حاله في دينه ونفسه، بل يحميه من البدعة ومن أن يقر ذلك في قلبه، أو أن يكون سبباً مفضياً به إلى الزيغ والبدعة.
2- ألا تكون المناظرة هدفاً لذاتها بحيث يظن أنها سبيل صحيح لتحصيل العلم، ويحصل بسبب ذلك التوسع والمسامحة في مخالطة المبتدعة فهذا مذموم أيضاً، كما ورد في ترجمة الإمام العلامة المتفنن أبو الوفاء ابن عقيل (ت 513هـ) أنه قال عن نفسه: "وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علمًا نافعًا" (ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 1/126، والمنتظم لابن الجوزي: 9/213، وسير أعلام النبلاء: 19/447).
قال الذهبي معلقاً: "قلتُ: كانوا ينهونه عن مجالسة المبتدعة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسَّر على تأويل النصوص، نسأل الله السلامة" (سير أعلام النبلاء: 19/447).
3- وكذا يُذَم البحث والنظر -فضلاً عن الجدال والمناظرة- إذا كان هذا الباحث متشككًا متحيرًا متهوِّكًا؛ فهذا يجب عليه أن يطلب الهدى من مظانه لا أن يخرج للبيداء يلتمس السُقيا.
قال شيخ الإسلام: "وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيُخاف عليه أن يُفسده ذلك المضل، كما يُنهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار؛ فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة، وقد يُنهى عنها إذا كان المناظر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله، والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة مَنْ لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال، وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة، ومستحبة أخرى، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم ومفسدة ومصلحة وحق وباطل" (درء تعارض العقل والنقل: ج7/172-174).
4- ومن المناسب أن تُتبع هذه المناظرات في حالة إذاعتها في تلفاز ونحوه ببرامج هادفة، يكون المتحدث فيها من أهل السنة ليغسل في برنامجه أوضار المناظرة، ويجيب فيها عن الإشكالات التي قد ذكرت ولم يسع الوقت لنقاشها.
5- الأصل في المناظرات العلنية ألا يُقدم عليها إلا أن يتضح وجه المصلحة فيها بحيث يكون عظيماً ظاهرًا، ويكون خوف الضرر والمفسدة فيها قليلاً؛ بحيث يغلب هذا على الظن.
6- يجب الحذر من كون المناظرة داعية للمبتدع في الإيغال في بدعته.
7- ومن المهم أن يراعى ألا يكون المناظر هو سبب تبغيض الحق إلى الطرف المقابل بالبغي عليه بالقول أو الفعل، أو بسوء خلق، أو بضعف حجة، فليست دعوى المدعي أنه من أهل الحق بعذر له في عدم إظهار البراهين، قال الإمام ابن القيم: "ما كل من وجد شيئًا وعلمه وتيقنه أَحْسَنَ أن يستدلَّ عليه ويقرره ويدفع الشبه القادحة فيه فهذا لون، ووجوده لون" (مدارج السالكين: ج3/486)، وقد قال بشر المريسي للإمام الشافعي رحمه الله: "إذا رأيتني أناظر إنساناً وقد علا صوتي عليه فاعلم أني ظالم، وإنما أرفع صوتي عليه لذلك" (مناقب الشافعي، للبيهقي: ج1/199)، وعلى كل حال فالأكمل للمناظر أن يكون قاصدًا لإيصال الحق إلى الطرف الآخر الذي يناظره متلطفًا في ذلك، فإن أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق كما سبق.
ومن وسائل المناظرة والمجادلة ما يتلطف به إلى إيصال الحق إلى الخصم شيئًا فشيئًا حتى يتشربه، وقد يفتح الله على قلبه فيتبعه، فيكون لهذا المناظر أجر هداية المبتدع، ولو لم يعلم الناس أو المبتدع نفسه بذلك، ولكن قد علم ذلك وأثبته في صحائفه اللطيف الخبير سبحانه وتعالى.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:36 am | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة - (4) تنبيهات عند دعوة المبتدع
فينبغي على الداعية لأهل البدع أن يعرف متى يستخدم الشدة؟ ومتى يستخدم اللين؟ وما يحقق المصلحة الشرعية. وما لا يحققها.، فيضع الشدة في مكانها، واللين في مكانه، لأن إغفال هذا الأمر مضر.
تنبيهات عند دعوة المبتدع: وهذه أمور ينبغي أن يُنتبه لها عند قصد دعوة أهل البدع: 1- ألا يحملنا كراهة البدعة وأهلها على الغلو مع المبتدعة، بل لا بد من العلم ومعرفة القواعد والمقاصد الشرعية التي تضبط تصرفات المكلفين وتقدير المصالح والمفاسد أثناء دعوتهم، فقد ظن أناس أن هجر المبتدع حكم شرعي لازم كملازمة المسببات لأسبابها، وهو بمنزلة الحد أو هو كالبراء، والواقع أن هجر المبتدع كغيره من عقوبات المبتدعة وأهل المنكرات من المصالح المرسَلة التي تقدر بقدرها، ويعمل بها حسب الحال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مبينًا اختلاف الناس في أخذهم بعقوبة هجر المبتدع: "إن أقواماً جعلوا ذلك عامًّا فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به مما لا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات، وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية، فلم يهجروا ما أُمِروا بهجره من السيئات البدعية، بل تركوها ترك المعرض لا ترك المنتهي الكاره... ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها، فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابًا أو استحبابًا.. ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه" (مجموع الفتاوى: ج28/213).
