|
| بحث: حكم السعي فوق سقف المسعى | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: بحث: حكم السعي فوق سقف المسعى الإثنين 16 نوفمبر 2015, 12:17 am | |
| الكتاب: أبحاث هيئة كبار العلماء المؤلف: هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية عدد الأجزاء: 7 أجزاء مصدر الكتاب: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء http://www.alifta.com عدد الأجزاء: 7 أجزاء ------------------------------------- حكم السعي فوق سقف المسعى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بسم الله الرحمن الرحيم إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحمد لله وحده، وبعد (1): فبناء على خطاب سمو نائب وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية رقم (26 \ 10612) وتاريخ 21 \ 3 \ 1393هـ المتضمن رغبة وزارة الداخلية في دراسة موضوع السعي فوق سقف المسعى من قبل هيئة كبار العلماء بالمملكة. وبناء على ما تقتضيه لائحة سير عمل الهيئة من قيام اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بإعداد بحث علمي فيما يحتاج إلى بحث من المواضيع التي تتجه الرغبة إلى دراستها في الهيئة - قامت اللجنة بإعداد بحث في حكم السعي فوق سقف المسعى. _______________________________________ (1) نشر هذا البحث في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد الأول، ص 179 - 196، عام 1395هـ. _______________________________________ وفيما يلي ما تيسر إعداده من النصوص والنقول التي يمكن أن يستعان بها في هذا الموضوع: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فإنه قد عرض على هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في دورتها الرابعة المنعقدة ما بين 29 \ 10 \ 1393 هـ و 12 \ 11 \ 1393 هـ موضوع (حكم السعي فوق سقف المسعى)؛ ليكون وسيلة لعلاج ازدحام الناس في المسعى أيام موسم الحج. واطلعت الهيئة على البحث المقدم عنه من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء المعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا نصه. حكم السعي فوق سقف المسعى (1) الأمر الأول: قال البخاري في [صحيحه]: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني طلحة بن عبد الله: أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل أخبره: أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ ظلم من الأرض شيئاً طوقه من سبع أرضين» (2).
قال ابن حجر: وفي الحديث تحريم الظلم والغصب، وتغليظ عقوبته، وإمكان غصب الأرض، وأنه من الكبائر، قاله القرطبي، وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد، وأن مَنْ ملك أرضاً ملك أسفلها إلى منتهى الأرض، وله أن يمنع مَنْ حفر تحتها سرباً أو بئراً بغير رضاه، وفيه أن مَنْ ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء، ما لم يضر بمَنْ يجاوره. اهـ. (3).
وقال العيني: بعد أن ساق حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ ظلم من الأرض شيئاً طوقه من سبع أرضين» (1) (2): _______________________________________ (1) يمكن أن يرجع في (حكم السعي بين الصفا والمروة فوق سقف المسعى) إلى الأمور الآتية: أن مَنْ ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين. الطواف والسعي على بعير ونحوه. استقبال الكعبة في الصلاة. رمي الحاج الجمرات وهو راكب. (2) صحيح البخاري المظالم والغصب (2320), صحيح مسلم المساقاة (1610), سنن الترمذي الديات (1418), مسند أحمد بن حنبل (1/190), سنن الدارمي البيوع (2606). (3) [صحيح] البخاري، مع شرحه [فتح الباري] ، (5 \ 38). _______________________________________ ذكر ما يستفاد منه: فيه دليل على أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهاها ، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا ، سواء أضر ذلك بأرضه أو لا ، قاله الخطابي ، وقال ابن الجوزي : لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها ، وقال القرطبي : وقد اختلف فيما إذا حفر أرضه فوجد فيها معدنا أو شبهه فقيل : هو له ، وقيل : بل للمسلمين ، وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بجاره ، وكذلك له أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد . اهـ . وقال الأبي (3): قوله: «من ظلم شبرا من الأرض» (4)... واستدل بعضهم على أن من ملك ظاهر الأرض يملك ما تحته مما يقابله ، فله منع من يتصرف فيه أو يحفر ، وقد اختلف العلماء في هذا الأصل فيمن اشترى دارا فوجد فيها كنزا أو وجد في أرضه معدنا، فقيل: له، وقيل: للمسلمين.
ووجه الدليل من الحديث: أنه غصب شبرا فعوقب بحمله من سبع أرضين... إلى أن قال: وكذلك يملك ما قبل ذلك من الهواء يرفع فيه من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد . اهـ.
فدل ما تقدم على أن حكم أعلى الأرض وأسفلها تابع لحكمها في التملك والاختصاص ونحوهما، وعلى ذلك يمكن أن يقال : إن السعي فوق الطابق الذي جعل سقفا لأرض المسعى له حكم السعي على أرض المسعى. _______________________________________ (1) صحيح البخاري المظالم والغصب (2320),صحيح مسلم المساقاة (1610),سنن الترمذي الديات (1418),مسند أحمد بن حنبل (1/190),سنن الدارمي البيوع (2606). (2) [ صحيح ] البخاري ، مع شرحه [ عمدة القاري ] ( 12 \ 298 ) . (3) [ صحيح مسلم ] ، مع شرحه [ إكمال المعلم ] ( 4 \ 313 ، 314 ) . (4) صحيح البخاري بدء الخلق (3026), صحيح مسلم المساقاة (1610), سنن الترمذي الديات (1418), مسند أحمد بن حنبل (1/187), سنن الدارمي البيوع (2606). _______________________________________ الأمر الثاني: وقد جاءت أحاديث في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير ، » (1) ومن رواية أم سلمة : « شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي وأنت راكبة » (2) ، وقد بوب البخاري في [ صحيحه ] فقال : ( باب المريض يطوف راكبا ) ثم ساق الحديثين السابقين : حديث ابن عباس ، وحديث أم سلمة ، قال ابن حجر (3) : أن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى ، وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ : « قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته » (4) (5) ، ووقع في حديث جابر عند مسلم : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه . وطاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ؛ ليراه الناس ، ويشرف ليسألوه » .
فيحتمل أن يكون فعل ذلك لأمرين، وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز، إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها، والذي يترجح المنع، لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد، ووقع في حديث أم سلمة: «طوفي من وراء الناس » (1)، وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف ، وإذا حوط المسجد امتنع داخله ، إذ لا يؤمن التلويث ، فلا يجوز بعد التحويط ، بخلاف ما قبله ، فإنه كان لا يحرم التلويث كما في المسعى ، وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار ، وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها . اهـ. _______________________________________ (1) صحيح البخاري الحج (1534), صحيح مسلم الحج (1272), سنن النسائي المساجد (713), سنن أبو داود المناسك (1877), سنن ابن ماجه المناسك (2948), مسند أحمد بن حنبل (1/215). (2) صحيح البخاري الصلاة (452), صحيح مسلم الحج (1276), سنن النسائي مناسك الحج (2925), سنن أبو داود المناسك (1882), سنن ابن ماجه المناسك (2961), مسند أحمد بن حنبل (6/319), موطأ مالك الحج (832). (3) [ صحيح ] البخاري، مع شرحه [ الفتح ] ، ( 3 \ 460 ). (4) سنن الترمذي الحج (865), سنن النسائي المساجد (713), سنن أبو داود المناسك (1881), سنن ابن ماجه المناسك (2948), مسند أحمد بن حنبل (1/248), سنن الدارمي المناسك (1845). (5) تمام الحديث: كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجنه فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ، سكت عنه أبو داود ، وقال المنذري: في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به ، وقال البيهقي: في حديث يزيد بن أبي زياد لفظة لم يوافق عليها وهي قوله ''وهو يشتكي'' [مختصر السنن] (2 \ 377). _______________________________________ وفي [ صحيح البخاري ] بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما . قال : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن » (2) . قال العيني : وأخرج مسلم عن أبي الطفيل : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن » (3) ، وروى مسلم عن جابر : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ، ليراه الناس ، وليشرف ليسألوه » . . . قال : ذكر معناه قوله : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير » (4) . قال ابن بطال : استلامه بالمحجن راكبا يحتمل أن يكون لشكوى به . . . إلى أن قال : وقال النووي : قال أصحابنا : الأفضل أن يطوف ماشيا ، ولا يركب إلا لعذر من مرض ونحوه ، أو كان يحتاج إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى به ، فإن كان لغير عذر جاز بلا كراهة ، لكنه خلاف الأولى . . . إلى أن قال : وقال مالك وأبو حنيفة : إن طاف راكبا لعذر أجزأ ولا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر فعليه دم ، قال أبو حنيفة : وإن كان بمكة أعاد الطواف . اهـ (5). _______________________________________ (1) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832). (2) صحيح البخاري الحج (1530),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248). (3) صحيح مسلم الحج (1275),سنن أبو داود المناسك (1879),سنن ابن ماجه المناسك (2949),مسند أحمد بن حنبل (5/454). (4) صحيح البخاري الحج (1530),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248). (5) [ صحيح البخاري ] مع شرحه [ عمدة القاري ] ( 6 \ 523 ) . _______________________________________ وقال السرخسي: وإن طاف راكبا أو محمولا ؛ فإن كان لعذر من مرض أو كبر لم يلزمه شيء ، وإن كان لغير عذر أعاده ما دام بمكة ، فإن رجع إلى أهله فعليه الدم عندنا ، وعلى قول الشافعي لا شيء عليه ؛ لأنه صح في الحديث : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للزيارة يوم النحر على ناقته واستلم الأركان بمحجنه » (1) . ولكن نقول : المتوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا الطواف ماشيا ، وهذا على قول من يجعله كالصلاة ؛ لأن أداء المكتوبة راكبا من غير عذر لا يجوز ، فكان ينبغي أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر ، ولكنا نقول : المشي شرط الكمال فيه ، فتركه من غير عذر يوجب الدم ؛ لما بينا ، فأما تأويل الحديث فقد ذكر أبو الطفيل رحمه الله أنه طاف راكبا لوجع أصابه ، وهو أنه وثبت رجله ؛ فلهذا طاف راكبا ، وذكر أبو الزبير عن جابر : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لكبر سنه » ، وعندنا إذا كان لعذر فلا بأس به ، وكذلك إذا طاف بين الصفا والمروة محمولا أو راكبا ، وكذلك لو طاف الأكثر راكبا أو محمولا فالأكثر يقوم مقام الكل على ما بينا . ا هـ (2) .
وقال ابن الهمام: على قول صاحب [ الهداية ]: (وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده) كالعرجون وغيره ، ثم قبل ذلك فعل ؛ لما روي : « أنه عليه السلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه » (3) ، وقوله: وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده أو يمسه بيده ، ويقبل ما مس به - فعل ، _______________________________________ (1) مسند أحمد بن حنبل (1/237). (2) [ المبسوط ] ( 4 \ 45 ) . (3) سنن الترمذي الحج (858),سنن ابن ماجه المناسك (2953),مسند أحمد بن حنبل (1/237). _______________________________________ أما الأول فلما أخرج الستة إلا الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ؛ لأن يراه الناس ويشرف ، وليسألوه ، فإن الناس غشوه » (1).
وأخرجه البخاري عن جابر إلى قوله: لأن يراه الناس، ورواه مسلم عن أبي الطفيل: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن» (2) ثم أورد إشكالا حديثيا وهو: أن الثابت بلا شبهة: أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع، وطوافه راكبا على البعير ينافي ذلك... إلى أن قال: والجواب: أن في الحج للآفاقي أطوفة، فيمكن كون المروي من ركوبه كان في طواف الفرض يوم النحر ليعلمهم ، ومشيه كان في طواف القدوم ، وهو الذي يفيده حديث جابر الطويل ؛ لأنه حكى ذلك الطواف الذي بدأ به أول دخوله مكة المكرمة ، كما يفيده سوقه للناظر فيه.
فإن قلت: فهل يجمع بين ما عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: «إنما طاف راكبا ليشرف ويراه الناس فيسألوه» وبين ما عن سعيد بن جبير: « أنه إنما طاف كذلك؛ لأنه كان يشتكي » كما قال محمد: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان: أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة، فجعل حماد يصعد الصفا وعكرمة لا يصعد، ويصعد حماد المروة وعكرمة لا يصعد، فقال حماد: يا أبا عبد الله، ألا تصعد الصفا والمروة، فقال: هكذا كان طواف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال حماد: فلقيت سعيد بن جبير فذكرت له ذلك، فقال: إنما طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على راحلته وهو شاك يستلم الأركان بمحجن، فطاف بين الصفا والمروة على _______________________________________ (1) صحيح مسلم الحج (1273),سنن النسائي مناسك الحج (2975),سنن أبو داود المناسك (1880). (2) صحيح مسلم الحج (1275),سنن أبو داود المناسك (1879),سنن ابن ماجه المناسك (2949),مسند أحمد بن حنبل (5/454). _______________________________________ راحلته ، فمن أجل ذلك لم يصعد . اهـ (1) . وقال الدسوقي : ( قوله : إذ هو واجب . . . إلخ ) . حاصله : أن المشي في كل من الطواف والسعي واجب على القادر عليه ، فلا دم على عاجز طاف أو سعى راكبا أو محمولا ، وأما القادر إذا طاف أو سعى محمولا أو راكبا فإنه يؤمر بإعادته ماشيا ما دام بمكة المكرمة ، لا يجبر بالدم حينئذ ، كما يؤمر العاجز بإعادته إن قدر ما دام بمكة المكرمة ، وإن رجع لبلده فلا يؤمر بالعودة لإعادته ، ويلزمه دم ، فإن رجع وأعاده ماشيا سقط الدم عنه ، ثم قال : وهذا في الطواف الواجب ، وأما الطواف غير الواجب فالمشي فيه سنة ، وحينئذ فلا دم على تارك المشي فيه ، قاله عج . اهـ (2) . قال النووي : والأفضل : أن يطوف راجلا ؛ لأنه إذا طاف راكبا زاحم الناس وآذاهم ، وإن كان به مرض يشق معه الطواف راجلا لم يكره الطواف راكبا ؛ لما « روت أم سلمة أنها قدمت مريضة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طوفي وراء الناس وأنت راكبة » (3) ، وإن كان راكبا من غير عذر جاز ؛ لما روى جابر : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وسألوه » (4) . حديث أم سلمة رواه البخاري ، وحديث جابر رواه مسلم ، وثبت طواف النبي صلى الله عليه وسلم في [ الصحيحين ] من رواية غير هؤلاء ، ولفظ حديث ابن عباس : « أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة _______________________________________ (1) [ شرح فتح القدير ] ( 2 \ 147 ) . (2) [ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ] ( 2 \ 40 ) . (3) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832). (4) سنن النسائي مناسك الحج (2975). _______________________________________ الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن » (1) رواه البخاري ومسلم ، وفي حديث : « طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه؛ لأن يراه الناس ، وليشرف ليسألوه ، فإن الناس غشوه » (2) رواه مسلم . وعن عائشة قالت : « طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس » (3) رواه مسلم.
وأما ا لأحكام: فقال أصحابنا: الأفضل أن يطوف ماشياً، ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه، أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله، فإن طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهية، لكنه خالف الأولى، كذا قاله جمهور أصحابنا... إلى أن قال: ( فرع ) قد ذكرنا مذهبنا في طواف الراكب، ونقل الماوردي إجماع العلماء على أن طواف الماشي أولى من طواف الراكب. اهـ (4) .
وقال أيضاً: أما سنن الطواف وآدابه فثمان: أحدها: أن يطوف ماشيا، فإن طاف راكبا لعذر يشق معه الطواف ماشيا أو طاف راكبا ليظهر ويستفتى ويقتدى بفعله - جاز ولا كراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا في بعض أطوافه، وهو طواف الزيارة، ولو طاف راكبا بلا عذر جاز. اهـ .
وقال ابن حجر الهيتمي في حاشيته على الشرح قوله: وهو طواف الزيارة، أما ما أشار إليه من ركوبه صلى الله عليه وسلم فيه إنما كان ليظهر فيستفتى، هذا ما _______________________________________ (1) صحيح البخاري الحج (1530),صحيح مسلم الحج (1272),سنن النسائي المساجد (713),سنن أبو داود المناسك (1877),سنن ابن ماجه المناسك (2948),مسند أحمد بن حنبل (1/248). (2) صحيح مسلم الحج (1273),سنن النسائي مناسك الحج (2975),سنن أبو داود المناسك (1880). (3) صحيح مسلم الحج (1274),سنن النسائي مناسك الحج (2928). (4) [ المهذب مع شرحه المجموع ] للنووي ( 8 \ 29 ، 30 ). _______________________________________ رواه مسلم ، قال السبكي : وهذا أصح من رواية من روى أنه طاف راكبا لمرض ، أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود على أن في إسناده من لا يحتج به ، وقال البيهقي : في حديثه : لفظه لم يوافق عليها ، وهي قوله : ( وهو يشتكي ) ، ومن ثمة قال الشافعي : لا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم فعله ماشيا ، وخبر مسلم أنه طاف في حجة الوداع راكبا على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة - لا ينافي ذلك ، وإن كان سعيه في تلك الحجة إنما كان مرة واحدة وعقب طواف القدوم ؛ لأن الواو لا تقتضي ترتيباً. اهـ (1).
وقال في [الإيضاح] أيضاً: ويجوز الطواف في أخريات المسجد ، وفي أروقته وعند بابه من داخله وعلى أسطحته ، ولا خلاف في شيء من هذا ، لكن قال بعض أصحابنا: يشترط في صحة الطواف أن يكون البيت أرفع بناء من السطح، كما هو اليوم حتى لو رفع سقف المسجد فصار سطحه أعلى من البيت لم يصح الطواف على هذا السطح، وأنكره عليه الإمام أبو القاسم الرافعي. اهـ (2).
وقال ابن قدامة: لا نعلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر... إلى أن قال : فصل : فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ ، وهذا هو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الطواف بالبيت صلاة » (3) (4). ولأنها عبادة تتعلق بالبيت _______________________________________ (1) [ متن الإيضاح في مناسك الحج للنووي مع شرحه ] لابن حجر الهيتمي ( 11 \ 255 ) . (2) [ الإيضاح ] للنووي ( 1 \ 239 ) مع شرحه للهيتمي . (3) سنن النسائي مناسك الحج (2922),مسند أحمد بن حنبل (4/64). (4) قال الزيلعي في [نصب الراية] (3 \ 57): قلت: رواه ابن حبان في [صحيحه] في النوع السادس والستين من القسم الثالث من حديث فضيل بن عياض، والحاكم في [المستدرك] من حديث سفيان كلاهما عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه النطق، فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير'' انتهى. وسكت الحاكم عنه، وأخرجه الترمذي في كتابه عن جرير عن عطاء بن السائب به بلفظ: ''الطواف حول البيت مثل الصلاة '' قال: وروي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره عن طاووس موقوفا، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب. انتهى، وعن الحاكم رواه البيهقي في [المعرفة] بسنده، ثم قال: وهذا حديث قد رفعه عطاء بن السائب في رواية جماعة عنه وروي عنه موقوفا وهو أصح . اهـ. _______________________________________ فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة، والثانية: يجزئه ويجبره بدم، وهو قول مالك، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال: يعيد ما كان بمكة المكرمة ، فإن رجح جبره بدم؛ لأنه ترك صفة واجبة من واجبات الحج فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل غروب الشمس، والثالثة: يجزئه ولا شيء عليه. اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي وابن المنذر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل ثم قال: فصل فأما السعي راكبا فيجزئه لعذر ولغير عذر؛ لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه. اهـ (1).
وقال البهوتي (2): ومن طاف أو سعى راكبا أو محمولا لغير عذر لم يجزئه الطواف ولا السعي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « الطواف بالبيت صلاة » (3) ، ولأنه عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا كالصلاة، والسعي كالطواف، والطواف أو السعي راكبا أو محمولا لعذر يجزئ؛ لحديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن، وعن أم سلمة قالت: «شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: طوفي من وراء _______________________________________ (1) [ المغني والشرح الكبير ] ( 3 \ 415 ) . (2) [ كشاف القناع ] ( 2 \ 433 ) . (3) سنن النسائي مناسك الحج (2922),مسند أحمد بن حنبل (4/64). _______________________________________ الناس راكبة » (1) متفق عليه، ولأن طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر - كما يشير إليه قول ابن عباس - كثر عليه الناس ، يقولون : هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا تضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب . رواه مسلم ، واختار الموفق والشارح : يجزئ السعي راكبا ولو لغير عذر . اهـ .
مما تقدم يتبين: أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة راكباً لعذر باتفاق، ولا شيء عليه، أما غير المعذور فله أن يسعى راكباً لكن المشي له أفضل، وفي طوافه راكباً خلاف، فقيل: يجزئه ولا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف الزيارة راكباً، وقيل يجزئه وعليه دم جبراً؛ لأن الطواف له حكم الصلاة في الجملة، والمفترض لا يصلي محمولاً، ولأن ركوبه صلى الله عليه وسلم في الطواف كان لوجع في رجله أو ليراه الناس فيسألوه، وقيل: لا يجزئه لحديث: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام» (2)، والمفترض لا تصح صلاته راكبا لغير عذر، وطواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا كان لعذر كما تقدم.
وعلى هذا يمكن أن يقال بإجزاء السعي على سقف المسعى ؛ بل بجوازه، وإن كان المشي أفضل لشبهه بالسعي راكباً بعيراً ونحوه، إذ الكل غير مباشر للأرض في سعيه، وخاصة أنه لم يرد في السعي ما يلحقه بالصلاة في حكمها؛ بل أنه أولى من الطواف راكباً بالإجزاء، فإذا صح الطواف راكباً لعذر صح السعي فوق سقف المسعى لعذر، وفي سعيه فوقه لغير عذر يكون فيه الخلاف في جوازه وإجزائه، وأخيراً إن اعتبر في إجزاء السعي فوق سقف المسعى أو جوازه وجود العذر نظر في زحام السعاة في الحج والعمرة، هل يقوم عذرا أو لا. والله الموفق. _______________________________________ (1) صحيح البخاري الصلاة (452),صحيح مسلم الحج (1276),سنن النسائي مناسك الحج (2925),سنن أبو داود المناسك (1882),سنن ابن ماجه المناسك (2961),مسند أحمد بن حنبل (6/319),موطأ مالك الحج (832). (2) سنن النسائي مناسك الحج (2922),مسند أحمد بن حنبل (4/64). _______________________________________ الأمر الثالث: وقد يسترشد فيه بالقرآن وأقوال الفقهاء، قال الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (1) في هذه الآية خطاب من الله للناس في كل مكان أن يولوا وجوههم قبل المسجد الحرام سواء منهم من كان بأرض منخفضة عن المسجد الحرام فيكون مستقبلا في صلاته لتخوم أرضه ومن كان منهم بمكان مرتفع عن سطح الكعبة، فيكون مستقبلا لما فوق الكعبة من الهواء، فدل ذلك على أن حكم ما تحت البيت الحرام من تخوم الأرض وما فوقه من الهواء في استقبال القبلة في الصلاة حكم استقبال البيت نفسه.
وفيما يلي نقول عن بعض أهل العلم في الموضوع: قال السرخسي: ومَنْ صلى على سطح الكعبة جازت صلاته عندنا، وإن لم يكن بين يديه سترة.
وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يكون بين يديه سترة، بناء على أصله: أن البناء معتبر في جواز التوجه إليه للصلاة، ثم قال: وعندنا القبلة هي الكعبة، فسواء كان بين يديه سترة أو لم يكن فهو مستقبل القبلة، وبالاتفاق: مَنْ صلى على أبي قبيس جازت صلاته وليس بين يديه شيء من بناء الكعبة، فدل على أنه لا معتبر للبناء. اهـ. (2). _______________________________________ (1) سورة البقرة الآية 150 (2) [ المبسوط ] ( 2 \ 79 ). _______________________________________ وقال المرغيناني (1): (ومن كان غائبا ففرضه إصابة جهتها هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب الوسع).
وقال ابن الهمام تعليقا على قول المرغيناني: (إصابة جهتها) قال: قوله: (إصابة جهتها) في [الدراية] عن شيخه ما حاصله: أن استقبال الجهة أن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا للكعبة أو لهوائها؛ لأن المقابلة إذا وقعت في مسافة بعيدة لا تزول بما يزول به من الانحراف لو كانت مسافة قريبة، ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت البعد وتبقى المسامة مع انتقال مناسب لذلك البعد ، فلو فرض خط من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة... اهـ.
وقال الدسوقي (2): قوله: (وبطل فرض على ظهرها) أي: على ظهر الكعبة قوله: (فيعاد أبداً، أي: على المشهور، ولو كان بين يديه قطعة من حائط سطحها بناء على أن المأمور به استقبال جملة البناء لا بعضه ولا الهواء، وهو المعتمد، وقيل: إنما يعاد بناء على كفاية استقبال هواء البيت أو استقبال قطعة من البناء ولو من حائط سطحه. اهـ، وقد ذكر نحواً من ذلك الحطاب (3). _______________________________________ (1) [ الهداية وعليها فتح القدير ] ( 1 \ 189 ) . (2) [ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ] ( 1 \ 299 ) . (3) [ مواهب الجليل على مختصر خليل] ( 1 \ 511 - 513 ). _______________________________________ يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: بحث: حكم السعي فوق سقف المسعى الإثنين 16 نوفمبر 2015, 12:28 am | |
| وقال الشيخ محمد عرفة الدسوقي: ملخصا حكم الصلاة على ظهر الكعبة (1): ( فتحصل من كلام الشارح أن الفرض على ظهرها ممنوع اتفاقاً، وأما النفل ففيه أقوال ثلاثة، الجواز مطلقا، والجواز إن كان غير مؤكد ، والمنع وعدم الصحة مطلقا، قال شيخنا: وهذا الأخير هو أظهر الأقوال.
(تنبيه): سكت المصنف عن حكم الصلاة تحت الكعبة في حفرة، وقد قدم أن الحكم بطلانها مطلقاً، فرضاً أو نفلاً؛ لأن ما تحت المسجد لا يعطى حكمه بحال، ألا ترى أن الجنب يجوز له الدخول تحته، ولا يجوز له الطيران فوقه، كذا قرره شيخنا.
وكتب الشيخ محمد عليش في تقريره على [حاشية الدسوقي والشرح الكبير]، للشيخ أحمد الدردير ما نصه: وإنما جاز على جبل أبي قبيس مع أنه أعلى من بنائها؛ لأن المصلى عليه مصل إليها وأما المصلي على ظهرها فهو فيها، انتهى (ضوء الشموع).
وقال النووي (2): أما حكم المسألة: فقال أصحابنا: ولو وقف على أبي قبيس أو غيره من المواضع العالية على الكعبة وبقربها صحت صلاته بلا خلاف؛ لأنه يعد مستقبلاً وإن وقف على سطح الكعبة نظر إن وقف على طرفها واستدبر باقيها لم تصح صلاته بالاتفاق؛ لعدم استقبال شيء منها، _______________________________________ (1) [ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لمختصر خليل ] ، وما فيها من تقرير الشيخ عليش على الحاشية ( 1 \ 129 ) (2) [ المهذب مع شرحه المجموع ] للنووي ( 3 \ 198 ). _______________________________________ وهكذا لو انهدمت -والعياذ بالله- فوقف على طرف العرصة واستدبر باقيها لم تصح صلاته، ولو وقف خارج العرصة واستقبلها صح بلا خلاف، أما إذا وقف في وسط السطح أو العرصة فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص - لم تصح صلاته على الصحيح المنصوص ، وبه قال أكثر الأصحاب.
وقال ابن سريج: تصح، وبه قال أبو حنيفة وداود ومالك في رواية عنه، كما لو وقف على أبي قبيس، وكما لو وقف خارج العرصة واستقبلها، والمذهب الأول، والفرق أنه لا يعد هنا مستقبلا بخلاف ما قاس عليه ، وهذا الوجه الذي لابن سريج جاز في العرصة والسطح كما ذكرنا ، كذا نقله عنه إمام الحرمين وصاحب التهذيب وآخرون ، وكلام المصنف يوهم أنه لا يقول به في السطح وليس الأمر كذلك . اهـ
وقال ابن قدامة: ولو صلى على جبل عال يخرج من مسامتة الكعبة صحت صلاته، وكذلك لو صلى في مكان ينزل عن مسامتتها؛ لأن الواجب استقبالها وما يسامتها من فوقها وتحتها بدليل ما لو زالت الكعبة -والعياذ بالله- صحت الصلاة إلى موضع جدارها. اهـ (1).
وقال البهوتي: ولا يضر علو على الكعبة كما لو صلى على أبي قبيس، ولا نزوله عنها كما لو صلى في حفيرة تنزل عن مسامتتها؛ لأن العبرة بالبقعة لا بالجدران. اهـ (2). ومما تقدم يتبين أن مَنْ صلى على مكان مرتفع عن سطح الكعبة مستقبلاً _______________________________________ (1) [ المغني مع الشرح الكبير ] ( 1 \ 463 ) . (2) [ متن الإقناع مع شرح كشاف القناع ] ( 2 \ 79 ) . _______________________________________ ما فوق سطحها من هواء صحت إجماعاً، كمن صلى فوق جبل أبي قبيس، أو في بلاد سطح أرضها أعلى من سطح الكعبة، ومن صلى الفريضة فوق الكعبة مستقبلاً ما أمامه من هوائها أو مستقبلاً سترة بين يديه ففي صحة صلاته خلاف، بناء على الاكتفاء باستقبال جزء من بناء الكعبة أو جزء من هوائها في صحة الصلاة، وعدم الاكتفاء بذلك ؛ بل لا بد من شاخص أو استقبال جملة البناء أو جملة الهواء أما من على سطحها أو في جوفها فيقال فيه إنه مستدبر الكعبة أو هواءها باعتبار كما يقال أنه مستقبل باعتبار آخر ، فلم يتحقق فيه شرط الاستقبال بإطلاق ، فلا تصح صلاته ، ومن صلى على طرفها وجعل هواءها وراءه بطلت صلاته ؛ لأنه لم يستقبل شيئا من بنائها ولا من هوائها.
وعلى هذا يمكن أن يقال: إذا كان استقبال ما فوق الكعبة من هواء في الصلاة كاستقبال بنائها، فالسعي فوق سقف المسعى في حكم السعي على أرض المسعى.
الأمر الرابع: روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» (1) رواه أحمد ومسلم والنسائي (2).
وما روى أبو داود وابن ماجه في [سننهما]، عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي _______________________________________ (1) صحيح مسلم الحج (1297),سنن النسائي مناسك الحج (3062),سنن أبو داود المناسك (1970),مسند أحمد بن حنبل (3/337). (2) [ المنتقى مع شرحه ] للشوكاني ( 5 \ 70 ). _______________________________________ الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا: الفضل بن عباس، وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رأيتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف» (1) سكت أبو داود عن الحديث، وقال المنذري: في إسناده يزيد بن أبي زياد (2).
وقال الشوكاني: قوله: (على راحلته) استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أفضل من رمي الراجل، وبه قالت الشافعية، والحنفية، والناصر، والإمام يحيى، وقال الهادي والقاسم: إن رمي الراجل أفضل. اهـ (3).
وقال ابن عابدين: وقوله: (وجاز الرمي راكباً... إلخ) عبارة المتلقي أخص وهي: وجاز الرمي راكبا، وغير راكب أفضل في جمرة العقبة. انتهى، وفي اللباب: والأفضل أن يرمي جمرة العقبة راكبا وغيرها ماشيا في جميع أيام الرمي - إلى أن قال: والضابط: أن كل رمي يقف بعده فإنه يرميه ماشياً، وهو كل رمي بعده رمي، كما مر وما لا فلا، ثم هذا التفصيل قول أبي يوسف، وله حكاية مشهورة ذكرها (ط) وغيره وهو مختار كثير من المشايخ، كصاحب [الهداية] و [الكافي] و [البدائع]، وغيرهم، وأما قولهما: فذكر في [ البحر]: أن الأفضل الركوب في الكل على ما في الحاشية، والمشي في الكل على ما في الظهيرية، وقال: فتحصل أن في _______________________________________ (1) سنن أبو داود المناسك (1966),سنن ابن ماجه المناسك (3028). (2) [ مختصر سنن أبى داود ] للمنذري ( 2 \ 415 ) . (3) [ نيل الأوطار ] ( 5 \ 71 ). _______________________________________ المسألة ثلاثة أقوال... ثم قال: (قوله: ورجحه الكمال) أي: بأن أداءها ماشيا أقرب إلى التواضع والخشوع، وخصوصاً في هذا الزمان ، فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة، ورميه عليه السلام راكبا إنما هو ليظهر فعله ليقتدى به كطوافه راكبا. اهـ.
قال في [البحر]: ولو قيل بأنه ماشيا أفضل إلا في رمي جمرة العقبة وفي اليوم الأخير لكان له وجه؛ لأنه ذاهب إلى مكة المكرمة في هذه الساعة كما هو العادة، وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيل فضيلة الاتباع له عليه الصلاة والسلام. اهـ (1).
وقال السرخسي: وإن رماها راكباً أجزأه؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار راكباً». اهـ. (2).
وفي [المدونة الكبرى]: قلت: فهل يرمي الرجل الجمار راكبا أو ماشيا ، قال : قال مالك : أما الشأن يوم النحر فيرمي جمرة العقبة راكبا كما يأتي على دابته يمضي كما هو يرمي ، وأما في غير يوم النحر فكان يقول : يرمي ماشيا ، قلت : فإن ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة أو مشى يوم النحر إلى جمرة العقبة فرماها ماشيا هل عليه لذلك شيء؟ قال: ليس عليه لذلك شيء. اهـ. (3). _______________________________________ (1) [ رد المحتار على الدر المختار ] ( 1 \ 254 ) . (2) [ المبسوط ] ( 4 \ 69 ) . (3) [ المدونة الكبرى ] ( 1 \ 325 ). _______________________________________ وقال الدسوقي: (قوله: وإن راكبا ، أي : إذا وصل إليها ماشيا ؛ بل إن وصل إليها راكبا ، وهذا من تعلقات الندب ، أي : أنه يندب أن يرميها حين وصوله على الحالة التي وصل عليها من ركوب أو مشي فلا يصبر حتى ينزل إذا وصل راكبا ولا يصبر حتى يركب إذا وصل إليها ماشيا ؛ لأن فيه عدم الاستعجال برميها. اهـ (1).
وقال الشافعي: ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة وحدها ويرميها راكبا ، وكذلك يرميها يوم النفر راكبا ويمشي في اليومين الآخرين أحب إلي . ثم قال : وإن ركب فلا شيء عليه ثم ساق رواية قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقته الصهباء وليس ضرب ولا طرد ولكن قيل : إليك إليك » (2) اهـ (3).
وقال النووي (4): (فرع) مذهبنا: أنه يستحب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا إن كان دخل منى راكبا ، ويرمي في أيام التشريق ماشيا ، إلا يوم النفر فراكبا ، وبه قال مالك ، قال ابن المنذر : وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة واستحبه أحمد ، وكره جابر الركوب إلى شيء من الجمار إلا لضرورة . قال : وأجمعوا على أن الرمي يجزئه على أي حال إذا وقع في المرمى، دليلنا: الأحاديث الصحيحة السابقة (5). أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى _______________________________________ (1) [ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ] ( 2 \ 45 ) . (2) سنن الترمذي الحج (903),سنن النسائي مناسك الحج (3061),سنن ابن ماجه المناسك (3035),مسند أحمد بن حنبل (3/413),سنن الدارمي المناسك (1901). (3) [ الأم ] للشافعي ( 2 \ 213 ) . (4) [ المجموع ] للنووي ( 8 \ 183 ) (5) يشير بذلك إلى حديث أم سلمة قالت: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب (8 \ 154) من [ المجموع ]. وإلى حديث أم أبي الأحوص قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب (8 \ 175) من [المجموع]. _______________________________________ جمرة العقبة راكباً يوم النحر والله أعلم.
وقال ابن قدامة (1): ويرميها راكباً أو راجلاً كيفما شاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها على راحلته رواه جابر، وابن عمر، وأم أبي الأحوص، وغيرهم، قال جابر: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» (2).
وقال نافع: «كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشياً ذاهباً وراجعاً، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشياً ذاهباً وراجعاً» (3) رواه أحمد في [ المسند ] ثم قال : وفي هذا بيان للتفريق بين هذه الجمرة وغيرها اهـ.
