قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:40 pm
الهجرة ومقدماتها د. يحي إبراهيم اليحي بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَنْ اهتدى بهديه.
أمَّا بعد: فهذا هو الكتاب الرابع من سلسلة (دروس وعبر من سيرة خير البشر)، وقد ابتدأته بالحديث عن عام (الحزن) فمنه ابتدأ خط المقاومة والإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم ينحو منحًى جديدًا فقد ذهب الذي كانت تداريه قريش وتخشى منه وهو عمه أبو طالب، فصبت جام غضبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأت تلحق به من أصناف الأذى مما لم يكن يعرفه في حياة عمه، ثم ذهب الذي كان يواسيه ويسري عنه ويصبره وهي زوجته (خديجة) رضي الله عنها وأرضاها، فجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحث عن محضن جديد ومقر آمن لدعوته، فكانت رحلته إلى الطائف، ثم عَرْضُ الإسلام على أهل المدينة، الذي أفرز بيعتي العقبة، وما تلاها من التخطيط للهجرة إلى أن هاجر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عام الحزن بعد نقض الصحيفة بيسير أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب الذي كان يحوطه ويدافع عنه، ثم توفيت زوجته خديجة رضي الله عنها التي كانت خير سند له، ووقفت بجانبه تطمئنه وتثبته من أول يوم نزل فيه الوحي، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك حزناً شديداً، حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبً مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ)) (1).
عن سيعد بن الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: أَيْ عَمِّ قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} (التوبة: 113)، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (القصص: 56))) (2).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ: ((قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: لَوْلا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ})) (3).
الدروس والعظات: 1- ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم المحن بأنواعها وابتلي بأصناف البلاء، وها هو يبتلى في وفاة زوجته التي تشكل حماية داخلية له بعد الله تعالى، فهي الذراع الحاني تطمئنه وتواصيه وتصبره، وتمسح عنه النكد والتعب الذي يلاقيه من قريش، وفي العام نفسه ابتلي بوفاة عمه الذي كان يحوطه ويدافع عنه.
2- لقد تخطى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع العقبات في طريق دعوته، فلم تقف أي عقبة مهما عظمت في سبيله، فضلاً أن تقعده عن دعوته، فما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الحزن خور أو ضعف أو فتور عن متابعة رسالته، على الرغم من عظم المصيبة وهول الخطب.
3- من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة المرضى وبذل الخير لهم وإن كان من أهل الشرك والكفر كما زار عمه وهو مشرك وزار غلاماً يهودياً، وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة المريض فقال: ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ)) (4)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: ((عَادَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَعَائِدًا جِئْتَ أَمْ زَائِرًا؟ قَالَ: لا، بَلْ جِئْتُ عَائِدًا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَمَا إِنَّهُ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا إِلا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ كُلُّهُمْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ إِنْ كَانَ مُصْبِحًا حَتَّى يُمْسِيَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُمْسِيًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ كُلُّهُمْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ)) (5).
4- استغلال جميع الفرص والمناسبات في الدعوة إلى الله وتبليغ هذا الدين، فحالة المريض غالباً ما تريه ضعفه وفقره وحاجته إلى خالقه جل وعلا، ولهذا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه في هذه الساعة، كما حرص على هداية غلام يهودي يحتضر، فقد روى أنس رضي الله عنه قَالَ: ((كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ)) (6).
5- مما يوضح جدية هذا الدين، وصدق نبوة سيد المرسلين اهتمامه بهداية المحتضرين، وإلا فماذا سيقدم هؤلاء له إذا أسلموا وهم في مثل هذه الحالة، لو كان مراده من دعوته الدنيا وحطامها.
6- الاهتمام بهداية الناس مهما كانت أحوالهم وأوضاعهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) (7).
7- استخدام أسلوب الترجي واللطف مع حسن العرض واللباقة في الخطاب عند دعوة الناس ((يا عم)).
8- احتفاظ الرسول بالأيادي والفضائل التي قدمها له عمه، ولهذا حرص أشد الحرص على هدايته وهذه أعظم مكافأة لو استجاب له فيها نال السعادة الأبدية، وهذه من صفات الرجال الكرام في اعترافهم بالجميل والفضل، وقد نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)) (8).
9- إن لا إله إلا الله منهج حياة كاملة تنفي كل ما سوى الله من الشركاء والأنداد فلا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، ولهذا أدرك معناها أبو جهل وأبو طالب ومن معهما وعرفوا أنها منهج تغيير كامل في كل الحياة ونبذ كامل لكل المناهج الأرضية والتقاليد والعقائد الموروثة، والتبرء مما سوى الله عز وجل، ولو كان الأمر مجرد كلمة تقال باللسان فقط لأسرعوا إليها دون تردد، أو أنها تعني الاعتراف بوجود الله وأنه الخالق الرازق لقالوها، لأنهم يؤمنون بذلك قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهَ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} (يونس: 31) وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ للهِ، قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (المؤمنون: 84 - 89) فعجباً من أناس أبو جهل أعلم منهم بلا إله إلا الله!.
10- ضرر جلساء السوء وخطرهم على الإنسان فقد وقفوا حاجزاً بين أبي طالب وبين السعادة الأبدية وأوقعوه في شر حال وأعظم عذاب، وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختيار الجليس والصاحب فقال: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً)) (9).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) (10).
11- تعظيم المشركين لمناهج آبائهم وعاداتهم وتقاليدهم كما قال الله فيهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف: 22).
12- أهل الباطل طبيعتهم التقليد والتبعية العمياء وإلغاء دور العقل وطمس البصيرة والبعد عن التفكير الحر الصادق الطليق، ولهذا لم يحاوروا رسول الله لأنهم لا يملكون أي أداة للحوار أو المناظرة وليس عندهم حجج يناظرون عليها سوى التقليد الأعمى لآبائهم.
13- ثقل مخلفات الماضي وتقاليده على كبار السن، ولهذا خشي أبو طالب من تعيير قريش لو قال لا إله إلا الله.
14- وظيفة الداعي هي فتح الطريق أمام الناس للهداية وترغيبهم فيها ودلالتهم عليها، وأما إدخال الناس في الهداية فهذا لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق وحبيب رب العالمين، ولو كان يملك من هذا شيء لمنَّ به على عمه الذي دافع عنه وصاول من أجله وقد حرص صلى الله عليه وسلّم حرصاً شديداً على هدايته، فهداية التوفيق إلى الله جل وعلا.
15- الفرق بين هداية الدلالة والإرشاد والبيان التي أثبتها الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشعراء: 52)، وبين هداية التوفيق والتي نفاها عنه ربه... {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (القصص: 56).
16- إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من وطئ الثرى وأظلت السماء.. رسول رب العالمين وسيد المرسلين لا يملك أن يهدي من أحب وهو عمه الذي واساه بنفسه وماله، فكيف بنظيره من الخلق! وكيف بالذي يطلب الهداية والنصرة والتأييد والاستعانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته! قال الله عز وجل في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ} (الأعراف: 188)، وقال جل وعلا: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} (الجن: 21) وكيف ممن يطلبونها ممن هو دون رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنـزلة والمكانة من ربه جل وعلا!؟
17- لقد قطع الله جميع أواصر الصلة والحب بين أهل التوحيد وأهل الإشراك ولم يبق إلا صلة العقيدة ورباط التوحيد {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة:113).
18- أهمية تلقين المحتضر شهادة أن لا إله إلا الله لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)) (11).
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:42 pm
رحلة الطائف: اشتدّ أذى قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه، فخرج إلى الطائف يدعوهم إلى الله ويطلب منهم أن ينصروه ويؤووه حتى يبلغ رسالة ربه، فلم يجد عندهم خيراً ولا ناصراً، وآذوه أشد الأذى ونالوا منه مالم ينله قومه، وأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلدنا، وأغروا به سفهاءهم، فوقفوا له صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه، فانصرف منهم مغمومًا محزونًا(12).
الدروس والعظات: 1- اهتمام عائشة رضي الله عنها بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عاناه من البلاء والتعب والمحن في تبليغ الدعوة.
2- لقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المحن والفتن التي تنـزل بالداعي أثناء تبليغ دعوته أعظم وأشد من القتال والإصابات والجراح وقتل الأقارب في ميادين الجهاد.
3- إن دين الإسلام لا يتعلق بقوم ولا بوطن بعينه، فقد رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب البقاع إليه وهي مكة إلى الطائف من أجل البحث عن محضن جديد لدعوته حيث ردها أهل مكة.
4- في رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف بيان أن المسلم الداعي لا ينبغي له الركود في بقعة بعينها، سواء كانت البقعة فاضلة أو غير فاضلة إن لم يستطع أن يبلغ دينه ويقوم بدعوته، ولا ينبغي أن يتعذر بفضل المكان وشرفه ((فإن البقاع لا تقدس أحداً إنما يقدس الإنسان عمله)).
5- بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إذ عرضت نفسي...)) أن الداعي مهما كان معه من الحق والخير، ومهما كانت منـزلته وفضله، ومهما ارتفع قدره وعظم إيمانه، ومهما كان صلاحه وعلو مكانته، فهو المسؤول عن دعوته وعرض ما لديه من الخير على الناس وطلب من ينصره ويؤازره ويأويه، فلا ينتظر الناس أن يقدموا عليه أو يفتشوا عما لديه.
6- تأمل قبح الرد الذي واجه به أهل الطائف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفيستكثر أذى وشدة وعنف صب على أحد من المخلصين بعده! إن كثيراً من الأخيار الطيبين لا مانع عنده من القيام بأمر الدعوة إذا توفر البيت الفسيح والمركب المريح والزوجة الصالحة!!
7- تصور ذلك الجهد الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وذلك التعب الذي لحقه فقد جرى مهموماً على وجهه بعد ذلك الرد القبيح فلم يستفق إلا بقرن الثعالب القريب من مسجد الخيف في منى(14)، أي أنه جرى على قدميه الشريفتين قرابة مائة كيلو متر، لم يَعِ نفسه من شدة الهمّ لدينه إلا بعد تلك المسافة الطويلة.
8- غيرة الجبار القهار عز وجل على خليله وحبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم حيث أرسل إليه الملائكة لمواساته في مصابه.
9- رغم شدة المصاب وعظم الأذى، الذي نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الرغم من شدة الهم والحزن الذي بلغ به من جراء عنت قريش وملاحقتهم له، وقيامهم باضطهاد أصحابه وتعذيبهم، إلا أنه لم يتشف بهم ويطلب من ربه إيقاع العذاب العام عليهم، بل طلب من ربه جل وعلا أن يستأني بهم.
لقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحدث البعد عن حظوظ النفس ورغباتها، ومحبة الانتصار لها، وعدم اليأس من هداية الناس مهما كان بعدهم عن الحق والخير.
10- الله أكبر ما أعظم هذا الأمل ((بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) أي بعد عن العجلة وأي صبر ينبغي أن يتحلى به الداعي إلى الله تعالى بعد ذلك، إنه انتظار ما في الأصلاب ليعبدوا الله لا يشركون به شيئاً، وما أكثر الذين يستبطئون النتائج، ويستعجلون حسناتهم في حياتهم الدنيا.
11- إن الهم كل الهم هو في تحقيق عبودية الله تعالى وحده لا شريك له، ليس للمخلصين هدف آخر من متاع الدنيا الزائل وعرضها الفاني.
الإسراء والمعراج: كان الإسراء والمعراج مواساة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حينما لقي من قومه ما لقي من الأذى والعنت بعد وفاة عمه أبي طالب، فأسري بجسده وروحه إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلى حتى سمع صريف الأقلام.
الدروس والعظات: 1- لقد شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة: مرة في طفولته لاستخراج العلقة وحظ الشيطان منه، ومرة أخرى لتهيئته للتلقي الحاصل في هذه الليلة العظيمة بعدما أفرغ في صدره الإيمان والحكمة.
قال ابن حجر عن شق صدره صلى الله عليه وسلم: ((الأول أخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، وكان هذا في زمن الطفولة فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع شق الصدر عند إرادة البعث زيادة في إكرامه لِيتلقَّى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهر، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة)) (20).
2- بركة ماء زمزم وفضله ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ماء زمزم. بأنه ((طعام طعم)) (21) ((وشفاء سقم)) (22)، ((ماء زمزم لما شرب له)) (23).
3- الإسراء والمعراج معجزة ودلالة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
4- أهمية بيت المقدس وارتباطه بأهل التوحيد وأهل الإسلام على مدار التاريخ، فللتوحيد بني ومن أجل التوحيد أنشئ.