2- كما أنه لا يجوز اتخاذ موقف سلبي من مسلم بسبب أمور وقع فيها إلا بعد أن يغلب على الظن أنها بدعة، أو معصية، من خلال معرفة كون ذلك العمل أو الأعمال بدعة فعلاً أو معصية، فإن جملة من الخلافات التي تقع بين الناس في المسائل الشرعية يكون سببها قصر النظر في فهم الخلاف المذهبي الفقهي، وفي الوقت ذاته توسيع دائرته ليصبح خلافًاً عقديًاً أو مخالفات شرعية، أو ربما كانت في أمور دنيوية ليست من الشرع أصلاً (قضايا دعوية.. كيف نتعامل مع المبتدعة ؟ لسليمان الخضير، بتصرف)، فينبغي للمسلم أن يعرف مفهوم البدعة وماذا يشمل؟ فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
3- كما أنه لا بد من العدل مع المبتدعة حتى يكون ذلك سببًا لاستجابتهم، فإن العدل فضيلة مطلقة، لا تقييد في فضله، فهو ممدوح في كل زمان، وكل مكان، وكل حال، ممدوح من كل أحد، مع كل أحد، بخلاف كثير من الأخلاق فإنه يلحقها الاستثناء والتقييد، ولهذا اتفقت على فضله الشرائع والفطر والعقول، وما من أمة أو أهل ملة إلا يرون للعدل مقامه. وبالعدل تحصيل العبودية لله وحده، وبه تُعطى الحقوق، وتُرد المظالم، وبه تأتلف القلوب، لأن من أسباب الاختلاف الظلم والبغي والعدوان، وبه يُقبل القول، أو يعذر قائله، وبه تحصل الطمأنينة والاستقرار النفسي، فالخلاف مضيق لآراء الناس ومواقفهم، وعند المضايق يذهب اللب، وإذا ذهب اللب فلا تسأل عن ضياع حقوق المخالف، بل ضياع الحق نفسه في أحيان كثيرة، ففي الوقت الذي ندين لله تعالى ببغض المبتدع واستيقان استحقاقه للعقوبة نلزم أنفسنا بما ألزمنا الله به من العدل والإنصاف، فالعدل منهج شرعي في كل شيء.. على أن العدل المحض في كل شيء -كما يقول شيخ الإسلام- متعذر علمًا وعملاً، ولكن الأمثل فالأمثل (مجموع الفتاوى: ج10/99). وأصل هذا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، فمن العدل ذكر ما لهم من صواب، وذلك بحسب المقام والحال، واعتبار المصالح والمفاسد، والجمع بين ذكر محاسن المبتدع والتحذير منه غير سائغ في كل مقام، وإفراد المحاسن بالذكر مظنة الاغترار، والاقتصار في جميع الأحوال على التحذير وذكر المثالب بخس وإجحاف، ولكن حسب ما يقتضيه المقام. ويتمثل هذا العدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديثه عن الباقلاني الأشعري مثلاً حيث يقول: "مع ما كان فيه من الفضائل العظيمة، والمحاسن الكثيرة، والرد على الزنادقة والملحدين، وأهل البدع حتى إنه لم يكن من المنتسبين إلى ابن كُلاَّب والأشعري أجلَّ منه، ولا أحسن كتبًاً وتصنيفًا" (درء تعارض العقل والنقل: ج1/283).
وقد ألف شيخ الإسلام كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) وهو مخصص للرد على الأشاعرة، وعلى رأسهم أبو عبد الله فخر الدين الرزاي، وقد ذكره في (261) موضعًا لم يصفه فيها بلفظ شائن، ولا عبارة مقذعة، ولا سمَّاه بالمبتدع. 4- من كان رادًا على المبتدعة فليتحلَّ بالصبر وإلا فلا يشق على نفسه وعلى المسلمين، وليكف عن الناس أذى لسانه وبنانه فهو صدقة منه على نفسه، وليس لأحد عذر في أن يرد على الباطل بالباطل، والبدعة بالبدعة أبداً. 5- لا بد من الحرص على دعوة المبتدعة والرغبة في إيصال الحق إليهم.
6- الرغبة في مزاحمة المبتدعة في الوصول إلى الناس، وإعطائهم الأمصال الواقية من تلك البدع وإظهار ضعف حجة المبتدع، والطمع في التأثير على أبناء ملته وأتباعه على بدعته إذ رجوعهم إلى الحق أيسر من رجوعه إليه.
7- الحرص على جمع الناس على كلمة سواء، وذلك أن المسلمين مأمورون بالاعتصام بحبل الله، ولا يمكن اجتماعهم على غيره أصلاً، ففي نفي زغل البدعة وأهلها تقدُّمٌ نحو تحقيق هذا المقصد الشرعي العظيم، وليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. 8- اغتفار زلة العلماء والدعاة الذين ثبت أن منهجهم هو منهج أهل السنة، ثم وقع منهم هفوة أو زلة أو بدعة متأولة ينبغي نصحهم والتحذير من الخطأ الذي وقعوا فيه، لكن لا ينبغي إسقاطهم بالكلية، وإخراجهم من المنهج لزلة أو هفوة، فإن العصمة ليست لأحد سوى الأنبياء، كما قال ابن القيم: "وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلومًاً جهولاً؟! ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته" (مدارج السالكين: ج3/522)، فإذا كان واجبنا أن نلتمس العذر للمسلم بصفة عامة فينبغي أن يكون لدعاتنا وعلمائنا نصيب أكبر في العذر وإحسان الظن.. وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى الأساس الذي يقوم عليه هذا المنهج وهو الموازنة بين حسنات الرجل وسيئاته، وما له وما عليه، يقول شيخ الإسلام: "إن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه، إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته كما قررته في غير هذا الموضع" (الفتاوى الكبرى: ج6/92).
وقال أيضاً: "إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين" (مجموع الفتاوى: ج10/371).
وقال الشاطبي: "زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدًا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين" (الموافقات: ج4/170).
وقال الذهبي: (ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك" (سير أعلام النبلاء: ج5/271).
9- لا بد أن نعلم أن عبارات السلف الشديدة في حق المبتدعة خرجت في حق أهل العناد والداعين إلى البدع، ومن هذه العبارات ما خرج من أجل الزجر عن الوقوع في البدع والتساهل فيها، أو مع أهلها، قال ابن القيم رحمه الله: "كان ابن عباس رضي الله عنهما شديدًاً على القدرية، وكذلك الصحابة" (شفاء العليل: ج1/29).
ومما يُظهِرُ شدة الصحابة على المبتدعة وتبرئهم منهم قول ابن عمر رضي الله عنهما حينما سُئِلَ عن القدرية فقال: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني" (أخرجه مسلم في الإيمان: ج1/28-102).
