أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟ السبت 23 يوليو 2011, 6:31 pm | |
| هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟
الحقيقة أنني ترددت كثيراً في إدراج هذه المسألة في هذا البحث وذلك لسببين ، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها ، والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس ، وأحياناً من الخواص فضلاً عن العوام ، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه ، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية ، وألف ابن الجوزي كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد " ، وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال : " كان ناصبياً، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر " ، وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير – رحمه الله – حينما قال : " وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم ، والحلم ، والفصاحة ، والشعر ، والشجاعة ، وحسن الرأي في الملك ، وكان ذا جمال وحسن معاشرة ، وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك الصلوات في بعض أوقاتها ، وإماتتها في غالب الأوقات "
قلت :
الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله ، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم ، وأنه مات مصرّاً على ذلك ، والثاني : أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة .
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها :
أولا: استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم ، فباعتباره داخلاً في قوله تعالى { ألا لعنة الله على الظالمين }
الرد على هذه الشبهة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" هذه آية عامة كآيات الوعيد ، بمنـزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح ، إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفّرة ، وإما شفاعة شفيع مطاع ، ومنها رحمة أرحم الراحمين " ا.هـ .
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات ؟ أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه ؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط ، وارتفعت الموانع ، وليس الأمر كذلك "
ثانياً : استدلوا بلعنه بأنه كان سبباً في قتل الحسين – رضي الله عنه - :
الرد على هذه الشبهة:
الصواب أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين – رضي الله عنه - ، وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة ، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ، بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده .
قال ابن الصلاح – رحمه الله - :
" لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي الحسين رضي الله عنه - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله – إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم ، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل ، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط " ا.هـ .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
" وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله – أي قتل الحسين – بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.
وقال الغزالي – رحمه الله - :
" فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلاً عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق "
قلت :
ولو سلّمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ، بل حُكِي عنه خلاف ذلك .
قال الغزالي :
"فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى "
ثالثا :
استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة ، وأنه أباح المدينة ثلاثاً حيث استدلوا بحديث " من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً "
الرد على هذه الشبهة :
إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة ، وقد حذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر " ، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير ، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذّر من الإقدام على مثل هذه الأمور ، لذلك قال الفضيل بن عياض– رحمه الله - : " لو أنّ لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام ، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد "، وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة ، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة ، والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل ، حتى لا يتميز لكثير من الناس ، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته ،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير ، فالفتنة كما قال شيخ الإسلام : " إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تُزين ، ويُظن أن فيها خيراً " .
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي :
- غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة ، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين ، ويتولى المسلمين أفضلهم .
- عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة . قال القاضي عياض بشأن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف:
" على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولاً ، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم " ، ومن المعلوم أن أهل الحرّة متأولون ، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة ، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم ، فقد قال العلماء : " إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة " ، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة و الزبير وغيرهم ، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال ، وهم أعظم قدراً عند الله ، وأحسن نية من غيرهم .
فخروج أهل الحرة كان بتأويل ، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام ، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح .
وكان علي – رضي الله عنه – يقول : " لو أن رجلاً ممّن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه ، ولو أن رجلاً ممّن بايع عمر خلعه لقاتلناه "
أما إباحة المدينة ثلاثاً لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض ، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح ، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة ، كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض ، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة ( الطبري والبلاذري ) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك ، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئاً بهذه الصدد ، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته .
نعم قد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة ، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال : " هو فعل بالمدينة ما فعل قلت : وما فعل ؟ قال : قتل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفعل . قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها " وإسنادها صحيح ، أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات ، وإلا فالأمر مجرد دعوى ، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك ، من أمثال الدكتور نبيه عاقل ، والدكتور العرينان ، والدكتور العقيلي . قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه " ذكر أسماء الرواة متخلياً عن مسئولية ما رواه ، محملاً إيانا مسئولية إصدار الحكم ، يقول الطبري في مقدمة تاريخه: " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا "ا.هـ.
