أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الأحقاف الآية رقم 03 الخميس 12 يناير 2023, 9:56 pm | |
| مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ 3 خواطر محمد متولي الشعراوي قوله تعالى: {إِلاَّ بِٱلْحَقِّ..} [الأحقاف: 3] يعني: ما خلقتُ عبثاً، إنما خلقتُ بنظام دقيق محكم لا يتغير، وقلنا: (الحق) هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، كذلك خلقتُ لغاية، لذلك انظر إلى السماء مثلاً، خلقها الله من غير عَمَد. وهي كذلك منذ خلقها الله، وسوف تظل إلى قيام الساعة على هذا الاستقرار، وعلى هذا الثبات، وعلى هذا الحق الذي خلقتْ به. كذلك الشمس هي الشمس ما احتاجت إلى صيانة ولا إلى قطعة غيار ولم يُصبها عطل ولا عطب، لماذا؟ لأنها خُلقتْ بالحق وبالعدل الذي لا يتغير أبداً، لأنه بُني من أساسه على الحكمة، ولو بُني هذا الكون منذ نشأته على غير الحكمة لأصابه العطب والخلل. إذن: خلقتُ السماوات والأرض من البداية على الحق، حَقُّ مطلب لم يسبقه باطل ولم يسبقه خَلْق آخر تم تعديله، بل هو منذ نشأته الأولى كذلك، كما سبق أنْ قُلْنا في قوله تعالى وهو يحاور أعداء الإسلام، فقال: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا..} [التوبة: 40]. فالأولى جعل، جعلها الله سفلى، أما الأخرى فهي بطبيعة الحال ومنذ البداية هي العليا، لذلك لم يقُلْ: وجعل كلمة الله هي العليا، لأنها لم تكُنْ أبداً دنيا فجعلها الله عُلْيا. إذن: الباطل جعل، والحق هو الحق ثابت منذ خلقه الله. وقوله: {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى..} [الأحقاف: 3] يعني: وقت معلوم هو يوم القيامة، فهذا الخَلْق لم يخلقه الله ويتركه هملاً، إنما لأجل محدود هو القيامة، يوم يتغيَّر هذا الكون الثابت، ويهدم كل ما فيه وينقض بناءه لبنةَ لبنةً. {يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ..} [إبراهيم: 48] يوم تكوَّر الشمس ويضيع القمر، وتهدم كل أسباب العيش على الأرض. أما في الآخرة: {وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..} [الزمر: 69] فليس هناك شمس ولا قمر، فأنت في الدنيا تعيش بالأسباب، أما في الآخرة فتعيش بالمسبِّب سبحانه. وقوله: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 3] أي: منصرفون، وقًُلْنا الإنذار: التخويف من الشر قبل أوانه، وهو مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده ولطفه بهم وحرصه على نجاتهم. فالذي يحذرك من الشر قبل أنْ تقع فيه محسن إليك. إذن: من رحمة الله بالناس أنْ أرسل إليهم الرسل مُبشِّرين ومنذرين، وأنزل إليهم الكتب وبيَّن لهم العاقبة، لكن ماذا تفعل فيمَنْ أعرض وانصرف عن هذا الإنذار ولم يلتفتْ له؟ لذلك في سورة الرحمن جعل الحق سبحانه وتعالى الإنذار والتخويف نعمة من نِعَم الله التي تستوجب الشكر، فقال سبحانه: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 35-36]. فالتخويف بهذه الألوان من العذاب نعمة، لأنك حين تخاف من العاقبة لا ترتكب الفعل الذي يؤدي إليها، كما يقولون في الطب: الوقاية خير من العلاج، كذلك البُعْد عن المعصية خير من مقاساة العقاب عليها.
|
|