فينبغي على الداعية لأهل البدع أن يعرف متى يستخدم الشدة؟ ومتى يستخدم اللين؟ وما يحقق المصلحة الشرعية وما لا يحققها، فيضع الشدة في مكانها، واللين في مكانه، لأن إغفال هذا الأمر مضر، وكما قال المتنبي: ووَضعُ الندى في موضع السيف بالعلا *** مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى
(البيت في شرح ديوان المتنبي: ج1/266، وفي الصبح المنبي عن حيثية المتنبي: ج1/42) والله الموفق للصواب.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 2:48 am | |
| من أسباب الوقاية من البدع
قال هارون الرشيد: طلبتُ أربعة فوجدتها في أربعةٍ: طلبتُ الكفر فوجدتُهُ في الجهمية، وطلبتُ الكلام والشغب فوجدتُهُ مع المعتزلة، وطلبتُ الكذب فوجدتُهُ مع الرافضة، وطلبتُ الحقَّ فوجدتُهُ مع أصحاب الحديث.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": إن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم التوحيد، وصفاته، وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها، والاستدلال عليها بالحجج، والبراهين، وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول، كتاب الله المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع. فنعمة كبرى أن يوفق المسلم إلى سلوك منهج السلف الصالح وأن يتجنب البدع، فالبدع ضررها عظيم، وخطرها كبير، فمنها ما يؤدي إلى الكفر، قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله، عن البدع المكفرة: هي كثيرة، وضابطها من أنكر أمرًا مجمعًا عليه متواترًا من الشرع، معلومًا من الدين بالضرورة؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب، وبما أرسل الله به رسله، كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله عز وجل، وإنكار أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلًا، وكلَّم موسى تكليمًا وغير ذلك، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله تعالى وأفعاله وقضائه وقدره، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه، وغير ذلك من الأهواء. ولكن هؤلاء منهم من عُلِم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه، فهذا مقطوع بكفره، بل هو أجنبي عن الدين، من أعدى عدو له، وآخرون مغرورون، ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم، وإلزامهم بها. والبدع كثيرة، وللمتلبسين بها أسماء وألقاب متعددة، ينبغي معرفتها ليكون المسلم على حذر منها، قال الإمام حرب الكرماني، رحمه الله، في كتاب "السنة من مسائل حرب": لأصحاب البدع نبز وألقاب وأسماء، لا تشبه أسماء الصالحين، ولا الأئمة، ولا العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن أسمائهم: المرجئة... والقدرية... والمعتزلة... والجهمية... والواقفة... اللفظية... الرافضة المنصورية الزيدية... الشيعة... الخوارج... الشعوبية... أصحاب الرأي. ولأهل البدع علامات كثيرة متعدة، منها: شدة معاداتهم لأهل السنة والحديث، قال الإمام الصابوني رحمه الله في كتابه "عقيدة السلف وأصحاب البدع": علامات أهل البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حشوية، وجهلة، وظاهرية، ومشبهة، اعتقادًا منهم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم، من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخاوية عن الخير، العاطلة، وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23] {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]. وقال الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": قال بقية: قال لي الأوزاعي رحمهما الله: يا أبا محمد، ما تقول في قوم يبغضون حديث نبيهم؟ قال: قوم سوء. ليس من صاحب بدعة تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف بدعته إلا أبغض الحديث. وأهل البدع مختلفون، مستوحشون، متباغضون، قال الإمام العكبري رحمه الله في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية": أعاذنا الله وإياكم من الآراء المخترعة، والأهواء المتبعة، والمذاهب المبتدعة، فإن أهلها خرجوا عن اجتماع إلى شتات، وعن نظام إلى تفرق، وعن أنس إلى وحشة، ومن ائتلاف إلى اختلاف، ومن محبة إلى بغضة، ومن نصيحة وموالاة إلى غش ومعاداة. وقد ذكر أهل العلم أنه لا يُصلَّى خلف أهل البدع، قال الإمام عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه "السنة": سألت أبي عن الصلاة خلف أهل البدع، قال: لا يُصلَّى خلفهم، مثل الجهمية والمعتزلة. والشغب، والكذب، والكفر عند أهل البدع، قال الإمام ابن البناء الحنبلي رحمه الله في كتابه "الرد على المبتدعة": قال هارون الرشيد: طلبتُ أربعة فوجدتها في أربعةٍ: طلبتُ الكفر فوجدتُهُ في الجهمية، وطلبتُ الكلام والشغب فوجدتُهُ مع المعتزلة، وطلبتُ الكذب فوجدتُهُ مع الرافضة، وطلبتُ الحقَّ فوجدتُهُ مع أصحاب الحديث. والبدع لا تظهر إلا بمعاونة السلطان وتزيين الشيطان، قال الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": مقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر أو بشيطان معاند فاجر يضل الناس خفيًّا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسلطانه أو يستميل القلوب بماله ليضله عن سبيل الله حمية لبدعته وذبًّا عن ضلالته ليرد المسلمين على أعقابهم، ويفتنهم عن أديناهم، بعد أن استجابوا لله وللرسول. ومن مال إلى بدعة، فسيكون متحيرًا ميت القلب، قال قوام السنة الأصبهاني رحمه الله في كتابه "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة": قال أهل السنة: لا نرى أحدًا مال إلى هوى أو بدعة إلا وجدته متحيرًا، ميت القلب ممنوعًا من النطق بالحق. إن من أسباب وقوع البعض في البدع: كثرة السؤال عما لا يعني، ومجالسة أهل البدع، قال الإمام العكبري رحمه الله في كتاب "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية": اعلموا إخواني أني فكرت في السبب الذي أخرج أقوامًا من السنة والجماعة، واضطرهم إلى البدعة والشناعة، وفتح باب البلية على أفئدتهم، وحجب نور الحق عن بصيرتهم، فوجدت ذلك من وجهين: أحدهما: البحث والتنقير وكثرة السؤال عما لا يعني، ولا يضر العاقل جهله، ولا ينفع المؤمن فهمه. والآخر: مجالسة من لا تؤمن فتنته، وتفسد القلوب صحبته. وللوقاية من البدع أسباب، منها:
