سورة الحج
(893)
سُكَارى مَعاَ سَكْرى (شَـ)ـفاَ وَمُحَرِّكٌ لِيَقْطَعْ بِكَسْرِ الَّلامِ (كَـ)ـمْ (جِـ)ـيدُهُ (حَـ)ـلاَ
يريد - وترى الناس سكارى وما هم بسكارى - قرأهما حمزة والكسائي سكرى كلاهما جمع سكران وأجمعوا على (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، ونظير القراءتين أسارى وأسرى كما سبق في الأنفال والبقرة وجمع سكران على سكارى بضم السين السين وبالألف بعد الكاف هو القياس كعجلان وعجالى وكسلان وكسالى، وإنما جمع على سكرى بفتح السين والقصر حملا له على فعيل بمعنى مفعول إذا كان ذا آفة وبلية فحمل سكران عليه لملاقاته إياه في المعنى كجرحى وقتلى، ونظيره قولهم روبان وروبى وهو الذي سكر من شرب اللبن الرائب والمختلط من كثرة السير والتعب قال الشاعر، (فأما تميم تميم بن مر فألقاهم القوم روبى نياما)، قال سيبويه قالوا رجل سكران وقوم سكرى وذلك لأنهم جعلوه كالمرضى، قال وقالوا رجال روبي جعلوه بمنزلة سكرى والروبى الذين قد استثقلوا نوما فشبهوه بالسكران، قال أبو علي ويجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر وهو أن سيبويه حكى رجل سكر وقد جمعوا هذا البناء على فعالى فقالوا هرم وهرمى وزمن وزمنى وضمن وضمنى لأنه من باب الأدواء والأمراض التي يصاب بها وأما كسر اللام في ثم ليقطع فهو الأصل لأنها لا أمر فهي مكسورة بدليل أنها إذا لم يدخل عليها أحد الحروف الثلاثة الفاء والواو وثم لا تكون إلا مكسورة وهذه الحروف إذ اتصلت بها فمنهم من سكنها تخفيفا لتوسطها باتصال حرف العطف بها واتصال الفاء والواو بها أشد من اتصال ثم لأن ثم كلمة مستقلة بخلافهما فإنهما يصيران إذا اتصلا بكلمة كأنهما بعض حروفها فلهذا يسكن مع الفاء والواو من لا يسكن مع ثم وذلك نظير ما سبق في أول البقرة في إسكان فهو وهو ثم هو والفاء أشد اتصالا من الواو لأنها متصلة لفظا وخطا والواو منفصلة خطا فلهذا اتفق القراء على إسكان اللام مع الفاء نحو "فليمدد، فلينظر" واختلفوا مع الواو وثم كما يأتي فإسكانها مع الفاء أحسن ومع ثم أبعد ومع الواو متوسط فإن قلت فلم اختلف القراء في ترك الإسكان مع الفاء في فهو وفهي وأجمعوا على إسكان اللام مع الفاء قلت لخفة الكلمتين لقلة حروفهما بخلاف ما دخل عليه لام الأمر فإنها أكثر حروفا فناسبت التخفيف ولهذا كان الأكثر على الإسكان هنا مع الواو ومع ثم وفي وهو وفهو الأكثر على التحريك وتقدير البيت وليقطع محرك بكسر اللام وميزكم محذوف، أي كم مرة "حلا جيده" والجيد العنق
(894)
لِيُوفُوا ابْنُ ذَكْوَانٍ لِيَطَّوَّفُوا لَهُ لِيَقْضُوا سِوى بَزِّيِّهِمْ (نَفَرٌ جَـ)ـلاَ
أراد ليوفوا نذورهم وليطوفوا لم يكسرهما سوى ابن ذكوان وأجمعوا على إسكان (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي)، في البقرة وفي النور (وليضربن بخمرهن)، وأما ثم ليقضوا تفثهم فهو بعد ثم فكسر اللام أبو عمرو وابن عامر وقنبل وورش لأنه استثنى البزي من نفر ومدلول نفر ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ورمز مع نفر لورش بقوله "جلا" فكسر قنبل ليقضوا ولم يكسر ليقطع جمعا بين اللغتين إعلاما بجوازهما
(895)
وَمَعْ فَاطِرَ انْصِبْ لُؤْلُؤاً (نَـ)ـظْمُ (إِ)لْفَةٍ وَرَفْعَ سَوَاءَ غَيْرُ حَفْصٍ تَنَخَّلاَ