5- الارتباط الوثيق بين المسجدين: المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصلى الأنبياء عليهم السلام، والمسجد الحرام أول بيت وضع للناس: قبلة المسلمين وإليها حجهم، وفيه بيان ما يجب على المسلم من المحافظة على تلك البقاع الطاهرة.
6- صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء دلالة على علو منـزلته وكمال فضله، وختام رسالته لجميع الرسالات وأن شريعته آخر الشرائع وناسخة ما قبلها، وأن دين الأنبياء واحد وهو التوحيد، وإن اختلفت شرائعهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)) (24).
كما أن فيها تأكيداً لأواصر القربى بين الأنبياء كافةً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل لتتمة البناء الذي بدأوه سابقاً، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ: أَلا وَضَعْتَ هَاهُنَا لَبِنَةً فَيَتِمَّ بُنْيَانُكَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ)) (25).
7- قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: ((اخترت الفطرة)) بيان أن الإسلام هو دين الفطرة، وهو الحنيفية السمحة المنسجم مع طبيعة الإنسان وقد وضع عن أهله الأغلال والشدائد والمصاعب التي كانت على من قبلهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157)، وحين نرى انحرافاً وخروجاً عن هذا الدين فهذا دلالة على فساد الفطرة، فالفطرة تشبه اللبن لكونه على طبيعته لم يتغير، وأما الخمر فناتج من تغير كيماوي من العنب أو التمر أو غيره من عناصر الخمر.
8- استفتاح جبريل عليه السلام عند كل سماء وإفصاحه عن اسمه وعن من معه دلالة على أدب الاستئذان، وأن المستأذن ينبغي له أن يفصح عن اسمه، ولهذا كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول المستأذن: ((أنا)) كما روى البخاري عن جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ((أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: أَنَا، أَنَا، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا)) (26).
9- إن قصة البيت المعمور في السماء السابعة وكثرة الداخلين المتعبدين عنده من الملائكة، وهم عباد مكرمون لا يعصونه وهم بأمره يعملون، لحرية أن تدعو بني آدم المقصرين أبناء المقصرين، المذنبين أبناء المذنبين إلى أن يؤوبوا ويرجعوا ويستحيوا من الله تعالى.
10- استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء كما فعل الأنبياء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
11- أهمية الصلاة وعظم شأنها، فقد فرضت من بين أركان الإسلام في السماء السابعة فكانت الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأصبحت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، روي عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ)).
فكان يصلي ويطيل القيام حتى انتفخت قدماه الشريفتان، كما روى مسلم في صحيحه عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)).
وكان يسمع لصدره وهو في الصلاة أزيز من البكاء، كما روى أحمد أبو داود والترمذي وابن ماجة عنْ ثَابِتٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ صلى الله عليه وسلم)) (27).
فالصلاة معراج للمسلم إلى ربه جل وعلا، ومنقية من الذنوب وناهية له عن الفحشاء والمنكر {وأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45).
12- أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو في الرفيق الأعلى يهمه شأن الناس وإن لم يكونوا من أمته وإن كانوا من غير قومه، فليلة المعراج حين فرض على نبينا صلى الله عليه وسلم الصلاة يلقاه موسى فيسائله ويقول له بهمٍّ شديدٍ: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك، ويكرر الطلب مرات، فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك، فيخفف الله عن هذه الأمة ما شاء أن يخفف.
تساءل معي ما الذي يعني موسى من صلاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وما الذي يكرثه أطاقت ذلك أم لم تطق؟ إنه الاهتمام بالناس إنه الحرص على نفعهم والإحسان إليهم، إن أنبياء الله والصالحين من عباده لا يعيشون لأنفسهم وإنما يعيشون بهمّ الأمة ومن أجل مصلحتها.
13- وفي قصة موسى مع نبينا صلى الله عليه وسلم دلالة على أهمية بذل النصيحة لمن احتاج إليها وإن لم يطلب منه ذلك.
14- وفي قول موسى عليه السلام: ((لقد بلوت بني إسلائيل قبلك)) دلالة على أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة.
15- عظم فضل الله على هذه الأمة فقد خفف عنها من صلاتها وأبقى لها أجرها كاملاً.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:43 pm
العرض على القبائل: كان أتباع رسول الله نزاعًا من القبائل، غرباء، لا قبيلة تحميهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاد للدعوة موطناً تحتمي به، يأمر من اتبعه من القبائل خارج مكة أن يبقوا في قبائلهم ويستخفوا حتى يظهر.
قال ابن كثير: ((والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر يدعو إلى الله تعالى ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عن ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم، ومواقف الحج، يدعو من لقيه من حر وعبد، وضعيف وقوي، وغني وفقير، جميع الخلق عنده في ذلك شرع سواء...)) (28).
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ، قَالَ: فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ، قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ)) (29).
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ أَبَا لَهَبٍ بِعُكَاظٍ وَهُوَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا قَدْ غَوَى فَلَا يُغْوِيَنَّكُمْ عَنْ آلِهَةِ آبَائِكُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفِرُّ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى أَثَرِهِ وَنَحْنُ نَتْبَعُهُ وَنَحْنُ غِلْمَانُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أَحْوَلَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ أَبْيَضَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ)) (31).
وقال ربيعة بن عباد: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي المجاز، يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عز وجل، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول: أيها الناس لا يغرنكم هذا من دينكم ودين آبائكم، قلت: من هو؟ قالوا: هذا أبو لهب)) (32).
وعن طارق بن شداد رضي الله عنه قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: رأيته بسوق ذي المجاز، وأنا في بياعة لي، فمر وعليه حلة حمراء، وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه بالحجارة، وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوا هذا، فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا غلام من بني عبد المطلب، فقلت: من هذا الذي يرميه بالحجارة؟ فقيل: عمه عبد العزى أبو لهب)) (33).
وعن شيخ من بني مالك بن كنانة: ((رأى النبي صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: ((أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))، قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: أيها الناس، لا يغرنكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم، وتتركوا اللات والعزى قال: وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (34).
قال ابن كثير: ((كذا قال في هذا السياق ((أبو جهل)) وقد يكون وهماً، ويحتمل أن يكون تارة يكون ذا وتارة يكون ذا، وأنهما كانا يتناوبان على إيذائه صلى الله عليه وسلم)) (35).
وعن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم في الموسم، ومجنة، وعكاظ، ومنازلهم في منى: من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالات ربي، فله الجنة، فلا يجد أحداً ينصره، ويؤويه، حتى إن الرجل ليرحل من مضر، أو من اليمن إلى ذوي رحمه، فيأتيه قومه، فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله -عز وجل- يشيرون إليه بالأصابع...)) (36).
الدروس والعظات: 1- هذه القصص تكشف عن مدى الجهد والكيد الذي تبذله قريش في محاربة الدعوة وصاحبها على المستوى الفردي والجماعي.
2- حمل الرسالة في مجتمع ضال معناه أن المصلح سينكر أشياء تعارف عليها الناس فعليه بتوطين نفسه على المعارضة والمحاربة والإيذاء.
3- لقاء الرسول مع بعض القبائل لم يدخلها الإسلام، ولكن على أقل تقدير أثار التسائل عندهم، والتشكيك فيما هم عليه من معتقدات، واستثمرهم كأداة إعلامية لأقوامهم وديارهم، حيث إنهم سيتحدثون بما وجدوه في سفرتهم هذه وسيذكرون من لقوا ومن لقيهم وما هي الأحاديث التي دارت معهم، وهذا مكسب عظيم بحد ذاته وتعريف بالإسلام وقضيته، كما يستخدمه أصحاب القضايا اليوم بسفراتهم وتنقلاتهم بين البلدان تعريفاً بقضيتهم.
4- لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يفرط في فرصة من الفرص أو مجال من المجالات في تبليغ دعوته فهو يحضر المواسم ويغشى الأسواق ويلتقي بالوفود قبائل وأفراداً.
5- البحث عن مأوى ومحضن للدعوة تحتمي به حتى تكون حرة طليقة، وذلك في تتبع الناس وتقصد مواقعهم ومنازلهم.
6- استخدام قريش في الصد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطر وسيلة إعلامية آن ذاك وهو عمه أبو لهب في زمن يعتبر للقبيلة وزنها في الدفاع عن أصحابها على حد قول القائل: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
وفي زمن تقوم الحرب الطاحنة بسبب إهانة جمل امرأة من القبيلة فكيف برجل منها.
وما أشق ذلك على نفس الرسول صلى الله عليه وسلم المكلف بالتبليغ عن ربه، والذي يدعو الناس بالكلمة الطيبة وهو وحيد غريب، فينبري أقرب الناس إليه يطارده أمام الناس الناظرين إليه، يرميه بالحجارة فيدمي عقبيه، ويحثو التراب على رأسه ووجهه، ويكيل له التهم وهو المعروف بينهم بالأمانة والصدق والوفاء.
7- ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم بنصر الله له جعلته لا ييأس ولا يمل، ويدأب في نشر الدعوة فهذه قبيلة ترده، وتلك لا تستمع إليه، وأخرى تقول: قومه أعرف وأعلم به!
8- صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على مشاقّ الدعوة وعوائقها وتبعاتها فلم يضعفه موقف سخرية، ولم يحبط همته استهزاء مستهزئ من قريش أو من القبائل والأفراد الوافدين على مكة.
9- البدء بالدعوة إلى التوحيد لأنه أساس الإسلام وأصل دعوة الرسل عليهم السلام.
10- معرفة المشركين وفقههم لكلمة لا إله إلا الله وأنها تهدم كل معتقداتهم الوثنية، وأنظمتهم الكفرية، ولهذا تحملوا المقاومة ولم يتفوهوا بها ولو على سبيل المجاملة، وما أجهل أقوامًا من المسلمين اليوم أبو جهل أعرف منهم بلا إله إلا الله.
11- لا يضر الداعية شن أعدائه دعاية عليه فأحياناً تكون الدعاية دعوة إلى دينه عند كثير من الناس، فكثير ممن أسلم من القبائل خارج مكة نتيجة دعايات قريش ونشرها لذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذلك بالصورة المشوهة فليس كل الناس إمعات يقبلون ما يملى عليهم من غيرهم.
12- يتصور الكائدون لهذا الدين أنهم بإمكانهم إطفاء نوره والقضاء عليه بخططهم وكيدهم ومكرهم وهيهات!! إنما مثلهم كمثل من رفع يده أمام نور الشمس يريد حجبها: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: 32).
فهذه قريش بذلت جميع إمكاناتها وسخرت جميع طاقاتها وانتدبت جميع رجالاتها لحرب هذا الدين والقضاء على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ما زادها إلا انتشاراً وقوة بين قبائل العرب كافة.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:44 pm
تهيئة ظروف المدينة للهجرة النبوية: 1- يوم بعاث: عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا فَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ)) (37).
بُعاث بضم الباء وفتح العين، مكان أو حصن أو مزرعة، عند بني قريظة، كانت به وقعة بين الأوس والخزرج، وقد قتل فيه حُضَير والد أسيد ابن حضير وهو رئيس الأوس، ورئيس الخزرج عمرو بن النعمان البياضي، وكان النصر في أولها للأوس ثم كُسِرُوا وانتصرت الخزرج، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل أربع سنين. قال الحافظ: الأول أصح.
فقتل من أكابرهم من كان يأنف ويتكبر أن يكون تحت حكم غيره.
وكان سببها أن رجلاً من الأوس قتل حليفاً للخزرج فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا، وكانت قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف، فوقعت بينهم الحرب لأجل ذلك(38).
2- كون الأوس والخزرج مجاورين لليهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يقولون لهم: سيخرج نبي نتبعه ونقتلكم به قتل عاد وإرم.
بدء إسلام الأنصار: صاحب مجلة لقمان: ((قدم سويد بن الصامت الأنصاري مكة حاجاً أو معتمراً، فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه إلى الإسلام فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك؟
قال: مجلة لقمان - يعني حكمة لقمان -.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعرضها عليّ، فعرضها عليه فقال له: إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله تعالى عليَّ، وهو هدى ونور، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام.
فلم يبعد منه وقال: إن هذا القول حسن، ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج، فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنا لنراه قد قتل وهو مسلم وكان قتله يوم بعاث(39).
قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: ((لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبياً مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا)).