السبب الأول: أن يترك المسلم السؤال عما لا يعنيه والبحث والتنقير عما لا يضره جهله، قال الإمام العكبري رحمه الله في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية": الله الله إخواني يا أهل القرآن ويا حملة الحديث، لا تنظروا فيما لا سبيل لعقولكم إليه، ولا تسألوا عما لم يتقدمكم السلف الصالح من علمائكم إليه، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا قوة بأبدانكم الضعيفة، ولا تنقروا ولا تبحثوا عن مصون الغيب، ومكنون العلوم، فإن الله جعل للعقول غاية تنتهي إليها، ونهاية تقصر عنها، فما نطق به الكتاب وجاء به الأثر فقولوه، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه...أتراكم أرجح أحلامًا وأوفر عقولًا من الملائكة المقربين حين قالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32]. السبب الثاني: أن يتجنب مصاحبة ومجالسة أهل البدع، أو الاختلاط بهم، قال الإمام الأشعري رحمه الله، في "رسالته إلى أهل الثغر": أجمعوا على ذم سائر أهل البدع والتبري منهم وهم: الروافض، والخوارج والمعتزلة والقدرية، وترك الاختلاط بهم وقال الإمام العكبري رحمه الله في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية": فالله الله إخواني، احذروا من مجالسة من قد أصابته الفتنة فزاغ قلبه وعشيت بصيرته واستحكم للباطل نصرته، فهو يخبط في عشواء ويعشو في ظلمة أن يصيبكم ما أصابهم. لا يحملن أحدًا منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول: أداخله لأناظره أو لا ستخرج منه مذهبه، فإنهم أشدُّ فتنة من الدجَّال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبُّونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم. وقال رحمه الله في كتابه "الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة": لا تشاور أحدًا من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك ألا تقاربه في جوارك... ولا تجالس أصحاب الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله. وقال الإمام الصابوني رحمه الله في كتابه "عقيدة السلف وأصحاب الحديث": أهل السنة والجماعة....يبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادولونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرَّت بالآذان وقرَّت في القلوب ضرَّت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68]. السبب الثالث: عدم قراءة كتبهم، قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله في كتابه "تبيين كذب المفتري": وجدت تصانيف كثيرة في هذا الفن من العلم للمعتزلة، مثل: عبدالجبار الرازي، والجبائي، والكعبي، والنظام، وغيرهم، ولا يجوز إمساك تلك الكتب ولا النظر فيها، كيلا تحدث الشكوك ويوهن الاعتقاد، فكذا المجسمة صنفوا كتبًا في هذا الفن، مثل: محمد بن الهيصم، وأمثاله، ولا يحل النظر فيها ولا إمساكها، فإنهم شر أهل البدع، وقد وقع في يدي بعض هذه التصانيف فما أمسكت منها شيئًا. السبب الرابع: بغض أهل البدع: قال الإمام الصابوني رحمه الله في كتابه "عقيدة السلف وأصحاب الحديث": إحدى علامات أهل السنة: حبهم لأئمة السنة وعلمائهم وأنصارها وأوليائها، وبغضهم لأهل البدع، الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونوَّرها بحب علماء السنة. السبب الخامس: اتباع مذهب السلف، قال الإمام مرعي بن يوسف الكرمي رحمه الله، في كتابه "أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمتشبهات": من السلامة للمرء في دينه اقتفاء طريقة السلف، الذين أُمر أن يقتدي بهم من جاء بعدهم من الخلف، فمذهب السلف أسلم، ودع ما قيل من أن مذهب الخلف أعلم، فإنه من زخرف الأقاويل، وتحسين الأباطيل، فإن أولئك قد شاهدوا الرسول والتنزيل، وهم أدرى بما نزل به الأمين جبريل، ومع ذلك فلم يكونوا يخوضون في حقيقة الذات، ولا في معاني الأسماء والصفات، ويؤمنون بمتشابه القرآن، وينكرون على من يبحث عن ذلك من فلان وفلان، وإنكار الإمام مالك على من سأله عن معنى الاستواء أمر مشهور. السبب السادس: ترك الجدال والمِراء في الدين، قال الإمام العكبري رحمه الله، في كتابه "الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة": إياك والمراء والجدال في الدين، فإن ذلك يحدث الغل ويخرج صاحبه وإن كان سُنِّيًّا إلى البدعة؛ لأن أول ما يدخل على السُّنيِّ من النقص في دينه إذا خاصم المبتدع مجالسته للمبتدع ومناظرته إيَّاه، ثم لا يأمن أن يدخل عليه من دقيق الكلام، وخبيث القول ما يفتنه، أو لا يفتنه، فيحتاج أن يتكلف له من رأيه مما يرد عليه قوله مما ليس له أصل في التأويل ولا بيان في التنزيل ولا أثر من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال قوام السنة الإمام الأصبهاني رحمه الله في كتابه "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة": قال محمد بن مزاحم: سمعت أخي سهل بن مزاحم يقول: مثل الذي ينازع في الدين، مثل الذي يصعد على الشرف، إن سقط هلك، وإن نجا لم يحمد. السبب السابع: التسليم للنصوص وعدم الاعتراض عليها، قال الإمام الزهري رحمه الله: على الله البيان وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. وقال بعض السلف: قدم الإسلام لا يثبت إلا على قنطرة التسليم. وقال الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه "شرح أصول أهل السنة والجماعة": لم نجد في كتاب الله وسنة رسوله وآثار صحابته إلا الحثَّ على الاتباع، وذم التكلف والاختراع، فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين، وكان أولاهم بهذا الاسم، وأحقهم بهذا الوسم، وأخصهم بهذا الرسم: "أصحاب الحديث"؛ لاختصاصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعهم لقوله، وطول ملازمتهم له، وتحملهم علمه، وحفظهم أنفاسه وأفعاله. السبب الثامن: اجتناب الشاذ من أقوال العلماء: قال الإمام الدارمي رحمه الله، في كتابه "الرد على الجهمية": إن الذي يريد الشذوذ عن الحق يتبع الشاذ من قول العلماء، والذي يؤُم الحق في نفسه يتبع المشهور من قول جماعتهم، ويتقلب مع جمهورهم، فهما آيتان بينتان يُستدلُّ بهما على اتباع الرجل وعلى ابتداعه. السبب التاسع: الحذر من الزواج بامرأة من أهل البدع، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتاب "تهذيب التهذيب": عمران بن حيطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحارث بن سدوس... السدوسي قال يعقوب بن شيبة: صار في آخر أمره أن رأى رأي الخروج، كان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمه رأت رأي الخوارج، فتزوَّجها ليرُدَّها عن ذلك، فصرفته إلى مذهبها. وختامًا فالشيطان يتلاعب بأهل البدع حتى يوردهم المهالك، قال الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": عن أبي غالب عن أبي أمامة وكان يقال له: صدى بن عجلان... وكان منزله بـ"حمص" فالتقيت أنا وهو وقد جيء بخمسين ومائة رأس من رؤوس الأزارقة، فنصبت على درج المسجد، فخرج، فلما رأى الرؤوس قال: يا سبحان الله، ما يعمل الشيطان بأهل الإسلام، ثم دمعت عيناه، ثم قال: كلاب النار، كلاب النار، قلتُ: يا أبا أمامة، هؤلاء هم؟ قال: نعم. قلت: شيء تقوله أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني لجريء، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأهوى بأصبعيه بأذنيه- لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاث... حتى عدَّ سبع مرار بيده لما تكلمت، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين، وأمتي تزيد عليها، كلها في النار إلا السواد الأعظم». فهد بن عبد العزيز الشويرخ
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 3:02 am | |
| فوائد متنوعة من مصنفات العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد (1)
المدينة, لا يقال لمسجدها: الحرم, ولا المسجد الحرام, وإنما يقال: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالعلامة بكر بن عبدالله أبو زيد, رحمه الله, له مصنفات كثيرة, فيها فوائد عديدة, وقد يسر الله الكريم لي فقرأت أكثرها, واخترت بعضاً مما ذكره الشيخ, أسأل الله أن ينفع بها.
