أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الصديق -رضي الله عنه- في ميادين الجهاد الثلاثاء 29 أغسطس 2023, 12:45 am | |
| الصديق -رضي الله عنه- في ميادين الجهاد تمهيد: ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع النبي بدرًا والمشاهد كلها، ولم يفته منها مشهدًا، وثبت مع رسول الله يوم أحد حين انهزم الناس، ودفع إليه النبي رايته العظمى يوم تبوك وكانت سوداء. وقال ابن كثير: ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لم يتخلف عن رسول الله في مشهد من المشاهد كلها. وقال الزمخشري: إنه (يعني أبا بكر ) كان مضافاً لرسول الله إلى الأبد، فإنه صحبه صغيرًا وأنفق ماله كبيرًا، وحمله إلى المدينة براحلته وزاده، ولم يزل ينفق عليه ماله في حياته، وزوَّجه ابنته، ولم يزل ملازماً له سفرًا وحضرًا، فلما توفي دفنه في حجرة عائشة أحب النساء إليه. وعن سلمة بن الأكوع: غزوت مع النبي سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة. ومن خلال هذا المبحث سنحاول أن نتتبع حياة الصديق -رضي الله عنه- الجهادية مع النبي ، لنرى كيف جاهد الصديق -رضي الله عنه- بنفسه وماله ورأيه في نصرة دين الله تعالى.
أولاً: أبو بكر -رضي الله عنه- في بدر الكبرى: شارك الصديق -رضي الله عنه- في غزوة بدر، وكانت في العام الثاني من الهجرة وكانت له فيها مواقف مشهورة، من أهمها: 1- مشورة الحرب: لما بلغ النبي من نجاة القافلة وإصرار زعماء مكة على قتال النبي استشار رسول الله أصحابه في الأمر، فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن.
2- دوره في الاستطلاع مع النبي: قام النبي ومعه أبو بكر يستكشف أحوال جيش المشركين، وبينما هما يتجولان في تلك المنطقة لقيا شيخًا من العرب، فسأله رسول الله عن جيش قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما، فقال له رسول الله: «إذا أخبرتنا أخبرناك» فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم»، فقال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش المسلمين- وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا -للمكان الذي فيه جيش المشركين فعلا- ثم قال الشيخ: لقد أخبرتكما عما أردتما، فأخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول الله: «نحن من ماء»، ثم انصرف النبي وأبو بكر عن الشيخ، وبقي هذا الشيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ وفي هذا الموقف يتضح قرب الصديق -رضي الله عنه- من النبي ، وقد تعلم أبو بكر من رسول الله دروسًا كثيرة.
3- في حراسة النبي في عريشه: عندما رتب الصفوف للقتال، رجع إلى مقر القيادة وكان عبارة عن عريش على تل مشرف على ساحة القتال، وكان معه فيه أبو بكر ، وكانت ثلة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون عريش رسول الله , وقد تحدث علي بن أبي طالب عن هذا الموقف فقال: يا أيها الناس، من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر؛ إنا جعلنا لرسول الله عريشًا، فقلنا: من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يهوي إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.
4- الصديق -رضي الله عنه- يتلقى البشارة بالنصر، ويقاتل بجانب رسول الله: بعد الشروع في الأخذ بالأسباب اتجه رسول الله إلى ربه يدعوه ويناشده النصر الذي وعده ويقول في دعائه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا». وما زال يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر ورَدَّه على منكبيه وهو يقول: يا رسول الله، كفاك مناشدتكم ربك فإنه منجز لك ما وعدك وأنزل الله -عز وجل-: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} وفي رواية ابن عباس قال: قال النبي يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد» فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك الله، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. وقد خفق النبي خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال: أ «بشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع (يعني الغبار)، قال: ثم خرج رسول الله إلى الناس فحرَّضهم». وقد تعلم الصديق -رضي الله عنه- من هذا الموقف درسًا ربانيًا مهمًا في التجرد النفسي وحظها، والخلوص واللجوء لله وحده، والسجود والجثي بين يدي الله سبحانه لكي ينزل نصره، وبقي هذا المشهد راسخًا في ذاكرة الصديق -رضي الله عنه- وقلبه ووجدانه يقتدي برسول الله في تنفيذه في مثل هذه الساعات وفي مثل هذه المواطن، ويبقى هذا المشهد درسًا لكل قائد أو حاكم أو زعيم أو فرد يريد أن يقتدي بالنبي وصحابته الكرام. ولما اشتد أوار المعركة وحمي وطيسها نزل رسول الله وحرض على القتال والناس على مصافهم يذكرون الله تعالى، وقد قاتل بنفسه قتالاً شديدًا وكان بجانبه الصديق، وقد ظهرت منه شجاعة وبسالة منقطعة النظير، وكان على استعداد لمقاتلة كل كافر عنيد ولو كان ابنه، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، وكان من أشجع الشجعان بين العرب، ومن أنفذ الرماة سهمًا في قريش، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي «أي ظهرت أمامي كهدف واضح» يوم بدر، فملت عنك ولم أقتلك، فقال له أبو بكر: لو أهدفت لي لم أَمِلْ عنك.
5- الصديق -رضي الله عنه- والأسرى: قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله لأبي بكر وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى» فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن نأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، فقال رسول الله: «ما ترى يا ابن الخطاب» قال: لا والله، يا رسول الله، ما أرى الذي يراه أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا منهم فنضرب أعناقهم، فتمكِّنَ عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان «نسيبًا لعمر» فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله إلى ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت، فلما كان الغد جئت فإذا برسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله: «أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، ولقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة» (شجرة قريبة من النبي )، وأنزل الله -عز وجل-: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67]، إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]، فأحل الله لهم الغنيمة. وفي رواية عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى» فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك استَبْقِهم واستأن بهم؛ لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قربهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرب عليهم نارًا، فقال العباس: قطعت رحمك. فدخل رسول الله ولم يرد عليهم شيئا، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله فقال: «إ «ن الله ليليِّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى إذ قال: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، «وإن مثلك يا عمر كمثل نوح؛ إذ قال {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، وإن مثلك كمثل موسى إذ قال: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 88]. كان النبي إذا استشار أصحابه أول من يتكلم أبو بكر في الشورى، وربما تكلم غيره، وربما لم يتكلم غيره فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه. --------------------------------------------------
|
|