قال ابن إسحاق: ((وهم -فيما ذكر لي- ستة نفر من الخزرج)) وسندها حسن (41).
وذكر موسى بن عقبة: ((أنهم ثمانية)) (42).
قال ابن إسحاق: ((فلما قدموا المدينة ذكروا رسول الله، ودعوا إلى الإسلام حتى فشا فيهم، حتى كان العام المقبل وافى الموسم اثنا عشر رجلاً، فبايعوا بالعقبة على بيعة النساء)).
العقبة الأولى: قال ابن إسحاق: ((قال عبادة بن الصامت: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنى عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء -وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب- على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرج لنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء غفر وإن شاء عذب)) (43).
روى مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: ((أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَنْ لا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَقْتُلَ أَوْلادَنَا، وَلا يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ)) متفق عليه(44).
بعث معهم مصعب بن عمير: ذكر ذلك ابن إسحاق، والبيهقي في ((الدلائل))، وابن سعد، وذكر أن ذلك كان بطلب من الأنصار(45).
وقد نجح رضي الله عنه في مهمته فأسلم على يديه عدد كبير من أهل المدينة، ويدل على حذاقته وقدرته على الحوار والإقناع قصة إسلام أسيد بن حضير، ثم قصة إسلام سعد بن معاذ وإسنادها حسن إلا أنها مرسلة(46).
الدروس والعظات: 1- موقف أبي الحيسر دليل على قول عائشة: ((كان يوم بعاث...)) فموقف الرؤساء من الدعوة دائماً موقف المعارضة.
2- لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأنصار كان عابراً، بدون أي تخطيط مسبق، وهكذا نصر الله للداعية من حيث لا يحتسب إذا عرف منه الصدق والإخلاص: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (الطلاق: 2)، {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَى} (الطلاق: 4).
3- التعرف على المدعوين قبل دعوتهم، حيث سألهم عن اسمهم ثم قال: ((أمن موالي يهود)).
4- بيان الداعية للمدعوين معرفته بحالهم وأنه لا يكلمهم من فراغ، لما قال: أمن موالي يهود. أو أنه يستغل غربتهم، أو جهلهم... الخ.
5- معرفة حال كل قوم وما يصلح لهم قبل دعوتهم.
6- عدم فرض الدعوة على الناس أو التعالي في دعوتهم، حيث قال لهم: ألا تجلسون.
7- هذا الأسلوب في العرض بيان لما ينبغي أن يكون عليه الداعية من التأدب مع المدعوين.
8- تقدير ظروف المدعوين قبل دعوتهم، فهذا العرض ((ألا تجلسون)) نهاية الأدب، وفيه تقدير واحترام ورفع من معنوية وقيمة المدعوين، ولعلّ عندهم عذرًا أو شغلاً يمنعهم من الجلوس والاستماع فهو قائم باحترام ذلك كله.
9- شد اهتمام المدعوين للدعوة، فالداعية والمصلح لا ينبغي له أن يجعل بضاعته رخيصة فيعرضها في أي ظرف، فقوله: ((ألا تجلسون أكلمكم)) شد لانتباههم وأنه عنده شيء جديد ينبغي الجلوس والإصغاء إليه، ليس كغيره من الناس يذكرون لهم ما عندهم في أي حال كانوا، وإنما عنده شيء مهمّ يتطلب الجلوس والاستماع والإصغاء.
10- رعاية الأتباع وعدم التفريط فيهم ومتابعة نماء الدعوة، مثل: إرسال مصعب.
11- العناية التامة باختيار الداعية فقد توفر بمصعب عدة صفات، فإلى جانب حفظه للقرآن ومعرفته بالإسلام، فهو يتميز بالذكاء والفطنة وحسن التصرف، وجودة العرض، والقدرة على الإقناع.
12- أن الإسلام يذهب جميع الفوارق والعداوات ويصهر أتباعه في وحدة واحدة من أول لحظة يعتنقه أتباعه إذا كانوا على الفطرة، فها هو قد أذهب الشحناء بين الأوس والخزرج في أول سنة فيقدم وفد العقبة من الأوس والخزرج.
13- إن الإسلام ليس كلمة تقال باللسان فحسب، بل هو حياة كاملة ومنهج شامل لجميع نواحي الحياة فلم يكتفِ منهم بقول: ((لا إله إلا الله)).
14- البدء بتربية الناس واختبار قدراتهم في الاتباع والانقياد على الأمور البسيطة قبل فرض التكاليف التي تحتاج إلى تضحية كالجهاد مثلاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم ترك بعض ما انتشر عندهم من فساد، ولم يطالبهم بتكاليف أخرى غير إخلاص العبادة لله ونبذ الشرك.
15- البدء بالأساس عند أخذ العهد والميثاق وهو التوحيد.
16- تنقية وتطهير المجتمع من الرذائل مقدمة على الجهاد.
17- إشعار الناس بمراقبة الله وخشيته، وليس بسلطة النظام، فما هددهم بالمتابعة والمراقبة في التزامهم بالتطبيق، وإنما قال لهم: ((فإن وفيتم فلكم الجنة...)).
18- إحاطة الداعية بواقع المجتمع وأحوال الناس، حيث جاءت البيعة على ترك المفاسد المنتشرة في المجتمع حالياً وليس عن مفاسد متوقعة أو غير قائمة.
19- تربية الناس على الطاعة المتبصرة والواعية لا على الطاعة العمياء، فقد جاء في نص وثيقة البيعة: ((ولا نعصيه في معروف)).
20- أن هذا الدين ما إن تخالط بشاشته القلوب حتى يصبح معتنقه نشطاً في الدعوة، فالأنصار لما رجعوا إلى أهلهم -ومع أنهم لم يجلسوا مع صاحب الرسالة إلا مرة واحدة- إلا أنهم حملوا مشعل هذا الدين واعتبروا أنفسهم الدعاة المناط بهم تبليغه ونشره؛ فلهذا أسلم على أيديهم أعداد كثيرة.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:47 pm
قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه، قال كعب: ((خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا - زاد الحاكم: وكنا خمسمائة - حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء إني قد رأيت رأياً، ووالله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا فقلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت ألا أدع هذه البنية مني بظهر -يعني الكعبة- وأن أصلي إليها قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إني لمصل إليها فقلنا له: لكنا لا نفعل. قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى هو إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة وقد كنا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك، فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا لا نعرفه لم نره قبل ذلك، فلقينا رجلاً من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قلنا: نعم، وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجراً قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر؟ قال: نعم فقال البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله تعالى للإسلام، فرأيت ألا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها، قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا: نحن أعلم به منهم. قال ابن هشام: وقال عون بن أيوب الأنصاري: ومنا المصلي أول الناس مقبلاً على كعبة الرحمن بين المشاعر يعني البراء بن معرور.
قال كعب: ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق قال: فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال: فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيباً. قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب، أم عمارة، إحدى نساء بني مازن من النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي، إحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع. قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج - قال: وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج، خزرجها وأوسها - إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، إنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال: فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبياً، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر. قال: فاعترض القول - والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيّهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً، ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.
قال ابن هشام: ويقال: الهدم الهدم: يعني الحرمة، أي ذمتي ذمتكم، وحرمتي حرمتكم.
قال كعب: كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم بايع بعد القوم.
فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجب: المنازل - هل لكم في مذمم والصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أَزْيَب - قال ابن هشام: ويقال ابن أُزَيب - أتسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك.
قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفضوا إلى رحالكم.
قال: فقال له العباس بن عبادة بن نَضْلة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا؟
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا.
قال: فلما أصبحنا غدت علينا جِلّة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم.
قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه.
قال: وقد صدقوا، لم يعلموه، قال: وبعضنا ينظر إلى بعض، قال: ثم قام القوم، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان له جديدان، قال: فقلت له كلمة - كأني أريد أن أَشْرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر، أما تستطيع أن تتخذ، وأنت سيد من ساداتنا، مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟
قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي، وقال: والله لتنتعلنهما.
قال: يقول أبو جابر: مه، أحفظت والله الفتى، فاردد إليه نعليه، قال: قلت: والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنه)) (48).
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: ((أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نُهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نَهْكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فمالنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟ قال: الجنة، قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه)) (49).
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: ((دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)) (50).
الاحتياطات لاجتماع العقبة الثانية: 1- السرية التامة التي أحاطت بالاجتماع من بدايته إلى نهايته: ((وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا)).
2- الخروج من المدينة مع المشركين دون تميز في قافلة خاصة.
3- ضرب الموعد في أيام الحج في المشاعر حيث الناس مشغولون بمناسكهم وليس في مكة قبل الحج.
4- عدم الحديث عن الموعد أو الإشارة إليه أو التلميح به حين التقى البراء بن معرور وكعب بن مالك بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة.
5- مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم بصحبة عمه العباس يحتمل أن يكون تعتيماً على قريش وقطعاً للمتابعة اللصيقة منهم، إذ لو خرج مع أبي بكر أو عمر لربما صحبه أبو لهب أو أبو جهل لمتابعته كما كانوا يفعلون، ثم إن العباس عمه ومن أهله فلا يستنكر أن يخرج الرجل مع أقاربه.
6- اختيار المكان المناسب ((العقبة في منى)) فليس المكان بعيداً بحيث يفتقدون ولا يتم الاجتماع بوقت قصير لطول الطريق، ولم يكن المكان مكشوفاً بل بينه وبين منازل الناس الجبل.
7- اختيار الزمن المناسب ((أوسط أيام التشريق)) فليس في أولها والناس منشغلون بالمناسك يستقون ويذهبون ويأتون، ولا في آخرها والناس يستعدون للسفر.
8- اختيار الوقت المناسب ((بعد ثلث الليل الأول)) فليس في أوله، فقد يكون بعض الناس مازال مستيقظاً، ولا في آخره فيأخذ بعضهم حظه من النوم فربما استيقظ لأدنى حركة.
9- المبيت مع المشركين في منازلهم أول الليل.
10- طريقة الخروج من بين ظهراني المشركين ((التسلل من الفرش مستخفين)).
11- كيفية المشي والسير والحركة ((مشي القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة)).
12- كيفية التجمع ((واحد واثنان)).
13- الحضور للاجتماع في وقت واحد دون تخلف أو تأخر أحد منهم على الرغم من كثرة العدد ((ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان)).
14- تجمعهم كلهم قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لو اكتشف الاجتماع كان أمراً عادياً حيث لم يكن معهم غريب يثير التساؤل.
15- عدم فسح المجال للكلمات والخطب أو لكل شخص للتعبير عن ما في نفسه، لأن هذا يطيل المجلس وربما تسبب في اكتشافه.
16- إنهاء الاجتماع بوقت قصير.
17- ترك موقع الاجتماع بسرعة وللجميع، فعلى الرغم من حرص الجميع على البقاء أكثر مع النبي صلى الله عليه وسلم وبخاصة أن بعضهم يراه لأول مرة فيحب أن تكتحل عينه برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس هذا وقته.
18- الرجوع إلى المنازل والنوم في الفرش حتى الصباح.
19- ترك الحديث في الموضوع بعد الرجوع إلى المنازل.
20- التعتيم على الاجتماع وصرف التساؤل عنه بطرح قضايا هامشية في الوقت الذي تطرح فيه قريش أمراً مصيرياً، كما في قصة كعب مع الحارث بن هشام.
ولقد نجح هذا التخطيط أعظم نجاح، فهو وإن كان في بلد الشرك والكفر، وفي زمن تجمع المشركين، فإن هذا التخطيط الدقيق قد أخفى هذا الاجتماع على جميع الحجاج.
وأكبر دليل على ذلك أن الذي تولى الدفاع وإنكار الاجتماع هم من ينامون ويجاورون المسلمين في فرشهم.
بعض الدروس والعظات والفوائد: 1- تتبع الرسول صلى الله عليه وسلم للناس في منازلهم وأسواقهم عشر سنين يكشف لنا مدى الجهد والتعب الذي بذله الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته ومدى صبره ومواصلته للعمل، وعدم اليأس من صلاح الناس وهدايتهم.
2- حجم الدعاية الإعلامية التي شنتها قريش ضد الرسول صلى الله عليه وسلم بين قبائل العرب حتى جعل الناس يحذرون أفرادهم منه.
3- أن الحملة الدعائية مهما كان حجمها والجهود التي بذلت فيها ومهما كان اتساعها فإنها تبقى محدودة ولن تستقطب جميع الناس حيث يبقى من لا تؤثر فيه تلك الدعايات ممن هو خارج عن إطار الإمعات.
4- لا يستوحش من الحق لقلة السالكين وهذا الدين سيمكن في الأرض ولو بعد حين، فقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة يطارد بمكة ويحذر منه، فلم يتطرق إلى نفسه اليأس من الانتصار، وجاء نصر الله مسوقاً إليه من أهل المدينة، فالاضطهاد والملاحقة لا تثني الداعي عن دعوته، ولا تمنع من استجابة الناس له.
5- التفكير في إخراج الدعوة من الحصار الذي يضربه عليها أعداؤها وفك الخناق عنها، فلقد كان ذلك هو شغل الأنصار الشاغل وهمهم الذي ينامون عليه ويصحون معه، مع الشعور بالمسؤولية وإن لم يطلب منهم ذلك، حيث أن حجر الداعية ومنعه والحظر عليه مضرة بالمدعوين أكثر من الداعي، لذا قالوا: ((حتى متى نترك رسول الله...)).
6- الإنكار على من اجتهد مع وجود النص، كما أنكر الأنصار على البراء بن معرور صلاته إلى الكعبة، ولكن مع ذلك لم يحصل مقاطعة أو منافرة.
7- استفتاء العلماء عند وقوع خلاف ((مثل: طلب البراء بن معرور اللقاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرض عليه المسألة)).
8- رد المخطئ إلى الصواب دون تبكيت له فما زجره ولا نهره رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اجتهد البراء.
9- هكذا يجب أن تكون التربية فقد رجع البراء بن معرور إلى القبلة بكلمة من الرسول صلى الله عليه وسلم: ((قد كنت على قبلة لو صبرت عليها)) فلم يتطلب الأمر إلى كلام كثير ووسائل إقناع .
10- كان الرسول صلى الله عليه وسلم على بصيرة واطلاع على أحوال المجتمع الجديد الذي سيحتضن الإسلام، حتى أنه ليعرف ميزة بعض أفراده ((قال: الشاعر)) وهذا مفيد في الاستفادة من جميع القدرات وتوظيفها في مواقعها المناسبة.
11- مفارقة الأهل والأقارب إذا أصبحوا عقبة في طريق الدعوة.
12- حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة مع أنه في عز ومنعة من قومه، لأن الأمن الذي يسعى إليه صلى الله عليه وسلّم هو الأمن للدين لا للنفس والبدن والأهل.
13- لعل مجيء العباس مع الرسول صلى الله عليه وسلم كان تأكيداً للأنصار أن الأمن المطلوب للدعوة لا لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكرهم بمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عندهم وحمايتهم لشخصه.
14- الاستفادة من أنظمة وتقاليد وعادات المجتمع في نصرة الدعوة بشرط أن لا تكون على سبيل المقايظة، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد امتنع بالعصبية القبلية في قومه فلم يخلص إليه كما قال العباس بن عبد المطلب.
15- البدء بالتذكير والوعظ وترغيب النفوس وترقيق القلوب مهما كانت أهمية الاجتماع وخطورته، فلم يَكِلهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما يعلمون ((فتكلم رسول الله، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام)).
16- الصدق والإخلاص مع إدراك المخاطر كلها التي تمر بها الدعوة كان ظاهراً في هذا الاجتماع ((فخذ لنفسك ولربك ما أحببت)) فلم يقولوا: اذكر لنا ما تريد أو تكلم بما أحببت أو اعرض علينا شروطك، فيكون في هذا مجال اختيار ونظر، ولكنهم رضي الله عنهم أبانوا أنهم على استعداد لتحمل جميع التكاليف دون أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
17- أكثر أنصار الدعوة شباب وهم عماد الأمة إذا قيدوا بالإيمان والعلم والتربية ((قال العباس: هؤلاء أحداث)).
18- اتخاذ جميع الاحتياطات لحماية الدعوة والدعاة لا ينافي التوكل.
19- الاهتمام بدعوة الأشراف الذين يرجى منهم القبول واتخاذ الأسلوب الأمثل في دعوتهم، ومدحهم بما فيهم ((مثل دعوة والد جابر)).
20- لا يشترط في الولاية الأسبقية بل الأهلية مقدمة على ذلك، فعبد الله بن عمرو بن حرام كان جديداً في الإسلام ومع ذلك كان نقيباً.
21- الوضوح والصراحة عند المعاهدة أو المعاقدة على دعوة وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار ما يطلب منهم حتى يكونوا على بينة من أمرهم، فلم يكن مستغلاً لعددهم وعدتهم فيستر عنهم مشاكله التي تمر بها دعوته بل أوضح لهم كل ما يحف به من مخاطر.
22- سرعة استجابتهم مع إدراكهم حجم الخطر الذي سيحل بهم دليل على تمكن الإسلام من قلوبهم واستعدادهم الكبير للبذل والعطاء من أجله ((أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها)).
23- حاجة الدعوة إلى الرجال الناصرين لها... .
24- الدقة التامة في المواعيد فلم يتخلف رجل واحد منهم أو يتأخر عن الوقت.
25- الشروط الخمسة في البيعة: وتبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم.
كانت واضحة جلية ولم يكن شيء منها عائماً، حتى يكون المستعد لخدمة هذا الدين متبصراً عارفاً بكل الأمور والمتطلبات، ويخطئ من يظن أن مواجهة العدو والدفاع عن هذا الدين تأتي من خلال الكلام العائم، والحماس المندفع للإسلام بدون تبصر وروية.
26- يجب توقع أسوأ النتائج وعرضها على جميع المستعدين للذب عن هذا الدين، حتى تتميز الصفوف أولاً، ويقطع العذر على المتخاذل، ويكون التخطيط دقيقاً والخطوات محسوبة، ولا يعطي أحد البيعة إلا وعنده القدرة على الوفاء بها مع الصبر على تبعاتها.
وهذا هو طريق الأنبياء، لابد من بذل وتضحيات، أما الدعوة بدون تكاليف، وبلا تضحيات، وبدون بذل وجهد فهذا شيء آخر.
قال أسعد بن زرارة: ((...وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن يعضكم السيف، فإن أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله، وإن أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو عذر عند الله -عز وجل- !)).
فينبغي البعد عن تخدير الناس بالأماني الجميلة والمواعيد الحلوة، والأحلام المحببة للنفوس، فالطريق طويل وصعب وشائك.
27- السعي لتمكين الدين في الأرض لا لتمكين الأشخاص، ولهذا كان الضمان الوحيد لأهل البيعة ((الجنة)) فلا منصب ولا وزارة ولا وظيفة... ولا مكان للذي يطلب العاجل، فالدعوة والجهاد وبذل المال والنفس كلها يجب أن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة ((فأخذ علينا ليعطينا بذلك الجنة)).
28- يؤخذ من قول الهيثم بن التيهان ((إن بيننا وبين القوم حبال...)) أن مقاطعة اليهود والنصارى من بدهيات العقيدة، فلم يقل فهل ترى أن نقطعها!!
29- وفي قوله: ((بل الدم الدم)) دليل على تحمل الداعية والراعي ما يصيب الناس، وأنه جزء من المجتمع فهم شركاء مصيرهم واحد.
30- تنظيم الرسول صلى الله عليه وسلّم لأصحاب العقبة وتقسيمهم وجعل العرفاء والنقباء عليهم، مما يسهل الاتصال بهم، والقدرة على تربيتهم ومتابعتهم.
31- عدم تحمل الشيطان الحدث فبعد نجاح التخطيط حاول بنفسه البلاغ عن الاجتماع ((يا أهل الجباجب)).
32- صرف الكلام عن مجراه وتحويره ليبطل الخطر المتربص في الدعوة، وتلهية الأعداء إذا خيف كشف الخطط، والتعتيم في مثل هذه الحالة من الذكاء والفطنة، فكأنه يقول لسنا من أصحاب الاجتماعات بل هممنا لا تتعدى الانشغال بمثل هذه التوافه كالنعلين، فالرجل كان يتحدث عن قضية مصيرية خطيرة وكعب مشغول بحذائه الجديدة !!
33- قوله: ((أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً)) ولم يختر لهم مع أنه بإمكانه أن يختار من بايعه في العقبة الأولى وهم من السابقين وكان عددهم اثني عشر، فأعطاهم الحق في الاختيار احتراماً لآرائهم وعقولهم، واستفادة من طاقتهم وخبرتهم بالرجال في اختيار الأفضل.
34- المفاصلة في العقيدة من أول لحظة تتضح لمن يعتنق الإسلام وتكون فطرته سليمة، فأعظم ما يدافع العربي عن قومه وعشيرته، لكن العباس بن نضلة أراد أن يميل عليهم ويبيتهم في منازلهم!!
35- الدعوة تساس بالتخطيط والتعقل لا بالانفعالات والرغبات، والداعية لا يتأثر بحماس أتباعه ((إن أردت أن نميل على أهل منى بأسيافنا)) والتحسب لقطرة دم تخرج بفعل نزوة عاطفية، أو حماس غير منضبط، أما إذا جد الجد فالأرواح فداء لدين الله تعالى، فروح الاستبسال سادت هذا الجمع الطاهر ولكن ما أثرت على التخطيط.
ويجب النظر في العواقب وإدراكها تماماً، حتى يعرف الداعية أين يضع قدمه، فلا يبتّ بأمر لم يقدر جميع ظروفه.
36- تقدير الحماس مع عدم الاستجابة له والرد عليه بالتي هي أحسن ((لم نؤمر بذلك)).
37- عمل الرسول صلى الله عليه وسلّم وتحركاته وسياسته تنطلق من شرع الله، ولهذا بين للصحابي ذلك بقوله: ((لم نؤمر بذلك)).
38- إن الرجال الذين يعدون لحمل راية الإسلام، وقيام الدين على سواعدهم، غير الذين يريدون أن يعيشوا على هامش الحياة.
39- أن الدين الإسلامي لم يصل إلينا بسهولة بل بعد جهد وبذل للأنفس والأموال، ومفارقة للأهل والديار.
40- ((ففي البيعة الأولى كان الإيمان بالله ورسوله، وفي البيعة الثانية كان العهد على الهجرة، والجهاد.
وبهذه العناصر الثلاثة: الإيمان، والهجرة، والجهاد، يتحقق وجود الإسلام في واقع جماعي ممكن.
والهجرة لم تكن لتتم لولا وجود الفئة المستعدة للإيواء، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (الأنفال: 72)، ولم تكن البيعة والهجرة والجهاد لتتم لو لا انسلاخ المؤمنين الجدد من ولائهم القبلي والوطني، للولاء الشرعي، وتركهم لقاداتهم العشائرية إلى القيادة الإسلامية الواحدة...)) (51).
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:48 pm
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة: أخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ)) فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ...)) (52).
وفي صحيح مسلم: ((رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب)) (53).
أخرج ابن سعد عن الواقدي من حديث عائشة وسهل بن حنيف قالا: ((لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه ونالوا منهم مالم يكونوا ينالون من الشتم والأذى فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم واستأذنوه في الهجرة فقال: ((قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي)) ثم مكث أياماً، ثم خرج إلى أصحابه مسروراً فقال: ((قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها)) فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك...)) (54).
طلائع المهاجرين: أخرج البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ((أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلَ الْإِمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى: 1) فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ)) (55).
الدروس والعظات: 1- كان المهاجرون ينتظرون الفرج بفارغ الصبر من هذا الأذى الذي تصبه عليهم قريش، فما كاد أن ينتهي الرسول صلى الله عليه وسلم من قص رؤياه في الهجرة إلى المدينة حتى بادروا بالخروج إليها تاركين وراءهم أهلهم وأموالهم وبلادهم، فراراً بدينهم إلى الله.
2- ترتيب عملية الهجرة، بحيث يخرجون مثنى وثلاث.
3- العمل للدين واجب الجميع، والمبادرة إلى فعل الخير في أي مكان حل فيه المسلم فهو كالغيث حيثما وقع نفع، فطليعة المهاجرين فتحوا حلقات للتعليم فور وصولهم المدينة.
4- التعليم للجميع فلم يقتصر تعليم المهاجرين على كبار الأنصار بل شمل الأطفال أيضاً.
5- حرص الأنصار على تعليم أطفالهم وتربيتهم على دين الله ((فما جاء حتى قرأت سبح)).
6- مشاركة الأطفال في الأفراح بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية لهم على حب الله ورسوله.