قلت :
ولا يصح في إباحة المدينة شيء ، وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور – جزاه الله خيراً – في كتابه المفيد " أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري – والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة:
نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي. ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصاً واحداً، وعن الواقدي ثلاثة نصوص. ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر مرة ، وهشام الكلبي الشيعي ينقل أحياناً من مصدر شيعي آخر وهو أبو مخنف حيث نقل عنه في خمسة مواضع .ونقل الطبري عن أبي مخنف مباشرة مرة واحدة . وعن الواقدي مرتين. واعتمد أبو العرب على الواقدي فقط ، فقد نقل عنه أربعاً وعشرين مرة. ونقل الذهبي نصين عن الواقدي . وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي . وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه.
قلت :
ممّا سبق بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل هذه الروايات تكمن في الواقدي ، وهشام الكلبي ، وأبي مخنف ، بالإضافة إلى رواية البيهقي التي من طريق عبد الله بن جعفر .
أما الروايات التي جاءت من طريق الواقدي فهي تالفة ، فالواقدي قال عنه ابن معين : " ليس بشيء ". وقال البخاري : " سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير " . وقال أبو حاتم والنسائي : " متروك الحديث ". وقال أبو زرعة : " ضعيف " .
أما الروايات التي من طريق أبي مخنف ، فقد قال عنه ابن معين : " ليس بثقة " ، وقال أبو حاتم : " متروك الحديث " . وقال النسائي : " إخباري ضعيف ". وقال ابن عدي : " حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ، ولا يبعد أن يتناولهم ، وهو شيعي محترق ، صاحب أخبارهم ، وإنما وصفته لأستغني عن ذكر حديثه ، فإني لا أعلم له منة الأحاديث المسندة ما أذكره ، وإنما له من الأخبار المكروهة الذي لا أستحب ذكره " . وأورده الذهبي في " ديوان الضعفاء " و " المغني في الضعفاء " . وقال الحافظ : " إخباري تالف " .
مناقشة الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض :
أما الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض ، وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسّان : ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ، والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان : قال : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام . فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء..
فالروايتان لا تصحان للعلل التالية:
- أما رواية المدائني فقد قال الشيباني :
" ذكر ابن الجوزي حين نقل الخبر أنه نقله من كتاب الحرّة للمدائني ، وهنا يبرز سؤال ملح : وهو لماذا الطبري والبلاذري ، وخليفة وابن سعد وغيرهم ، لم يوردوا هذا الخبر في كتبهم ، وهم قد نقلوا عن المدائني في كثير من المواضع من تآليفهم ؟
قد يكون هذا الخبر أُقحم في تآليف المدائني ، وخاصة أن كتب المدائني منتشرة في بلاد العراق ، وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة ، وقد كانت لهم دول سيطرت على بلاد العراق ، وبلاد الشام ، ومصر في آن واحد ، وذلك في القرن الرابع الهجري ، أي قبل ولادة ابن الجوزي رحمه الله ، ثم إن كتب المدائني ينقل منها وجادة بدون إسناد " ا.هـ.
- في إسناد البيهقي عبد الله بن جعفر ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2/400) وقال :
" قال الخطيب سمعت اللالكائي ذكره وضعفه . وسألت البرقاني عنه فقال : ضعّفوه لأنه روى التاريخ عن يعقوب أنكروا ذلك ، وقالوا : إنما حديث يعقوب بالكتاب قديماً فمتى سمع منه؟ "ا.هـ.
- راوي الخبر هو :
المغيرة بن مقسم ، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين ،ولم يكتب لهم سماع من الصحابة ، وتوفي سنة 136هـ ، فهو لم يشهد الحادثة فروايته للخبر مرسلة .
- كذلك المغيرة بن مقسم مدلس ، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع .
- الراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط ، اختلط قبل موته ، ولا نعلم متى نقل الخبر هل هو قبل الاختلاط أم بعد الاختلاط ، فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
- الرواية السالفة روِيَت بصيغة التضعيف ، والتشكيك بمدى مصداقيتها :
" زعم المغيرة – راوي الخبر – أنه افتض فيها ألف عذراء .