كتاب: التعالم وأثره على الفكر والكتاب العلم نقطة كثَّرها الجاهلون: يؤثر عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. قوله " العلم نقطة كثّرها الجاهلون" ولعظيم نفعها تناولها العلماء رحمهم الله تعالى بالبيان في مؤلفات مفردة منها: "زيادة البسطة في بيان العلم نقطة" للنابلسي, وللشيخ أحمد الجزائري م سنة 1330هـ رسالة في شرحها.
وهي بمعنى قول الغزالي: " لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف " [ص:5]
أمثلة للمتعالمين الذين يدعون العلم: في كتب المحاضرات أن رجلاً كان يفتي كل سائل دون توقف, فلحظ أقرانه ذلك منه, فأجمعوا أمرهم لامتحانه, بنحت كلمة ليس لها أصل هي " الخنفشار " فسألوه عنها, فأجاب على البديهة: بأنه نبت طيب الرائحة, ينبت بأطراف اليمن, إذا أكلته الإبل عقد لبنها.
قال شاعرهم: لقد عقدت محبتكم فؤادي كما عقد الحليب الخنفشار
وقال داود الأنطاكي في " تذكرته ": كذا, وقال فلان وفلان.... وقال النبي صلى الله عليه وسلم, فاستوقفوه, وقالوا: كذبت على هؤلاء, فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم, وتحقق لديهم أن ذلك المسكين: جراب كذب, وعيبة افتراء في سبيل تعالمه, نسأل الله الصون والسلامة.[ص:15]
أسوأ ظواهر التعالم: من أسوأ ظواهر التعلم: " إثبات الشخصية في الرسائل " بما تلقاه عدد من الطلاب في إعداد رسائلهم عن أساتيذهم في الإشراف, والمناقشة من أن وسيلة القبول وعنوان النجاح وقائد الامتياز: أن يخوض الطالب غمار الترجيح والاختيار والقبول والرد ؟
ولهذا فترى الرسائل محشورة سطورها بهذه العبارات السمجة: " ترجيحنا, اختيارنا, رأينا, ونحن نرفض هذا القول, ونحن نرى, ونحن لا نؤيد هذا الرأي, وهذا الحديث صحيح, وذاك ضعيف..."
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: يقولون هذا عــــــــــــــندنا غير جائز ومن أنتمو حتى يكون لكم عند
وهكذا في بلاء متناسل, فالمشرف يزأر على الطالب بإثبات شخصيته من هذا الوجه والمناقش يأتي - وقد ارتدى الجبة أو العباءة السوداء, وهذا تقليد كنسي في مناقشة الرسائل, يجب على أهل العلم والإيمان مخالفتهم فيه - فأول ما يستفتح المناقشة بأنه رأي الطالب قد ظهرت, ووضحت شخصيته في إعداد الرسالة مشيراً إلى ذلك الوجه فلا تسأل عن نشوة الجميع ؟ وما بين أيديهم إلا بضاعة مزجاة يخادعون أنفسهم.
ومن أسوأ ما رأيت وما سمعت رسائل في محاكمة الحفاظ أمثال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى, في حكمه على الرجال في " التقريب" كمن قال فيه " مجهول" مثلاً[67]
زجر السفهاء عن تتبع رخص العلماء: ما ذكرته في هذا المبحث من التحذير من الشذوذ والترخص, هو قلة من كثرة, وتجد أقوالهم مجموعة بأبسط منه في الرسالة النافعة: "زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء وفي كتاب" السعادة العظمى " مبحث مهم, والله الموفق والمعين.[ص:94]
كتاب: خصائص جزيرة العرب مكة المكرمة, والمدينة المنورة: شاع في العصور المتأخرة قولهم: " مكة المكرمة ", و " المدينة المنورة ", وهما أي: المكرمة, والمنورة, وصفان مناسبان, لكن لا يعرف ذلك عند المتقدمين من المؤرخين وغيرهم, وهو - على ما يبدو - من محدثات الأعاجم الترك, إبان نفوذهم على الحرمين.[ص:39]
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة, لا يقال لمسجدها: الحرم, ولا المسجد الحرام, وإنما يقال: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.[ص:50]
المسجد الأقصى: لا يقال للمسجد الأقصى: ثالث الحرمين لأن لفظ (الحرم) لا يطلق عليه [ص:50]
إخراج المشركين من جزيرة العرب: إذا كانت العلة الشرعية في إخراج المشركين من هذه الجزيرة, وعدم الرضا بأي كيان لهم فيها, هي: لتبقى هذه الديار ديار إسلام, وأهلها مسلمون, فتسلم قاعدة المسلمين, ويسلم قادتهم, من أي تهويد أو تنصير... فإن الحكم يدور مع علته.
وعليه فلا يفيد هذا الحكم القصر على إخراج أجساد المشركين من هذه الجزيرة, بل يرمى إلى ما هو أبعد من ذلك, إلى العلة التي من أجلها وجب إخراجهم منها, وحرمت سكناهم فيها.
ولذا يشمل هذا الحكم إخراج نفوذهم, وتوجيههم, وحضارتهم, ودعوتهم, وتياراتهم المعادية للإسلام, وعن كل ما يهدد أخلاقيات هذه البلاد, وينال من كرامتها[84]
كتاب: الرد على المخالف المُثخن بجراح التقصير الكاتم للحق: هذه الأمة ولله الحمد لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده وهم لما هداهم الله به يتوافقون في قبول الحق, ورد الباطل رأياً ورواية من غير تشاعر.
ولأمر خير يريده الله في هذه الطائفة, الذابة عن دين الله وشرعه, ينالهم أنواع من الأذايا والبلايا, زيادة في مضاعفة الأجر. وخلود الذكر, ومن أسوأها نفثات المخذلين المقصرين من أهل السنة, فترى المُثخن بجراح التقصير, الكاتم للحق, البخيل ببذل العلم, إذا قام إخوانه بنصرة السنة يضيف إلى تقصيره, مرض التخذيل, ومن وراء هذا ليوجد لنفسه عند الناشدة والمطالبة: العذر في التولي يوم الزحف على معتقده.
وهكذا تُلاكُ هذه الظاهرة المؤذية بصفة تشبه الحق, وهي باطل محض.
وهذه الظاهرة إنما تنتشر لقصور الفهم, وضعف القدرة, وتقلص علم الوحي, وأنوار النبوة, والركون إلى الدنيا.