هجرة عمر وعياش: قال ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: ((اتعدت لما أردنا الهجرة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضُب من أَضاة بني غفار(56)، فوق سَرِف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن. فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فكلماه وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت. قال: فقال: أبر بقسم أمي ولي هنالك مال فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب، فانج عليها. فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا ابن أخي، والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى قال: فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن.
قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهاراً موثقاً، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عمر في حديثه، قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم!
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أنزل الله تعالى فيهم، وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَتِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: 53 - 55).
قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام ابن العاصي.
قال: فقال هشام بن العاصي: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى(57) أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهّمنيها قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة)) (58).
وهذا يضعف الرواية التي تذكر هجرة عمر علانية، وأنه تنكب قوسه وجاء إلى المسجد فقال لقريش: من أراد أن تثلكه أمه... الخ، فإن مدار هذه القصة على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله الأيلي) عن أبيه بإسناده إلى علي رضي الله عنه، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين، فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً، كذا قال الألباني في كتابه ((دفاع عن السنة والسيرة النبوية)) (59).
الدروس والعظات: 1- ترتيب عمر وأصحابه لهجرتهم واختيار الوقت المبكر لها، والاتعاد في مكان بعيد عن الأنظار خارج مكة، دلالة على ملاحقة المشركين للمهاجرين ودقة متابعتهم لهم ومنعهم من السفر.
2- عدم تأثير العاطفة على التخطيط والتنظيم، فقد انطلق عمر وعياش لما تأخر عليهم هشام فلم يبقوا في انتظاره.
3- قيام قريش بسجن وحجز كل من تعلم بهجرته كما فعلت مع هشام.
4- كل الخلق يكبدون ويتعبون، ولكن شتان بينهم، فهذا يتعب ويكبد لدعوة، وذاك لنـزوة كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَالا يَرْجُونَ} (النساء: 104)، وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4)، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} (الانشقاق: 6)، وفي حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)) (60) فلقد تعب المسلمون المهاجرون وتكبدوا عناء الطريق في سبيل الله تعالى وابتغاء مرضاته، كذلك تعب أبو جهل وأخوه وتكبدا عناء الطريق إلى المدينة في سبيل الشيطان.
5- وفي قصة أبي جهل مع عياش، بيان ما ينبغي عليه المسلم من الحذر الشديد من الأساليب الكيدية التي يستخدمها العدو.
6- الحذر من أساليب الاستعطاف التي قد يلجأ إليها العدو في الكيد للمؤمنين ((إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط...)).
7- فطنة عمر حيث أدرك مباشرة كيد أبي جهل لعياش.
8- نصح عمر لعياش وتوجيهه ولفت نظره عن الوقوع في شراك المخادعة.
9- إنه مهما خالفك أخوك المسلم في رأيك ولم يأخذ بتوجيهك ونصحك فلا يعني ذلك التخلية بينه وبين عدوه وتركه وحده يلاقي مصيره، فعمر رضي الله عنه لم يتخلَّ عن عياش على الرغم من تركه لنصيحته بل بذل له نصف ماله لإقناعه، فلما لم يرض بالمرة الثانية، لم يغضب عليه ويقل: اذهب وستجد مصيرك، بل إنه أعطاه راحلته للنجاة عليها، وفي هذا استرخاص الأموال في سبيل نصرة أهل الإسلام.
10- عدم الثقة بالكافر مهما كانت قرابته، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (آل عمران: 118)، وقال تعالى: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} (التوبة: 8)، فالكفار لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمةً، فهذا أخوهم وقد أمّناه ومع ذلك يوثقانه ويسخران منه أمام الناس.
11- استغلال الطاغية الكافر إذلال قريبه لتحريض الناس على جميع المؤمنين.
12- اهتمام عمر بأمر إخوانه الذين افتتنوا وفرحه الشديد بتوبة الله عليهم، ومكاتبتهم بذلك.
13- عظمة الإيمان في قلوب الصحابة، وكبر الذنوب في أعينهم، جعلهم يظنون أن من أجاب الكفار مكرهاً فإن الله لا يقبل منهم صرفاً ولا عدلاً.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:50 pm
مؤتمر دار الندوة: إنّ لاجتماع قريش للتشاور في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهداً من كتاب الله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الأنفال: 30)، ومما يقوي اجتماعات قريش في دار الندوة استفاضتها، وورودها من عدة طرق، يشد بعضها بعضاً(61).
قال ابن إسحاق: ((ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً، وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه)).
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتلة، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأياً ونصحاً، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش، من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل، ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البختري بن هشام، وزَمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش)) (62).
وبعد تداول الآراء وتقليب وجهات النظر اتفقوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلّم باختيار شاب من كل قبيلة ينفذون الخطة حتى يضيع دمه بين القبائل.
الهجرة النبوية: أخرجها البخاري بطولها عن عائشة، وعن البراء بن عازب، وعن سراقة ابن مالك، وأنس بن مالك(63).
وقال البخاري في ((صحيحه)): ((باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام))، ثم ذكر حديث عائشة في استئجار النبي وأبي بكر رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً(69).
وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند ابن حبان: ((استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من مكة)) (70).
وعند موسى بن عقبة: ((وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم إلا أتى منـزل أبي بكر أول النهار وآخره)) (71).
وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة، فقلت: يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (72).
وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب: ((قالت عائشة: وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء))، وفيها: ((فقال أبو بكر: يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث))، وفيها: ((قال: أخرج من عندك قال: لا عين عليك، إنما هما ابنتاي)).
وكذلك في رواية هشام بن عروة.
وفي رواية هشام: ((فقال: الصحبة يا رسول الله، قال: الصحبة)).
زاد ابن اسحاق في روايته: ((قالت عائشة: فرأيت أبا بكر يبكي، وما كنت أحسب أن أحداً يبكي من الفرح))، وفيها: ((قال: لا أركب بعيراً ليس هو لي، قال: فهو لك، قال: لا، ولكن بالثمن الذي ابتعتها به، قال: أخذته بكذا وكذا، قال: أخذتها بذلك، قال: هي لك)) (73).
وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني: ((فقال: بثمنها يا أبا بكر، فقال: بثمنها إن شئت)) (74).
وأفاد الواقدي: ((أن الثمن ثمانمائة، وأن التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر هي القصواء، وأنها كانت من نعم بني قشير، وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً وماتت في خلافة أبي بكر، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع، وأفاد أنه كان بالسفرة شاة مطبوخة)) (75).
أخرج البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ((كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما)) (76).
أخرج البخاري عن أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ((قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) (77).
قال ابن حجر: ((لم أقف على تسميته -أي الراعي- ولا على تسمية صاحب الغنم، إلا أنه جاء في حديث عبد الله بن مسعود شيء تمسك به من زعم أنه الراعي، وذلك فيما أخرجه أحمد وابن حبان من طريق عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: ((كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال: يا غلام هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن...)) (81).
وهذا لا يصلح أن يفسر به الراعي في حديث البراء لأن ذلك قيل له: ((هل أنت حالب؟ فقال: نعم))، وهذا أشار بأنه غير حالب، وذلك حلب من شاة حافل وهذا من شاة لم تطرق ولم تحمل، ثم إن في بقية هذا الحديث ما يدل على أن قصته كانت قبل الهجرة لقوله فيه: ((ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول))، فإن هذا يشعر بأنها كانت قبل إسلام ابن مسعود، وإسلام ابن مسعود كان قديماً قبل الهجرة بزمان، فبطل أن يكون هو صاحب القصة في الهجرة)) (82).
قال البخاري: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: ((جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ (83) وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ أَخْفِ عَنَّا فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمِ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ. وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ)) (84).
في الحديث منقبة ظاهرة لأبي بكر، وفيه أن باب الغار كان منخفضاً إلا أنه كان ضيقاً، فقد جاء في السير للواقدي: أن رجلاً كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله قال: لو رآنا لم يكشف عن فرجه)) (85).
قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ)) (87).
زاد ابن اسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعاً عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها: ((فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول)) قالت: ((ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة -وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب- فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال: لقد وجدت الموت قبل ذوقـه إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بـطوقه كالثور يحمي جسمه بروقـه(88)
وقالت في آخره: ((فقلت: يا رسول الله إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى)) (89)، والزيادة في قول عامر بن فهيرة رواها مالك أيضاً في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعاً(90).
أخرج البخاري عن أسماء رضي الله عنها: ((صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أرادا المدينة، فقلت لأبي: ما أجد شيئاً أربطه إلا نطاقي، قال: فشقيه، ففعلت، فسميت ذات النطاقين))، وقال ابن عباس: ((أسماء ذات النطاقين)) (91).
أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ قَالَ فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ قَالَ فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ قَالَ فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا قَالَ فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا وَقَالُوا ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي قَالَ فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا قَالَ قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَبْدُاللَّهِ ابْنُ سَلَامٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمِ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ قَالَ فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ فَقَالُوا كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)) (92).
أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود)) (94)، والمراد بالعشرة يعني من أسيادهم، وإلا فقد أسلم منهم أكثر من عشرة(95).
أخرج أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من طريق زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال: ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب...)) الحديث(96).
وقال البخاري في التاريخ الصغير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: ((إني لأسعى مع الغلمان إذ قالوا: جاء محمد، فننطلق فلا نرى شيئاً، حتى أقبل وصاحبه، فكمنا في بعض خرب المدينة وبعثا رجلاً من أهل البادية يؤذن بهما، فاستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فقالوا: انطلقا آمنين مطاعين...)) الحديث(97).
وفي حديث أبي أيوب عند الحاكم وغيره: ((أنه أنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل ونزل هو وأهله في العلو، ثم أشفق من ذلك، فلم يزل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحول إلى العلو ونزل أبو أيوب إلى السفل)) ونحوه في طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند أبي سعيد في ((شرف المصطفى)) وأفاد ابن أسعد أنه أقام بمنـزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى بيوته(98).
أخرج الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} قَالَ: ((تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلِ اقْتُلُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ أَخْرِجُوهُ فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا قَالَ لَا أَدْرِي فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالُوا لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ)) (99).
قال ابن كثير: ((وهذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار وذلك من حماية الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم)) (100).
وأخرج ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي أن أبا جهل كان يقف محرضاً للمحاصرين لبيت الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن محمداً يزعم أنكم إذا تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها)) (101).
قال ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: ((لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه، خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق به معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة - وقد ذهب بصره - فقال: والله إني لأراه فجعكم بماله ونفسه، قالت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقالت: ضع يدك على هذا المال، فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، في هذا بلاغ لكم، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكني أردت أن أسكن الشيخ)) (102).
أما خروج الرسول صلى الله عليه وسلم وذر التراب على رؤوس المحاصرين: فقد أخرجه ابن إسحاق بدون إسناد(103).
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:51 pm
قصة أم معبد: وطرقها ما بين ضعيفة وواهية إلا طريقاً واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها: ((لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال: والله ما لنا شاة، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبه: فما تلك الشاة؟ فأتى بها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها، ثم حلب عُسًّا فسقاه، ثم شربوا، فقال: أنت الذي يزعم قريش أنك صابئ؟ قال: إنهم ليقولون، قال: أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك، قال: لا حتى تسمع أنّا قد ظهرنا، فاتبعه بعد)) (104).
الترتيبات والاحتياطات التي اتخذت للهجرة: لقد جاءت خطة الهجرة والترتيب لها في غاية الإحكام والدقة في أخذ الحيطة.
وقد تمثلت في النقاط التالية: 1- اختيار الصاحب المناسب وهو أبو بكر الصديق اختاره من بين جميع الصحابة كما في البخاري.
2- التعريض له بالخبر، فلم يقطع له النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الصحبة في الهجرة وإنما قال: ((لعل الله يجعل لك صاحباً)) كما في البخاري.
3- إعداد راحلتين قبل مدة طويلة من الهجرة، إذ لو اشترى الراحلتين قبيل الهجرة فربما لفت أنظار قريش إلى ذلك، وماذا يريد أبو بكر بهاتين الراحلتين إلا لأمر بيَّته مع محمد؟ وبخاصة بعد تفاقم الأزمة واشتداد الوحشة بعد بيعة العقبة الثانية، وهذه رواية البخاري.
4- دفع الراحلتين إلى الدليل قبل الهجرة، كما في البخاري.