أي انصب لؤلؤا هنا مع حرف فاطر يريد (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا)، فوجه الخفض العطف على "أساور من ذهب" ووجه النصب العطف على موضع من أساور أو على تقدير ويحلون لؤلؤا ورسم بالألف في الحج خاصة دون فاطر والقراءة نقل فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى وليس اتباع الخط بمجرده واجبا ما لم يعضده نقل فإن وافق فيها ونعمت ذلك نور على نور، قال الشيخ وهذا الموضع أدل دليل على اتباع النقل في القراءة لأنهم لو اتبعوا الخط وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه لقرءوا هنا بألف وفي الملائكة بالخفض، قال أبو عبيد ولولا الكراهة لخلاف الناس لكان اتباع الخط أحب إلي فيكون هذا بالنصب والآخر بالخفض وقول الناظم نظم ألفه مصدر وقع وصفا للؤلؤ وحسن ذكر النظم مع ذكر اللؤلؤ وهو إشارة إلى الائتلاف الواقع للمؤمنين في الجنة كقوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا)، الآية جعلنا الله تعالى بكرمه منهم وقوله ورفع سواء مفعول قوله "تنخلا" أي غير حفص تنخل أي اختار رفع - سواء العاكف فيه - وحفص وحده نصبه فوجه رفعه أنه خبر والعاكف مبتدأ والجملة ثاني مفعولي جعلناه ونصبه على أن يكون هو المفعول الثاني فالعاكف فاعل لأنه مصدر أي مستويا فيه العاكف والبادي ويجوز أن يكون حالا من الهاء في جعلناه وللناس هو المفعول الثاني أي جعلناه لهم في حال استواء العاكف فيه والبادي فيه وعند هذا يجوز أن يكون حالا من الذكر في المستقر
(896)
وَغَيْرُ (صِحَابٍ) فِي الشَّرِيَعةِ ثُمَّ وَلْيُوَفُّوا فَحَرِّكْهُ لِشُعْبَةَ أَثْقَلاَ
أي وغير صحاب اختاروا رفع الذي في الشريعة يعني في سورة الجاثية وهو - سواء محياهم ومماتهم - لنصبه مع حفص حمزة والكسائي على الحال ومحياهم فاعله ورفع الباقون على أنه خبر مقدم والجملة بدل من الكاف في - كالذين آمنوا - فهي في موضع نصب على المفعولية وقرأ شعبة - وليوفوا نذورهم - بفتح الواو وتشديد الفاء من "وفي" والباقون من "أوفى" وهما لغتان وهذا كالخلاف في (ولتكملوا العدة)، في البقرة فقرأ شعبة هنا كما قرأ ثم ونبه الناظم هنا على فتح ما قبل المشدد ولم ينبه على ما سبق ذكره "وأثقلا" حال من الهاء في فحركه أي ثقيلا وقوله ثم لإقامة الوزن وأجمعوا على - أوفوا بالعقود - بالألف - وإبراهيم الذي وفى -  بالتشديد و(اليوم أكملت لكم دينكم) بالألف
(897)
فَتَخْطَفُهُ عَنْ نَافِعٍ مِثْلُهُ وَقُلْ معاً مُنْسَكاً بالكَسْرِ فِي السِّينِ (شُـ)ـلْشُلاَ
أي وليوفوا في تحريك الخاء بالفتح وتشديد الطاء والأصل "فتتخطفه الطير" حذفت إحدى التاءين قال الجوهري اختطفه وتخطفه بمعنى وقراءة الباقين من خطف يخطف وتعسف بعضهم في توجيه قراءة نافع وجها ذكره الشيخ في شرحه لا حاجة إليه والنسك بالفتح يقال في المصدر واسم الزمان والمكان وهو جار على القياس والكسر لغة فيه وتقدير البيت وقل مسرعا منسكا مستقر بالكسر في السين معا يعني في موضعين - وكل أمة جعلنا منسكا - ليذكر اسم الله - لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه)
(898)
وَيُدْفَعُ (حَـ)ـقٌّ بَيْنَ فَتْحَيْهِ سَاكِنٌ يُدَافِعُ وَالْمَضْمُومُ فِي أَذِنَ (ا)عْتَلاَ
