| الإهداء والمقدمة | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:44 am | |
| الإحسان في سورة يوسف يغلب على السورة شعور الإحسان، وهو مراقبة يوسف وتقواه وإعراضه عن الشهوات، والعفو عن الظالمين، وجاء الجزاء على هذا الإحسان، متمثلا في الرؤى وتحقق تأويلها، والقوة بعد الضعف، والسيادة بعد الاسترقاق، والغنى بعد الفقر، والحرية بعد السجن، عبر مراحل ومشاهد السورة المتوالية! فالسورة تبدأ بإحسان يوسف لأبيه، إذ يحكي له رؤياه. وفي ذلك من البر والإحسان إلى الوالدين ما لا يخفى. ثم يظهر إحسان يعقوب لبنيه، إذ يخشى على يوسف من حسد إخوته، ويخشى على بقية بنيه من حسدهم له. كما يظهر في صبره الجميل عليهم وقوله: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ." (يوسف-18) كما يظهر إحسان الله تعالى ليوسف في قوله تعالى: "وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ" (يوسف-6) ويظهر إحسان العزيز له عندما قال لامرأته: "... أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً." ( يوسف- 21) وتصرح السورة بأن يوسف من المحسنين: "... وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ." (يوسف-22) ويظهر الإحسان في عدل الشاهد حين أثبت براءة يوسف، وعندما "... رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ." ( يوسف-28) كما تتجلى إحدى صور الإحسان في تقوى يوسف وعفته عن امرأة العزيز حين راودته عن نفسه: "... كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ." ( يوسف-24) ويتكرر التصريح بالإحسان حينما قال الفتيان: "... إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ." ( يوسف-36) كما يظهر في قول أحد الفتيين: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ..." (يوسف-46) وفي قول امرأة العزيز: "... وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ." (يوسف-51) كما يتكرر التصريح بالإحسان ويتجلى الجزاء في قوله: "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ." ( يوسف -56) ويظهر الإحسان في مشهد آخر، حين جهز يوسف إخوته بجهازهم، وسؤاله التقريري لهم: "... أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ." ( يوسف- 59) ويظهر إحسان يعقوب في مشهد آخر، عندما خاف على بنيه من الحسد، مع ما اقترفوه، حيث يقول: "يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ...." ( يوسف-67) كما يتكرر إحسان يوسف، حين "... آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ." (يوسف-69) ويظهر الإحسان في عدل يوسف: "قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ." ( يوسف -76) ويتكرر التصريح بالإحسان على لسان إخوة يوسف، حين "قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ." ( يوسف-78) ويتجلى الإحسان في موقف يعقوب حينما اتهمه بنوه بالجنون وأنه على وشك الموت، إذ يقول لهم: "... إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ." (يوسف- 86) ويظهر الإحسان في قوته وعنفوانه، عندما فاجأ يوسف إخوته، وألقى إليهم سؤاله قذيفة مدوية في وجوههم، حتى يلقنهم الدرس الذي لن ينسوه طول حياتهم، حيث يقول: "... هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ؟" (يوسف-89) حتى إن سؤاله لجلجهم وعقد لسانهم فجمعوا بين متضادين: السؤال والتأكيد: "... أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟" (يوسف-90) ويتكرر النص على الإحسان وجزائه بعد موقف الاعتراف: "... أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ."( يوسف-90) ويتجلى الإحسان في المشهد الختامي من السورة، في عفو يوسف الجميل عليه السلام: "قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ." ( يوسف- 92) ويختتم الإحسان أحد أبرز مشاهده في رأفة وعفو واستغفار يعقوب لبنيه مع ما فعلوه: "... قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ." ( يوسف-98) ويتجلى إحسان وبر يوسف بأبويه، وتقريره أن ما حدث كان نعمة وإحسانا من الله، وأنه كان مجرد نزغ من الشيطان بينه وبين إخوته: "... مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي..." (يوسف-100) وتختم السورة آياتها بالعبر والدروس المزلزلة التي تظهر جزاء الإحسان والتقوى، ولا يخطئها إلا من أغلق قلبه وسمعه وبصره دونها، إذ لو سمعتها الجبال، لوعتها!
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:46 am | |
| الحركة منهج إسلامي أصيل الناظر إلى فلسفة الإسلام كعقيدة، يجد هذه العقيدة ترتبط بالواقع الذي يعيش فيه الإنسان، والكون المحيط به. فهي عقيدة حركية واقعية، وليست فكرية أو نظرية مجردة. والإيمان لا يصح إلا إذا كان معه عمل. فهو ليس مجرد فكرة نظرية، أو عقيدة خلاص، أو اعتقاد قلبي مجرد من العمل. فالقرآن الكريم أول ما نزل، أمر نبي الله بالقراءة. بل ظل النبي يتعبد في غار حراء أشهر عدة قبل الوحي. وعندما تواتر نزول القرآن الكريم، كانت آياته تتواتر لتعالج قضية، أو تحل مشكلة، أو تعلق على حادثة، أو تحل أزمة، أو لتثبت المؤمنين في القتال، أو لتوضح أسباب هزيمة، أو لتكشف عن المنافقين، أو لتؤسس دعائم دولة، أو لتخط حدود سياسة، إلى غير ذلك من الأمور العملية في جوهرها. ومع هذا، فلا تكاد تخلو صفحة من صفحات القرآن الكريم من ربط الإنسان بآخرته، ووعد بالجنة أو وعيد بالنار. وارتباط الإسلام بالطبيعة وحركة الكون أمر ظاهر في آيات القرآن الكريم وفي التشريع. فدائما ما تربط الآيات الإنسان بالطبيعة والكون والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والحيوان والصحراء والريح والمطر. بل ربط الإسلام الصلاة والحج والصيام والزكاة -وهي أركانه الركينة بعد الشهادة- بالتوقيت الزمني، كما اعتمد في تحديد التقويم الزمني على القمر. وإذا نظرنا إلى السيرة النبوية، وجدناها تقوم على العمل، فلم يكفّ النبي عن العمل على مدار أيام وسنوات بعثته. وتلت حياته حركة الفتوحات الإسلامية ونشر العقيدة، وانطلقت حركة علمية مهدت الطريق لاكتشافات العصور الحديثة. يستلزم ما سبق إدراك طبيعة الإسلام وأنه فلسفة حركية تربط صاحبها بالحركة، وأن يربط المسلم نفسه بهذه الحركة، فيحافظ على الصلاة في المسجد، ويستيقظ لصلاة الفجر، ويشغل نفسه بحركة متواصلة، وعبادات وأعمال جديدة دائمة، يتفاعل فيها مع غيره، تجنبا للثبات الذي يستتبعه الخمول، واستنفارا لروح الجماعة، فلا يشذ أحد عن الطريق.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:46 am | |