فقل لي بربك: إذا أظهر المبطلون أهواءهم, والمرصدون في الأمة: واحذ يخذل, واحد ساكت فمتى يتبين الحق ؟ ألا إن النتيجة تساوى: ظهور الأقوال الباطلة, والأهواء الغالبة على الدين الحق بالتحريف والتبديل, وتغير رسومه في فِطَرِ المسلمين. فكيف يكون السكوت عن الباطل حقاً, والله يقول: { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} [الأنبياء:18]
ألا إن السكوت عن كل مبطل وباطله أبداً: هو هنا أبطل الباطل, وخوض في باطن الإثم وظاهره. فيا لله كيف يؤول " التخذيل " إلى مكيدة للإسلام يصير بها نهاباً للأهواء.[ص:14_15]
كسر حاجز الولاء بين المسلم والكافر تحت شعارات مضللة: كسر حاجر ( الولاء والبراء ) بين المسلم, والكافر, وبين السني والبدعي, وهو ما يسمى في التركيب المولد باسم: ( الحاجز النفسي ) فيكسر تحت شعارات مضللة: "التسامح", و "تأليف القلوب", "نبذ الشذوذ والتطرف", "التعصب", "الإنسانية", ونحوها من الألفاظ ذات البريق, والتي حقيقتها ( مؤامرات تخريبية ) تجتمع لغاية القضاء على المسلم المتميز, وعلى الإسلام[ص:6]
كتاب: تحريف النصوص الأمانة وفلاح الأمة: إن فلاح الأمة في صلاح أعمالها, وصلاح أعمالها قي صحة علومها, وصحة علومها أن يكون رجالها أمناء, فيما يرون أو يصفون, فمن تحدث في العلم بغير أمانة, فقد مسَّ العلم بقرحة, ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة قال الشيخ محمد الخضر حسين: العلم بغير أمانة شر من الجهل, و...ذكاء لا يصاحبه صدق اللهجة نكبة على العقل.[ص:22_2]
* حفظ الأمانة يوجب سعادة الدارين والخيانة توجب الشقاء فيهما[21]
* المسمون اليوم بـ "العصرانيين" دعاة فصل الدين عن الدولة[44]
* مذهب العصرانية, من أُسُسِهِ "ضغط النص للواقع[ 54]
* من هتك أمانته جرح عدالته, وما خائن بِمُزَكَّى[180]
كتاب: هجر المبتدع هجر المبتدع: قمع المبتدع وزجره, ليضعف عن نشر بدعته, فإنه إذا حصلت مقاطعته, والنفرة منه, بات كالثعلب في جحره. أما معاشرته ومخالطته, وترك تحسيسه ببدعته فهذا تزكية له, وتنشيط, وتغرير بالعامة, ( إذ العامي مشتق من العمى, فهو بيد من يقوده غالباً ) فلا بد إذا من الحجر على المبتدع استصلاحاً للديانة وأحوال الجماعة, وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.[ص:11]
ضوابط الهجر: فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة كانت مشروعية هجر المبتدع قائمة على أصلها, وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة _ ولا حول ولا قوة إلا بالله _ فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بالهجر, ولا يحصل المقصود الشرعي, لم يشرع الهجر وكان مسلك التأليف, خشية زيادة الشر.[ص:45]
الحذر المبتدع وبدعته: احذر المبتدع, واحذر بدعته, وأعمل الولاء والبراء معه, وتقرب إلى الله بذلك, وبهجره الهجر الشرعي, منزلاٍ على قواعد الشريعة وأصولها في رعاية المصالح, ودفع المفاسد, وإياك ثم إياك من تأمير الهوى هجراً, أو تركاً.[ص:47]
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 3:29 am | |
| شؤم البدع
البدعة مأخوذة من «البدع» وهو الاختراع على غير مثال سابق، وفي الدين هي: ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به الدين أمر إيجاب أو استحباب، والابتداع على قسمين.
{بسم الله الرحمن الرحيم } ما أشأم البدعة وما أشد ضررها على الدين، لا فرق في ذلك بين صغيرها وكبيرها، ولا حقيرها وجليلها، «فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وكما أن المعاصي بريد الكفر، فإن صغار البدع تقود إلى كبارها من البدع الكفرية المغلظة، ولا غرابة في ذلك، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
البدعة عند أهل الحق تنافي كمال التوحيد، وهي وسيلة من وسائل الشرك، وعرفها المحققون بأنها: «قصد عبادة الله تعالى بغير ما شرع به»، والوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلي الشرك في عبادة الله تعالى أو الابتداع في الدين يجب سدها، لأن الدين قد أكتمل كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]
تعريف وتأصيل البدعة مأخوذة من «البدع» وهو الاختراع على غير مثال سابق، وفي الدين هي: ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به الدين أمر إيجاب أو استحباب.
والابتداع على قسمين: 1- ابتداع في العادات: كالمخترعات الحديثة، وهذا أمر مباح. 2- ابتداع في الدين وهو نوعان: أ- بدعة قولية اعتقادية: كمقالات الجهمية والمعتزلة، والمعتقدات المنحرفة للفرق الضالة كلها. ب- بدعة في العبادات: كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها، وهي أنواع: • ما يكون في أصل العبادة: مثل إحداث صلاة غير مشروعة، أو صيام غير مشروع، أو أعياد غير مشروعة. • ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة: كزيادة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية الأذان. • ما يكون في صفة أداء العبادة: كالأذكار بأصوات جماعية مطربة، وتخصيص وقت للعبادة المشروعة: مثل قيام ليلة النصف من شعبان أو صيام يومها، فأصل الصلاة والصيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت يحتاج إلى دليل.
أسباب ودوافع: 1- الجهل بأحكام الدين. 2- إتباع الهوى والخضوع لسيطرة العادات. 3- التعصب لآراء الرجال، مما يحول بين المرء وإتباع الدليل. 4- التشبه بالكفار في عاداتهم وأساليب حياتهم وتفكيرهم.
حكم البدعة في الدين كل بدعة في الدين محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» ) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » ) (2)
فالبدع في العبادات والاعتقاد محرمة ولكن التحريم يتفاوت حسب درجة البدعة ..
فمنها ما هو كفر صريح: كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكذلك مقالات غلاة الجهمية.
ومنها ما هو من وسائل الشرك: كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها. ومنها ما هو فسق اعتقادي: كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة. ومنها ما هو معصية: كبدعة الصيام قائماً في الشمس، وكبدعة التبتل.
ويكفي المبتدع إثماً أن عليه وزر من يعمل ببدعته، فقال صلى الله عليه وسلم: ( «من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزرهم شيئاً» ) [3] وقد حذر السلف من البدع وبينوا خطورتها، حتى قال بعضهم: «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية قد يتوب صاحبها، أما البدعة، فنادراً ما يرجع عنها»..