- أمّا الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب ، هي ما ذكرها ابن الجوزي أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمّته أم الهيثم بنت يزيد قالت : " رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبّلته ، فقلت : يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت : هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة " ا.هـ.
- خالد الكندي وعمّته لم أعثر لهما على ترجمة .
- أمّا الرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة أن الزبير بن بكار قال : حدثني عمّي قال : كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة ، وجلداً فلما انهزم أهل الحرة وقتل ابن حنظلة وفرّ ابن مطيع ونجا ، توارى في بيت امرأة ، فلما هجم أهل الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم ، دخل رجل من أهل الشام دار المرأة التي توارى فيه ابن مطيع ، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها ، فامتنعت منه ، فصرعها ، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلّصها منه وقتله "
- وهذه الرواية منقطعة ، فرواوي القصة هو مصعب الزبيري المتوفى سنة 236 هـ ، والحرة كانت في سنة 63 هـ ، فيكون بينه وبين الحرة زمن طويل ومفاوز بعيدة .
قلت :
فلم نجد لهم رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات إباحة المدينة ، بالرغم من أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر - رحمهما الله – قد أقراّ بوقوع الاغتصاب ، ومع ذلك لم يوردا مصادرهم التي استقيا منها معلوماتهما تلك ، ولا يمكننا التعويل على قول هذين الإمامين دون ذكر الإسناد ، فمن أراد أن يحتج بأي خبر كان فلا بد من ذكر إسناده ، وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيميّه حينما قال في المنهاج : " لا بد من ذكر ( الإسناد ) أولاً، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جُرْزَةِ بقل لم يقبل منه ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول " ا.هـ .
فكيف نقبل الحكم الصادر على الجيش الإسلامي في القرون المفضلة بأنه ينتهك العرض دون أن تكون تلك الروايات مسندة ، أو لا يمكن الاعتماد عليها ! ثم على افتراض صحتها جدلاً فأهل العلم حينما أطلقوا الإباحة فإنما يعنون بها القتل والنهب كما جاء ذلك عن الإمام أحمد، وليس اغتصاب النساء ، فهذه ليست من شيمة العرب ، فمن المعلوم أن انتهاك العرض أعظم من ذهاب المال ، فالعرب في الجاهلية تغار على نسائها أشد الغيرة ، وجاء الإسلام ليؤكد هذا الجانب ويزيده قوة إلى قوته ، واستغل الرافضة هذه الكلمة – الإباحة – وأقحموا فيها هتك الأعراض ، حتى أن الواقدي نقل بأن عدد القتلى بلغ سبعمائة رجل من قريش والأنصار ومهاجرة العرب ووجوه الناس ، وعشرة آلاف من سائر الناس ! وهو الذي أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- فقال : لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم –" ا.هـ.
- ثم إن المدينة كانت تضم الكثير من الصحابة والتابعين ، وبعضهم لم يشترك في المعركة من أمثال : ابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وعلي بن الحسين ، وسعيد بن المسيِّب ، وهؤلاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون النساء المؤمنات يفجر بهنّ ، حتى التبس أولاد السفاح بأولاد النكاح كما زعموا ! .
- كما أننا لا نجد في كتب التراجم أو التاريخ ذكراً لأي شخص قيل إنه من سلالة أولاد الحرة ( الألف ) كما زعموا .
- سجّل لنا التاريخ صفحات مشرقة ما اتسم به الجندي المسلم والجيوش الإسلامية ، من أخلاق عالية وسلوك إسلامي عظيم ، حتى أدت في بعض الأحيان إلى ترحيب السكان بهم ، كفاتحين يحملون الأمن والسلام والعدل للناس .
- لم ينقل إلينا أن المسلمين يفتحون المدن الكافرة ، ويقومون باستباحتها وانتهاك أعراض نسائها ! فكيف يتصور أن يأتي هذا المجاهد لينتهك أعراض المؤمنات ، بل أخوات وحفيدات الصحابة – رضوان الله عليهم – سبحانك هذا بهتان عظيم .
