أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة ق الآيات من 36-40 الأربعاء 01 فبراير 2023, 7:15 am | |
| وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ [٣٦] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) (كم) هنا خبرية تفيد الكثرة، أي كثيراً ما أهلكنا {قَبْلَهُمْ ..} [ق: 36] أي: قبل قومك قريش {مِّن قَرْنٍ ..} [ق: 36] هم الجماعة الذين عاشوا في زمن محدود، وقدَّروه بمائة عام. وقد يزيد القرن في المعنى عن هذا إذا ارتبط بنبي مثل قوم نوح عليه السلام، فقد اقترنوا جميعاً في نبوته التي استمرت ألف سنة إلا خمسين عاماً، فالقرن من الاقتران، سواء أكان الاقتران في زمن ملِك أو نبي أو حدث. وفي آية أخرى بيَّن الحق سبحانه كيف أهلك الأمم المكذبة بهم قبلهم، فقال سبحانه: { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ..} [العنكبوت: 40]. وكل هؤلاء كانوا أشد من قريش قوة وبطشاً، وأين هم من إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد؟ وأين هم من فرعون ذي الأوتاد. {فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ ..} [ق: 36] تنقلوا فيها وسافروا خلالها، والتنقُّل دليل القوة والتمكين، وأنهم غير مشغولين بأمور حياتهم. وقد بيَّن الحق سبحانه أن الانتقال والسير في الأرض قد يكون للاعتبار كما جاء في قوله سبحانه { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ ..} [النمل: 69] وقد يكون لطلب الرزق والسياحة كما في قوله تعالى: { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ ..} [الأنعام: 11]. إذن: {فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ ..} [ق: 36] ساروا خلالها للمتعة وللانتفاع، حيث لم يكتفوا بما في أوطانهم، بل جابوا أوطاناً أخرى، ولا يفعل ذلك إلى القوي، أما الضعيف فلا يبرح مكانه ويرضى بالقليل. وفي موضع آخر قال عنهم { وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ..} [الروم: 9]. وكلمة نقب تدل على البحث عن غير الظاهر عن المستور في باطن الأرض. إذن: لم يكتفوا بالظاهر من النعم وبحثوا عن المستور منها. وقوله: {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} [ق: 36] أي: ملجأ يلجأون إليه ويحميهم من العذاب، والمعنى أن هؤلاء مع ما هم فيه من القوة والتمكين والسير في جنبات الأرض لما نزل بهم العذاب لم يجدوا لهم ملجأ يحميهم، ولا مأوى يدفع عنهم عذاب الله. وكلمة {مَّحِيصٍ} [ق: 36] من حاص فهو حايص. نقولها حتى في العامية يعني: حائر يذهب إلى هنا، ويذهب إلى هناك، فلا يغيثه أحد، فلا مهرب ولا مفرّ. وجاء بالمعنى المراد في صيغة الاستفهام {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} [ق: 36] لتجيب أنت وتقر بالواقع، هل وجدوا ملجأ يلجأون إليه من العذاب؟ والجواب لا. وهذه الآية وردت لتسلية سيدنا رسول الله والتخفيف عنه لما يلاقيه من عنت قومه وعنادهم، كأنه تعالى يقول لنبيه: لا تحزن يا محمد وخُذْ أسوة بإخوانك من الرسل السابقين، فالغلبة لك في نهاية الأمر.