ونهوا عن توقير أصحاب البدع، بل دعوا إلى هجر أصحابها لأن توقيرهم مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم: أحداهما: التفات العامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس فيؤدي ذلك إلى إتباعه على بدعته، دون إتباع أهل السنة على سنتهم.
والثانية: أنه إذا وقره من أجل بدعته، صار ذلك كالمحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء، فتحيى البدع، وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه.
قال ابن رجب –رحمه الله-: من سار على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وإن اقتصد فإنه يسبق من سار على غير طريقته وإن اجتهد.
وقال حذيفة: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من قبلكم. (4)
وعنه قال: يا معشر القراء، استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا. (5) وقال البيهقي وهو يتحدث عن الشافعي: وكان الشافعي شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم. (6)
وقال الإمام أحمد: إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه. (7)
وقال ابن المبارك: اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي. (8)
وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة، أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه. (9)
وقال عبد الله بن داود: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى. يعني: أهل البدعة. (10)
وقال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري: ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة. (11)
وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. (12)
وقال أيضاً: ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: { {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} } [الأنعام:68] (13) الهوامش (1) أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح (2) البخاري ومسلم (3) الإمام مسلم (4) أبو داود في سننه (5) البخاري (6) انظر مناقب الشافعي [1/469] (7) طبقات الحنابلة [1/196] فيدل أنه لا يجوز محبة أهل البدع. (8) اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140 (9) شرح السنة للبربهاري [138-139]، والإبانة لابن بطة (10) سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)، والحلية لأبي نعيم [10/392] (11) الشرح والإبانة ص 282 (12) عقيدة السلف وأصحاب الحديث 123(13) عقيدة السلف وأصحاب الحديث 114-115 د/ خالد سعد النجار alnaggar66@hotmail.com خالد سعد النجار كاتب وباحث مصري متميز |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: دعوة أهل البدع الإثنين 08 يناير 2024, 3:39 am | |
| اتباع لا ابتداع
وقد أكمل الله لنا هذا الدين، وأتمَّ علينا نعمته، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}... وقال صلى الله عليه وسلم: «وكلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ»...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تعبه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن من عظيم كرم الله سبحانه ومنّته، أن بعث فينا رسولًا منّا يتلو علينا الآيات المبيِّنات، ويزكينا بالأخلاق الفاضلات، يرشدنا إلى الصراط المستقيم، والسبيل الموصل إلى جنَّات النعيم. وقد أكمل الله لنا هذا الدين، وأتمَّ علينا نعمته، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]. وأمر سبحانه عباده بأن يتبعوا نبيَّه صلى الله عليه وسلم، ويقتفوا أثره، ويهتدوا بهديه، ويستنُّوا بسنَّته، فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132]. وبيَّن سبحانه أن علامة صدق حُبِّ المحبِّين له، والسبيل إلى حبِّ الله لهم، ومغفرته لذنوبهم؛ إنما هي باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31]، قال الحسن البصري: "زعم قومٌ أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية" (ابن كثير [1536]).
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يلزموا غرزه، ويتمسكوا بما كانوا عليه معه من بعده، وحذَّرهم من مخالفته وتنكُّبِ طريقه فقال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة» (أبو داود والترمذي بسند جيد).
وقد لزم الصحابة غرز نبيّهم صلى الله عليه وسلم، وعملوا بوصيته من بعده، فنشروا السنن، وحذّروا من البدع، قال عمر بن الخطاب: "أيُّها النَّاسُ، قد سُنَّت لكم السنن، وفُرِضَتْ لكمْ الفرائِض، وتُرِكتُم على الواضِحَةِ، إلاَّ أن تَضِلُّوا بالنَّاسِ يَمينًا وشمالًا" (رواه مالك في الموطأ عن ابن المسيب به).
و قال حذيفة بن اليمان: "يا معْشرَ القرَّاء استَقيموا فقد سبقتُم سَبْقًا بَعيدًا، فإنْ أخذتُم يَمينًا وشِمالًا لقدْ ضَللتُم ضَلالًا بَعِيدًا" (رواه البخاري).
وقد يسأل أحدهم عن سبب هذا التحذير الشديد من البدع، وللإجابة عن هذا فإنه يقال: قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن البدعة ضلالة تودي بصاحبها إلى النار، فقال صلى الله عليه وسلم: «وكلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ» (رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح).
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن المحدِثَ في الدين، ومن آواه، مطرودونَ من رحمة الله سبحانه، فقال: «المَدينةُ حَرم فمنْ أحدَثَ فيها حَدَثًا أو آوى مُحدَِثًا فعليهِ لَعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أَجمعينَ لا يقبلُ مِنْهُ يومَ القِيامَةِ عَدلًا ولا صَرفًا» (رواه البخاري ومسلم).
قال ابن الأثير: "والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيًا أو آواه وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين أن يقتصَّ منه. والفتح: هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة وأقرَّ فاعلها ولم ينكِر عليه فقد آواه " (النهاية في غريب الحديث والأثر [1338]).
وقال ابن بطال: "ودل الحديث على أنه من آوى أهل المعاصي والبدع أنه شريك في الإثم، وليس يدل الحديث على أن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنه غير متوعد ولا ملوم على ذلك؛ لتقدم العلم بأن من رضي فعل قوم وعملهم أنه منهم، وإن كان بعيدًا عنهم. فهذا الحديث نصٌ في تحذير فعل شيء من المنكر في المدينة وهو دليل في التحذير من إحداث مثل ذلك في غيرها، وإنما خصَّتْ المدينة بالذكر في هذا الحديث؛ لأن اللعنة على من أحدث فيها حدثًا أشد والوعيد له آكد؛ لانتهاكه ما حذَّر عنه، وإقدامه على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (شرح صحيح البخاري لابن بطال [10350]).
وقال الشاطبي: "وهو (أي الحديث) وإن كان مختصًّا بالمدينة فغيرها أيضًا يدخل في المعنى" (الاعتصام [1113]).
ثم إن رجوع المبتدع إلى السنة أصعب من رجوع غيره، وذلك لأنه اتَّخذ هذه البدعة دينًا يتقرب بها إلى مولاه، ولذلك قال كثيرٌ من العلماء بأن التوبة محجوبة عنهم، إلا أن يوفِّق الله أحدهم للرجوع والإنابة، وقد وردت بعض الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهي صحيحة المعنى.