وقال البهوتي (4): فإذا وصل إلى منى... بدأ بها راكباً؛ إن كان راكباً؛ لحديث ابن مسعود: أنه «انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب، يكبر مع كل حصاة» (5)... إلى أن قال: هاهنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة. رواه أحمد. وظاهر كلام الأكثر ماشيا وإلا -أي: لم يكن راكباً- رماها ماشياً. اهـ. ومما تقدم يتبين: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة راكباً، وأن الفقهاء اتفقوا على أنه يجزئ الرمي راكباً وماشياً. واختلفوا في الأفضل منهما، هل هو الرمي ماشياً؛ لأنه أقرب للتواضع _______________________________________ (1) [ المغني مع الشرح الكبير ] ( 3 \ 449 ) . (2) صحيح مسلم الحج (1297),سنن النسائي مناسك الحج (3062),سنن أبو داود المناسك (1970). (3) سنن الترمذي الحج (900),سنن أبو داود المناسك (1969),مسند أحمد بن حنبل (2/138). (4) [ كشاف القناع ] ( 2 \ 449 ) (5) صحيح البخاري الحج (1664),صحيح مسلم الحج (1296),سنن الترمذي الحج (901),سنن النسائي مناسك الحج (3073),سنن أبو داود المناسك (1974),سنن ابن ماجه المناسك (3030),مسند أحمد بن حنبل (1/427). _______________________________________ والبعد عن إيذاء المشاة ، وإنما رماها صلى الله عليه وسلم راكبا ؛ ليراه الناس ويسألوه ويقتدوا به ، أو الرمي راكبا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا يمكن أن يقال: إذا جاز رمي الجمرات راكباً جاز السعي فوق سقف المسعى، فإن كلا منهما نسك أدي من غير مباشرة مؤدية للأرض التي أداه عليها ؛ بل السعي فوق السقف أقرب من أداء أي شعيرة من شعائر الحج أو العمرة فوق البعير ونحوه ؛ لما في البناء من الثبات الذي لا يوجد في المراكب.. ونظراً إلى أن السعي فوق سقف المسعى لم نقف فيه على نصوص للفقهاء، وأن ما يرجع إليه من أقوالهم للاسترشاد بها على هذه المسألة ليس بكثير وليس الخلاف فيه كثيرا - اكتفينا بما نقلناه، سائلين الله التوفيق للجميع. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو... عضو... نائب رئيس اللجنة... رئيس اللجنة عبد الله بن سليمان بن منيع... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان... عبد الرزاق عفيفي... إبراهيم بن محمد آل الشيخ.
قرار هيئة كبار العلماء رقم (21) وتاريخ 12 \ 11 \ 1393هـ الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فبناء على الخطاب الوارد لفضيلة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من معالي وزير العدل رقم (267) وتاريخ 23 \ 3 \ 1393هـ المبني على خطاب سمو نائب وزير الداخلية رقم (26 \ 10612) وتاريخ 21 \ 3 \ 1393هـ بخصوص الرغبة في إبداء الحكم الشرعي في (حكم السعي فوق سقف المسعى) ليكون وسيلة من وسائل علاج ازدحام الحجاج أيام الموسم، وبناء على ما رآه فضيلته من إدراج هذا الموضوع في جدول أعمال هيئة كبار العلماء في دورتها الرابعة فقد تم إدراج ذلك، وفي تلك الدورة جرى الاطلاع على أوراق المعاملة المتعلقة بالاستفتاء، كما جرى الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، والمعد من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد دراسة المسألة، واستعراض أقوال أهل العلم في حكم الطواف والسعي والرمي راكباً، والصلاة إلى هواء الكعبة أو قاعها، وكذا حكم الطواف فوق أسطحة الحرم وأروقته، وحكمهم بأن من ملك أرضا ملك أسفلها وأعلاها.
وبعد تداول الرأي والمناقشة انتهى المجلس بالأكثرية إلى الإفتاء بجواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة، بشرط استيعاب ما بين الصفا والمروة. وأن لا يخرج عن مسامتة المسعى عرضاً لما يأتي: 1 - لأن حكم أعلى الأرض وأسفلها تابع لحكمها في التملك والاختصاص ونحوهما، فللسعي فوق سقف المسعى حكم السعي على أرضه.
2 - لما ذكره أهل العلم من أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة راكبا لعذر باتفاق، ولغير عذر على خلاف من بعضهم، فمن يسعى فوق سقف المسعى يشبه من يسعى راكبا بعيرا ونحوه، إذ الكل غير مباشر للأرض في سعيه، وعلى رأي من لا يرى جواز السعي راكبا لغير عذر، فإن ازدحام السعاة في الحج يعتبر عذرا يبرر الجواز.
3 - أجمع أهل العلم على أن استقبال ما فوق الكعبة من هواء في الصلاة كاستقبال بنائها ، بناء على أن العبرة بالبقعة لا بالبناء ، فالسعي فوق سقف المسعى كالسعي على أرضه.
4 - اتفق العلماء على أنه يجوز الرمي راكبا وماشيا ، واختلفوا في الأفضل منهما ، فإذا جاز رمي الجمرات راكبا جاز السعي فوق سقف المسعى ، فإن كلا منهما نسك أدي من غير مباشرة مؤدية للأرض التي أداه عليها ، بل السعي فوق السقف أقرب من أداء أي شعيرة من شعائر الحج أو العمرة فوق البعير ونحوه ؛ لما في البناء من الثبات الذي لا يوجد في المراكب.
5 - لأن السعي فوق سقف المسعى لا يخرج عن مسمى السعي بين الصفا والمروة ؛ ولما في ذلك من التيسير على المسلمين والتخفيف مما هم فيه من الضيق والازدحام، وقد قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1) وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2) مع عدم وجود ما ينافيه من كتاب أو سنة، بل إن فيما تقدم من المبررات ما يؤيد القول بالجواز عند الحاجة. _______________________________________ (1) سورة البقرة الآية 185. (2) سورة الحج الآية 78. _______________________________________ وقد ذكر ابن حجر الهيتمي رحمه الله رأيه في المسألة: فقال في حاشيته على [ الإيضاح ] لمحيي الدين النووي ص (131): (ولو مشى أو مر في هواء المسعى فقياس جعلهم هواء المسجد مسجداً، صحة سعيه). اهـ.
أما المشايخ: محمد بن حركان، وعبد العزيز بن صالح، وسليمان بن عبيد، وصالح بن لحيدان، وعبد الله بن غديان، وراشد بن خنين - فقد توقفوا في هذه المسألة. وأما الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فيرى عدم جواز ذلك، وله وجهة نظر في المنع مرفقة، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. هيئة كبار العلماء رئيس الدورة الثالثة عبد الله بن محمد بن حميد عبد الله خياط... محمد الأمين الشنقيطي له وجهة نظر مخالفة... عبد الرزاق عفيفي... عبد العزيز بن صالح... عبد المجيد حسن... عبد العزيز بن باز... إبراهيم بن محمد آل الشيخ... سليمان بن عبيد... محمد الحركان... عبد الله بن غديان... راشد بن خنين... صالح بن غصون... صالح بن لحيدان... عبد الله بن منيع... محمد بن جبير.
وجهة نظر لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن لنا وجهة نظر مخالفة للقرار الصادر بالأغلبية من هيئة كبار العلماء في شأن جواز السعي فوق السقف الكائن فوق المسعى والصفا والمروة، وحاصل وجهة نظرنا في ذلك هو: أنا لا نرى جواز تعدد المسعى وإباحة السعي في مسعيين: مسعى أسفل، ومسعى أعلى.
وذلك للأمور الآتية: الأمر الأولى: أن الأمكنة المحددة من قبل الشرع لنوع من أنواع العبادات لا تجوز الزيادة فيها ولا النقص إلا بدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة.
الأمر الثاني: أن الأمكنة المحددة شرعا لنوع من أنواع العبادات ليست محلا للقياس ؛ لأنه لا قياس ولا اجتهاد مع النص الصريح المقتضي تحديد المكان المعين للعبادة ، ولأن تخصيص تلك الأماكن بتلك العبادات في دون غيرها من سائر الأماكن ليست له علة معقولة المعنى حتى يتحقق المناط بوجودها في فرع آخر حتى يلحق بالقياس ، فالتعبدي المحض ليس من موارد القياس.
الأمر الثالث: هو أنه لا نزاع بين أهل العلم في أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الوارد لبيان إجمال نص من القرآن العظيم له حكم ذلك النص القرآني الذي ورد لبيان إجماله . فإن دلت آية من القرآن العظيم على وجوب حكم من الأحكام وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم المراد منها بفعله - فإن ذلك الفعل يكون واجبا بعينه وجوب المعنى الذي دلت عليه الآية ، فلا يجوز العدول عنه لبدل آخر.
ومعلوم أن ذلك منقسم إلى قسمين كما هو مقرر في الأصول: الأول منهما: أن تكون القرينة وحدها هي التي دلت على أن ذلك الفعل الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم وارد لبيان نص من كتاب الله، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) فإن الآية تحتمل القطع من الكوع، ومن المرفق، ومن المنكب؛ لأن لفظ اليد قد يستعمل في كل ما ذكر، وقد دلت القرينة على أن فعله صلى الله عليه وسلم الذي هو: قطعه يد السارق من الكوع وارد لبيان قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (2) فلا يجوز العدول عن هذا الفعل النبوي الوارد لبيان نص من القرآن لبدل آخر إلا بدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة.
القسم الثاني من قسمي الفعل المذكور: هو أن يرد قول من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن ذلك الفعل الصادر منه صلى الله عليه وسلم بيان لنص من القرآن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3) فإنه يدل على أن أفعاله في الصلاة بيان لإجمال الآيات التي فيها الأمر بإقامة الصلاة، فلا يجوز العدول عن شيء من تلك الأفعال الصادرة منه صلى الله عليه وسلم لبيان تلك الآيات القرآنية إلا بدليل من كتاب أو سنة يجب الرجوع إليه، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا عني مناسككم» (4) فإنه يدل على أن أفعاله في الحج بيان لإجمال آيات الحج، فلا يجوز العدول عن شيء منها لبدل آخر إلا لدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة. _______________________________________ (1) سورة المائدة الآية 38 (2) سورة المائدة الآية 38 (3) صحيح البخاري أخبار الآحاد (6819), سنن الدارمي الصلاة (1253). (4) صحيح مسلم الحج (1297), سنن أبو داود المناسك (1970), مسند أحمد بن حنبل (3/337). _______________________________________ وإذا علمت هذا فاعلم أن الله جل وعلا قال في كتابه العزيز: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (1) فصرح في هذه الآية بأن المكان الذي علمه الصفا، والمكان الذي علمه المروة من شعائر الله.
ومعلوم أن الصفا والمروة كلاهما علم لمكان معين، وهو علم شخص لا علم جنس، بلا نزاع ولا خلاف بين أهل اللسان في أن العلم يعين مسماه -أي: يشخصه- فإن كان علم شخص كما هنا شخص مسماه في الخارج، بمعنى: أنه لا يدخل في مسماه شيء آخر غير ذلك الشخص، عاقلا كان أو غير عاقل، وإن كان علم جنس شخص مسماه في الذهن، وليس البحث في ذلك من غرضنا.
وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكر الله في الآية أنه من شعائر الله هو شخص الصفا وشخص المروة، أي: الحقيقة المعبر عنها بهذا العلم الشخصي، ولا يدخل شيء آخر البتة في ذلك لتعين المسمى بعلمه الشخصي دون غيره، كائنا ما كان، سواء كان الفراغ الكائن فوق المسمى المشخص بعلمه أو غير ذلك من الأماكن الأخرى . وإذا علمت ذلك فاعلم أن الله تعالى رتب بالفاء قوله {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (2) على كونهما من شعائر الله، وفي قوله تعالى: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } (3) إجمال يحتاج إلى بيان كيفية التطوف ومكانه ومبدئه ومنتهاه.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا النص القرآني بالسعي بين الصفا والمروة ، مبينا أن فعله المذكور واقع لبيان القرآن العظيم المذكور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم » (4) وقوله: «أبدأ بما بدأ الله به» (5) يعني: الصفا في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} (6) _______________________________________ (1) سورة البقرة الآية 158 (2) سورة البقرة الآية 158 (3) سورة البقرة الآية 158 (4) سنن النسائي مناسك الحج (3062). (5) سنن ابن ماجه المناسك (3074),مسند أحمد بن حنبل (3/321),موطأ مالك الحج (836),سنن الدارمي المناسك (1850). (6) سورة البقرة الآية 158. _______________________________________ الآية، ومن جملة البيان المذكور بيان جواز السعي حالة الركوب على الراحلة، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو سعيه بين الصفا والمروة مبينا لذلك مراد الله في كتابه لا يجوز العدول عنه في كيفيته ولا عدده ولا مكانه ولا مبدئه ولا منتهاه إلا بدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة.
ولا شك أن المسعى الجديد الكائن فوق السقف المرتفع الذي فوق المسعى النبوي المبين بالسعي فيه معنى القرآن غير المسعى النبوي المذكور، ومغايرته له من الضروريات؛ لأنه مما لا نزاع فيه أن المتضايفين اللذين تستلزمهما كل صفة إضافية متباينان تباين المقابلة لا تباين المخالفة، ومعلوم أن المتباينين تباين المقابلة بينهما غاية المنافاة؛ لتنافيهما في حقيقتيهما، واستحالة اجتماعهما في محل آخر. ومعلوم أن المتباينات هذا التباين التقابلي التي بينها منتهى المنافاة أربعة أنواع: هي: التقابل بين النقيضين، والتقابل بين الضدين، والتقابل بين المتضايفين، والتقابل بين العدم والملكة، كما هو معلوم في محله.
فكما أن الشيء الواحد يستحيل أن يتصف بالوجود والعدم في وقت واحد من جهة واحدة، وكما أن النقطة البسيطة من اللون يستحيل أن تكون بيضاء سوداء في وقت واحد، وأن العين الواحدة يستحيل أن تكون عمياء مبصرة في وقت واحد، فكذلك يستحيل أن يكون الشيء الواحد فوق هذا وتحته في وقت واحد، فالمسعى الذي فوق السقف يستحيل أن يكون هو المسعى الذي تحت السقف، فهو غيره قطعاً، كما هو الشأن في كل متضايفين وكل متباينين تباين تقابل أو مخالفة.
وإذا حققت بهذا أن المسعى الذي فوق السقف مغاير في ذاته لحقيقة المسعى الذي تحت السقف، وعلمت أن السعي في المسعى الذي تحت السقف هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً بالسعي فيه مراد الله في كتابه قائلاً: «خذوا عني مناسككم» (1) وأن أفعاله صلى الله عليه وسلم المبينة للقرآن لا يجوز العدول عنها لبدل آخر إلا لدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة - علمت بذلك أن العدول بالسعي عن المسعى النبوي إلى المسعى الجديد الكائن فوق السقف الذي فوق الصفا والمروة يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو سنة رسوله ، ويحتاج جدا إلى معرفة من أخذ عنه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرنا بأخذ مناسكنا عنه هو وحده صلى الله عليه وسلم ، ولم يأذن لنا في أخذها عن زيد ولا عمرو.