يريد إن الله يدفع فقوله "ويدفع" حق جملة من مبتدأ وخبر أي قراءة "يدفع حق" ثم قيد هذه القراءة بقوله بين فتحيه ساكن يعني سكون الدال بين فتح الياء والفاء لأن القراءة الأخرى لا تعلم من ضد هذا القيد فاحتاج إلى بيانها بقوله يدافع فحذف المضاف للعلم به ولم تكن له حاجة إلى تقييد قراءة يدفع لأنه قد لفظ بالقراءتين وكان له أن يقول، (ويدفع حق في يدافع وارد وفي إذن اضمم ناصرا أنه حلا)، ومن بعد هذا الفتح في نا يقاتلون فيتصل رمز أذن في بيت واحد وقد مضى الكلام في سورة البقرة في مصدر هذين الفعلين - ولولا دفع الله - ودفاع لله ومثله هنا أيضا فقراءة نافع يدافع موافقة لقراءة دفاع وقراءة ابن كثير وأبي عمرو يدفع لقراتهما "ولولا دفع الله" والباقون جمعوا بينهما فقرءوا "يدافع" "ولولا دفع" إشعارا بتقاربهما في المعنى فإن المراد من يدافع يدفع فهو من باب طارقت النعل وعاقبت اللص وعافاه الله ثم تممم الكلام في أذن فقال
(899)
(نَـ)ـعَمْ (حَـ)ـفِظُوا وَالْفَتْحُ فِي تَا يُقَاتِلُونَ (عَمَّ عُـ)ـلاَهُ هُدِّمَتْ خَفَّ (إِ)ذْ (دُ)لاَ
أي ضم أذن للذين نافع وعاصم وأبو عمر وعلى ما لم يسم فاعله وفتح الباقون على تقدير "أذن الله لهم"يقاتلون بفتح التاء على بناء الفعل للمفعول أيضا وبكسرها على بنائه للفاعل والتخفيف والتشديد في هذين ظاهران وسبق معنى ولا
(900)
وَبَصْرِيًّ أَهْلَكْنَا بِتَاءٍ وَضَمِّهَا يَعُدُّونَ فِيهِ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلُلاَ
يريد فكأين من قرية أهلكناها بنون العظمة قرأه أبو عمرو بتاء مضمومة أهلكتها والغيب في (كألف سنة مما تعدون) لقوله قبله "ويستعجلونك" وهذا هو الدخلل الذي شايعه أي المداخل أي المناسب والخطاب ظاهر
(901)
وَفِي سَبَإِ حَرْفَانِ مَعْهَا مُعَاجِزِينَ (حَـ)ـقٌّ بِلاَ مَدٍّ وَفِي الْجِيمِ ثُقِّلاَ
يريد (والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم)، (والذين يسعون في آياتنا معجزين أولئك في العذاب محضرون)، هذان في سبأ وقوله "معها" أي مع حرف هذه السورة وهو "والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك أصحاب الجحيم" فمعنى معجزين ينسبون من تبع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى العجز وقيل مثبطين الناس عنه وقيل معناه يطلبون تعجيزنا وفي المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا في التعجيز واختار أبو عبيد قراءة المد ورواها عن ابن عباس وقال معناها مشاقين وقال أبو علي معاجزين ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب وقال الشيخ سعوا معجزين ومعاجزين أي بالطعن فينا وقولهم سحر وشعر وغم ذلك من البهتان
(902)
وَالأوَّلُ مَعْ لُقْماَنَ يَدْعُونَ غَلَّبُوا سِوى شُعْبَةٍ وَالْيَاءُ بَيْتِيَ جَمَّلاَ
يريد بالأول - وأن ما يدعون من دونه - ومثله في لقمان واحترز بقوله الأول من الذي بعده وهو - إن الذين تدعون من دون الله - وأراد يدعون الأول فلما قدم الصفة أتبعها الموصوف بيانا فهو من باب قول النابغة والمؤمن العائدات الطير أي قرأ يدعون في الموضعين بالغيبة أبو عمرو وصحاب والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر وفي هذه السورة ياء واحدة للإضافة و - طهر بيتي - فتحها نافع وهشام وحفص وفيها زائدتان و - الباد - أثبتها في الحالين ابن كثير وفي الوصل ورش وأبو عمرو - نكير - أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك، (زوائدها ياءان والباد بعده نكير وما شيء إلى النمل أنزلا)، أي وما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل والله أعلم.