5- زيارة أبي بكر كل يوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم أن يأتي أبا بكر غدوة وعشية، وعلى هذا لم يكن الأمر غريباً على قريش في مجيئه إليه وقت التخطيط للهجرة، كما في البخاري.
6- تغيير الوقت المعتاد للزيارة، ولعل ذلك بسبب الرصد من قبل قريش لزياراته في الوقت المعتاد، كما في البخاري.
7- اختيار الوقت المناسب للزيارة وهو وقت الظهيرة حيث يستظل الناس ويكونون في بيوتهم، كما في البخاري.
8- الخروج إلى أبي بكر متنكراً بالقناع حتى لا يعرف، كما في البخاري.
9- الإسرار لأبي بكر بخبر الهجرة، وكتمان ذلك عن أهل بيته في بداية الأمر حيث قال له: أخرج من عندك، كما في البخاري.
10- الإسراع في إعداد الزاد وتجهيزه، كما في البخاري.
11- مبيت علي على الفراش، كما في المسند لأحمد.
12- الخروج من خوخة في ظهر بيت أبي بكر ولم يخرجوا من الباب المعتاد، كما في رواية ابن إسحاق.
13- الخروج من الطريق المعاكس لطريق المدينة، فالأصل أن يخرجوا من جهة الشمال حيث طريق المدينة، فخرجوا جهة الجنوب، كما في البخاري.
14- اختيار الغار حيث البعد عن الأنظار للاختفاء فيه، كما في البخاري.
15- البقاء في الغار ثلاثة أيام حتى يسكن الطلب عنهما، كما في البخاري.
16- التخطيط للتعرف على كيد العدو ومتابعته وإعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة.
17- اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة في متابعة أخبار قريش وترتيباتها للقبض عليهما، فقد اختاروا شاباً قد لا يلفت نظرهم، ويمتاز بالذكاء والفطنة فيلتقط كل خبر ولا يفوته شيء، كما في البخاري.
18- متابعة الأخبار أولاً بأول حيث يأتي بالخبر كل يوم، فالحدث لا يستحمل التأخير أكثر من هذا، كما في البخاري.
19- ترتيب مجيء المخبر وانصرافه، سواء في وقت المجيء والانصراف، أو في طريقة الذهاب والإياب، كما في البخاري.
20- إسناد مهمة الإتيان باللبن للرجل المناسب وهو الراعي عامر بن فهيرة، كما في البخاري.
21- ترتيب حضور عامر بن فهيرة وانصرافه، كما في البخاري.
22- اتباع عامر بن فهيرة أثر عبد الله بن أبي بكر بالغنم حتى تعمي أثره، كما هو عند ابن إسحاق.
23- اختيار الدليل ذي الكفاءة العالية، كما في البخاري.
24- الخروج من الغار آخر الليل، كما في البخاري وعند موسى بن عقبة.
25- سلوك طريق غير الطريق المعتاد للمدينة، كما في البخاري.
26- اصطحاب عامر للخدمة.
27- مواصلة السير بدون توقف، كما في البخاري.
28- تأخير وقت الراحة، كما في البخاري.
29- حمل أبي بكر جميع ماله، ومن فوائد ذلك أن أبا بكر كان رجلاً غنياً فربما لحقهم الطلب فاستطاع أن يفدي أنفسهما بذلك المال، وكان مبلغاً كبيراً قدر بخمسة آلاف، كما عند ابن إسحاق، وتقدير المبلغ رواه أحمد والحاكم.
الدروس والعظات من الهجرة: 1- تقدم إسلام آل أبي بكر ((لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين)).
2- اهتمام أبي بكر بأهل بيته وإصلاحهم والبدء بهم قبل غيرهم.
3- منـزلة أبي بكر من النبي صلى الله عليه وسلم وصلته الوثيقة به، ومعايشته لأمر الدعوة منذ بزوغ فجرها، فقد كان عليه الصلاة والسلام يزوره كل يوم مرتين.
4- إن تفكير أبي بكر في الخروج من مكة مهاجراً لوحده مع منـزلته وأهميته للدعوة وصلته الوثيقة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ليكشف عن مدى الأذى والشدة التي تلحقها قريش بالمسلمين، هذا مع أن أبا بكر من الأشراف ومن الذين يجدون منعة في قومهم فكيف بالضعفاء والعبيد!!.
5- أن أمن الدين هو الأصل عند المسلم فإن وجد عليه خطراً دفع بلده وماله وأهله حماية لدينه، ولهذا خرج أبو بكر مهاجراً وحده تاركاً كل شيء خلف ظهره يطلب الأمان لدينه ودعوته.
6- بلد المسلم ووطنه هو الذي يتمكن فيه من إظهار دينه ودعوته فيه، ولهذا خرج أبو بكر على الرغم من أفضلية بلده على سائر البلدان، وعلى المسلم أن لا يركن إلى الذل والهوان بل يعمل تفكيره في الخروج من الحصار المضروب على دينه ودعوته، ويبحث عن موطن موافق أو مسالم لها، حتى يتمكن من تحقيق عبوديته لله تعالى.
7- التقارب والتشابه بين صفات الرسول صلى الله عليه وسلم وصفات أبي بكر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قالت له خديجة: ((كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف...)) وأبو بكر يقول له ابن الدغنة: ((مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف...)).
8- ينبغي للمسلم أن ينافس على خصال الخير المتعدية فإن هذا أدعى لرضا الله تعالى عنه، وقبول الخلق ما لديه، وكما قيل في وصف أهل السنة والجماعة ((أعلم الناس بالحق وأرحمهم للخلق)) ونفع الناس أعظم من نوافل العبادات ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ)) (105).
9- إن الأعمال المتعدية تكسب الثقة والمنـزلة في قلوب الناس مهما كانوا، فالناس لا ينظرون إلى العبادات الشخصية بقدر ما يراعون تجاوب الرجل مع مشاكلهم، ومشاركته الفاعلة في حياتهم.
فأبو بكر كسب ثقة ابن الدغنة وهو مشرك، فأجاره ورد على قريش على ملأ منهم، ولم يستطيعوا التنكر لذلك لشهرة تلك الصفات عن أبي بكر.
10- تقدير العرب للعادات الكريمة والصفات الحميدة وقيام العظماء والشرفاء في صف صاحبها، وهذا يفسر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) (106)، وقول الله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: 124).
11- الاستفادة من تقاليد المجتمع وأنظمته في خدمة الدعوة بما لا يتعارض مع أوامر الله ورسوله، فقد تجاوب أبو بكر مع ابن الدغنة، واستفاد من جواره، ورجع إلى بيته.
12- مصادرة صوت الحق وتجفيف منابعه، فالكفار لم يكتفوا بتشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبث الدعايات الكاذبة عليهم، وإيراد الإيرادات الواهية على منهجه وتعاليمه، لأنهم يعلمون أن الناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم، بل إن أول الناس بعداً عن الاقتناع بطرحهم هم أبناؤهم ونساؤهم، فالدعايات لا تغير كل قناعات الناس، ولهذا وعلى الرغم من تلك المحاربة الإعلامية والعقبات الكبيرة التي وضعتها قريش أمام الدعوة، فإنها تخشى على أبنائها ونسائها من سماع صوت الحق فيقتنعوا به.
13- الكفار وأهل الباطل يصادرون حريات التفكير ولا يجعلون للناس مجالاً للاختيار، أو فرصة في المعرفة، بل يعتبرون سواهم ليسوا على مستوى معرفة المصالح والمفاسد، ويجعلون لهم وحدهم تلك المعرفة وما على المجتمع إلا اتباعهم والانقياد لما يرسمون ويخططون لهم، فهم يفكرون عنهم ويوقعون بالنيابة عنهم ويسالمون ويعادون بالوكالة!! وإلا فيا معشر قريش أليس أبناؤكم وعبيدكم ونساؤكم منكم فلِمَ تمنعونهم من سماع صوت الحق أم ليسوا على مستوى النقد والتمييز مثلكم.
وفي هذا درس لأهل العلم والدعوة، فلا ينبغي أن يضيرهم تشويه صورتهم وإيذاؤهم، ومصادرة حرياتهم وكلماتهم، فيسري إليهم اليأس فيتصوروا عدم قبول الناس لهم بسبب تلك الدعايات المضللة، فهاهم أبناء قريش ونساؤهم يغدون على أبي بكر لسماع القرآن الذي طالما سمعوا الكلام الباطل فيه وطالما حاولت قريش التشويش عليه!!.
فمهما بلغت دعايات أهل الباطل واتهاماتهم ومحاربتهم للدين وللدعوة فإن للحق طلاباً، والناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم، فدعايات الباطل لم تؤثر في نساء قريش وأبنائهم فضلاً عن الآخرين.
14- الجهر بالحق والدعوة إليه هو الأصل في هذا الدين، والاستسرار والكتمان والاختفاء بالعبادة طارئ يلجأ إليه لوقت محدود، ولظرف طارئ، ولمصلحة راجحة، أما أن يبقى المسلم دائماً مختفياً فهذا يتنافى مع دعوته التي أمر أن يخرج الناس بها من الظلمات إلى النور، وإن تعرض للأذى، ولهذا بنى أبو بكر مسجداً بفناء بيته واستعلن في صلاته وقراءته.
15- إن جميع الكفار في كل العصور على اختلاف مللهم ونحلهم لا يمانعون من قيام الرجل بعبادة فردية داخل منـزله ولا يعلن بذلك، لأنهم يعلمون زيف معتقدهم وفساد منهجهم وضمور آرائهم، وأنه يمكن تحطيمها بمجرد الإعلان بقراءة القرآن بفناء البيت، فمبادئهم لا تقف لحظة أمام الحق، كالظلام الضارب أطنابه على الأرض سرعان ما ينقشع أمام شعلة النور.
16- لقد فزعت قريش من تأثر الناس بأبي بكر وصلاته وهو لا يملك أي وسيلة إعلامية، ولم يتقدم بدعوة أحد، أو يعقد مجلس مناظرة أو حوار مع ذرياتهم.
17- وصف الكفار وأهل الباطل لكل ما يخالف هواهم ومذهبهم بأنه فتنة للناس، قالت قريش عن أبي بكر: ((فإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا)) فأبو بكر يثير الفتن في مفهوم قريش العقيم، فالكفار لا يبالون بالتزوير وتغيير الحقائق وإطلاق الألفاظ غير المحسوبة على ما يشاؤون، وإلا متى كان الحق والخير والصلاح فتنة للنساء والأبناء.
18- يعتبر من صلى جهاراً وقرأ القرآن علانية ولوكان داخل فناء منـزله قد تعدى وتجاوز في نظر قريش فترفع لابن الدغنة احتجاجها بأن أبا بكر: ((قد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره)).
19- عجباً لأهل الباطل لا يكفيهم حكم الأرض ومن عليها، بل يرون أن لهم الحق حتى في تفكير الناس وآرائهم وليس لهم الحق حتى في قراءاتهم في منازلهم، فقريش لن تقر لأبي بكر أن يقرأ بفناء بيته ولنفسه، فهي تقول لابن الدغنة: ((ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان)) وقد أراد فرعون أن يتحكم في القلوب كما قال للسحرة لما آمنوا: في قوله تعالى: {آمنتم له قبل أن آذن لكم}.
20- يضفي أهل الضلال القداسة على مبادئهم وعاداتهم وتقاليدهم الباطلة، ويوقعون العقوبة على من خالفها، ولكن متى بدت لهم مصلحة أو لاح لهم في الأفق منفعة ضربوا بأنظمتهم عرض الحائط، وعندهم استعداد للانقسام والانشطار متى ما تعرضت مصالحهم للخطر، فعند ذلك فلا عهد ولا ذمة وإن كان المخالف من الرفاق والأصحاب، فهذه قريش تنوي خفر ذمة ابن الدغنة ونبذ عهده لمجرد مخالفة بسيطة في المعاهدة، فبدلاً من أن يصلي أبو بكر داخل البيت صلى في فناء البيت، فطلبوا ابن الدغنة وقالوا له في صيغة التهديد: ((فإنا كرهنا أن نخفرك)).
21- قد يقوم فاجر بالحدب على المسلم والدفاع عنه وقد يبدي احترامه لفكرته أو رأيه، ولكن مما ينبغي التفطن له أن هذا لا يكون إلا بصورة محدودة وبما لا يتعارض مع مصلحته وسمعته، وأنه عنده الاستعداد للتخلي عن حمايته بمجرد تعرض سمعته إلى خطر، فهذا ابن الدغنة لما هددته قريش بسمعته طلب من أبي بكر رد جواره وقال له: ((فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له)).