والبدع من أهمِّ أسباب التنازع وإلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام، وذلك لأنها تقتضي تفرق المسلمين شِيَعًا وأحزابًا.
هذا ويقال أيضًا: إن صاحب البدعة قد نزَّل نفسه منزلة المضاهي للشارع الحكيم في التشريع، فهو كالمستدرك على الله ورسوله، بجعله لنفسه مشرعًا معهم يضاهي ببدعته السنة، ويلبِّس بها على الخلق ليصرفهم بهواه عن الهدى إلى الضلال، وكفى بهذا شرًا، قال الإمام مالك: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة من الآية:3)]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا" (الاعتصام [165-66]). ومما ينبغي التنبيه عليه: أن البدعة تميت سنةً في مقابلها، قال حسان بن عطية: "ما أحدثَ قومٌ بدعةً في دينهم إلا نَزعَ اللهُ من سُنَّتهم مِثلَها، ثمَّ لمْ يُعِدها إليهِم إلى يومِ القِيامَةِ" (اللالكائي، والعكبري في (الإبانة الكبرى)، والأثر صحيح)، وقد خولفت في عصرنا الحاضر كثير من السنن، فلم يبق لها ذكرٌ إلا عند الغرباء، الذين يحيون ما مات من السنن.
ولتوضيح هذا فإنني أستعرض بعضًا من البدع التي ذهبت بسننٍ في مقابلها، لا على سبيل الحصر، بل على سبيل التمثيل: فمن ذلك ما يقوم به البعض من زخرفة للمساجد، وإسراف في البناء، والسنة خلاف ذلك، ولو أن هذه الأموال بُذلت في إعانة فقير، أو إغاثة محتاج لكان أولى.
ومن ذلك السلام على المصلين بعد الفراغ من الصلاة مباشرة، والسنة أن يذكر الله ويلتزم بالأوراد التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بسلامه على المصلي بعد الفراغ مباشرة يقطع عليه هذه العبادة التي ثبتت في السنة.
ومن ذلك أيضًا ما يقام في المساجد ليلة القدر (على القول بأنها في السابع والعشرون منه)، من أناشيد وذكر جماعي، والسنة أن يختلي المسلم بنفسه ويعكف قلبه على ذكر الله، ولا بأس بأن يروح عن نفسه قليلًا، لا أن يحيي جلَّ ليله بهذه الأمور التي مخالفة للهدي النبوي. ومن ذلك أيضًا ما يفعله الكثير من المسلمين اليوم من زيارة القبور بعد صلاة العيد مباشرة، ولا يخفى ما يجرُّ هذا الفعل على قلب المسلم من الأحزان، والأصل أن يدخل المسلم على أهله الفرح والسرور والابتهاج في العيد، لا أن يقلبه عزاءً والله المستعان.
ومن ذلك ما يقوله المعزُّون لأهل الميت (يسلم رأسك) ولن يسلم رأس من الموت، والأصل أن يلتزم الألفاظ الشرعية عند العزاء، وخير هديٍ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أيضًا ما يقوم به الكثير من العوام من توسُّلٍ بالأموات، وهم بذلك قد هجروا سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا.
ومن ذلك أيضًا ما يفعله بعضهم عند وقوع شدة أو حادث عظيمٍ من اللِّياذِ بأصحاب القبور والاستغاثة بهم، والسنة أن يلجؤوا إلى ربهم، لا أن يشركوا به أحدًا في الدعاء والاستغاثة.
هذه بعضٌ من البدع التي حلَّت مكان السنن، والكثير منها منتشر بين المسلمين، ولا يتسع المقام لذكرها، وهذه الكثرة مع سَعةِ الانتشار يدلُّ على خطورة الابتداع، ويخطِّئ القول القائل بوجود بدعة حسنة في الدين، ولقد بيَّن الصَّحابة خطأ هذا القول الخطير، يقول ابن عمر رضي الله عنهما: "كلُّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ، وإنْ رَآها النَّاسُ حسَنةً" (اللالكائي، والعكبري في (الإبانة الكبرى)، والأثر صحيح)، وكلُّ خيرٍ في اتباع من سلف، وكل شرٍّ في ابتداع من خلف.
ولكي نتجنب الوقوع في البدع؛ فإنه لابدَّ لنا من التعرف إلى الأصول التي تعرف بها، ومن أهمِّها (انظر: قواعد معرفة البدع [10-11]): 1- أن يُتَقرَّب إلى الله بما لم يَشرع، كأن يُعبد الله بعبادة تستند إلى حديث مكذوب، أو بعبادة تستند إلى هوىً وذَوقٍ ورأيٍ مجرَّد، أو بعبادة تخالف عمل السلف أو تخالف قواعد الشريعة، أو بعبادة مطلقة يقيدها بوقت أو مكان معيَّن، أو بعبادة مقيَّدة يجعلها مطلقةً في كل وقتٍ ومكان. 2- الخروج على نظام الدين، كأن تبتدع اعتقادات تخالف نصوص الوحي، أو لا يكون لها ذكرٌ في نصٍ من النصوص الشرعية، ولم تؤثر عن الصحابة والتابعين، أو أن يحصل بفعل عادةٍ أو معاملةٍ تغييرٌ للأوضاع الشرعية الثابتة، أو أن يُتَشبّه بالكفار في خصائصهم ومحدثاتهم، أو أن يؤتى بشيءٍ من أعمال الجاهلية.
3- الذرائع المُفضية إلى البدعة، كأن يلتزم أحدهم عملًا زائدًا على المشروع بحيث يُتَوهَّم انضمامه إليه، أو أن تُفعل عبادةٌ على صورةٍ تُوهِم أنها واجبة وهي مندوبة، أو مندوبة وهي واجبة.
إن الانتشار الواسع للبدع مع خطورتها، يدلُّ دلالةً واضحةً على مدى التقصير في محاربتها والتحذير منها، فكثير من أهل العلم يسكت عن مثل هذه الأمور مبررًا ذلك بأنه يثير العامَّة، أو أنه يعمل على تفريق الكلمة، ومنهم من يعمل بهذه البدع ويؤيدها لموافقتها لهواه أو لأنها تخدم أهدافه الحزبية، والأصل أن يقوم أهل العلم بما استأمنهم الله عليه من العلم حق القيام ولا يكتموه، وقد حذرنا الله سبحانه من كتم العلم فقال حكاية عن بني إسرائيل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187].
وفق الله علماءنا ودعاتنا وأهل الخير فينا لنشر دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسدّدهم ونفع بهم العباد والبلاد، والحمد لله رب العالمين. سامح عبد الإله عبد الهادي |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| | | | | دعوة أهل البدع | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |