كرامات الأولياء
وقال عبد الله الكناني رضي الله عنه: جاءني فقير وهو يبكي، فسألته عن حاله؟ فقال لي: إني مكثت عشرة أيام لم آكل فيها شيئاً، فشكوت إلى بعضهم الجوع، ثم مررتُ ببعض الأزقة، فوجدت درهماً مطروحاً فأخذته، فإذا عليه مكتوب: أما كان اللهُ عالماً بجوعك حين قلت: إني جائع.
وقيل قي المعنى شعر:
ليت شعري ما الذي قلت لنا... ليلة أمرت فيها أمرنا
إن رضيني سيدي عبداً له... أو مألى حيث الغيث الخنا
أو دعاني أمره عن إذنه... عبد سوء أنت لم تصلح لنا
هكذا يا عبد سوء هكذا... بعدما أوصلتنا قطعتنا
قد دعوناك فلم تعجب بنا... واخترناك فما أعجبتنا
وقيل إن أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه أقام إثني عشر يوماً في الخلوة فلم يفتح عليه بشيء، فعضَّهُ الجوع فخرج يطلب الرزق، فانتهى إلى باب يهودي، فوجد عند بابه كلباً، فوقف أبو يزيد بالباب سائلاً فدفع له رغيف، فلمَّا أخذه وثب الكلب في وجهه، فقال أبو يزيد: لا تعجل إنما هو رغيف ونحن كلبان فلي نصفه، ثم رمى نصفه إلى الكلب وحمل عليه.
فقال أبو يزيد: بحق من خلقك ألا ما كففت عني حتى أسأل ربي، فقال أبو اليزيد: اللهم أنطق لي هذا الكلب، فأنطقه الله تعالى، فقال لي: سبع سنين ولم أعرض عن باب اليهودي ولم يخطر ببالي الطمع في غيره، فإن أطعمني شيئاً أكلته، وإن أحرمني لم أعرض عن بابه، وأنت لازمت باب مولاك إثني عشر يوماً فعدلت عن بابه إلى باب يهودي؟ فأراد أن يؤدبك، فصاح أبو يزيد ومضى على وجهه.
وقيل: إن سفيان الثوري رضي الله عنه أقام ثلاثة أيام لم يستطعم بطعام، فقال يوماً لأخته: دقي على بعض الجيران، فذهبت، فقالت: إن أخي سفيان عادم القوت منذ ثلاثة أيام، فهل عندكم شيء يتقوَّت به؟
فقالوا: نحن عادمون القوت منذ خمسة أيام، فرجعت ودقَّتْ باباً آخر، فقالوا: نجن عادمون القوت منذ سبعة أيام.
فنودي: يا سفيان، إن كنت مُحِبًّا فاصبر على البلاء، وإلا فاسأله الإقالة.
وقيل: إن بعضهم ضاقت معيشته فشكا إلى صديق له ضيق المعيشة، فرأى صديقه في النوم وقائل يقول: قل لصديقك إن رضيت بحكمنا وإلا فارتحل من قربنا.
قال الشبلي رضي الله عنه: مررتُ بسكك بغداد، فرأيت جاريةً تبكي خلف درب، فقلت لها: ما يبكيكِ؟
قالت: يا سيدي لي سبعة أيام ولم أستطعم بطعام، فأنقدت بعض تلامذتي إلي السوق فاشتري لها طعاماً فأطعمها وسقاها، فانصرفت، فلمَّا كان الليل رأيتها في المنام وهي نازلة من السماء، فقلت لها: من أين؟
فقالت: من عنده، قلت: ما الذي صنعت؟
قالت: إستوهبتك منه، قلت: إن صدق منامي فإني أجدها ميتة، فلمَّا أصبحت وجدتها ميتة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يصيح صائح يوم القيامة يقول: أين الذين أكرموا الفقراء والمساكين في الدنيا، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.
وقال بعض السادة الصالحين: رأيت أحمد بن طولون بعد موته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟
قال: لَمَّا قُبِضَتْ روحي ساقني سائق عنيف، فمررتُ على جهنم، وقد فتحت أبوابها وارتفع دخانها، فخفت خوفاً شديداً وأيقنت بالهلاك، وإذا بجارية جميلة طيبة الرائحة قد أتت إلِيَّ، وقالت: يا أحمد لا تخف فقد وهبت لي، ثم وقفت بيني وبين النار فأنكفَّ عني لهيبُها، فقلت لها: مَنْ أنتِ؟
فقالت: صدقتك التي كنت تخفيها يميناً وشمالاً.
ثم نادى مناد من تحت العرلش: ادخلوه الجنة من باب المغفرة، فأدخلت الجنة وصرت إلى ما ترى، فقلت: ما هذه الكتابة التي ظهرت عليك، فقال حياء مما كان.
وقال بعض الصالحين: مات أخ لي فرأيته في المنام، فقلت له: يا أخي، كيف ترى حالك حين وضعت في قبرك؟
قال: يا أخي، أتأني بشهاب من نار. فلولا أن دعا داع لي لهلكت.
وقيل في المعنى شعر:
تقينت أبي مذنب ومحاسب... ولم أدر مجروم أنا أو معاقب
وما أنا إلا بين الأمرين واقف... فأما سعيد أم بذنبي مطالب
وقد سبقت مني ذنوب عظيمة... فيا ليت شعري ما تكون العواقب
فيا منقذ الغرقى ويا كاشف البل... ويا من له عند الممات مواهب
أغثنا بغفران فإنك لم تزل مجيباً... لمن ضاقت عليه المذاهب
وقال مغيث بن شيبة رضي الله عنه: أوصتني والدتي عند موتها، فقالت: يا بني، إذا أنت دفنتني فَقُمْ على قبري وقيل: يا أم شيبة قولي لا إله إلا الله، ففعلت ذلك ثم انصرفت إلى منزلي، فلمَّا كان الليل رأيتها في المنام، فقالت: يا ولدي، جزاك الله عني خيراً، فلولا أنك أدركتني بقولك لا إله إلا الله محمد رسول الله لهلكت.
وقال بعض الصالحين: كان رجلٌ يُصَلّي في الصحراء، فجعل في محرابه سبعة أحجار وكان يقول إذا فرغ من صلاته للأحجار: يا أحجار أشهدكم أني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فلمَّا مات رأيته في المنام فسألته عن حاله؟
فقال: أمِرَ بي إلى النار فإذا بالباب الأول وقد سده حجر فذهب بي إلى الباب الثاني، وإذا بالباب الآخر قد سَدَّهُ حجر أخر ولم أزل من باب إلى باب حتى سُدَّتْ السَّبعة أحجار أبواب جهنم السبعة عني.
وقال عبد الله الواحي رضي الله عنه: حضرت ذات يوم مجلس الواعظ القشيري لعلي انتفع به وبوعظه وأعمل على كل كلمة من لفظه، قال: فبينما هو يعظ وأنا أسمع إذ غلبني النوم، فنمت في المجلس، فرأيت كأن القيامة قد قامت والناس قد عرضوا على الحساب، فحوسب مَنْ حوسب ونجا مَنْ نجا، وهلك مَنْ هلك، وإذا بالقشيري الذي أنا في مجلسه قد أمِرَ به، فحوسب فوجدت له سيئات كثيرة، فأمِرَ به إلى النار، فأخذته الزبانية، فلمَّا ذهبوا به، قال الله عز وجل: رُدُّوا عبدي، فرجعوا به بين يديه، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لولا أنك كنت تجمع الناس إلى ذِكْرِي وتُبشرهم برحمتي لأدخلتك النار، انطلقوا بعبدي إلى الجنة.
فانتبهت لعظم ما رأيت فزعاً مرجوفاً، فإذا الشيخ القشيري على المنبر ينشد ويقول هذه الأبيات:
حاسبونا فدققوا... ثم منوا فاًعتقوا
هكذا شيمة الملو... ك بالمماليك يرفقوا
إن قلبي يقول لي... ولساني يصدق
كل من مات مسلما... ليس بالنار يحرق
قال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: بينما أنا أمشي وإذا بامرأة على رأسها ميت والناس يرجمونه بالحجارة، فقلت لها: ما هذا منكِ؟ فقالت: ولدي وقطعة من كبدي كان يعصي الحق ولا يستحيي من الخلق، فقلت لها: أنا أحمله معك، فحملته معها وحفرتُ له قبراً وألحدته، فلمَّا فرغتُ من دفنه لقنته قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلمَّا فرغتُ من تلقينه، قالت: يا إبراهيم، توارَّ عني، فتواريت خلف جدار، فقامت أمه وضمت القبرِ إلى صدرها ومرغت خديها عليه، وقالت: ليت شعري ما الذي لك؟ وما الذي قيل لك؟ ثم تركته وانصرفت عنه.
قال إبراهيم: فرجعت إليه وجلست عند قبره أقرأ فلحقتني سِنَةٌ من النوم، فرأيت شخصين قد جاءا إلى القبر وشقّاه، ونزلا وأجلساه، ثم شّمَّ أحدهما عينه فقال: عين خائنة ما بكت قط من خشية الله تعالى، ثم شَمَّ يده، فقال: يد مشئومة وعن الخير مغلولة، ثم شَمَّ بطنه، فقال: بطن مُلِئَتْ من الحرام ليس فيها شيءٌ حلال، ثم شَمَّ فرجهُ، فقال: منهمك على معاصي الله تعالى.
فقال أحدهما لصاحبه: أي شيءٍ نعمل؟ فقال: حتى أؤدي الرسالة، فغاب ساعة، ثم عاد وهو يقول: الحق سبحانه وتعالى كريم غفر ذنبه العظيم، فقال له صاحبه: ماذا؟
قال: كما قلت للحق سبحانه وتعالى وهو أعلم به: يا رب، رأينا منه كذا وكذا، فقال: هل شممتما قلبه؟ قلت له: لا يا رب.
فقال: فإن في قلبه موضع توحيدي، خلقي قطعوه وأنا وصلته، وهم آيسوه من رحمتي وأنا نظرتُ إليه برأفتي، فأوجبتُ له مغفرتي.
وقيل في المعنى شعر:
يا من إذا أبصرني معرضاً... وليس فعلي عنده مرتضي
لي رحمة التوحيد لا غيرها... وهي لقد تدخلني في الرضا
ما حيلتي إلا الرجا يا سيدي... فاعف بفضل منك عما مضى
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى، لولا مَنْ يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ما نزلت من السماء قطرة، ولا نبت في الأرض ورقة.
يا موسى، إني آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض أن مَنْ مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صادقاً من قلبه كتبتُ له براءة من النار، وأدخلته الجنة بغير حساب.