- ومن العجيب أن هناك من نسب إلى يزيد بن معاوية أنه لما بلغته هزيمة أهل المدينة بعد معركة الحرة ، تمثل بهذا البيت:
ألا ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
- فهذا البيت قاله ابن الزبعري بعد معركة أحد ، وكان كافراً ويتشفى بقتل المسلمين ، وذكره البن كثير ثم عقّب بعده بالقول : " فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فعليه لعنة الله وعليه لعنة اللاعنين ، وإن لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه ليشنع به عليه " ا.هـ. ثمّ أنكر – رحمه الله – في موضع آخر من كتابه نسبة هذا البيت إلى يزيد ، وقال : " إنه من وضع الرافضة "ا.هـ. ، وجزم شيخ الإسلام ببطلانه فقال : " ويعلم ببطلانه كل عاقل "
رابعاً : استدلوا بجواز لعنه بما روي عن الإمام أحمد :
وهي التي أخرجها أبو يعلى الفراء بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : إن قوماً يُنسبون إلى تولية يزيد ، فقال : يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ؟ فقلت : ولم لا تلعنه ؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن شيئاً ، ولم لا يُلعن من لعنه الله في كتابه ؟ فقرأ قوله تعالى { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .
قلت : وهذه الرواية لا تصح للعلل التالية :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" هذه الرواية التي ذكرت عن أحمد منقطعة ليست ثابتة عنه ، ثم إن الآية لا تدل على لعن المعيّن " ا.هـ.
- ثبت عن الإمام أحمد النهي عن اللعن ، كما في رواية صالح نفسه ، أن أحمد قال : " ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ، لما قيل له ألا تلعن يزيد " ، وحين سأل عصمة بن أبي عصمة أبو طالب العكبري الإمام أحمد عن لعن يزيد ، قال : " لا تتكلم في هذا . قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " ، وقال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم " . وقد كان يزيد فيهم فأرى الإمساك أحب إليّ " ا.هـ.
- قال الخلال :
" وما عليه أحمد هو الحق من ترك لعن المعيّن ، لما فيه من أحاديث كثيرة تدل على وجوب التوقي من إطلاق اللعن "
- قال تقي الدين المقدسي :
" إن المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق لا المعيّن ، كما قلنا في نصوص الوعد والوعيد ، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار ، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة ، وأن الكافرين في النار ، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة ، ولا نشهد بذلك لمعيّن إلا من شهد له النص ، أو شهدت له الاستفاضة على قول ، ثمّ إن النصوص التي جاءت في اللعن جميعها مطلقة ، كالراشي والمرتشي ، وآكل الربا وموكله ، وشاهديه وكاتبه " ا.هـ.
- اختلاف الحنابلة – رحمهم الله –
في تجويز لعن يزيد إنما جاء باعتماد بعضهم على رواية صالح المنقطعة ، والتي لا تثبت عن الإمام أحمد – رحمه الله - ، لذلك اعتمد أبو يعلى على تلك الرواية فألف كتاباً ذكر فيه بيان ما يستحق من اللعن ، وذكر منهم يزيد ، وتابعه في ذلك ابن الجوزي – رحمه الله – فألف كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد " ، وأباح فيه لعن يزيد بن معاوية .ولم يقتصر ذلك على بعض فقهاء الحنابلة بل امتد إلى غيرهم ، فتابع السيوطي ابن الجوزي في ذلك ، وإلى ذلك ذهب ابن حجر – رحمه الله – وذكر أن الإمام أحمد يجيز لعن يزيد ، بينما شذّ أبو المعالي حينما نقل الإتفاق على جواز لعن يزيد بن معاوية .
خامسا: استدلوا بجواز لعنه بأنه كان يقارف المسكرات ، وينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويدع الصلوات:
نقل الطبري روايتين عن أبي مخنف . ونقل البلاذري عدة روايات عن الواقدي .
ونقل ابن عساكر وابن كثير عن محمد بن زكريا الغلابي نصاً واحداً .
ونقل البيهقي وابن عساكر وابن كثير رواية واحدة من طريق الفسوي . ونقل ابن كثير رواية واحدة عن أبي مخنف .
ونقل الطبري وخليفة بن خياط وأبو الحسن العبدي وابن كثير والذهبي وابن حجر على رواية جويرية بن أسماء عن أشياخ أهل المدينة ، ونقل ابن سعد عن الواقدي نصاً واحداً .
ونقل البياسي عن أبي مخنف نصاً واحداً .ونقل ابن عساكر عن عمر بن شبة باتهام يزيد بشرب الخمر .
قلت :
ممّا سلف بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل تلك الروايات تكمن في الواقدي ، وأبي مخنف ، وعوانة بن الحكم ، ورواية عمر بن شبة .
فأما الروايات التي من طريق الواقدي وأبي مخنف فهما متروكا الحديث ، وأما عوانة بن الحكم فقد قال عنه الحافظ ابن حجر : " فكان يضع الأخبار لبني أمية " .
وأما رواية عمر بن شبة التي تشير إلى اتهام يزيد بشرب الخمر في حداثته ، فقد تكفل ابن عساكر – رحمه الله – في ردها فقال : " وهذه حكاية منقطعة ، فإن عمر بن شبة بينه وبين يزيد زمان ". |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟ السبت 23 يوليو 2011, 6:47 pm | |
| قلت :
وأقوى ما يتعلق به المتهمون يزيد بشرب الخمر بروايتين :
الرواية الأولى :
وهي التي أخرجها ابن عساكر وغيره من طريق محمد بن زكريا الغلابي ، في أن يزيد كان يشرب الخمر في حداثته ، فأرشده أبوه إلى شربها ليلاً فقط!! ..
وهذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً للعلل التالية :
- في سندها محمد بن زكريا الغلابي ، قال عنه الدارقطني : " كان يضع الحديث "، وذكره الذهبي في " المغني في الضعفاء " ، وساق له حديثاً في ميزان الاعتدال ، وقال : " فهذا من كذب الغلابي " .
- وفي سندها ابن عائشة راوي الخبر ، وهو محمد بن حفص بن عائشة ، فقد ذكره أبو حاتم و البخاري و سكتا عنه ، فهو مجهول عندهما كما قرّر ذلك ابن القطان في كتابه : " بيان الوهم والإيهام " .
- لم تحدّد المصادر تاريخ وفاة ابن عائشة ، غير أنّ ابنه عبد الله الراوي عنه توفي سنة 228 هـ، وبهذا فإن ابن عائشة ولد تقريباً بعد المائة من الهجرة ، ومن ثم تكون الرواية مرسلة ، لأن الراوي بينه وبين هذه القصة – على افتراض وقوعها – أمد بعيد .
- من ناحية المتن فكيف يرضى معاوية – رضي الله عنه – لولده بشرب الخمر ، ويشجعه عليها ليلاً ، ومعاوية هو الصحابي الجليل وأخو أم المؤمنين وكاتب الوحي المبين ، وهو رواي الحديث : " من شرب الخمر فاجلدوه ".
- قال الشيباني – حفظه الله - :
" ومن الغريب أن ابن كثير – رحمه الله – بعد إيراده لهذا الخبر تعقبه بقوله : قلت : وهذا كما جاء في الحديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل " ويفهم من تعقيب ابن كثير كأنه مؤيد لهذه الرواية التي لا تحظى بأي نسبة من الصدق " ا.هـ.
الرواية الثانية :
وهي رواية يعقوب بن سفيان البسوي : سمعت ابن عفير : أخبرنا ابن فليح أن عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه ، وأحسن جائزته ، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر ، وكان مرضياً صالحاً . فقال : ألم أجب ؟ ألم أكرم ؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه "
قلت : هذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً ، وذلك للعلل التالية :
- ابن فليح هو يحيى بن فليح بن سليمان المدني ، قال عنه ابن حزم : " مجهول " وقال مرة : " ليس بالقوي " .
- ابن فليح وأبوه أيضاً لم يدركا هذه الحادثة ،فقد ولد أبوه سنة 90 من الهجرة تقريبا ً، وتوفي سنة ثمان وستين ومئة من الهجرة ، ومن هنا يتضح أن كان بين مولد أبيه والحادثة مفاوز طويلة وزمان بعيد ، ومن ثم تبقى الرواية منقطعة .
- عندما ذهب عبد الله بن مطيع إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى ، فقال ابن مطيع : إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب ، فقال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة ، متحرياً للخير ، يسأل عن الفقه ملازماً للسنة ، قالوا : فإن ذلك كان منه تصنعاً ، فقال : وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر لي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه ، وإن لك يكن أطلعكم فما يحلّ لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا "
- محمد بن الحنفية هو أخو الحسين بن علي ، وقد قتل أخوته وأقاربه في كربلاء ، وليس من المعقول أن يقف مع يزيد ، خاصة إذا علم أنه كان يشرب الخمر ويترك الصلاة .
- كذلك أقام علي بن الحسين طويلاً عند يزيد ( قرابة الشهر ) ، وذلك بعد مقتل والده وأقاربه في كربلاء ، ومع ذلك لم نجد رواية واحدة عن علي بن الحسين يتهم فيها يزيد بن معاوية بشرب الخمر .
- الصحابيان الجليلان النعمان بن بشير وعبد الله بن جعفر – رضي الله عنهما – من الذين كانت لهم صلة قوية بيزيد ، فالنعمان كان أميره على الكوفة ، ثم جعله مستشاراً له في أمور الدولة ، وعبد الله بن جعفر صحابي جليل كان يحبه – صلى الله عليه وسلم – وكان يقول : " وأما عبد الله فشبه خَلْقي وخُلُقي " ، ولم نر هذين الصحابيين الجليلين ذكرا يزيد بالخمر ، أو ترك الصلاة ، فكيف يكون لهما هذه المنـزلة ولا يعرفون عن يزيد ما اطلع عليه المغرضون المتهمون يزيد بشربها .
- لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" ولم يكن يزيد مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه "ا.هـ.
• ونورد فيما يلي أقوال أهل السنة والجماعة في مسألة لعن يزيد :
- قال ابن العربي – رحمه الله - :
" فإن قيل إن يزيد كلن خمّاراً ، قلنا : لا يحلّ إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك عليه " ا.هـ.
- قال ابن حجر الهيتمي :
" لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه ، إلا أن يعلم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب ، ولأن اللعن هو الطرد من رحمة الله ، الملتزم لليأس منها ، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر " ا.هـ.
- قال ابن الصلاح :
" لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي قتل الحسين - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله - ، إنما هو يزيد بن زياد والي العراق إذ ذاك ، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين ، فإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ : " أن لعن المسلم كقتله "، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم - ، والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبه وتتولاّه ، وفرقة أخرى تسبه وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاّه ولا تلعنه ، وتسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وشبهه ، وهذه الفرقة هي الصائبة ، ومذهبها اللائق بمن يعرف سير الماضين ، ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة ، جعلنا الله من خيار أهلها آمين".
- قال الذهبي :
" ويزيد ممّن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك من ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ، وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى منه ومن أبيه وجدّه "
- وقال ابن الحداد الشافعي في عقيدته :
" ونترحم على معاوية ، ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى "
- وسئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله :
" خلافته صحيحة..
وقال بعض العلماء :
بايعه ستون من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم ، منهم ابن عمر ، وأما محبته : فمن أحبه فلا ينكر عليه ، ومن لم يحبه فلا يلزمه ذلك ، لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فيلزم محبتهم إكراماً لصحبتهم ، وليس ثم أمر يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين ، كعبد الملك وبنيه ، وإنما يمنع من التعرض للوقوع فيه ، خوفاً من التسلق إلى أبيه ، وسداً لباب الفتنة "
- وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( فتوى رقم 1466) :
" وأما يزيد بن معاوية فالناس فيه طرفان ووسط ، وأعدل الأقوال الثلاثة فيه أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين ، له حسنات وسيئات ، ولم يولد إلا في خلافة عثمان – رضي الله عنه – ولم يكن كافراً ، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين ، وفعل ما فعل بأهل الحرة ، ولم يكن صاحباً ، ولا من أولياء الله الصالحين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة ، وأما بالنسبة للعنه فالناس فيه ثلاث فرق ، فرقة لعنته ، وفرقة أحبّته ، وفرقة لا تسبه ولا تحبه ،.. وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد ، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين ، وهذا القول الوسط مبني على أنه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه ، أو بناء على أن الفاسق المعيّن لا يلعن بخصوصه ، إما تحريماً أو تنـزيهاً ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة عبد الله بن حمار الذي تكرّر منه شرب الخمر ، وجلده رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، لمّا لعنه بعض الصحابة ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " متفق عليه.