| الشكر الشكر في اللغة هو العرفان بالإحسان، والثناء على المحسن بما أثناه من معروف. فهو ليس كلمة مجردة دون شعور عميق بها، ودون أن ينعكس على اطمئنان القلب ورضاه، ودون أن ينعكس على انفعالاتنا في حياتنا. ليس مجرد كلمة مع تسخط أو حسد للغير، لما يتمتع به من ظاهر النعم. ليس مجرد كلمة جوفاء تغلبها نقمة على القدر، أو استقلال رزق. يشعر الشاكر أن حياته لا تكفي شكر نعم الله عليه لو قضاها كلها شاكرا، ويستشعر نعم الله عليه في كل موقف أو مشهد، وفي كل مكان وآن. والشاكر لا يتطلع إلى ما في يد غيره. فإذا كانت لديه سيارة أو منزل، نظر إلى من لديه سيارة أصغر أو منزل أصغر، واستشعر شكر الله تعالى على نعمه، وحادث نفسه قائلا لها: ماذا لو أعطاني الله أقل مما أعطاني؟ ألا يكفي ذلك لشكر الله؟ وإذا لم يرزق الله الشاكر بأموال، نظر ذلك الشاكر إلى من دونه، وشكر نعم الله التي لا تحصى عليه. وإذا نظر إلى من ابتلاهم الله تعالى بالأمراض أو العاهات، سأل نفسه: أكنت قادرا على صبر هؤلاء إن أصابني ما أصابهم؟ ألا يكفي ذلك لشكر الله؟ إن الشكر شعور وامتنان في كل لحظة وفي كل حركة، في كل فكرة وفي كل سكنة! شعور يملأ القلب! حين تتناول الطعام في منزل مريح، لا تدري بأي شيء تشكر الله تعالى! أتشكره على الطعام أم المنزل أم العافية أم الستر أم البركة أم الغنى؟ وحين يسير الشاكر في الشارع، يشكر الله تعالى على تفضيله له على كثير من الناس من حوله. وإذا وجد من يملك سيارة أو منزلا أو متاعا أفضل مما يملك، لا يشعر بحسد أو سخط أو تذمر تجاه ذلك الإنسان! فهو لا يدري إن كانت تعاسته أو حتفه فيما ملك! فالشاكر يمتلئ شعوره ومشاعره، وتختلج نفسه وجوانحه بالشكر، حتى إنه لا يدري كيف ومتى وعلام يشكر الله! ولسان حاله ومقاله دائما يقول: لله الحمد على ما منح وما منع.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:51 am | |
| القمر صديقي النظر إلى السماء عالم وحده. أحببته دائمًا. ودائما أحببتها. حين تنظر إلى عالم السماء بقلب مفتوح، وروح شفافة، لا تملك إلا الارتباط به، والانتماء إليه. ولا تملك إلا أن يعمل عقلك، وأن ينشرح صدرك. تنظر إليها ليلاً، فترى بحرًا منيرًا، وتراها العروس، زينتها الكواكب، وتاجها القمر القسيم. وتنظر إليها نهاراً فترى صفوة الماء في علٍ. تنظر إليها عيناك، فكأن وجهك ينضر بمصافحة ذلك الماء. ترى فساحة الكون، فتشعر بضآلتك! تنظر، فينشغل عقلك باتساع الكون، ويسمو فكرك بسمو نجومه وأقماره، فتختلج عظمة خالقه جوانح نفسك. تستذكر ما قرأت عن بعد وحرارة وهول هذه النجوم والأفلاك، فلا يكاد الجنان يدرك ما قد يقول اللسان! وحين ينشغل نظرك بهذا الجمال الأخاذ لبديع الأكوان، يأخذ عليك بمجامع قلبك وبصرك وفكرك وروحك ونفسك وكيانك! أمّا القمر، فهو الصديق والرفيق! تنظر إليه شاهدًا عليك وصديقًا لك. يزين السماء وينثر نوره شعاعًا يصل إليك، يلامس شعورك قبل جسدك، ويلاطف روحك قبل بشرتك. يصبغك بطيفه، فكأنك اكتسيت بنوره، فامتزجت بالكون! تنظر إليه، فترى نوره وتذكر أنه صورة شعاع الشمس! وأنت وسط بين الاثنين، فيخيل إليك أنكم شموس ثلاث! وتذكر أنه من أجلك أنت سخر الله تلك الجرم، وجعل الشمس والقمر والنجوم تسبح في بحار، تراها عيناك، وتسبح فيها روحك، فتعقل وتخشع وتذكر رب هذا الكون. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:51 am | |
| إيقاع سورة القصص يغلب شعور الرهبة والخوف على إيقاع سورة القصص. يظهر الخوف منذ البدء: "إن فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ..." (القصص-4) ويظهر الخوف نصا قبل ولادة موسى عليه السلام، ثم بعد ولادته: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي" (القصص-7) "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا.." (القصص-10) كما يظهر في توجس وخوف أخته وتتبعها له سرا: "َقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ." (القصص-11) ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، بعد قتله المصري: "فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ..." (القصص-18) كما يشعر بالخوف عند تحذيره لأنه "الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ..." (القصص-20) وخلال هروبه من مصر: "فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ..." (القصص-21) وبعد أن وصل إلى مدين، هدأ خوفه: "لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ." (القصص -25) وعندما خاطبه ربه، قاله له: "يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ." (القصص-31) ثم قال إنه خائف على نفسه من القتل: "... قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ" وخائف من عدم تصديق قومه: "... إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ." (القصص-33) وعندما تطرقت السورة إلى كفار قريش، قالوا: "... إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً..." (القصص -57) |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:52 am | |
| تسلية النبي في سورة الأنعام كما أن موضوع سورة الأنعام هو التوحيد، فكذلك هو تسلية النبي! يظهر ذلك في تسلسل الآيات ومغازيها، وفي ضمير المخاطبة المباشرة للنبي، يتردد في جنبات السورة! تبدأ أولى آيات خطاب النبي، بافتراض أنه لو أنزل الله تعالى كتابا على المشركين، فلمسوه بأيديهم، لقالوا إن ذلك الكتاب سحر. فهم لا يريدون الإيمان! ثم تشير الآيات إلى رغبتهم في أن يكون الرسول ملكا من الملائكة، وإلى استهزائهم بالرسل من قبلك أيها النبي، فلست بدعا من الرسل. ثم تأتي 9 آيات متعاقبة من الآية 11 إلى الآية 19، تبدأ منها 5 آيات بكلمة "قل"، بل تكررت كلمة "قل" 10 مرات في هذه الآيات التسع! وفي ذلك تسلية واضحة وخطاب مباشر للنبي. وكذلك الحال في تكرار الأمر "انظر" ثلاث مرات، في السورة. ويتجلى لطفه تعالى بنبيه في قوله: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون..." (الأنعام-33) وقد للتحقيق وتفيد التأكيد. وفي الآية لمسة لطيفة لعلمه تعالى بسبب حزن حبيبه النبي، وأنه تعالى هو أعلم به. وتتضمن الآية نفسها تعقيبا مباشرا على سبب التكذيب الذي كان سببا في حزن النبي، وهو أن المشركين يجحدون بآيات الله، فليس لك أيها النبي من الأمر شيء. ثم تأتي مجموعة بديعة من الآيات الكريمة تبدأ من الآية 34 إلى الآية 39. وقد يبدو أن هذه الآيات تتحدث في موضوعات مختلفة. لكننا إن تتبعناها وجدنا أن إطارها يرسم لوحة بديعة مدادها تسلية للنبي. فالآيات تبدأ بأمر النبي إن كان كبر عليه إعراضهم، أن يقدم لهم آية من السماء أو الأرض. لكن هؤلاء موتى لا يسمعون! ثم إنهم يطلبون آيات، لكن الأرض والسماء تمتلئان بالآيات المتمثلة في الدواب التي يرزقها الرب المهيمن على الكون، فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وهكذا تسير الآيات تسلي النبي بالحجج الدامغة ليجابه بها المشركين، وتعرض مصير الأمم السابقة ومصير المكذبين، موجهة الخطاب إلى النبي مباشرة! فهؤلاء أيها النبي، ليسوا مغايرين لمن سبقهم، ولن يختلف مصيرهم عن مصير من سبقهم! |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:52 am | |
