الصفا والمروة.. السعي إلى الله
إسلام أون لاين
الصفا والمروة اسما موضعين من المواضع التي تؤدَّى فيها بعض مناسك الحج والسعي بينهما.
إن الحاج يمشي هنا وهناك كمن يبحث عن شيء، أو كمن يطلب ضالة، أو يسأل عن أمر من الأمور بواسطة السعي.
يرجع بدء السعي بين الصفا والمروة إلى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث تعتبر هاجر أول من سعى بين الصفا والمروة، حينما كانت تلتمس الماء لابنها النبي إسماعيل، فكانت تصعد على جبل الصفا ثم تنزل حتى تصل جبل المروة، وقد كرَّرت ذلك سبعة أشواط، حتى وجدت الماء عند موضع زمزم، فشربت وأرضعت ولدها.
فلما جاء الإسلام جعل ذلك من مناسك الحج والعمرة.
الطريق الذي يربط بين الجبلين يسمى مسعى، أو مكان السعي، والمسعى الآن داخل في المسجد الحرام نتيجة التوسعة السعودية التي تمت عام 1375هـ.
ما معنى “الصفا”؟ وما معنى “المروة”؟
الصفا:
جمع صفاة، والصفا والصفوان والصفواء كله الحجر العريض الأملس، أو الصخرة الملساء القوية المختلطة بالحصى والرمل.
قال الأزهري: “الصفا والمروة جبلان بين بطحاء مكة والمسجد”، وقال ابن الأثير: “الصفا أحد جبلي المسعى.
وجبل الصفا هو الجبل الذي يبدأ منه السعي، ويقع في الجهة الجنوبية مائلًا إلى الشرق على بعد نحو 130 متر من الكعبة.
كما أن الصفا هي في الأصل مكان عالٍ في أصل جبل أبي قبيس جنوب الصفا والمروة.
وذكر شمس الدين القرطبي وغيره سببًا آخر للتسمية فقال: “أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس وهو جبل بمكة معروف، وكذلك المروة جبل أيضاً…
وذكر الصفا لأن آدم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقف عليه فسمي به، ووقفت حواء على المروة فسميت باسم المرأة فأنثت لذلك والله أعلم”.
المروة:
واحد المرو، وهي حجارة بيض، براقة صلاب، أو الصخرة القوية المتعرجة وهو الأبيض الصلب، وهي جبل مكة.
قال الفيروز آبادي: “المروة حجارة بيض براقة، وهو جبل بمكة يذكر مع الصفا، وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز”.
وقال الزبيدي: “قال الأصمعي سمي ويقصد جبل المروة بذلك لكون حجارته بيضاء براقة”.
وقال الفيومي: “المروة الحجارة البيض، والواحدة مروة، وسمي بالواحدة الجبل المعروف بمكة”.
قال الآلوسي: “المروة جبل بمكة يعطف على الصفا يميل إلى الحمرة”.
وقال الحموي: “الصفا والمروة جبلان بين بطحاء مكة والمسجد الحرام”.
وذكر محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره تفسير التحرير والتنوير: “الصفا والمروة اسم لجبلين صغيرين متقابلين، فأما الصفا فرأس نهاية جبل أبي قبيس وأما المروة فرأس منتهى جبل قُعَيقِعَانَ، وسمي الصفا لأن حجارته من الصفا وهو الحجر الأملس الصلب، وسمي المروة مروة لأن حجارتها من المرو، وهي الحجارة البيضاء اللينة التي توري النار”.
تعريفات السعي
السعي لغة: من سعى يسعى سعيًا، أي عدا، وكذا إذا عمل وكسب، وسعى في مشيه أي هرول، والسعي والذهاب بمعنى واحد.
السعي اصطلاحا: قطع المسافة الكائنة بين الصفا والمروة سبع مرات ذهابًا وإيابًا بعد طواف نسك حج أو عمرة.
وفيه يقول ابن عبد الهادي الحنبلي: السعي المشي بين الصفا والمروة.
المسعى اصطلاحا: هو الطريق الذي يقع فيه المسعى، قال المباركفوري: المسعى مكان السعي وهو بطن الوادي.
الشوط: المراد به المرة الواحدة من الطواف حول البيت وهو في الأصل مسافة من الأرض يعدوها الفرس كالميدان.
يقول عالم الحديث ابن قرقول (ت: 569 هـ): وهو في الحج طوافة واحدة من الحجر الأسود إليه، ومن الصفا إلى المروة.
حكمة السعي
شُرع السعي إحياء لذكرى إبراهيم وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهم السلام، وما كانوا عليه من امتثال أمْر الله تعالى، والمبادرة إليه، فيكون التذ كرباعثا على مثل ذلك، ومُقرراً في النفوس تعظيمهم والسعي استشعارُ العبد بأن حاجته وفقره إلى خالقه ورازقه كحاجة وفقرِ تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق، والكرب العظيمِ إلى خالقها ورازقها، وليتذكر أنّ من كان يطيع الله -كإبراهيمَ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه.
الحكمة في الصفا والمروة
الحكمة في مشروعيتها أن السيدة هاجر زوج سيدنا ابراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- حينما أعوزها الماء هي وابنها وفلذة كبدها إسماعيل -عليه السلام- في هذا المكان قامت تسعى وتطلبه ضارعة إلى الله -تعالى- أن يهديها إلى ماء تروي به ظمأها وظمأ ابنها، فانفجرت الأرض عن بئر زمزم التي رحم الله بها الملايين من الناس؛ حيث يستقي منها حجاج بيت الله الحرام إلى يومنا هذا.
فإذا سعى الحاجُّ فإنه يطلب بهذا السعي من الله -سبحانه وتعالى- أن ينقذه من مخالب العوز والاحتياج، وأن يرحمه برحمته الواسعة كما رحم السيدة هاجر وابنها بماء زمزم.
وأيضاً فإن هناك حكمة أخرى، وهي الاقتداء بالسيدة هاجر في طلب الرحمة والمعونة من الله -جلت قدرته- أولاً، وإحياء ذكرى هذه الحادثة التاريخية ثانيًا.
وقد ورد في القرآن الشريف قوله -تعالى-: “إنَّ الصفا والمروةَ من شعائرِ اللهِ فمنْ حجَّ البيتَ أو اعتمَرَ فلا جناحَ عليهِ أنْ يطوَّفَ بهما ومنْ تطوعَ خيرًا فإنَّ اللهَ شاكرٌ عليمٌ” وقال -صلى الله عليه وسلم– “اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي” وهذه حكمة بالغة وحادثة تاريخية دينية.
ويقول فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى: إن الصفا والمروة شعيرتان من شعائر الله، وسر استيفاء هاتين الشعيرتين هى عندما ترك سيدنا إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام بواد غير ذى زرع ولا ونيس وليس فيه من مقومات الحياة إلا الهواء.
وذلك أمر غير طبيعى من أب وزوج مثل سيدنا إبراهيم، لكن إبراهيم كان عابداً قانتاً لله يصدع بالأمر دون مراعاة لأسباب البشر.
ولو كان إبراهيم سيظل معهما لسكتت هاجر ولم تفعل شيئاً..
لأنه هنا كان سيتحمل عناء الفكر فى تدبير ضرورات الحياة، إلا أنه كان على رحيل، فلما سألته وعلمت أن ذلك عن أمر الله تعالى، قالت بيقين العبد في ربه، وثقة المؤمن في إلهه: إذن لا يُضيعنا.
وذلك أول درس للغافلين الذين يذكرون الأسباب وينسون خالق الأسباب، ثم يقرن هذا الدرس بدرس آخر وهو ألا تهمل الأسباب، لأن الأسباب من عطاء الله، فغن جوارح المؤمن تعمل وقلبه يتوكل وكذلك كانت هاجر زوجة إبراهيم.
المسافة بين الصفا والمروة
والمسافة في الس اختلفت في أكثر من رواية، فهناك من يقول إن المسافة تبلغ 394.5 مترًا، وهناك من يقول إنها 405 أمتار، وهناك من يقول 375 متراً، وإجمالي عدد الأشواط للسعى يقترب من الـ 3 كيلو، وحول الاسم الذي يطلق على الطريق فإنه يطلق عليه “مسعى”، أو “مكان السعي”.
كيفية السعي
يعتبر السعي من الشعائر الضرورية لإتمام مناسك الحج والعمرة، وحول كيفية السعي، لابد من معرفة أمر هام في البداية، يتمثل في أنّ السعي، يعد من أركان الحج والعمرة ويكون من خلال 7 أشواط، وهي أول نقطة يجب تأكيدها في السعي، حيث إنّ هناك الكثير من الأخطاء يقع فيها الحجاج والمعتمرون في حساب الـ7 أشواط.
في البداية يتم احتساب الشوط بداية من الصفا حتى ينتهي إلى المروة، وعند العودة من المروة إلى الصفا يتم احتسابها شوطًا أخر، وليس احتساب الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع مرة أخرى شوط، كما يشترط في السعي، أنّ يكون بعد طواف سواء كان ركنًا أو واجبًا أو نفلًا.
ويتم احتساب الأشواط بداية من الصفا، وليس العكس، حيث تبدأ الأشواط من الصفا ومع نهاية الشوط السابع يكون الساعي في المروة، وبدأت السيدة هاجر عليها السلام، أول سعيها من الصفا إلى المروة.
وفي كل شوط من أشواط السعي كلما وصل الحاج أو المعتمر إلى جبل الصفا هلل وكبر، ويصلي على النبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، ويتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بما يريد ويرغب، وعند بلوغ المروة، يقف الحاج أو المعتمر لبعض الوقت ويفعل مثل ما فعله عند الصفا، داعيًا الله تعالى بما تشاء، ويكون ذلك هو انتهاء الشوط ومن ثم بدء العد في الشوط الأخر حتى إتمام الـ 7 أشواط.
الهرولة في السعي
ومن النقاط الهامة التي يجب توضيحها في كيفية السعي، هي منقطة الهرولة (أي الإسراع من الحركة)، وهي منطقة توجد في مسار السعي، بحيث يكون السير في المسار المعد لذلك بشكل عادي وبخطوات ثابتة، وتبدأ الهرولة للرجال دون النساء، بين الميلين الأخضرين.
وتتم عملية الهرولة في كل شوط من أشواط السعي، مع الترديد المستمر لذكر: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”، وبعدها يتوجه الحاج أو المعتمر بما يريد من الدعوات.