وهذا كما أن، نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى والزنا والسرقة فلا يشهد بها على معيّن بأنه من أصحاب النار ، لجواز تخلف المقتضى عن المقتضى ، وغير ذلك من المكفرات للذنوب ، هذا بالنسبة لمنع سبّه ولعنته.
وأما بالنسبة لترك المحبة ، فلأنه لم يصدر منه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته ، فبقي من الملوك السلاطين ، وحب أشخاص هذا النوع ليست مشروعة ، ولأنه صدر عنه ما يقتضي فسقه وظلمه في سيرته ، وفي أمر الحسين وأمر أهل الحرّة " ا.هـ.
ملاحظة :
إنه من العجيب والغريب حقاً أن يأتي أحد طلبة العلم الغيورين متبنياً قضية معينة ، مثل هذه القضية وهي عدم صحة تلك الافتراءات على يزيد ، وتأخذه الحماسة إلى حد بعيد لدرجة أنه يطعن في بعض أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يبرأ يزيد من تلك التهم ، كما حدث لمؤلف كتاب " مواقف المعارضة في خلافة يزيد " لمحمد بن رزان الشيباني – هداه الله - فأراد أن يدافع عن يزيد فطعن في ابن الزبير – رضي الله عنه فقد اتهم الشيباني – حفظه الله – عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – أنه هو المتسبب في إلصاق التهمة بيزيد في شربه للخمر ، فقال : " ولاحظ ابن الزبير مشاعر السخط التي عمّت أهل الحجاز عموماً بسبب قتل الحسين ، فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه ، ويذكر شربه للخمر ويثبط الناس عنه " ا.هـ. وقال في موضع آخر : " فأخذ يدع ويبدو أن يزيد قد علم بتلك التهمة التي ألصقت به ، وعرف أنّ ابن الزبير – رضي الله عنه – هو المتسبب في إلصاق تلك التهمة به ، ممّا جعل يزيد ينكر ذلك ، ويؤكد النفي بأمر عملي حين جهز الجيوش لحرب ابن الزبير ، وأهل المدينة ، وكأنه يقول لهم إن الذي يشرب الخمر لا يجهز جيشاً ولا يرسل بعثاً " ا.هـ.
قلت :
وهذا الطعن لا يصح سنداً ولا متناً ، فقد اعتمد الشيباني على رواية الطبري في تاريخه ( 5/475) عن أبي مخنف ، و الأزرقي في أخبار مكة (1/201) بسند قال عنه الشيباني في الحاشية : " كل رجاله ثقات حتى ابن جريج " ، وهذه الروايات لا تصح فأبو مخنف تالف لا تحل الرواية عنه ، وأمّا رواية ابن جريج ففيها جهالة قال ابن جريج : سمعت غير واحد من أهل العلم ممّن حضر ابن الزبير حين هدم الكعبة وبناها " ، فابن جريج لم يسمِّ شيوخه ، وهو يروي عن الضعفاء ، فلا نقبل الرواية حتى يسمي شيوخه ، هذا من جهة السند أما من جهة المتن ففيه إساءة واضحة لصحابي جليل ، وهو الرجل الذي أول ما دخل جوفه ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قام بتحنيكه ، وهو من فقهاء الصحابة المعدودين ، وكان إذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس قال : " قارئ لكتاب الله ، عفيف في الإسلام ، أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة ، وخالته عائشة ، وجدته صفية ، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر "
الخاتمة ونتيجة البحث :
- لا يصح حديث " حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار "
- على طالب العلم مراعاة أقوال الأئمة المتقدمين ، والأخذ بعين الاعتبار أحكام أهل العلم ونقاد الحديث على الروايات المراد بحثها ، حتى لا تصطدم أحكامنا بأحكام أهل العلم ، وأن لا ندخل بسبب ذلك على الأحاديث الحسنة أحاديث لا تصح قد فرغ الأئمة من ردها .