| خواطر من صلاة الفجر تسير الخطوات واحدة بعد أخرى! يسلي المؤمن نفسه راغبا: أهذه خطوة غفران السيئات؟ أم تلك خطوة رفع الدرجات؟ ثم يسائل نفسه خائفا: أم عسى الله يتقبل؟ أأنور من هذه الظلمة نور الدنيا؟ مالي أراها نورا؟ مالي أحبها وهي مكروهة؟ ألأنها الطريق إلى المسجد؟ ولأنها نور يوم القيامة؟ أبعد جمال هذه الصلاة جمال؟ أبعد ألق وقت هذه الصلاة ألق؟ وكأن الله تعالى ينادي عباده في هذا الوقت العزيز، ليختار من يأتيه، ويترك من يختار النوم! ليرى من يتحمل مكاره البرد في الشتاء، ويتحمل ترك وثير الفراش، ومن يستعد ويعد للقاء، ومن لا يأبه له! فالحبيب يجتهد سعيا للقاء حبيبه، وقد ينام مبكرا، أو يحبس نفسه سهرانا، حتى يلقى حبيبه في بيته. ألهذا الوقت رباط بالكون وهو ينشط في ساعته الأولى من الصباح؟ فمع هذا الوقت يتنفس الصباح، ويشرق الكون، وتنير الدنيا، وتتفتح الزهور، وتشقشق الطيور. وكأن المؤمن يرتبط بهذا الكون، يسبح لله معه، وتنسجم روحه مع الكائنات التي تسبح معه، ويستنشق عبير الصباح، وتداعبه نسماته، فيسلو همومه، وينسى غموم دنياه. إنها الصلاة التي تشهدها الملائكة! فقرآن الفجر كان مشهودا، والملائكة حاضرة معي في صلاتي وفي مسجدي. فإذا صليت كنت في ذمة الله! ومن كان في أمان الله، فلا خوف عليه. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:53 am | |
| روائع من سورة يوسف يغلب على السورة شعور الإبانة بعد الخفاء، واللقاء بعد الفراق! فوحي القرآن الكريم جاء بعد أن "كنت من الغافلين." ويظهر تأويل رؤيا يوسف في آخر السورة، بعد أن كان خافيا في أولها، حسب طلب يعقوب من يوسف إخفاء الرؤيا عن إخوته بقوله: "لا تقصص رؤياك..." كما يظهر تأويل رؤيا الفتيين في السجن، ورؤيا العزيز بشأن الإخصاب ثم الإجداب ثم الإخصاب، بعد أن كان تأويل هذه الرؤى خافيا. وعندما اجتمع رأي إخوة يوسف على إخفائه، وقالوا "لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ..." (يوسف-10) أوحى تعالى ليعقوب: "لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا..." وعندما كان يوسف في البئر، كان خافيا على السيارة، ثم تبينت شخصيته، وقالوا "يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ." ثم "أسرّوه بضاعة." أي أخفوه حتى يتمكنوا من بيعه، حين يظهروه. وعندما راودته امرأة العزيز، أخفت أمرها بتغليق الأبواب، ولكنه انكشف عندما "حصحص الحق..." وكانت شخصية يوسف خافية على نسوة المدينة، ثم لما ظهرت لهن "قطعن أيديهن،" بل إن طبيعته البشرية كانت خافية عليهن، فظنن أنه "ملك كريم." وعندما جاء إخوة يوسف له، كانت شخصيته خافية عليهم، لكنه "عرفهم وهم له منكرون." ولم تظهر شخصيته لهم، إلا عندما "قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ؟ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا." ( يوسف-89) وأمر يوسف بإخفاء "صواع الملك"، وبعد ذلك ظهر عندما "استخرجها من وعاء أخيه." كذلك غاب عن يعقوب بصره، ثم عاد إليه، كما غاب عنه يوسف وأخوه، خلال السورة، ثم عادا إليه في آخرها. فهذه الإبانة بعد الخفاء، وهذا اللقاء بعد الفراق، يرسمان لنا صورا من حكمة الله؛ فهو لطيف لما يشاء، وهو العليم الحكيم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:54 am | |
| علاقة الأب بأبنائه في سورة يوسف إلى جانب يوسف عليه السلام، يبرز بطل آخر في القصة! إنه يعقوب النبي المعلم الملهم لأبنائه؛ حيث تتجلى العلاقة الوثيقة - على تباين مستوياتها – بينه وبينهم! كما تتردد أصداء وتداعيات وتفاعلات هذه العلاقة في قلب القارئ قبل أذنيه. تبدأ العلاقة بذلك الود الذي يصل بالابن إلى أن يقص "رؤيا" على أبيه! كما يظهر مدى القرب والتلطف بينهما في نداء يوسف لأبيه "يا أبت" وفي رد يعقوب "يا بُني...". ثم هو يخشى على يوسف من حسد إخوته، مثلما يخشى على إخوته من أنفسهم، حيث يعلل طلبه عدم قص الرؤيا بأن "الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ". ويظهر صبر يعقوب على بنيه في أشد المصائب التي يمكن أن تواجه أبا يرى الدم على قميص ابنه، فلا يزيد على قوله: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ". ( يوسف-18) وعندما طلب منه بنوه إرسال أخيهم معهم لكي يكتالوا، قال لهم: "... فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ". ( يوسف-64) وفي ذلك درس يقين لم يستوعبه الأبناء في ذلك الوقت، فمع أخذ ابنه الثاني، لم يضعف يقينه في حفظ الله لأبنائه وأنه تعالى أرحم الراحمين. كما طلب الأب من بنيه: "مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ" ( يوسف-66) وفي ذلك الميثاق ما يعينهم على مقاومة حسدهم ونوازع أنفسهم! ولم يكتف بذلك، بل أشهد الله عليهم، فهو عَلَى "مَا نَقُولُ وَكِيلٌ". ومع ما فعلوه، وما أضمروه، كان يخشى عليهم الحسد: "لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ...". كما يعلمهم درسا في التوكل على الله والإيمان بقضائه: "... ومَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ".(يوسف -67) ويكرر عليهم درس اليقين، لكنه درس أقسى من سابقه، وهو في حال أشد من سابقتها، ومع ذلك، فلم يزد على أن يتحول عنهم: "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ". بل عندما اتهموه بأنه على وشك الموت وفقدان عقله، قال لهم: "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" ( يوسف86) وفي هذا من الصبر والود والبر ما سوف يتعلمونه منه ولو بعد حين. ودرس مباشر آخر في اليقين: "ولا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ". ويتكرر درس الصبر واليقين ويضاف إليه درس العلم بالله في قول يعقوب: "إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ"، وفي قوله: "أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ؟" وتسدل السورة أستارها باستغفار يعقوب لبنيه، وسرد العبر والدروس، ومنها صلة الرحم والصبر على ذوي الرحم مهما بلغت أفعالهم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:54 am | |
| غض البصر كثيرا ما يواجه الشباب في مجتمعاتنا مشكلة غض البصر، حيث ينتشر التبرج بين الفتيات والسيدات في معظم المجتمعات العربية والإسلامية. ولا شك أن ذلك يمثل عبئا نفسيا هائلا على هؤلاء الشباب. ففي أي مكان يذهبون إليه يجدون فتيات متبرجات! فيعيش هؤلاء الشباب حالة من التناقض بين ما يأمرهم به دينهم وما يجب أن تكون عليه المجتمعات الإسلامية من ناحية، وما يعيشون فيه من واقع أليم في كل يوم وساعة. ولكي يتغلب الشباب على هذه المشكلة فإن عليهم اتباع الوسائل التي من شأنها أن تخفف عنهم هذا العبء. أذكر أن أحدهم كان شابا متدينا وسيما، وعندما كان يذهب إلى الجامعة كان يستقل المواصلات العامة، فيتعرض لمعاكسات الفتيات أو يتعرض للحرج بجلوسهن إلى جواره فكان يضع أي كتب أو ملفات معه كحائل بينه وبينهن. ولأنه لم يكن يملك ثمن سيارة، اشترى دراجة نارية حتى لا يتعرض لهذا الحرج. وكان لا يتحدث مع الفتيات المتبرجات في الجامعة، ويجلس في آخر مقعد حتى لا يكون إلى جوار أحدهن. وعندما يرد في الحديث "عليكم بالصوم"، فإننا نفهم من ذلك الحث الشديد على الصوم إلى أقصى مدى يمكن تحمله. فإن استطاع الشاب أن يصوم كل يوم لدرء شهوته، استحب له ذلك. وتثبت التجربة أن المداومة على الصوم وممارسة الرياضة والمواظبة على العبادة، تحد من الرغبة لدى الشباب وتعينهم على غض البصر، وتساعدهم على القرب من الله بالصلوات وقيام الليل. وقد وردت أوامر كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية بغض البصر، فلا مجال لحرج أو قبول هذيان من لا يعلم، أو من يخالفهما ويدعي أنه يعلم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:55 am | |
| كيف يفتح القرآن القلوب والعقول "قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) ( الأنعام) تربط الآيات الإنسان بالكون كله في بعديه المكاني والزماني. تربطه بخالقه وبمكنون نفسه الذي لا يعلمه إلا الله. تبدأ بالحمد لله خالق الكون، وفي ذلك من الإشارات ما نعجز عن إحصائه، بله إدراكه. ثم تربط الإنسان بالرسل، وفي ذلك تعريف للبعد الزماني لهذا الكون والعقيدة التي يحملها ذلك الإنسان. فمن شأن المؤمن أن يشعر برباط يشده إلى الرسل وإن بعثوا قبل آلاف السنين. فكيف بناظري الإنسان وقد فتحت لهما نافذة تمتد آلاف السنين؟ فتأخذ بيده إلى عدد غير محصور من هؤلاء الرسل عباد الله الذين اصطفى. ثم تأخذ الآيات بمدارك الإنسان إلى البعد المكاني، إلى الأرض والسماء وما فيهما من معجزات نراها صباح مساء. وفي المقابلة بين السماء والأرض تماثل بين رسالة السماء ورسالة الله إلى رسله، وتماثل بين الأرض والإنسان وصراعه عليها. ثم تقتحم الآيات أعماق النفس البشرية وتذكّر المضطر بإجابة الدعاء. فإذا نحن بالتذكرة وكأنها مشهد بث مباشر ينقل إلى قلب الإنسان معجزات السماء والأرض والحدائق ذات البهجة ونبت الشجر وسيل النهر لا يخالطه ماء البحر، وفوق ذلك منظر شهوق الجبال، كما ينقل أبعاد الكون الزمانية الماضية والحالية، فيقتحم البث المرئي والبث المحسوس كلاهما قلب الإنسان ويذكره بلحظة موته واضطراره حين يلبي بعد الكفر والجحود نداء الهدى والإيمان، مع كبريائه التي تغلف قلبه القاسي، فعسى يوما أن يلين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:55 am | |
| لماذا قيام الليل؟ نتلو آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث على قيام الليل، وتبين فضائله وثمراته. فلماذا يكون لقيام الليل هذه الضرورة؟ ولماذا تكون له هذه الثمرات دون غيره من العبادات؟ لأن قيام الليل يمثل أوثق صلة للمؤمن بربه. وعلى قدر هذه الصلة ووثوقها، يستمد المؤمن طاقة هائلة، تنعكس على جميع مناحي حياته، وشخصيته، وجسده، وقلبه، وروحه. فعندما يتحقق أثر قيام الليل من تخفيف الذنوب، وبرء الجسد من العلل والأمراض، يخف الجسم، فتخف الروح، وينشرح الصدر، وتتساوق الروح مع الجسد. وعندما يختلي المؤمن بربه في سحرة الليل الساجية، يجتمع قلبه وعقله وروحه على إخلاص الذكر والدعاء، فتكون الإجابة أقرب وأرجى، ويتحقق القرب المكاني بالسجود، والقرب الزماني بالسحر. وكلما اقترب المؤمن من مصدر القوة المطلقة، واختلى بمدبر الكون، ومالك الأمر، ومصرّف الأسباب، ومقلب القلوب، ومقسم الأرزاق، ومجري السحاب، ومذلل الصعاب، استمد القوة، واستمد العون، وحصّل زاد الطريق، فلا يكاد يصعب عليه شيء. وعندما يقوم المؤمن بالليل، يتقمص آيات القرآن، ويعيش حياة الأنبياء ومواقفهم وكرباتهم، فيستشعر الآيات وتتمثل في ضميره حية، ويعيش مواقف نزولها مشاهد ناطقة، تتجسد في وجدانه، ويستشربها كيانه، ويحيا بها. يعيش مع نبينا في غزوة بدر، ويعيش البشارة قبل النصر، وفرح المؤمنين الفقراء المهاجرين بالنصر على صناديد قريش. ويعيش نزول الملائكة تقاتل في ساحة المعركة، ويمس رذاذ المطر بشرته، مثلما ربط على قلوب الصحابة قبيل القتال. ويعيش أحد والأحزاب والحديبية، فيأسى ويفرح، ويترح ويبهج، ويجزع ويجذل، ويشجى ويحبر. ويعيش مع إبراهيم يواجه قومه ويحطم أصنامهم، ويلقى في النار محتسبا عند الله، ويعيش معه وهو يذبح إسماعيل، ويجوز محنة بعد أخرى، ويبني البيت! ويعيش مع موسى وما عاناه من قومه، ونصره على فرعون وملئه. ويعيش مع عيسى ونوح ويوسف وسليمان، وذلك الرهط من رسل الله الكرام. يوثق المؤمن قلبه ويحزمه بحبل السماء، أفلا يهون عليه أمر الأرض؟ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:56 am | |
| مفهوم الهداية "لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" ( النور46) إنه الله وحده. هو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.. إنها ليست المعرفة! ليست الفطنة! ليس الذكاء! ليست البراعة! ليس العمل الصالح! ليس جهدك! ليس رأيك الصواب! ليس علمك! ليس عملك! لا شيء يهديك. إنه الله وحده هو الذي يهدي من يشاء! ليست صدقتك، وليس قيامك بالليل، وليس عملك الصالح! ليس تحزبك لحزب أو شيخ أو فئة! لا شيء من ذلك يفيد! فكم رأينا من علماء زاغت بهم الطريق! وكم رأينا من نبهاء نكبت بهم السبل! إن الهداية مفهوم أكبر من أي عمل! مفهوم أكبر من أي إنسان! مفهوم يتخطى حدود الفهم والإدراك. يتخطى حدود الزمان والمكان! مفهوم يتخطى حواسنا نحن البشر! مفهوم لا يحيط به إلا من يهدي إليه سبحانه! فالله تعالى يعلم منك ما لا تعلمه أنت عن نفسك! يعلم ما يهديك وما يضلك! ما ينفعك وما يضرك! يعلم ما يبعدك وما يقربك! ما يحزنك وما يسعدك! إن الأعمال لا توزن بميزان البشر! ولا توزن التسبيحات بالعدد! ولا توزن الصدقات بالثمن! ولا تحسب الصلوات بطولها، ولا الأذكار بتكرارها! الله وحده هو الذي يزن ويقيس ويحاسب. هو الذي يفاضل ويمايز. هو الذي يباعد ويقارب. قد تهديك بسمة لطفل صغير لا تذكرها! وقد تهديك كلمة حق نسيتها! أو كلمة صدق اعترتها خطى النسيان! قد يهديك سرور خفي في قلبك لخير دخل على صديق! وقد تهديك سعادة شعرت بها لغيرك لم تنل منها حظا! بل قد تهديك كلمة لم تقلها. عفّ عنها لسانك وأنت محق مظلوم! وقد يهديك شيء لا تعلمه من نفسك! فقد هدى الله البغي بعد أن سقت الكلب، وهدى القاتل بعد أن قتل المائة! وأبعد عم النبي وأبعد جده! وقد تهديك ركعة أو دمعة! الهداية شعور في القلب لحظة سجود وبكاء واقتراب! الهداية دعاء يتحقق! أو دعاء منه تتيقن! الهداية نجاء عبد من النار على يديك! الهداية أمان تدخله على فؤاد مرعوب، أو سرور تدخله على قلب مكلوم! لقمة تطعمها لجوعان. صدقة سر لم ترها عينان! الهداية رؤيا تنقلك من دنيا الناس إلى دنيا الروح! الهداية رسم لبسمة أمل على شفتي فقير كاد أن ينساه، أو مكدوح لم يسلم من الأذى، أو بسمة فرح ترسمها على شفتي صغير. الهداية سبيل نحتاج إليه في كل آن وآن، ودعاء ندعو به في كل صلاة: "اهدنا الصراط المستقيم". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:56 am | |
| الغربة الغربة الحقيقية لا يحدها زمان أو مكان! فقد يكون الإنسان غريبا في بيته، وفي بلده، ووسط أقربائه وأقرانه! وقد يكون غريبا في فتوته وشبابه! يشعر الغريب بغربته حين تختلف طبائعه، وأفكاره، وتصوراته، ومعاييره، ورؤاه، ونظراته عما يسود حوله! فإبراهيم عليه السلام كان في وطنه وبين قومه، وفي ريعان شبابه، ومع ذلك، كان غريبا. وكذلك كانت حال معظم الرسل وطلائع الأمم. وتشتد الغربة عندما يسعى الغريب إلى هدم ما يخالف الصواب من تقاليد أو أفكار أو أخلاقيات! فهو لا يشعر بالغربة فقط، لكنه يجابه حربا لا هوادة فيها، تهدف إلى إفنائه أو إذابته فيما يحيط به من معتقدات يدين بها من حوله. وفي واقعنا المعاصر، تتعقد وتتنوع أنواع الغربة، لما نشهده من تعقد الأفكار وتشابكها واختلاطها وتشعبها، ولما نشهده من تباين في المعايير وتيه في الأفكار، ولما نراه من تنازع وشقاق، وهدم للقيم، والثوابت الدينية، والمفاهيم الربانية! ففي الأسرة الواحدة، قد تجد الرجل مسلماً ربانياً، وأخاه ملحداً لا يدين بدين! فهذا غريب عن ذاك! وقد تجد المرأة غاية في العفة والالتزام الديني، وأختها تمتهن الرقص والتعري! فهذه غريبة عن تلك! لكن الله وصف المؤمنين بأنهم أولياء بعض، وأنهم أذلة على غيرهم من المؤمنين! فحين يتخطى وجدان المؤمن الزمان والمكان، يتصل بأوليائه من المؤمنين وإن بعدت بينهم المسافة، وباعد بينهم الزمان! فلا غربة بينهم ولا اغتراب! |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:57 am | |
| العناية الإلهية في سورة يوسف ليست العناية الإلهية أن تعيش مترفا، لا تحزن ولا يثقل كاهلك شيء، ولا تتعرض لضروب المحن! فها هو يوسف في سن صغيرة، يُعرض على فتن الحقد، والمكر، والأسر، والاسترقاق، والبعد عن أسرته. ومع هذا، كانت عناية الله تحوطه برؤيا يقصها على أبيه، يعلم أن لها ما بعدها! ومع اشتداد يوسف، واشتداد صروف الدهر عليه، تتبدى العناية الإلهية به أكثر فأكثر، فيؤتيه الله حكما وعلما. وعندما تجشّم مراودة امرأة العزيز ونسوتها، رأى برهان ربه، وثبتت براءته على لسان شاهد من أهلها! بل بلغت العناية الإلهية به، أن جعلته "يحبّ" السجن على المعصية! وعندما كابد ألم السجن، آنسته العناية الإلهية بصحبة الفتيين، ودعوته لهما، وتفسيره لرؤياهما! ولا تأتيه العناية الإلهية بالنصر إلا في أقسى أوقات المحن، بعد السجن لبضع سنين! يأتيه ذلك النصر، وقد اطمأن إلى تلك العناية، يشاهدها بقلبه قبل عينيه! فلا يسرع إلى الخروج قبل ثبوت براءته! وترتدي العناية الإلهية أبهى حللها، وترتسم في أجمل صورها، عندما يأتي التمكين وحكم مصر من تفسير "رؤيا"! فها هي العناية الإلهية تقول: سآتيك من أي سبيل، وبأي صورة، فلا عليك سوى استحقاقها! وعندما جاء البشير، يلفت يعقوب نظر أبنائه إلى تلك العناية، فيقول: ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون؟ فليست العناية الإلهية أن يسلم المؤمن من الأذى! لكنها أمعن من ذلك وأبعد! هي لطف الله بعباده، فالله لطيف لما يشاء، وهو العليم الحكيم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:58 am | |
| بلاغة الكلمة القرآنية يتجاوز القرآن الكريم بلاغة نظم الكلمات والجمل والفقرات، إلى بلاغة الكلمة ذاتها! ومن ذلك، كلمة (أنلزمكموها). ففي بناء هذه الكلمة من التعقيد وتكرار حروف الضمائر والاستفهام وتركيب هذه الحروف بعضها على بعض، ما يشعر القارئ بذلك الإلزام. وفي كلمة (اثاقلتم) يشعر القارئ بذلك التثاقل وطوله وبطئه وثقله، لتضعيف حرف الثاء ووجود حرف الألف قبله وبعده، ثم تختتم الكلمة بحرف الميم وما يوحيه بسكونه وانطباق الشفتين عند نطقه بنهاية ذلك التثاقل وهو السكون والامتناع عن الحركة. وكذلك كلمة (ليبطئن) وما يوحيه التوكيد في حرف اللام، تم التشديد في حرف النون من عزم على التباطؤ وإصرار عليه. بل إن نطق الكلمة في ذاته بطيء، حيث إن مجيء التشديد في آخرها، يجعلها وكأنها لا تريد أن تنتهي، فهي كلمة بطيئة توحي أحسن ما توحي بالبطء. وفي كلمة (يصطرخون) لا يكتفي بمجرد كلمة "يصرخون" بل يضيف حرف الطاء إلى الصاد، وهما من حروف التفخيم، ويضافان إلى حرف تفخيم آخر في الكلمة، وهو ما يزيد من فظاعة وهول الصراخ، مع حرف الراء يتوسط بينها فيضيف عنصر التكرار ليوحي بتكرار الصريخ. وفي كلمة (كبكبوا)، نلاحظ الكاف ثم الباء، ثم الكاف ثم الباء! فهذا التعاقب والتكرار يصور الكبكبة أحسن تصوير، فيراها القارئ كما يتلوها. وفي كلمة (أتحاجوني) مد بست حركات، ثم مد بست حركات، وكل ذلك يعكس طول المجادلة وصعوبتها. ومثلها كلمة (وحاجه قومه)، وكلمة (ها أنتم هؤلاء حاججتم). وفي سورة الناس، تكرر حرف السين عشر مرات في ست آيات، وهو حرف همس يعكس همس الوسوسة وخفاءها. ولا تكاد تخلو آية أو سورة من هذه البلاغة القرآنية البديعة، التي تقطع بأن القرآن الكريم ليس قول البشر. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:58 am | |
| المشاهد في سورة يوسف ترسم السورة لوحة كبيرة تُعرض في مشاهد متوالية. ونلحظ براعة الاستهلال في تلخيص السورة للقصة كلها في آية واحدة، هي آية الرؤيا، وهي أول المشاهد. وفي مطلع السورة، ينتقل المشهد من حديث الأبناء بعضهم بعضا، إلى مشهد خطاب أبيهم، مباشرة، ثم ينتقل المشهد من جريمتهم إلى الأسر. وفي قوله: "ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" ( يوسف38) نلحظ تحول الخطاب بين الأبناء، إلى حديث مباشر موجه إلى يعقوب ورده عليهم، فانتقلت السورة من مشهد إلى مشهد، ومن مكان إلى مكان، ومن خطاب إلى خطاب، ومن زمن إلى زمن، ومن حال إلى حال، دون أي فواصل زمنية! وتتوالى المشاهد المتتابعة في سلاسل؛ فتحوي سلسلة مشهد المراودة، ومشهد اكتشاف السيد، وشهادة الشاهد، ثم مشهد النسوة. وتبدأ سلسلة أخرى من المشاهد، من مشهد السجن، والرؤى فيه، وتفسير هذه الرؤى، ودعوة يوسف لأصحاب السجن، وتنتهي بخروجه بعد تأويل رؤيا الملك، وثبوت براءته. ثم تبدأ سلسلة مشاهد يوسف وإخوته بعد أن مكن الله له في الأرض. وتضم السلسلة الأخيرة مشاهد لقاء يوسف وأبيه، وتختم بمشهد الدعاء، قبل أن تختتم السورة بسرد العبر والدروس. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:59 am | |
| بلاغة القصة القرآنية ليست القصة القرآنية سردا تاريخيا أو حكايا مجردة، بل تُعرض كمشاهد نابضة مفعمة بالحياة، يراها القارئ بعينيه، ويستشعرها بقلبه ووجدانه، إذ ينطق بها لسانه! وما إن ترتسم صور المشاهد، وتنطبع شخصياتها، وتصدر موسيقى إيقاعها، وتحيا القصة في وجدانات قارئها، وترتفع إلى آفاق فوق آفاق، حتى تثور العواطف والانفعالات، فيتمثل أحداثها، ويعيش مواقفها، ويتقمّص شخوصها. فها هو القارئ يتمثّل دور إبراهيم فتى وحيدا، يدعو قومه، فيطرح في النار معه. وها هو يستشعر أزمة مريم، فيعيش موقفها، ويحس بخلجات روحها. وها هو يعدّ نفسه فتى من فتية الكهف، ويحيا حياة يوسف، فيتعلم الإحسان! وكل كلمة ترسم حركة! كما تتمثل بلاغة الإبداع الإلهي للقصة القرآنية في أن الهدف الأسمى لها، ليس الشخوص، أو التفاصيل، أو الإمتاع، أو الحكي، بل استخلاص العبرة والدرس، حتى إنها لا تحدد أسماء أو تخط أماكن، بل قد تتركها حتى النهاية - غير معروفة. كما تُستخدم القصة في رسم ملامح الشخصيات رسما مبدعا؛ فكأننا نشاهد شخصيات إبراهيم، وموسى، ونوح، ويوسف –على اختلافها– أمام أعيننا، حية نابضة بكل حياة، نعيش معها، وتعيش معنا. وتصوّر القصة من خلال أحداثها وإيقاعها الحوار والمجادلة، في صور حسية واقعية متحركة كأنها مشاهد لحظية نراها أمام أعيننا، مثلما ورد في قصة طالوت، وحوار موسى وفرعون والسحرة، وحوار المستكبرين والمستضعفين، وحوار أصحاب الجنة وأصحاب النار. وترد القصة تعقيبا على الأحداث الكبرى والمحن العظمى، فترسم الطريق، وتصوغ الأخلاق والعقائد والمفاهيم؛ مثلما وقع في غزوات بدر، وأحد، والأحزاب، والحديبية، ومثلما حدث مع المخلفين الثلاثة، وفي حادثة الإفك، وغيرها. فالقصة القرآنية لا تحكي حكاية، بل تُحكم عقيدة، وتُنشئ واقعا، وتُؤسس مجتمعا، وتَرسم موطنا، وتُرسخ بنيانا، وتَضع منهجا، وتهذب نفوسا، وتَبعث رُوْحا. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 7:59 am | |
| يقين أم موسى هل يعقل أنها إذا خافت عليه، تلقه في اليم؟ بعد حملها له شهورا تسعة كاملة، تنتظره بشوق حينا وحينا بخوف، ولربما تمنت لو لم يخرج إلى هذه الدنيا إنْ كان ذكرا؛ فهي تعلم مصيره الذي يؤول إليه. هذي هي حال أم موسى: ضعيفة، لكن بيقينها قوية، فقيرة، لكن بيقينها غنية، عاجزة، لكن بيقينها، يجعل الله لها مخرجا! ثم تضع الأم وليدها، ويرتجف قلبها، ولا تدري ما يحدث لها. أيُعقل أنْ تُحرم من وليدها، وهي التي لم تقر به عينها بعد؟ يعتصرها الألم والخوف، وتسكن قلبها مرارة الانكسار لأنَّها في أقسى حالات الضعف البشري أمام ذلك الطاغية. ولكن القلب المؤمن مهما اعتراه الخوف والألم، ومهما شعر بمرارة الانكسار وضعف الحيلة، لديه إله مقتدر يلجأ إليه ويبكي بين يديه، يوقن به، ويتوكل عليه، ويسلم أمره إليه. ويستجيب الله لدعائها، فيوحي إليها أنْ تقذف وليدها في اليم! وما بين سيف فرعون ومخاطر اليم عالم من الخوف يعتري قلب الأم، ولكنَّ الخوف يتبدد في لحظة احتضان اليقين في الله لقلبها، ويحمي الله نبيه ويلتقطه آل فرعون ليُربَّى في أعظم قصور مصر! تطمئن الأم على وليدها، ويعجز اللسان عن شكر ربها، ولكن يبقى اختبار آخر، وألم لا يعرف مداه سوى أمّ قُدر لها أن تُحرم من صغيرها الذي لم ترتو من حبه بعد! تشهد تلك اللحظة الحرجة التي تضيق فيها الأرض بما رحبتْ على أم موسى، انبلاج فجر اليقين، وتتغير في لحظة واحدة كل مجريات الأمور، فلا يقبل الرضيع غير ثدي أمه بديلا، فيرده الله إليها، ويقر به عينها، ويبدل حزنها فرحا، وخوفها أمنا، وشقاءها سعادة، واضطرابها سكينة، ويحفظ لها وليدها، بعبادة اليقين! |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 8:00 am | |
| كيف نكون مسلمين الإسلام هو الاستسلام لله وحده. فالمسلم يستسلم لمنهج الله وأوامره! ولا يكون للمسلم رأي يخالف مراد الله. وكفار قريش وإبليس لم يكونوا منكرين لوجود الله أو أنه تعالى خلق السماوات والأرض، ولكنهم كانوا رافضين الاستسلام له والإقرار بأن له الأمر والنهي. وفي عصرنا الحاضر، زادت دعوات الإلحاد، وإنكار كلمة الله في حياة الناس. وهذا هو منطق إبليس، ومنطق مشركي مكة والمشركين في كل زمان ومكان. فلم يكن لدى هؤلاء مانع من الاعتراف بالله خالقاً ورباً للكون، لكنهم كانوا ينكرون كلمة الله عندما تعارض ما يكون لهم من رغبة، أو بغية، أو نهمة، أو ميل، أو قصد. وإذا كان إبليس يقف أمام الله تعالى ويتلقى أمره مباشرة، فإنه ليس منكراً لوجود الله، لكنه لم يسلم، ولم ينقد لأمر الله، حيث غلبته رغبته على مراد الله. وقد أصبح كثير من المسلمين غافلا عن هذه الحقيقة، فقد لا يمتنع من صيام أو أداء صلاة، بل ربما ألزم نفسه بالصلاة في المسجد أو بترك لحيته، اقتداء بالنبي، لكنه لا يستسلم لله فيما يرغب أو يهوى، وهو قادر عليه! ثم نتساءل لماذا تشيع موبقات الكذب والغش والخيانة والحقد في جنبات هذه المجتمعات الخربة التي تدّعي الإسلام اسماً، ثم هي تنساه فعلاً! وتزداد شناعة ذلك التناقض وقباحته إذا كان ممن يتلون بلون ديني! ذلك أن غيره يتوسم فيه مطابقة قوله فعله! فإذا به يفجأ ويفاجئ من يخبر حقيقته بتلك الهوة الغائرة بين ما يقول وما يفعل، بين ما يبدي وما يبطن، وبين ما ينتظر منه وما يصدر عنه! وإذ ينعدم فهمنا لمعنى إسلامنا وهويتنا، نشرد – كما نشرد الآن – وتتقاذفنا الأمواج، ويسحقنا الأعداء. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 8:00 am | |
| محمد نبي الشورى "وشاورهم في الأمر" (سورة آل عمران 159). توجيه رباني لمحمد؛ نبي آخر الزمان، بأن يعتنق مبدأ الشورى في حياته، وهذا ما كان عليه النبي بالفعل. رغم مكانة النبي عند ربه ومكانته بين أصحابه، إلا أنه كان يشاور من حوله دوما في مختلف الأمور. لم يكن يأخذ برأيه فحسب، بل كان يقدم رأي من حوله على رأيه لو اتفقت عليه الأغلبية، وكان هذا الرأي لصالح الأمة. وأوضح دليل على ذلك كلمة النبي المشهورة: "أشيروا عليَّ أيها الناس." حين أراد الخروج إلى غزوة بدر، قال المقداد بن عمرو بكلمات خالدة: امض بنا يا رسول الله لما أمرك الله، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فاستبشر النبي خيرًا، وتوجه إلى الأنصار يطلب رأيهم، فنطق سعد بن معاذ -رضي الله عنه- بأعظم كلمات، بايع فيها الله ورسوله على التضحية من أجل دين الله. قال سعد: امض بنا يا رسول الله، فوالله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، إنا لصُدقٌ في القتال، صُبُرٌ في الحرب، ولعل الله يريك منا ما تقرُّ به عينك. فزاد فرح النبي واستبشاره، فانطلق بأصحابه ليقاتل أعداء الإسلام في غزوة بدر الكبرى. (تاريخ الطبري). ومشاهد الشورى في حياة النبي مع من حوله عديدة، منها على سبيل المثال ذلك المشهد الذي دارت أحداثه يوم غزوة بدر، حيث رأى النبي أن يعسكر المسلمون في مكان معين، بينما رأى الحباب (أحد الصحابة) خلاف ذلك، فما كان من النبي القائد إلا أن استجاب لهذا الرأي، لما رأى فيه من مصلحة وخير للجيش. ولم تكن هذه المواقف هي الوحيدة التي تبين لنا قيمة الشورى في حياة النبي، يل كانت الشورى مبدأ عاما يسير به النبي في دربه. وكانت الشورى صفة أصيلة من صفات النبي. فعن أبي هريرة ـرضي الله عنه- قال: "ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله." (رواه الترمذي). فها هو النبي صلى اله عليه وسلم يستشير صحابته في أسرى بدر، فيقول: إن الله أمكنكم. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: يا رسول الله، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه رسول الله. فقال أبوبكر -رضي الله عنه: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. (رواه أحمد). وإن كان هذا الحديث يحمل من الرحمة معاني رائعة، إلا أنه في الوقت ذاته ينطوى على معان عظيمة تندرج تحت بند الشورى. وفي غزوة أحد، لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج لقريش خارج المدينة، وأراد التحصن بها، ولكن الشباب من المسلمين أرادوا الخروج لملاقاة قريش، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ترك رأيه وأخذ برأيهم. وفي لمحة أخرى من لمحات الشورى، نتعلم أهمية هذا المبدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، حين أخذ برأي سلمان الفارسي في غزوة الخندق. وفي صلح الحديبية، كان النبي قد عزم على الخروج إلى مكة، والصحابة يحلمون بعمرة يزورون فيها بيت الله الحرام. فلما علموا بالصلح، حزنوا ورفضوا الانصياع لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم بذبح الهدي والحلق، فأشارت عليه السيدة أم سلمة بأمر أخذ به، وكانت الشورى سببا في نجاة الصحابة من غضب الله عليهم لعصيانهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحين كان الرسول داخلا مكة فاتحا لها، أشار عليه عمه العباس بأن يجعل لأبي سفيان مقاماً، لحبّه للفخر، فاستجاب له وقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ولقد كان النبي يحث على اتخاذ مبدأ الشورى في كل مناسبة تستدعي ذلك، فكان يقول: "إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه." (رواه ابن ماجه). وقال صلى الله عليه وسلم: "من استشاره أخوه المسلم، فأشار عليه بغير رشد، فقد خانه." (رواه أحمد). والشورى التي يحثنا النبي عليها، تتحقق من ورائها أهداف عظيمة، كما علمنا النبي، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، حين تنتشر فيه الديمقراطية، ويبتعد عن الفردية في اتخاذ القرارات. وهي وسيلة للكشف عن الموهوبين فكريا، ومن بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الطارئة، كما ظهر لنا في غزوتي بدر والخندق، مما يفتح الباب لاستثمار هذه المواهب والطاقات الفكرية، والاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع. وحين تكون الشورى أمرا إلهيا وأمرا نبويا، فلا بد أن هذا المجتمع، إن تمسك بهذا الأمر وسار على دربه، سيحوز التوفيق والنجاح. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 8:01 am | |
| التوحيد في سورة الأنعام تبدأ أولى كلمات السورة بقذيفة مدوية ساحقة لمنطق المشركين السمج؛ فمع أن الله خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور؛ فإنهم بربهم يعدلون! وسميت بالأنعام لأن الأنعام موضوع الشرك المنافي للتوحيد، وموضوع حق التحليل والتحريم الذي ينتحلونه لأنفسهم من دون الله. ولأن الأنعام كانت عصب الاقتصاد في قريش، ندرك أن الاقتصاد -مثل كل مناحي الحياة- يخضع لتوحيد الله! وفي سبيل إرساء التوحيد وإقراره، تطوف السورة بالقارئ في عالم من المشاهد الكونية؛ على مستوى تصحيح أفكار المشركين، وتحفل بالدلائل التي تسوق الناس سوقا وتقود زمامهم إلى الله، وتفتح الأبصار على براهين التوحيد الشائعة في ملكوت الله، والروائع التي بثها هنا وهناك، فتمضي في تفنيد الشبهات، وتلفت القلوب إلى مطالعة آيات الله في الأنفس والآفاق، وتستثير الفطرة، وتخوّف من الآخرة! وتؤسس السورة عقيدة التوحيد على النظر العقلي المتأمل في الكون وما فيه من أفلاك ونبات، وتسوق الحجج والبينات؛ فتعرض مشهد مجادلة إبراهيم لقومه وطوافه بهم في سياحة فلكية كونية، إذ ينتقل من الاستدلال بالكواكب على مكوكبها. كما يحثّ المنطق القرآني المنير عقل الجاهلين الجامد على أداء عمله الذي خلق له. وهل صدر الجاهلون في تصلبهم وانتكاس فطرتهم، إلا عن عناد نفس، وجمود فكر؟ كما ترسّخ السورة عقيدة التوحيد مستدلة بالنظر إلى التاريخ البشري، وتقرر أن الله الواحد أهلك أقوماً وأحيا آخرين، وتدعو المشركين إلى التفكر في عاقبة المكذبين من الغابرين. وتعرض تاريخ الرسل مع أقوامهم؛ وكيف أرسلهم الله داعين إلى التوحيد منذ نوح إلى محمد. وتزلزل السورة كبرياء المشركين المريضة، وتحرّك حسهم الغليظ، وتقرعهم وتوبخهم، لتدفعهم دفعا إلى التفكر والتأمل؛ وتعريهم أمام أنفسهم؛ "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون." ( الأنعام 33) وتسوق السورة البرهان تلو البرهان؛ فتصدر الأمر "قل" 44 مرة، وتستحضر يد القدرة الإلهية المطلقة، فتكرر الضمير "هو" 39 مرة. وبعد أن يسبح العقل ويجول في ملكوت الله بين أجرام وأفلاك، وماض وحاضر، ورسل وأقوام، وزرع ونبات، وحبّ ونوى، وجنة ونار، وظلمة ونور، وأرض وسماء، وسراء وضراء، ونفع وضر، وليل ونهار، وغيب وشهود، وسر وجهر، وتصديق وتكذيب، ودلائل ومعجزات، إذا به يعود وقد نفض عنه غبار الغفلة والصدود، وهو لا يملك إلا الإيمان والإذعان، مع الكون الناطق بالتوحيد الخالص. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 8:01 am | |
| معركة أحد تلوح يد القدر بحكمتها البالغة وسننها الكونية، في آفاق المعركة الفكرية وساحاتها الحربية. كما يجول الحديث في أغوار النفس البشرية وصراعها مع هواجسها، وخلجاتها، وشهواتها، فيكشف حقيقة هذه النفس، ويصحح أفكارها، ويقوّم رغباتها. فلا فرق بين معركة النفس ومعركة السيف والرمح! فهما معركة واحدة! كان لا بدّ من هذه "المصيبة"؛ حتى يخرج المنافقون من جحورهم، بعد أن أذهلهم انتصار بدر، وفاجأهم، وقرروا بعده التدثر بالنفاق، فيمتازوا عن المؤمنين ويظهروا على حقيقتهم! "وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا... حتى يميز الخبيث من الطيب". وتتخلل آيات الربا، وتقوى الله، وطاعة الرسول، والمسارعة للمغفرة والإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ والعفو عن الناس، والإحسان، آيات المعركة! ولم لا، وهي تنطق بمقومات النصر في هذه المعركة، وفي كل معركة؟ فمجيء هذه الآيات وسط آيات المعركة، يدلّنا على أن هذه الآيات هي قلب المعركة، وهي حقيقتها! وكما جلّت المعركة مقومات النصر، فقد جسدت مقومات الهزيمة: - فهزيمة المؤمنين تجيء من عند أنفسهم: "قل هو من عند أنفسكم!" - كما تجيء الهزيمة باستزلال الشيطان: "إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا." - وتجيء الهزيمة بالتنازع والعصيان: "فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم." - وتجيء الهزيمة من إرادة الدنيا: "منكم من يريد الدنيا." وكما تعرّي المعركة حقيقة المنافقين، فإنها تكشف عن معدن المؤمنين النفيس الذي يستحق النصر. فالمؤمنون لا يريدون الدنيا، وهم "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح،" وهم "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل." وأما المنافقون، فهم في كل زمان ومكان! ولا يكون المنافقون إلا متظاهرين بالمظهر الإسلامي، والزي الإسلامي، والحديث الإسلامي، وإذا رأيت مظهرهم أو سمعت حديثهم، أعجبت بهم! لكنهم مع ذلك منافقون! وما أكثرهم حولنا في كل زمان ومكان! فمن اعتاد الكذب، وخلف الوعد، وخيانة الأمانة، وأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، فهو من المنافقين! وتسبر المعركة أغوار النفس البشرية؛ فمع أن المؤمنين قد خرجوا للموت، فقد التفت بعضهم للغنائم، حتى نزلت: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة!" ومع خروج المؤمنين للموت، ورغبتهم في ثواب الآخرة، فقد نزلت: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا. ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها!" بل استلزم الأمر تخويفهم من طاعة الكافرين، حتى لا ينقلبوا خاسرين! وبعد، فإن معركة أحد تجسيد وإثبات لسنن الكون ونواميسه التي لا تتخلف! وتدعونا إلى التأمل في هذه السنن واتباعها! فهي لا تتحول، ولا تتبدل، ولا تحابي! فسنن الكون تقضي بأن نصر المؤمنين لا يكون إلا من عند الله، وأن الله يميز المؤمنين من المنافقين بالشدة، والمحنة، والابتلاء تلو الابتلاء! فمن صبر، فله النصر، ومن فشل، لا يستحق. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الإهداء والمقدمة الثلاثاء 01 نوفمبر 2022, 8:02 am | |
| كيف نفهم الرزق الرزق قَدَر من الأقدار التي كتبها الله! ومع أننا مأمورون بالسعي، إلا أن الرزق لا يعتمد على ذلك السعي وحده! فكم من ساعين لا يألون جهدا ولا يدخرون وسعا في تحصيل أرزاقهم، لا يكادون يجدون ما يكفيهم، ولا يقترب ما يملكون مما يملكه غيرهم ممن هم أدنى منهم علما وعملا! لكن الفهم الصحيح للرزق، يقتضي السعي مع التوكل على الله، والعلم بأن الله وحده هو الذي يبسط الرزق أو يقبضه، وهو الذي يتيح أسبابه أو يمنعها. والرزق ليس المال وحده؛ فنعمة الصحة رزق، وحب الناس رزق، وأخلاق أولادك رزق، ومحبة زوجتك رزق، ومعرفتك باللغة رزق، وقراءتك للقرآن رزق، وكل ما تتمتع به من نعم في هذه الحياة رزق، يفوق كثير منه ما رزقت به من مال. وخلال سعينا وجهدنا وعملنا، علينا أن نبتغي عند الله الرزق، وأن ندرك أننا لا نحصّل ذلك الرزق بمهارتنا وحدها أو بجهدنا فقط؛ فلو كان كذلك، لتفاضلت أرزاق الناس حسب مهاراتهم وجهدهم في العمل فقط، لكنّ ذلك لا يحدث دائما في دنيا الناس. وهناك من يقدّس المال، ويراه كل شيء في هذه الحياة، فيبذل له الغالي والرخيص، ويقطع من أجله الرحم، ويهمل عائلته، بل قد يجمعه من حلال أو حرام، كما يعطي الأولوية المطلقة للمال حين يعمل، وحين يختار، وحين يتزوج، فيحرص على الزواج من زوجة ثرية، حتى يحوز أموالها، أو لا يضطر إلى تحمل المسؤولية وحده! وعلى النقيض من ذلك، يرى بعضهم أن المال لا قيمة له، فنرى كثيرا منهم لا يعمل، أو لا يسعى إلى تطوير قدراته ومهاراته، لأن هؤلاء يعتقدون أن العمل يؤخر العبادة أو يتنافى معها. فيلجأ هؤلاء إلى الاعتماد على غيرهم وإلى الكسل عن العمل، أو يحتقرون المال قلّ أو كثر. وتمتد خطورة الفكر الأناني إلى جعل المجتمع يعبد المال عبادة، ويستعبد الغني فيه الفقير. أما الفكر الذي يحتقر المال، فإنه يجعل الكسل والاستكانة سمة كثير من الشعوب التي تتكاسل، فتتأخر، ويتقدم غيرها! |
|
| |
| الإهداء والمقدمة | |
|