22- التوكل على الله والانتصار به والالتجاء إليه والثقة بنصره هو معتقد المسلم الذي لا يفارقه أبداً، مع الشجاعة ونبذ الخوف من المخلوقين ما دام يأوي إلى ركن شديد قال أبو بكر لابن الدغنة ((أرد جوارك وأرضى بجوار الله)) قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)، وقال: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ} (إبراهيم: 12)، وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} (الفرقان: 58)، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)) (107).
23- لقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة ولم يختر صاحباً له في الهجرة غير أبي بكر، وفي هذا دلالة على عظم الصلة وقوة الرابطة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم: ((على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي)).
24- لقد تجهز أبو بكر للهجرة ثانية بنفسه إلى المدينة، ولكن بعدما عرّض له الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحبة جلس وتحمل الأذى والعنت والتعب من قريش طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة في مصاحبته ((فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه)).
25- مبادرة أبي بكر في الترتيب لأمر الهجرة، وبذل المال في خدمة دعوته بدون طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قام مباشرة بعد تعريض الرسول صلى الله عليه وسلم له بالصحبة بتعليف راحلتين كانتا عنده، إذ مثل هذا من بدهيات الهجرة فلا تحتاج إلى أمر يتلقاه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا بيان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يربيهم تربية العبيد تربية الخنوع وإلغاء العقل مع المتبوع.
26- مقابلة التخطيط بالتخطيط، والتنظيم بالتنظيم، والترتيب بالترتيب، فقريش تخطط وترتب للإيقاع بالدعوة، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم يخطط ويرتب للنجاة بها، وهذا يوضح أن الاستسرار فيما يخدم الإسلام بما لا يتعلق به بلاغ ولا بيان ولا يترتب على إسراره كتمان للدين أو سكوت عن حق من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يتعارض التخطيط وأخذ الحيطة مع التوكل على الله تعالى، لأن الأخذ بالأسباب جزء من التوكل على الله تعالى.
27- وإن من أعظم مظاهر التضحية في هذه الهجرة أن يغادر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون هذا البلد الأمين الحبيب إلى قلوبهم -بل وإلى قلوب جميع المسلمين- مغادرة يعلمون أن لا استقرار لهم فيه بعدها، وهذا من أشق الأمور على النفس، ولكن رجال العقيدة يسترخصون في سبيلها كل غال.
ولقد عَبَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى -معنى صعوبة مغادرة مكة وفراقها فراقاً لا سكنى بعده- في العديد من المواقف المؤثرة.
عن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحَزْورة(108) فقال: ((والله والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)) (109).
28- تربية أبي بكر رضي الله عنه لأسرته على الأمانة ونصرة هذا الدين وإحاطته وحفظه وبذل ما يملكون في سبيل ذلك، وكان واثقاً أتم الثقة بتربيته فقال للرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره بإخراج من عنده: ((لا عين عليك))، ((إنما هم أهلك يا رسول الله)).
29- الرغبة في مصاحبة أهل الخير مهما ترتب على ذلك من أخطار، قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: ((الصحبة يا رسول الله)).
30- منـزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند أبي بكر أوصلته إلى البكاء من الفرح لما أخبره بمصاحبته في الهجرة.
31- الرغبة في المساهمة في طريق الخير وعدم الاعتماد على الآخرين في ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أبى أن يركب راحلة ليست له حتى اشتراها من أبي بكر بالثمن، حتى تكون هجرته بماله ونفسه رغبة في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالهما(110).
32- أسرة أبي بكر تشارك بمجموعها في إنجاح خطة الهجرة النبوية.
33- الاستفادة من خبرات وطاقات المجتمع وتوظيفها في المجالات المناسبة، فعبد الله بن أبي بكر للأخبار، وعامر للشراب، وأسماء وعائشة لتجهيز الطعام وهكذا.
34- الاستفادة من خبرات المشركين إذا أمن حالهم، ولم يكن لهم شوكة في التأثير على القرار، وعرفوا واشتهروا بما يراد منهم، ولم يكن أحد من المسلمين يسد هذه الوظيفة، وكانت عاداتهم وتقاليدهم تفرض عليهم الأمانة في أداء تلك المهمة.
35- اتخاذ الأسباب والاحتياطات التامة، ثم التوكل على الله تعالى والثقة المطلقة به والاطمئنان لنصره، وعدم الاتكال على الأسباب ذاتها، قال أبو بكر: يا رسول الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا قال: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)).
36- إن نصر الله فوق كل نصر، وقدرة الله فوق كل قدرة، وأمر الله فوق كل أمر، وتأييده يتحدى كل قدرات البشر وطاقاتهم، فهذه قريش صاحبة السلطة وتحت يدها السلاح والرجال والأموال ومع ذلك لم تستطع أن تهتدي إليهم في الغار.
37- اهتمام أبي بكر بالرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على نفسه، فقد ذهب يبحث له في الطريق عن ظل يقيل فيه.
38- لقد استولت سلامة الرسول صلى الله عليه وسلم على جل تفكير أبي بكر، فما أن وجد ظلاً يقيل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقام بتجهيزه وتنظيفه حتى يضطجع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هو فقد نسي نفسه من القيلولة وذهب ينظر ((هل يرى من طلب)).
39- الأدب الجم وحسن المخاطبة مع الأمانة يتجلى ذلك في مخاطبة أبي بكر لراعي قريش لعله يحلب لهم، مع أن الركب في حال حرب مع قريش وقد سطت قريش على أموال المسلمين وبيوتهم.
40- اهتمام أبي بكر بغذاء الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث النظافة والحالة الجيدة وتقديمه على نفسه في ذلك مع فرحه بشربه، على الرغم مما هو فيه من الشدة والخوف، فقد أمر الراعي بتنظيف يديه، ثم جعل الحليب في إناء برّده فيه، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثم شرب حتى رضيت)).
41- أدب أبي بكر في مخاطبته للرسول صلى الله عليه وسلم ((آن الرحيل يا رسول الله)).
42- تعميم قريش على جميع القبائل في القبض على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه.
43- بذل قريش المال لرصد المعلومات ومضايقة الأخيار وهذا أسلوب يستمال به ضعاف النفوس.
44- رصد جائزة كبيرة لمن أتى بهم، ولا شك أن هذه الجائزة لا يفي بها مال رجل واحد من قريش، وإنما أثقلت كاهل عدد من الأشراف، ولكن لا بأس بذلك ما دام الهدف هو القضاء على الإسلام، فلترصد ميزانية هذا العام وليعش الناس في تقشف. قال سراقة: ((جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما)).
45- من الدلائل على أن الجائزة المرصودة مغرية استنفار جميع القبائل للبحث عنهما، وتعتيم سراقة على قومه حتى يحظى بها وحده.
46- نجاح خطة وترتيبات الهجرة النبوية، فعلى الرغم من حرص قريش وتعميمها على القبائل وبذل الأموال في سبيل ذلك إلا أنه لم يدركهم منهم أحد غير سراقة.
47- لقد كان أبو بكر قلقاً على حياة رسول الله من أن يصيبها أذى، ولذلك يكثر الالتفات، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان واثقاً من نصر ربه له، مطمئناً إلى ذلك لم يعبأ بالخطر مع قربه منه، ولم يستحق منه مجرد الالتفات، قال أبو بكر: ((هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله فقال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (التوبة: 40))).
48- لقد قرب سراقة منهم وأصبح الخطر قاب قوسين أو أدنى، ولكن لا يأس من نصر الله ورحمته وحمايته، إن نصر الله يأتي العبد من حيث لم يحتسب، وحين يشتد الخطر يقرب الفرج قال سراقة: ((فعثرت بي فرسي فخررت عنها)) قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5 -6)، وقال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهَمْ نَصْرُنَا} (يوسف: 110).
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج اشتدي أزمة تنفرجي قد آن ليلك بالبلج
49- أصحاب العقائد والمذاهب الباطلة عندهم استعداد للتخلي عن مبادئهم عند أي مصلحة تلوح في الأفق، فليس لهم مبدأ يحكمهم، ولا عقيدة يلتزمون بها تنظم حياتهم وتوجههم، فالاستقسام بالأزلام واتباعها من عقائد المشركين، ولكن ها هو سراقة يستقسم بالأزلام هل يضر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه فيخرج لا يضرهم، يفعل ذلك مراراً فيخرج الذي يكره، فيعصي الأزلام ويلحق بهم لأن مصلحته تقتضي ذلك.
50- القرآن الكريم زاد المسلم في كل حال، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة الحال وقرب الخطر منه يقرأ القرآن وينشغل به حتى قرب منه سراقة وسمع تلاوته.
51- إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل كما يقال، ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال، فهذا سراقة يتحول من ملاحق لهم إلى مخبر عن كل ما يكاد لهم من مكائد، قال سراقة: ((فأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم)) وهكذا نصر الله وتأييده ينقلب به العدو المطارد لهم إلى ناصح معين.
52- استغناء الرسول صلى الله عليه وسلم عن متاع سراقة وزاده على الرغم من عرضه عليهم ذلك، قال سراقة: ((وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني)) وهذأ برهان عظيم لسراقة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن تقوده مصلحة دنيوية ومطلب مادي، وإنما يسعى لهدفٍ سامٍ ينبغي على سراقة أن يعمل ذهنه فيه.
53- توظيف الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة فيما يخدم الهجرة ولا يضير المسلمين إن لم يفعل ذلك وهو إخفاء أثرهما عن الناس، فلم يعطه سراً ولم يكل إليه عملاً مهماً.
54- فراسة سراقة وبعد نظره، فقد طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب أمان وهو المطارد الملاحق.
55- لقد ملأ الرسول صلى الله عليه وسلم قلبه وجوارحه ثقة بالله تعالى وتأييده ونصره له فيكتب لسراقة كتاب أمان ولم يقل كيف تطلب ذلك مني وأنا الشريد المطارد.
56- توجه الصحابة إلى التجارة والاستغناء عن الخلق والاعتماد على النفس، وتمويل الدعوة ذاتياً، فقد خرج الزبير مع بعض المسلمين تجاراً إلى الشام وفي طريق رجوعهم التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريق الهجرة.