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [٣٧] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ ..} [ق: 37] أي: في قصص الأمم السابقة الذين أخذهم الله {لَذِكْرَىٰ ..} [ق: 37] تذكير لكم كان يجب عليكم أنْ تعتبروا بهم، وقد بلغكم خبرهم، إما بمشاهدة آثارهم وبقايا ديارهم { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138]. وإما بلغكم بسماع خبرهم من الكتب السماوية، والسمع والبصر أهم وسائل الإدراك في الإنسان، لذلك قال هنا {أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] يعني: سمع وشاهد. وقوله سبحانه: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ..} [ق: 37] أي: قلب واعٍ متأمل ومدرك غير لاهٍ ولا غافل، وإلا فما فائدة السمع لمنْ ليس له هذا القلب، إنه يسمع من هنا ويُخرج من هنا، فلا يستفيد بما يسمع. وكلمة {أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ ..} [ق: 37] فيها كناية عن الاهتمام بالمسموع، فلم يقل مثلاً لمن يسمع: إنما ألقى أذنه وأنصت ليستمع بحضور قلب ليعي المسموع ويستقبله بما يناسبه من البحث العقلي. {وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] وشهيد صيغة مبالغة على وزن فعيل تدل أيضاً على الاهتمام بما يشاهده وعلى الانتفاع به، فهو يسمع ويشاهد بقلب حاضر وفهم واعٍ بعيد عن الغفلة. ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ...}.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [٣٨] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) الحق سبحانه وتعالى يُبيِّن لنا أنه خلق السماوات والأرض وما فيهن وما بينهما من الآيات الكونية فيما مجموعه ستة أيام {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38] ما أصابنا من تعب ولا نَصَب. وهذه الآية لها نظائر في القرآن الكريم دلتْ على أن أيام الخَلْق ثمانية أيام، اقرأ: { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [فصلت: 9] إذن: معنا الآن يومان. { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [فصلت: 10] هكذا يكون المجموع ستة أيام { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ * فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ ..} [فصلت: 11-12]. إذن: المجموع الظاهر ثمانية أيام، وهذا جعل بعض المستشرقين يتهمون الآيات بالتضارب، أهي ستة أيام أم ثمانية. وهذا الاتهام وليد عدم فهمهم لأساليب اللغة ومراميها. فالحق سبحانه تكلم أولاً عن خَلْق الأرض كجرم مستقل، ثم تكلم عن خَلْق ما يتبع الأرض في تمام أربعة أيام، فالزمن هنا متداخل، واليومان الأولان داخلان في تتمة الأربعة، لأنها في خلق شيء واحد هو الأرض. لذلك بعد أنْ تحدَّث عن خَلْق الأرض قال سبحانه: { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [فصلت: 10] أي: استوتْ تتمة الأربعة أيام مثل لو قلت: سِرْنا من القاهرة إلى طنطا في ساعة، وإلى الإسكندرية في ساعتين. إذن: ليس في الآيات تعارض، بل هي منسجمة مع بعضها البعض. ومن القضايا التي أثاروها حول هذه الآية قولهم: إن كان الحق سبحانه ينفذ إرادته ولا يحتاج في الفعل إلى معالجة، فلماذا لم يخلق هذا الكون بكلمة كُنْ، ولا يستغرق الخلق ستة أيام؟ وقلنا في بيان ذلك أن هناك فرقاً بين خَلْق الشيء وبين جَعْل مُقدِّمات للخلق، ثم يدور الشيء في نفسه ويتفاعل إلى ما يصير إليه. ووضحنا هذا بصناعة علبة الزبادي، حيث نأتي باللبن والخميرة ونخلطهما، ثم نجعل هذا الخليط تحت درجة حرارة معينة، وبعد مدة تتفاعل هذه المكونات وتعطينا الزبادي. إذن: عالجت هذه المسألة في عدة دقائق لكنها تفاعلت في عدة ساعات، حتى صار إلى ما نريد بعد أنْ وضعنا فيه الأصول والمواد التي تكوِّنه، كذلك في مسألة خَلْق الكون في ستة أيام طبعاً من الأيام التي نعرفها. ومعنى اللغوب هو القصور الذي يأتي بعد التعب من العمل، إذن: النَّصَب والتعب يصاحب العمل، واللغوب قصور واسترخاء بعد الانتهاء، فإذا نفى الأقل فالأكثر من باب أوْلى لم يحدث. إذن: المراد لم يحدث القصور ولم يحدث التعب، كما جاء في قوله تعالى: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ..} [البقرة: 255] والسِّنَة غفلة تسبق النوم، فنَفْي السِّنة يعني نفي النوم من باب أوْلى.
فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [٣٩] وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [٤٠] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يُسلِّي رسوله (صلى الله عليه وسلم) بعدما لاقى من إيذاء قومه. يقول له: باشر أمر دعوتك ولا تحزن لما يقولون، ولا تيأس من نصرك عليهم، لأن رسول الله وصحابته لما اشتد بهم الإيذاء استبطأوا النصر. وفي ذلك قال تعالى: { وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ..} [البقرة: 214] وهنا يقول له {فَٱصْبِرْ ..} [ق: 39] لأن كل صبر على بلاء وإيذاء بأجر ومنزلة، فكلما ازدادوا في الإيذاء اصبر على أذاهم، فهم يزدادون إثماً وأنت تزداد أجراً. وقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ..} [ق: 39] أي: نزِّه ربك تعالى عن كلِّ نقص، وعن كل ما لا يليق به سبحانه من صفات يتصف بها خَلْقه، فالله له يد لكن ليستْ كأيدينا، وله سمع ولكن ليس كسمعنا، فخذ هذه الصفات في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. لذلك الحق سبحانه وتعالى استهلَّ خبر الإسراء والمعراج بقوله تعالى: { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ..} [الإسراء: 1] أي: نزّه الله عن صفات النقص، ونزّه الله عن مشابهة خَلْقه، لأن في القصة خرقاً للنواميس التي يعرفها الخَلْق. إذن: لا تستبعد هذا الحدث لأنه منسوب إلى الله لا إلى البشر، فمحمد لم يقُلْ: سريتُ بل قال: أُسْري بي. والسرعة هنا في قطع المسافة تُحسب بقوة الفاعل، فأنت تسافر من القاهرة إلى الإسكندرية بالحصان في عشر ساعات، وبالسيارة في ثلاث ساعات، وبالطائرة في نصف ساعة، وبالصاروخ في عدة دقائق. وهكذا تتناسب السرعة مع فاعلها، فكلما ازدادت القوة قل الزمن، فإذا كان صاحب السرعة هو الحق سبحانه وتعالى، فالزمن هنا لا يُذكر، وكوْن رسول الله استغرق في هذه الرحلة ليلة، فهذا لأنه تعرَّض لمرائي عدة استغرقتْ هذا الوقت. ومعنى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [ق: 39] أي: سبِّح ربك تسبيحاً مقروناً بالحمد على النعم، لذلك تجد أن لفظ التسبيح يأتي دائماً مقروناً بنعمة من نعم الله، وآية لا يستطيعها أحد سواه: { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ..} [الإسراء: 1] { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36]. لذلك رأينا على مَرِّ التاريخ الكفار والمشركين والملاحدة يعبدون أصنامهم وآلهتهم ويقدسونها، ومع ذلك لم يقُلْ أحد لمعبوده: سبحانك أبداً لأنها لا تُقال إلا لله. كما أن لفظ الجلالة الله لم يُسمِّه أحد رغم وجود الملاحدة ومُنكري الألوهية، لكن لم يجرؤ أحد منهم أنْ يُسمي ولده هذا الاسم، لأنه يخاف أنْ يُسمِّي ولده الله. لذلك قال تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] إذن: أمران لم يجرؤ أحد عليهما لعظمة الله سبحانه، حتى فيما للخَلْق فيه اختيار. كما نفهم من قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ..} [ق: 39] أن السُّبحانية هذه من النعم التي تستوجب الحمد، فكوْنُ الحق سبحانه مُنزّه عن الشبيه، مُنزه عن المثيل، مُنزه عن الشريك، هذه من أعظم النعم على العباد. فلو أن لله تعالى مثيلاً أو شريكاً أو نظيراً لفسدتْ حياتنا، ولَشقينا نحن بهذه المثلية، وما هنئ لنا عيش. لذلك يقول تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] وقال: { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [المؤمنون: 91]. ومعنى {قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ * وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ} [ق: 39-40] يعني: سبِّحه تسبيحاً دائماً لا ينقطع، فهذه الأوقات المذكورة تستوعب اليوم والليلة، لأن من الناس مَنْ يعمل بالنهار وينام بالليل، ومنهم مَنْ يعمل بالليل وينام بالنهار، فهذا انقطع تكليفه بالليل، وهذا انقطع تكليفه بالنهار. وهذه الآية لها نظائر في آيات أخرى لكن لكل منها معنى، يقول تعالى في موضع آخر: { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ..} [طه: 30] فهنا قال: {ٱلْغُرُوبِ} [ق: 39] وهناك قال: { غُرُوبِهَا ..} [طه: 30] فقالوا: إذن: ما الفرق بينهما؟ وأيهما أبلغ؟ نقول: كلُّ لفظ منهما بليغ في موضعه، فالشمس حين تغرب، منا مَنْ يشاهد آية الغروب، ومنا مَنْ لا يشاهده لغيم أو غيره، ويحكم بالغروب بشواهد أخرى تدل عليه. لذلك في رمضان مثلاً، كثيرٌ منّا لا يرى غروب الشمس، ومع ذلك يفطر لأن لديه أدلة أخرى على الوقت، إذن: قوله تعالى: { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ..} [طه: 30] لمن شاهد الغروب، وقوله: {وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ} [ق: 39] لمن لم يشاهده. كذلك في قوله تعالى: {وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ} [ق: 40] وقال في موضع آخر: { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ ..} [طه: 30] فالأَوْلَى لمن يريد أنْ يسبح في وقت واحد من الليل ثم ينام، والأخرى لمَنْ أراد أنْ يُسبّح ثم ينام، ثم يُسبِّح ثم ينام، يعني مرات متعددة أثناء الليل. ومعنى {وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ} [ق: 40] يعني: عقب الصلوات، وقد بيَّن لنا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كيفية التسبيح عقب الصلوات. وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [٤١]يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [٤٢] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) المنادي هنا إسرافيل الملَك المكلَّف بالنفخ في الصور، والمراد بالصيحة النفخة الثانية التي تُخرج الناس من القبور للبعث، الحق سبحانه وتعالى يقول لرسوله (صلى الله عليه وسلم): {وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ ..} [ق: 41]. والكلام هنا يأتي بعدما تعرّض له رسول الله من الإيذاء بالقول وبالفعل، فكأن ربه عز وجل يُواسيه، يقول له: إنْ كانوا فعلوا ذلك فانتظر هذا اليوم يوم ينادي عليهم المنادي يوم يقفون للحساب والجزاء. واستمع لما يحدث منهم في هذا الموقف، وكيف سيندمون ويتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضاً، ويشتم بعضهم بعضاً، كما يقولون في المثل الفلاحي (بكره نقعد على الحيطة ونسمع الظيطة) يعني: انتظر يا محمد وسوف تسمع بهم. وقوله: {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] أي: أن المنادي سيكون قريباً من كل واحد كأنه ملازمه، وكأن كلَّ واحد منا معه مناديه {يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ ..} [ق: 42] أي النفخة الثانية {بِٱلْحَقِّ ..} [ق: 42] الحق الذي كانوا ينكرونه في الدنيا ويُكذِّبون به وهو البعث. وقد حكى القرآن قولهم: { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ..} [الرعد: 5] وقوله سبحانه: {ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ} [ق: 42] أي: البعث والخروج من القبور، والنفخة الثانية ستكون بعد موت جميع الخلائق بالنفخة الأولى. لذلك كان سيدنا رسول الله دائماً يقرأ بسورة (ق) في العيدين لقوله تعالى فيها {ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ} [ق: 42] والخروج مُستحب في العيدين حتى الحائض تخرج ليس للصلاة، إنما لتشهد الخير وجماعة المسلمين في هذا اليوم. ولذلك سَنَّ لنا رسول الله أنْ تكون صلاة العيدين في الخلاء، لأنها صلاة يحضرها مَنْ لا تصح الصلاة منه. كما أن في القراءة بسورة (ق) في العيدين إشارة إلى أن يوم العيد والخروج والفرحة والزينة ينبغي ألاَّ تُنسينا يوم الخروج الأكبر، يوم القيامة.
|
|