- وجوب الرجوع إلى كتب علل الحديث المتخصصة والبحث عن أقوال أهل العلم ليس أمراً للتقليد وقفل باب الاجتهاد بل هو أخذ العلم من أهله ومعرفته من أربابه .
- لا يجوز الحكم على الكافر المعيّن بأنه من أهل النار ، إلا من مات على الكفر وعلمنا حاله قبل أن يموت مثل فرعون وهامان وأبي جهل وأمثالهم .
- من معتقد أهل السنة والجماعة أن لا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة.
- لا يعني التوقف في الحكم والتعيين على الكافر الميت بأنه من أهل النار أنه ليس بكافر ، بل كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر ، أما التعيين في أحكام الثواب والعقاب موكول إلى علم الله وحكمته .
- يجوز اللعن بوصف عام مثل :
لعنة الكافرين والظالمين والمبتدعة والفاسقين لأن المراد الجنس لا الأفراد .
- لا يجوز لعن الكافر المعيّن الحي أو الميت الذي لم يظهر من شواهد الحال أنه مات على الكفر أو الإسلام .
- تحريم لعن المسلم العاصي الفاسق أو الفاجر .
- عدم جواز لعن يزيد بن معاوية لأنه لم يثبت في حقه أنه كان مظهراً للفواحش كما ادعى المدّعون .
- لا يجوز نسبة المسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ، فالروايات التي ذكرناها لا يمكن الاعتماد على واحدة منها ، في اتهام يزيد بشرب الخمر وإباحة المدينة ، فالأمر يتعلق بعدالة خليفة المسلمين ، الذين كان فيهم العديد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان التحري وعدالة الشهود أساسية في إدانة أي شخص فما بالك في خليفة المسلمين في القرن المفضّل.
- عدم صحة إباحة المدينة ، وأن انتهاك الأعراض لا أساس لها من الصحة ،وتهدف إلى إظهار جيش الشام بأنه جيش بربري لا يستند لأسس دينية أو عقائدية أو أخلاقية .
- بل هذا الاتهام لا يقصد به الجيش الأموي فقط ، بل يتعدى إلى ما هو أعظم وهو اتهام الجيش الإسلامي بأنه بربري ، فإذا كانت مدينة المصطفى – عليه أفضل الصلاة والتسليم لم تفلت من البطش والنهب وانتهاك الأعراض - كما جاءت بذلك الروايات – فما بالك بالبلدان التي افتتحتها الجيوش الإسلامية لنشر الإسلام .
- عدم إنكار معركة الحرّة ، ولكن ننكر التضخيم والتهويل والكذب ، والتي ذكرتها بعض المصادر التاريخية .
- على افتراض أنّ يزيد كان مظهراً للفواحش ، فمن أين يعلم أنه ما تاب قبل الممات .
- في اللعن خطر جسيم ، وقد يفضي بصاحبه للمهالك ، بينما في السكوت النجاة .
- لا يجوز سب الأموات لأنهم أفضوا إلى ما قدموا ، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حينما سمع رجلاً شتم أبا جهل فقال : " لا تسبوا الأموات فتؤذوا به الأحياء " – سلسلة الأحاديث الصحيحة (2379) .
- لا يصح نسبة مقارفة يزيد للمسكرات وأنه ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويدع الصلوات ، فو الله لو رميت هذه الأوصاف بمجنون لكان أولى ولصدّقناها ، فكيف يعقل من خليفة للمسلمين في القرن المفضل الذين كان بهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تنسب إليه هذه الأوصاف القبيحة ، التي كان العربي الجاهلي يتعفف منها ، ويتنـزّهون منها ، فكيف يمكن أن يقع يزيد في مثل هذه العظائم ، ولِمَ لا يتزوج أجمل النساء وأفضلهنّ جاهاً ومكانة ونسباً ؟ ويعمد إلى الزنا بأمه وأخته وبناته ؟ فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم !
- الرواية التي نسبت للإمام أحمد بأنه يجوِّز لعن يزيد ، لا تصح فهي منقطعة .
- لا يجوز لعن الكافر المعيّن ، فمن باب أولى أن لا يلعن الفاسق المعيّن .
كتبه سعود الزمانان غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين .. اللهم آمين. |
|