فعلينا أن نتحقق الجهة التي أخذنا عنها هذا المنسك الجديد ؛ لأن المناسك مرهونة بأمكنتها وأزمنتها ، ولا يجوز التحكم في مكان أو زمان غير الزمان والمكان المحدودين من قبل الشارع، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين الأمكنة التي أنيط بها النسك، وعمم البيان في ذلك، وجعله شاملا للأمكنة التي أقام فيها هو النسك، وغيرها من الأمكنة الصالحة للنسك، كقوله صلى الله عليه وسلم: «وقفت هنا وعرفة كلها موقف» (2) ونظير ذلك في مزدلفة ومنى بالنسبة للنحر كما هو معلوم.
الأمر الرابع: أن السعي في المسعى الجديد خارج عن مكان السعي الذي دلت عليه النصوص ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الظرف المكاني للسعي بالنسبة إلى الصفا والمروة هو ظرف المكان الذي يعبر عنه بلفظة: (بين) وأما المسعى الجديد فظرفه المكاني بالنسبة إلى الصفا والمروة هو لفظة ( فوق ) ومعلوم أن لفظ : ( بين ) ولفظ : ( فوق ) وإن كانا ظرفي مكان فمعناهما مختلف ، ولا يؤدي أحدهما معنى الآخر ؛ لتباين مدلوليهما ، فالساعي في المسعى الأعلى الجديد لا يصدق عليه أنه ساع بين الصفا والمروة، وإنما هو ساع فوقهما، والساعي فوق شيئين ليس ساعيا بينهما؛ للمغايرة الضرورية بين معنى: (فوق) و (بين) كما ترى. _______________________________________ (1) سنن النسائي مناسك الحج (3062). (2) صحيح مسلم الحج (1218). _______________________________________ ويزيد هذا إيضاحاً ما ثبت في الصحيح من حديث - عائشة رضي الله عنها المرفوع، وإن ظن كثير من طلبة العلم أنه موقوف عليها.
فقد روى البخاري عنها في جوابها لعروة بن الزبير في شأن السعي بين الصفا والمروة أنها قالت ما لفظه: «وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما؛ فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما» (1) انتهى محل الغرض منه بلفظه.
فتأمل قولها وهي هي، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، وقولها: (فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) وتأمل معنى لفظة (بين) يظهر لك أن مفهوم كلامها: أن من سعى فوقهما لم يأت بما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن ذلك ليس له.
وهذا المعنى ضروري للمغايرة الضرورية بين الظرفين، أعني: (فوق) و (بين) وفي لفظ عند مسلم عنها أنها قالت: «ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة» (2) انتهى محل الغرض منه، وهو يدل على أن من طاف فوقهما لا يتم الله حجه ولا عمرته؛ لأن الطائف فوقهما يصدق عليه لغة أنه لم يطف بينهما، وفي لفظ لمسلم عنها: أنها قالت: «فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة» (3) وقد علمت أن الساعي فوقهما لم يطف بينهما.
وقد أقسمت على أن من لم يطف بينهما لا يتم حجه كما ترى، واعلم أن ما يظنه بعض أهل العلم من أن حديث عائشة هذا الدال على أن السعي بين الصفا والمروة لا بد منه، وأنه لا يتم بدونه حج ولا عمرة أنه موقوف عليهما غير صواب. بل هو مرفوع. ومن أصرح الأدلة في ذلك أنها رتبت بالفاء قولها: (فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) على قولها: _______________________________________ (1) صحيح البخاري الحج (1561),سنن النسائي مناسك الحج (2968),سنن أبو داود المناسك (1901),مسند أحمد بن حنبل (6/144). (2) صحيح البخاري الحج (1698),صحيح مسلم الحج (1277),موطأ مالك الحج (838). (3) صحيح البخاري الحج (1561),صحيح مسلم الحج (1277),سنن ابن ماجه المناسك (2986). _______________________________________ «قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما» (1) وهو صريح في أن قولها: (ليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) لأجل أنه صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما. ودل هذا الترتيب بالفاء على أن مرادها بأنه سنة: أنه فرضه بسنته، كما جزم به ابن حجر في [الفتح] مقتصراً عليه، مستدلاً له بأنها قالت: (ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة) فقولها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما) وترتيبها على ذلك بالفاء قولها: (فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) وجزمها بأنه لا يتم حج ولا عمرة إلا بذلك - دليل واضح على أنها إنما أخذت ذلك مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا برأي منها كما ترى.
الأمر الخامس: أن إقرار المسعى الأعلى الجديد لا يؤمن أن يكون ذريعة لعواقب غير محمودة؛ وذلك من جهتين:
الأولى: أنه يخشى أن يكون سببا لتغييرات وزيادات في أماكن النسك الأخرى ؛ كالمرمى ، وكمطاف مماثل فوق الكعبة .
الثانية: أنه لا يؤمن أن يكون ذريعة للقال والقيل ، وقد شوهد شيء من ذلك عند البحث في تأخير المقام لتوسعة المطاف ، فلا يؤمن أن يقال : إن الهيئة الفلانية أو الجهة الفلانية بدأت تغير مواضع النسك التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون أربعة عشر قرنا ، والدعايات المغرضة كثيرة ، فسدا للذريعة إليها مما يستحسن - ولا يخفى أن إقرار هذا المسعى الأعلى الجديد يلزمه جواز إقرار مطاف أعلى جديد مماثل - فقد يقترح مقترح ، ويطلب طالب جعل سقف فوق الكعبة الشريفة على قدر مساحة المطاف الأرضي، ويجعل فوق السقف المذكور علامات واضحة تحدد مساحة الكعبة تحديدا دقيقا ، مع تحقيق كون مساحة الكعبة المحددة فوق _______________________________________ (1) صحيح البخاري الحج (1561),صحيح مسلم الحج (1277),سنن النسائي مناسك الحج (2968),مسند أحمد بن حنبل (6/144). _______________________________________ السقف مسامتة للكعبة مسامتة دقيقة ، ويبقى صحن ذلك المطاف الأعلى واضحا متميزا عن قدر مساحة الكعبة من الهواء الذي فوق السطح ، فيطوف الناس حول ذلك الهواء المسامت للكعبة ؛ لتخف بذلك وطأة الزحام في المطاف الأرضي ، ولا شك أن هذا المطاف الأعلى المفترض لو فرض جوازه فهو أقل مشقة على الطائفين من توسعة المطاف الأرضي ؛ لأن المطاف الأرضي كلما اتسع كانت مسافة الشوط في أقصاه أكثر من مسافته فيما يقرب منه من الكعبة ، وأما المطاف الأعلى فلا تزيد مسافة الشوط فيه عن مسافته في المطاف الأرضي ؛ لاتحادهما في المساحة ، فهو أخف على الطائف ، ولا نعتقد أن لهذا المطاف الأعلى المفترض مستندا من الشرع ، كما لا نعتقد أن بينه وبين المسعى الجديد فرقاً.
وفي الختام فإن زيادة مكان نسك على ما كان عليه المسلمون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم تحتاج إلى تحر وتثبت ونظر في العواقب ، ودليل يجب الرجوع إليه من كتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع العلم بأن الزحام في أماكن النسك أمر لا بد منه ، ولا محيص عنه بحال من الأحوال ، والله الذي شرح ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عالم بما سيكون ، والعلم عند الله تعالى. أملاه الفقير إلى رحمة ربه وعفوه. حرر في 12 \ 11 \ 1393 هـ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي. |
| | | | بحث: حكم السعي فوق سقف المسعى | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |