أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52580 العمر : 72
| موضوع: سورة النجم الآيات من 38-42 الأربعاء 01 فبراير 2023, 11:43 pm | |
| أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ [٣٨]وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ [٣٩]وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ [٤٠]ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ [٤١] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) هذا الذي ورد في صحف موسى وفي صحف إبراهيم {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [النجم: 38] لا تحمل نفسٌ ذنب نفس أخرى، فإياك أنْ تظن أن أحداً يتحمل عنك وزرك، ويقع عليه العذاب بدلاً عنك، لأن الحساب في الآخرة بالقسط وبالعدل. {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} [النجم: 39] ليس له إلا عمله، إنْ خيراً فخير، وإنْ شراً فشرّ، وهذا يقطع الأمل في الانتفاع بعمل الغير، كما قال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [المدثر: 38] فأنت لا تنتفع إلا بعملك وسعيك فاجتهد. وفي آخر سورة الأعلى، قال سبحانه: { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 18-19] لكن لما كان المقام هنا مقام الحديث عن الوفاء فيمن قال له: أتحمل عنك ذنوبك، ذكر سبحانه صفة الوفاء في سيدنا إبراهيم، فقال { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 37]. لذلك قال تعالى في سيدنا إبراهيم: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ..} [البقرة: 124] نعم أتم سيدنا إبراهيم ما أمره الله به غاية التمام، ونجح في الامتحان بامتياز مع مرتبة الشرف، وهذا واضح من قصة بناء البيت، وقصة ذبح ولده إسماعيل عليهما السلام. فلما أتمَّ ما أمر به قال الله له: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ..} [البقرة: 124] فكانت المكافأة على قدْر الإتمام، وعلى قدْر صدق الأداء. وقف بعض المستشرقين عند هذه الآية {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [النجم: 38] وقالوا: كيف نجمع بينها وبين قوله تعالى: { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25] فأيّهما أصح؟ نقول: كلاهما صحيح، لأن لكل منهما معنى، فالأولى تتحدث عن الذنب وعن الشر يرتكبه الإنسان بنفسه في ذاته، فهو يحمل عقوبة ذلك، لا يحمله عنه أحد. أما الآية الأخرى فتتحدث عن الإنسان الذي يُضل غيره، ضَلَّ في نفسه وعدَّى ضلاله إلى الغير، فيتحمل وِزْره ووزر مَنْ أضلَّه بغير علم. وقد اختلف العلماء حول قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} [النجم: 39] فقال بعضهم: المعنى أن الإنسان ليس له إلا ما قدّم، ولا ينتفع أحد بعمل أحد. وقال آخرون: بل ينتفع الإنسان بعمل غيره، وفي تاريخنا وسُنّة سيدنا رسول الله ما يؤيد ذلك. ونحن نُرجِّح القول الثاني، لأن السعي هو مطلق الحركة لغاية، وهذه الحركة قد تكون بالشر كالذي يسعى في الأرض فساداً وظلماً، وقد تكون بالخير كالذي يسعى لإصلاح الكون وصلاحه. والسعي يختلف باختلاف قوة الساعي، ومدى إيمانه بقضايا دينه ووطنه، فواحد يسعى لنفسه ولا يرى إلا ذاته، وآخر يسعى لأسرته، وآخر يسعى لبلده، وآخر يسعى لإسعاد العلم كله، نعم: عَلَى قَدرِ العَزْمِ تَأتِي العَزَائِمُ وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المكَارِمُ لذلك قالوا: للرجال أوطان تختلف باختلاف هممهم، فرجل وطنه نفسه، ورجل وطنه أسرته، ورجل وطنه بلدته، ورجل وطنه العالم كله، وهذه من فلسفة الإيمان الذي يحثّ المؤمن على أنْ يُعدي خيره للناس جميعاً حتى الكافر منهم. وبهذه الفلسفة، وبهذا المعنى ينفع الرجل غيره، والأدلة على هذا الرأي كثيرة، فسيدنا رسول الله ألم يُبعث للعالم كله، ألم تشمل رحمته المؤمن والكافر؟ ألم يقل الله في حقه: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]. ومن رحمته بأهل الموقف في الآخرة أنْ يشفع لهم في أنْ يُعجِّل لهم الحساب، لأنهم في موقف يتمنون فيه الانصراف ولو إلى النار. ومن شفاعته (صلى الله عليه وسلم) أنْ يشفع في أهل التوحيد الذين دخلوا النار أنْ يخرجوا منها، أليس هذا انتفاعاً بعمل الغير؟ ثم ألم يأمرنا الشرع بالصلاة على الميت؟ ولو كانت الصلاة على الميت لا تنفعه لكانت عبثاً، بدليل أننا ندعو له فيها، وهذا انتفاع، لكن المعارضين لهذا الرأي يقولون: وهل نصلي على كل ميت؟ نحن نصلي على الميت المسلم، فالمنفعة تأتي من كونه مسلماً، فإسلامه هو الذي ينفعه. قلنا لهم: خذوا دليلاً آخر في قوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ..} [الطور: 21] ألم ينتفع الأبناء بصلاح الآباء؟ قالوا: انتفعوا بصلاحهم لأنهم تحمَّلوا مشقة هذا الصلاح في الدنيا، فعوَّضهم الله ما حُرِموا منه في الآخرة، بمعنى أن الإنسان المستقيم الذي يتحرى الحلال في مأكله ومشربه لا شكّ يضيق على أولاده، على خلاف الذي يرتع في الدنيا طولاً وعرضاً، ولا يلقي بالاً لمسألة الحلال والحرام؛ فأولاده يكونون أحسنَ حالاً في المأكل والمشرب والملبس، وهكذا، إذن ما يجده أبناؤه الصالحون من نعيم الآخرة، جاء عوضاً عمّا تحمّلوه في الدنيا. أيضا يُروَى: عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه مَرَّ على رجل يصلي وحده، منفرداً، فقال: ألاَ رجل يتصدَّق على هذا؟ أي: يصلي معه ليأخذ ثواب الجماعة، أليس هذا انتفاعاً بعمل الغير؟ وسيدنا رسول الله لما امتنع عن الصلاة على الميت المدين كان امتناعه لمنفعة الميت، وقد انتفع بهذا الامتناع بالفعل، رسول الله امتنع عن الصلاة عليه، لأنه قال في الحثِّ على قضاء الدَّيْن: "مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه ..". ويبدو أن هذا الميت مات وعليه دين لا يستطيع قضاءه، فأراد رسول الله أنْ يُحَرِّكَ مشاعر الخير في نفوس الصحابة ليبادروا بسداد دين صاحبهم، وبالفعل لما قال عليه الصلاة والسلام: صلوا على صاحبكم، قام أبو قتادة وقال: أنا أسُدُّ عنه يا رسول الله، عندها صلى عليه رسول الله، أليس هذا انتفاعاً بعمل الغير؟ ولكي ننهي هذا الخلاف ونحلُّ هذا الإشكال نقول: لو تأملنا الآية: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} [النجم: 39] سنجد فيها ما يؤيد رأينا، فاللام هنا كما يقول أهل اللغة للملك، كما تقول: ليس لزيد عندي إلا عشرة. هذا هو الحق. إذن: الله تعالى ذكر العدل ولم يذكر الفضل، فأنت حين تدخل مطعماً مثلاً لتتناول الغداء وعند الانصراف تقول للعامل: كم الحساب؟ يقول: كذا وكذا. تقول له (خُذْ وخلي الباقي علشانك). هذا بين الناس في أمور الدنيا الهيِّنة، فما بالك بأمور الدين والشرع؟ وإنْ كان هذا عطاؤك فكيف بعطاء الله؟ وقوله تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ} [النجم: 40] فهذا السعي لا يُترك هكذا دون تعقيب عليه، بل سيُراقب وسيُرى، كما قال تعالى: { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ..} [التوبة: 105]. وكلمة (سوف) تدل على المستقبل، فسعيك لن يذهب هباءً بل عملك في الدنيا سيراه الله ويراه رسول الله ويراه المؤمنون. أى: في الآخرة وسوف تنال عليه الجزاء المناسب، ليس الجزاء بالعدل، إنما الجزاء بالفضل. {ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ} [النجم: 41] تأمل، لم يقل: الجزاء العادل، بل الجزاء بالزيادة والفضل والحوافز {ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ} [النجم: 41] والأوفى من صيغ التفضيل التي تدل على الزيادة.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52580 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة النجم الآيات من 38-42 الأربعاء 01 فبراير 2023, 11:44 pm | |
| وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ [٤٢] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) إلى ربك المرجع، وإلى ربك المصير والمنتهى، والآية فيها أسلوب قَصْر بتقديم الخبر على المبتدأ {إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ} [النجم: 42] إلى ربك وحده دون سواه تنتهي الأمور في الآخرة، فالدنيا ليست هي نهاية المطاف، وليست هي الغاية، وهذه مسألة يُقِرُّ بها العقل قبل الشرع. فلو كانت الدنيا هي الغاية وهي النهاية، لكانت الحظوة لأهل الشهوات ولأهل الظلم والتعدِّي، لأنهم حققوا ما يريدون في الدنيا وعاشوها بالطول والعرض، ففازوا بمتاع الدنيا، ولم يعاقبوا عليه ولم يحاسبوا. إذن: العقل يقول: لا لابدَّ أن هناك يوماً للحساب وللقصاص، العدل يقتضي ذلك. ولو أيقن الناسُ بهذه الآية وفهموا هذا المعنى لاستقامتْ أمورهم، ولفكَّر الإنسانُ مرة وألف مرة قبل أنْ يُقدم على معصية الله أو ظلم الخَلْق، ولعمل حساباً لهذا المنتهى الذي لابدَّ له أنْ ينتهي إليه. وهذه الآية أيضاً تدلنا على أن العبد وإنْ خلقه ربه مختاراً يؤمن أو يكفر، يطيع أو يعصي، فإن هناك منطقة أخرى قهرية لا اختيار له فيها، وهل لك اختيار في غِناك أو فقرك؟ صحتك أو سقمك؟ حياتك أو موتك؟ إذن: مهما كنتَ حراً ومختاراً فلا غنى لك عن ربك، ولا ملجأ لك غيره، فلا تتمرد عليه بالعصيان، لأن منتهاك إليه في الآخرة للحساب، ومنتهاك أيضاً في أمور حياتك الدنيوية إليه وحده، فأنت في قبضة قدره لا تستطيع الانفلات منها. فالذي يتمرّد على منهج الله أيستطيع أنْ يتمرد على المرض إنْ أصابه؟ أيستطيع أنْ يمتنع عن ملَك الموت إنْ جاء أجله، إذن: لك منتهى في الدنيا قبل منتهى الآخرة. ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ ...}.
|
|