58- وفي إلحاح والد البراء بن عازب على أبي بكر بإخباره بأمر الهجرة دلالة على اهتمام الصحابة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
59- لا بأس بالحديث عن العمل الصالح إذا عزم عليه أخوه المسلم، وكان يرجى من ذكره النفع والفائدة، كما عزم عازب على أبي بكر بذلك وتحديث أبي بكر له بأمر الهجرة.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الهجرة ومقدماتها السبت 22 يوليو 2023, 7:51 pm
الهوامش: 1. رواه البخاري ( ح 3896 ). 2. رواه البخاري ( ح 4772 )، ورواه مسلم ( ح 24 ). 3. رواه مسلم ( ح 25 ). 4. رواه الترمذي ( ح 2007 ). 5. رواه أحمد في مسنده ( ح 979 )، والترمذي ( 969 )، وأبو داود ( ح 3089 )، وابن ماجه ( 1442 ). 6. رواه البخاري ( ح 1356 ). 7. صحيح البخاري (ح 3701)، صحيح مسلم (ح 2406). 8. رواه أبو داود ( ح 1672)، وأحمد (ح 5709، 6071)، والنسائي (ح 2567). 9. رواه البخاري ( ح 2101 )، ومسلم ( ح 2628 ). 10. رواه الترمذي ( ح 2378 )، وأحمد ( 7968، 8218 )، وأبو داود ( 4833 ). 11. رواه أبو داود ( ح 3116 )، وأحمد ( 21529، 21622 ). 12. انظر: زاد المعاد ( 3 / 31 )، البداية والنهاية ( 3 / 136 )، فتح الباري ( 6 / 198 )، دلائل النبوة لأبي نعيم ( ص: 103 ). 13. رواه البخاري ( ح 3231 )، ومسلم ( ح 1795 ). 14. أخبار مكة للأزرقي ( 2 / 185 ). 15. رواه مسلم ( ح 162 ). 16. رواه البخاري ( ح 349 )، ومسلم ( ح 163 ). 17. رواه مسلم ( ح 172 ). 18. رواه البخاري ( ح 3597 )، ومسلم ( ح 249 ). 19. المسند ( ح 2680 ). 20. الفتح ( 7 / 205 ). 21. رواه مسلم 7\154، وأحمد 5\175 22. رواه الطبراني في الكبير والأوسط. انظر سلسلة الصحيحة ح 1056 23. أخرجه البيهقي في السنن 5\202 عن جابر، انظر سلسلة الصحيحة ح 883، إرواء الغليل 1123، وصححه الألباني في مناسك الحج والعمرة ص24. 24. رواه مسلم ( ح 2365 ) عن أبي هريرة. 25. رواه البخاري ( ح 3535 )، ومسلم واللفظ له ( ح 2286 ). 26. صحيح البخاري ( ح 6250 ). 27. مسند أحمد (ح15877)، سنن النسائي (ح1214)، سنن أبي داود (ح904). 28. البداية والنهاية ( 3 / 40 ). 29. رواه أحمد ( 3 / 390 )، وأبو داود ( ح 4734 )، والترمذي ( ح 2925 )، وابن ماجه ( ح 201 )، والدارمي ( ح 2355 ). 30. رواه الإمام أحمد في مسند ( 3 / 462 )، ( 4 / 341 - 342 )، والبيهقي في الدلائل ( 2 / 182 )، والطبري في التاريخ ( 2 / 348 )، والحاكم ( 1 / 15 )، والمعجم الكبير ( 5 / 56 )، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 4 / 721 )، وانظر: الغرباء ( ص: 99 ). 31. رواه عبد الله بن أحمد بسند حسن ( 3 / 492 )، والطبراني في الكبير ( 5 / 58 )، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ( 4 / 761 ). 32. رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ( 3 / 492 )، والطبراني في المعجم الكبير ( 5 / 56 )، والحاكم في المستدرك ( 1 / 15 ) وصححه ووافقه الذهبي. 33. مصنف ابن أبي شيبة ( 14 / 300 )، وابن خزيمة ( 1 / 82 )، والحاكم ( 2 / 612 ) وصححه ووافقه الذهبي، وموارد الظمآن ( ص: 406 )، وخلق أفعال العباد ( رقم 194 )، وسنن الدارقطني ( 3 / 44 )، وشرح أصول الاعتقاد ( 4 / 760 ) والمعجم الكبير ( 8 / 376 )، وسنن البيهقي ( 1 / 76 ). 34. المسند ( 4 / 63 )، ( 5 / 371، 376 )، والبيهقي في الدلائل ( 2 / 186 )، والسير والمغازي ( ص: 231 )، واتحاف الخيرة المسندة ( 3 / 3 / ل / 91 )، وقال الذهبي: ((إسناده قوي)) السيرة ( ص: 86)، وصحح الألباني إسناد أحمد. دفاع عن الحديث والسيرة ( ص: 22 ). 35. السيرة ( 2 / 157 ). 36. رواه أحمد ( 3 / 233، 933 )، وابن حبان كما في الموارد ( ص: 804 )، والبزار كما في كشف الأستار (2 / 703 )، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ( 2 / 426 )، والبيهقي في الدلائل ( 2 / 244 )، والسنن ( 9 / 9 )، وانظر: الغرباء ( ص: 301 ). 37. صحيح البخاري (ح 3777). 38. سبل الهدى ( 3 / 192 ). 39. رواه ابن إسحاق بإسناد حسن. السيرة الصحيحة ( 1 / 591 ). 40. رواه أحمد ( 5 / 427 )، وابن إسحاق بإسناد حسن، انظر السيرة الصحيحة ( 1 / 195)، والبداية والنهاية ( 3 / 148 ). 41. أحاديث الهجرة ص: 69، وانظر: السيرة الصحيحة ( 1 / 196 )، فقه السيرة للغزالي ( ص: 154 ). 42. انظر: دلائل النبوة للبيهقي ( 2 / 170 )، والبداية والنهاية ( 3 / 143 ). 43. سيرة ابن هشام 2\75. 44. رواه البخاري ح 3893، ومسلم 1709. 45. انظر: سبل الهدى والرشاد ( 3 / 197 )، أحاديث الهجرة ( ص: 71 )، والغرباء ( ص: 186 ). 46. أحاديث الهجرة ( ص: 27 )، وسبل الهدى والرشاد ( 3 / 198 ). 47. أخرجه أحمد ( 3 / 322 - 323، 339 - 340 ) بإسناد حسن كما قال في فتح الباري ( 7 / 222 )، والبزار في كشف الأستار ( 2 / 307 )، وابن حبان في الموارد ( ص: 408 )، والبيهقي في الدلائل ( 2 / 422 )، والسنن ( 9 / 9 )، والحاكم ( 2 / 624 ) وأقره الذهبي، وأخبار مكة للأزرقي ( 2 / 205 )، وأخبار مكة للفاكهي ( 4 / 231 )، وكشف الأستار ( 2 / 307 )، وشرح أصول الاعتقاد ( 4 / 763)، وقال ابن كثير: ((إسناده جيد على شرط مسلم)) سيرة ابن كثير ( 2 / 196 )، والغرباء ( ص: 190). 48. أخرجه ابن إسحاق بإسناد حسن. سيرة ابن هشام ( 2 / 81 - 85 )، وأحمد في المسند ( 3 / 460 ) من طريق ابن إسحاق، وفي فضائل الصحابة ( 2 / 923 ) مختصراً، والبيهقي في الدلائل ( 2 / 442 )، وابن حبان في صحيحه ( 9 / 74 )، وانظر: فتح الباري ( 7 / 261 )، وصححه الألباني في فقه السيرة ( ص: 159 )، وانظر: سبل الهدى والرشاد ( 3 / 102 - 402 )، وأحاديث الهجرة ( ص: 75 ) والسيرة الصحيحة ( 1 / 199 )، والغرباء ( ص: 191 ). 49. سيرة ابن هشام ( 2 / 88 )، وأحاديث الهجرة ( ص: 82 )، وقال: هذا إسناده حسن إلا أنه مرسل. 50. رواه البخاري ح 7056 ومسلم ح 1709. 51. الغرباء ( ص: 491 ). 52. فتح الباري 7\278. 53. صحيح مسلم ( 4 / 1779 ). 54. الطبقات ( 1 / 225). 55. الفتح ( 7 / 305 ). 56. التناضُب: بالضم وهو الشجر، والأضاة: بوزن حصاة وهي الأرض الطينية التي تمسك الماء، ويقال هي الغدير. انظر أحاديث الهجرة ص 99، ومعجم المعالم الجغرافية ص64. 57. طُوًى: موضع بأسفل مكة، وطوى: بالضم والقصر اسم الواد المقدس، وذو طُواء: موضع بين مكة والطائف. الروض الأنف 4\191. 58. سيرة ابن هشام ( 2 / 120 )، وصححه ابن حجر في الإصابة ( 3 / 604 ). 59. ( ص: 43 ). 60. صحيح مسلم ح 223. 61. أحاديث الهجرة ( ص: 104 ). 62. مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر ( 5 / 87 )، والحاكم ( 3 / 4 )، وأحاديث الهجرة ( ص: 104 )، وانظر: مبيت علي على الفراش، السيرة في ضوء المصادر ( ص: 268 ) فقد رواه أحمد بإسناد حسن كما قال أحمد شاكر ( 5 / 26 )، إلا أن في متنه غرابة شديدة أشبه ما تكون بوضع الشيعة، وانظر: أحاديث الهجرة ( ص: 113 ). 63. انظر: كتاب المناقب ( ح 5093 ) باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. 64. برك: بفتح الموحدة وسكون الراء وحكي كسر أوله، والغماد: فهو بكسر المعجمة وقد تضم، وتخفيف الميم، وحكى ابن فارس فيها ضم الغين، هو موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن. انظر فتح الباري 7\273. 65. ابن الدغنة: بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة، وعند الرواة ابن الدَغِنَة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون قيل: اسمه الحارث بن يزيد، وحكى السهيلي أن اسمه مالك، ووقع في شرح الكرماني أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رُفيع، وهو وهم من الكرماني فإن ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة أيضاً لكنه سلمي، والمذكور هنا من القار فاختلفا، وأيضاً السلمي إنما ذكره ابن إسحاق في غزوة حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة، وفي الصحابة ثالث يقال له ابن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي، والقارة: قبيلة من بني الهون ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانوا حلفاء لبني زهرة من قريش. فتح الباري 7\274، وانظر الإصابة في ذكر حابس والكلبي 1\271، وعن السلمين الإصابة 1\507. 66. أحث: أي أسرع، والجهاز: ما يحتاج إليه المسافر. فتح الباري 7\278. 67. الثقف: أي الحاذق، واللقن أي السريع الفهم. فتح الباري 7\279. 68. فتح الباري 7\272ـ273، 1\671. 69. الفتح ( 4 / 517 ). 70. الإحسان ( 8 / 26 )، الفتح ( 7 / 276 ). 71. مغازي موسى بن عقبة ( 1 / 361 ). 72. المعجم الكبير ( 24 / 106 ). 73. سيرة ابن هشام ( 2 / 129 ). 74. الفتح ( 7 / 277 ). 75. طبقات ابن سعد ( 1 / 226 )، إلى قوله: ((بني قشير)) الفتح ( 7 / 278 ). 76. الفتح ( 7 / 302 ). 77. الفتح ( 7 / 11 ). 78. الإداوة هي إناء صغير من جلد. النهاية في غريب الحديث 1\33. 79. فتح الباري 7\11ـ13، 300. 80. صحيح مسلم ( 4 / 2310 - 2311 ). 81. المسند ( 1 / 462 )، الإحسان ( 9 / 100 ). 82. الفتح ( 7 / 31 ). 83. الزج هو الحديدة التي في أسفل الرمح. فتح الباري 7\284. 84. الفتح ( 7 / 182 - 282 ). 85. انظر: الرياض النضرة ( 1 / 102 )، وقد عزاها لابن السمان. الفتح ( 7 / 51 ). 86. مجنة: سوق للعرب على أميال من مكة، وشامة: جبل بالساحل جنوب غربي مكة، وطفيل: حرة تجاوره. معجم المعالم الجغرافية ص 282، 761. 87. الفتح ( 7 / 803 ). 88. بطوقه: أي بطاقته، وروقه: أي قرنه. سيرة ابن هشام 2\236. 89. سيرة ابن هشام ( 2 / 238 - 239 ). 90. الموطأ ( 2 / 198 )، الفتح ( 7 / 903 ). 91. الفتح ( 7 / 282 ). 92. الفتح ( 7 / 492 ). 93. الفتح ( 7 / 913 ). 94. الفتح ( 7 / 123 ). 95. الفتح ( 7 / 223 ). 96. الفتح ( 7 / 692 ). 97. الفتح ( 7 / 692 ). 98. الفتح ( 7 / 792 ). 99. المسند ح 3241 100. السيرة ( 2 / 932 ). 101. ابن هشام ( 2 / 931 ). 102. رواه أحمد بإسناد صحيح، الفتح الرباني ( 2 / 282 )، وابن إسحاق، سيرة ابن هشام ( 2 / 251 )، والحاكم في المستدرك ( 3 / 5 )، وانظر السيرة في ضوء المصادر ( ص: 172 ). 103. ابن هشام ( 2 / 341 ). 104. رواه البزار بإسناد حسن وقال معقباً: ((لا نعلم روى قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا، ولا نعلمه بهذا اللفظ إلا عنه، وهو يخالف سائر الأحاديث في قصة أم معبد)) كشف الأستار ( 2 / 103 )، وقال الهيثمي: ((رواه البزار ورجاله رجال الصحيح)) ( 6 / 85 )، وقال ابن حجر: ((أخرجها الطبراني من حديث قيس بن النعمان بسند صحيح وسياق أتم)) الإصابة ( 5 / 605 ). a. وانظر: السيرة الصحيحة ( 1 / 312 )، وأحاديث الهجرة ( ص: 61 ) وما بعدها، والسيرة النبوية في ضوء المصادر ( ص: 182 ). 105. رواه البخاري ح 6007، ومسلم ح 1982. 106. صحيح الجامع ح 2345. 107. صحيح البخاري ح 4563. 108. بفتح الحاء وسكون الزاي وفتح الواو، سوق بمكة، وقد دخلت في المسجد ـ لما زيد فيه ـ قاله ياقوت، وهي ما يعرف اليوم باسم القشاشية، مرتفع يقابل المسعى من مطلع الشمس كما قال البلادي. انظر معجم البلدان 2\255، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 98. 109. رواه أحمد 4\305، والترمذي ح 3925، والنسائي في الكبرى باب فضل مكة (ل 55أ)، وابن ماجه ح 3108، والدارمي ح 2513، وعبد بن حميد في المنتخب ح 490. 110. الروض الأنف ( 5 / 502 ).